Skip to main content

Full text of "روايات مترجمة"

See other formats


17 روب‎ Es n دلقي‎ 


من الكاتبة التي كانت الملهمة لمسلسل شبكة «فىكس» الدرامي الشهير «العظام 5+ والتي کر جمت کتبها إلى خلاكين لوق وار العالم 





__ DÊJA DEAD 


رواية 





ت هوه ا ث# هو هه 


و 
و جد ات وضحة 
DEJA DEAD 2‏ * 


يتضمن هذا الكتاب ترجمة الأصل الإنكليزي 
DÊJÃ DEAD‏ 
حقوق الترجمة العربية مرخص بها قانو نيا من الناشر 
POCKET STAR BOOKS‏ 
بمقتضى الاتفاق الخطي الموقع بينه وبين الدار العربية للعلوم ناشرون» ش.م.ل. 
Copyright © 1997 by Kathleen J. Reichs‏ 
Al! rights reserved‏ 
Arabic Copyright © 2008 by Arab Scientific Publishers. Inc. S.A.L‏ 


وجذتٍ ميته 


¢** DÊJÃ DEAD 


رواية 


مراجعة وتحرير 
مركز التعريب والبرمجة 





الدارالعربية العلوم تاشرولا غم 


Arab Scientific Publishers, INC. SAL 


الطبعة الأولى 
0 ه - 2009 م 












ردمك 978-9953-87-496-8 


عين التينةء شارع المفتي توفيق خالدء بناية الريم 

هاتف: 786233 - 785108 - 785107 (961-1+) 

ص.ب: 13-5574 شوران - بيروت 1102-2050 - لبنان 

فاكس: 786230 (2961-1) - البريد الإلكتروني: 10.15مء.م5ة)/م25 
الموقع على شبكة الإنترنت: bٺ|.¬co0.صhttp://www.asp‏ 


يمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة تصويرية أو الكترونية أو 
ميكانيكية بما فيه التسجيل الفوتوغرافي والتسجيل على أشرطة أو أقراص مقروءة أو بأية 
وسيلة نشر أخرى بما فيها حفظ المعلوماتء واسترجاعها من دون إذن خطي من الناشر. 


إن الآراء الواردة في هذا الكتاب لا تعبر بالضرورة عن رأي الدار العربية للعلوو ناشرون ش.م.ل 


التنضيد وفرز الألوان: أبجد غرافيكسء بيروت - هاتف 785107 (9611+) 
الطباعة: مطابع الدار العربية للعلوم؛ بيروت - هاتف 786233 (9611+) 


رار 


إلى كارل ومارتا رایکسء 
ألطف وأكرم شخصين عرقتهما. 


كارليس رايكس 1914 - 1996 


1 - 
: 
2 4 
7 ل‎ 
لم‎ 
SN ١ 3-3 
- 4 
2 SNE 
ay 
9 
2 
/ ' 


2 
98 
و 
8 5 


Co 


د 


SY 
a 





8 - جامعة كيبيك (سان دتيس) 
9 -المرفأ القديم 


1 - جامعة ماك جيل 
2 - كوت دي نيج 

3 - جامعة مونتريال 
14 - لاغرائد سميئاير 
5 - ويست ماونت 

6 - البرج الحجري 
7 - فاندوم 

8 - جورج - فانييه 
9 - جسر فيكتوريا 
0 - سان لاميرت 








لم أكن أفكر بالرجل الذي فجّر نفسه للتوء ولكن سبق لي أن فعلت ذلك. 
أمّا الآن» فأنا أر كز على إعادة تجميع عظامه. وضعت أمامي حزءين من الجمجمة» 
بينما برز جزء ثالث من وعاء فولاذي لا يصدأ مليء بالرمل» ول يكن الغراء قد 
حف تماما في الأجزاء الى فرغتُ من تجميعها. اعتبرت أن هذه العظام تكفيئ 
للتأكد من هوية القتيل» وأعتقد أن امحقق الحنائي سيكون مسروراً. 
إني أعمل الآن في وقت متأخر من مساء يوم الخميس الواقع في 2 حزيران 
عام 1994. وقد وحدت نفسي شاردة الذهن أثناء انتظاري جفاف الغراء إذ 
أيقنت أن الصدمة ال من شأنها أن تقطع على شرودي» وأن تحوّل مسار حياتي» 
وأن تغيّر مفاهيمي حول كل ما يتعلق بحدود الفساد البشري لن تحدث قبل مرور 
عشر دقائق أحرى. رحت أستمتع عشاهدة منظر فر سان لوران» وهي الميزة 
الوحيدة الى يحدها المرء في مكتبي الضيّق. وكان منظر المياه يريح أعصابي وينعشي - 
وعلى الأحص عندما تنساب بطريقة متناغمة - وينسيئ غولدن بوند. أعتقد أن 
فرويد كان سيستمتع بهذا المنظر هو الآخر. 
أحذتي أفكاري إلى عطلة الأسبوع القادم. إذ كنت أعتزم القيام برحلة إلى 
كيبيك سيتي» ولكني لم أضع بعد تفاصيل هذه الرّحلة. فكرت في زيارة سهول 
آبراهام وف تناول بلح البحرء والفطائر المحلاة الرقيقة» بالإضافة إلى شراء بعض 
الحدايا الصغيرة من البائعين المنتشرين في الشوارع. وبكلمات أخرى؛ كنت أريد أن 
أحرب عن ظريق السياحة: رفنت قموحريال دة غا يكاملة عل اله 
9 


بصفي عالمة أنثروبولوجيا جنائية للمقاطعة؛ ولكنيي لم أذهب فعلياً إلى تلك النواحي 

حي الآن» وهذا بدت الفكرة برناجا جيدا بالسبة لي. شعرت أنني بحاحة إلى عدة 
أيام أبتعد فيها عن المياكل العظميةء والجثث المتحلّلة» أو الحثث الى مُحبت حديثاً 

هن النهن. 

غالباً ما كانت الأفكار ترد بسهولة إلى ذهيء لكن لطلما كان تنفيذها أمرا 
ضما اعتدت أن أدع الأمور تمر هكذا. إذ أعتقد أن هذه هي وسيلي للهروب» أو 
بالأحرى هذه هي طريقتٍ للسماح لنفسي بالتكوصء ولكي أفتح لنفسي طريقا 
للعبور من باب جاني لتحقيق النطط الي أرسمها. والواقع هو أنني مترددة في حياني 
الاجتماعية» ومتحمسة جدا في عملي. 

أدركت أنه يقف أمام الباب قبل أن بعد يده ويقرعه. أعرف أن الرجل 
يتحرك هدوء يندر أن يتصف به رجحل في مثل ضخامته؛ لكن رائحة غليونه وشت 
به. شغل بيار لامانش منصب مدير مختبرات الطب الشرعي لمدة عقدين من 
البوناة ريا وأعرفُ أيضاً أن زياراته إلى مكتي لم تكن اجتماعية أبدأء لذلك 
شككت بأن الأخبار الى يحملها إلي لا بد آلها سيئة. طرق لامانش الباب يكدوء 
مستخدما ظاهر يده. 

"قبرنس؟" وكان لفظه لامي مُقفى مع كلمة فرانس. فلقد امتنع هذا الرحل 
على الدوام عن استخدام امي المختصرء ولعل أذنيه م تتعودا على سماعه. ولكن, 
رعا يتعلق الأمر بتجربة سيئة له في أريزوناء فهو الوحيد الذي لا يدعون تمب. 

'وي؟ " اعتدت أن ألفظ هذه الكلمة بطريقة آلية. إذ وصلت إلى مونتريال 
معتقدة أني طليقة اللسان بالفرنسية» لكنئ اكتشفت أني لست ماهرة بالفرنسية 
الكييكة. فلقد بدأت أتعلمهاء ولكن ببطء. 

نظر الرجل إلى ورقة مكالمات هاتفية كان يحملهاء وقال: "تلقيت مکالة 
للتو". بدت كل ملامح وجهه عامودية تماماء بما في ذلك الخطوط والتغضنات الي 
تنساب من الأعلى وحن الأسفل» كما انها كانت تكوازية مع أنده الطويل 
والستقيم ومع أذنيه. بدت تفاصيل وجهه حادة. وعلى الأغلب» بدا وجهه مسنًا 
حين كان شايًا. ويل إلى أن تخضّنات هذا الوجه قد أزدادت عمقاً مع الزمن. 
وعجزت عن تقدير العمر الحقيقي لهذا الرجل. 
10 


تأمّل وحهي الذي لم يكن يطفح بالسعادة» وقال: "وجد رجلان من العاملين 
في هايدرو كيبيك (مصلحة مياه كيبيك) بعض العظام هذا اليوم". 

عاد الرجل لينظر إلى الورقة الزهرية اللون» وصمت قليلاً ثم قال بلغته 
الفرنسية الرسمية الصحيحة: "إنها قريبة من المكان الذي وُحدت فيه المقابر التاريخية 
القديمة في الصيف الماضي". لم يسبق لي أن سمعت الرحل يتكلم مستخدماً الكلمات 
المحقصرة: أو اللغة الي يستخدمها رحال الشرطة؛ أو اللهجات الأخرى. "سبق 
لك أن كنت هناك» وأعتقد أنك أمام المهمة ذاتها. أريد أن أرسل شخصاً إلى ذلك 
المكان كي نتأكد من عدم الحاجة إلى استدعاء محقق جنائي". 

رفع نظره عن الورقة» ولاحظت أن تغضنات وجهه وخطوطه قد ازدادت 
وا ا و ر انظ سحي انيدل تسد توعان ع ا ی 
وحاول أن يرسم ابتسامة باهتة على شفتيه. 

قلت بهدوء أقرب إلى التردد: "أتعتقد أنها عظام أثرية؟" 

لم يكن اللسبحث في موقع محتمل للجريمة من ضمن برنابجي» هذا إذا ما 
اعتزمت الانطلاق في عطلي يوم غد. إذ يتوحّب علي الذهاب إلى مصيغة التنظيف 
الحاف» والانتهاء من غسل الثياب» والتوقف عند الصيدلية» وحزم حقيبي» ووضع 
زيت في محرك السيارة» وشرح كيفية الاعتناء بالهرة لونستون وهو وكيل البناية 
الب أسكنها. 

أومأ بيار موافقا. 

ادن" . أدركت أن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلىي. 

ناولي الورقة؛ أتريدين أن تقلك سيارة شرطة إلى المكان؟” 

نظرت إليه» وحاولت قدر المستطاع أن أبدو في غاية الحدية: "لا. جحئت 
بسيارت إلى العمل هذا اليوم". قرأت العنوان» ووجدت أنه ليس بعيدا عن مكان 
سكين فقلت: "سأجده بنفسي". 

غادر بيار المكان باهدوء ذاته الذي صاحب جيئه. فهو يفضّل انتعال أحذية ذات 
كعرب مطاطية» ويحرص على أن تبقى جيوبه فارغة كي لا تصدر عنها أي حشخحشة» 
أو أصوات أخرى. فلقد وصل مثلما يصل تمساحٌ إلى هر رادو الصمت الذي 
رافق دوله إلى المكتب. يعتبر بعض الموظفين طريقته هذه مثيرة للأعصاب. 

11 


وضعت مجموعة من المآزر في حقيبة الظهر الي أمتلكهاء بالإضافة إلى حذائي 
المطاطيء وأملت أن لا أحتاجهاء ثم تناولت حاسوي المحمول» وحقيبة يدي 
وأمسكتُ بغطاء المائدة المزرخرف الذي اعتبرته ضرورياً في هذا الفصل. وعدت 
نفسي بأني لن أعود قبل يوم الإثنين» لكن صوتا آحر في زوايا ذه تدخّل» وأصرٌ 
على عدم صحة افتراضي. 

يندفع فصل الصيف عند وصوله إلى مونتويال مثلما يفعل راقص الرومبا الذي 
يرتدي ملابسه القطنية اللماعة ذات الكشاكشء ويظهر بساقيه اللامعتين» وجلده 
اللتمع بالعرق. إنه باختصار احتفال غير مهذب يبدأ في شهر حزيران» ويستمر 
عق أيلول. 

يتهج التاس بقدوم هذا الفصل ويستمتعون به. إذ تنتقل حياة الناس إلى 
العلنء وتعاود مقاهي الأرصفة الظهور بعد شتاء طويل وكثيب» وكذلك يظهر 
راكبو الدراجات» والتزحلقون الذين يتنافسون ٤‏ الممرات المتخصصة لسير 
الدراجات» وسرعان ما تتوالى الاحتفالات في الشوار ع الاحتفال بعد الآخرء كما 
تُحوّل حشود الناس الأرصفة إلى أمواج بشرية تفوح بالحياة. 

يختلف فصل الصيف كنثيرا في سان لوران عن الصيف في الولاية الي أنتمي 
إليهاء أي كارولينا الشماليةء حيث يتميّز الفصل ببعض الإقبال على الاسترخاء 
على كراسي البحرء أو بالتنزه في الحبالء أو بالحلوس على شرفات المنازل في 
الضواحي. يصعب على المرء أن يحدّد هناك التواريخ الفاصلة ما بين الربيع» 
والصيف» والخريف» من دون الاستعانة بروزنامة. فوجعت ذه الولادة السريعة 
للربيع في سني الأولى الي أمضيتها في هذه المناطق الشمالية» وأبعدت عن أفكاري 
الحنين إلى الوطن الذي بدأ يخيّم علي في الليالي الطويلة» والباردةء والمعتمة. 

سيطرت هذه الأفكار على ذهي بينما كنت أقود سيارت نحت جسر جاك- 
كارتييه. وعندما بدأت أنعطف غربا باتجاه فايغر. مررت من أمام مصنع شراب 
مولسونء الذي عتد. على ضفة النهر إلى يساريء ثم مررت من أمام برج مب 
راديو كندا الدائري» ورحت أفكر بالناس امحتجزين داحل هذا المبى؛ هم شاغلو 
هذه الخلايا الصناعية الذين يتمنون» ومن دون شكء الانطلاق من أماكن أعمالهم. 
مثلي أنا. تصورتمم يتأملون أشعة الشمس من وراء واجهاتهم الزجاجية الشفافةء 

12 


ويحتون إلى رؤية الزوارق» والدرّاحات الحوائية» والأحذية المطاطية» وينظرون إلى 
ساعاتهم بين حين وآحر» بينما يستمتعون بدفء أشعة نمس حزيران. 

أنزلت زجاج نافذة السيارة» ومددت يدي كي أشعْل حهاز الراديو. 

معت جيري بولي يغ Cur"‏ يك "1es eux‏ ترجمت كلمات الأغنية 
في ذهئ. استطعت أن أتصوره» وتخيل نه شخخصاً ضخماً ذا عينين داكنتين؛ 
وحصلات شعره تتطاير حول رأسه» ويتمايل مع موسيقاه متحمساً. تصورثه رحلا 
ا 

رجعت بتفكيري إلى تلك للمقابر التاريخية الأثرية. يتولى الحققون 
الأنثروبولوجيون قضايا مثل هذه. فهم يتفحصون العظام القديمة الي ينبشها عمال 
البناء» والكلاب» ومياه الفيضانات» وحقارو القبور. ويشرف مكتب الحقق النائي 
على الوفيات في مقاطعة كيبيك. إذ يجد الحقق الجنائي نفسه مضطرا لمعرفة أسباب 
الوفاة» وما إذا كان المرء قد مات بطريقة غير مناسبة» أي من دون إشراف الأطباءء 
أو خارج سريره. وإذا كان موت المرء يهدّد حياة الآخرين» فسيجد المحقق الحنائي 
نفسه مضطرا لمعرفة هذه المعلومة. ويطلب الحقق الحنائي تفسيرا للوفيات الناتجة عن 
أعمال العنف» أو الى تحدث فجأة أو في غير أوانها. ولكن الأشخاص الذين قضوا 
منذ وقت طويل لا يحظون إلا بقدر طفيف من الاهتمام. فلقد بقيت هذه الوفيات 
تست صرخ الأصوات المطالبة بالعدالة» ولرعا حملت معها تحذيراً من كارثة داه 
لكر ن هذه الصرخحات بقيت ساكنة لوقت طويل جداً. إذ يتم التأكد أولاً من قدّم 
SS‏ اھ 
اش . وأتمى ذلك من كل قلي. 

كنت البسارةغر طريق مر وعبر ازدحام السيارات قي وسط المدينة. 
ووصلت في غضون حمس عشرة دقيقة إلى العنوان الذي أعطان إياه لامانش؛ لا 
غراند سسيميناير. ُعتبر لا غراند سر سيميناير من بقايا الممتلكات الضخمة لدور 
العبادق وق قل تعاس كر فين الأراسي الواقعة في قلب مونتريال. أنا الآن 
في سنتر فيلء وسط المدينة» أي الحي الذي أسكنه. صمدت هذه القلعة المتحضرة 
هه اموجه ل ام وك ولذلك فإها تقف 

هدة صامتة على مؤسسة كانت قوية في وقت من الأوقات. رأيت الجدران 


13 


الحجرية الجهزة بأبراج للمراقبة وال تحيط بقلاع رمادية معتمة الألوان. وشاهدت 
بض مساحات من العشب الأحضر الي تلقى عناية مناسبة» بالإضافة إلى مساحات 
أحرى ث ركت من دون عناية. 

اعتادت العائلات أن ترسل أبناءها بالآلاف إلى هذا المكان كي يتدربوا على 
حياة التعبّد. وكان ذلك في أيام العز الى عرفتها دور العبادة هذه. أمّا في هذه 
الأيام» فيدأب عدد قليل من الشبان على الحضور إليها. علمت أن الأبنية الكبيرة قد 
تم تأحيرهاء وأن مهمة مدارسها ومؤسساتا أصبحت أكثر علمانية» حيث حل 
الإنترنت» والفاكس» مكان النصوص الدينية؛ وأصبحا المعتقد الفعلي للناس. أعتقد 
أن هذا المكان يصلح لاتخاذه رمزا للمجتمع الحديث. 

توقفت في شارع صغير فا لار التابحة لل و ا شرق ااه 
شيربروك, أي باتجحاه ذلك القسم من الأرض الذي تستأحره الآن كلية مونتريال. 
م ألاحظ أي شيء غير اعتيادي. أسندت مرفقي إلى زجاج النافذة» ثم نظرت 
باتماه الجهة المقابلة. لسع ساعدي ذلك المعدن الساحنٌ والمغطى بالغبار» فسحبته 
بسرعة مثلما يفعل سرطان بحري بعد أن يضرب بعصا. 

شاهدتهم في تلك اللحظة. كانوا مستندين بطريقة فوضوية إلى جدران البرج 
الحجري الذي يعود إلى القرون الوسطى. استطعت أن أرى سيارة شرطة بلونيها 
الأزرق والأبيضء وتحمل على جانبها عبارة شرطة مديدة مونتريال» وقد سدّت 
المدحل الغريي المؤدي إلى المجمّع السكين. شاهدت أمامها مباشرة شاحنة تابعة 
لمؤسسة مياه كيبيك بسلالمها وأجهزقاء الى تتدلى مثل ملحقات محطة فضائية. 
شاهدت ضابط شرطة يقف إلى جانب الشاحنة» ولكنه كان منشغلاً بالحديث مع 
رجلین يرتديان ثياب العمل. 

انعطفت يساراء والتحقت بالسير المتجه غرباً فوق شيربروك. شعرت 
بالارتياح لأنني م أرَ مندوبي الصحف. إذ يتحوّل الاحتكاك مع الصحفيين في 
مونتريال إلى كارثة مزدوجة» لأني اكتشفت أن وسائل الإعلام تستخدم 
اللغتين الفر نسية والإنكليزية. وأنا لا أعتبر نفسي لطيفة بالضبط عندما أضطر 
للتكلم بلغة واحدة» لكنئ سرعان ما أصبح فظة بالتأكيد إذا ما اضطررت لرد 
هجوم باللغتين معاً. 


كان لامانش على حق. سبق لي أن حضرت إلى هذه الأمكنة في الصيف 
الفائت. إنن ما زلت أتذكر القضية الى عملت عليها حينهاء حيث تم الكشف عن 
عظام أثناء إصلاح أحد أنابيب المياه الرئيسية. وكانت ملكية تلك الأراضي تعود 
إلى دار العبادة. تذكرت وجحود المقبرة القديمة» وعمليات الدفن الي حرت. 
وتذكرت أيضاً استدعاء عالم الآثار. أقفلت القضية عند هذا الحد. أتمئ من كل 
قلبي أن يجري التقرير الذي سأكتبه عن هذه القضية على نحو ممائل. 

ناورت بسيارق المازدا كي أركنها أمام لا لالت أن الال 
الثلاثة المتواحدين في المكان قد توقفوا عن تبادل الحديث» ونظروا إلي. تمهّل 
اف وير غك د بولق ا وكأنه يفكر بامسألة ملياء ثم تمرك 
نحوي. لم يبتسم. أعتقد أنه جاوز نوبة عمله لأن الساعة أشارت إلى الرابعة 
والربع من بعد الظهرء ولعل الرحل لم يكن سعيدا بالبقاء في هذا المكان. حسناء 
هذه هي حالي أيضا. 

'عليك أن تحركي هذه السيارة يا سيدني. لا تستطيعين إيقافها هنا". 

أشار الرجل بيده وهو يحدَثيي كي يدي على الاتجاه الذي يُفترض بي أن 
أسلكه لدى مغادرق. استطعت أن أتخيّل أن حركة يده تشبه تماما حركتها عندما 
يطرد الذباب عن طبق سلطة البطاطا. 

أغلقت باب المازدا بشدة وقلت: "أنا الدكتورة برينان. أعمل لدى مختبرات 
الطب الشرعي". 

"هل أتيت من قبل مكتب الحقق الجنائي؟" 

كانت فمجته اللطيفة هذه توحي بالثقة» حي ولو جاءت من فم محقق يعمل 
لدى أجهزة المخابرات السوفياتية. 

قلت ببطي وكأني مدرّسة في الصف الثاني الأساسي: "أجل. إني 
الأنفروبولوجية القضائية. وأنا أهتم بالقضايا الغامضة, وبالمياكل العظمية. أعتقد 
EA‏ للك أطي 

وناولتُه بطاقة تعريف عن عملي. أنبأتيي لوحة نحاسية صغيرة بت فوق جيب 
قميصه أنه الشرطي غرولكس. نظر إلى الصورة اللمثبتة على البطاقة» ثم نظر 
باجحامي. م يكن مظهري مقنعاً بالنسبة إليه. كنت قد قرّرتُ صباحا العمل على 

15 


تحميع جمجمة طيلة اليوم؛ ولحذا فقد ارتديت ملابس تناسب مواد الغراء. فارتديت 
سروالاً من الحينز البنّي الشاحب» وقميصاً من نفس النوع» ورفعت كمي حي 
ال مرققينء وانتعلت ناء عالیاء لكن مخ دوف جورین. ضمت معظم شعري تحت 
قبعة» أما ما بقي منه فتحرر من القبعة مطيعاً قانون الحاذبية» وراح يتلوى حول 
وجحهيء ثم ابحه نزولاً نحو عنقي. انتشرت بقع حافة في أنحاء وجحهي» فجعلتي 
أبدو وكأاني والدة في منتصف عمرها أحبرت على التخلي عن مشروع لصق 
أوراق الجدران الذي كانت تقوم به» أكثر من كون أنثروبولوجية تعمل لدى 
القضاء الشرعي. 

تفحَص الرجل بطاقي لوقت طويل» ثم أعادها لي من دون أي تعليق. واتضح 
لي أنيي لست المرأة الى كان ينتظرها. 

سألُه: "هل رأيت البقايا العظمية؟" 

حرك الرحل يده بطريقة غريبة كي يشير إلى الرجلين اللذين وقفا يراقبانناء 
ولذلك أرجحاًا حديثهما حي وقت آخر. "لا. إني أحرس المكان. وحد هذان 
الرحلان العظام. وسيرشدانك إليها". ٤‏ 

تساءلتة ما إذا كان الشرطي غرولكس قادرا على تأليف جملة مركبة. أشار 
e‏ ثانية إلى العاملين. 

'سأحرس سيارتك". 

أو أت باتجاهه» لكنه تحرك مبتعدا. راقبي عاملا مصلحة المياه بصمت أثناء 
تقدمي نحوهما. وكان كل منهما قد وضع نظارة بيضاوية الشكل» ولکنن لاحظت 
أن أشسعة همس المساء كانت تنعكس بشكل متناوب على على زجاج نظارتيهما كلما 
حرّك أحدهما رأسه. ودار قار و كن يماك ل تشاع RZ E‏ 
القلوني: 

ناا تی عل يسارك ساسا لاحل أنه ا ع واک 
الوحه» ويمتلك النظرة ذالما الي يتميّز ها كل كلب صيد صغير. نظر الرحل حوله 
بعصبية» وتنقلت نظرته ما بين شيء وآخرء وبين شخحص وآخرء مثلما تفعل النحلة 
عندما تنتقل بين زهرة متفتحة وأخرى. أبقى الرحل نظرئه مركزةً نحوي ثم أبعدها 
عي على نحو مفاجئ» وكأنه خشي أن يدفعه تلاقي نظرته مع نظرات الآخر ين إلى 

16 


الإقدام على أمر سيندم عليه فی ما بعد. نقل ثقل وزنه بين قدم وأخرىء ثم أحى 
كتفيه قبل أن يرفعهما بحددا. 

كان شريكه رجلاً أضخم بكثير. وجهه شاحب» وقد أسدل ضفيرة شعر 
طويلة ورفيعة. ابتسم الرحل ما إن اقتربت منه» فبانت على الفور فجوات كانت 
تحتلها أسنان ذات يوم. شككت أن يكون الأكثر ميلاً للثرئرة من بينهما. 

بادرن الرحل بالفرنسية: "مرحباً. كيف حالك؟" 

رددت عليه بإعاءتين متتاليتين: "أنا بخير. أنا بخير". 

عرفت بنفسيء ثم سألتهما ما إذا كانا قد أبلغا عن اكتشافهما للعظام. 
فشاهدت المزيد من الإبعاءات. 

"إذاً أخصبراق عنها". تناولت دفتر ملاحظات من حقيبة ظهري» وفتحت 
الدفتر» وجهّرَتُ قلمي استعداداً للكتابة. م ابتسمت تشجيعاً هما 

تكلم الرحل ذو الضفيرة بحماسة» وتدافعت كلماته مثلما يفعل الأطفال الذين 
ينطلقون لأحذ استراحتهم المدرسية. بدا لي أنه يستمتع هذه الحازفة. وتميزت لغته 
الفرنسية بألفاظها المشدّدة. فتسارعت الكلمات متزاحمة من فمه» فضاعت أواخر 
بعضهاء على عادة الكيبيكيين الذين يسكنون ق الجهات العليا من النهر. ووحدت 
نفسي مضطرة للإصغاء إليه بعناية. 

أشار بيده إلى أسلاك الطاقة الكهربائية الموجودة فوق رؤوسناء ثم أحرى 
لديا هري ايلا ال اه م "كنا شرع ةه وف اا 
الكهربائي» إذ يتعيّن علينا إبقاء الخطوط نظيفة". 

أومأت موافقة. فالتفت وأشار باتحاه منطقة كثيفة الأشجار» تمتدٌ على طول 
قطعة الأرض الي كنا نقف عليها وتابع قائلاً: "عندما نزلت إلى تلك الحفرة 
الموحودة هناك» شممت رائحة غريبة". توقف عن الكلام» وتسمّرت عيناه قي اتجاه 
الأشحارء ثم مد ذراعه» واحترقت سبابته الحواء. 

"غربية؟" 

استدار إلى الخلف: "حستاء لم تكن غريبةٌ بالتحديد". توقف قليلاً ساحباً 
الهواء بشفته السفلى أثناء بحثه عن الكلمة المناسبة في قائمة المفردات الي يختزنها في 
ذهنه. تابع قائلا: "رائحة جثة. أتعرفين» رائحة حثة؟" 


17 


انتظرثه كي يكمل حديثه. 

"أتعرفين؟ وكأن حيواناً زف كي عوك و کان يناسبه" . 

هر كتفيه قليلا عندما نطق هذه العبارة الأحيرة» ثم نظر نحوي كي يعرف إذا 
ما كنت عازمة على موافقته على قوله. كنت أعرف ما يتحدث عنه هذا الرحل» 
فرائحة الموت ليست غريبة عئ. فأومأت ثانية. 

"اممتقاة SE OI‏ أو رعا نمسأ مات في المكان. بدأت 
باستكشاف المكان حول الموصل الكهر بائي مستعيناً معولي» ور كرت على المكان 
الذي فاحت منه الرائحة الأقوى. وحدت» بالتأكيد» مجموعة من العظام". هز 
الرحل كتفيه مرةً أخرى. 

"آه - هه". بدأ شعور غير مريح يسيطر علي. إذ لا تصدر رائحة عن اللحشث 
المدفونة منذ زمن طويل. ل 

"وهكذا ناديت جيل..." نظر إلى الرجل الأكبر منه سنا منتظرا منه الموافقة 
عند كاردا غيل و بالتحديئ فق ا رک "210 يدانا ف نويا بين 
أوراق الأشجارء وتلك العظام الى وجدناها. لم يكن ما وجدناه يشير إلى ما يشبه 
بقايا كلب أو نمس". طوى الرجحل ذراعيه فوق صدره أثناء تلفظه هذه العبارات» 
وأحفض ذقنه ثم وقف على عقبيه. 

"ولماذا؟" 

"إنه كبير حدا". طوى الرحل لسانه» ثم استخدمه كي يتفحص إحدى 
النغغرات الموجودة في طقم أسنانه الصناعية. ظهر طرف لسانه» ثم احتفى ما بين 
أسنانه مثل دودة تتحقق من طلوع تمس النهار. 

عل ا 

تراجع الرحل النحيل إلى الوراء. "ماذا تقصدين؟" 

"هل وجدتما شيعا آخر غير العظام؟" 

"أحل. وهذا ما بدا غريبا بالنسبة لي". مد ذراعيه على طوهماء وأشار إلى 
أبعاد ذلك الشيء الغريب بيديه. "وجدنا كيساً مصنوعاً من النايلون يحيط بكل 
هذه الأشياء..." هر كتفيه» ثم رفع راحتّي يديه» وترك جملته غير مكتملة. 

شعرت أن انزعاجي يتزايد. "وماذا بعد؟" 


18 


"وفينتوز واحدة". قالها بسرعة. وبدا وكأنه شعر بالارتباك والدهشة في 
الوقت ذاته. رافقئ جيل بنظراته. أدركت أن فهمه لما يحري يعادل ما فهميّه أنا. 
ابتعد بنظره عن الأرض» ثم ما لبث أن عاد كي يتفحصّها ثانية. 

ظننت أن را لم أفهم الكلمة الي قالها للتو. "ماذا؟" 

'فينستوز. مطبة من النوع الذي يُستتخدم في الحمامات". أومأ بحر کات يديه 
إلى كيفية استخدامهاء وتقدّم بجسده إلى الأمام» لذن وذيها حول قهنا TT‏ 
ثم راحت ذراعاه ترتفعان وتنخفضان صعوداً ونزولاً. لم تكن هذه الحركات 
الإعائية بشعة في سياقهاء بل حاءت مزعجة بعض الشيء. 

تلفظ جيل بكلمة 'ساكرية..." وممّر نظره على الأرض. اكتفيت بالتحديق 
فيه. لم يكن هذا صحيحا. لذا اميت كتابة ملاحظان» ثم أغلقت الدفتر. 

م أرغب بانتعال جحزمي» وردائي الفضفاض الذي أرتديه أحيانا فوق ملابسي 
إلا إذا كان ذلك 0 "هل الأرض رطبة هناك؟" 

رة الرجل: "لا". نظر بحدداً إلى جيل كي يحصل على تأبيد لما قاله. فأوماً 
الرجل من دون أن يحول بصره عن التراب الموجود على قدميه. 

قلت "حمنا. ھا ا میت أن اندو مشمخة بالمدوع اک غا شعرت به 

ا جل اذو الضفيرة اماتا فرق ال زوق فان واعدرنا د ا 
حي وصلنا إلى واد صغير» ولاحظت أن الأشجار والأعشاب تتكاثف كلما اقتربنا 
من قعر الود تن الرحلين نحو الأجمة. أمسكت بالأغصان الكبيرة في يدي 
اليمن» وهي الأغصان الي دفعها الرحل نزولا نحوي» قبل أن يمرّرها نحو جيل. 
ومع هذا بقيّتْ بعض الأغصان الصغيرة عالقة في شعري. فاحت رائحة التراب» 
والأعكات» :وأؤزاق الأشتحان المتففنة سكت اش الق من خلال الأغعنان 
الخضراء بطريقة غير متساوية جاعلة من الأرض تبدو مبقعة مثل قطع أحجية. 
وحدت أنوار الشمس منفذا ها حى تصل إلى الأرض. وتراقصت جزيئات الغبار 
ضمن حرم الأنوار. بينما حامت الحشرات الطائرة حول وحهي» وأرّت في أذ 
في حين فلت الحشرات الزاحفة أن تتمسك بكاحلي. 

توقف العام ل الموجود في أسفل الوادي كي يستريح قليلاً ثم انعطف نحو 
جهة اليمين. تبعبّه وانشغلت يمكافحة البعوض» وأبعدت النباتات عن طريقي» 

19 


وحدّقتُ في أسراب البعوض المتطايرة حول عيييٌء وركزت على البعوضة الوحيدة 
الي اتجهت مباشرة نحو قرنية عيي. انتشرت حبيبات العرق على ثنايا شعري 
وشفىٌ» وتسببت في التصاق حصلات شعري اطاربة بجبهي وعنقي» لذلك ما كان 
يجدر بي أن أقلق بشأن فستاي» أو شعري. 

لم أحد نفسي بحاجة إلى دليل كي أعرف أن لا أبعد عن الحثة سوى حمس 
عشرة ياردة. فلقد اشتممت رائحة الموت المميزة» والممتزجة مع رائحة تربة الغابق 
وضوء الشمس. ولم تكن رائحة ة الحثة المتحللة تشبه أي رائحة أحرى» وهي تيم 
فوقنا وسط هواء المساء الدافئ. مد بارادجة يو كن ارم زرا 
يتجاهلها. قويّت الرائحة النتنة شيئاً فشيئاً مع كل حطوة مشيُّها مشيتهاء وتعرّزت كثافتها 
مثل طنين أسراب الحراد. لم تعد رائحة الموت ممتزجة روا الأحرىء لأنها 
تغلبت على كل ما عداها. استسلمت روائح الآشنة» ل ل 
رائحة اللحم المتعفن. 

توقف جيل» ود في مكانه محتفظا عسافة معقولة تفصله عن الحثة. فلقد 
اكتفى الرجل بالرائحة» لذلك لم يكن بحاحة إلى إلقاء نظرة أخرى. ف ی قف 
الرضل الأصع نا يفك أن تقدّم عشرة أقدام أخرى» والتفت نحوي» ومن دون أن 
ينطق بكلمة واحدة» أشار نحو كومة صغيرة مغطاة جرئياً بالأوراق» وبعض البقايا 
الأخرى. حامت أسراب الذباب حول الكومة مثلما يحوم الآكادكيون حول مائدة 
لعا ا / 

شعرت بتشنج في معدي فور رؤييٍ هذا المنظر» وبدأ ضونت .راسي يضح 
بالقول "الم أقل لك ذلك؟" تزايد النوف في أعماقي. وضعت حقيبي عند أسفل 
وة رارت قفار ين ن دمت هدو و سط الأعقنان الخضواء. وأ كد 
المنظر الذي رأيته مخاوقي. 

برزت» من خلال الأوراق والتراب» مجموعة من عظام الأضلاع» وال 
أشارت أطرافها نحو الأعلى» فبدت مثل أضلاع قارب في المرحلة الأولى من 
التصنيع. انحنيت كي انظر عن قرب. واعترضت أسراب الذباب الي توهجت 
ألوان قوس القزح من خلال أجسادها الزرقاء - الخضراء. أزحت بعض بقايا 
الأغصان فلاحظت أن قسما من العمود الفقري يثبت الأضلاع في مكافا. 


20 


او ها وارتديت قفاري ثم بدأت بإزالة حفنات من أوراق 
الأشجار اليابسة» وأوراق الصنوبر الإبرية. وعندما بدأ العمود الفقري يظهر أمام 
قو الس ددعف رعا فى اناف د اع للش الت عن مها 
وتدافعت نحو الخارج؛ ثم اختفت الواحدة بعد الأحرى بعيداً عن أطراف العظام. 

تارعس اة ار خر لاغ الط اة الراك وة من نظي 
تناخ كلاثة أقدام مريعة شرا ببطء وعناية. استطعت أن أعرف في غضون عشر 
دقائق طيية لعل لدي كر كليم حل ريق رفعت خصلة شعري بيدي المغطاة 
بالقفاز المطاطي. وتراحعت قليلاً واسترحت كي أعاين الصورة الي بدأت تظهر 
أمام عيي. 

نظرت إلى الجذع الذي ظهرت منه العظام في بعض أجزائه. فشاهدت القفص 
الصدري» والعمود الفقري» والحوض الذي ما زالت تربطه عضلات وأربطة 
تعرضت للجفاف. ب لسع اك حاو حي لوعي اللا 
أشهر أو أعوامء لكن الدماغ والأعضاء الداحلية لم تتمتع بالإصرار ذاته. فلقد 
TT‏ ويحدث ذلك في 
غضون أسابيع. 

رأيت بقايا الأنسجة الحافة البنيّة اللون وال تتمسك بأسطح عظام الصدر 
والبطن. حلست القرفصاء فأسرعت أفواج الذباب لتحوم من حولي. وتسللت حزم 
أشعة الشمس من حلال أشجار الغابة المنتشرة في المكان. تأكدت من أمرين» أولهما أن 
الجذ ع يعود لإنسان» وي أن تواجده في هذا المكان كان منذ وقت قريب. 

ادر كسيف ا أن مويه ل وصوله إلى هذا لكان لم يكن من قبيل 
الصدفة. فلقن نا كذ مم أن الطيعية ت یت ا إذ ضعت البقايا في 
كيس من النايلون من النوع العادي الذي يُستخدم لحمع النفايات في المطابخ. 
وحمت أن الكيس الذي أصبح ممزقاً الآن قد استّخدم من أحل نقل هذا الحذع. 9 
أحد الرأس ولا الأطراف» ولم ألاحظ وحود أي أغراض شخصية» أو أي أغراض 
أخرى في الكيس. ما عدا شيعا واحدا. 

أحاطت عظام الحوض يمطبة مثل تلك المستخدمة في الحمامات. وبرز مقبضها 
الخشبي الطويل نحو الأعلى» وبدا مثل قطعة بوبسيكل مقلوبة» ورأيت دائرة 


21 


الغطاس (لمطبة) الحمراء ملتصقة بشدة على فتحة الحوض. أوحى لي هذا المنظر 
بأفا حشرت عندا ف .مكافا: وبدت الفكرة مرعبة مع أن الرابط الذي استنتجته 


كان منطقيا. 
وقفت ونظرت من حولي» وشعرت أن ركبيٌ تعترضان على وضعية وقويٰ. 
أعرف من تحاربي السابقة أن الحيوانات المفترسة تستطيع جر أجزاء من جثة ما 


مسافات مذهلة. إذ تستطيع | الكلاب تخبئة هذه ار ا الكثيفة» 
لكن الحسيوانات الحفارة تستطيع نقل العظام الصغيرة» والأسنان» إلى حفر تحت 
الأرض. نظفتٌ بقايا التراب من يدي» 0 المنطقة و 
وبحت عن طرقات محتملة. 

أرّت أسراب الذباب من حولي» وزعق صوت بوق سيارة في شبربروك؛ الي 
لها تبعد مليون ميل عي. تسلّلت إلى ذه ذكريات غابات أخرى» وقبور 
أخرى» وعظام أحرى» وبدت مثل صوّر غير مترابطة من أفلام قدعة. وقفت من 
دون حراك في مكان» وتابعست بجشي بانتباه. لم أشاهد أي أمر شاذ في المنطقة 
الحسيطة بي» لكنيي أحسست بوجود أمر مثل هذا. واحتفى هذا الشيء ء اطحاف قبل 

أن تتمكن خلايا دماغي العصبية من تكوين صورة له. حدث ذلك بسرعة تمائل 
رغه اها وخزمة من الصو بعد «العكاسها على بنط مرا دف وة 
أستطع تفسيرها إلى الالتفات. لم أرَ شيئا. تسمّرتُ في مكان» لكني م أكن وائقة 
من رؤييي لأي شيء. طردت الحشرات الى حامت أمام عييٌ» ولاحظت أن 
الطقس بدأ بميل إلى البرودة. 

اللعنة! تابعت بحثي. تطايرت خحصلات شعري المشبعة بالرطوبة حول وجهي 
بفعل نسيمات خفيفة استطاعت بعثرة أوراق الأشجار. تملكين الإحساس ذاته 
بحدداً. اعتقدت أن ضوء الشمس ينعكس على سطح ما. تقدمت خطوات قليلة مع 
ني لم أكن متأكدة من مصدر هذا الوميض» ثم توقفت. تنبهت كل خلية من 
خلايا كياني مترصدة كل الأضواء والظلال. لا شيء. لا يوجد» بالطبع» أي شيع 
غريب أيتها الغبية! لا يُمكن أن يتواحد أي شيء هناك؛ حي الذباب. 

اة اة . هبت الريح بلطف فوق سطح لامع وتسيبت في توج موقت 
في أضوء المساء. لم يكن التموّج كبيرا لكن عبيّ استطاعتا ملاحظته. تمكنتُ من 

22 


التنفس بصعوبة. اقتربتُ أكثرء وتطلعت إلى الأسفل» ول أفاجأ ما رأيته. فكَرت في 
تفي أن ی بدأت الآن. 

تراءت لي مسن خلال فجوة في جذور شجرة حور صفراء زاوية كيس 
بلاستيكي آخر. انتشرت باقة من الحوذان (عشب ذو زهر أصفر) حول شجرة 
الحور والكيس» ولَمّت بشكل مجموعات معرشة لتختفي تحت الأعشاب الي نيط 
يما. بدت الأزهار ذات اللون الأصفر الفاقع مثل الأشكال الحاربة في لوحة بياتريس 
بوتر» بيئما بدت نضارة الأزهار في تناقض شديد مع ذلك الشيء الذي أعرف أنه 
يختبىئ في كيس مصنوع من النايلون. 

اقتربت من الشجرة» وسمعت طقطقة الأغصان الطرية» والأوراق تحت قدمي. 
استندت بإاحدى يدي» وجرّبت باليد الأحرى أن أرفع ما يكفي من الكيس 
الصنوع من النايلون بشكل يكن من وضع يديء ثم أسندت جسدي بقوة) 
وسحبت بلطف. لا فائدة. أعدت لف الكيس المصنوع من النايلون حول يدي 
اا ق كلاب من أن الكبيق 
يحتوي على شيء ما. بدأت الحشرات تطنْ حول وحهي» وبدأت قطرات العرق 
تتساقط على ظهري» وبدأ قبي بالخفقان مثل آلة موسيقية تعزرف ضمن فرقة. 

سحت مرة أخرى فتحرّر الكيس. دف إلى الأمام السافة تكفيئ كي ألقى 
نظرة على محتوياته. أو لعل أردت فقط أن أبعده عن أزهار ميز بوتر. اكتشفت 
أن الكيس ثقيل بغض النظر عما يحتويه» لكنئ كنت شبه متأكدة تما يحتويه. كنت 
محقة» فما إن بدأت بفك رباطات أطراف الكيس حي فاحت رائحة العفونة القوية 
وغطت على ما عداها. 

حدق بي وجه بشري. م يتعفن الوحه تماما بسبب تغطيته» الأمر الذي أبعد 
عنه الحشرات الي تسرّع عملية التحلل» لكن الحرارة والرطوبة غيّرتا معالم الوجه 
وحولتاه إلى قناع للموت لا يحمل إلا القليل حدا من الشبه بالشخص الذي كان 
على قيد الحياة. حدقت بي عينان ذاويتان ومتقلصتان من تحت جفنين نصف 
مغمضين. رأيت الأنف منحنياً نحو جهة واحدة: والمنخرين منضغطين ومسطّحين 
على حد غائر. لاحظت الشفتين المزمومتين» والتكشيرة الأبدية الى رسمتها مجموعة 
ين كيدان ا نا برو للج ف ار المت ادن بإزن ا 

23 


وتشكلت قشرة بيضاء رطبة قولبت نفسها حول العظام الموجودة تحتها. أحاطت 
كتلة من الشعر الأحمر الباهت بكل تلك الأشياء» ولاحظت أن الفصّل اللولبية 
الباهتة قد التصقت بالرأس بواسطة أنسجة الدماغ الُسالة والمتسربة. 

مرتحفة أغلقت الكيس. تذكرت عاملي المياه» وتطلعت نحو المكان الذي 
تركتهما فيه. رأيت أصغرهما سنا يراقبي جيداء فيما بقي رفيقه خلفه وبعيدا عنه 
قليلًء وقد أحيئ كتفيه» وأدحل يديه في أعماق حيبي سرواله الذي يرتديه أثناء 
العمل. 

حلعت قفاري ومررت بالقرب منهماء ثم حرجت من تحت الأشجار لأعود 
إلى حيث تقف سيارة الشرطة. لم يقولا شيعا لكنئ معت وقع أقدامهما ورائي» 
فوق أوراق الأشجار. 

شاهدت الشرطي غرولكس مستنداً إلى السيارة. راقبي وأنا أقترب نحوه لكنه 
لم يتحرك. سبق لي أن تعاملت مع أشخاص أكثر وداً. 

أستطيع أن أكون ا بدوري. "هل أستطيع استخدام جهاز الراديو في 
مارا 

اتتصب واقفاً ومستنداً إلى يديه» واستدار حول السيارة متجهاً نحو جهة 
السائق. أدحل رأسه من خلال النافذة المفتوحة» وانتزع الميكروفون من مكانه ثم 
وجه نحوي نظرة تساؤل. 

قلت: "إها جرعة قتل". 

بدا نها شعر بالأسف» ثم طلب الرقم الذي أردثه. قال للموظف: 'قسم 
المرائم". ممعت صوت رحل تحر ينساب في الهواء بعد فترة من التأخير المعتادء 
والتحويلات» والخشخشة. 

قال الصوت بنبرة من الغضب: "كلوديل". 

ناولي الشرطي غرولكس الميكروفون. عرفت بنفسي» وأعطيئه عنوان الموقع 
الذي أتواجد فيه. قلت له: "لدي جرعة قتل هنا. وهناك احتمال وجود عملية 
لضن مق اة و بتكمل أن تكون الطتحية أشن وعناك امال حدوك عملية 
قطع للرأس. أريدك أن ترسل فريقاً من أجل نقل المثة على الفور". 

مرّت فترة انتظار طويلة. واتضّح أن الجميع وجدوا هذه الأحبار سيئة. 


24 


"عو" 

کرّرت ما سبق وقلته» وطلبت من كلوديل أن يُبلغ بيار لامانش عندما يتصل 
موظفي المشرحة. فلن تكون هناك حاجة لعلماء الآثار هذه المرة. 

أعدت الميكروفون إلى غرولكس الذي أصغى إلى كل كلمة قلتّها. ذكرئه 
بضرورة الحصول على تقرير كامل ين العاملين. بدا مثل رجحل حکم عليه للتو 
بالسجن عشرة أعوام» أو عشرين عاما. أدرك الرحل أنه لن يتوجّه إلى منزله في 
وقت قريب. لم أشعر بتعاطف خاص تحاهه» حصوصا وأنني لن أمكن من النوم في 
كيبيك سيت في عطلة ماية الأسبوع هذه. تبيّن لي بعد أن احتزت مسافة قليلة 
باتهجاه منزل بأنه لن يتمكن أحد منا من النوم كثيرا لمدة طويلة. وقد بيت 
الأحداث أن كنت محقة» لكنيْ ل أتمكن من تقدير مدى الرعب الذي تربّص بي. 


25 











بدأ اليوم التالي حاراً ومشمساً مثل اليوم الذي سبقه» وهو الطقس الذي يرفع من 

کک ا ني امرأة يتأثر مزاجها بالطقس» » لذلك يتحسّن مزاجي مع تحسن 
ف المع الو ويهبط معه. لم أشعر أن للطقس أهمية في ذلك اليوم بالذات. 

لم 0 شريح رقم 4» وهي أصغر غرفة 
في مختبرات علوم الطب الشرعيء لكنها الغرفة الأفضل تحهيزا بوسائل قهوئة إضافية. 
اعتدتٌ العمل في هذه الغرفة لأن معظم الحثث الي أعمل عليها لا تكون محفوظة 
ع لكن أجهزة التهوئة لا تكفي» وييدو أن لا شيء كاف في هذه الأيام. لم تستطع 
المراوح والمطهرات أن تتغلب على ر لزت ار كنا فضا معان القرقة :غير 
القابل للصداً د لواد المعقمة بأن حو آثار الموت البشري. 

تستحق البقايا الي أحذت من لا غراند سيميناير أن تكون في الغرفة رقم 4 
بكل تأكبد. عدت الليلة الماضية إلى المكان بعد أن تناولت عشاء سريعاء ثم جهزنا 
موقع الجرعة. وصلت العظام إلى المشرحة عند الساعة التاسعة والنصف مساء. 
وترقد العظام الآن في كيس مصنوع من النايلون فوق عربة مدولبة موجودة إلى 
بميئئ. ناقشنا القضية 26704# في الاجتماع الصباحي الذي يعقده فريق العمل. 
وأوكل إل أحد الأطباء الخمسة الذين يعملون في المختبرات معاينة هذه الحثة» بعد 
استعراض الإاجراءات الروتينية. طا مي استخدام حبرت في هذه القضية لأن المحثة 
اققصرت على العظام غالباً» ولأن الأنسحة ال ان قليلة جد وة 
بحيث يصعب إحراء تشريح عادي عليها. 


26 


ميق أن اتف عباس ]نقد ال الان ى ال رات :وقال إنه ريض 
وت قزابة قم ى لماعي ج لهذا الترقيت الس الشفلة عفرا ي اة 
السابقة: انتحار مراهق» زوحان وحدا ميتين في منزهماء واحتراق شخص نتيجة 
اندلاع حريق في سيارة فتشوهت معاله. ها أنا الآن أمام أربع عمليات تشريح» 
وقد تطوعت - فضلاً عن ذلك - لكي أعمل .عفردي. 

ارتديتُ لوبي الجراحي الأخضرء ونظارة الوقاية البلاستيكية» وقفازين 
مطاطيّين. يا للروعة! انتهيت من تنظيف الرأس وتصويره. سيتم تصويره بالأشعة 
السينية هذا الصباح» وسيغلى بعد ذلك من أجل إزالة اللحم المتعفن وأنسجة 
الدماغ لكي أتمكن من فحص خصائص الدماغ. 

فحصت الشعر يعأن» وبحشت عن أي ألياف» أو آثار تشكل دليلا. بدأت 
TE.‏ لم أستطع عدم تخيّل آخر مرة أقدمت الضحية فيها 
على تمشيط شعرهاء ورحت أتساءل عما إذا كانت قد شعرت بالرضاء أو 
بالإحباطء أو باللامبالاة. هل كان يوم الشعر الجميل» أم يوم الشعر غير المرتب» 
قبل أن يصبح يوم الشعر الميت؟ 

حاولت طرد هذه الأفكار من ذهين» ووضعت العينة في كيس أرسلته إلى 

قسم البيولوحياء حيث يتم تحليل العيّنة مجهرياً. كذلك كان الغطاس (المطبة)» 
والأكياس المصنوعة من النايلون قد وصلت إلى مختبرات العلوم الشرعية: يت 
متب ين وا ساعن ااا کو او أي لاقن سوائل اللجسمء ؛ أو حين بحناً 
عن مؤشرات تدل على القاتل» أو الضحية» مهما كانت صغيرة. 

قضينا ثلاث ساعات في الليلة السابقة مستندين إلى أيدينا وركبنا ونحن 
نتحسس من خلال الوحول» ونفقش من خلال الأعشاب والأوراق» ونقلب 
الأحجار وجذوع الأشجار. لم نحد شيئاً. تابعنا البحث إلى حين أجبرنا الظلام على 
إاء عملنا من دون أن نعثر على شيء. لم نجد ملابس» ولا أحذية» ولا جواهر» 
ولا أغراض شخصية. علمنا أن فريق استعادة مسرح الجرعة سوف يعود اليوم كي 
يحفر ويغربل» لكنيي شككت في إمكانية عثوره على شيء. لن أجحد بقربي علامات 
الصانعين أو قسائمهم» ولا سحّابات أو مشابك أو جواهرء ولا أسلحة, ولا 
أربطة» ولا ملابس ممزقة مليئة بالثقوب تساعد على التعرف على الأشياء الي 

27 


وجدناها. تخلص ابحرم من الحثة بعد أن عراها وقطعهاء وجرّدها من كل شيء 


ير بطها بالحياة. 
عدت إلى الكيس الذي يحوي اللحثة) أو بقاياها المريعة, وحضرت نفسي للبدء 
في الفحص الأولي لها. سيخضع الجذع والأطراف في ما بعد إلى عملية تنظيف» 


وساحري غلبا كابلا لكل العظم. استطعنا أن نحصل على كامل اليكل العظمي 
تقرينا: سهل القاتل هذه العملية علينا عندما أقدم - أو أقدمت - على وضع الرأس 
والجذع في كيسين» ووضع الذراعين والرحلين قي كيسين آحرين. وهكذا حصلنا 
على أربعة أكياس. إنه عمل في غاية الترتيب. ملا القاتل الأكياس» وتخلص منها 
مثلما يتخلص المرء من النفايات الي تجمعت على مدى أسبوع. حولت نقمي إلى 
مكان آخر وأجبرت نفسي على التركيز. 

أحرحت الأجزاء المقطعة من الأكياس» ورتبتُها بحسب مواقعها التشريحية على 
طاولة التشريح المصنوعة من الفولاذ الذي لا يصدأء والموضوعة في وسط الغرفة. 
حرصت أولاً على إعراج الجذع وركزئه في الوسط ووضعتُ جهة الصدر إلى 
الأعلى. بدا الجذع متماسكا بصورة مرضية. لم يكن الكيس الذي احتوى أجزاء 
اا بعناية مثلما كان الكيس الذي احتوى الرأس. وحدت الجذع على 
أسوأ حال ممكتة» فتماسكت العظام بواسطة حرم جلدية مؤلفة من عضلات 
وأربطة جافة. لاحظت أن الفقرات العليا مفقودة» تنيت أن أحدها مع الراض. 
في حين اختفت الأعضاء الداحلية ولم يتبق منها إلا أَثْرٌ قليل. 

انتقلت بعدها إلى وضع الذراعين على حاني الجحذع» والساقين إلى الجهة 
السفلى. لم تتعرض هذه الأطراف إلى ضوء الشمس لذلك لم يلحقها الحفاف مثلما 
حصل مع الصدر والبطن. لذا احتفظت الأطراف بقسم كبير من الأنسجة الطرية 
المتعفنة. حاولت أن أتجاهل الطبقة الصفراء الشاحبة» والمتموجة؛ الي تراجعت 
بشكل بطيء تحت سطح كل طرف من الأطراف عندما سحبتها من الكيس 
الملحصص لفظ الحشث. إذ تسرع الديدان إلى مغادرة اللحثة عندما تتعرض للضوء. 
رأيمها تتساقط من الحثة إلى الطاولة» ومن الطاولة إلى الأرض. حدث ذلك على 
شكل رذاذ مستمر» وإن ببطء. انتشرت حبيبات الأررٌ (الديدان) الشاحبة متقلبة 
قرب قدمي» لكنين تنبت الدوس عليها. في الواقع» م أتعود عليها. 

28 


تقدمت مسن لوحة الكتابة» وبدأث أملاً النموذج. الاسم: بجحهول. تاريخ 
التشريح: 3 حزيران» 1994. المحققون: لوك كلوديل» ميشال شاربونيو» من قسم 
ا جنايات » شرطة مدينة مونتريال. 

أضفت رقم تقرير الشرطة» ورقم التشريح» ورقم مختبرات الطب الشرعي. 
اجتاحتئ الموجة المعتادة من الغضب نتيجة اللامبالاة المتغطرسة الى يظهرها النظام. 
إذ لا تسمح الوفيات الناتحة عن العنف بأي خصوصية. فتستبيح هذه الوفيات 
كرامة الضحية» كما تستبيح حياتها. فتُلمس الحثة» وتُفحص بدقة» وتصوّرء كما 
ضاف ججموعة من الأرقام عند كل حطوة. تتحوّل الضحية إلى جزء من الدليل» 
ای تفرص انام ا اکن الاين راا 
وأخيراً هيئة الحلفين. تُعطى هذه ابحثة رقماء ثم يتم تصويرهاء وتوؤحذ العينات منهاء 
ثم توضع إشارة على إصبع القدم. إن أعتبر نفسي مشاركة نشطة في هذه العملية 
لكني لم أستطع أبدا أن أتقيّل هذه الموضوعية الي يتميّر ما النظام. إذ تغدو هذه 
العملية أشبه بعملية سلب ذات مستوى شخصي رفيع. ولكن» سأقوم على الأقل 
باكتشاف اسم هذه الضحية. تضاف هذه الوفاة بمذه الطريقة المجهولة إلى قائمة 
الانتهاكات الي يعانيهاء أو تعانيهاء الضحية. 

انتقيت أحد النماذج من اللوحة. فلقد اعتزمت أن أغيّر برنامج الفحص الذي 
أعتمده في العادة» وهكذا فإني سأترك إجراء الجردة الميكلية الكاملة إلى وقت 
لاحق. أحبرني رجال التحري أهم يريدون معرفة ملحص عن هوية الضحية: 
الجنس» العمرء والعرق. 

اتضح عرق الضحية لدي فوراً. شعرها أحمرء وما بقي من الحلد بدا فاتحاً. 
ولكنء مع ذلك يقدر التحلل على فعل أمور غريبة. تفحصت تفاصيل عظام 
اليكل بعد تنظيفها. أستطيع أن أراهن الآن على أن الضحية تنتمي للعرق 
القوقازي. 

اتجهت تخميناتٍ في البداية إلى أن الضحية أنثى. كانت معام الوجه دقيقة, أما 
معالم البنية الجسدية فدلت على النحافة. ولا يدل الشعر الطويل على شيء. 

تفخصت الحوض. ولاحظت عندما قلبته إلى جانبه أن الشق الموحود تحت 
نصل الورك عريض وغير عميق. عدّلت وضعيّة الحوض حي أستطيع رؤية العظام 

29 


العانية» أي تلك المنطقة من الجهة الأمامية حيث يلتقي النصفان الأيمن والأيسر من 
ال لفطك أن ای ا ی الأمصلين كاف ونا 
ریا ارتفعت حواف دقيقة عبر الجهة الأمامية فوق كل عظمة عانية» فشكلت 
بذلك مثلثات واضحة عند الزوايا السفلية. إا مظاهر أنثوية نموذحية. سانحذ 
الفياسات في ما بعد» ثم سأجري تحليل التمبيز الوظيفي على جهاز الكمبيوتر» لكن 
ما من شك :غندي.ق أن هذه الايا العظمية تعود إلى امرأة: 

كنت منهمكة في لف المنطقة العانية بقطعة قماش مبللة عندما روّعئ صوت 
الحاتف. لم ألاحظ مدى السكون المخيّم على المكانء أو مدى التوتر الذي شعرت 
به. اقتربت من الطاولة» لكنئي سرت بطريقة متعرحة مثل طفل يلعب لعبة الرمي» 
كي أتحنب الدوس على الديدان. 1 

قلت: "دكتورة برينان". رفعت نظاري إلى أعلى شعريء ثم الكت على 

الكرسي. واستخدمت قلمي كي أرمي دودة عن سطح الطاولة. 

معت حون عبر السماعة يقول: "كلوديل". كان كلوديل 1 أحد رجلي 
التحري المعينين لحل هذه القضية. نظرت إلى ساعة الحائط الى أشارت إلى العاشرة 
والربع. انتبهت بعد قليل إلى أ نه لم یکمل كلامه. افر کت أيه يعن اة ر اة 
كافية. 

"إني أعمل عليها الآن". استطعت جماع صوت معدنى. "يتعين..." 

قاطعين: "أتعنين أا أنشى؟" 

"نعم". راقبت دودة أحرى تتقلص لترسم شكل هلال» ثم انت على نفسهاء 
وكررت المناورة في الاتحاه المعاكس. 

ا 

"نعم". 

"والعمر؟" . 

"يفترض أن أعطيك تقديرات في غضون ساعة من الزمن". 

استطعت أن أتصوّره ينظر إلى ساعته. 

ابد ا بعد لعفا شيعت وره كلت كل شي ضري لتوي» 
ولم أسمع طلبا. يبدو أن موافقي لا أهمية ها. 


30 


أنهيت المكالمة وعدت إلى السيدة المستلقية على الطاولة. تناولت لوح الكتابةء 
وقلبت الأوراق حي وصلت إلى الصفحة التالية من أوراق التقرير. العمر؟ تحاوزت 
الضحية سن البلوغ. إذ سبق لي أن تفخّصت فمهاء ولاحظت أن أضراس العقل 
برزت بالكامل. 

فصت الذراعين ق الكائن اللذين فصلنا فيهما عن الكتفين. لظت أن 
أطراف عظمئَي العضد كانت كاملة» لكنئ لم أشاهد أي خط فاصل يحدّد الغطاء 
في الجهتين, أما النهايات الأحرى فكانت من دون فائدة, لأا فطعك يكل دقة 
فرق الرسكين قاما. واقعرضنت أن أت عن الشظانا قوفت لان طحت فر 
الساقين. كانت فاية كا م عقلعة فج فابة لمكريع تعن شيك ا و 

أقلقى شيء ما في تلك المفاصل المقطوعة. لم يكن لذلك الشعور أي علاقة 
بعر ساح لكك عن أرى حالة فساد أمامي» لكنه كان شعوراً غامضاً 
وها شعرت بتجمّد في أحشائي أثناء إعادت للساق اليسرى إلى مكافا 
فوق الطاولة. عاودن شعور الملع الذي حيّم على في الغابة. طردت هذا 
الشعورء وأجبرت نفسي على التركيز على المسألة الي أعالجها. كم يبلغ عمر 
الضحية؟ يتعيّن على تحديد العمر. إن من شأن التقدير الصحيح للعمر أن يزيد 
من احتمالات التوصل إلى تحديد الاسم. إن تحديد اسم الضحية أصبح الآن على 
رأس سلم الأولويات عندي. 

الحصيية وما o‏ القع اللي بل ارق وام 
المرقفين, آزلته :يسهولة: لاطت مرة حر أن المظاغ الطويلة تامة السو سانا كد 
هده لياه لاحقاً بعد التصوير بالأشعة e‏ 
آن نمو العظام أصبح تاماً. لم ألاحظ وجحود ي أو تغيرات قي المفاصل. 
هذا أن ا فد ولق سا البلو ع لكتهاها زالت شابة. سي 
لاحظتّه من سلامة أسناهها. 

أريد المزيد من الدقة. أعرف أن كلوديل يرغب قي أقصى درجات الدقة. 
تفشخصت كل عظمة من عظمتي الترقوة» حيث تلتقي بعظمة القص عند قاعدة 
العسنق. لاحظت أنه رغم أن العظمة اليمى قد انترعت» إلا أن سطح الفصل كان 
ونا A E‏ لكر LN‏ استخدمتٌ السكّين كي أقطع ما 


31 


أمكنئ من أنسجة الحلد ثم عمدت إلى تغليف العظمة بقطعة قماش مبللة» 
وعاودت اهتمامي بالحوض. 

نزعت قطعة القماش بجددا ثم بدأت» مستعينة بالمبضع» بخياطة الغضروف 
الذي يربط النصفين الأماميين. ساعدت عملية الترطيب على جعل الغضروف أكثر 
ليونة» وسهّلت عملية قطعه» لكن العملية بقيت مع ذلك بطيئة وثملة. لم أرغب في 
إتلاف الأسطح التحتية. وتوصلتُ أخيراً إلى فصل العظام العانيةء وقطعتُ الأشرطة 
القليلة المتبقية من العضلات الي تربط الحوض مع الجهة السفلى الخلفية من العمود 
الفقري. حرّرتُه ثم نقلته إلى حوض المياه» وطس القسم العا من الحوض في 
المياه. 

عدت إلى الحثة بحددا. فانتزعت عظمة الترقوة من الكيس» ثم نزعت ما 
أمكنين من النسيج. ملأت بعد ذلك وا بلاستيكياً يستخدم لأخذ العينات بالمياه» 
ووضعتّه قبالة القفص الصدريء ثم قمت بتثبيت طرف عظمة الترقوة فيه. 

نظرت إلى ساعة الحائط» وأشارت عقارها إلى الساعة الثانية عشرة واثني 
عشرة دقسيقة من بعد الظهر. ابتعدت عن الطاولة ونزعت قفاري الطبيين عن 
يدي. بدا الأ م في ظهري يتزايد ببطء. شعرتُ وكأن جميع أفراد فريق البوب 
وارنسر قد تمرنوا فوقه. وضعت يدي على وركي وتمطيت. قوست ظهري إلى 
الخلفه» » ثم حرّكتٌ الجزء الأعلى من حسدي يمنة ويسرة. عدم قلع اشر كات 
في تخفيف الألم, لكنها في المقابل لم توذن. أحذ عمودي الفقري يولي مؤخراء لأن 
الانحناء فوق طاولة لمدة ثلاث ساعات يساهم في زيادة الألم. رفضت أن أعتقد أو 
أؤمنء أن كل هذا الألم يرتبط بتقدمي في السن» كما رفضت الاقتناع أن حاحي 
إلى نظارة للقراءة - الي اكتشفتها حدياً - وزيادة وزني من 52 كلغ إلى 54 كلغ 
ونصف» ما هي إلا نتيجة لتقدمي بالسن. يبدو أن لا شيء يرتبط بتقدمي في 
اميق 

التفت لأرى دانيال» وهو أحد تقنبي التشريح» يتطلع نحوي عبر زجاج المكتب 
الخارجي. بدت شفته العليا متشنجة» كما لاحظت أن عينيه قد أغمضتا لفترة وجيزة. 
غير وقفته فأصبح ثقله على ساق واحدة» بينما أراح الثانية. بدا ي وقفته هذه مثل 
طائر ليطي الذي يتنظر وصول موجة تغمر الرمال الي يقف عليها. 

32 


سألئ: "مي تريدينئ أن أبدأ التصوير بالأشعة؟" تدلّت نظارته إلى أسفل أنفه» 
وبدا أنه ينظر من فوق إطارهاء وليس من خلاها. 

"أتوقع أن أنتتهي حوالى الساعة الثالثة". قذفت بقفارّي الطبيّين في السلة 
الحصصة للنفايات البيولوجية. وتذكرت؛ فجأةً كم أنا جائعة. تطلعت إلى كوب 
قهون الصباحية الباردة» والي بقيت كما هي. لقد نسيت قهون تماما. 

"حسناً". تراجع إلى الخلف» واستدار» ثم توجه نحو القاعة واختفى عن ناظري. 

ألقيت بنظارت على طاولة العملء ثم تناولت قطعة ورقية كبيرة من الدج 
الموحود أسفل الطاولة. فردت قطعة الورق» ثم غطيت الحثة. غسلت يدي حيداء 
وقفلت غاكذدة إلى مكتي الموجود في الطابق الخامس. ارتديت ثيابي العادية؛ 
وتوجهست كي أتناول غدائي. كانت تلك إحدى المرات النادرة بالنسبة إلي» لكني 
شعرت اليوم أنن أحتاج إلى أشعة الشمس الدافغة. 

وق كلوديل بوعده. فرأيته في مكتبي عندما عدت عند الساعة الواحدة 
والنصف من بعد الظهر. كان جالسا قبالة طاولة مكتي» ومركزا اهتمامه على 
الجمحمة الي أعدت جمعها على طاولة عملي. التفت برأسه عندما سمعين» لكنه لم 
يقل شيئاً. علقت معطفي خلف الباب» وتحاوزئه ثم توحهت إلى مقعدي. 

'بونجورء مسيو كلوديل. كيف حالك؟ " وجهِتُ ابتسامة لطيفة نجوه عبر 
طاولة مكتبي. 

ابوجو . بدا غير مكترث بعملي. اتتظرثه حن يتكلم. ولم أوغب 
بالاستسلام طحاذبيته. 

رأيت ملفا موضوعاً أمامه على الطاولة. وضع يده عليه ونظر إلي» وذكرني 
وجحهه عنظر الببّغاء. بدت ملامحه الممتدة ما بين أذنيه وخط منتصف وجهه مائلة 
ببحدة. وبرزت إلى الأمام حي انتهت بأنف مستدق. وبدا ذقنه» وفمه» وطرف 
أنفه متجهة نحو الأسفل بسلسلة من الزوايا الي تشه حر قن وید شكل * 
الذي يظهر ف فمه أكثر حدة في المرات النادرة الى يبتسم فيهاء وتبدو شفتاه 
منسحبتين أكثر من كوفما متراجعتين. 

َوه أبدى الزسل یر شدينا بس: لم يسبق لي أن عملت مع كلوديل من 
قبل» لكنئ سمعت الكثير عنه. يعتبر الرحل نفسه ذكيا فوق العادة. 

33 


قال لي: "بحوزتي أسماء عديدة. هناك الكثير من الاحتمالات. احتفى الكثير 
من الأشخاص خلال الأشهر الستة الماضية". 

ان قد سبق لنا أن ناقشا سويا مسالة الرقت الذي مضي على الوفاة. 
ر شر راي ية مان الصباعى ‏ أصرت على أن وقاة الضحية قد 
حدثت منذ أقل من ثلاثة أشهرء ولمذا فمن المحتمل أن تكون قد حدثت في شهر 
آذار» أو ما بعده. إذ تتميز فصول الشتاء في كيبيك ببرودقا القاسية على 
الأحياء وبلطافتها بالنسبة إلى الأموات» فالجثث المتحمدة لا تتحلّل» ولا 
تحتذب الحشرات. ولو كانت عملية التخلص من الحثة قد حدثت في الخريف 
الماضي» أي قبل بداية فصل الشتاء» لكنت لاحظت علامات تدل على تعرّضها 
للحشرات. إن وجوه بيوت الحشرات» أو اليرقات» كان سيشير إل احتياح غير 
مكتمل لحشرات الخريف. وأنا لم أحد أي علامة تدل على وجودها. تلاقت 
دلائل 0 اهتراء الحثة» مع معطيات الربيع الدافئ» لتؤشر إلى أن الوفاة قد 
حدئت في غضون ثلاثة أشهر أو أقل. إن وحود الأنسجة الرابطة» والغياب التام 
للأحشاء وأي أحزاء من الدماغ» دلا أيضاً على أن الوفاة قد حدثت في أواخر 
الشتاءء أو أوائل فصل الربيع. 

استندت إلى الخلف ونظرت نحوه بترقب. أستطيع أن أكون كتومة بدوري. 
فتح المغلف وبدأ يقلب محتوياته. واكتفيت بالانتظار. 

احتار أحد النماذج وأحذ يقراً: "مريام وايدر". توقف قليلا ليتفحص 
المعلومات الموحودة في النموذج. "احتفت في 4 نيسان» 1994". توقف مرة 
أرق "أن بيضاء". توقف لمدة أطول هذه المرة. "تاريخ الولادة 6 أيلول» 
1948 ". 

بدأت وإيّاه الاحتساب ذهنياً؛ تبلغ المرأة الخامسة والأربعين من عمرها. 

قلت: "هناك احتمال أن تكون هي". أومأت له بيدي كي يتابع. 

وضع النموذج على الطاولة» وأحذ يقرأ النموذج التالي. "صولانج ليجي. 
أبلغ زوجها عن اختفائها". صمت قليلاً وحهد كي يقرأ التاريخ. "الثاني من أيارء 
4. أنشى. بيضاء. تاريخ الولادة 17 آب 1928". 

هززت رأسي: "لا. تبدو مسنة كثيراً كي هي تكون الضحية". 

34 


وضع هذا النموذج خلف النماذج الأحرى» وانتقى تموذحا آخر. "إيزابيل 
غاغنون. شوهدت آخر مرة في 1 نيسان» 1994.-أنثى. بيضاء. تاريخ الولادة 15 
كانون الثانيء 1971". 

أوفات بط الفاق اة والعقرين من عمرها. أجل قد تكزن احا 
آخر". وضع النموذج على الطاولة. 

"سوزان سان بيير. أنثى. فقدت منذ 9 آذارء 1994". بدأت شفتاه تتحركان 
وهو يقرأ "م بع من مدرستها". توقف قليلاًء وراح يحتسب عمرها لوحده. 
"عمرها ستة عشر عاما. يا إهي!" 

هززت رأسي محددا: "تبدو صغيرة جدا. هذه الضحية ليست بفتاة". 

عبس قليلاً وسحب آخر نموذج. "إيفيلين فونتان. أنثى. العمر ستة وثلاثون 
عاما. شوهدت لآخر مرة في جزر سيت في 28 آذار. 81 حسنا. إا من الإينو". 

"أشك في أن تكون هي الضحية". قلت هذا لأنيْ لا أعتقد أن البقايا تعود 
هندية. 

قال: "هذا كل شيء". بقي نموذحان فوق الطاولة. بقيت مريام وايدر؛ الى 
بلغت الخامسة والأربعين من عمرهاء وإيزابيل غاغنون, الى بلغت الثالثة والعشرين 
من العمر. لعل إحداهما هي الي ترقد في الطابق السفليء وي الغرفة رقم 4 
بالتحديد. نظر كلوديل نحوي» وارتفع حاحباه في الوسط ليشكلا حرف ۷ آخرء 
لكنه مقلوب هذه المرة. 

"كم يبلغ عمزها؟" سألي مشدداً على الفعل في سؤاله» رعا بسبب المعاناة 
الي يلاقيها في صبره. 

"دعنا ننزل إلى الطابق السفلي» ونرى". قلت في نفسي إن هذا سيدحل 
بعض البهجة إلى قلبي. 

لا أستطيع أن أفعل أي شيء مع الأسف. أعرف أن كلوديل معروف بتجنب 
غرفة المشرحة» لذلك أردت أن أتسبب بإزعاجه. بدا للحظة وكأنه وقع في الفخ. 
استمتعت بانزعاجه. تناولت معطف مختبر كان اا وراء الباب» وأسرعت عبر 
القاعة» ثم أدحلت مفتاحي في باب المصعد. حافظ الرحل على صمته في طريقنا 
و بدالي مغل رجحل على وشك الخضوع لفحص بروستات. يندر أن 

35 


يستخدم كلوديل هذا المصعد بالذات» لأنه لا يتوقف إلا قي الطابق المخصّص 
للمشرحة. 

استلقت اللمئة في مكافا هدوء. وضعت قفازيٌ ثم انتزعت قطعة الورق 
البييضاء الكبيرة. استطعت رؤية كلوديل بطرف عيي متسمّراً عند المدتحل. توغل 

في الغرفة ما يكفي كي يقول إنه دخلها. تنقل بصره فوق سطح الطاولة اللصنوعة 

من الفولاذ غير القابل للصدأء والواحهات الزحاجية للخزائن التي تحتوي مخزونا من 
الأوعية البلاستيكية الشفافة» والميزان المعلق» وكل شيء في ما عدا الحثة. مررت 
هذه التحرية من قبل. إذ لا تشكل الصور تمديد» لكن منظر الدماء والجروح أمرٌ 
آخر. إن مسرح ا السريري» ولا يشكل معضلة. يمكنك 
أن تشرّح جثة» وتتفحصهاء وأن تحل اللغز. لكن الأمر يتغير إذا وضعت الحثة على 
طاولة التشريح. حاول كلوديل أن يضع مسحة من اللامبالاة على وجهه؛ وجرّب 
أن يبدو هادثا. 

درس كاد ا استخدمت بحساً كي أتفحص 
أطراف الحزمة الجيلاتينية الي تغطي السطح العا الأعن. انفصلت الحزمة احير 
ولك 2 تميزت العظمة الموجودة تحتها بتغضّنات عميقة وأخاديد امتدت 
بشكل أفقي على السطح. EE E E‏ عرفا حول 
السطح العاني وشكلت حافة رقيقة» وإن كانت غير تامة. كرّرت العملية في الجهة 
اليسرى» فوجحدتها متمائلة مع لجهة اليمئ. 

N a‏ وجود 
مصباح لوكسوء وسحبت ذراعه الامتدادية نحو الحوض» ثم ضغطت على الزر. 
أضاء ضوء الفلوريسنت العظمة. بدأت تظهر تفاصيل عبر العدسة المكبرة المستديرة 
لم تظهر سابقاً للعين انحردة. نظرت إلى أقصى طرف قوس كل عظمة من عظمّي 
الورك فرأيت ما كنت أتوقعه. 

قلت من دون أن أرفع بصري. "مسيو كلوديل. انظر إلى“ هذه". 

تقدم حن أصبح خلفي» تح ركت من مكاي كي يتمكن من النظر جيدا. 
أشرت باتحاه شذوذ في الطرف الأعلى من الورك. لاحظت. أن النتوء الحرقفي كان 
على وشك الالتحام عندما حدثت الوفاة. 


36 


٠ 


وضعت الحوض على الطاولة؛ لكنه تابع النظر باتجاهه من دون أن يلمسه. 
عدت إلى الحثة كي أتفحص عظام الترقوة» وكنت متأكدة مما سأحده. سحبت 
الطرف القصّي من اللمياه» وبدأت بانتراع الأنسجة. أشرت إلى كلوديل كي ينضم 
إلي ما إن اسستطعت رؤية سطح المفصل. أشرت إلى طرف العظمة من دون أن 
أتكلم أبداً. ا أن ما كان وا ومتموجاًء مثل السطح العاني. التصق 
قرصّ صغيرٌ من العظام بجهة الوسطء ولاحظت أن أطراف هذا القرص محددة 
وواضحة. 

"إذأ؟" رأيتُ حبيبات العرق المتساقطة من جبهته. لقد بجح في إحفاء عصبيته 
بشجاعة تامة. 1 

'إها شابة» ولعلها في أوائل العشرينيات من عمرها". 

كان ولس أن كرك له علاقة لظا و انيه اند قيعي 
إل دا داف | فيت بالأفغار. علقت ابا غ وميه ع هاي للك 
أبعدت يدي عن حسمي ورفعتُهماء مثلما يفعل الشحاذون» بينما بقي كلوديل 
مبتعدا بالمسافة ذاًا الي كان سيحافظ عليها فيما لو كان متواجدا مع شخص 
مصاب عرض الإيبولا. بقيت عيناه تنظران باتجاهي» لكن تركيزه تحوّل إلى الأفكار 
الي تحول في رأسه أثناء تفحصه لمعطيات النموذجين باحثا عن مواصفات مطابقة 
لما يراه. 

"غاغنون". بدا ذلك 558 وليس سؤالاً. 

أومأت. إيزابيل غاغنون. العمر ثلاثة وعشرون عاماً. 

قال لي: "سأطلب من الحقق البحث عن سجلات أسنانها". 

امات ددا يدانو كانه رید مامات اک 

سألي: "ما هو سبب الوفاة؟" 

قلت له: "م يتضح السبب بعد. قد أعرف المزيد عندما أرى صور الأشعة» أو 
لعلّي سألاحظ أمرأ ما عندما أنتهي من تنظيف العظام". 

غادر ما إن انتهيت من كلامي. لم يقل وداعا. وم أتوقع منه هذا التصرف» 
لكسنن ارتحست إلى مغادرتسه مثلما ارتاح هو. نزعت قفازي ورميتهما جانباً. 
مررت من أمام جناح التشريح الواسع» وأحبرت دانيال أن انتهيت من العمل 

37 


على هذه القضية لهذا اليوم. وطلبت منه أحذ صور بالأشعة السينية للجثة بكاملها 
عا في ذلك الجمجمة, بالإضافة إلى صور أمامية وححلفية وجانبية. توقفت في الطابق 
التاجوي مام را يه في او رفس ان ب اج جاه 
للغليء » لكني طلبت منه بذل عناية خاصة لأن احثة مقطعة. لم يكن طلبي هذا 
ضرورياً في الواقع» لأن أحداً لا يستطيع تقليص حجم شخص مثل دينيز. سيظهر 
هيكلها العظمي في غضون يومين» نظيفاً وسليماً. 

أمضيت ما تبقى من فترة ما بعد الظهر مع الجمجة المغرّاة الموحودة على 
طاولة مكتبي. بقي ما يكفي من مظاهرها للتعرف على صاحيها رغم تقطيعها. لن 
يكون صاحب هذه الحثة مضطرا لقيادة صهاريج الغاز بعد الآن. 

عدت إلى منزلي» وعاودى الإحساس بأن شيعا ما على وشك الحدوث» 
وهو الإحساس ذاته الذي تملك عندما كنت في الوادي. استفدت من انمماكي 
عيابي خلال النهان كي بعد هذا الشعور عي حت فى بعاد توعسي اهذااعن 
طريق التركيز التام على هوية الضحية» وعلى جمع جمحمة سائق الشاحنة. استفدت 
خلال وقت الغداء من سرب الحمائم في المتنزه كي أبعد هذه الفكرة عي. فلقد 
انشغلت كليا بالكشف عن نظام التقاط الحبوب الذي تتبعه هذه الحمائم. جاءت 
الحمائم الرمادية أولاء وجاءت الحمائم المرقطة ببقع بنية في ما بعد. تبيّن لي أن 
الحمائم ذات القوائم السوداء تأي في آحر القائمة. 

أصبحت جاهزة للاسترحاء الآن. تسى لي الوقت الكافي كي أفكر» وكي 
أقلق. سيطر علي هذا اشرو إن ت إلى المرآب بسيارق» فأطفأت جهاز 
الراديو. فصمتت الموسيقى كي يبدأ القلق. زحرت نفسي. لا ليس الآن» بل في ما 
بعد. دعينا نؤحل ذلك إلى فترة ما بعد الغداء. 

دلت الشقة. معت صوت نظام الأمان الذي يبعث الطمأنينة في نفسي. 
تركت حقيبيٍ في الردهة. أغلقت الباب ورائي» واتجهت إلى المطعم اللبناني الذي 
يقع عند زاوية الشارع. طلبت تجهيز صحن شيش طاروق» وصحن شاورماء كي 
آحذهما معي إلى المنزل. هذا ما يعجبئ في السكن وسط المدينة؛ أستطيع الحصول 
على كل أنواع الأطباق العالمية الي تقدّم في مطاعم تقع بالقرب من شقيّ. فهل 
يعود سبب زيادة وزن إلى...؟ لا. 

38 


باملحت 1ق اكرات الى عد بن في المطعم: حمقّصء تبولة» ورق عريش 
يا هذه القرية العالمية (العالم)! ت اللبنانيون الذوق الفرنسي قي النهاية. 

راتحت رفا ترسك عليه زجاجات من الشراب الأحمر إلى يسار صندوق النقد 
في المطعم. كنت أمتلك سلاح الاختيار. نظرت إلى هذه الزحاحات» وشعرت 
بالرغبة في تناول هذا النوع من الشراب للمرة الألف. تذكرت طعمه ورائحته» 
وصفاءه» ومدى الانتعاش الذي يبعثه في نفسى. تذكرت الشعور بالدفء الذي 
سسيبدا بالسريان في معدق وينتشر صعوداً وق الاتجاهات كافة متخحذاً مسار لوليا 

في أنحاء حسمي» + ومترااق الكمورهالبهافة فق طرق إها مشاعل التحكم» 
والحماسة. والمنعة. أحسست أني بحاحة إلى هذا الشعور الآن. أجل هل أخدع 
نفسي؟ أعلم أن لن أتوقف عند هذا الحد؟ ماذا يسمّون تلك المراحل؟ سأمضي 
قدماً كي أصل إلى أقصى درجات المنعة إلى أن أصبح غير مرئية. سأمضي بعيدا 
حدا قبل أن أتحطم. سيكون الشعور بالراحة قصير الأحل؛ لكن الثمن سيكون غاليا 
جا م م ا علد ر و اراک ا 

أحذت طعامي إلى منزل وتناولته برفقة هري بيردي» وشاهدت على 
شاشة التلفاز مونتريال إكسبو. نام بيردي في حضي ملتفاً حول نفسه وأحذ 
يخر سر بسنعومة. حسر مونتريال إكسبو حولتين أمام الكبس. 5 أحد على 
ذكر الخرعة. وكيك كيرا د 

استمتعت بحمام ساحن لفترة طويلة» وتوجّهت إلى سريري عند العاشرة 
وال ا امجح a‏ براك الفكرة يد آذ الوك وساي 
والظلمة تلفي وسط المدوء المحيّم. نمت تلك الفكرة واكتسبت قوةء مثلما 
تفعل الخلايا التي يصيبها الحنون» واستطاعت أخيراً أن تتغلغل إلى وعبي» 
وأصرّت على إثبات نفسها. إِنها الجريمة الأحرى. الشابة ال وصلت قطعة قطعة 
إلى المشرحة. رأيت تفاصيلها كافةء وتذكرت المشاعر الى تملكت عندما 
انشغلت بالعمل على عظامها. أتحدث عن شانتال تروتييه ابنة الستة عشر 
ربيعاً. حُنقت شانتال وتعرضت للضرب» وقطع رأسهاء كما قطعت أطرافها 
الاق وة ما أقل من تضق غا غارب وما ا كيان انات 
المصنوعة من النايلون. 

39 


جهزت نفسي كي أختم يومي » لكن عقلي رفض إفهاء مهماته لهذا اليوم. 
المت للنوم في النهاية» لكن العبارة ترددت في أنحاء جمجمي. ولاحقتى هذه 
العبارة طيلة عطلة مُاية الأسبوع. الحرائم التسلسلية. 


40 





أحذت غاي تنادي رقم رحلي. اصطحبت معي حقيبة سفر كبيرة» ولهذا 
وحدت صعوبة في شق طريقي وسط المسافرين. انزعج المسافرون الآخرون» 
لكن لم يتقدم أحد لمساعدق. استطعت أن أرى كاي جالسة قي الصف الأمامي من 
مقاعد الدرجة الأولى. وكانت قد ارتدت الثوب الحريري الأحضر الفاتح الذي 
احترناه لما عند تخرجها من المدرسة الثانوية. أحبرتئ لاحقاً أا لا تحبه» وأسفت 
لأننا احترناه لما. حبرت أا تفضل عليه الثوب الذي يحمل رسومات لأزهار. إا 
لماذا ارتدته؟ ولماذا تتواحد غابي في المطار في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون في 
جامعتها؟ أذ صوتا يعلو شيئا فشيعاً عبر المذياع» وأصبح أكثر حشونة وشدة. 

حلست. كانت عقارب الساعة تشير إلى السابعة وعشرين دقيقة. وصلنا الآن 
إلى صباح يوم الإثنين. ملا الضوء حواف ستارة النافذة» لكن نم يتسرب إلى الغرفة 
إلا القليل منه. 

استمر صوت غابي بالمناداة. "... لكني أعرف أن لن أستطيع الاتصال بك 
في ما بعد. أظن أنك تنهضين أبكر نما كنيت أعتقد. على أي حالء إن على 
وشك..." 

تتاولت عياف ا ا ات أن أنذو' افك عا مما أنا عليه في 
الواقع. لكن الصوت توقف قبل إتمام الحملة. 

"تمب؟ هل أنت معي؟" 

أومأت موافقة. 


41 


امل أيقظنك؟" 

"نعم ". م أتمكن بعد من التفكير في جحواب أفضل. 

"آسفة. هل تريدين أن أتصل بك لاحقا؟" 

"لا. لا. استيقظت". منعت نفسي من أن أقول ها إن مضطرة للنهوض 
والرد على الحاتف على أي حال. 

"لكنّ الوقت ما زال مبكراً على النهوض يا عزيزق. اسمعيئ» بشأن هذه 
الليلة. هل نستطيع أن نحعل..." معت شيئاً يشبه الصراخ منعها من إكمال جملتها. 
"إبقي معي. لا بد أن تركت الآلة لنحيبة في حالة الإجابة الآلية". وضعت سماعة 
اماتف مكانهاتم توجهت إلى غرفة المعيشة. رأيت الضوء الأحمر يومض. تناولت 
السماعة النقالة وقفلت عائدة إلى غرفة النوم» ثم أعدت تلك السماعة إلى مكاها. 

ا . أصبحت مستيقظة بالكامل في هذه الأثناء» وشعرت برغبة في 
ارتشاف كوب من القهوة. لذا توجّهت إلى المطبخ على الفور. 

"أتصل بك كي أتحدث معك بشأن هذه الليلة". مير صوقّا بشيء من الحدة. 
لا أمستطيع أن ألومها لأفا أمضت حمس دقائق حن الآن في محاولة إهاء جملة 
واحدة. 

"أنا آسفة يا غابي. أمضيت عطلة فاية الأسبوع بكاملها في قراءة أطروحة 
أحد الطلاب. تأحرت كثيراً قبل أن أستسلم للنوم» لكن نومي كان عميقا. . حى 
أن لم أسمع رنين الهاتف' اإثة لآم يكرت سحن بالفسية إل "ما الأمر؟" 

'بشأن الليلة. آه» هل عكننا تأحيل موعدنا حي الساعة السابعة والنصف بدلا 
من السابعة؟ جعلي هذا المشروع أكثر خصبية سن ا قفص سحلية". 

'بالتأكيد. لا مشكلة لدي. لعل الأمر يناسبي أنا أيضا". أبقيتْ سهاعة الهاتف 
على كتفي وتوجّهت إلى خزانة المطيخ. بحشت عن الإناء الذي يحتوي حبوب البن» 
وتناولت مقدار ثلاث ملاعق ووضعته في المطحنة. 

سألتي: "أتريدين أن أمر بك لأقلّك؟" 
"لافرق عندي. أستطيع أن أقلك إذا أردت. إلى أين تريدين أن نذهب؟" 
فكرت في تشغيل المطحنة» ثم قررت أن لا أمضي في تنفيذ الفكرة. فلقد بدت غابي 


02 


مرت فترة صمت. تصوّرثُها وهي تلهو بخاتم أنفها أثناء تفكيرها بالأمر» أو 
رعا وضعت اة هذه المرة. انزعجت لهذا في البداية» لأني وحدت صعوبة في 
التر كيز أثناء حادثات مع غابي. كنت أركز حينها على الخاتم» وأتساءل عن مدى 
الألم الذي يشر به المرء عندما يثقب أنفه. ولكي توقفت في المدة الأخيرة عن 
التفكير في هذا الأمر 

قالت لي: "ستكون هذه الليلة رائعة. ما رأيك في تناول الطعام في مكان ما 
في الخارج؟ في برنس آرثر» أو سان دينيز؟" 

قلت: 'عظيم! إذأ لست مضطرة ة للقدوم إلى هنا. سأمر عليك عند الساعة 
السابعة والنصف ا أريدك أن تفكري ف مكان جديد. أشعر رو الشات 
ق 

إنه الروتين المعتاد» رغم أن الأمر محفوف بالمخاطر مع غابي. إنها تعرف المدينة 
أفضل مي بكثير» ولهذا ا الل 

"حستاً. لکن سنبقى حى وقت متأخر ". 

أجبتها: لسنبقى حتى وقتٍ ماخر" . دُهشت» وشعرت بالارتياح قليلاً. لو 
ثرك ااا ق مره بالهاتف إلى الأبد» ولطالما احتلقت الأعذار 
كي أقرب من متابعة المكالمة. 

لطالما كان الحاتف شريان الحياة بالنسبة إلى غابي ولي. إنئي أتحدث معها على 
SS‏ ا م 
صداقتنا. اعتبرت حينها أن مكالمات الهاتفية تفية معها مصدر ارتيا كبير لي ينقذي من 
حالة الكآبة الى كانت تسيطر علي في تلك الأعوام. اعتدت أن أتحادث هاتفياً 
معهاعندما كانت ابن كانيّ تتناول طعامها في سريرهاء بعد أن تكون قد انتهت 

من حمامها اليومي. كنا نتبادل الأحاديث لساعات عن كتب اكتشفناها حديقاً 
ونتبادل الأحاديث عن صفوفناء وعن أساتذتناء وعن رفاقنا الطلاب وح عن 
أمور غير محددة. اعتبرنا أن هذه المكالمات هي مصدر ونا الوحيد في تلك الفترة 
من حياتنا الي لم تكن تسمح باللهو. 

احتلف هذا النمط قليلاً عبر العقود القليلة الماضية» رغم أن مكالماتنا أحذت 
بالتباعد. تشا ركنا أوقات سرورناء وأوقات هبوط معنوياتناء» سواء كنا مجتمعئّين أو 


43 


منفصاتين. وحدت غابي إلى جاني عندما اشتركت في برنامج التخلص من الإدمان 
على الشراب» أي عندما كانت تسيطر علي رغب في تناول الشراب في ساعات 
صحوي. وحدتما بقربي حينما كنت أرتعش ويتصبب العرق من في اليل ولم تحد 
غالبي بدورها شخصاً غيري تحادثه هاتفيأء وقد امتلأت بمجة وأملاً عندما كان 
الحب يدل إلى حياتهاء أو وهي وحيدة ويائسة» عندما فرغ قلبها من الحب. 

نقلست القهوة فور جهوزها إلى الطاولة ذات السطح الزجاحي الموحودة ف 
غرفة الطعام. ترددت في ذهيٰ ذكريات مع غابي. اعتدت أن ابتسم عندما كنت 
أفكر فيها. تذكرت غابي عندما كانت في فصل تخرجها. تذكرثُها أيضا عندما 
كاحت e‏ التنقيب» وعندما كانت تنهمك قي الحفر» وقد وضعت 
منديلاً حمر اللون بشكل مائل حول خصرهاء بينما كانت حصلات شعرها المصبوغة 
بلون الحنة تتمايل أثناء انشغاها بإزالة التراب مستخخدمةٌ مالجحها. أدركت أنها لن تُعتبر 
جميلة أبداً با معابير التقليدية» بسبب طوها الذي يبلغ حوالى المتر وثمانين سنتمترا. 3 
تحاول أن تنحّف نفسهاء أو أن تكتسب سمرة. ولم تعتأ على إزالة الشعر عن 
ساقيهاء أو من تحت إبطيها. بقيت غابي كما هي» أي غابي. غابرييل ماكولاي 
القادمة من تروى ريفييه» كيبيك» وال وُلدت من أمٌ فرنسية وأب إنكليزي. 

تصادقت وإياها أيام دراستنا الثانوية. كرهت صديقي مادة الأنثروبولوجيا 
الفيزيائية» وعانت من المواد الي أحببتها. وتملكى الشعور ذاته تجاه فصول علم 
الأحناس الي أحبتها. توجّهت إلى كارولاينا الشماليةء بينما عادت هي إلى كيبيك 
وذلك بعد مغادرتنا جامعة نورث ويسترن. لم نتت كثيراً منذ ذلك الوقت» لككن 
الماتف بقي صلة الوصل بيننا. ساهمت غابي كثيراً في حصولي على وظيفة أستاذ زائر 
في ماك جيل في العام 1990. بدأت في ذلك العام العمل في المختبر بدو جزئي» 
واستمريت بهذا بعد عودي إلى كارولاينا الشمالية. بقيت أتوجمّه سمالا كل ستة 
أسابيع» وحسب ما تمليه مقتضيات العمل. أحذت لنفسي إحازة من جامعة كارولاينا 
الشمالية في شارلوت هذا العام» وذلك كي أتفرغ لعملي في مونتريال بشكل دائم. 
اشتقت كيرا إلى رفقة غابي» لذلك استمتعت بتجدد صداقتنا. 

لفت نظري الضوء الذي يومض ف الآلة المحيبة. إذ يدل هذا على وصول 
مكالمة قبل محادثي مع غابي. سبق لي أن برجحت تلك الآلة كي تحيب بعد أربع 


44 


دقات إلا إذا بدأ الشريط بالعملء وعندها سترد الآلة بعد الرنة الأولى. تساءلت 
عن سبب استغراقي في النوم رغم هذه الدقات الأربع» وبعد رسالة بأكملها. 
تقدمتُ من الآلة وضغطت على الزر. عاد الشريط إلى بدايته» ثم بدأ بالدوران» 
وبداً ببث الرسالة. مرت فترة صمت قبل أن أسمع قرقعة. بع ذلك ر حاد 
استمر فترة قصيرة» ثم انساب صوت غابي. إذا م يتعد الأمر مشكلة تقنية. د 
ضغطت على زر الإعادة ثم انصرفت كي ارتدي ملابسي استعدادا للذهاب إلى 
العمل. 

يقع مختبر الطب الشرعي في المببئى الذي يعرف عبن 0۲۲» أو 8Q‏ وذلك 
بحسب توجّهك اللغوي. يُطلق الناطقون بالإنكليزية اسم شرطة مقاطعة كيبيك 
على هذا المبئ» بينما يعرفه الناطقون بالفرنسية باسم أمن كيبيك. تشبه مختبرات 
الطب الشرعي في مونتريال مكاتب الطب الشرعي في الولايات المتحدة. تتقاسم 
هذه المحتبرات الطابق الخامس من اللمبئ مع مختبر العلوم القضائيةء وهو المختبر 
الجنائي المركزي للمقاطعة. تؤلف حتبرات الطب الشرعي» ومختبر العلوم 
القضائيةء وحدة تسمى إدارة المعاينة القضائية. يحتوي المبئ على سجن في الطابق 
الرابع» والطوابق الثلاثة العليا منه. أما حناحّي المشرحة والتشريح فيتواجدان في 
الطابق السفلي. وتحتل شرطة المقاطعة الطوابق الثمانية المتبقية. 

يتمتع هذا الترتيب .ميزات متعددة بالنسبة إلي. فعندما أحتاج إلى رأي بشأن 
ألياف معينة» أو إلى تقرير بشأن عينة من عيّنات التربة» لا أضطر سوى إلى 
الزول عر الرواق كي أصل إلى مرجع المعلومات الي أحتاحها. بمتلك هذا 
الترتيب سيئاته أيضاً من جهة سهولة الوصول إلينا. إذ لا يحتاج مفتش من شرطة 
كيييك. أو رحل تحر يعمل لدى سلطات المدينة» عندما يريد إيصال دليل أو 
تقرير» إلا أن يستقل المصعد كي يصل إلينا. 

ويشهد هذا الصباح على ما أقوله. فعند وصولي» وحدث كلوديل ينتظرن 
أمام باب مكتي. حمل الرجل مظروفا بنيا صغيرا في راحة يده. إذا قلت إنه بدا لي 
ورا فكأن قلت إن غاندي ذا نجائعا. 

"حصلت على سجلات الأسنان". بدا لي أنه يتباهى هذا المظروف» كما 
يفعل من يقدم جوائز آكاديمي. 

45 


"أحضرقا بنفسي". 

قرأ الاسم لمدوّن على المظروف. "الدكتور نغوين. تقع عيادته هناك في 
روزمون. كنت سأصل قبل الآن» لكن الرحل يوظف سكرتيرة بلهاء بالفعل". 

ساألتّه: "أتفضّل القهوة؟" م ألتق سكرتيرة الد كتور تغوين من قبل لكنبي 
شعرت بالتعاطف معها. اد ركت أن صباحها كان سيئاً. 

فتح الرجل فمه ليعطيي حوابا بالقبول أو بالرفض. ولكنّئ لم أفهم حوابه» 
لأن مارك بيرغيرون ظهر في تلك اللحظة. يبدو أن الرحل لم ينتبه لوحودناء فمرٌ 
من أمام صف من أبواب المكاتب السوداء اللامعة» م توقف أمام باب المكتب 
اجاور لكتبي. انح الرحل ثم وضع حقييته على ركبته وفخذه. فکرت في منظر 
متاورة الرافعة في فيلم فقى الكاراتيه. فتح الرحل حقيبته وهو في هذا الوضعء 
وبحث في محتوياتهاء ثم تناول مجموعة من المفاتيح. 

"مارك؟" 

أحفل الرحل» وما لبث أن أغلق حقيبته بقوةء وأنزطا إلى الأرض يحركة 
واحدة. 

كتمت ابتسامي وقلت: "صدفة سعيدة". 

"شكراً". نظر الرحل نحو كلوديل ونحوي ثم حمل الحقيبة بيده اليسرى» 
وحمل المفاتيح بيده اليمئ. 

يبدو منظر مارك بيرغيرون غريباً بكل المقابيس» فهو في أواخر الخمسينيات» 
أو أوائل الستينيات من عمره. أما جسده الطويل والنحيل فمقوّس قليلاء ومنحن 
إلى الأمام عند الصدر. يبدو الرحل في هذه الوضعية وكأنه يستعد لتلقي ضربة على 
معدته. e‏ 

E م الرحل رکانه‎ E 
حسم ذات أحرف متناهية في الصغر. بدا أشبه بشخصية من شخصيات تيم‎ 
بيرتون نما هو طبيب الأسنان الشرعي‎ 

قلت» وأنا أشير إلى رحل التحري: "بمتلك المسيو كلوديل سجلات الأسنان 
العائدة إلى غاغنون". رفع كلوديل المظروف وكأنه يؤكد على كلامي. 

46 


م ألاحظ أي رفة حفن وراء عدستَي النظارة الوسختين. تأملئ بيرغيرون 
بشرود. بدا الرحل مثل نبتة هندباء بجذعه الطويل والنحيل» وبشعره الأبيض. 
أد ركت أنه لا يعلم شيئاً عن القضية ال نعمل عليها. 

يعمل بيرغيرون من ضمن جحموعة من الأخصائيين الذين يعملون بدوام حزئي 
لدى مختبرات الطب الشرعي. ا واحد من هؤلاء الأحصائيين الشرعيين 
مشورته في كل ناحية من نواحي الاحتصاصات المختلفة: : طب الأعصاب» التصوير 
الشعاعي» علم الأحياء الدقيقة 00 الأسنان. اعتاد الرجل أن يحضر مرة في 
الأسبوع إلى المختبرء وأن يستقبل مرضاه في عيادته الخاصة بقية أيام الأسبوع؛ لكنه 
تغب عن العمل في الأسبوع الماضي. 

لخصّت له القضية. "وجد عاملون في الأسبوع الماضي بعض العظام في أرضٍ 
تخص لا غراند سيميناير. اعتقد بيار لامانش أن القضية لا تعدو عن كوها مقبرة 
تاريخية قديمة» فأرسلي إلى الموقع. ولم تكن القضية كذلك". 

وضع الرحل الحقيبة على الأرض» واا 

"وجدتُ أجزاء مقطعة من جثة وُضعتم في كيس تمهيداً للتخلص منها. أعتقد 

أن كنيد هذا جرى في غضون الأشهر القليلة الماضية. تعود اجحثة لأنثى بیضاء» 
ولعلها تي أوائل العشرينيات من عمرها". 

تصاعدت وتيرة نقرات كلوديل على المظروف. توقفت مؤقتاً عندما تعمد 
الرحل النظر إلى ساعة يده» ثم تنحنح. 

نظر بيرغيرون إليه, ثم عاد ببصره نحوي. تابعت كلامي. 

"استطعت أنا والمسيو كلوديل تضييق جال الاحتمالات» وحصرناها في 
احتمال يبدو مؤْكدا. تتناسب كل المعطيات» وكذلك التوقيت. حصل على 
السجلات بنفسه من الدكتور نغوين الذي يعمل في روزمون. هل تعرفه؟" 

هز بيرغيرون رأسه بالنفي» ومد يده الطويلة والنحيلة. قال: "حسنا. أعطئي 
إياها. هل انتهى دينيز من أحذ الصور الشعاعية؟" 

قلت له: "قام دانيال بأحذ الصور. لا بد أن الصور موجودة على طاولة مكتبك". 

فتح باب مكتبه» وما لبث كلوديل أن تبعه. رأيت من خلال الباب المفتوح 
مظروفاً بنياً صغيراً فوق طاولة المكتب. تناول بيرغيرون المظروف وتأمل رقم 

47 


القضية. استطعت أن أرى كلوديل وهو يتفحص الغرفة» وكأنه ملك يختار المكان 
الذي يريد الحلوس فيه. 

قال بيرغيرون: "تستطيع أن تعود في غضون ساعة من الزمن» مسيو 
كلوديل". 

بهت كلوديل. اي لكنه زم شفتيه فرسمتا حطاً رفيعاء ثم أعاد تعديل 
كمّيه قبل أن يغادر الغرفة. أحبرت نفسي على عدم الابتسام للمرة الثانية. كنت 
أعلم أن بيرغيرون لن يطيق محققاً يتطلع من فوق كتفيه أثناء عمله. يبدو أن 
كلوديل قد أدرك هذه الحقيقة لتوّه. 

ظهر وحه بيرغيرون بحدداً من خلال الباب المفتوح. سأليئ: "أتريدين 
الدحول؟" 

قلت: "بالتأكيد. هل نتناول القهوة؟" لم أتناول قهوت الصباحية منذ وصولي 
إلى مكان العمل. اعتدت وإياه على إحضار القهوة إلى بعضنا بعضا. كنا نتناوب 
على إحضارها من المطبخ الصغير الموجود في الحناح المقابل. 

تناول كوبه الكبيرء وأعطان إياه: "عظيم. سأنتظرك هنا". 0 

أحضرت كوبي وسرت عبر الرواق. شعرت بالسرور لدعوته لي. إذ اعتدنا 
على العمل على القضايا ذاتها. عملنا على الجثث المتحللة وامحترقة» والمحفوظة» أو 
العظمية. عملنا على هذه الحالات الى لا يمكن التعرف على أصحابها بالطرائق 
الاعتيادية. سار عملنا معا بطريقة حيدة. يبدو أن الرحل يوافقيي على هذا الرأي. 

ريست عدعردنق مرن أسودين صغيرين معروضين على اللوحة الضوئية. 
عرضت كل صورة حانبا من الفك» وبدت مجموعتان من الأسنان براقتين إزاء 
الخلفية الشديدة السواد. تذكرت هذه الأسنان عندما رأيتها لأول مرة في الغابةء 
ولاحظت أن سلامة هذه الأسنان تتناقض بشدة مع المكان المريع الذي تواحدت 
فيه. تبدو مختلفة الآن. إها نظيفة» وتصطف بترتيب تام في صفوف منتظمة جاهزة 
للتفحص. أضيئت كل الأشكال المعتادة للتيجان» والجذور» وحجيرات اللب» 
بشدة متفاوتة من اللونين الرمادي والأبيض 

بدأ بيرغسيرون بترتيب صور الأشعة لما قبل الوفاة ووضعها إلى اليمين» أما 
صور ما بعد الوفاة فوضعها إلى جهة اليسار. عيّن بأصابعه الطويلة والنحيلة ورما 


48 


4 


صغيرا في كل صورة من صور الأشعة» ثم أحذ يرتب هذه الصور واحدة واحدة 
واضعا الجهة الي تحتوي الإشارة إلى الأعلى. وبعدما انتهى من هذه العمليةء 
ا كز متزرة من ضور ها قال لا اله ا طبور ماريعة و 

قارن المجموعتين بمثاً عن فروقات. بدا كل شيء متطابقاً. لم تظهر في أي 
يحموعة أي أسنن ناقصة. ظهرت كل الجذور تامة حي فاياتها. وتطابقت كل 
المباحوط والمتصيات الريزردة على جه الجدازه وميلوفا الرسوكة على ديه 
اليمين. برزت بوضوح كتل مستديرة ناصعة البياض تمدّل الحشوات الصناعية 
للأسنان. برزت مجموعة الأشكال ذاتها الي ظهرت في صور ما قبل الوفاة بكل 
تفاصيلها على الصور ال التقطها دانيال. 

تفحص ببيرغيرون صور الأشعة السينية لوقت بدا لي طويلاً جدأء ثم احتار 
مربعاً من امجموعة التي على بينه» ووضعها على صورة أشعة ما بعد الوفاة المماثلة 
لما ا ا تطابقت الأنماط غير المنتظمة للأضراس تاماً. 
استدار ليواحهي 

قال لي: "أنا متاكد". اق وراد ورف عن لطر "أقونها بشكل 
ر شن بالف واا ن ا من السكلاك اکر د ينها كن اول 
قهوته. سينهمك الرحل في مقارنات مضنية للسجلات المكتوبة» بالإضافة إلى 
إحسرائه مقارنات أخرى مع صور أشعة سينية أكثر تفصيلاًء لكن لم تتملكه أي 
شكوك عن هوية الضحية. إا إيزابيل غاغنون. 

شعرت بارتياح كبير لأنتي لن أكون الشخص الذي سيواجه والدّي الضحية» أو 
زوجها أو حبيبهاء أو ابنها. تواحدت في احتماعات مثل هذه من قبل» وأعرف تلك 
النظرات جيدا. أعرف نظرات العيون المتوسّلة. سيقولون أخبرينا أنك مخطمةء وأنّ كل 
ذلك ليس إلا حلماً مزعجاً. دعيه ينتهي. قول لنا إن الأمر ليس كما نظن. تأي بعد 
ذلك ساعة الحقيقة. يتغير العالم إلى غير رجعة في جزء من الألف من الثانية. 

قلت له: "أشكرك لأنك نظرت قي هذه القضية على الفور يا مارك. وأشكرك 
على هذا الفحص التمهيدي". 

"اتمئئن لو أن كل القضايا هي .مثل هذه السهولة". ارتشف قهوته» وابتسم 
قليلاً ثم هرّ رأسه. 

49 


"مل تريدن أن أواحه كلوديل بنفسي؟" حاولت أن أبعد المرارة عن صوتي» 
لكن يبدو أن لم أنمح في محاولي هذه. ابتسم ابتسامة من يعرف ما أقصده. 

"لا أشك في أنك تستطيعين ترويض المسيو كلوديل". 

قلت: "أنت محق. هذا بالضبط ما يحتاحه: مروئض". 

استطعت أن أسمع ضحكته حن بعد أن عدت إلى مكتي. 

اعتادت جدي أن تقول لي إنه يوجد قدرٌ من الطيبة في كل شخص. قالت 
لي: "كل ما عليك فعله هو أن تبحثي عنها.. ." اعتادت أن 'تقوها بنبرة ناعمة مثل 
الحرير... وستجدينها. "عتلك كل شخص فضيلة ما". لا شك يا جدي» في أنك 
م تقابلي كلوديل أبداً. 

يتميز كلوديل بفضيلة دقة المواعيد. عاد في غضون حمسين دقيقة. 

توقف في مكتب بيرغيرون. CT‏ معت 
امي يتكرر بينهما مراتِ عديدة, إلى أن أحاله بيرغيرون إلي. دل صرت كلوديل 
على الانزعاج. أراد ري أصيادٌ لكنه اضطر إلى التنازل» وماع رأبي یا 
ثوان قليلة» ظهر في مكتي متجهم الوجه. 

لم يبادر أحد منا بإلقاء التحية» بل اكتفى بالانتظار قرب الباب. 

قلت له: "أنا متأكدة. إنها غاغنون". 

عبس قليلاء لكنني تمكنت من ملاحظة الابتهاج يتجمّع في عينيه. حاز على هوية 
ضحية. يستطيع الآن أن يباشر التحقيق. تساءلت إن كان قد شعر بشيء تجاه هذه 
المرأة الميتةء أم أنه يعتبر الأمر محرد تمرين له. يتعين عليه الآن إيجاد الرجل الشريرء وأن 
يتفوّق على الحرم بذكائه. سبق لي أن معت دعابات» وتعليقات» ونكات فوق حثشث 
الضحايا المشوّهة. يعتبر بعضهم هذه الدعابات طريقة الا حي قذارات 
العنف» وسدا حاميا ضد المحازر اليومية المستمرة الي يتعرض ها البشر. 

هل بيمكننا أن نسمي هذا مرح المشرحة» أو رعا نعتبره تغليف الرعب 
بالشجاعة الذكورية؟ أعتقدُ أن الآخرين ينظرون إلى الأمر بصورة أعمق. شككت 
أن كلوديل ينتمى إلى هذه الفعة الأحيرة. َ 

راقبه لثوان عديدة. معت صوت رنين هاتف في مكان ما من القاعة. 
يمحي احئ اك الوا لك ا حر شي من الاعتراف أن رأيه بي مهم 

50 


عدا أردنث اللسضول على استحسانه. ارده آن يشر بالؤد تجاهي. آرت أن 
يتقبّل الجميع» وأن يقبلون في ناديهم. 

لمعت صورة الدكتورة لينتز في ذهي. إنما عالمة النفس ال سمعت محاضراتًا 
منذ وقت طويل. 

اعتادت أن تخاطبيي بالقول: "تمب» أنت ابنة والد مدمن على الشراب. إنك 
تبحثين عن الاهتمام الذي حرمك منه؛ وتريدين الحصول على الاستحسان الأبوي» 
وهكذا تحاولين إرضاء الجميع ". ّْ 

أوضحت هذا الأمر ليء لكنها لم تستطع تصحيح الخلل. يتعيّن علي القيام 
هذا التصحيح بنفسي. أعتقد أنئي أفرطت في التعريض في بعض الأحيان» وهذا 
اعتبرن كثيرون مضجرة. لم تكن هذه هي حالي مع كلوديل. أدركت أنئي كنت 
أتحنب المواجهة معه. 

أخذت فسا عميفا وات بخان كلماق با 

"هل فكرت يا مسيو كلوديل في احتمال أن تكون هذه الجريمة مرتبطة 
بالجرائم الأحرى الى حصلت خلال العامين الماضيين؟" 

جمدت ملاعه» وزمٌ شفتيه بشدة حن كادتا تختفيان. بدأت دائرة من اللون 
الأحمر تنتشر من عنقه صعوداء وببطء شديد» حي وصلت إلى وحهه» لكنّ صوته 
بقي ا کالثلج. 

جمد في مكانه تماما: "أي جرائم تقصدين؟" 

"لتحدث عن شانتال تروتييه» الي قتلت في تشرين الأول من العام 1993. 
لويس تلعف و تكس ا عدي رادت ا ا 
"ووجد ما بقي منها ملفوفاً في أكياس نفايات مصنوعة من النايلون". 

رفع کلتا يديه حى مستوى فمه» وشبكهما ببعضهما. تداحلت أصابعه» 
وأحذ ينقر بمما على شفتيه. معت الأصوات الخافتة الي أحدثتها الحلقتان 
الذهبيّتان في كمّي قميصه المفصل تفصيلاً مناسباً على قياسه. تور وق مار 

قال مشدداً على اللقب الإنكليزي من اسمي: "هيز برينان. أقترح عليك أن 
تحصري اهتمامك قي مجال اختصاصك فقط. أعتقد أنه من مسؤوليتنا نحن أن نكتشف 
أي رابط محتمل بين هذه الجرائم. وحن الآنء لا وجودء لأي رابط يجمع بينها". 

51 


تحاهلت التوبيخ: "ألا تلاحظ أن ا وقتلتا خلال العام 
الماضي» وظهرت على جثتيهما علامات التشويه ومحاولات... 

امار نخر ايد فاط على ترباطة الجأش الذي أحكم تشییده» فانفجر غضبه 
تجاهي كالسيل الجارف. 

أطلق في وحهي سيلاً من الشتائم صائحاً: " هل أنتن 

زم شفتيه كي يتلفظ بالشتيمة» لكنه تمكن من ضبط نفسه في الوقت المناسب. 
استعاد رباطة جأشه؛ لكن بجهد كبير. 

"اذا تفرطين في رد فعلك على الدوام؟ ؟" 8 

افر ا ب بن كيف وحدت نفسي أرتحف غيظاء قبل أن 
أتوجّه إلى الباب كي أقفله. 


52 








إن جرد الجلوس في غرفة البخار والتعرّق يبعث في المرء شعورا طيباً. تعمّدتُ 
أن أكون في هذه الحالة. سرت ثلاثة أميال فوق ستاير هاسترء وأفيتُ جولة في 
نواتيلاس» ثم بدأت أسترحي. لم يكن النادي على مستوى توقعاق» وكذلك كان 
ما تبقى من يومي. نححت التمارين في تبديد بعض الغضب الذي سيطر علي» 
لني بقيت مضطربة. أعرف أن كلوديل ليس إلا ذلك الرجل التافه. كان هذا 
الوأصف أحد الأوصاف الي كنت أقذفها في وجهه مع كل جولة من حولات 
ستاير ماستر. اشتملت القائمة على: تافه» غبي» وبليد. أعتقد أن الأوصاف ذات 
المقطعين هي الأفضل. ركرت على هذه النقطة» وم أفكّر في الأمور الأحرى. 
نحت هذه الخطة في تسليي قليلاء لكن لم أستطع إبعاد الدرعتين عن ذهي بعد 
فترة الاستراحة هذه. فكرت في إيزابيل غاغنون»ء وشانتال تروتييه. بقي الإسمان 
يحولان في ذه مثلما أفعل بحبيبات البازيلاء في صحئ. 

غيّرت وضعية منشفج» وسمحت لدماغي أن يعيد ترتيب أحداث اليوم. بدأت 
بالاتصال مع دينيز كي أعرف الوقت الذي سيجهز فيه هيكل غاغنون» وذلك 
بعد مغادرة كلوديل مكتي. أردت أن أتفحص كل بوصة منه بحثاً عن آثار 
كدمات. أردتُ أن أبحث عن کسور» أو جروح» اوداق شي اع أ 
ما في طريقة تقطيع الحثة. أردت أن ألقي نظرة عن كثب على علامات الجروح 
الى تحملها العظام. علمت بوحود مشكلة في أجهزة الغلي» ولذلك لن تجهر العظام 
عي القن 

53 


توجّهت بعد ذلك إلى خزانة الملفات المركزية» وتناولت ملف تروتييه. 
أمضيتُ ما تبقى من فترة العصر منكبة على تقارير الشرطةء ونتائج التشريح» 
وتقارير السموم والصور. بقيت فكرةٌ تلح على خلايا ذاكري. أصرّت تلك 
الفكرة على أن هاتين 0-0000 رفرفت على أفكاري بعض التفاصيل 
الي لم أستطع تذكرهاء لكنها تربط الضحيتين بطؤيقة لم أفهمها تماماً. أبلغتئي 
إحدى ذكرياتي المختزنة» الي لم أستطع استعادتها بالكاملء أن الأمر لا يقتصر على 
تقطيع الجثث ووضعها في الأكياس. أردت إيجاد ذلك الرابط. 

e‏ لان ال كن وبين ةن 
الجحلد عند أطراف أصابعي» لكن كل المناطق الأخحرى من بشرقٍ كانت في غاية 
النعومة. إن لست من الذين يتحملون كثيراء لكنين قررت أن أبقى مس دقائة 
إضافية. 

فتلت شانتال تروتيبه منذ أقل من عا» أي في حريف أول عام عمل متفرع 
لي في المحتبر. كانت في السادسة عشرة من العمر. وضعت صور تشريح جثتها 
فوق.طاوليَ عصر هذا اليوم» لكنئ ل أختحها. تذكرنها حيداء وتذكرتة كل 
تفاصيل ذلك اليوم الذي وصلت فيه حنتها إلى المشرحة. 

عدت ل بوم ,22 شين ع الأول» عشية حفلة الحار. كان يوم جمعةء» لذلك 
ترك معظم الموظفين مكاتبهم باكرا كي يتمكنوا من تناول شراب الشعرء وكي 
يستطيعوا شق طريقهم خلال صناديق المالبيك. فلقد أرادوا حضور الحفلة الي 
تحري كل حريف بشكل تقليدي. 

استطعت أن أرى لامانش من خلال الحشد الذي تجمّع في قاعة الاحتماعات. 
كان يتحدث عر الماتف. و م 
حجب الضجيج الناتج عن الحفلة. راقبته. تفخّص الرجل القاعة بعينيه ما إن انتهى من 
مكالمته. وأشار لي بإاحدى يديه عندما رآڼ» وفهمت منه أنه يريد أن ألاقيه في 
القاعة . فعل الأمر ذاته عندما شاهد ببرغيرون. شرح لي الأمر في المصعد بعد مس 
دقائق. قال إن شابة صغيرة وصلت للتو. 57 آثار الضرب والتشويه الشديدين ظهرا 
على جثتها. ساف سو المح اعرف غل هره اة انه ضري وأراد من 
بيرغيرون أن يتفحص الأسنان» وأرادن أن أتفحص الجروح الي ظهرت على العظام. 

54 


تناقض الحو في المشرحة كلياً مع ارج السائد في الطابق العلوي. وقف رجلا 
تحر من أمن ا كيبيك عن سافه قرية من لشن كما اسك انط يردي ويا 
رسمياً من قسم التعرّف على امثث بالتقاط بعض الصور. وكان أن سبق للتقئ أن 
وضع البقايا بصمت تام. | يقل رحلا التحري شيكاً. م نُسمع نكات ولا كلمات 
منمقة. غاب المول المعتاد كلياء و لم تسمع في القاعة غير الأصوات الصادرة عن 
الكاميرا عند التقاط صور تلك الفاجعة الإنسانية الملقاة على طاولة التشريح 

جُمعت الأجزاء الي تبقت من الضحية كي تشكل حثة. وأضعت الأجزاء 
الستة المملوءة بالدماء في أماكنها التشريحية المناسبة» لكنْ الزوايا لم تكن دقيقة 
تماماً. تحوّلت» هكذاء إلى نسخة بالحجم الطبيعي من تلك الألعاب لي سلجم 
كني مرك ق اوطعيات. غر طايقة للوضعياك: الطبيعية: الع رمعا 
بالإجمال. 

فطع الرس من مكان عال من الرقبة وبدت العضلات المقتطعة بلون أحمر 
ا لاحظت أن الحلد الشاحب قد تراجع قليلاً عند حدود 
القطع» وكأنه انكمش بلطف نتيجة احتكاكه باللحم الطازج اليْء. كانت عيناها 
شبه مغمضتين» بينما انساب حيط رفيمٌ من الدماء الحافة من منخرها الأيمن. أما 
شعرها الأشقر الطويل فكان مبللاً وملتصقاً برأسها. 

لاحظت أن الجمذع مشطور عند منطقة الخصرء وأن ذراعيها انحنتا عند 
المرفقين فوق المنطقة العليا من الخد كما أن يديها كانتا ترتاحان فوق معدها. 
إنه الوضع المعتاد للدفن فيما عدا أن أصابعها لم تكن متشابكة. 

كانت يدها اليمئ مقطوعة جزئياً. وبرزت نمايات الأربطة البيضاءء وبدت 
مثل أسلاك كهربائية انتّرعت من مكافا. مح قاتلها أكثر مع يدها اليسرى. وكان 
التقى قد وضعها قرب رأسهاء حيث بقيت وحيدة» وبدت أصابعها منكمشة مثل 
أرجل عنكبوت ذاوية. 

رأيت صدرها مشقوقاً بالطول. امتد الشق من العنق حى البطن» وتدلى 
ثدياها نزولاً نحو جهتّي القفص الصدري. بدا أن ثقلهما يشدّ جانبّي لحم الصدر 
المشقوق. امتد القسم الأسفل من الحذع من خصرها وح ركبتيهاء في حين 
كانت ساقاها في القسم الأسفل جنباً إلى حنب» لكنهما وضعتا تحت أماكن 

55 


ارتباطهما الطبيعية. بدا هذان القسمان غير ملتحمين عند مفصل ال ركبة» فظهرت 
القدمان متّجهتيّن نحو الحانبين» بينما اتجهت أصابع القدمين نحو الأعلى. 

1 1 هاعر يه 
الفاتح. شعرت بالا لم عندما لاحظت هذه اللمسة الشخحصيةء إلى درحة أردت 
معها أن أغطيهاء وأن أصرخ طالبة من الحميع ت ركها وشأفا. لم أفعل ذلك» لكني 
وقفت واكتفيت بالمراقبة» وانتظرت دوري كي أختلس نظرة على الضحية. 

استطعت مع ذلك أن أرى» حن عندماٍ أغمض عي الحواف المتعرحة 
التشعوق الو وده على قروة رأسهاء وهي دليل على ضربات متعددة بآلة غير 
وة اتتطعرة اشا تذكر جروح رقبتها بکل تفاصيلها. انطع أن أرى بقع 
النزيف في عينيهاء وهي البقع الدقيقة الناتحة عن انفجار الأوعية الدموية الدقيقة. 
يُعتبر وجود هذه البقع - الناتحة عن ضغط شديد على الأوعية الوداحية - دليلاً 
تقليديا على حدوث عملية حنق. 

شعرت بتوتر في أعماقي عندما بدأت أتساءل عن الأمور الأخرى الي جرت 
معها. حرمت هذه المرأة الطفلة الحادئة والرقيقة» من تناول زيدة الفستق الى 
اعتادت عليهاء ومن الاجتماع بالقادة الكشفيين» ومن المخيمات الصيفية» 
وصصفوف أيام الآحاد. شعرت بالأسى على الأعوام ال لم يسمح لما بعيشهاء 
والحفلات الراقصة الي لن تحضرها أبداء وكمية الشراب الي لن تتمكن من 
تجرعها. نقول - بعد كل ذلك - إننا نحن - الأميركيون الشماليون - قبيلة 
متحضرة تعيش ف العقد الأخير من الألفية الثانية. وعدنا الضحية أن تعيش سبعين 
عاماء لكننا لم نسمح هما بالعيش سوى ستة عشر عاماً. 

حاولت أن أبتعد عن ذهي كل ذكريات تلك الضحية الى تم تشريحهاء 
وتسبيت بشعوري بالألم» ومسحت العرق الذي تصبب من وجهي» وهززت 
رأسي» كما ح ركت شعري إلى الخلف وإلى الأمام. بدأت الصور الذهنية بالتدافع 
في خيلي» » إلى درحة عجزت معها على الفصل ما بينها وبين الصور التفصيلية الي 
رأيتّها ذلك المساء. إا صورٌ مثل الحياة ذاتها. شککت منذ وقت طويل أن تكون 
الذكريات الي أحتفظ يا عن طفولي قد نتحت فعلاً عن صور فوتوغرافية قديعة؛ 
إا ليست إلا مزيجا من اللقطات» ومن ضور شرافط الأفلام اللعذلقه وال أصبحت 


56 


في النهاية واقعاً جاهرا لد كر ىنا بن رحعنا كوداك إلى الوراء. أظن أنه من 
الأفضل أن نتذكر الماضي هذه الطريقة. إذ كدر أن تلقط عورا فى ااا 
الحزينة. 

فتح الباب بغتة. ودحلت امرأةٌ غرفة البخار. ابتسمت المرأة وأومأت نحوي» 
ثم افمكت بنشر منشفتها على المقعد إلى يساري. بدا فخذاها بلون اسفنج البحر. 
فتناولت منشفي وتوجّهت لآحذ حمامي. 

وحدت بيردي بانتظاري عندما وصلت إلى منزلي. نظر إلي عبر الردهة. 
رأيت انعكاس شكله الأبيض على رخام الأ رة امود ن ا غا 
هل تشعر القطط بمشاعر تمائل مشاعرنا؟ أفترض أن أقوم بنوع من الإسقاط. 
تفقدت وعاءه فوجدتُ كمية الطعام قليلةً بعض الشيء» لكنه لم يكن فارغاً. 
شعرت ه بالذنب؛ لكنين ملأته على أي حال. تكيّف بيردي جيداً مع مبادرتيٍ هذه. 
أعرف أن احتياجاته بسيطة. إنه يحتاج إلي» وإلى أسماك فريسكي أوشن» ويحتاج 
إلى النوم. تتميّز هذه الاحتياجات .مرونتها ولا تشكل أي عقبة بالنسبة إليه» 
بالإضافة إلى إمكانية تغيير مواقعها بسهولة. 

بهقيت لدي ساعة قبل أن يحين موعدي مع غابي» وهكذا استلقيت على 
الأريكة. أحسست بالإحهاد الذي تسيّبت به التمارين والبخار» وشعرت كما لو 
أن بجموعات عضلية مهمة قد تعطلت عن العمل. أعطى الإجهاد ثماره. فلقد 
اک ی جحي انين کی کا احية فان كالعاةة كل هده 
الأوقات» أنوي بحاحة لتناول الشراب. 

اكرات امع عن مارغ الف أرجاء غرفي؛ لكن حدقا حفت بفعل 
ستائر الموسلين الي تتدلى وراء كل نافذة. هذا هو أكثر ما يعجبئ في هذه الشقة. 
إذ يتمازج ضوء الشمس مع الباستيل الشاحب فتنبعث في الغرفة مشاعر البهجة 
الساطعة الي تريح أعصابي. إها جزيرت المادئة وسط عالم من التوتر. 

تقع الشقة في الطابق الأرضي من مبين يتحذ شكل لاء ويحيط بباحة 
داحلية. تشغل شق معظم الحناح» كما أنما بعيدة عن الجيران. تشرف أبواب 
فرنسية في إحدى جهات غرفة المعيشة على حديقة الباحة. أما الأبواب في الحهة 
المقابلة فقشرف على الباحة المحصصة لي. تمثل هذه الباحة مشهداً برا 


57 


E‏ العشبء والأزهار في قلب وسط المدينة» حى إن أنشأت حديقة 
أعشاب صغيرة خاصة بي . 

تا ق ادو عا إذا کت ساس اليش ردي ا مدان 
قبل. فلقد ت ركت المزل كي ألتحق بالجامعة. تزروحت بيق بعد ذلك» وريت 
کان لالت أكن أبدا سيدة مکی لم يكن هناك من داع لكل ذلك القلق 
الذي شعرت به قي السابق» لأني أحببت نمط حياق هذا. 

كنت أتأرجح ما بين عالمي اليقظة والنوم حينما أعادني رنين اتف إلى عالم 
الواقع. تناولت سماعة الحاتف» وشرعت أتحدث وأنا أشعر بألم في رأسي بسبب 
غفوت الي لم تكتمل. حادثئي على الجانب الآحر صوت إلكترون يحاول بيعي 
قطعة أرض مخصصة للدفن. 

قلت: "لا أحتاجها". حركت ساقي حارج أريكي» وفضت. إها إحدى 
سلبيات العيش يعفردي؛ فلقد اعتدت على التحدث مع نفسي. 

أما الناحية السلبية الأحرى هذا النمط من العيش فهي اضطراري للعيش بعيدا 
عن ابني. طلبت رقمها. رفعت السماعة من الرنة الأولى. 

"أوه يا ماما. أنا مسرورة جداً لأنك اتصلت بي! كيف حالك؟ لا أستطيع 
الكلام الآن. لدي اتصال على الخط الآحر» لكن هل أستطيع مكالمتك بعد 
قليل؟" 

ابتسمت. إنها كاي ا دوا وال تنظر بألف اتحاه واتحاه. 

'بالطبع يا حبيبتيَ. ما من شيء مهم. أردت إلقاء التحية عليك فقط. 
سأتعشى مع غابي هذه الليلة. سأكلمك في الغد". 

"عظيم. قبّليها عين. آه» تذكرت. حصلت على درجة ۸ في مادة اللغة 
الفرنسية» إذا كان هذا ما تفكرين فيه". 

قلت ضاحكة: "ل أشّك أبدا في قدرتك على نيل هذه الدرجة. سأهاتفك في 
الغد". 

تمكنت بعد عشرين دقيقة من إيقاف سيارتي أمام المبن الذي تسكن فيه غابي. 
ساعدتيٰ معجزة على إيقاف سيارقٍ مقابل باب منزطا. أطفأت الحرك 
وحرحت من السيارة. 


58 


تعيش غابي تي ساحة كاري سان لوي الصغيرة والرائعة» وهي الساحة الي 
تقع ما بين شارعي سان وران وسان دينيز. يتألف هذا المجمّع السكي من بيوت 
متلاصقة تتخذ أشكالاً غريية» وتتميّر بغى مكوّناتها الخشبية. لخو هده لان 
بقايا فورة هندسية غابرة. أقدم المالكون على طلاء هذه الأبنية بألوان غريبة تحا کي 
ألوان قوس القزح» وملأوا باحات منازهم بكل أنواع الأزهار ا هذه 
الباحات كأفا لوحات صور متحركة رممها فنانو ديزي. 

لح علس ا ام السكى الخراء من الاه ترح ا اا 
الركزية الي تتصاعد من البركة» وكأها زهرة توليب عملاقة» وكذلك السياج 
الحديدي المزحرف الذي يحيط بالموقع» والذي يصل علوه إلى ما فوق الركبة بقليل. 
كما تفصل زحارف حديدية» ذات أشكال منحنية وغريبة» الباحة العشبية العامة 
عن المنازل المزحرفة ال تحيط جا. بدا أن الفيكتورين التشددين إزاء مسال ابسن 
استطاعوا أن يلهوا أنفسهم كندسة أبنيتهم. أوحى لي هذا الواقع» بطريقة ماء 
بوجود نوع من التوازن في الحياة. : 

تطلعت نمو الب الذي تسكنه غابي. يقع هذا المبئ في الجهة الشمالية من 
المجمّع السكي» وهو الثالث من جهة شارع هنري جوليان. لو رأت كان هذا 
المنظر لكانت وصفت ما تراه على أنه "فائض تعيس". أي مثل تلك الأثواب اليّ 
اعكدنا أن تصخر نها ى مناتاتا:الريعية الننوية. يدر أن لضب الذي عمل 
على هندسة هذه الأبنية قد أفرغ كل ما في جعبته من التفاصيل الغريبة ال يعرفها. 

يتألف هذا لمبئى من ثلاثة طوابق استُخدم الحجر البئ اللون في تشييدهاء 
ويتميز الطابق السفلي منه بنوافذه البارزة الكبيرة. يرتفع سقف المبى بشكل برج 
مقطوع ذي ستة أضلاعء ويتميز ببلاطاته الصغيرة ة الي رُكبت بشكل عائل ذيل 
حورية البحر. يحيط بقمة السطح ممر مسيّج بالحديد المزعرف. ظهرت النوافذ 
المغاربية التصميم بجوانبها السفلية المربعة» أما حوانبها العلوية فشكلت أقواسا مقببة 
ا ا ل ل ال 
ولون بظلال حفيفة من اللون البنفسجي الشاحب. ظهر إلى يسار المجمع السكيي 
سلّم حديدي يصل ما بين الطابق السفلي وبين سقيفة مدحل الطابق الثاني. تمائلت 
تصميمات أعمدة هذا السلم وحلقاته مع أعمدة سياج المجمّع السكي. شاهدت 


59 


أزهار أوائل حزيران متفتحة في صناديقها الموضوعة أسفل النوافذ» وقي الأوعية 
الكبيرة الي تحيط بهدححل السقيفة. 

كانت بانتظاري. لاني لاحظت» قبل أن أعبر الشارع. أن ستارة تحركت لبرهة» 
أن الباب الأمامي قد فتح. أومأت لي بيديهاء ثم أقفلت الباب» وتأكدت جيداً من 
إقفاله. أسرعت بالنزول على الدرج الحديدي؛ فتموجت تنورقا وراءها مثلما 
يتموج شراع يفت يشق الأمواج. استطعت سماعها أثناء اقتر اما مي. تحب غابي 
اديه اللامعة» وال تُصدر أصواتا. وضعت في تلك الليلة حلقة من الأحراس الفضية 
السصغيرة حول كاحلها. تصدر هذه الأجراس أصواتاً مع كل خطوة تخطوها. رأيتها 
ا ل آشرام في المدرسة الثانوية» فقد اعتادت ارتداء هذه الأزياء دائماً. 

"كيف حالك؟" 

أجبتها بتحفظ: "أنا في أحسن الأحوال". 

أدركت من طريقة حوابي أن ما أقوله غير صحيح» حن وأنا أتلفظ بجملي 
هذه. إلا أني لم أرغب في التحدث معها عن الجرائم» أو كلوديل؛ أو زيارتي الي 
۾ تتم إلى كيبيك سيتي. أو عن زواجي المنهار» أو حى عن أي شيء آخر شغل 
تفكيري في المدة الأخيرة. 


"وأنت؟" 


"أنا بخير". 

تمايلت خحصلات شعرها عندما حركت رأسها من جانب إلى آخر. بخير» أو 
لسست بخير. يشبه هذا ما كان يحدث في الأيام الاضيةء لكن ليس تماماً. أعرف 
طريقة سل وكي» وأنا أعرف أها تتظاهر أيضاًء وترغب قي إبقاء امحادثة في حدودها 
الدنيا. شعرت بقليل من السوداوية» لكني خفت أن أتسبّب في هذا الحو الحبط» 
ولهذا شاركت في مؤامرة تحنب الآحر المتبادلة في ما بيننا. 

لذ أين سنتناول الطعام؟" 

في الواقع» لم أغيّر وجهة الحديث» لأنه لم يبدأ في الأصل. 

''عاذا تفكرين؟" 

فكرت بالموضوع. اعتدت أن أحسم خيارات عن طريق تصور الطعام على 
الطسبق الموجود أمامي. أعر ف» بالتأكيدء أن عقلي يفضل اعتماد الطريقة البصرية. 

60 


أعتقد أنينٍ أستطيع القول إنه في ما يتعلق بالطعام» فإن دوافعي تكون أشكال 
الأكولات وصورهاء وليس أنو اعها. أردت الليلة الحصول على طعام أحمر وثقيل. 

"تسن لعاف إيطالي؟" 

فكّرت قليلاً قبل أن تقول: "حسناً. ما رأيك ,عطعم فيفالدي في برنس آرثر؟ 
نستطيع الجلوس في الخارج". 

"عظيم. لن أكون مضطرة إلى التخلي عن مكان إيقاف سياري هذه". 

انحرفنا عبر الباحة» ومررنا تحت أوراق الأشجار العريضة الي تظلل الباحة 
العسشبية. رأينا رجالا مسنين جالسين على مقاعدهم يتحدثون معاء ويتأملون 
رفاقهم المواطنين. شاهدت امرأة مرتدية ثوب حمامها تطعم حمائمها من كيس 
يحتوي على الخبز» وترجرها مثلما تفعل مع أولاد مشاغبين. رأيت حارسين يمشيان 
ا ال ل ا توقفا 

مع او والآخر ليتبادلا التحيات مع المارة» أو من أجل طرح بعض الأسئلة» أو 
ارك علق مزحت ما 

مرا قرب النشأة اة المصفرة ة الي تقع في الطرف الغربي من الباحة. 
لاحظت كلمة "فيسسباسيان", فتساءلت» جددا عن سبب حفر اسم ذلك 
الامبراطور الروماني فوق باب هذه المنشأة. 

غادرنا الباحة» وعبرنا شارع لافال» ثم مررنا أمام مجموعة من الأعمدة 
ا الا بو سحن ن برل آرثر. م نتبادل أي كلمة حي هذا الوقت. 
بدا هذاغريباء فليس من عادة غابي أن تكون هادئةء وسلبيةء إلى هذه الدرحة. 
اعتدت أن أسمعها وهي تفصح عن حططها وأفكارهاء لكنها التزمت هذه الليلة 
بالموقف الذي الترمت به أنا. 

راقبتها بطرف عيئ من دون أن تشعر. انشغلت هي أيضاً بتة بتفحص الوجوه 
اليّ تمر قربناء لكني لاحظت أا تضع طرف إهامها في فمها بين الحين والآخر. لم 
أستنتج من مراقبيٍ ها أا شاردة» بل بدت عصبية» وكأهًا تبحث عن شيء ما 
على الأرصفة المكتظة بالناس. 

كان هواء المساء دافئا ورطبا. اكتشفنا أن برنس آرئثر مكتظ برواده. رأينا 
الناس يتحركون في كل الاتحاهات. ولاحظنا أن المطاعم فتحت أبوابما ونوافذها. 


61 


رأينا الطاولات مليئة بأنواع الأطباق» وبدت هذه الطاولات وكأفا تنتظر من 
يرئبها في وقت لاق اتحلفل ارال الذي ريون قيضانا فة واا 
العاريات الأكتاف» في تبادل الأحاديث والضحكات تحت المظلات الملونة الكبيرة. 
بينما وقف آحرون في صفوف ينتظرون إيجاد أمكنة لهم كي يجلسوا فيها 
انضممت إلى الصف الموحود خارج مطعم فيفالدي» بينما توحهت غابي إلى الحانة 
الواقعة في زاوية الشارع كي تشتري زحاجة شراب فرنسي. 

عندما جلسنا أخيراً في مكانيناء احتارت غابي طبق فيتوشيني ألفريدو. في 
حين طلبت طبق لحم العجل بصلصة الليمون الحامضء إلى حانب السباغيتي. 
بقيتُ مخلصة جزئياً لمنظر لحم العجل الأحمر رغم إغراء الليمون الحامض. ارتشفت 
زجاجة مياه بيرييه المعدنية أثناء انتظارنا وصول أطباق السَلطة الي طلبناها. تحدثنا 
قليلا أثناء تناولنا الطعام» وتبادلنا بعض الكلمات الى لا تحمل معي حدداء بل 
اكتفينا غالبا بالجلوس. لم أستطع أن أعتبر هذه الجلسة الصامتة من نوع حلسات 
الأصلقاء القدامى الذين اعتادوا رفقة بعضهم بعضاًء لأن جلستنا كانت من نوع 
تبادل حديث مصطنع. 

GE وه كما القت على‎ ES 
أحسست بوجود ب بعض التوتر في سلوكها. لم تلتق عيناها بعيي» لكنهما طافتا بقلق‎ 
وكأفما تبحتان عن شيء ماء ماما كما كانتا في المْجمّع السكي. اقضح لى أنه‎ 
ممتارة. استنتحت ذلك من طريقة اإتشافها لشتراها. اتمكس شر لمساءاق‎ 
E الا را رت وا رزو‎ 

أعرف مغزى هذه الدلائل. بدأت تفرط في الشراب في محاولة منها لتخفيف 
او عام أن TT‏ 0 لعا 
0 الليمون الحامض في ح ركته المنعشة 0 بدأ هذا 
ال ةا ول سكعت إن سعدا و زيل 

"غابي, ما بك؟" 

"ما بي؟" 


62 


اح لي E‏ 
أستطع فهم ما تشي به عيناها. 

حذوت حذوهاء فانتقلت بحددا ال موضوع اي . توقعت أن بعد عضا 
تكون جاهزة. هل أصبت بالحبن؟ وهل يكون ثمن الحميمية خسارتا أحياناً؟ 

"هل يتصل بك الزملاء القدامى من جامعة نورث ويسترن؟" 

بشي ل أذ اليه غابي في السبعينيات أثناء دراستنا الجامعية. كنت قد 
تركف ھا اا کان انه اهاه شعرت أن أحسد غابي 
والآاحرين على حرياقم في ذلك الوقت. فقد حرمت من التعرف إلى الآخرين قي 
الحفلات الي تستغرق الليل بكامله» وحلال دورات الفلسفة الصباحية. كنت في 
مثل أعمارهم» لکن عشت في عام مختلف. م أنشى علاقات وثيقة إلا مع غابي» 
لكني لم أعرف السبب ماماً. كنا مختلفتين» كما هي الحال مع أي امرأتين. برز 
اختلافنا في ذلك الوقت. ورعا تعود هذه الاحتلافات إلى إعجاب غابي الذي 
أظهرئه تجاه بيتي» أو أن هذا هو ما تظاهرت به» على الأقل. عدت بفكري إلى 
الاضي: بيقي» بصرامته العسكرية» محاطا بفتيان صغار حالسين على العشب 
يتناولون أرحص أنواع شراب الشعير. أعرب لي حينها عن كرهه لحفلاتي الخامعية) 
لكترويع ا قناع من الازدراء. بذلت غابي» وحدهاء حهوداً كي 
تحقق احتراقا لموقفه هذا. 

فقدت ؛ الاتصال مع كل زملائي السابقين» عدا القليلين منهم. توزع هؤلاء 
في أنحماء الولايات قي البلاد حيث يعملون في مختلف الجامعات والمتاحف. نححت 
غابي في إبقاء اتصالاتها مستمرة مع زملائها على مدى الأعوام» أو لعل الأصح هو 
أن هؤلاء الزملاء هم الذين أرادوا إبقاء الاتصالات مستمرة معها. 
"يتصل بي جو بين حين وآخر. أخبرني أنه يدرس في إحدى البلدات المعزولة 
في مكان ما من ولاية أيوا كما أعتقدء أو لعلها في إيداهو". لم تكن جغرافية 
أمريكا من بین نقاط قوة غابي. 

قلت مشجعة: "أو ا 

"أمافيرن فيعمل في بيع الأراضي في لاس فيغاس. جاء إلى هنا منذ أشهر 
قليلة ليحضر مؤتمراً. ترك الأنثروبولوجياء لكنه سعيد مثل طائر البطلينوس". 

63 


ارتشفت المزيد من شراها الفرنسي 

"ومع هذا فهو بمتلك الشعر ذاته". 

بدت ضحكتها حقيقية هذه المرة. هل يعود سبب هدوئها المفاحئ إلى 
الشراب» أو إن حاذبيق؟ 

"آذ ا أيضا رسال إلكترونية من جيني. إا تفكر في العودة إلى عالم 
الأبحاث. أتعلمين أنما تزوجحت من أحد التافهين» وتخلت من أجله عن وظيفة دائمة 
ف روتجرزء كي تتبعه إلى كيز؟" ّ 

لم تتعود غابي المسايرة في حديثها. 

حب ات على ع ا ا كا انا عية انها للحصول ع 
منحة". ٌ 

ارتشفت جرعة أخرى من شراها. 

"هذا عندما يسمح لها. ما هي أخبار بيتي؟" 

صدَمَّي سؤاها. بقيت إلى هذه اللحظة متحفظة جدا في الحديث عن زواحي 
الفاشل. بدا الأمر وكأن ضوابط كلامي كانت متوقفة عند هذا الموضوع» وبدا لي 
أن إلغاء هذه الضوابط سوف يوكد هذه الحقيقة. مميّل إلي أن العمل على ترتيب 
الكلمات في جل منتظمة» سوف يؤكد على الواقع الذي ل أكن مستعدة مام 
لواجهته. تنبت الحديث عن هذا ال موضوع» لکن غابي كانت من إحدى القليلات 
اللواي أطلعتهن عليه منذ البداية. 

"إنه بخير. ا 

الك يق الاين" 

"أحل» هذا صحيح 

وصلت أطباق السلطة أخيراء وهكذا ركزنا في الدقائق القليلة التالية على 
صحن التوابل والفلفل. رأيتهاء عندما رفعت رأسي أخيراء جامدةً في مكافاء 
ولاحظت أن مقدار شوكة من الخس قد تسمّر فوق طبقها. ابتعدت عي بأفكارها 
مجدداء رغم أما بدت غارقة في عالمها الداحلي هذه المرة» بدلا من انشغاها بالعالم 
الذي حيط يا. 

جربت طريقة أخرى. 


64 


تناولت حية زيتون سوداء: "أحبريي عن سير رو 

أهساء ماذا؟ الشروع. حيد. إثه يسير سيراً حسناً. حرت أعيرا على ثقته 
وبدأ ب بعضهم بالتكلم معي بصراحة". 

نولت بعضا من اة 

"غابي. أعرف أنه سبق لك أن شرحت الأمر لي» لكن أخبريئى بحدداً. تعلمين 
أن أفهم بالعلوم الفيزيائية. ما هي الغاية من مشروعك بالضبط؟" 

انطلقت بالضحك على فكرة الفصل المعتاد ما بين طلاب الأنثروبولوجيا 
الفيزيائية والثقافية. كان صفنا صغيراً لكنه امتاز بالتنوع: درس بعض الطلاب علم 
الأحناس» بينما اختص آخرون باللغويات» أو بعلم الآثار» أو بالأنثروبولوجيا 
الأحيائية. أعلم القدر القليل عن التحليل التَصّي مثل ما تعرفه هي عن الحمض 
النووي ف الميت وكوندريا. 

"أتتذكرين تصنيف الأحناس البشرية الذي حَلنا راي على قراءته؟ اليانوماموء 
رالسيماي» والنوير؟ حسناء إا الفكرة ذاا. إننا نحاول أن نصف عالم بئات 
ال هوى عن طريق المراقبة عن كثب» بالإضافة إلى إحراء مقابلات مع المخبرين. أعبي 
العمل الميداني القريب والشخحصي". تناولت المزيد من السلطة. "من هن؟ من أ 
أنينَ؟ وما هي أسباب تورطهن في هذا العمل؟ وماذا يفعلنَ في أيامهن؟ وكيف 
يدخحلن في دورة الاقتصاد الشرعي؟ وكيف ينظرن إلى أنفسهن؟ وأين..." 


هل يفعل الشراب فعلهء أم ني عزفت على وتر حساس تشغف به في حياتها. 
لاحظت أنها أصبحت أكثر نشاطاً. استطعت أن ألاحظ التورّد الذي غزا وجهها 
رغم الظلمة الي بدأت تنسدل. التمعت عيناها بأضواء مصابيح الشوارع. 

"لنفظ المجتمع هؤلاء النساء. لا يكترث أي شخص كن, قي ما عدا الذين 
يشعرون أن هذه الفئة تشكل قديدا لهم» ويريدون التخلص منهن". 

أومأت» وتناولت وإياها المزيد من السّلطة. 

"يعستقد معظم اناس أن اليسنات يلجأن إلى عالم الليل بسبب تعرضهن 
اقا أن افق اجر عل لول هذا الطريق» أو لأسباب أخرى. تقدم 
ا اكات انع الادرق على رهلا بار لصتا ورب التصير ل كلق 

65 


الأموال. لا تمتلك هؤلاء الفتيات الكثير من الكفاءات الي تؤهلهن الدحول في 
سوق العمل الشرعي» وهذا فإفهن يدر كن أفن لا يستطعن العيش بمستوى لائق. 
تقرر الفتيات سلوك هذا الطريق لأعوام معدودة؛ لأنه العمل الذي يدر عليهن أكبر 
قدر من المداحيل. إن المتاجرة بالجسد تدر أموالاً أكثر من بيع سندويشات البيرغر". 

تناولنا المزيد من السلطة. 

"تمتلك هذه الفئة ثقافتها الخاصة يماء مثلها مثل أي جحموعة أخرى من امجتمع. 
أنا مهتمة بالشبكات الي تقيمها هذه الفئة» وبالمخططات الذهنية الي تمتلكهاء 
وأنظمة الدعم الي تستند عليهاء وأشياء مثل هذه". 

عاد النادل حاملا الأطباق الرئيسية الي طلبناها. 

"ماذا بشأن الر جال الذين يستخدمون الفتيات؟" 

"ماذا؟" بدا أن سؤالي هذا أثار أعصابا. 

"ماذا بشأن الرحال الذين يقصدون تلك الأماكن؟ أعتقد أهم يشكلون عنصراً 
مهماً في العملية بكاملها. هل تتحدثون معه؟' ' تناولت مقدار شوكة من السباغيتي. 

بدا الارتباك على وجههاء وراحت تتمتم: "أنا... أحل. إننا تتحدث مع 
بعضهم". مرت فترة صمت: "كفى حديثاً عن يا تمب. أخبريي عن عملك أنت. 
هل تمر معك قضايا مشوقة؟" ركزت عينيها على طبقها. 

أذهلي تغيير وجهة الحديث» فأحبت من دون تفكير. 

"تمعلئ هذه الجرائم متوترة" : ندمت فوراً على هذه الإجابة. 

"أي جرائم؟' داس عي وحرحت كلماها مشدّدة ومترافقة مع نعومة 
ظاهرة في أواخرها. 

"وصلتنا إحدى أشد الجرائم بشاعة يوم الخميس الفائت". لم أتابع» لأنئي 
أعرف أن غابي لا ترغب أبداً في ماع أخبار عملي. 

"أوه؟" تناولت المزيد من الخبز. بدت مؤدبة. أخبرتي عن عملهاء وها هي 
الآن تستعد لسماعي وأنا أتحدث عن عملي. 

"أحل. لم يكن رجال الصحافة موجودين لحسن الحظ. وُجدت الضحية 

حارج شيربروك الأسبوع الماضي. كانت جهولة الحوية عندما وصلت. تبين لنا 
لاحقا أنما قتلت في نيسان الماضي". 


66 


"تبدو هذه القضية مشاقة لقضاياك الأخرى. لاذا القلق؟" 

استرحيت في جلسي ونظرت إليها متسائلة عما إذا كان يجدر بي أن أمضي 
في هذا الحديث. لا أعرف, لعله من الأفضل أن أكمل. هل إن هذا أفضل بالنسبة 
لي؟ لا أستطيع أن أتحدث مع أحد غيرها حول هذا الموضوع. هل تريد فعلا أن 
ا 

"مم ذبح الضحية» م قطعت أوصاطاء وَرُميّت ف الوادي". 

نظرت نحوي من دون أن تعلق بشيء. 

"أعتقد أن معطيات هذه الجرية تمائل قضية أحرى سبق لي أن عملت عليها". 

"ماذا تقصدين؟" 

"إني أرى..." رحت أبحث عن الكلمة المناسبة. "العناصر ذاتها في الجرعتين". 

"ملي ماذا؟" مدت يدها لتمسك بكوها. 

"أقصد ورا مثل الضرب الوحشي» وتشويه الحثة". 

"لكن هذه الأمور شائعة حداء أليس كذلك؟ مي تكون النساء ضحايا؟ نهم 
يضربوننا على رؤوسناء ويخنقونناء ثم يعمدون إلى تقطيعنا. إنه العنف الذكوري 
المعتاد" . 

فيه" د "أحل. إن لا أعلم على وجه التحديد سبب الوفاة في هذه 
القضية الأحيرة» لأن اللغة كانت متحللة جدا". 

بدت غاي غير مرتاحة. هل أحطأت بالتتحدث عن هذا الموضوع؟ 

"وماذا أيضا؟" رفعت كوب شرااء لكنها لم ترتشف منه. 

"إن التشويه» وتقطيع الحثة» أو إزالة أجزاء منهاء أو..." توقفت عن متابعة 
الكلام لأني فكرت بالغطاس (المطبة). ما زلت غير أكيدة من معن وجودها. 

"إذاء أتظنين أن الوغد ذاته نقذ المرعتين؟" 

"أجل. أعتقد ذلك» لك ل أستطيع أن أقنع ذلك الأبله الذي يتولى القضية. 
رفض حي أن يتفحص القضية الأحرى". 
النساء؟" 

أجبت من دون أن أرفع رأسي: "أجل". 

67 


"عقون ی ا 

إاحظنك دة ق.ضبؤها علدا لك اة احنفت من مابات ناقا 
وضع شو كي ونظرت إليها. رأينّها تحدق بي عمداء ولاحظت أا أحنت رأسها 
قليلاً إلى الأمامء كماأن أصابعها التقت بإحكام حول مقبض كوب شراها. 
لاطت أن الک ت و وان السائل بداحله يتموج قليلاً. 

"غابي. أنا آسفة. ما كان يجدر بي أن أتحدث حول هذا الموضوع. غابي» هل 
أنت بخير؟" 

استرحت في مقعدهاء ثم وفغت الكرت عفنا على الطاولة» لكنها بقيت 
ممسكة به للحظة قبل أن تتركه. تابعت التحديق بي» وأومأت للنادل كي يقترب. 

"أتريدين قهوة". 

أومأت بالموافقة. 

أفينا عشاءناء ثم انصرفنا للاستمتاع بشرب الكانولي والكابوتشينو. لاحظت 
أفهفااستعادت مرحها عندما أخذنا نضحك معاء وأحذنا نسخر من ذكريات 
دراستنا في ف أيج أوف اكواريوس (عصر برج الدلو)» وعندما أرسلنا شعرناء 
او کیک ا ی و ی كنا د قراس و و ر 
والمتسع عند القدمين. كنا بنات جيل هارب من التماثل. انصرفنا من المطعم بعد 
منتصف الليل بقليل. 000 

سر الح طول شارع برنس آرثرء وما لبثشت رفيقيٍ أن أثارت موضوع 
الجريمتين محددا. 

"كيف يبدو هذا الرحل يا ترى؟" 

فاحأن سوؤالها. 

"أعي» هل هو بول؟ أم أنه إنسان طبيعي؟ وهل ستتمكنين من التعردف 
إليه؟" 

بدا أن اضطرابي يزعجها. 

"هل تستطيعين تمييز ذلك السافل وسط جمهور في دار العبادة؟" 

"أتعنين القاتا ؟" 

"أحل". 


68 


E 

أت في متابعة الموضوع: "هل يبدو طبيعيا؟" 

"أعتقد هذا. إذا كان الشخص ذاته قد أقدم على قتل هاتين المرأتين» وأنا 
لست أكيدة من هذا يا غابيء فلا شك في أنه منظم جداً. إنه يخطط جيدا. و 
كسثيرون من القتلة التسلسليين العام لوقت طويل قبل أن يُلقى القبض عليهم. إن 
كل هذا هو بحرد تخمين» لأن لست محللة نفسية". 

وصلنا إلى المكان حيث أوقفت سياريء فأسرعت إلى فتح أبواهها. اقتربت مي 
على حين غرة وأمسكتيٰ من ذراعي: "دعين أريك تلك المنطقة". 

م أفهم مقصدها. خانتي سرعة الخاطر. أحذين تفكيري إلى بناية الحسر. 

Ee 

"أعيئن منصطقة الأنوار الحمراء. إنه المشروع الذي أعمل عليه. دعينا نذهب 
بالسيارة وسأعرّفك إلى الفتيات". 

نظرت الها غتدها غمرقا أنواز شيارة قادمة: بدا و خههاغريا شبجة الإشاءة 
المتغيرة. تنقل الضوء عبر جسدها مثل حزمة ضوء مصباح البطارية» فأبرز بعض 
العام وأحفى بعض المعالم الأحرى وراء الظلال. أقنعي تلهفها. نظرت إلى ساعي 
الو أخارك عقازها ل لكايه اعظاره وكنان عارذ احقيةة أبن بعد تعقيق الليلة 

ا . لم تكن الأمور على ما يرام في الواقع. أعرف أن عملا شاقاً ينتظرن 
في الغدء لكنها بدت قلقة كثيراً بحيث ل يطاوعي قلي على رفض طلبها. 

صعدت إلى السيارة وأسرعت في إرجاع المقعد إلى أبعد ماقا ممكنة. 
اكتسبت بعض المساحة الإضافية» لكن ليس بالقدر الكافي. 

فيك الم ما قا ليدم أثناء قيادقي للسيارة. اتبعت تعليماتا 
واتجهنا غربا. O‏ ج حي أصبحنا في سان إرباين. 
استدرنا بالسيارة حول أقصى الطرف الشرقي لحي غيتو ماك جيل. يتألف هذا 
لحي من مزيج من بيوت الطلاب ذات الإيجار المنخفضء والبنايات العالية الي 
دري شقا عة بالأضافة إلى يدهن الارن ادد الكيدة باش اسي 
ا و شارع سات كاترين بعد أن احتزت ستة مر بعات سكنية. 
أصبحت منطقة وسط مونتريال ورائي. استطعت أن أرى خيالات مجمع ديجاردان 


69 


السكني ومركز الفنون في المرآة الخلفية. بدا لي أن زاويتّي المبنيين المتقابلين تقفان 
وقفة تحد. ظهر تحتهما بجمّع غاي فافرو السكني وقصر المؤتمرات. 

يتراجع وسط مونتريال الفخم بسرعة أمام كآبة الجهة الشرقية من المديدة» 
لكن شارع سان كاترين يشهد على الحالتين. يبدأ هذا الشارع من شارع 
ويستمونت الغي» ثم يتهادى من خلال وسط المدينة» وعضي شرقاً باتجحاه بولفار 
سان لوران» وماين, الخط الفاصل ما بين الشرق والغرب. يحتضن سان كاترين 
كلاً من الفورم والإيتون. والسبيكتروم. وتصطف الأبنية العالية والفنادق» 
بالإضافة إلى المسارح ومراكز التسوق» على جاني منطقة وسط المدينة. ما إن يصل 
سان كاترين إلى سان لوران حن يترك وراءه مجمعات المكاتب والشقق الخاصة» 
ومراكز المؤتمرات» ومحلات الألبسة» والمطاعم» والحانات المخصصة للعازيين. تبدأ 
فتيات الليل» والشبان المتسكعون (البانكس) بالانتشار ابتداء من هذه النقطة. تمتد 
منطقة نفوذ هؤلاء باتحاه الشرق» أي من ماين حت قرية الشاذين. يتقاسم هؤلاء 
المنطقة مع تحار المخدرات» وحليقي الرؤوس. يجازف السواح وسكان الضواحي 
بالقدوم إلى هذه المنطقة بصفتهم زواراء ويكتفون بإلقاء نظرة لكنهم يتجنبون التقاء 
العيون. إنهم يشاهدون الجانب الآحرء لكنهم يؤكدون تمايزهم» وهم لا يمكثون 
طويلاً على أي حال. 

ما إن كدنا نصل إلى سان لوران. حي أشارت غابي بضرورة الانعطاف إلى 
اليمين. وحدت مكاناً أستطيع إيقاف السيارة فيه أمام لا بوتيك دو سكس» ثم 
أطفات مرك السيارة. تجمعت في الجانب الآخر من الشارع مجموعة من النساء 
حارج مدحل فندق غرانادا. رأيت لافتة الفندق ال كتب عليها غرف سياحيةء 
ا ا اي اند 

لت: "انظري. تقف مونيك هناك". 

لي ا من الفينيل» يصل حى 
متتصف ساقها. وارتدت لباساً قابلاً للتمدد» أسود اللون» غطى ردفيهاء لكن 
بعدما وصل إلى أقصى حدوديهما. استطعت أن أرى حدود ملابسها الداحلية من 
خلال كما رايت كله نازرة من خلال خاشية بلوزقا المضتوغة من البوليسعر 
الأبيض. رأَيتُ قرطيها البلاستيكيين يتدليان على كتفيهاء وقد شكلا بقعتين 

70 


زهريت اللون وسط شعرها الأسود الفاحم. بدت لي شخصية كاريكاتورية لفتاة 
5 

"هذه كاندي". 

مارت ا ی ا ی ر و و 
الساقين. أعطتها مساحيق التحميل الي وضعتها شكل بنت هوى حقيقية. بدت لي 
صغيرة جداء ما عدا الانطباع الذي تعطيه إياها السيجارة الي تدخنهاء ووجهها 
0 كان يُمكنها أن تكون ابني. 

لل نين أمام مشهد مستهلك: "هل تستخدم الفتيات ا الحقيقية؟" 

"لا أعرف. هل كنت ستستخدمين امك الحقيقي لو كنت أن نت؟" 

أشارت نحو فتاة تنتعل حذاء رياضياً وسروالاً قصيراً جداً. 

اريت 

غمرتي موجة من الذهول: "كم يبلغ عمرها". 

"تقول إها قي الثامنة عشرة من عمرهاء لكنها رما لم تتجاوز الخامسة عشرة". 

اسسترخحيت في جلسيٍ ووضعت يدي على عجلة القيادة. م أستطع إلا أن 
أفكر بقردة الغيبون خلال تقدمها للفتيات لي واحدة بعد أخرى. وقفت هذه 
الفتيات على مسافات متقاربة» تماماً مثلما تفعل القرّدة الصغيرة الي تة تقشم الأرض 
الي تعيش فيها إلى مناطق نفوذ محددة ومتنوعة. تسيطر كل قردة على منطقتهاء 
وتستبعد عنها بنات جنسها كي تنصرف إلى الإيقاع بشريكها. بدت لي هذه 
الوقفات المغرية» ET‏ والتهكم» طقوسا تمهد للمطارحة؛ وذلك على 
طريقة المحلوقات الحية العاقلة. لم يكن الإنحاب من بين أهداف هؤلاء الراقصات. 

عدي إل 1 ق 
الأسماء. التفت كي انظر إليها. رأيتها تنظر في اتجاهيء لكنها كانت تنظر إلى 
البعيده ورکزت نظرها على شيء ما حارج نافذة السيارة» ولعل هذا الشيء كان 
حارج عالمي أنا. 

"هيا بنا". 

قالتها بكدوء شديد» إلى درجة أن بالكاد سمعتها: "ماذا...؟ 

"هيا انطلقي!" 


71 


أذهلتي شراستها. ميات للرد عليهاء لكن نظرة عينيها أقنعتئ أن لا أقول 

القزمتا الصمت ددا أثناء تحرك السيارة. بدت غابي غارقة في أفكارها 
العميقة» وكأفها انتقلت بذهنها إلى كوكب آخر. اقتربنا من منزطاء لكنها 
فاحأتئي بسؤال آخر. 1 

"هل اغفصبت؟" 

عدت بذاكرت إلى الوراء كي أتذكر حديثنا. لم أفلح. إذ فاتي مسار آخخر. 

"من تفصديد؟" 

"النساء". 

هل تقصد بنات الهوى؟ أم ضحايا حرائم القتل؟ 

"أي نساء؟" 

التزمت الصمت لثوان عديدة» ولم حب. 

"لم أعد أطيق هذه المهزلة!" 

سارعت بالخروج من السيارة» وصعدت السلم الحديدي قبل أن أتمكن من 
الرد عليها. صفعين العنف الذي هله كلماتًا. 


72 





: أتلق أي اتصال من غابي على مدى الأسابيع القليلة التالية. لم 
يضع كلوديل امي على قائمته هو الآخرء ويبدو أنه استبعدن من حلقته. 
تعرفت على بعض المعلومات الي تخص حياة إيزابيل غاغنون عن طريق بيار 
لامانش. 

عاشت مع شقيقها وعشيقها في سان إدوارد» وهو حي الطبقة العاملة» الذي 
بقع إلى الشمال الشرقي من وسط المدينة. عملت هذه الفتاة في متجر العشاق» 
وهو متجر يقع على مقربة من سان دينيز يتخصص ف بيع الملبوسات الي تصلح 
للحنسينء بالإضافة إلى بيع أدوات متنوعة أخرى. يُدعى المتجر سلايس أوف 
لايف (شريحة مسن الحياة). فكّر الشقيق» الذي يعمل غبّازاء في هذا الاسم. 
وجددت أن المفارقة الى يثيرها الاسم تثير الكآبة. 

اعتفت إيزابيل يوم الجمعة في الأول من نيسان. وقال شقيقها إا اعتادت 
ارتياد الحانات الموجودة في سان دينيز. أضاف أنها تأحرت كثيراً في الليلة السابقة 
لاحتفائهاء وقال إنه يظن أنها وصلت إلى المنسزل في الثانية فجراء لكنه لم يتأكد 
من حضررها بالفعل. غادر الرجلان متوجهّين إلى مكائي عملهما في وقت باكر 
من صباح اليوم التالي. قال أحد الحيران إنه رآها في الواحدة من بعد الظهر. وكان 
ينتظر وصولها إلى المتجر في الرابعة من بعد ظهر ذلك اليوم» لكنها لم تصل أبداً. 
اكثشفت بقاياها بعد مرور تسعة أسابيع ف لا غوراند سيميناير. وكانت لم تتعدَ 
الثالثة والعشرين من عمرها. 

73 


ذات مساء» حضر لامانش إلى مكتي في وقت متأحر كي يعرف إذا ما كنت 
انتهيت من تحاليلي. n‏ ٍ 

قلت له: "هناك الكثير من الكسور في الجمجمة. عملت كثيرا حي أعدت 
تركيبها". 

اوي (نعم)". 

تناولت الجمجمة من حلقة الفلين الي تحيط ها 

"ضربت ثلاث مرات على الأقل. هذه هي الضربة الأولى". 

أشرت إلى فجوة صغيرة تشبه الصحن. انتشرت بججموعة من الدوائر ذات 
المركز المشترك ال انطلقت وبدت مثل حلقات لوحة التدريب على الرمي. 

"م تكن الضربة الأولى شديدة ما يكفي لتحطيم جمجمتهاء لكنها تسببت 
بكسر عميق في اللوحة الخارجية» ثم ضرها هنا". 

أشرتُ نحو فط من خطوط الكسور يشبه الانفجار النجمي. بدت هذه 
عيجدوعة و المنحنية وكأنها تتبع نظام المدارات الذي تتبعه الأقمار. إذ 
تذاعلت.هذه الللطوظ والذؤائر مشكلة شبكة عكر تة مرق الأضرار: 

"هذه هي أكثر الضربات د وهي الي تسبيت بكسر وانسحاق شديدين» 
فلقد حطمت جمجمتها". ّْ ' 

استغرقت عملية إعادة تجميع قطع أجزاء الجمحمة ساعات طويلة» لذلك 
بقيت آثار الغراء ظاهرة على أطراف هذه الأجراء. 

أصغى لل بانتياه شديد» وتنقلت عيناه بإصرار ما بين الجمجمة ووجهي» 
بحيث ظهرتا وكأقها ق اشواء: 

"ثم ضرها هنا". 

أشرت باتحاه حط آحر امتد من نظام انفجار يحمي آخحر باتحاه الخط الذي 
أشرت إليه لتوي. تقدم الكسر الطولي الثاني باتحاه الخط الأول ثم توقف مثلما 
يبدو طريق في الريف عندما يصل إلى تقاطع بشكل الحرف '7. 

اغارف هنه ا و وعدت اعدو ا اا اج لقا 

من الكسور الموجودة قبلها. ولذلك م تستطع الخطوط الجديدة عبور الخطوط 
القديمة» وهذا ي يع بالضرورة أن هذا الكسر قد جاء لاحقاً". 


74 


وي". 
"يحتمل أن تكون الضربات قد جاءت من الخلف» وإلى جهة اليمين قليلاً". 
وي" 
اعتاد على هذا أمامي. إن امتناعه عن التعليق من جهته لا يدل على عدم 

اهتمامه» ولا حي عدم فهمه» لأن بيار لامانش لا يفوته شيء. أشك في أنه احتاج 

يوما إلى تفسيرات إضافية. إن رده المؤلف من مقطع واحد كان طريقته المفضلة الي 
يستخدمها من أجل إجبار محدّثه على ترتيب أفكاره. يحتمل أنه يتخذ هذه الطريقة 

.عثابة تحربة تمهد لعرض القضية أمام هيئة الحلفين. تابعت حديثي. 
"عندما تتعرض الجمجمة إلى ضربة قوية فإها تتصرف مثل البالون. تضغط 

العظلمة» ؛ الي تتلقى نقطة الصدمة» بابحاه الداحل مدة ثانية مثلما بحصل في كسر 

بسيطء ثم تندفع في الاتجاه المقابل. هذا السبب» لا ينحصر الضرر في المكان الذي 

تلقى فيه الرأس ضربته". 
تطلعت كي أرى ما إذا كان لا يزال يتابعين» فتأكدت من متابعته لي. 

"تسمح هندسة الجمجمة بأن تنتقل القوى الي سبّبت صدمة قوية ضمن مسارات 

معينة. ِن هذا يسمح لنا أن نتوقع انيار العظمة» أو انكسارها". 
قرت ا ی 
"تستطيع الضربة هناء على سبيل المثال» أن تتسبب بأضرار في حجري 

الع ال 
أشرت نحو منطقة تقع خلف الممجمة. 
"تتسبب الضربة في هذا المكان بكسور في جانب من قاعدة الجمجمة يمتد 

حى الجانب الأحر". ١‏ ا 
أزاثما اققا 
"لدي نا في هذه الحالة كسرين صغيرين؛ وكسرا عميقاً في مؤخر الحزء الأعن 

لجسي وجدت أيضاً عدة كسور طولية تبدا من الحهة المقابلة من ابلمجمة» 

وتتجه نحو منطقة الضرر وقلن الأمن متها توحي هذه الكسور أن الضحية 

ضربت من الخلف» ومن جهتها اليمى". 
قال لي: "ثلاث مرات". 


75 


أكَدتُ استنتاحه: "ثلاث مرات". 

سأليْ» رغم معرفته طبيعة جوابي: "هل كانت كافية لقتلها؟" 

"يحتمل هذا. لا أستطيع أن أجزم". 

"أتوجد دلالات عن السبب". 

"لم جحد رصاصات» ولا علامات تدل على الطعن» ولا كسور أخرى. 
وحدت بعض الجروح الغريية في العمود الفقري» لكنئ لست متأكدة تماماً من 
مغزاها". 

"أيحتمل أنها نتحت عن عملية تقطيع الاطراف؟" 

هززت رأسي: "لا أعتقد هذاء لأنها لا تتواجد في مكاها المفترض" 

أعدت الجمجمة إلى حلقتها. 

"كانت عملية التقطيع نظيفة جداً. لم يكتف القاتل بقطع الأطرافء بل 
فصلها بدقة كبيرة عند المفاصل. هل تذكر قضية غاغني؟ أو قضية فالنسيا؟” 

ابش E‏ دقيقة. وأمال رأسه؛ في حركة نادرة منه» إلى جهة اليمين 

م إلى جهة اليسارء مثلما يفعل كلب يتخبط داحل كيس من النايلون. 

قلت موضحة: :اا اغ زعا م عامين, کان ملفوفا بعدة حرامات 

کا کا اف د اة شرت الساقان وغلفت كل ساق على 


Woe 


حدة . 
"” يعاق رو اا ا اد و اع ا ا 
قبل عملية التحنيط. كانوا يعمدون بعد ذلك إلى لف الأحشاء بشكل منفصلء ثم 
يضعونًا مع الحثة. فعل قاتلو غاغني الأمر ذاته بالنسبة لساقيه. 

"آه» وي. أتذكر هذه القضية". 

"شرت ساقا غاغني من تحت الركبة. حصل الأمر ذاته مع فالنسيا. فلكت 
ذراعاه وساقاه فوق بوصات قليلة من المفاصلء أو تحتها". 

"تورط فالنسيا في صفقة مخدراتء لكته انتهى عندنا ملفوفاً بكيس يستخدم 
في لعبة ال موكي". 

"شرت الأطراف في كلتا الحالتين في الأمكنة المناسبة. أقدم القاتل في هذه 
الحالة على فصل المفاصل. أترى؟" 

76 


قدمت له رسماً. استخدمت الرسم التشريحي التقليدي كي أظهر النقاط الى 
قفتت يها اة مر أحد الخطوط الى رستها بالعنق» وقطعت خطوط أخرى 
مفاصل الكتف» والورك» والركبة. 

"فصل القاتل الرأس بمستوى الفقرة العنقية السادسة» وأزال الذراعين عند 
مفاصل الكتف» وفصل الساقين عند مفصل الركبة". 

تناولت عظمة لوحة الكتف اليسرى. 

"أترى كيف أحاطت الشقوق بالحفيرة الروحاء؟" 

تفحص كل العلامات» وبجموعات الأخاديد المتوازية الى تحيط بسطح 
المفصل. 

استبدلت لوحة الكتف بعظمة الحوض: "يلاحظ الأمر ذاته في الساق. انظر 
إلى الشق. وصل القاتل حي داخل المحجر". 

تفخص لامانش الغطاء العميق الذي يحتضن قمة عظمة الفخذ. انتشرت 
حروح عديدة على جدران هذه العظمة. أحذت عظمة الحوض منه وأعطيثه عظمة 
الفحذ من دون أن أنطق بكلمة واحدة. تميّرَ عنق هذه العظمة بشقوق متوازية 
أحاطت به. 

تفحّص العظمة لوقت طويل قبل أن يعيدها إلى الطاولة. 

"ل تحرف" لقال عن قاعدته إلا عند اليدين. عمك هناك إلى الط من 
خلال العظام". 

عرضت عليه عظمة لدليل على ما أقوله 


"أجل". 

"أي من النمطين نستطيع اعتباره تموذجيا؟ هل هو هذاء أم الآخرا 

"النمط الآحر. يريد القاتل» عاد تتطيع ا "كي يشهل عليه الان منهاء 
وهكذا فإنه ينهي العملية في أسرع وقت ممكن. يتناول القاتل منشارا ويبدأ بعملية 
النشر. أخذ هذا القاتل وقتاً أطول كي يُتجز مهمته". 

انه ماذا يعي هذا الأمر؟" 

فكُرت ملياً في هذا السؤال. 

77 


"لا أعرف". 

لم يتكلم أحدنا على مدى اللحظات القليلة التالية. 

"تريد العائلة استرجاع الحثة لدفنها. سأحاول تأخير عملية التسليم قدر 
استطاعي. لكن تأكدي من التقاط الصور المناسبة» وجهّري كل شيء استعدادا 
لأحذ هذه القضية إلى ا محكمة". 

"أنوي أخذ أجزاء من مكانين مختلفين من الأمكنة الي تظهر عليها علامات 
تدرو افا ا عت اهن ا كن قلارق على ديد نوع الاد 
المستخدمة". 

حرصت على انتقاء كلمات التالية بعناية فائقة» وراقبت رد فعله عليها. 

"إذا تجمع لدي القدر الكافي من الدلائل فسأحاول أن أقارن هذه الشقوق مع 
الشقوق الموجودة في قضية أخرى". 

ازتفشت زاوينا فمة قلا لا أعرف إن كان قد فعل ذلك نتيجة سروره أو 
انزعاحه. يحتمل أن أكون قد تخيّلت هذه الح ركة. 

ا من الصمت: "أحل. ذكر السيد كلوديل هذا الأمر أما 
نظر الي مباشرة. 1 لي لماذا تعتقدين أن هاتين القضيتين مترابطتان". 

أوحزت له نقاط التشابه الى لاحظتها ما بين قضيتي تروتيبه وغاغنون. يرز 
من بين هذه النقاط عملية الضرب» وتقطيع الحثة بعد الوفاةء واستخدام الأكياس 
البلاستيكية» ورمي هذه الأكياس في أمكنة منعزلة. 

"هل تقع القضيتان ضمن صلاحيات وحدة شرطة مدينة مونتريال؟" 

"تقع قضية غاغنون من ضمن صلاحية هذه الوحدة, أما قضية تروتيبه فتقع 
ضمن صلاحيات أمن كيبيك لأن الحئة وُحدت في سان جيروم". 

ا OE‏ ل ل 
الحال في بقية المدن. تقع المدينة فوق حزيرة وسط هر سان لوران. لذاء تعالج 
ر کف ن مر قران ا رات الى تق فقن الجزيرة ذاتها. أما 
حارج الجزيرة فصلاحية معالحة الحرائم تعود إلى مراكز الشرطة الحليةء أو أمن 
كيبيك. أعرف أن التعاون بين هاتين الوحدتين ليس على المستوى المطلوب في 
بعض الأحيان. 


78 


قال لي بعد برهة من الصمت: "أحبانا يکرت السيد كلوؤيل..!" ترود قليلاً 
قبل أن يتابع "صعباً. تابعي مقارناتك. وأعلمين إن احتحت لشيء". 

التقطت - في وقت لاحق ال عد مر لعلامات الشقوق 
بواسطة المصوّر لمجهري ومن زواياء وتكبيرات» وتركيزات ضوء متنوعة. قصدث 
أن أحصل على تفاصيل تركيبة هذه الشقوق الداحلية. استخرجت عدة أجزاء 
عظمية صغيرة من أسطح مفاصل عديدة. كنت قد حططت أن أتفحص هذه 
الأحزاء بالجهر الإلكتروي المقطعي» لكنين وجدت نفسي غارقة بالعظام في 
الأسبوعين التاليين. 

فلقد اكتشف بعض الصبية الصغار الذين كانوا يتجولون في متنزه إقليمي 
هيكلاً عظمياً لا يغطيه إلا القليل من الثياب. واكّشفت جنة متحللة على شاطئ 
بحميرة سان لوي. وعلمت أيضاً أن زوجين تزوجا حديثاً وجدا في قبو منزهما 
الذي اشترياه 00 منتدوقاً ماين بالتماجم البشرية ال غطيت بالشمع» والدمای 
والريش. ووجدت جميع هذه المكتشفات طريقها إلي. 

افترضت أن البقايا الى وُحدت في يحيرة سان لوي تعود إلى رجحل مات حينما 
تعرض قاربه لحادث في الخريف الماضي» وذالة اتا هيه النامةق قزري 
السجائر. كنت على وشك وضع جمجمته في مكافها عندما حاءن الاتصال. 

توقعت حصول ذلك» لكن ليس بهذه السرعة الكبيرة. بدأ قلي بالخفقان وأنا 
أستمع وشعرت أن دمائي تغلي في صدري. وأحسست أنها تغلي مثلما تفعل 
زجحاجة صودا مكربنة بعد حضّها بشدة. وشعرت بحرارة شديدة تحتاحي. 

كان لامانش يقول: "ماتت منذ أقل من ست ساعات. أعتقد أنه من الأفضل 
أن تأني لتلقي نظرة". 


79 





كانت مارغريت آدكينز ف الرابعة والعشرين من عمرهاء وعاشت مع 
زوجها الذي تزوجته مدنياء وابنها الذي يبلغ السادسة من عمره في حي سكي 
يقبع في ظلال الملعب الأولمي. كان من المفترض أن تقابل شقيقتها عند العاشرة 
لتتسوقا سوياء ومن أجل تناول غدائهما في وقت لاحق. تخلفت مارغريت عن 
موعلا و داعني الكالات الحاتنية بعد أن اتصّل يما زوجها عند العاشرة. 
وكانت قد عجزت عن الرد لأا قتلت في وقت ما بين مكالته إياها وبين ن المساي 
أي عندما اكتشفت شقيقتها حثتها. حدث ذلك منذ أربع ساعات» وهذا هو كل 
ما نعرفه عنها. 

بقي كلوديل في مسرح الجريمة» بينما جلس زميله» ميشال شاربونيوء على 
أحد المقاعد البلاستيكية المصفوفة مقابل الحدار البعيد من حناح التشريح الكبير. 
عاد لاهانش من مسرح الجريمة منذ أقل من ساعة» وقد صلت الحئة قبله بدقائق 
جميع الموحودين سوف يضطرون للعمل لساعات إضافية تلك الليلة. 

استلقت الضحية ووجهها نحو الأسفل» وامتدّت ذراعاها على جانبيهاء 
ولاحظست أن راحة يدها كانت موجهة نحو الأعلى بينما أطبقت أصابع يديها. 
لاحلت أيضاً أن الأكياس الورقية الي ضعت فوقها سابقاً قد أزيلت. انتهى 
فحص أظافرها والخدوش الدقيقة للتو. كانت عارية» وبدا جلدها شمعياً إزاء سطح 

80 


الفولاذ اللامع غير القابل للصداً. انتشرت دوائر صغيرة على ظهرها نتيجة الضغط 
على فجوات التهوئة الموجودة على سطح الطاولة. رأيت عدة شعرات هنا وهناك 
تلتصق على جلدهاء وهي الشعرات الي انفصلت إلى الأبد عن كتلة الشعر المجعدة 
والمتشابكة الي تحيط برأسها. 

بدت المنطقة الخلفية من شعرها مشوهة بشكلها غير المنتظم» وظهرت مثل 
ردك خيرات رض ل ضع ,نري ا من تعره واا جنع لباه الي 
استخدمت تتنظيفهاء ثم تجمّع تحت جنتها مؤلفاً بركة شفافة حمراء اللون. انتشر 
فستانها الطويلء وحمّالة صدرهاء ولباسها الداحلي» وحذاؤهاء وجارباها فوق 
طاولة التشريح المحاورة. تشبعت كلها بالدماءء وخيّمت الرائحة الحادة ثقيلة في 
المواء. رأيت إلى جانب هذه الأغراض كيساً بزمّامة مزوّداً بحزام مطاطي ولفافة 

كان دانيال منهمكا بالتقاط الصور الفوتوغرافية. رأُيتُ المربعات ذات الإطار 
الأبيض على الطاولة الموجودة قرب شاربونيو. لاحظت أنْ الصور تتفاوت في 
درجحة وضوحها. بدأ شاربونيو في تفحّص الصور واحدة تلو الأخرى, ثم أرجع 
كل صورة إلى مكايا الأصلي بعناية تامة. لاحظت أنه بعضغ شفته السفلى أثناء 
تفحصّه هذه الصور. 

انحل مقف رتو نا رسمياً من قسم تحديد الموية أثناء التقاطه صوراً بآلة 
تصوير نيكون مزودة لانن يي اعد ضور قارع عاو عالة جح ال صو 
حافت. وضعت ليزاء الى انضمت حديثاً إلى فريق تقنبي المشرحة» ستارة قديمة 
الطراز وراء الحثة. تعود هذه الستارة المعدنية المطلية بسطحها الأبيض» إلى حقبة 
اتشر فيها استخدام مثل هذه الأشياء في غرف المستشفيات» يدف عزل المرضى 
أثناء القيام بأعمال تحتاج إلى المحافظة على الخصوصية. بدت المفارقة كبيرة بالنسبة 
آل“ رحت أتساءل عن أي خصوصية يحافظون عليها هنا. لم تعد مارغريت 
آدكينز بحاجة إلى حماية بعد الآن. 

ابتعد المصور طن كن وقوفه بعد أن التقط عدة صورء ثم نظر إلى لامانش 
متسائلاً. اقترب أحصائي الأمراض من الحئة وأشار إلى حدش ي في الجهة اليسرى 
الخلفية من الكتف. 


81 


ا 

حملت ليزا بطاقة مستطيلة الشكل فوق الجهة اليسرى من الخدش. حملت 
البطاقة رقم مختبرات العلوم الشرعية) ورقم المشرحة؛ والتاريخ: 23 حزيران» 
4 . الط اتال والصوو نور وة 

انشغلت ليزاء من جهة لامانش» بحلاقة الشعر حول جروح الرأس» ورشت 
فروة الرأس تكرارا مستخدمة مرذاذا. بلغ مجموع الجروح الي عملت عليها ليزا 
مسة. ظهرت على كل حرح من هذه الجحروح حواف الشقوق المألوفة الى تسببها 
الأدوات الحادة. قام لامانش بقياس طول الجروح وقطرهاء فيما التقطت آلات 
التصوير صوراً قريبة لها. 

قال لامانش بعد فترة صمت: "أعتقد أننا انتهينا من التصوير من هذه الزاوية. 
اقلبوها على الحانب الآخر من فضلكم". 

تقدمت ليرا حطوة» فحجبت الرؤية عي برهة قصيرة. أزاحت الثة إلى 
أقصى جهة يسار الطاولة» وقلبتها إلى الخلف قليلاً ثم قرّبت الذراع اليسرى 
ووضعتها فوق منطقة المعدة. ساعدها دانيال في قلب الحثة على ظهرها. معت 
صوت اروام ناعم عندما سقط الرأس على سطح الفولاذ غير القابل للصداً. 
رفعت ليزا الرأس ثم وضعت كتلة مطاطية تحت الرقبة وتراحعت إلى الخلف. 

اياك سكليد E‏ سرعة جحريان دمي» أي مثلما يحدث مع زحاجحة صودا 
موجودة في صدري» وما لبث أن انفجر فيه بر كان من الخوف. 

رأيت مارغريت آدكينسز مشقوقة من عظمة صدرها جو عظام ا 
هجر شو خاد من عقا القض برو قاهرا ل طريقه ألوان الأحشاء المقطعة 
وأنسجتها. استطعت أن أرى الغمد اللامع» الذي يحيط بعمودها الفقري» في 
المنطقة العميقة من الشق أي في الأمكنة الي انترعت الأعضاء منها. 

انستقلت بيصري إلى الأعلى فوراء وأبعدتُه عن القسوة ا الي ايها ف 
بطن الضحية. لم أحد هناك أي عزاء لي. رأيت الرأس مائلاً قليلاٌ وقد بان وحهها 
مثل وجه شبح نتيجة أنفها المقلوب» وذقنها المدبب. رأيت حذيها البارزين اللذين 
انتتشر النمش فيهما. تناقضت - في ميتتها - بقع النمش الدقيقة البنية اللون مع 
اللون الأبيض الذي يحيط ها. ذكري شعرها البئي القصير .منظر بيبي لونغ 

82 


مر كم رقم أي :حك على مها الت بدا فرحا ول اشر عد له 
وبرز منه ثدي الضحية المقطو ع» بينما استراحت حلمة هذا الثدي فوق شفتها 
السفلى الدة 

رفعت رأسي فالتقت عيناي بعيتي لامانش. بدت لي الخطوط الموازية لعينيه 
أعمق من العتاد. لمحت ما يشبه التوتر في حفنيه السفليين» التوتر الذي تسبب 
بتحرك بسيط في الملالين الموجودين تحتهما. رأيت الحزن فيهماء لكنئ رعا رأيت 
شيعا أعمق من الحزن. 

لم يقل لاهانش شيا بل تابع التشريح» مركزاً تارة على ابلثة» وتارة أحرى 
على لوحة الكتابة. سجل كل المظاهر الوحشية الي شاهدهاء ووصف موقعها 
وأبعادها. فصّل أيضاً كل جرح وكل إصابة. التقطت صور للجثة من الجهة 
الأمامية أثناء امهماكه بالعمل» أي مثلما صّوّرت من الخلف. اكتفينا بالانتظارء 
بينما انشغل شاربونيو بتدحين سجائره. 

انوي لأهانش» بعد فترة خلناها دهراًء من الفحص الخارجي. 

ايتا حذوها للتصوير الشعاعي". 

نزع قفازيه الطبيين» وجلس قبالة الطاولة؛ ثم انحن فوق لوح كتابته مثلما 
يفعل رحل عجوز أمام برع طرابعة : 

دفعت ليزا بمساعدة دانيال عربة مدولبة من الفولاذ الذي لا يصداً وأوقفاها 
إلى مين طاولة التشريح» وقاما بنقل الحثة بكل بحرد ورشاقة مهنيينء ثم ابتعدا 
بعربتهما إلى قسم التصوير الشعاعي. انتقلت بصمت إلى الجهة الأخرى» وجلست 
على المقعد اجاور لقعد شاربونيو. مض قليلاً» ثم أومأ باتجاهي وابتسم قبل أن 
يسحب نفئة كبيرةً من سيجارته» ويطفئها. 

"كيف تسر الأمور يا دكتورة برينان؟" 

اعتاد شاربونيو أن يحدئئٍ بالإنكليزية مفاخراً بفصاحته» لکن حديته كان 
مزياً غريياً من اللهجتين الكيبيكية والجنوبية. اكتسب لهحته هذه نتيجة تمضيته 
لطفولته في شسيكوتيمي» والي أَنْرت عليها سنتان من العيش في حقول النفط في 
شرق تكساس. 

افا سس سر وا رانف" 


83 


اس نما برام : هر كتفيه بطريقة لا يتقنها إلا الذين يحبون فرنساء وتتميز 
بإحناء الكتفين قليلاء ورفع راحتّي تي اليدين. 

يعستلك شاربونيو وحها ودياً وشعرا أشيّب خحشن الملمس یکر دوماً بحقل 
كامل من شقائق النعمان. كان رجلاً ضخماًء لکن رقبته كانت كبيرة وغير 
متناسبة مع جسمه. حافظ الرجل على ياقاته ضيقة. لاحظت أن ربطات عنقه 
كانت مطوية ومائلة قليلاً إلى إحدى المهتين» أو أنها غير مربوطة ومتدلية إلى أسفل 
الزر الأول من القميص» وكأنه يفعل هذا كي يعوّض عن عدم التناسب في جسمه. 
أعرف أنه كان يعمد إلى إرحائها منذ الصباح الباكرء ولعله فعل ذلك من أحل 
جعل امحنّم يدر تیدا أو لعله أراد فقط أن يكون مرتاحا. لم يحاول شاربونيو 
ارتداء زي حديد كل يوم» أي أنه كان على عكس رجال تحري وحدة شرطة 
مدينة مونتريال. لا أعرفء لعله كان يفعل ذلك لأنه ارتدى اليوم قميصاً بلون 
الأصفر الشاحب» وسروالاً مصنوعاً من البوليسترء وسترة رياضية حضراء اللون» 
أما ربطة عنقه فكانت بنية اللون. 

مض كي يتناول مظروفاً أسمر اللون عن الطاولةء وسألي: "هل رأيت صور 


المحزرة؟" 

"ل بعد". 

تناول رزمة من الصور الفورية وناولني إياها: "إا الصور الاحتياطية الي 
حاءت اليوم مع الحثة" , 


أومأت وبدأت بتأمل الصور. راقبي شاربونيو عن كثب. يحتمل أنه توقع أن 
أذهل مسن مشاهد المحزرة, ثم يمكنه عندها أن يبلغ كلوديل أ: ني اضطررت إلى 
إغماض عيبن ولعله كان مهتما فعلاً برد فعلي. 

وحدت أن الصور في المظروف موضوعة حسب ترتيبها الزمئ. نححت هذه 
الصور فى تكوين ور ة لمسرح الجريكة كما وحلده الفريق المحتص. أظهرت 
الصورة الأولى شارعاً ضيقاً تصطف على جانبيه بنايات قديعة لكنها نظيفة» وتتألف 
الواحدة منها مسن ثلاثة طوابق. رأيت صفوفاً متوازية من الأشجار تحيط بكل 
رصيف على كل جانب. غطّت أسفل جذوع هذه الأشجار مربعات ترابية صغيرة 
محاطة بالإسمنت. وظهرت أمام كل بناية باحة صغيرة مستطيلة الشكل يخترقها مر 

84 


صغير يؤدي إلى درج معدن شديد الانحدار. لاحظت وحود درّاجات هوائية ثلاثية 
الدواليب تسد الممر الصغير هنا وهناك. 

ركرت الصور الثلاث التالية على المنظر الخارحي لثلاثة مبان مشيدة بالقرميد 
الأحمر, لفتت انتباهي ب بعض التفاصيل. ظهرت ات ون بابي شقتين ف 
الطابق الثاني» يحملان الرقمين 1407 و1409. قام أحدهم بزرع أزهار تحت إحدى 
نوافذ الطابق الأرضي الأمامي. استطعت أن أميّر ثلاث زهرات عفملية متقاربة» 
لكنها ذاوية. بدت رؤوسها الصفراء الضحمة والذابلة متدلية بشكل أقواس 
متماثلة. ث ركت وحدها بعد أن أزهرت. لاحظت وجود دراحة هوائية تستند إلى 
سياج حديدي طاله الصدأ وهو السياج الذي يحيط بالباحة الأمامية الصغيرة. 
بدت لوحة معدنية صدئة ملقاة على الأرض» وشكلت زاوية مع العشب. كانت 
قريبة حداً من الأرض وكأنها تحاول إحفاء ما كتب عليها: للبيع. 

بدت تلك البتاية شبيهة بالبنايات المجاورة لما ال تصطف على جانبي 
الشارع» رغم الحاولات الي بذلت من أجل جعلها تبدو مختلفة. كان يوحد في 
هذه البناية السلم الحديدي» والشرفة» والأبواب المزدوجة» والستائر المطرزة ذاتما 
الي توجد في البنايات الأحرى. رحت أتساءل: لماذا هذه البناية بالذات؟ ولماذا 
احتارت الفواحع هذا المكان بالذات؟ ولماذا ل تل هذه الفواجع بالبناية رقم 1405 
مثلاً؟ أو ني الجهة المقابلة من الشارع؟ أو في مكان أبعد من الحي؟ 

تابعت تأمّل الصور واحدة تلو الأحرى. بدا الأمر وكأني أتأمل ف بجهرء 
وتنقلت من درحة تكبير إلى درجة أكبر. أظهرت اجموعة التالية اعون 
الداحل. بدت التفاصيل الى حملتها هذه المجموعة مثيرة للاهتمام. لاحظتٌ أن 
الغرف صغيرة» وأثائها من النوع المتواضع. رأيت جهاز التلفزيون» لدي 0 ديرن 
وحوده في كل منزل. وظهرت غرفة المعيشة» وغرفة الطعام. بدت أيضاً غرفة 
الأولاد» وال حملت جدرافا عورا تمثل لعبة الهو كي. رأيت کتابا ملق فوق 
سرير مفرد. حمل الكتاب عنوان: كيف يسير العالم. شعرت بوخزة ألم أحرى. 
شككت أن يستطيع الكتاب تفسيرها. 

أحبت مارغريت آدكينز اللون الأزرق. إذ انتشر اللون الأزرق في كل 
مكان. حملت الأبواب وكل قطعة من قطع الأثاث اللون الأزرق اللامع. 


85 


حاءت أخخيراً صورة الضحية. استلقت الحثة في غرفة صغيرة تقع إلى يسار 
ادحل الأمامي. ظهرت من خلال الأبواب غرفة نوم ثانية» وظهر المطبخ أيضاً. 
استطعت أن أرى من خلال باب المطبخ طاولة من الفورمايكاء ومجموعة من 
الحصائر البلاستيكية. احتوى المكان الضيّق الذي ماتت فيه آدكينز جهاز 
تلفزيون» وأريكة» وخزانة صغيرة. وتوسطت جنتها كل هذه الأشياء. 

اهلك على ليها م ج العاف لاحت أن الضحية كانت كان 
ثياهاء لكن القسم الأعلى المنزوع من فستافها غطى وحهها. رأيت معصميها 
مقيّدين فوق رأسها بطوق من بلوزقاء بينما ظهر مرفقاها وتدلت يداها الهزيلتان. 
بدت في هذا الوضع مثل راقصة باليه مبتدثة أثناء تقدرعها لحفلتها الأولى. 

انفتح الجر ح البليغ في صدرهاء وظهر اللحم الحبول بدمائهاء ولم تحجبه قليلا 
إلا ظلمة الفيلم ال تحيط بالمغة» وبدا أن هذه الظلمة تطغى على كل شيء. رأيت 
إشارة مربع قرمزي في المكان الذي انتّرع منه ثديها الأيسر» وظهرت حواف هذا 
الثدي نتيجة الجروح المتعاقبة» وهي الجروح الي تتقاطع عامودية عند الزواياء أي 
زوايا تسعين درحة. ذكرن اجرح بالتقوب الى رأيتها على جماجم المايا القدماء. لم 
يعمد القاتل إلى هذا النوع من التشويه من أجل تخفيف حدة ألم الضحية؛ أو من 
أحل طرد أرواح مفترضة من جسدها. وإذا كانت هناك روح حبيسة في جسدها 
قد تحررت» فمن الموكد أا لم تكن روحها. استُخدمت مارغريت آدكينز 
ا مغر سعك ربو اسطته. ووج عر فة وراء ادص 

أقدم أحد الأشخاص على سحب فاية فستافها كي يغطي ركبتيهاء وبدا 
حصر الفستان المطاطي مشدودا جدا. وتقاطرت الدماء ما بين ساقيها و تحمععت 
تحتها. ماتت الضحية مرتدية جاربيها ومنتعلة حذاءها الرياضي. 

أرحعت» بصمت» الصور الفوتوغرافية إلى مكافها وناولت کروی او 

سألي: "نا صورٌ مقززة» ليس كذلك؟" أزال شيا ضفرا عن شفة السقل: 
تفحصة ثم رماه ا 

ا 

قال وهو يهز رأسه: "يظن هذا المغفل أنه جرّاح لعين. حمل سكاكينَ حادة 
النصل". 


86 


كدخ أا رة ختدما غاد ذائيال املا حور الأشفة اة يدا ر ضعا 
على لوحة الضوء المثبتة على الجدار. أصدرت كل صورة خلال انثنائها في يده 
شونا يفي فقيس ار اليم 

تفحصنا هذه الصور بالتتابع» وتنقلت نظرتنا الجماعية من اليسار إلى اليمين» 
ومن رأسها حن قدميها. أظهرت الصور الأمامية والخلفية للجمجمة وحود كسور 
عدمدة. يقت اطق الكتفيوه"والذراعينة والققصض الضد رى ية ل بلاحط 
أي شيء غير اعتيادي حن وصلنا إلى صورة بطنها وحوضها. رأى الحميع محتوى 
الصورة قي وقت واحد. 

قال شاريو بو "يا للا 

"'بحق الله!" 

"يا للفظاعة!" 

توهج شکل بشري صغيرٌ في أعماق بطن مارغريت آدكينز. فا عا 
صامتين» يي هذه الصورة. 1 ری ر ا حت هذا مسد ار ي 
حلال المهبل؛ ثم دُفع باجحاه الأحشاء بقوة تكفي لإخفائه تماماً عر ن النظر. شعرت 
لدى رؤيي هذا المنظر كان مهدا ساخناً قد طعنئ في أحشائي. وضعت يدي 
على بطي بصورة عفوية» بينما تسارعت دقات قلي بين أضلعي. حدّقت بالصورة 
حيدا فرأيتُ تثالاً.  ٠‏ ۰ 

تواجد ذلك الشيء ضمن عظام الحوض العريضة» ل يدت 
الأعضاء الي وضع بينها. أحاطت الألوان الرمادية العائدة إلى أمعاء الضحية بذلك 
السشيء العاري الأب بيض اللون. . برزت إحدى قلميه إلى الأمامع بينما مد يديه 
الاتقين: بدا لي أن هذا الشيء ما هو إلا تمثال. لاحظت أن رأس التمثال قد انح 
قليلاًء فظهر مئل تمثال فينوس. 

۾ يتفوه أحد بأي كلمة في اللحظات القليلة التالية. فقد حيّم الصمت التام 
على الغرفة. 

فال اهال او سيق ل اد رات هذه او ا ان 
أرنبة أنفه بحر كة سريعة. واجتټاحت ملامحه تشنجات عفوية» فظهر وكأنه لعبة 
مطاطية. 


87 


عُدنا جميعاً إلى تفحص ذلك الشيء المعتم في صورة الأشعة السينية. بدا لي أن 
تلك العتمة تريد من حدة الجرم» وتجعلها أكثر بذاءة. 

قال شاربونيو: "يبدو ذلك اللعين لقيطاً مريضاً بالفعل". نسي رجحل 
التحقيقات الجنائية هذا كل ما تدرب عليه من حيادية بسبب الظروف العارمة 
للحظة الراهنة. 

فاجاتي لجته العنيفة. لم أكن متأكدة ما إذا كانت تلك الوحشية وحدها 
هي الي أثارت أمراً ما في أعماقه» أم أن طبيعة هذا الشيء ء هي الي أسهمت برد 
فعله هذا. نشأ شاربونيوء بالتأكيدء في طفولته وسط بيئة تقليدية» مثله مثل غالبية 
الكيبيكيين» أي أن إيقاع الحياة التقليدية تحكم في حياته اليومية. إننا نحافظ على 
تقديرنا الشديد هذه التقاليد» رغم تخلي معظمنا عن هذه المظاهر. يستطيع الإنسان 
أن يرفض ارتداء عباءة من دون أكمام» لكن ذلك لا يعن أنه مستعد لإحراقها. 
إني أفهم هذا الوضع. أعيش في مدينة غريبة» وأتكلم لغة غير لغي» لكني أنتمي؛ 
مع ذلك» إلى القبيلة. وترفض المشاعر المتأصلة الموت بسهولة. 

مرت فترة صمت طويلة أخرى. أخيراً تكلم لامانش» لكنه احتار كلماته 
بعناية. لم أكن متاكدة ما إذا كان قد استوعب العواقب الكاملة لما نشاهده أمامنا. 
عبر الرجل عن أفكاري بشكل كامل رغم أنه استخدم نبرة ألطف من تلك التي 
كنت سأستخدمها لو تكلمت بنفسي. 

"سيد شاربونيوء أعتقد أنك وزميلك بحاحة للاجتماع معي والدكتورة 
برينان. أنا متأكد من أنك تعرف بوجود بعض المظاهر المقلقة في هذه القضية» 
202 

قف قليلاً ليتيح لنا وقتاً کي نستوعب کلامه» وكي يستشير روزنامته الفحنية. 

NEES‏ هل 
يناسبكم أن نحتمع صباح الاثنين؟" 1 

نظر التحري تحاهه» ثم نظر نحوي. بدا وجهه خاليا من أي تعابير. لم أعرف ما 
إذا كان قد فهم ما يقصده لامانش, أم أنه لم يعرف فعلا بوجود حالات أخرى. 
أعرف أنه من المستغرب أن يتجاهل كلوديل ملاحظاتي من دون أن يأ على ذكرها 
إلى زميله. وإذا كان الأمر كذلك فلا يستطيع شاربونيو أن يقر بجهله ها. 

88 


"أحل. حسناً. سأحرص على بذل كل ما بوسعي". 

0 لاا نش عينية الخريسن علن شاربوليو :وانتظر برها 

اي يا سنكون هنا. الأفضل لي الآن أن أخرج إلى الشارع وأبداً 
بالبحث عن هذا التذل. إذا جاء كلوديل أبره أن سألتقيه في المركز قرابة 
الثامنة". 

بدا مضطرباً. لم يتمكن من التحدث بالفرنسية مع لامانش» وتأكدتُ من أنه 
سيتحدث مطولاً مع زميله 

استأنف لامانش عملية التشريح قبل أن يغلق شاربونيو الباب وراءه. كانت 
تة العا عملا روا فتح الصدر بشق يماثل الحرف الا. اترعت الأعضاء 
الداحلية» وتم وزفاء وتقطيعها وفحصها. حذد موقع التمثال» وتم تقييم الأضرار 
ووصفها. استخدم دانيال مبضعاً كي يقطع جلد فروة الرأس» ثم انتززع الوجه 
وأبعده قليلاً إلى الأمام» ثم انتزع فروة الرأس وأبعدها قليلاً إلى الخلف. عمد بعد 
E Sg CEG‏ تراحعت 
ف لى الوراء. O‏ ؛ أنفاسي لأن اهواء امتلاً بأزيز المنشار» ورائحة ا 
المحعرقة. كان الدباغ سما من الناحية الت ركيبية. علقت ستطحةه کرات هلامية 
هنا وهناك فظهر مثل قنديل بحر أسود اللون فوق كرة رمادية ملساء نتيجة 
الضربات الي تلقتها الضحية على رأسها. 

عرفت ما سيكون عليه جوهر تقرير لامانش. سيلحظ التقرير أن الضحية 
كانت شابة تتمتع بصحة جيدة» أي أنها لا تعاني من أي علل» أو علامات تدل 
على أمراض. بقي ذلك صحيحاً حى ضرا أحدهم على رأسها بقوة كافية كي 
تكسر جمجمتها. بدأت الأوعية المخية بنزف الدماء إلى دماغها. ضرب رأس 
الضحية مس مرات على الأقل. عمد القاتل بعد ذلك إلى إدحال تمثال في مهبلها. 
تسبب هذا في انتزاع أحشائها جزئياء ثم قطع ثديها. 

اجتاحتيني قشعريرة حينما رحت أفكر بمحنتها. . فالجروح الي أصيب ها مهبلها 
كانت خطرة جدا. فقد نزفت الكثير من الدماء في تلك المنطقةء لأن التمثال 
ادحل بينما كان قلبها ما زال ينبض» أي عندما كانت حية. 

"...أبلغي داتيال ما تريدينه يا تمبرنس 

89 


ل أكن أصغي إليه. أعادن صوت لامانش إلى الحاضر. E‏ 
عمله. فاقترح على أحذ عيّنات العظام الي سأفحصها لاحقاً. أزيلت في وقت 
سابق من عملية التشريح» عظمة القص والأجزاء الأمامية للأضلاع؛ لذلك بل 
دانيال بضرورة إرساها إلى الطابق العلوي من أجل تغطيسها وتنظيفها. 

اقتربت من الحثة ونظرت إلى التجويف الصدري. لاحظت عدداً من الجروح 
الصغيرة الي تنتشر على العظام الفقرية الواقعة في الجهة العليا من البطن. بدت هذه 
E E a‏ العتلب الذي يعطئ العضره المقري 

"أريدلة أن تنتزع الفقرات من هذا المكان إلى هنا. أريد الأضلاع ا 
ارس ب وي ا "أرسلها إلى دينيز. قل له أن 
يغطّسهاء لکن من دون أن يغليها. كن حريصاً جداً عند إزالتها. لا تمرّر عليها أي 
نوع من الا ن 

أصغى إلي اا يديه اللتين غطاهما بقفازيه الطبيين. تحرك أنفه وشفته العليا 
عندما حاول تعديل وضعية نظارته. اوا مواقا مزات عديدة. 

نظر إلى لامانش عندما انتهيت من الحديث معه. 

سأل: "هل أخيط الجر ؟" 

رڏ لامانش: "نعم لکن بعد أن تنتهي". 

بدأدانيال عمله على الفور. فأزال أجزاء العظام» ثم شرع في إعادة 
الأعضاء وتم الحزء الأوسط من الحثة. سيعمد في النهاية إلى إرجاع أعلى 
طاقية الرأس إلى مكافاء وإعادة الوجه إلى مكانه» ثم سيقوم بخياطة الجوانب 
الممزقة من فروة الرأس. ستبدو مارغريت آدكينز سليمة ما عدا الدرزة اليّ 
الات شكل الحرف ۷ء الى تبدو من جهتها الأمامية. ستكون مارغريت بعد 
قليل حاهزة لعملية الدفن. 

عدت إلى مكتبي وقد صمَّمت على استجماع معنوياتي قبل أن أقود سيار 
ديد ا لبو دي الطايع الاش مج ا بالكامل. أدرت مقعدي كي 
أستطيع وضع قدمي على حافة النافذة» ثم تطلعت إلى النهر الواسع الذي أعتبره 
عالمي. ظهر بجمّع مايرون من جهي ممائلاً لمنشأة ليغو. يحنوي الْجمّع السكي على 
بنايات رمادية غريبة متصلة مممرات شبكية فولاذية. رأيت خحلف معمل الإسمنت 


90 


قارا برك بطع ناتاه أغلى اله لكن ظلال الغسق الرمادية حجبت قلا أنوار 
هذا القارب المتباعدة. 

بدت البناية ساكنة تماماء لكن هذه السكينة المخيفة عجزت عن قدئي. 
كانت أفكاري حالكة مثل مياه النهر تماما. تساءلتُ لفترة وجيزة ما إذا كان 
كه من اه فط إن قد بكرو هذا الجن ,ا مدان :تويز 
الأعصاب مثلي» نتيجحة ساعات العمل الإضافية الليعة بالعزلةء وال تتردد أصداؤها 
في هذه البناية الفارغة الي تضم مكاتب عديدة. 

وحدت صعوبة كبيرة في استسلامي ل ا 
السادسة والنصض صباحاً. لا بد أنئ كنت متعية جحداء لكنئ شعرث بالتوئر أيضا 
انشغلت بشرود بالعبث في حاجبي الأبمن» وهي الحركة الي لطالما أثارت زوحي 
E.‏ وم يفلح نقده لي على مدى الأعوام في دفعي إلى الإقلا ع عن هذه العادة. 
ادر كت أن الانفصال عتلك حسناته أيضاً. أستطيع الآن أن أتململ قدر ما أشتهي. 

عدت بخيلي إلى بيتي. تذ كرت آحر عام لنا معاً. وظهر أمامي وجه كاي 
' عندما أخبرناها عن انفصالنا. ظننا أن الأمر لن يشكل صدمة كبيرة لهاء لأا كانت 
بعيدة عنا في جامعتها. وكم كنا مخطتين. كادت دموعها تدفعي للرجوع عن 
قراري. برزت أمامي يدا هارغريت آدكينز المنقبضتان نتيجة الموت. لقد لوّنت 
أكواكنا الارن الأزرق يتلك التي وعلق أيضا لوحات ها أحذئق أفكازئ 
إلى القاتل. هل هو هناك الآن؟ هل يستمتع يا ترى عا فعلته يداه اليوم؟ وهل أشبع 
تعطشه للدماء أم أن حاجته للقتل قد تزايدت نتيجة فعلته هذه؟ 

زن قاف اط اكه اة ا ينعن اننا رشو ا هذا 
لفو شد لكي الشخصي الذي وحدت نفسي داخله. ا 
أنين قفزت لا شعورياء وقلبت حاملة الأقلام ممرفقي, فتطايرت أقلام الحبر البيغ 
والسكريتو في المواء. 

"دكتور برينا... 

"تهب. أو 0 له حاولت الاتصال بشقتك» لكنك لم تكون هناك 
بالطسبع". بدت ضحكتها عميقة» لكنها متوترة. "فكّرت في تحربة حظي مع هذا 
الرقم. لم أظن فعلاً بأنك ستردّين عليه". 

91 


عرفت صوقاء لكن الصوت اكتسب ميزة لم أعرفها من قبل. جاء الصوت 
مفعما بالحزن. لكنه انساب عاليا بإيقاعات متشابكة. اندفعت كلماقا نحوي 
متقطعة ويائسة» مثل *مسة تنساب مع زفير حاد. شعرت بحدداً بتوتر في أعماقي. 

"ل أسمع صوتك منذ ثلاثة أسابيع يا غابي. لماذا لم... 

"لم أستطع الاتصال بك. تورطت بأمر يا تمب. أحتاج إلى المساعدة". 

سيف LT E‏ ون يف E‏ صر عط نادت كما نلك 
السمّاعة من مكانا. استطعت أن أسمع الأصوات المكتومة المنبعثة من مكان عام. 
“معت معها أصواتاً مكتومة لكنها متقطعة بالإضافة إلى رنين معدن. تيلها تقف 
في كشك هاتف عموميء وقد انشغلت في تفحّص ما يحيط ها. تخيلت عينيها 
المتعبتين على الدوام» اللتين تبان الخوفء مثلما كان يفعل راديو أوروبا الحرة. 

"ین أنت؟' 'عناولت قلما عن تحافظة الأقلام الموجودة على طاولي» وبدأت 
کک 

"أنا موجودة في مطعم يدعى لا بيل بروفنس. يقع هذا المطعم على زاوية 
تقاطسع شارعي سانت كاترينا وسان لوران. لا أستطيع الخروج يا تمب. تعالي 
واصطحبين معك". 

زادت الخشخشة» وأصبحت غابي أكثر توتراً. 

"كان يومي طويلاً حداً هنا يا غابي. أنت تتواحدين على بعد يجمّعات سكنية 
لل من شك الا سعط "١.‏ 

"إنه عام على قتلي! لا أستطيع التحمّل أكثر. ظننت أنني انطع التحمّل» 
لكنني لا أستطيع. 8 اس إن ج يتعين علي أن مي نفسي . إنه لا 
كرف تبر فا ليما كما أنه أصبح خخطراً. إنه بحنون تماما!" 

استمر صوقًا بالارتفاع بشكل ثابت حى وصل إلى أعلى درجات المستيريا. 
وتوقف الصوت فجأة. زادت وطأة هذا التوقف عندما تحوّلت إلى الحديث 
بالفرنسية. توقفت عن العبث بالقلم ونظرت إلى ساعي. أشارت عقارها إلى 9:15 
مساء. اللعنة! 

اسا أكون عند ةق عضو نخس عضر :دقيقة: افر وول 
سأصل من ناحية شارع القديسة كائثرين". 


52 


تسارعت دقات قلبي وارتعشت يداي. أقفلت ياب مكتى» وهرعت - رغم 
تعبي الشديد - في ما يشبه الركض نحو سياري. أحسست وكأنئ احتسيت ثائية 
أكواب من القهوةٌ. 


93 





أحذتي مشاعري إلى أماكن بعيدة أثناء قيادني للسيارة. كانت الظلمة قد أرحت 
سدوضاء لکن الد جاك مضاءة بالكامل. توهجت نوافذ الشقق بالأضواء قي التي 
الشرقي من المدينة» وهو الحي الذي تتواحد وسطه أبنية أمن كيبيك واستطعت أن 
أرق الجهزة: القلفوة المضاءة هنا و هتاك غير قد تأر انها عة "هذه ,الب الصيف خان 
كثيرون في شرفاهم؛ أو في شرفات مدال منازههم. تحلق هؤلاء في الخارج تلبية لنداء 
الليالي الصيفية الدافة» وتبادلوا الأحاديث وارتشفوا المشروبات الباردة. لقد خرجوا 
كي يستبدلوا حرارة الظهيرة الشديدة ببرودة المساء المتجددة. 

ميت أن أشاركهم جلستهم البيتية هذه» لكني تمنيت فقط أن أتوحه إلى 
مزلي وأن أتقاسم شطيرة من لحم سمك التونا مع بيرديء ثم أستسلم للنوم بعد 
ذلك. أرددت أن أتأكد من أن غابي بخير» لكنن أردتها أن تتوحه إلى بيتها بسيارة 
أجرة. حشيت في الواقع أن أتعاطى مع حالة المستيريا الي تعاي منها. ارتحت كثيرا 
عندما سمعت صومًاء لكني حفت على سلامتها. شعرت بالقلق لاضطراري أن 
أذهب إلى ماين. لم يكن هذا المزيج من المشاعر مزيجا مريحا. 

سرت عن طريق شارع رينيه لافيسك ثم استدرت إلى اليمين فأصبحت 
شايناتاون (الحي الصيئ) ورائي. استعد ذلك الحي للإقفال في فاية اليوم. رأيت 
آحر مالكي المحلات وهو يدخل صناديقه وأدوات عرض بضائعه إلى الداحل. 

امستد شارع ماين شمالاً أمامي» بدءا من الحي الصيني» ومتوازياً مع بولفار 
سان لوراك. يُعتبر شارع هاين م ركراً للمحلات والمطاعم الصغيرة» والمقاهي 

94 


الرخيصة؛ بينما يُعتبر سان لوران شريانه التجاري. ويتفرع هذا الشارع من هناك 
إلى شبكة من الشوارع الخلفية الضيقة» وال تكتظ بالشقق الصغيرة الي تتميز 
بإيجاراتها الرخيصة. بقي شارع ماين حليطا ثقافيا رغم طابعه الفر نسي . إنه المنطقة 
الى تتعايش فيها مختلف اللغات والجاليات العرقية» لكنها تعجز عن الاختلاط في ما 
بينها. تشبه حالتها هذه حالة الروائح المتنوعة الي تنطلق من عشرات الحلات 
والمخابز الموجودة فيه. تتجاور على جانبي هذا الشار ع المحلات الإيطالية» 
GEE‏ رقو الس وق SE‏ معد دن ارا سو ايل 

كان شارع ماين في ما مضى محطة الاستقبال الرئيسية للمهاجرين. فلقد 
انجذب القادمون الحدد إلى الشقق الرحيصةء وارتاحوا إلى وجودهم المريح بين بي 
جنسهم. سكنوا هناك كي يتعلموا طرائق العيش في كنداء وتجحمعت كل مجموعة 
من القادمين الجدد مع بعضها كي تخفف عنها وطأة غربتهاء ومن أجل تعزيز ثقتها 
بنفسها قي وحه ثقافة غريية عنها. تعلّم بعضهم الفرنسية والإنكليزية» وجنوا 
ثروات» ثم انتقلوا إلى اناك ری بينما بقي آخرون, إما لأنهم فضلوا البقاء تحت 
غطاء الأمان الذي توفره لمم الأماكن المألوفة» وإما لأنهم لم يمتلكوا القدرة على 
الانتقال. هذه الأيام» انضمت إلى هذه النواة من امحافظين والفاشلين مجموعة منوعة 
من غريبي الأطوار والمتوحشين. بالإضافة إلى فرقة من الضعفاء والمنبوذين من 
حح ولتي مر ن غالة عله يان الغرياء إل شاررع مايق عن عن عدة 
أشياء: صفقات الشراء بالحملة» والحصول على وجبة غداء رحيصة» والعقاقير غير 
القانونية» والشراب القوي» والأمور اللاأحلاقية. إنمُم يأتون إليه للشراء» وللتحديق 
في واحهات المحلات. وللضحكء لكنهم لا يمكثون فيه. 

يؤلف شارع سانت كاثرين الحد الجنوبي لشار ع ماين. انعطفت إلى اليمين 
في هذ المكانء ثم توحهت إلى المكان الذي حلست فيه مع غابي منذ ثلاثة أسابيع 
تقريباً. إنه وقت أبكر الآن. لذاء انصرفت بنات الموى إلى ترتيب مناطق نفوذهن. 
ولم يصل الدراجون بعد. 

لا بد أن غاي كانت تراقب المكان» لأنئ محنّها عندما تطلعت ف المرآة 
الخلفية بعد أن أصبحتٌُ في منقصف الشارع؛ وأخذت تركض ممسكة حقيبتها 
بشدة إلى صدرها. بدا خوفها واضحاء وإن لم يصل إلى درجة الركض بأقصى 


55 


سرعتها. ركضت كما يركض البالغون الذين لم يركضوا منذ أن كانوا أطفالاً. 
لاحظت أن ساقها الطويتين اكا منخيتن» وان رأسها كان تفضا شاهدة 
حقيبة كتفها تتأرجح في تناغم مع خطواقا المسرعة. 

دارت حول السيارة» ثم دخلت إليها وحلست مغمضة العينين» في حين كان 
صدرها يعلو ويهبط. بدا أها تجهد كي تستعيد هدوءهاء فشبكت أصابع يديها 
بشدة في محاولة منها لإيقاف ارتعاشها. أرعبتئ لأنئ لم يسبق لي أن شاهدثها في 
م اهب أعرف أن غابي تتميّز بسسزعة للتصرف بشكل مثير أثناء 
تعرضها لأزمات طويلة المدى» سواء الحقيقية منها أم لمتخّلة» لكن لم يسبق لها أن 
انفعلت إلى هذه الدرجة نتيجة أي أزمة. 

م أقل شيعا في اللحظات القليلة التالية. كانت الليلة دافثة» لكنئ شعرت 
برعشة وأصبح تنفسي صعباً. اعا تاي لار أضوات ردام ارات 
ورأيست فتاة ليل تعترض سيارة عابرة. حلّق صوقا في هذا المساء الصيفي صاعداً 
وخايطا ى مارات لولنية د ائرية. 

"هيا بنا". 

قالتها يمدوء شديد إلى درجة كدت أن لا أسمعها. 

سألُها: "هلاً تقولين لي ماذا يحري؟" 

رفعت يدها وكأنها تريد أن تتفادى توبيخاً ما. ارتعشت يدهاء ثم وضعتها 
على صدرها وهي مبسوطة. استطعت أن أحس بالخوف يجتاح السيارة. كان 
جحسدها دافئا ويعبق برائحة حشب الصندل والعرق. 

"سأفعل. سأفعل. أعطيي دقيقة فقط". 

بداصون أكثر خذة ا اروت وأنا أقول لما: "لا تحاولي استفزازي يا 


غاي . 
قالت 0 أحاطت وجهها براحتّي يديها: "أنا آسفة. دعينا نغادر هذا المكان 
ع ا تقول مار كهااهدا على طريقتها الخاصة» لكن لا بد وأن 


سألتها: "هل نتوجه إلى منزلك؟" 
96 


أو مأت من دون أن ترفع وحهها من بين راحتّي يديها. أدرت محرّك السيارة 
وتوجهت بها نحو شارع كاري سان لوي. حافظت على متها إل حين ویر 
إلى البناية ال تسكنها. استمرت يداها بالارتحاف» مع أن وتيرة تنفسها قد عادت 
إلى طبيعتها. عادت إلى ضم يديها وإبعادهما بين حين وآخرء وأحذت تصفق هما 
وكأها تؤدي حركة راقصة غريبة ناتحة عن الذعر. إا رقصة الرعب. 

ركنت السيارة وأطفأت الحرك» لكنن حشيت من المواجهة الوشيكة 
اللحدوث. سبق لي أن قدّمت لما استشاراتي ونصائحي في أمور تتعلق بالأزمات 
الصحية» والعائلية» والدراسية» والدينية» وتقدير الذات» والحب. أجهدت كل هذه 
الأمور أعصايء فتولدت عندي قناعة تامة بأها ستكون في أحسن حال» وغير 
مكدرة الخاطرء عندما سأراها للمرة الثانية. ستكون قد نسيت مصيبتها في ذلك 
الوقت. لا يعن هذا أنئ لا أتعاطف مع غابي» لكنن خبرتا في هذه الحالة من قبل. 
تذكرئها عندما قالت إا حامل» ولم تكن كذلك فعلاً. تذكرت أيضاً الحفظة 
المسروقة الى ظهرت لاحقاً بين وسائد أريكتها. أقلقي مع ذلك رد فعلها الذي تيز 
بالحدة. تمنيتُ كثيراً أن أنعم ببعض الوحدة كي أخلو إلى نفسي» لكن لم بيد عليها 
أا ستت رك وشأني. 

"هل تودين أن أبقى معك هذه الليلة؟" 

م حبي. رأيث في الحانب الآخر من الباحة رحلا مسنًاً وقد رتب لفافة من 
القماش تحت رأسه» واسترحى على المقعد كي يحضي ليلته عليه. 

امعد الصمت طويلاً بحيث اعتقدت أنها لم تسمعئ. العفتٌ عازمة على 
تكرار عرضيء لکنيٰ وحدثها تحدّق بتركيز في اتجاهي . لاحظت أا استبدلت 
حركاتها المذعورة الي أبدتًا منذ لحظة مضت بالسكون التام. بدا عمودها 
التقري ضا وا اغى ال الأعلن عن انها إل اا خي إا اناد 
لامست مسند مقعدها. وضعت إحدى يديها فوق حضنهاء بينما وضعت قبضة 
ينددعا الأفرئ على شفنيها يشدة: أغعضت غينيها قليلا وارتعكن فتاه 
ان کو و رادت كان شعني سكول اماما رأف ايك 
ربط لمتغيرات وحساب العواقب. بدا هذا التحوّل لاس ااي ليا 


97 


بدت هادئة تماماً الآنء وانساب صوقا حافت ومنتظماً: "لا بد أنك تعتقدين 
بأني محنونة". 

اا بهد 

"حقاً؟ إفها طريقة ملطّفة لوصف الأمور" 

قالت هذا مع ضحكة استهجان» وأحذت قمر رأسها ببطء؛ فتمايلت جدائل 
شعرها. 

"أعتقد أن تصرفت بغرابة هناك" . 

انتظرئها كي تكمل. وسمعت صوت باب إحدى السيارات ينغلق بشدة؛ ثم 
انساب إلى مسامعي صوت ساكسفون حزين صادر من موقف السيارات. معت 
ا يانه ا ر يوم صيفي في المدينة. 

استطعت وسط العتمة أن أحسّ - قبل أن أرى - غابي وقد غيرت نقطة 
تركيزها. بدا الأمر وكأها صوّبت نظرها نحوي ثم انحرفت على نحو مفاحئ في آخر 
واه كتفت رھ على کے اعد مر مكانة :و انا عل دكي اديه ا 
آلية. وعادت إلى العزلة حدما وكأها تفكر في الخيارات المفتوحة أمامهاء وأي 
مظهر يجدر ها أن تبدو عليه. 

افمكت في تتناول حقيستها وكيسهاء رمات يدها ضر مقط" ااب 
"سأكون بخير. أشكر ك نذا لأنك أتيت لأحلي". 

قرت أن تراوغ أخيراً. 

شعرت بشيء كأنه الإحهادء وربّما كان ناتحا عن تعب الأيام القليلة الماضية. 
فقدت أعصابي من دون أن أعرف السبب. 

انفحرت صارخة ها: "انتظري دقيقة! أريد أن أعرف ماذا يجري! ذكرت قبل 
ساعة من الآن أن شخصاً ما يريد قتلك! خرجحت راكضة من ذلك المطعم؛ وعبرت 
شان وأنت تر تحفين» وكأن شخصاً غامضاً يلاحقك! استطعت بالكاد أحذ أنفاسك» 
وارد تعشت يداك وكأن تياراً كهربائياً قد مسّك. تكن كن افد سن برها عن درك 
أن تقولي شيئاً غير أشكرك كثيراً على إيصالك لي بالسيارة» ومن دون أي تفسيرات!" 

لم يسبق لي أن غضبت عليها هذا الشكل. ارتفع صوي فير وبدأت 
أنفاسي بالتقطع. أحسست بنبض في الجهة اليسرى هن صدغي. 

58 


أجحبرها غضيي على أن تحمد في مكافا. بدت عيناها المستديرتان محوفتين» 
وظهرتا مثل عيئَئ ظبية تسمرت في مكانها نتيجة تسليط ضوء قوي عليهما. مرت 
سيارة فتوهج وجهها باللون الأبيض ثم الأحمرء فظهرت صورقا مضخمة. تسمّرت 
في مكافها للحظةء وكأفا بحرد بحسّم صلب يقف في سماء يوم صيفي. بدا وكأن 
التوتر قد غادر جسدها بفعل صمام انفتح بشكل مفاجحئ. ت ركت مقبض الباب» 
وأنزلت حقيبتها ثم استرخت في مقعدها. انكمشت على نفسها بحددا 
واستغرقت في موحة تأمل جديدة. أعتقذ أنها أرادت أن تقرّر من أين تبدأء ورعا 
راحت تفكر في طرائق بديلة للهرب. ولكني انتظرثها.. ر 

أحذت نفسا عميقا في النهاية ورفعت كتفيها قليلا. لا بد أنما استقرت على 
راق اترا تأکدت من قرارها ما إن بدأت بالكلام. سوف تسمح لي بالتدخل» 
ولكن بشكل محدود. اغتارت كلماقها بعتاية :واغكارت مارا جذرا وسط 
مستنقع الأحاسيس الي تحتاح ذهنها. استندت على الباب» وانكمشت على ذاتي. 

"كنت أعمل مع بعض الأشخاص غير العادين ا 

اعتيرنث أن ما سمعمّه لم يكن كافياًء لكنيي لم أصرّح بذلك علناً. 

اذ ذا أغرات أن هذا مدو ا عاديا . أنا لا أتحدث عن أشخاص الشوارع 
العاديين. فأنا أستطيع التعامل مع هؤلاء". 

عذبن اختيارها لكلماتها. 

"إذا كنت على معرفة باللاعبين» فيمكنك تعلم قواعد اللعبة ولغتهاء 
وستكونين على ما يرام في ذلك المكان. يشبه هذا ما يحدث في أي مكان آخر. 
تعن عليك أن تنتبهي لطريقة السلوك المتبعة في ذلك المكانء وأن لا تبعدي الناس 
تيك الأ تسط کا ويكدن 3 أن لا تتطفلي على منطقة نفوذ الأخريات» 
أذ لا كدري له وان مكل مع رجال الشرطة. لاتير العم ضعا هنا 
لولا الملل من جراء مرور الساعات المتثاقل» عدا أن الفتيات يعرفني. إفمن يعرفن 
بان لا أشكل ديد لهن". 

الترمت الصمت بعد ذلك. لم أعرف ما إذا كانت تستبعدن محدداًء أو أا 
كارن رقي ولوفااس دين قزري أن حبني ددا 

"هل يهددك أحد؟" 

99 


لطالما اعتبرت غابي الأخلاق أمرأً مهماًء ولهذا شككت أنها تحاول حماية مخير 


تعنين الفتيات؟ لا. لا. إن لطيفات معي. لا مشكلة لدي معهنّ إطلاقاً. 

أعتقد أن مسرورات برفقي. أستطيع أن أكون صريحة مثلهن". 

عظيم. أصبحتً أعرف الأمور الي لا تسيب مشكلة. عاولت عدا 

"كيف تتجنبين أن يظنك أحدهم فتاة مثلهم؟" 

"أوه. آنا لا أحاول شيئ من هذا القبيل. تستطيعين القول إن اختلطت 
معهنً؛ فإن لم أفعل ذلك فسيتضرر الهدف الذي أعمل عليه. تعرف الفتيات أن لا 
أقوم بخداع أحد. وهكذا فهنٌ يثقن بي". 

لم أطرح عليها السؤال البديهي 

"إذا ضايقئى أحدهم فإني أكتفي بالقول إن لا أعمل قي ذلك الوقت 
وينصرف معظمهم عندما يسمعون ذلك". 

E SRE ELIE MR SEERA 
في ما عساها تقوله لي» وما عساها ثبقيه لنفسهاء وما هي الأمور الي ستبقيها طي‎ 
الكتمان» لكنها تستطيع الإفصاح عنها عند الضرورة. راحت تتحسّس حقيبتها.‎ 
معت نباح كلب في الباحة. تأكدت الآن من ن أنها تقوم بحماية شخحص ماء أو أنها‎ 
تخفي أمرا م لكني م أحاول أن أثيرها مرة أخرى.‎ 

تابعت كلامها: "أعين معظمهم ما عدا ذلك الشاب الذي التقيته مؤحرا". 

مرت فترة صمت. 

اومن يكون؟" 

مرت فترة صمت. 

"لا أعرف» لكنه جعلين أشعر بالقلق. إنه ليس زبوناء لكنه يحب مرافقة بنات 
الهوى. لا أعتقد أن الفتيات يكترثن به. إنه يعرف الكثير عن حياة الشوارع» كما 
أنه مستعد للتحدث معي» وهكذا بدأت بإحراء مقابلة معه". 

مرت فترة صمت. 

"بدأ مؤخرا ملاحقي. لم ألاحظ ذلك في البداية» لكننى رحت أراه في أماكن 
غريبة. اعتاد أن يكون في المترو عندما أصل ليلا إلى منزلي» أو هنا في الباحة. 

100 


رأينّه ذات مرة في الكونكوردياء حارج مبئ المكتبة حيث يقع مكتي. رأيته مرات 
عديدة ورائي على الرصيف وكان بمشي بنفس الإتحاه الذي أسير فيه أنا. شاهدثه 
الأسبوع الماضي عندما كنت في شارع سان لوران. أردث أن أقنع نفسي أن 
أتفيّل وحوده» وهكذا امتحنتّه. كان يتمهّل إذا تمهلت» ويسرع إذا أسرعت. 
أردت أن أتخلص منه» فدحلت محل حلويات. ورأيته عندما مرحت وهو يتظاهر 
بالتفر ج على واجهة أحد المحلات على الجانب الآخر من الشارع". 

"هل أنت متأكدة من أنه الشاب ذاته؟" 

آنا متا دة ا 

مرّت فترة صمت طويلة وثقيلة. انتظرت حى تنتهي. 

"هذا ليس كل شيء". ٍ 

حدّقت بيديها اللتين تلاقتا بجدداء وتشابكتا بقوة. 

"بدأ يدي مؤحراً عن أمور غريبة. حاولتُ أن أتجنبه» لكنه ظهر الليلة في 
لمطعم. بدا لي أنه يمتلك راداراً. عاد يحدئ عن المواضيع ذاتهاء وطرح على أسئلة 

عادت للإنطواء على ذاتها. التفتت إلي بعد هنيهة وكأنها وجدت إجابة لم 
تخطر على بالها من قبل. وحمل صوقا نوعاً من أنواع المفاجأة. 

"إنهما عيناه يا تمب. عيناه غريبتان حدا! فهما سوداوان وقاسيتان, مثل عيني 
الأفعى» كما أن البياض فيهما مشوبٌ باللون الزهري ومبقعٌ بالدماء. لا أعرف إن 
كان مريضاًء أو أنه يتسكع طيلة الوقت» أو أي شيء آخر. لم أشاهد عينين مثل 
عينيه لأهما يدفعانك للزحف والاختباء تحت شيء ما أو في مكان آمن. شعرت 
بالرعب يا تمب! أعتقد أن كنت أفكر بحديني معك آخحر مرةء وذلك النذل الذي 
تعملين من أحل كشف هوية ضحيته. فرت في ذلك على الفور". 

م أعرف ما جدر بي قوله. لم أستطع رؤية معام وجهها في الظلمة؛ لكن 
حركات حسدها عكست لغة الخوف. كان جذعها صلباء وذراعاها مسبلتين» 
وتشدان الحقيبة على صدرهاء وكأها تفعل ذلك لحمايته. 

"ماذا تعرفين أكثر عن هذا الشاب؟" 

"لا أعرف الشيء الكثير". 


101 


"وما هي صورته عند الفتيات؟" 

"هن يتجاهلنه". 

"هل بدا خخطراً في يوم من الأيام؟" 

"لا. ليس بصورة مباشرة". 

امن سي له أن كانه e‏ فاك يوم أو ايها عن السيظ ها 

اح 

"هل هو متورط بالعقاقير غير القانونية؟" 

"لا أعرف". 

"أتعرفين من يكون» أو أين يسكن؟" 

"لا. هناك الكثير من الأسئلة الي لا نطرحها. إا قاعدة غير مكتوبة» ونوع 
من الاتفاق الضميي هناك". 

نرت علدا فترة صمت أخرى استغرقنا حلا ها في التفكير ما قالته للتو. 
راقبتُ شخصاً يركب دراجة هوائية وهو ير إلى جانه رفوي بدت لودل 
ملتمعة» وأومضت عند مروره تحت أحد مصابيح الشوارع. راقبتّه أيضاً عندما 
دحل في الظلمة الحالكة بحدداً. عبر الرحل محال رؤين ثم احتفى ببطء في ظلمة 
الليل. تبعت پرا فأومضت مرات عديدة. 

فكرت في ما قالته لي» وتساءلت إذا ما كان يجدر بي ن ألوم نفسي. هل 
أثرت مخاوفها عندما تحدثت عن مخاوثي» أم أنها التقت دحل ارد 
عقليا؟ هل تقوم بعملية تضحيم متلسلة من المصادفات غير المؤذيةء أ م أنها في 

مأزق فعلا؟ وهل يحدر بي أن أترك الأمور تسير كما قدّر ها أن تسير لفترة 
معينة؟ هل يتعيّن عل فعل شيء ما؟ وهل هذه قضية تخصّ الشرطة؟ وجدئي 
أطرح على نفسي السلسلة ذاه الي لا نهاية لها من الأسئلة» واليّ اعتدت على 
طرحها. 

جلسنا لبعض الوقت» وأصغينا إلى الأصوات الصاردة عن موقف السيارات» 
ورحنا نشم روائح هذه الليلة الصيفية اللطيفة» واستغرقت كل واحدة منا في 
تأملاها الخاصة. ساهم هذا الفاصل الزمي المليء بالسكون في دئة مشاعرنا. 
أخيرء هزت غابي رأسهاء وأسقطت حقيبتها في حضنهاء ثم استرحت في مقعدها. 

102 


م تكن ملامحها واضحة. لكنى استطعت ملاحظة التغيّر الذي طرأ عليها. جاء 
ضرفا اقرف واف كد SOE‏ علو اله 

"أعرف أننئ أفرط في رد فعلي. إنه شاب شاذ لكنه غير مؤذف ولا يريد سوى 
أن يتح عرلق: تلك معه ف عة هذه أعطيت هذا المعتوه فرصة السيطرة 
على عقلي» و سمحت له أن يهر عالمي". 

"ألا تصادفين كثيراً من هؤلاء الشاذين؛ كما تسميهم؟" 

"أحل. إن معظم المخبرين الذين أتعامل معهم ليسوا من نوع الإخوة 
بروكس". ضحكت هنا ضحكة قصيرة تخلو من المرح. 

"ما الذي يجعلك تعتقدين أن هذا الرحل يختلف عن غيره؟" 

فكّرت قليلاً في سوالي هذاء وأدحلت ظفر إكامها بين أسنانا. 

"آه. يصعب علي التعبير بالكلمات. هناك خط رفيع يفصل ما بين امحانين» 
والرجال الذين يشكلون خطراً حقيقياً. يصعب علي وضع التعريف المناسب. لعلها 
محرد غريزة اكتسبتها من تواحدي هناك. لكنئ أعرف أنه إذا شعرت امرأة» من 
اللواتي يتخذن تلك المهنة؛ بخطر يتهددها من شخص ماء فإها لن تخرج معه. تمتلك 
كل امرأة وسائل إغرائها الخاصة اء لكنها تعرف كيف تضع حدودها. تصلح 
العينان هذه الغاية» أو قد تكون على شكل طلب ما. تمتنع هيلين عن الخروج مع 
أي شخص ينتعل حذاء رعاة البقر". 

استراحت قليلاً كي تناقش ذاهًا. 

"اعتتقأنني ارفك 'قيلاً بكل ذلك الحذيت عن ارين اتسين 
والمهووسين الخنسيين". 

مرّت فترة تأمل ذاتي أخرى. حاولت أن أسترق نظرة إلى ساعة يدي. 

"يحاول ذلك الرحل أن يرعبي". 

مرت فترة سكون أخرى حاولت حلا ها مدئة نفسها. 

"يا لذلك المتسكّمً!" 

لرعا حاولت أن تزيد من ثورتها. فبدأ صوتا يزداد غضباً مع مرور الوقت. 

"اللعنة يا تمب. لن أدع ذلك النذل يفعل ما يريده ويرييي صوره المقززة. 
سأبلغه أن يذهب ها إلى الححيم!" 


103 


التفتت صوبي ووضعت يدها على يدي. 

"أنا آسفة لأنتي أوقعتك في هذه الورطة هذه الليلة. لا شك أن أتصرف 
بطريقة محنونة! هل ستساعيني؟" 

حدقت ها بصمت. أدهشي هذا التحوّل السريع في مزاحها. كيف أمكنها 
التحوّل من حالة الرعبء إلى التحليلء فالغضبء ثم إلى الاعتذار أخيراء وأن يجري 
كل ذلك في غضون ثلاثين دقيقة؟ كنت متعبة جداً» بالإضافة إلى أن الوقت أصبح 
متأخرا جداء لذلك لم أتمكن من فهم السبب الصحيح. 

"غابي. أصبح الوقت متأخراً حداً الآن. دعينا نؤجل الحديث في هذا الموضوع 
إلى الغد. لست غاضبة بالطبع. إن مسرورة لأنك بخير. إن دعوتي إليك للمكوث 
عندي هي دعوة من القلب. أرحب بك في منزلي على الدوام". : 

انت وعانقتي: "شكراً لك. سأكون يخير. سأكلمك عاقيا أعدك 
بذلك". 

راقبتها وهي تصعد السلّم الحديدي. شاهدت تنورقا تتطایر» فبدت مثل 
غمامة تحيط بما. احتفت في غضون لحظة من خلال باها الأرحواني اللون. تباعدت 
A‏ قم مهار وال aa‏ بلص عنها سوق القرا + بوالسكرك. لشت وجيدة 
وسط الظلمة» ووسط رائحة حشب الصندل. احتف من أمامى مكل ظل ظهر 
لبرهة قصيرة ثم مضى. 

بقي تفكيري مشتناً أثناء توجهي إلى منزلي. ل 
لميلودراما حديدة؟ أم أها في حطر حقيقي؟ هل أحفت عين ب بعض الحقائق؟ وهل 
مغل هذا الرجل حطراً حقيقياً عليها؟ أم أنما تغذي بذور الذعر الي زرعها في 
مخيلتها حديثي عن الجرائم؟ هل يجدر بي إبلاغ الشرطة؟ 

رفضت أن أدع قلقي على سلامة غابي يسيطر علي. لجأت عند رجوعي إلى 
سريي إلى طريقة كنت أستخدمها في طفولي في أوقات التوتر و 
أحذت هاما ساعناً وملأت المغطس بالأملاح ال و ا ا 
لكريس ري» ورفعت مستوى الصوت إلى الحد الأقصى. انساب صوته الذي 
تحدث عن الطريق إلى جهنم أثناء استمتاعي بالمياه الى تغمرني. أعتقد أن جيرا 
يفضلون البقاء على قيد الحياة. حاولت الاتصال بكاي لكنّ آلتها المجيبة ردت علي 

104 


بجددا. تشاركت مع بيردي تناول بعض الطعام والبسکویت» لكنه فضّل تناول 
الاب ت ركت الأطباق على الطاولة ثم تسلّلت إلى ا 

م يقبدّه قلقي كليا. م أستطع الاستسلام للنوم بسهولةء لذلك بقيت 
ميعفيظة ي لسر هده نا هة لسري كر افيه الظاذل اا اة عل الم 
قاومت بشدة فكرة الاتصال ببيقي. كرهت نفسي يسيب شعوري بالحاجة إليه من 
وقت إلى آخرء ولأنئ أردئه أن يتواجد بقربي عندما أشعر بالاضطراب. إنه الشيء 
الوحيد الذي أقسمت على قهره. 

غلبي سلطان النوم أخيراً وكأن دوامة حذبتي» فأزاحت من طريقها كل 
أفكاري عن بيتي» وكات؛ وغابي» بالإضافة إلى كل الحرائم الي تشغل ضميري. 
كان ذلك في صالحي, لأنه نقلي معه إلى اليوم التالي. 


105 


تمتعت بنوم عميق حن التاسعة ومس عشرة دقيقة من صباح اليوم التالي. 
لست من النوع الذي يتأخر بالنهوض عادةٌ لكن اليوم هو يوم الجمعة» 24 
حزيرانء أي يوم ذكرى وطنيّة في كيبيك. اعتدت ألا أعبأ بالتعب الذي تحمله 
معها مثل هذه الأيام. إذ تقفل كل المؤسسات التجارية تقريباً في هذا التاريخ» الذي 
يعتبر ذكرئ رئيسية في كامل أنحاء المقاطعة. لن أحد عدد الغازيت عند الباب» 
وهكذا اكتفيت بتحضير القهوة» ثم نزلت إلى زاوية الشارع كي أبحث عن 
حريدة بديلة. 

كان النهار مشرقا ومليعا باحو كة) بدا العام متلا جو ايه ا 
ظهرت كل الأشياء مع ظلاها بوضوح تام. وبرزت ألوان القرميد, والخشب» 
والمعادنء والأعشابء والأزهارء یار ا في أماكنها المنفصلة قي تلك التشكيلة 
الواسعة. تألقت السماء بروعتهاء ولم تحتمل وجود الغيوم فيها. ذكرني هذا المنظر 
بزرقة بيضة أبي الحن المرسومة على إحدى البطاقات الى أحتفظ با منذ أيام 
طفولي. كان اللون الأزرق الصارخ ذاته. 

بعث في هواء الصباح شعور' بالنعومة والدفءء وترافق ذلك مع الرائحة الي 
تنبعث من صناديق أزهار البيتونيا. ارتفعت الحرارة تدريجياء لكن بإصرارء على 
مدى الأسبوع المنصرم» وازداد وو قم يوم وضعت تقديرات طقس اليوم 
الحرارة عند اثنتين وثلاثين درحة مئوية. حوّلت هذا الرقم ذهنيا إلى مقياس 
فهرمايت فبلغ حوالى بيع وثمانين درحة فهرهايت. تقع مدينة مونتريال وسط 

106 


حندق مائي هو مر سان لوران الذي يوم ها رطوبة ثابتة. ياهو! يشبه هذا اليوم 
أيام كاليفورنيا الحارة والرطبة. أحببت هذا اليوم لأنبي نشأت في الجنوب الدافئ. 

اشتريت نسخخة من حريدة لو جورنال دو مونتريال» وهي الحريدة اليومية 
الأولى الناطقة بالفرنسية في أمريكا. يسهل علي تمضية اليوم مع هذه اللحريدة أكثر 
من الغازيت الناطقة باللغة الإنكليزية. نظرت إلى صفحة الغلاف أثناء سيري تلك 
المسافة القصيرة إلى شقي. برز في هذه الصفحة عنوافا الذي كتب بأحرف من 
قياس سبعة سنتمترات» وباللون الأزرق السماوي: ذكرى سعيدة يا كيبيك! 

أحذتي أفكاري إلى الاستعراض وكل الحفلات الموسيقية الى تتبعه في بارك 
مايزوئيف. تذكرت الشراب الذي سيهرق. فكرتُ ا في الانقسام السياسي 
الملوحود بين سكان كيبيك. تأحجت العواطف في هذه المنطقة مع اقتراب 
الانتخحابات العامة في الخريف» وتصاعدت آمال الذين يناصرون الانفصال بحماسة 
بأن يحصل ذلك هذ العام. انتشرت القمصان والإعلانات الي حملت شعار: العام 
القادم هو عام بلدي! تمنيت ألا يرافق العنف هذا اليوم. 

وصلت إلى البيت» فملأُتُ كوب قهوة» وحضّرت وعاءً من ميوسلي» ثم 
چ الصحيفة على طاولة غرفة الطعام. 0 الأخبار. صحيح 

ني أستطيع تمضية أيام عديدة من دون قراءة صحيفة» وز ني أستطيع الاكتفاء 
بمشاهدة البرامج الإخبارية الثابتة على شاشة التلفاز عند الساعة الحادية عشرة» 
لكني سرعان ما أشعر بالحاجة إلى الكلمة المكتوبة. اعتدت قي أوقات سفري أن 
أمحث عن محخطة 02/32 قبل أن أفر غ ثيابي من الحقيبة. أقرأ الأحبار أيضا أثناء أيام 
عملي المحمومة» أي عندما أكون ا عتطلبات التدريس» أو أثناء عملي على 


قضية ما. وأحد راحة كبيرة عندما أ ستمع إلى أصوات المذيعين المعتادة في برنامجي 
الحلقة الصباحية» ونظرة على كل شيء» لأني أعرف أن سأعوّض في عطلة ماية 
الأسبوع. 


إنين لا أتناول 00 وأكره وان السجائر» كما أن خحططت لتمضية 
عام خال من انس »> لذلك اس أستمتع كثيرا ي صباحات 1 السيت» عندما أنشغل 
قي قراءة الأخبار الصحفية الغريبة» وأسمح لنفسي بأن أ ستمتع بأدق 00 
لا يعم هذا أن الأخبار تحمل أشياء جديدة بالضرورة» إذ له 50 الأخبار شيئا 
107 


حديداً. أعرف ذلك. إا مثل كرات البينغو. تصّر الأحداث ذاتها على الظهور مرة 
بعد مرة؛ الحزات الأرضية» والانقلابات» والحروب التجارية» واحتطاف الرهائن. 
طوّرت هواية خاصة بي تقتصر على معرفة أي كرات ستظهر في يوم معين. 

ابعت صحيفة لو جورنال طريقة عرض الأخبار القصيرة مع نشر صور 
كثيرة. إا تكفيي رغم أا لا تصل إلى مستوى كريستيان سيانس مونيتور. تعوّد 
بيردي على هذا البرنامج» لذلك جلس على المقعد ايجاور. لا أستطيع أن أتأكد 
أبدا إذا ما كان يستريح لرفقيّ» أم أن رائحة فضلات الميوسلي هي الي تحتذبه. 
قوّس ظهره» واستقرٌ في جلسته بعد أن وضع قوائمه الأربع تحت بطنه» ثم ركز 
عينيه الدائريتين الصفراوين نحوي» وكأنه يريد الحصول مي على حل لغز من ألغازه 
المعقدة. انشغلت بالقراءة» لكني أحسست بنظرته تخترق حدّي. 

وجدت المقالة في الصفحة الثانية. كانت محشورة ما بين المقالة الى روت قصة 
رجل الدين المخنوق» وبين مقالة كأس العام لكرة القدم. 

العثور على ضحية مقتولة ومشوهة. وجدت امرأة تبلغ الرابعة والعشرين 
من عمرها مقتولة ومشوهة بوحشية. حدثت الجريمة في منزهها الكائن في 
الضاحية الشرقية. تدعى الضحيةء وهي مدبرة مزل مارغريت آدکیسز 
وهي والدة صبي يبلغ السادسة من عمره. شوهدت السيدة أدكينز آخر مرة 
على قيد الحياة في العاشرة من صباح ذلك اليو أي عندما تلاق روه 
هاتفياً. اكتشفت شقيقتها + جنتهاء التي أشبعت ضرباً وحشياً. وأصابها الكثير من 
التشويهء قرابة الظهر. 

تقول مصادر شرطة مونتريال إِها لم تلاحظ علامات تدل على دخول 
االمزل بالقوةء وأضافت أنه لم يتضح ها كيفية دخول المجرم إلى الزل. 
أجرى الدكتور بيار لامانش عملية التشريح في مختبرات الطب الشرعي. وتقوم 
الدكتورة تمبرنس برينان, وهي عالمة أنشروبولوجية أميركية. ومختصة ياصابات 
هياكل العظام بفحص عظام لصحيه اف انر سكاكين... 

تتابع المقالة كقطع ملي ء بالشائعات عن آخحر نشاطات الضحية» وبنبذة عن 
حياتما» وبرواية حزينة وصفت رد فعل عائلتها عندما علمت بالخبر» وبالوعود الي 
ارج ر ا و نا و ن ا 

108 


وافقتسة إلقالة فيو عدينة او ت "تلك را ريه( اق یر 2 
بالألوان الرمادية - الشقة والدرج الحديدي» ورجال الشرطة» وموظفو المشرحة 
وهم يدفعون النقالة المدولبة الي تحمل كيس ابلثة المقفل. ظهر في الصورة أيضا 
حشد من الجيران الذين يصطفون على الرصيف وراء الأشرطة الي وضعها فريق 
مسرح المرية. بان الفضول الذي يشعرون به في الصورة المبرغلة. تعرفت على 
كلوديل واقفا بين الأشخاص الموجودين وراء الشريط الفاصل. رأيت ذراعه اليمى 
واقراعة ‏ ا يقد قنك أقرقة ا وظهرت قي إحدى الصور القريبة 
للضحية دائرة تظهر مارغريت أدكيبز. ذا وه الصصية أشعد خالا فى عله 
الصورة غير الواضحة تهاماء من الوجه الذي رأيته على طاولة التشريح. 

رأيت صوزة ای أظيرك EE E‏ 
كما ظهر صب صغير يرتدي سروالاً قصيراً وبلوزة إكسبو. ظهر في الصورة أيضاً 
رجحل ملتح ويضع نظارة ذات إطار سلكي معدن. وضع هذا الرجل يديه حول 
كتفي المرأة والصبي» وكأنه يفعل ذلك كي يحميهما. ظهر حزن الثلائة ودهشتهم 
من خلال الصورة» كما ظهرت التعابير نفسها على ملامح الذين وجحدوا أنفسهم 
وسط هذه الحريمة النكراء. اعتدت على رؤية هذا التعبير في سياق عملي. عرف 
التعليق عن الذين ظهروا في الصورة على أنهم والدةء وابن» وزوج الضحية الذي 
تزوحته مدنيا. 

شعرت بالاستياء لدى رؤيي للصورة الثالثة. كانت صورق أناء وهي الصورة 
ال النّقطت لي أثناء إحدى عمليات النبش. شاهدت هذه الصورة كثيراء وهي الي 
التقطت لي في العام 1992ء واحتفظت ما الصحف قي أرشيفاها. أكثرت الصحف 
من نبش هذه الصورة ونشرها. تعرف الصحف عي باعتباري 'عالة أنثروبولوجية 
أمب ركية ". 

"اللعنة!" 

حرّك بيردي ذيله وتطلع ساحطاً. لم أكترث. بدا أنتي لم أستطع أن أفي طويلاً 
بقسّمي في طرد الحرائم من ذه طيلة هذه العطلة. كان يدر بي أن أعرف أن 
القصة ستنشر في صحف اليوم. تجرّعت آخر رشفة من قهوت الباردة» وحاولت 
مهاتفة غابي. لا جواب. شعرت بالقلق» رغم إمكانية وجود مليون سبب لغياها 


109 


عن المنزل. توجهت إلى غرفة النوم من أجل ارتداء الثياب المنخصصة لممارسة 
رياضة تاي تشي. ينعقد الصف عادة في ليالي أيام الثلاثاء» لكنّ الأعضاء فضلوا 
عقد حلسة خاصة اليوم. لم أكن متأكدة من رغبيٍ بالذهاب» لكنّ المقالة الى 
قرأتاء والمكالمة الي لم تتم» حسما أمر الذهاب عندي. سيتحرر ذهب من التفكير 
في الأمور الي تشغله لمدة ساعة» أو ساعتين» على الأقل. 

أخطأت محدداً. فلم فلح تسعون دقيقة من حر كات مداعبة الطيرء والتلويح 
باليدين مثل الغيوم؛ والوخز في قعر البحرء في وضعي في مزاج يوم العطلة. ظل 
ذه مشغولا بحيث شعرت بقلق كبر فاضطررت إلى مغادرة الصف في وقت أبكر 
من المعتاد. 

فحت جهاز الراديو أثناء قيادت للسيارة متوجهة إلى منزلي» وصمّمتُ على 
توجيه أفكاري مثلما يوجّه الراعي قطيعه. ردت احتضان الأفكار اللطيفة واستبعاد 
الأفكار البشعة من أفكاري. وصمّمت على إنقاذ يوم عطلي. 

"... قتلت يومأمس في وقت ما حوالى الظهيرة. كانت شقيقة السيدة 
آدكييمزفي انتظارهاء لكنها لم تصل في الموعد. اكتشفت الحثة في ديجاردان 
7. لم يستطع رجحال الشرطة العثور على أي أدلة تشير إلى دخول المنزل 
بالقوة» وقالوا إنهم يظنون أن السيدة آدكيدنز قد تكون عرفت قاتلها". 

أدركت أنه يجدر بي تغيير امحطة. ولكني مخت بدلا من ذلك: لصوت 
المذيع أن يملا مسامعي. حرّك صوت المذيع الذكريات الكامنة في ذهينء فعاد 
شعوري بالإحباط ليطفو على السطح مدمرا بشكل فهائي عطلي الأسبوعية. 

"... لم تعلن نتائج التشريح بعد. تمشّط الشرطة الجهة الشرقية من 
مونتريال» وهي تقوم باستجواب كل شخخمص كان يعرف الضحية. إنها الجرعة 
السادسة والعشرين هذا العام في منطقة مدينة مونتريال. طلبت الشرطة من كل 
شخص بمتلك أي معلومات عن القاتل الاتصال بفرقة مكافحة الجريمة على 
الرقم 555-2052 ". 

م أستطع اتخاذ أي قرار صائب. غيرت وجهة سيري واتحهت نحو المختبرات. 
التيحفلت. دان الاد يما تكنات قان مالو ااك وض يعن عشريق 
دقيقة» وصمَّمت على إنحاز أمر ماء لكنني لم أكن متأكدة من طبيعة هذا الأمر. 


110 


حيِّم الهدوء على مبئى أمن كيبيك» وهدأت الضوضاء المعتادة نتيجة مغادرة 
جميع الموظفينء» في ما عدا القليلين الذين خانم الحظ. نظر إلي حراس المبئى ببعض 
الريية» لكنهم لم يقولوا شيئاً. لعلهم نظروا إلى تسريحة شعري الي كانت اليوم على 
شكل ذيل حصانء أو إلى الثياب الى ارتديتهاء أو لعلهم تأكدوا فى أن رورا 
العمل فار العطلة هي الي أتت بي إلى هذا المبئ. ولك لم آبه للسبب. 

وحدت جناحي 11ء و[18 مهحورين تماما. بدت المكاتب الفارغة 
والمحتبرات في حالة رقود» أو إعادة تنظيم بعد عطلة كاية أسبوع حارة. وحدت 
مكتي على الحالة الي تركته فيهاء فانتشرت الأقلام» وأقلام التأشير» على سطح 
طاولة مكتي. نظرت من حولي عندما جمعتها فرأيت التقارير الناقصةء والشرائح 
غير المفهرسة» بالإضافة إلى مشروع لم ينته عن درزات فكية. حدّقت بي بشرود 
محاجر العيون الفارغة للجمجمتين اللتين أعمل عليهما. 

لم أكن متأكدة من السبب الذي دفعي للتواحد قي هذا المكان. أو ماذا أردت 
أن أفغعصل. شعرت بالتوتر. فكرت بالدكتورة ليتتزء وهي الي دفعتي للاعتراف 
بإدماني على الشراب» وحثتي على مواجهة نفوري من بيقي. ساعدتي كلماتها على 
اتر كير على الصحب الذي يغلق. مشاطري. كانت تقول لى "مب :اذا تصرين 
دائما على أذ كل المسؤوليات على عاتقك؟ ألا يمكنك الوثوق بأحد؟" 

لعلها كانت على حقء ولعلئي كنت أحاول أن أهرب من شعوري بالذنب» وهو 
الشغور الذي يسيطر على عنتما اشر عن حل مشكلة عا ورعا كنت ان اة 
الكسل والشعور بعدم الأهلية اللذين يصاحبان عجري 17 أقنعت نفسي أن التحقيق 
بالحرائم ليس من مسؤوليي بالفعل» لأله يقع على عاتق رجال التحقيقات الحنائية» وأن 
مسؤوليي تتحصر عساعدقم عن طريق تقدم الدعم التقي الدقيق. وبحت نفسي 
لوجودي ف ذلك المكان» ولعلي جعت لأن أحدا لم يدع إلى مكان آخر. لا فائدة. 

انتهيت من جع أقلام الرصاص» واستطعت فهم المنطق الذي يقف وراء 
حججي» > لكني لم أستطع مع ذلك أن أهرب من شعوري بأني بحاحة إلى عمل 
شيء ما. لازمتئ هذه الفكرة مثلما يلازم حيوان قارض جزرة حصل عليها. ۾ 
أستطع التخحلص من الإحساس المزعج بأنني أفتقد عنصراً دقيقا» لكنه شديد الأهية 
بالنسبة إلى هذه القضاياء وبطريقة لم أفهمها بعد. شعرت بضرورة القيام بعمل ما. 

111 


تناولت مظروف ملف من الخزانة حيث أحتفظ بكل تقارير القضايا القدكة. 
تناولت برو ازن كدسة ااا الحديدة» ثم وضعت المظروفين إلى حانب 
ملف آدکینز. نظرت إلى الملفات الصفراء الثلاثة ا 
انثزعن من محيطهنٌ وذيحن بوحشية ريه ترولبيه. غاغنون. آدكينز. عاشت 
الختصانا:العاؤكه عا معد انبا لمن ی يمضه رك قات من کت ات 
الاجتماعية اللوات يعشن فيهاء ومن حيث صفاقنَ الجسدية» لكني لم أستطع 
استبعاد القناعة بأن اليد ذاتها قد ذيحت النساء الثلاث. لم ينظر كلوديل إا إلى 
الفروقات. لذاء بقي على أن أحد الرابط الذي يقنعه بتغيير رأيه. 

جنارلت ورف سار ورسمت عليها مخططاً أولياً. قسّمت الأعمدة إلى فئات 
اعتبرئها مهمة؛ العمر» العرق» لون الشعر وطوله» ون العينين» الطول» الوزن» 
الملابس الي ار اة ندا ر دف ی ر الوضع العائلي» اللغة» 
الفعة العرقية والدّين» ومكان ونوع السكن» مكان ونوع العمل» سبب الوفاة) 
تاريخ وزمان الوفاةء معالحة الحثة بعد الوفاة ومكان إيجاد الحثة. 

بدأتُ مع شانتال تروتييه» لكن سرعان ما تبيّن لي أن ملفا لن تحتوي 
المعلومات الي أحتاجها. احتجت للاطلاع على تقارير الشرطة بكاملهاء وصور 
مسارح اللمرعة. نظرت إلى ساعي الي أشار عقرباها إلى 1:45 من بعد الظهر. 
اهتمّت وحدة أهن كيبيك بقضية تروتييه» وهذا ما دفعي إلى اللزول إلى الطابق 
الأول. لم أكن متأكدة من وجود حركة كثيرة في غرفة فرقة مكافحة الجرعة» وهو 
الوضع الذي يساعدن على طلب ما أرية. ‏ ” 

كنت على حق. بدت تلك الغرفة الكبيرة فارغة تقريبأء وكانت الطاولات 
ال و ياد كلق اثلاثة وجاك فى ازيةتفيدة من الغرقة: 
جلس رحلان على طاولتين متجاورتين قبالة بعضهما من دون أن تفصل بينهما 
سوى كدسات من حافظات ملفات القضايا والمريد من القضايا. 

شاهدت رجلاً نحيفاً فارع الطول ذا حدّين أجوفين» أما لون شعره فيميل إلى 
الرمادي الغامق. جلس هذا الرحل على كرسيّه المائل إلى الخلف بينما مد رجليه 
ورفعهماء واضعاً قدماً فوق أخرى. يدعى الرجل آندرو رايان» ويتحدث بلهجة 
فرنسية ثقيلة لكنها هادئة تشبه تلك الي يتحدث فيها الناطقون باللغة الإنكليزية 

112 


عندما يتكلمون بالفرنسية» ويؤشر بقلم يلوّح به في المهواء. علق الرجل سترته على 
ظهر کرسیه» وقد تأرححت ذراعاها الفارغتان مع حر كات القلم. ذکرن هذا 
المشهد برحال الإطفاء في مر كزهم: فهم يستريحون لكنهم جاهزون للتحرك عند 
أقل إشارة. 

أما زميل رايان فراقبه عبر الطاولة» وأمال رأسه إلى حانب واحده فبدا مثل 
طائر كنار يراقب وجهاً ما حارج قفصه. كان الرجل قصيرا رمليعا بالعطتلاتت) مع 
أن انتفاحات منتصف العمر بدأت تظهر على جسمه. ظهرت على بشرة الرحل 
سمرةٌ تشبه تلك الي يكتسبها المرء في مركز مخصص فذه الغاية. بدا شعره الأسود 
الكثيف مسرّحاً وتمشطاً بعناية» وظهر مثل ممثل مبتدئ يقوم بتنفيذ شريط إعلاني. 
تولدت عندي قناعة بأنه سرّح شاربيه بعناية على أيد خبيرة. ظهرت أمامه على 
الطاولة لوحة حفر اسمه عليها: جان برتران. 

حلي الزيل القالف عن تحافة طاولة زرا سكا بالأصغاء إل اديت 
الدائرء وانشغل في تفحص شريطي حذائه الإيطالي الصنع. انخفضت معنوياتي 
وكأها هبطت في مصعد» ما إن رأيت وجهه. 

"... وكأفا وت في مرقدها". 

ضحك الرجال كل بدوره» وكأفم يضحكون عند سماعهم نكتة تعلق 
بالنساء. نظر كلوديل إلى ساعته. 

فكّرت في نفسي بأنئ أصبحت مذعورة. سيطرت على مشاعري. تنحنحت 
وبدأت بشق طريقي وسط متاهة الطاولات. التزم الرجال الثلائة بالصمت والتفتوا 
نحوي. ضحك رجلا التحرّي وفضاء بينما بقي كلوديل في مكانه. لم يبذل الرحل 
بخهودا ليخفي انزعاجه. لكنه تململ في مكانه وأحفض قدميه» ثم استأنف 
تفحصه لحذائه» ولم يتوقف إلا عندما نظر إلى ساعته. ْ 

مدّرايان يده باتجاهي» ثم تحوّل للحديث بالإنكليزية: "كيف حالك يا 
دكتورة برينان. هل زرت موظتك ورا 

شعرت بحاذبيته الشديدة: "لم أذهب إلى هناك منذ عدة أشهر". 

"قصدت أن أسألك إن كنت تأحذين مسدس 81-47 عندما تذهبين إلى 
هناك ؟" 


113 


"لا. إننا تحتفظ هذه المسدسات جاهزة في المزل". 

سبق لي أن تعودت على دعاباته المتعلقة بالعنف الأمي ركي . 

يحب بوتران التحدث عن الجنوب. سألئ: "هل جهزوا منازنهم بحمامات داحلية؟" 

أجحبت: "فقط في بعض الفنادق الكبيرة". 

بدا رايان المنزعج الوحيد من بين الرجال الثلاثة. 

كان حب تعد عند أن عمل رو راان ضف رجز ف سانا فق 
وحدة أمن كيبيك. ولد آندرو في نوفا سكوشيا من أبوين إيرلنديين. كان والداه 
طبيبين تلقيا تدريبهما في لندن» ووصلا إلى كندا وهما يتحدثان فقط بالإنكليزية» 
لغتهما الأم. أرادا أن يتخذ ولدها مهنة الطب. ووجد الوالدان أنهما مقيّدان 
بلغتهما الوحيدة» فأقسما أن يجعلا ولدهما يتكلم الفرنسية بطلاقة. 

بدا رايان يواجه صعوباته الدراسية أثناء سنته الأولى في سان فرانسيس 
خافييه. حضع ذلك الشاب لإغراءات حياة المغامرات» لذلك وجد نفسه غارقا 
بتناول الشراب» وتناول أنواع الحبوب الأخرى. وجد نفسه خارج الحرم الجامعي 
معظم الأوقات لأنه أصبح يفضّل حياة الليل بين مدمين العقاقير غير القانونية 
والشراب. امتلك هذا الشاب سجلا عند الشرطة امحلية» واستضافته غرف سجوفا 
الي فاحت فيها روائح القيء والشراب. وحد نفسه ذات مساء في مستشفى سان 
مارتا عندما أقدم أحد المدمنين على العقاقير غير القانونية على جرحه في رقبته» 
وكاد أن يشق شريانه السباني. 

مر رايان بمراحل تغيّر كلىّ وشامل. أعرف أنه ما زال متعلقاً بعالم الليل» لكنه 
غير جهة عمله. أفى ذلك الشاب دراساته الجامعية في علم الجريمة» ثم قدّم طلبا 
للانضمام إلى وحدة أمن كيبيك. قبل طلبه وحصل على وظيفة في هذه الوحدة 
حى ترقى ليُصبح ملازما أول في التحري. 

استفاد رايان كثيراً من تلك الفترة من حياته ا تاها ي اوا یعرف 
الرحل بأدبه في العادةء وبحديثه اللطيف» لكنه اش دين ايها بحدته في الشجار أحياناًء 
وأنه يستطيع التعامل مع احرمين بلغتهم الى يفهموفاء وأن يجاريهم في حيّلهم. م 
يسبق لي أن عملت معه» بل حصلت على كل هذه المعلومات عن طريق الإشاعات 
الرائجة في غرفة الفرقة» لكني لم أسمع تعليقات سلبية عن آندرو رايان. 


114 


5-3 


سألي: "ماذا تفعلين هنا في هذا اليوم؟" مد ذراعه الطويلة باتحاه النافذة. "كان 
بامكانك أن تخر حي وتستمتعي بالحفلة". 1 

استطعت أن أرى آثار الحرح الذي يتلوى من مستوى ياقة قميصه» وصعودا 
خاک عه ذا الك فيلا وملتيعا كل اف اليه الم 

"ني هنا بسبب الحياة الاجتماعية البائسة» كما أن لا أعرف ماذا أفعل 
عندما تكون المتاحر مقفلة". 

رفعت حصلات شعري الب انسدلت على جبهي. تذكرت أن أرتدي ثيابي 
الرياضية. شعرت بالرهبة قليلاً لأن الرجال يرتدون ثيايهم المتناسقة والمفصلة على 
قياسهم. بدا الثلاثة وكأنهم يقدمون إعلانا لصاح .G@‏ 

تقدم برتران من وراء طاولته باسطا يده. أومأ ثم ابتسم. صافحته. استمر 
كلوديل بعدم النظر إلي. إنئ أحتاجه هنا مثلما أحتاج إلى تأثير الخميرة. 

"إنين أتساءل عما إذا كنت أستطيع إلقاء نظرة على ملف من العام الماضي. 
أريد ملف شانتال تروتييه. قتلت هذه المرأة في شهر تشرين الأول من العام 1993. 
ووّجدت جئتها في سان جيروم". 

رفع برتران أصابعه كي يشير نحوي. 

"أحلء» أتذكر تلك القضية. إنها الفتاة الي رميت في مكب للنفايات. لم 
نقبض بعد على ذلك النذل الذي ارتكب هذه الجريعة". 

رأيت من طرف عي أن عي كلوديل توجهتا نحو رايان. لفتت هذه الحركة 
انتباهي رغم أا عفوية. شككت ف أن كلوديل موجود هنا جرد زيارة اجتماعية» 
لذلك كنت وائقة من أن الرحال تحدثوا عن حرعة الأمس. لا أعتقد ألهم ناقشوا 
قضيتي تروتييه وغاغنون. 

ابتسم رايان» لكن بتكلف: "بالتأكيد. تستطيعين الحصول على أي شيء 
تريدينه. أتعتقدين أن معلومات مهمة فاتتنا؟" 

مد يده كي يتناول علبة السجائرء وسحب واحدة. وضع السيجارة قي فمه» 
ثم قدّم العلبة لي. فهززت رأسي رافضة. 

قلت: "لاء لا. ليس الأمر كذلك. أعمل على قضيتين في مكتي. تذكرني 
القضيتان بقضية تروتييه. لست واثقة» في الواقع» من الأمور الي يجدر بي البحث 

115 


عنها. أود رؤية صور مسرح الجريمة؛ وربما التقرير الذي وضعته الشرطة عن 
الحادث" . 

نفث دخان سيجارته من إحدى زاويئي فمه: "أجل» أعرفت هذا الشعور". لو 
أنه علم أن القضايا الي أعمل عليها تخص كلوديل أيضاً لما تابع حديثه. '"'يكفي 
أخيانا أن يتبع المرء حدسه. ماذا تظنین أنه يوجد لديك؟" 

"تعتقد أن أحد المضطربين عقلياً هو المسؤول عن كل جريعة وقعت منذ جرعة 
كوك روبين". ٍ 

جاء صوت كلوديل قاطعاء ولاحظت أنه عاد ليركز نظره على رباطي 
حذائه. وأن فمه بالكاد تحرّك عندما تكلم. بدا لي أنه لا يحاول أن يخفي استهانته 
بي. أشحت ببصري و تحاهلته. 

ابتسم رايان في وجه كلوديل: "هون عليك يا لوك! اهدأء لا ضير من إلقاء 
نظرة ثانية. إننا لا نسعى لتسجيل أرقام قياسية للقبض على انجرم". 

أصدر كلوديل صوت استهجان وهر راع ونظر إلى ساعته بحدداً. 

سألي: "ماذا لديك؟" 

فتح الباب قبل ا من الإجابة» وما لبث شاربونيو أن اندفع من 
الغرفة بسرعة قياسية. ركض باتجاهنا وسط الطاولات» ملوحاً بورقة 0 بيده 
اليسرى. ١‏ 

قال: "نلنا منه. تعرفنا على ذلك النذل". حمر وجهه و و 

قال كلوديل: "حان الوقت للقبض عليه. دعنا نرى". توجه بالكلام إلى 
شاربونيو كما لو أنه يخاطب موظلها لتوصيل البضائع» وبدا أن نفاد صبره قد تغلب 
على أي ادعاء باللياقة. 

تغصضن حاحب شاربونيوء لكنه سل الورقة إلى كلوديل. اقترب الرحال 
الثلاثة من بعضهم بعضاًء فاقتربت رؤوسهم من بعضهاء وكأفم أفراد فريق رياضي 
واحد يتشاورون ويرسمون حطط اللعبة. أحذ شاربونيو يتحدث إلى الرجال الذين 
استداروا نحوه. 

"استخدم ذلك النذل بطاقتها المصرفية بعد أن قتلها بساعة واحدة. يظهر أنه 
م يكنف بمذا القدر من المتعةء لذلك أراد الحصول على المزيدء فقصد المتجر الذي 


116 


يقع في زاوية الشارع. صودف أن هذا المتجر لا يهتم بالناس الذين يشترون 
الحخلويات الرحيصة»ء لذلك وضع لمتجر كاميرات فيديو مصوبة نحو آلة النقد. 
استطعنا الحصول على صورة كوداك". 

أشار إلى نسخة الصورة. 

"إا رائعة» أليس كذلك؟ أحذقا إلى المنجر هذا الصباح» لكن الموظف 
الليلي لم يستطع معرفة اسم ذلك الرحل» لكنه يعتقد أن وجهه مألوف لديه. 
اقترح علينا أن نتحدث إلى الرحل الذي سيأق للعمل بعد التاسعة. يبدو أن 
رجلنا زبون دائم". 

قال برتران: "عجبا!" 

اكتفى رايان بالتحديق في الصورة» وانحن بقامته الطويلة والنحيلة فوق قامة 
زميله الأقصر منه. 

دقق كلوديل بالصورة ال حملها بيديه: "إذاً هذا هو السافل. دعونا ننال 
منه". 

"أود أن أذهب معكم". 

نسي الرحال أمر وحودي بينهم. فاستدار الرجال الأربعة نحوي» وبدا رجلا 
التحرّي في أمن كيبيك مستمتعين قليلاً. وكأهما شعرا بالفضول لما سيحدث بعد 
قليل. 

أصّر كلوديل وحده على التحدث بالفرنسية: "مستحيل". بدا التوتر على 
عضلات فكيه وباقي أحزاء وجهه. و م تبدُ على عينيه ابتسامة ما. 

هل بدأت المواجهة؟ 

بادلمُه الحديث بالفرنسية» لكني احترت كلمات بعناية: "حضرة العريف في 
التحري كلوديل. أعتقد أن ألاحظ نقاط تشابه مهمة تربط بين ضحايا عدة 
ج يحنت وإذا كانت استنتاحاتي صحيحة فذلك يعي 
احتمال وجود مضطرب عقلي» كما تسمّيه» ارتكب كل هذه الجرائم. يُحتمل أن 
أكون على صواب» ويحتمل أن أكون مخطئة. هل تريد فعلا أن تتحمل مسؤولية 
تجاهل هذه الاحتمالات» والمخاطرة بحياة المزيد من الضحايا البريعة؟" 

حافظت على تمذيي» لكنن لم أستسلم. شعرت» أنا الأحرى» ببعض القلق. 

117 


قال شاربونيو: "امع يا كلوديل. دعها تأن. سنكتفي بإحراء بعض 
المقابلات '. 

قال رايان: "هيا بنا. سننال من هذا الرجل سواء اصطحبتها معك أم لا". 

م يعلق كلوديل بشيء؛ بل تناول مفاتيحه» ودس الصورة في جيبه» ثم مر 
يجاني أثناء توجهه نحو الباب. 

قال شاربونيو: "دعونا نبدأ الحفلة". 

أبن حدس ان وما الخ سيطول. 


118 








لم يكن وصولنا إلى ذلك المكان بالمهمة السهلة. شقّ شاربونيو طريقه غربء لكن 
بصعوبة في شارع دي مايزونيف. حلست في المقعد الخلفي» > واكتفيت ا 
خلال زحاج نافذي» متجاهلة الخشخشة الصادرة عن حهاز الراديو. تصببت غرف 
نتيجة الرطوبة» وشاهدت تصاعد موجات الأبخرة من الأرصفة نتيجة تزايد الخرارة. 

انشغلت مونتريال بالتفاخر بحماستها الوطنية. فانتشرت صورة زهرة السوسن 
ففخن کف ع بن النواقة را وات ق ت هدم الزهرة اشا على 
الكنزاتء والقبعات» والسراويل القصيرة» كما ظهر رسمها على الوجوه» ولوّح 
الناس بالأعلام الى تحمل رسمهاء وظهرت أيضاً على لوحات الإعلانات. احتشد 
الناس المتعرّقون ابتداء من وسط المدينة شرقا حي شارع ماين» وسدّوا الشوارع 
متسببين بأزمة سير قي الشوارع» أي كما تفعل اللويحات في الشرايين. ملأ ألوف 
الحدابن الستوارع» ولافقوا E A‏ وجاك ب اللرنين الأزرق 
والأبيض. بدا أن المتظاهرين لا عتلکون خط سير معين) لكن ال عم ونا 
باتجحاه الشمال؛ أي باتحاه شيربروك والمعارض. سار المراهقون البانكي إلى جانب 
الأمهات والمشاة الآخرين. غادر المتظاهرون والعربات سان آربان عند الساعة 
الثانية من بعد الظهرء ثم استدار الموكب شرقاً على طول شارع شيربروك أي أنه 
كان يسير فوقنا في هذه اللحظة. 

استطعت أن أسمع الكثير من الضحكات» وبعض الأغان الي يطلقها الحشد 
بين حين وآحر» رغم صوت مكيّف المواء في السيارة. شاهدت أحد الأغبياء وهو 

119 


يدقع صديقته على جدار. لاحظت أن لون شعره بمائل لون الأسنان الي ث ركت من 
دون تنظسيفء أما شعره فكان أجعد من الأعلى» وأرسل على طوله فوق كتفيه. 
يت أيضاً بشرته البيضاء الى تميل إلى الشحوب قليلاً. ابتعدنا قبل أن يتلاشى 
مكلت ف وا ا که يتداخعل مع صدر امرأة عارية. 
حيكرت عا E‏ بحو ابا كنا ررضت E‏ ضعت صورة 
الفتاة داحل إطار إعلايّ لمعرض تامارا دي ليمبيكاء الذي يُقام في متحف الفنون 
الجميلة. وضع المعلنون عنواناً صارخاً هذه الصورة: امرأة حرة. إا مفارقة أحرى 
من مفارقات الحياة. شعرت بالارتياح لأن ذلك الأحمق لن بمضي ليلة هائعة؛ بل 
لعلها ستكون ليلته الأخيرة. 

التفت شاربونيو نحو كلوديل: "دعي ألقي نظرة على الصورة". 

سحبها كلوديل من جيبه. وأحذ شاربونيو يتفحصهاء وتنقل بنظره ما بين 
السيارات والصورة الي بين يديه. 

"ليس بذلك الرحل الضخم. أليس كذلك؟" لم يوجّه كلامه إلى شخص 

معين. ناوي الصورة من حلف مقعدي من دون أن ينطق بكلمة واحدة. ' 

حملت في يدي صورة بالأبيض والأسود. التتقطت الصورة من مكان عال إلى 

مين الترجل. يدت صورة غير :واضحة لرحل أشاح رھدا ور کر علق مهيلة 
إدحال وإخراج ب قة في آلة النقد الآلية. 

ل ناعم وشكل إطاراً فوق جبهته. بدت منطقة أعلى رأسه 
يلها تقريا اله ميض الضف الطويلة ا 
منه لإخفاء صلعه. إِنُا التسريحة الرجالية المفضلة عندي. تحمل هذه التسريحة معها 
جاذبية تمائل تلك الى تتمتع بها بذلة سباحة سبيدو. 

حجبت عينا الرجل بحاجبيه الكثيفين» وتوهجت أذناه مثل تويجات زهرة 
اا ل ساس ا اموس كمعن مط ران ا 
يرول عستي اا جت ا غ ال اهر ةن لهوو ووا ا 
اللصورة» أي تفاصيل أخرى. وحدت نفسي أوافق شاربونيو. لم يظهر أن 
الرجل ذو شأن. كان يمكن أن يكون أي شخص. أعدت الصورة إلى 
شاربونيو. 

120 


ُعتير الديبانيورات متاحر واسعة الانتشار في كيبيك. إذ يستطيع المرء إيجاد 
مثل هذه المتاحر في أنحاء المقاطعة؛ وق كل مكان مسقوف يغطي رفوفاً وثلاحات. 
تستمر هذه المتاحر بتقدتم مواد السمانة» ومشتقات الحليب» والشراب. تنتشر هذه 
المتاحر في كل الأحياء؛ ولذلك فهي تشكل شبكة تموين تؤمن احتياجات السكان 
المحليين والمارة. يستطيع المرء أن يعتمد على هذه المتاجر للحصول على الحليب» 
والسجائرء وشراب الشعير» وأنواع الشراب الفرنسي الرخيصء أما الأصناف 
الأعرى فتحددها الاحتياحات الخاصة بكل حي. لا تقدّم هذه المتاحر موقفا 
لسيارة» كما أنها تخلو من مظاهر الديكورات. وتمتلك المتاجر الأكبر آلات نقد 
مصرفية. إننا نقصد الآن أحد هذه المتاجر. 

سأل شاربونيو كلوديل: "هل نتوجّه إلى شارع بيرغر؟" 

"أحل. يقع هذا الشارع إلى الجنوب من شارع سان كاثرين. تستطيع سلوك 
شارع رينيه لافيسك حن شارع سان دومينيك؛ وابحه شالا بعد ذلك. يوجد 
الكثير من الطرقات ذات الاتحاه الواحد هناك". 

انعطف شاربونيو يساراً وبدأ بالاتجاه جنوباً. أظهر شاربونيو نفاد صبره» 
فضغط على دواسة الوقود أكثر ثما ضغط على دواسة الفرامل» وهو الأمر الذي 
تسبب بترنح سيارة الشيفي» مثلما تترنح مقاعد دولاب فيريس (الدولاب 
الدوار الكبير المستخدم في مدن ملاهي الأطفال). أصبت يما يشبه دوار البحرء 
لذلك ركزت انتباهي على حركة محلات الثياب» والمطاعم الصغيرة» إلى أن 
سرنا بمحاذاة مبان جامعة كيبيك القرميدية وال تنتشر على جانبي سان 
دينيز. 

"يا الله" 

"اللعنة!" قاها شاربونيو عندما اعترضته سيارة تويوتا ستايشن ذات لون 
أحضر داكن. 

دان على ال زامل قفارتت السيارة: "يها اللعين | انظروا إل هذا امروس 
الصغير". 

تحاهله كلوديلء ويبدو أنه تعوّد على طريقة زميله العصبية في القيادة. فرت 
في تناول حبوب دراهامين» لكني لم أقل شيعا 


121 


وصلنا أخيراً إلى شارع رينيه لافيسك ثم انعطفنا غرباً. اتحهنا شالا بعد ذلك 
كي ندحل شارع سان دومينيك. سرنا في انحاه معاكس في شارع سان كاثرين» 
فوحدت نفسي محدداً في شارع ماين, أي على بُعد أقل من مربع سكي واحد من 
أماكن تواحد الفتيات اللواقي تحاورهنٌ غابي. يعتبر بيرغر واا من المتاجر الصغيرة 
الي تحيط يجاني الشارع الذي يصل ما بين سان لوران وسان دينيز. ظهر هذا 
الشارع أمامنا مباشرة. 

وصل شاربونيو إلى الزاوية وتقدّم إلى المنعطف الذي يقع أمام متجر ديبانيور 
بيرغسر. ارتفعت لوحة وسخة فوق باب التجر كتب عليها شراب شعير وشراب 
فرئنسي. رایت بعض إعلانات مولسون ولابات الي تغطي النوافذ وقد اصفرّت 
وتقشّرت بفعل الشمس ومرور الأعوام. تراكمت صفوف من الذباب الميت فوق 
حواف الوافذ» واتنظمت. بناياها بحسب الفصول الين ماثت فيها: رايت شبكة 
حذيدية یی الجاع وجلس ران على كرسيين امام الاب 

قال شاربونيو بعد أن نظر إلى دفتر ملاحظاته: "يدعى الرحل هاليفي. أعتقد 
أنه ليس لديه الكثير ليقوله". 

قال كلوديل بعد أن أغلق ياب السيارة بشدة: "إنهم دائماً هكذاء لكنّ 
ذاكرته ستتحسن إذا جعلناه يتعرق قليلا". 

راقيّنا الرجلان المسنّان بصمت. 

رتت بجموعة من الأجراس النحاسية عند دحولنا المتجر. انتشرت ف المكان 
الححرارة» وروائح الغبار» والتوابل» والكرتون القدم. امتد صفان من الرفوف الي 
تتلاصق جهاتها الخلفية على طول المتجر» فشكلت بذلك ممرين في منتصف المتجر 
وعلى جانبيه. اصطفت بجموعة منوعة من أصناف المأكولات المعلبة القديمة على 
الرفوف الى كان الغبار يعلوها. 

راتت يرادا فان أقفى ا ري أوغية انراز والأظهمة اة 
والبازيلاء ابجففة» والطحين. ليرت يفنا مجموعة من الخضار الذابلة في أقصى 
البراد. وعد جه ارح حي ماقي لأنه لم يعد يعمل. 

ك انها اذاف غود الي كدان كسم اسه لخر اب الفرنسي 
وشراب الشعير. ظهر في الخلف صندوق مفتوح مليء بالمعلبات البلاستيكية التي 

122 


ُستخدم من أحل تبريد الحليب» والزيتون» وجبن الفيعا. رأيت إلى أقصى اليمين 
آلة النقد. بدا هذا المكان وكأنه لم يخضع للتجديد منذ أن وتيك ا 
للانضمام إلى الولايات الأميركية. 

تقع طاولة المكتب إلى يسار الباب الأمامي. جلس وراءها السيد هاليفي. 
الذي كان يتحدث منفعلا على الماتف الخلوي. واظب الرحل على تمرير يده على 
رأسه الأصلعء وهي حركة تعوّد عليها منذ أن كان شعره أغزر نما هو عليه الآن. 
ريت على صندوق النقد ورقة حاء فيها: ابتسم. الله يحبك. لم يتقيّد هاليفي 
بنصيحته الي يقدمها للآخرين. إذ ظهر وجهه أحمر اللون» جرّاء الغضب الشديد. 
تراحعت قلي واكتفيت بالمراقبة. 

وقف كلوديل أمام طاولة المكتب ماف وتنحنح. أبرز هاليفي راحة يده 
وأوماً برأسه» وكأنه يطلب منه الانتظار. أبرز كلوديل شارته وهر رأسنه. بدا 
هاليفي مضطرباً للحظة, ثم تحدّث قليلاً بكلمات هندية سريعة؛ وبعدها قطع 
الاتصال. بدت عيناه واسعتين من وراء نظارته» وتر کنا ما بين كلوديل 
وشاربونيو مرة بعد أخرى. 

قال: "نعم". 

قال شاربونيو بالإنكيزية: "هل أنت بيبين هاليفي؟" 

"أجل". 

وضع شاربونيو الصورة على طاولة المكتب: "لق نظرة على هذه الصورة. 
هل تعرف هذآ الرجإ ؟" 

غير هاليفي وضعية الورقة وانحجئ فوقهاء وأمسكت أصابعه المرتعشة بأطرافها. 
بدا الرجل عصبياًء وبذل جهداً كبيراً ليرضي الرحل الواقف أمامه» أو على الأقل 
كي يعطي الانطباع بأنه يتعاون. اعتاد العاملون في مثل هذه المتاحر على بيع 
السجائر المهربةء أو الأصناف الي تباع في السوق السوداءء ولذلك فقد اعتادوا 
على زيارات رجال الشرطة لهم يمثل ما اعتادوا على زيارات مراقي الضرائب. 

"لا يستطيع أي مض أن صر على الل من هذه الور ةل أخدت 
من شريط فيديو؟ أتى رجال كثيرون إلى هنا من قبل. ماذا يعمل الرحل؟" 

تحدّث الرجل بإيقاع أغاني شال الهند. 


123 


تجاهل شاربونيو أسئلة الرحل: "ألديك فكرة عمن يكون؟" 

هز هاليفي كتفيه: "أنا لا أطرح أسئلة على زبائيْ» وعدا ذلك فالصورة 
ليست واضحة» كما أن الرحل ينظر إلى البعيد". 

تحرك الرجل ف مقعده. بدا أنه يرتاح قليلاً بعد معرفته أنه ليس ليس الشخص 
المطلوب» وأن الأمر يتعلق بصور الفيديو الأمنية الي صادرقا الشرطة. 

سأل كلوديل: "هل يسكن الرجل في هذه المنطقة؟" 

"قلت لك لا أعرف". 

"هل تذكرك هذه الصورة بأي شخص يتردد إلى هنا؟" 

حدق هاليفي بالصورة يجددا. 

"رما . رعا نعم. لكن هذه الصورة غير واضحة. أتمئ أن أساعدكم. أنا 
رکا یکوت رجلا سق ل انرا" 

رمقه شاربونيو بنظرة قاسية» ورعا فكر بالأمر نفسه الذي فكّرت أنا فيه. هل 
اول هاليفي أن يرضي الشرطة» أم أنه فعلاً رأى شيئاً مألوفاً لديه في الصورة؟ 

من هو؟" 

"أنا... أنا لا أعرفه. إنه بحرد زبون". 

"ألديك فكرة عن عمل الرحل؟" 

بدا وجه هاليفي ال ا 

ازداد انزعاج كلوديل: "هل اعتاد الرحل على القدوم في الوقت یا من 
ككل يوم ؟ هل يأ من الاتحاه نفسه؟ هل ي يشتري الأصناف ذاتها؟ وهل يحمل وشاً 
م" 

"سبق أن أحصبرثك. أنا لا أطرح الأسئلة» ولا ألاحظ. إن أبيع أصنافي» 
وأتوجه إلى منزلي ليلاً. يبدو لي هذا الوحه مثل الوجوه الأخرى. إفهم يأتون 
ويذهبون". 

"مي يقفل هذا المتجر؟" 

"عند الثانية فجراً". 

"هل يني في الليل؟" 

"رعا" 


124 


انشغل شاربونيو بتدوين ملاحظاته على رزمة أوراق ذات غلاف جلدي. ۾ 
يكتب الكثير إلى الآن. 

"هل عملت البارحة في فترة ما بعد الظهر؟" 

أومأ هاليفي: "كان المكان با البارحة» لأنه اليوم الذي يسبق يوم العطلةء 
أليس كذلك؟ لعل الناس اعتقدت أني لن أفتح هذا اليوم". 

"هل رأيت هذا الرحل يدحلٍ المتجر ؟" 

تفحص هاليفي الصورة بجدداء ومرّر يديه الاثنتين على مؤخر رأسه. م أحذ 
حك شعره بنشاط. تأفف قليلاً ورفع يديه دلالة على العجز. 

دس شاربونيو الصورة بين أوراق دفتر ملاحظاته وأغلقه» ثم وضع بطاقته 


على طاولة المكتب. 
"إذا تذكرت أي شيء آحر يا سيد هاليفي اتصّل بنا. نشكرك على 
وقتك". 


"بالتأكيد. بالتأكيد". التمع وحهه للمرة الأولى منذ رؤيته للشارة. "سأتصل". 

قال كلوديل ما إن أصبحنا في الخارج: "بالتأكيد. بالتأكيد. سيتصل بنا ذلك 
الضفدع غند حصول معحرة". 

أحاب شاربونيو: "إنه يعمل في ذلك المتجرء لكن الرجل مغفل". 

عبرنا الشارع باتحاه السيارة. نظرت خلفي. رأيت الرحلين المستين في 
نكافي قرت الاب بدا الرجلان جز من الديكور الاك لكان وشل 
الكلاب الحجرية الي تحرس مدحل معبد بوذي. 

قلت لشاربونيو: "أعطي ال ا لدقيقة". 

فوجئ الرجل لكنه اا ها فتح كلوديل باب السيارة» فاندفع منها على 
الفور حبار امن يشبه ذلك الذي ينطلق دن عركة وض جدي در عياكرق 
الباب» ومد قدماً وضعها على هيكل السيارة» ثم راح يراقبيي. أخبرٌ شاربونيو شيعا 
عندما عبرت الشارع؛ لكني م أسمع لحسن الحظ. 

مشيت صوب الرحل العجوز الحالس إلى اليمين. كان يرتدي ا 6 
ار الوق ف ا وا سيك و حو علدا ف 
دوالي شرايينه الي تغزو ساقيه النحيلتين» فبدا وكأن جلده الأبيض غير السليم 

125 


يتشر فوق عُقَد من السباغيق. اتخذ فمه ذلك الشكل البائس بسبب لوه من 
الأسنان» وامتدت سيجارة متدلية للأسفل من إحدى زاويتي فمه. 

قلت له: "صباح افير" . 

"مرحباً". قالمها وانحئ إلى الأمام قليلاً كي يريح ظهره المتعرق بسبب التصاقه 
بالجلد الممزق للكرسي. إما أن يكون الرحل قد سمعنا تتحدثء وإما أنه لاحظ 


"يا لهذا اليوم الحا 
"مرت عاينا أيام أشد حرارة منه". تراقصت السيجارة في فمه أثناء كلامه. 
"هل تسک. ي مكان قريب من هنا؟" 


sS 

"أمكني أن أطرح عليك سؤالاً؟" 

د 

ناولته الصورة. 

"هل سبق لك أن رأيت هذا الرجحل؟" 

أمسك الصورة بيده اليسرى؛ وأبعدها عنه قدر طول ذراعه؛ ثم رفع يده 
اليمئ كي يحجب الشمس عنها. طفا دخان سيجارته فوق وحهه. تفخص الصورة 
لوقت طويل إلى درجة ظَننتُ معها أنه استغرق بالشرود. وراقبتُ هرة ذات لونين 
رمادي وأبيض ومرقطة بيقع حمراء تندسّ حلف مقعده لتعاود الطواف حول البناية, 
ثم احتفت عند زاويتها. 

وضع الرحل المسن الآخر يديه على ركبتيه» ثم فض مصدراً همهمة حافتة. 
كاك بشرته فائحة الوك ن ما مضى» لكنه بدا الآن وكأن نه وعشرين غاماً 
مضت على جلوسه على المقعد. عدّل الرحل وضعية مالي سرواله» وانتقل إلى 
تعديل حزام سرواله ثم اقترب منا. قرب حافة قبعته الميتز حى أصبحت 
بمستوى كتف رفيقه» ثم حدق بالصورة. ناولي الرجل ذو الساقين الهزيلتين 
الصورة أخيرا. 

"عق ول الررجل :ان تعرفه يق عه الصورة اي + 

بدا الرحل الآحر أكثر ثقة. 


126 


يعيش الرجل في مكان ما هناك" . قال وهو يشير بإصبع مصفرة باتحاه جم 
ب را طوابق مسقوفة بالقرميد» تكلم بنبرة مشددة 
استطعت فهمها بصعوبة. افتقد الرحل إلى الأسنان الطبيعيةء أو الصناعيةء وبدا أن 
ذقنه تقترب من حلّه عندما يتكلم. أشرت» عندما توقف عن الكلام» إلى الصورة 
ثم إلى المبيئ» فأومأ برأسه. 

سألته: "هل يتردد إلى هنا عادة؟" 

"أحل". أجابي افا حاحبيه وكتفيه» ثم مد شفته السفلى إلى الأمام» ورفع 
راحته مرةً إلى الأعلى ومرةٌ إلى الأسفل في إشارة تدل على عادة» أو نوعاً ما. 

هر العجوز الآخر رأسه؛ وشخر باستهجان. 

E‏ اا ا لس 
العجوز. نظر كلوديل إل كما لو أنه بنظر إلى زنبور يطن من حوله» أو كأن 
التعامز eA E‏ التقت عيناي بعينيه وكأني أتحدّاه أن 
يقول شيئا. عرف أنه كان يجدر به استجواب الرجلين. 

أدار شاربونيو ظهره وراح يركز على الرجلين من دون أن يعلق بشيء. 
اكتفيت أنا وكلوديل بالوقوف والإصغاء. جرى الحديث بسرعة إطلاق الرصاص» 
وج ا ا TT‏ الكلمات» لذلك لم أفهم إلا 
القليل من امحادثة. استطعت مع ذلك أن أفهم الخطوط العريضة بفضل الإشارات 
والإبماءات. قال ذو الحمّالتين إن الرحل يعيش في ذلك امجمع السكين» بينما عارضه 
الرجل ذو الساقين الهزيلتين. 

استدار شاربونيو بحدداً نحونا في النهاية» وم رأسه نحو السيارة» وأشار لي 
وكلوديل أن نتبعه. شعرت عند عبورنا الشارع بٌمجموعتين من العيون تنصبٌ على 
رقبى. 


127 





استند شاربونيو إلى سيارة الشيفي» وتناول سيجارة من علبته وأشعلها. بدا 
حسده متوتراً مثل مصيدة معدة للانطلاق. بقي هادتاً للحظة» وجهد في استيعاب ما 
قاله العجوز . تكلم أخيراً بف يبدو مثل خط مستقيب بينما تحركت شفتاه بصعوية. 

سأل: "ما رایکم؟ ر 

شعرت أن جدولاً صغيراً من العرق يتلوى تحت كنز وحن أسفل ظهري» 
لكنئ قلت متبرعة: "يبدو من كلامهما أنهما بمضيان الكثير من الوقت هنا". 

قال كلوديل: "قد يكونان رجلين يعرفان عما يتكلمان". 

على شاربونيو: "أو قد يكونان مغفليّن". تنفس بعمق ونفض سيجارته 
بإصبعه الوسطى. 

قال كلوديل: "م يكونا الشاهدين المثاليين عند التفاصيل". 

رد شاربونيو: "أجل» لكننا اتفقنا جميعا على أنه يصعب تذكر الرحل» كما 
أن الأنذال مثله لا يظهرون كثيراً بين الناس". 


2ے 1 


قلت: بدا اللحدّ الثاني وائقاً جدا". 

ال كلسودين مه "قد ل بعرت الشكوران غير اة ارا وك 
الدم. أظن أهما المكانين الوحيدين اللذين يعرفاهما". 

اا شاريوتيو اننا ر مه ا ی عا ونه مراف "قا 
يكون الرحل هناء وقد لا يكون. لا أريد من جهن أن أحمن بطريقة خخاطئة. أقترح 
أن نلقي نظرة» وأن نقبض عليه إذا وجدناه". 


128 


شهدت هزة أخرى من كتفي كلوديل: "حسنا. لكنن لست مستعدا كي 
أحرق أصابعي. سأتصل كي أطلب قوة مسائدة". 

غم بعينيه تحاهي» ثم نحو شاربونيو» ورفع حاجبيه. 

هر كلوديل رأسه» واستدار حول السيارة؛ ثم دخلها من الجانب الآخر. 
استطعت أن أراه من خلال الزحاج وهو يتناول جهاز اتصاله. 

التفت شاريونيو نحوي وقال: ا 2 ازا لذا حدت شيءع". 

ا ES E‏ باب 
السيارة. 

قال: "هيا بنا". 

دحلت إلى السيارة وحلست على المقعد الخلفي» بينما ركب التحريان في 
المقدمة. أدار شاربونيو محرّك السيارة وتحرّك ها في الشارع» والتفت كلوديل 
نحوي. 

"لا تلمسي أي شيء هناك. إن كان هو الشخص الذي نبحث عنه» فأنا لا 
أريد أن يفسد الأمر". 

جهدت كي أكبح السخرية من صوق: "سأحاول. إن من الجنس الذي 
يفتقد طرمونات التيستوستيرون» لذلك أجد سعرية بن عض" ا 
أشياء كهذه". 
كان سيغمض عينيه ويبتسم بتكلف في ما لو تواجد أشخاص يقدرٌونه. 

قاد شاربونيو السيارة حي الرصيف» وبدأنا جميعا في تأمل المبئ الذي ركنت 
السيارة قبالته. قبع هذا المبى وحيدا وسط أراض فارغة. نبت العشب فوق أكوام 
الحصى وقطع الإسمنت» والزحاحات المكسورة» والإطارات القديمة» وكل أنواع 
الأنقاض الي تتجمع في العادة في مساحات الأراضي المهجورة في المدن. رسم 
أحدهم رما جداريا على الحدار المواجه للأرض. ظهر رسم عنزة يتدلى من كل 
أذن من أذنيها سلاح آلي. حملت العنزة هيكلاً عظمياً بشرياً في فمها. شككت 
أن یکر الى شش هن قم عن هذا ا غير ان اللي ر 

129 


"لم يره ذلك الولد الكبير اليوم". قال شاربونيو ذلك وهو يقرع بأصابعه على 
عجلة القيادة. 

سأل كلوديل: "مي انطلقوا لمراقبة الحي؟" 

أحاب شاربونيو: "عند العاشرة". نظر إلى ساعته. وفعل كلوديل مثله. 
سيكون بافلوف فخوراً. إنما 3:10 من بعد الظهر. 

أضاف شاربونيو: "لعل الرحل يحب أن يتأخر بالنهوض» أو لعله تعب من 
حولته الميدانية البارحة". 

"أو لعله ليس هناك بالمرةء بينما يتهيأ هؤلاء المهووسين لأذية أنفسهم وهم 
يضحكون". 

"رعا". 

شاهدت بمجموعة من الفتيات يعبرن الأرض الخالية الى تحيط بالمبئ. شبكت 
الفقيات أيديهن» كما تفعل المراهقات» وارتدين سراويل قصيرة حملت رسومات 
العلم الكيبيكي. بدت المراهقات مثل صف من زهور السوسن يتمايل بتناسق تام 
من خلال الحشائش البرية. حدّلت كل صبية من الصبايا شعرها بضفائر و 
وملونة باللون الأزرق الفاتح. راقبت الفتيات عندما استغرقن بالضحك واللهو 
تحت حرارة فصل الصيف. تساءلت عن كيفية تمكن رحل بحنون واحد من إطفاء 
الروح المعنوية العالية الي تتمتع ها فتيات صغيرات مثلهن. استطعت السيطرة على 
نوبة الغضب الى احتاحتيٰ. هل يعقل أننا تواحدنا على بعد مسافة تقل عن عشر 
ياردات من ذلك الوحش؟ 

شاهدت خلفنا في تلك اللحظة دورية بالأزرق والأبيض وصلت هدوء. 
حرج شاربونيو وتحدّث مع الضباط» وعاد في أقل من دقيقة. 

قال لنا: "سيقومون بتغطية مؤحر السيارة". وأشار بعد ذلك إلى سيارة فرقة 
الشرطة. لاحظت ده قشر هذه المرة بعد أن احتفت السخرية منه. "هيا ينا ". 

بدأ كلوديل بالكلام ما إن فتحت الباب» مم غيّر رأيه» وسار نحو الشقة. 
لحقت بشاربونيو. لاحظت أنه فك أزرار سترته» وأن ذراعه اليمئ متوترة ومنحنية 
قليلاً. شعرت بحالة حذر عفوية» لكني لم أستطع إدراك سبب حذري؟ ورحت 
أتساءل عن السبت: 


1030 


بدا المبئ القرميدي واقفاً وحده بعد أن غادر جميع الحيران منذ مدة بعيدة. 
تراكمت النفايات فوق مساحات الأراضي الحاورةء وتنائرت قطع كبيرة من 
الإمنت بشكل عشوائي» وبدت مثل أحجار بقيت بعد انحسار الحليد» بينما امتد 
سياج من الحلقات الحديدية المتداعية والصدئة على طول الحهة الحنوبية. لاحظت 
انال اج الال ّ 

وقفت ثلاثة أبواب قديمة بيضاء اللون جنياً إلى حنب. وكانت جميعها تنفتح 
على شارع بيرغر. امتدت أمام هذه الأبواب مساحة من الإسفلت حن الرصيف. 

طُليَّ الرصيف ذات مرة باللون الأحمرء لكنه اتخذ الآن لون الدم الحاف. 

عُلقت على نافذة الباب الثالث لوحة صدئة» فشكلت زاوية مع الستارة 
المرركشة والمتداعية الى زالت عنها ألواما الأصلية. تمَكّنتُ» بالكاد» من قراءة ما 
كتب على هذه اللوحة من خلال الزحاج الوسخ غرف للإيجار 1#. وضع 
ا لاب ع ل من الزرّين الموحودين 
قرب إطار الباب. لا جواب. ضغط مرة أخرى» وانتظر برهة قبل أن يطرق على 
الباب. 

"اللعنة!" صاح صوت في أذ مباشرة» وقد أحفلتئي هذه الشتيمة الكيبيكية 
البى حعلت قلي يقفز من مكانه. 

استدرت ناحية الصوت الذي انطلق من نافذة في الطابق الأول» وال لا تبعد 
ع أكثر من عشرين سنتمترا إلى يساري. ايك ا ا ن الستارة» 
مظهراً الانزعاج الشديد. 

"ماذا تظنون أنكم تفعلون؟ ستكسرون الباب» وستدفعون ثمنه". 

تحاهل كلوديل ما قاله ذلك المغفل: "الشرطة". 

0 أثبتوا لي أنكم من الشرطة". 

قرب كلوديل شارته من ستارة النافذة» فانحئ الوجه أكثر إلى الأمام» فتبين 
لي أنه وجه امرأة. كان وجهاً متورداً» ودميماًء يحيطه وشاحٌ شفافٌ معقودٌ بعناية 
كبيرة من جهة أعلى رأسها. اتجهت فايات الوشاح إلى الأعلى» وتطايرت مثل 
منسوجة حريرية. حمل وجه هذه المرأة شبهاً ملحوظاً مع وجه العنزة» ما عدا 
ا عن اا رین وارد إضانياً. 


131 


"ماذا تريدون؟" تطايرت أطراف الوشاح في المواء عندما راحت المرأة تنقل 
أنظارها ما بين كلوديل وشاربونيو وبيئ. قررت المرأة أن الأقل تهديداً لها من 
بينهم فأشارت نحوي. 1 

قلت: "نود أن نطرح عليك عدة أسئلة". شعرت على الفور بأني أقلد صوت 
جاك ويب. بدت الحملة مستهلكة بالفرنسية» مثلما كانت ستبدو بالإنكليزية» 
لكنئ على الأقل امتنعت عن إضافة كلمة مدام في هايتها. 

"هل ستسألونئ عن جان مارك؟" 

رحست أتساءل عمن يكون جان مارك هذا: "لا أعتقد أنه من المناسب أن 
نتكلم في الشارع' 

هجر ارده على وا م ان سمعنا بعد لحظات أصوات الأقفال أثناء 
انفستاحهاء ثم فُستح الباب ورأينا امرأة ضخمة ترتدي فستان عمل منزلياً أصفر 
اللون من البوليسستر. لاحظنا أن العرق يغطي منطقتي أسفل إبطيها وجذعهاء 
واستطعت أن أرى العرق اللمتزج بالأوساخ في ثنايا عنقها. فتحت المرأة الباب لناء 
ثم استدارت ونمادت نزولا نحو قاعة ضيقة واختفت من خلال باب موجود إلى 
اليسار. تبعناها ولخدا بف اكور رتفي كلوديل فى اليه يبنا يشان 
الخلف. فاحت رائحة الملفوف والشحوم القديمة في المكان» وبلغت درحة الحرارة 
في الداحل نحو حخمسة وتسعين درجة فهرفايت. 

ملأت المكان رائحة فضلات افررة الكريهة؛ واكتظت شقتها الصغيرة بأنواع 
المفروشات الثقيلة والداكنة الى راحت في العشرينيات والثلاثينيات. شككت في أن 
يكون قماش المفروشات قد بقي كما كان في الأصل. ظهر مر من الفينيل الشفاف 
اكرول سه عق اليد بلجل ان Ea‏ سيدا ونا لميحادة 
قاوسية أعلية: 1 حدق المكان شيعا مرنيا . 

مشت المرأة بتثاقل نحو مقعد إلى جانب النافذة» تتكدس فيه بعض 
الأغراض» فجلست عليه بتثاقل. ريه إل قينا عاد له حديدية مخصصة 
للتلفزيون» فتمايلت مع الهزة علبة بيبسي دايت. حلست ونظرت بعصبية من 
حلال النافذة. تساءلت ما إذا كانت تنتظر أحداء أو أا لا تحب أن يقطع عليها 
أحد مراقبتها للشارع. 

132 


ناولتها الصورة. نظرت إليهاء وأحذت عيناها شكل يرقة تنقب ما بين جفنيها 
المكتنزين. رفعت بصرها نحونا وأدركت - وإن متأخرة م بأنها وضعت نفسها 
في موقع لا حسد عليه. استفدنا من وضعنا لأننا كنا واقفين. نظرت نحونا ونقلت 
بصرها من شخص إلى آخر. وبدا أن مزاحها قد بدأ يتنقل ما بين العدواني 
والحذر. 

بدأ كلوديل: "أنت.. ؟ 

"ماري إيف روشون. ل كل هذه الملية؟ هل يعان جان مارك من مشكلة؟" 

"هل أنت حارسة المبئ؟" 

أجابت* 2 أجمع الإيحار لصاح مالك المبى". 

تح ركت في مقعدهاء رغم ضيق المحال فيه. كان احتجاجها ظاهرا. 

أشار كلوديل إلى الصورة: "أتعرفينه؟" 

ع« ولا أعرفه. إنه يسكن هناء لكنن لا أعرفه". 

مدت ذراعها فتمايلت كتل اللحم» وبدت مثل التابيوكا: "الشقة رقم 6» 
المدحل الأول في الطابق الأرضي". ش 

"ما امىه؟" 

فكّرت قليلاء وعبشت بشرود بطرف وشاحها. راقبت نقطة عرق تصل إلى 
آحر مداهاء فتفككت وانسابت عبر وجهها. "سان جاك. إِمُم لا E‏ 
أسماءهم الحقيقية بالطبع". 

دن شاربونيو بتدوين الملاحظات. 

"منذ مى يسكن هنا؟" 

"رعا منذ عام. مضت مدة طويلة على قدومه» كما أن معظم المقيمين هم من 
المتشردين. إن لا أراهم كثيراً. أعتقد أنهم يأتون ويذهبون. إن لا أعيرهم الكثير 
من الانتباه". أغمضت عينيهاء وزمّت شفتيها بسبب كذبتها. "إن لا أطرح الكثير 
من الأسعلة". 

"أتعرفين أحدا بإمكانه التعريف عنه؟" 

زفرت الهواء بصوت مسموع» وهرّت رأسها ببطء. 

133 


امرون ایا 

"قلت لك. لا أراه كثيرا". صمتت لبرهة. وهي تمرك شاها باتحاه اليمين بسبب 
تلاعبها به فابتعدت أذناها عن وسط رأسها. "يبدو أنه يقضي معظم أوقاته وحيداً". 

نظر شاربونيو حوله: "هل كل الشقق مُثل هذه؟" 

"شق هي الأكبر". زمّت زاويئي فمهاء وتحرّك ذقنها بشكل غير ملحوظ. 
وحدت المرأة وقاً للكبرياء حى في الظروف الضاغطة. " تبدو الشقق الأحرى 
محطمة» وها لسن اغا تحتوي سخانات وحمامات". 

"هل هو هنا الآن؟" 

هرّت المرأة كتفيها 

أغلق شاربونيو دفتر ملاحظاته: "يتعيّن علينا أن نتحدث معه. هيا بنا". 

بدت مندهشة. "أنا؟" 

الضيل أن لطس ول ا 

انت قليلاً إلى الأمام ثم مسّدت ساقيها بيديها. اتسعت عيناهاء وبدا أن 
أنفها يتمدد. "لا أستطيع أن أفعل ذلك. سيُعتير هذا خخرقاً للخصوصية. تحتاحون 
إلى أمر تفتيش» أو إلى شيء من هذا القبيل". 

رمقها شاربونيو بنظرة قاسية» لكنه لم ينطق بشيء. تنهد کلودیل بصوت 
عال» وكأنه ضجر من الحديث وحاب أمله فيه. شاهدت و مرا اننا 
الكثفة ينزل من علبة البييسي ويلتحق بالحلقة الموجودة في أسفلها. لم يتحرك 
أحد من الحاضرين 3 ينطق بكلمة. 

ا عستا لها وکو ان 

تح ركت من جانب إلى حانب» ثم اندفعت مسار مائل إلى الأمام» مثلما يفعل 
قارب ان عدبا ويه راع لمسافات قصيرة تطابر فستافا ارق إل 
الأعلى» فكشف مساحات كبيرة من لحمها ال . وضعت يديها الاثنتين على 
طرف الكرسي عندما حرّكت مر كز الحاذبية عندهاء فرفعت جسمها عند ذلك. 

مقت کي ظاولة مرجروة ق العارزقت الع .مون العرفة: سف و جا ورات 
معرب E‏ م عض وقت طويل قبل أن تحمل مفتاحا اا وجي لاقت 
ناولته إلى شاربونيو بعد أن تأكدت من أنه المفتاح المطلوب. 


134 


اتك الك أبتها الشيدة: إننا مسرورون لأننا ستتفحص الشقق بحثا عن أي 
شيء غير قانوني فيها". 

غلبها الفضول عندما تميأنا للمغادرة. "مهلا. ماذا فعل هذا الرجل؟" 

قال كلوديل: "سنعيد لك المفتاح عندما نغادر". غادرناء وبحدداً تركنا عينين 
م ركزتين على ظهورنا. 

وحدنا أن الممر ا موجود في المدحل الأول بمائل الممر الذي تركناه لتونا. 
شاهدنا أبواباً مفتوحة على جانبي الممرء أما في الخلف فلاحظنا E‏ شديد 
الانغدار يؤدي إلى الطابق العلوي. وجدنا أن الشقة رقم 6 هي الأولى إلى اليسار. 
حيم الصمت الخانق والهدوء المخيف على المكان. 

زفقت شازبوتيو إل اليسان آنا كلوكيل واناخرقهنا إل انميت خبطت أن 
سترئي الرحلين واسعتان على أكتافهماء لكن كلوديل وضع راحة كفه على 
مقبض مسدس من عيار 357. دق الباب. لا حواب. دق الباب للمرة الثانية» لكن 
النتيجة بقيت هي ذاتا. 

تبادل رجلا التحري النظرات. أومأ كلوديل وزمٌ شفتيه بشدة؛ ثم مد رأسه 
إلى الأمام أكثقر. أدخل شاربونيو المفتاح في القفل ثم فتح الباب. انتظرنا جميعاء 
وجمدنا في مكانناء واكتفينا مشاهدة ذرات الغبار وهى تعود إلى مكاها. 

"سان اا" 

لا شيء إلا الصمت. 

!سيق سان حجحالك؟" 

لا شيء إلا الصمت محددا. 

رفع شاربونيو راحة يده نحوي. انتظرت أثناء دحول رحلي التحري» ثم 
تبعتهما. تسارعت ضربات قلي في صدري. 

لم تحتو الغرفة إلا القليل من قطع الأثاث. شاهدت في أقصى زاوية اليسار 
ستارة زهرية اللون معلقة بحلقات صدئة تتدلى من قضيب شبه دائري. أفسحت 
هذه الستارة احال من أحل إنشاء حمام مؤقت. استطعت أن أرى تحت الستارة 
قاعدة خرانة وبجموعة من الأنابيب رما تكون موصولة مع مغسلة. بدت الأنابيب 
صدئة حدا وحملت على أسطحها صيغة ما من مستعمرة ناعمةء حضراءء تعج 


135 


تة هدت إل عن الستارة طاولة طويلة ذات سطح مصنوع من الفورميكا 
قرب الحدار الخلفي. اشتملت هذه الطاولة على سححّانة» وعدة أكواب بلاستيكية» 
ومجموعة غير متناسقة من الأطباق والصحون. 

+ امستد على طول الستارة سريرٌ غير مرتب على طول الحدار الأيسر. لاحظت أن 
طاو لذ ی مزه ألواح الخشب المعاكس قد وضعت على طول الحدار الأعن. صنعت 
قاعسدة هذه الطاولة من ألواح خشبية سميكة يُستخدم للنشرء وبدا واضحاً على كل 
لوح خحتم مدينة مونتريال. وُضعت رزمات من الكتب والأوراق فوق سطح الطاولة. 

غطت الخرائط والصور ومقالات الجرائد مساحة الحائط فوق الطاولة. 
شكلت هذه امجموعة مساحة متنوعة من الملصقات امتدت على طول الطاولة. 
رأيت تحتها كرسيا معدنيا مطويا. لاحظت أن النافذة الوحيدة الموحودة في الغرفة 
تقع إلى بين الباب» وتتماثل مع النافذة الى أطلت منها مدام روشون. تدلى 
مصباحان كهربائيان من السقف. 

قال شاربونيو: "يا للمكان الرائع!" 

"أحل. إنه آية من الجمال أستطيع وضعها إلى حانب الهيربيس» وشعر برت 
راينولدس المستعار". 9 

تحرّك كلوديل نحو الحمّام. ثم تناول قلما من جیبه» ثم حذب الستارة بحذر. 

"أعتقد أنه يجدر بوزارة الدفاع أن تأحذ بعض العيّنات» لأن هذه الستارة قد 
تحتوي موادا يُستخدم في الحرب البيولوجية". ترك الستارة ثم تقدّم نحو الطاولة. 
ا هنا" . 

ركيت أتأمل الآ وان المطبحية الي وضعت على سطح طاولة الفورميكا. 
رأئت کوبي |اكسبو يستخدمان اراي الشعير» ل قدا يحتو ي أشياء تشبه 
السباغيقي. رأيت كمية من اجن مغمسة بالمادة الموحودة في وعاء المتزف الصين 
الأزرق. رایت د بالإضافة إلى عدة رزم من البسكويت 

E E‏ 5 السحانة. ا فحولت دمي إلى كتلة من الخليد. 

136 


"إنه هنا!" 

احترقت كلمات المواء في اللحظة ذاتها الي انفتح فيها الباب الموحود في 
الزاوية اليمئ من الغرفة. صدم الباب كلوديل فأفقده توازنه» والتصقت ذراعه 
اليمئء وكتفه الأمن, بالجدار. اندفع شخص ما عبر الغرفة وانحئ» ثم دفع رجليه 
باتحاه الباب الأمامي المفتوح. معت كفسه في حنجرته. 

رفع هذا الحارب رأسه بعد اندفاعه المتهور عبر الغرفة. التقت عينان داكنتان 
بعييّ» وحدّقتا بي من تحت حافة قبعته ذات اللون البرتقالي. شاهدت في تلك 
اللحظة القصيرة نظرة حيوان مرتعب أكثر من أي شيء آخر. واختفى الرحل بعثل 
السرعة الى ظهر فيها. 

استعاد كلوديل توازنه» وفتح مسدسه. ثم انطلق عبر الباب» واندفع شاربونيو 
وراءه. انضممت إلى المطاردة من دون أن أتردد. 


137 





كاد ضوء الشمس يعميي عندما اندفعت إلى الشارع. تطلعت صوب بيرغر 
في محاولة مين لإيجاد شاربونيو وكلوديل. انتهت المسيرة» فبدأت الحشود تتسلل 
من شيربروك. رأيت كلوديل وهو يشق طريقه عبر الحشد. رايت وجهه الأحمر 
المتوتر عندما كان يحث الناس ا على اشاح حال لبور أمامه. سار 
شاربونيو وفعاي ومد ذراعه ممسكاً شارته في قبضته مستخدماً إياها كأداة 
ليشق طريقه إلى الأمام. 

استمر الحشد بالمسير غير عابئ .ا يجري. رأيت فتاة شقراء غزيرة الشعر 
تعلوى فوق كتفي صديقها وقد أرجعت رأسها إلى الوراء؛ ورفعت ذراعيها ملوحة 
0 أت أيضاً EE‏ فوق عمود 


5 مادا المتافات ا 

امحرفت نحو مكان حال وتسلقت كتلة إسمنتية» ثم وقفت على أطراف 
أصابع قدمي كي أستطيع إلقاء نظرة عامة على الحشد. لم أستطع تحديد مكان 
سان جاك هذا على افتراض أن هذا هو اسمه الحقيقي. مع الرحل هميزة تواحده 
في مكان سكنه. لذلك استخدم حغرافية المكان من أحل الإبقاء على أبعد 
مسافة بينه وبيننا. 

كيك عن روي اوه قراف قزر لكايه وق يجسنية ل ما بطي 
إلى المطاردة. طلب الرحل تعزيزات إضافية» لكني شككت في أن تتمكن سيارة 

138 


جيب كروزر من اختراق الحشود. اندفع الرحل وزميله باتحاه بيرغر وسان 
كاثرين» وشرعات ما أصبحا وراء كلوديل وشاربونيو. 

اكتشفت فجأة مكان وجود صاحب قبعة كرة القاعدة البرتقالية اللون. رأيته 
أمام شاربونيو الذي انعطف شرقاً نحو شارع سان كاثرين» لكنه عجر عن رؤيته 
بسبب كثفة البشر لمتواحدين. رأيت سان جاك يتجه غرباء لكنه احتفى في 
اللحظة الي رأينّه فيها. لرّحَتُ بذراعيّ كي ألفت الانتباه» لكنيي لم أفلح. تاه 
كلوديل عن نظري» كما أن رحلي الدورية لم يستطيعا رؤيي. 

قفزت,؛ من دون تفكير» من فوق الكتلة الإسمنتية الي كنت أقف عليها 
فأصبحت بين الحشد. فاحت روائح العَرّق» والمستحضرات الخاصة بالسمرة» 
وشراب الشعير الفاسد» من الأجساد المنتشرة من حولي» وامتزحت هذه الروائح 
كي تؤلف سحابة من الدحان الضبابي البشري. انحنيت وشققت طريقي من خلال 
الناس مستخدمة لطافة أقل من المحتادء وذلك في محاولة مني للوصول إلى سان 
جاك. مأ كن أحمل شارة الشرطة كي تقدم عذراً لخشوني» وهكذا حرصت على 
أن لا تلتقي عيناي بعيتي أحد أثناء تقدمي. لعا عمط اا ای هذا برو 
طيبة» بینما توقف آخرون كي يكيلوا سيلاً من الشتائم لي» لکن معظمهم كانوا 
يعانون من حساسية تجاه الجنس الآخر. 

حاولت أن أرى قبعة سان جاك البرتقالية اللون من بين مئات الرؤوس الي 
تحيط بي» لكن هذا كان أقرب إلى المستحيل. توحهت نحو النقطة الي رأيته فيها في 
البداية» وشققت طريقي من خلال الأحساد البشرية مثل كاسحة جليد تشق 
طريقها عبر فر سان لوران. 

كدت أنحح. أمسكين أحدهم من الخلف عندما اقتربت من سان كائرين. 
وأمسكتي يد بحجم مضرب كرة المضربء والتقت حول عنقي» وشعرت أن قوة 
تحذب حديلة شعري إلى الأسفل. اندفع ذقيٰ نحو الأعلى» وسرعان ما شعرت» أو 
معت قرقعة في عنقي . جي البذ إلى لكلف وای على در عامل با 
شعرت بحرارة جسده ورائحة عرقه التي بللت شعري وظهري. اقترب وجه من 
أذي» وسرعان ما وحدت نفسي غارقة برائحة الشراب الفرنسي الفاسد» ورائحة 
دحان السجائر» ورائحة رقاقات البطاطا الفاسدة. 


139 


"أنت» من تلاحقين؟" 
0 ك شعري ورقبي. وضع يديه على ظهري وما لبث أن دفعيٰ بعنف. اندفع 
سبج سي الأببامرمثل قاذف يجين دفعتي قوة هذه الحركة نحو امرأة ترتدي 
00 وتنتعل حذاءً ذا كعب عال رفيع. صرحت المرأة» فتفرّق الناس قليلاً 
لو رفعت يدي في محاولة مني كي أستعيد توازي» لكنئ تأحرت. فسقطت 
نزولاً واصطدمت بركبة أحدهم. 

ترحلقت عندما اصطدمت بالرصيف فخدشت خدي وحبهي» ثم وضعت 
ذراعيّ فوق رأسي في حركة عفوية لحماية نفسي. ضح الدم في أذي» واستطعت 
أن أشعر بسطح الحصى الذي يضغط على حي الأعن» وأدركت أن قسما من 
لكنّ حذاء ضغط بقوة على أصابعي: فكادت أن تُطحن. لم أستطع رؤية أي شيء 
غير ركبيء وساقي» وقدمي» بينما كانت الحشود تمر من فوقي» ويبدو أنهم لم 
يرون إلا حين كانوا يدوسون من فوقي. 

استدرت على جني» وحاولت محددا أن أستند على يدي وركبي. منعتئي 
الضربات غير المقصودة من الأقدام والسيقان من الوقوف. لم يتوقف أحدٌ كي 
يحمي أو يساعدن على الوقوف. ١‏ 

معت صوتا غاضباء لكنيي شعرت أن كثافة الحشد قد حفت قليلا. وحدت 
من حولي مساحة فراغ. وبرزت راحة يد فرق وجهي» وتحركت أصابعها بيأس. 
أم سكت ا يك لطي سل لم أصدّق أن وقفت محدداً كي أواجه 
ضوء الشمس والأ و كسجين. 

نظرت لأرى كلوديل. أفسح لي محال الوقوف على قدمي بصعوبة وسط الحشد 
مجنم ذراعه الأحرى. رأيت شفتيه تتح رکان» لكني م أفهم ما قاله. بدا 
مسزعجاً كالعادة» لكنه. مع ذلك» لم يظهر .مغل هذه الطيبة من قبل. ای كلامه 
وتوقف قليلاء ثم راح يحدّق بي. راح يتفحص جرح ركبي اليمئ» والخدوش الي 
انتشرت على مرفقي. رست عيناه على حي الأيمن الذي ملأته الخدوش والذي أحذ 
ينزفه بالإضافة إلى الورم الذي بدأ يظهر في منطقة عييئ اليمئ. 

140 


ترك يدي ليتناول منديلاً ورقياً من جيبه» ثم أشار إلى وجهي. مددت يدي» 
فلاحظت أنا ترتعش. مسحت الدماء وبقايا الحصى عنهاء وطويتها كي أحصل 
على جهة نظيفة منهاء ثم وضعت المنديل على خحذي. 

نئ كلوديل وصرخ بأذن: "ابق معي!" 

امات 

شق طريقة تمق اة الغريية شن ارقن يت فت كدافة ال مه 
وأنا أحرحر ساقي المتعبتين. استدار» وبدأ يشق طريقه باتحاه السيارة. تقدمت نحوه 
وأمسكت بذراعه. توقف ونظر إلي متسائلاً. هززت رأسي بقوة فتغيّر شكل 
حاجبيه من شكل ۷ حاد إلى ما يشبه ستان لوريل. 

أشرت في الاتجحاه المعاكس وصرحت به: "إنه موجود هناك. رأيتّه بنفسي". 

مر رجل يرتدي زيّ تويدلدي بقربي. انشغل الرحل بتناول المتلجات» بينما 
تساقطت القطرات الذائبة» فارتسم حط أحمر على طول منطقة وسطه. بدا هذا 
الخط وكأنه ملوّث بالدماء. 

رسم حاجبا كلوديل شكل الحرف ۷: "ستتوجهين إلى السيارة". 

ظننت أنه لم يسمعيئ» فكررت قولي: "رأيئه في سان كائرين. كان حارج 
كهربائيات لافونتين! اتحه الرحل نحو سان لوران!" بدا صوي هستيرياء حى 
بالنسبة إلي. 

انتبة الآن» وتردد قليلاً عندما راح يتفحص الضرر الذي حق عندّي وأطراف. 

"هل أنت بخير؟" 
"أجل". ١‏ 

"هل ستتوجهين إلى السيارة؟" 

"أحل!" استدار لين صرف. "انتظر". رفعت ساقي المرتحفتين» الواحدة بعد 
الأحرى» فوق سلك معدن صدئ يرتفع إلى مستوى ما فوق ال ركبةء ويحيط بمساحة 
الأرض. انتقلت إلى كتلة إسمنتية أحرى ووقفت فوقها. رحت أتفحص بحر الرؤوس 
الذي يحيط بي» وبحشت عن صاحب قبعة كرة القاعدة البرتقالية اللون. لم أعثر عليه. 
راقبي كلوديل بنفاد صبر أثناء بحثي بين الحشود» وراح ينقل بصره ما بيت وبين 
التقاطع» ثم عاد كي ينظر باتحاهي. ذكرني يكلب مزلحة ينتظر إشارة الانطلاق. 


141 


"اذهب. سأتابع الببحث عله" 

عاد ليشق طريقه بين الجموع وسلك الاتحاه الذي حدّدته له. كان الحشد 
أمام سان كاثرين كنيفاً. مضت دقائق قليلة قبل أن يختفي رأسه بين بقية الرؤوس. 
قدا قل غ لكنه ل يعدا إل رد مةن رة 

تابغت البحث جن تسن نظرق بدت كيرا لکن من دوت بعذوق» کی 
أستطيع تحديد مكان شاربونيوء أو سان جاك. رأيت سيارة دورية للشرطة وهي 
تحاول الدعول بين الحشد المتجمع خلف سان آربان» ورأيت واا الحمراء 
والزرقاء تلمع من بعيد. تماهل المتظاهرون صوقًا. نحت لونا رقنا مرة واحدة) 
لكن تبيّن لي فيما بعد أها امرأة ترتدي ثياب غرء وتضع ذيلا وتنتعل حذاء رياضيا 
عالي الساقين. مرت من أمامي بعد عدة لحظات ورأيتها تحمل قناع رأس النمر 
وتشرب دكتور ببر. 

سطعت أشعة الشمس بقوة» وشعرت بألم في ر واف . أحسست أن قشرة 
ES‏ تابعت البحث ب ين الوم دة رفضت 

فكرة التخلي عن البحث» وقررت الاستمرار حي عودة شاربونيو وكلوديل. 
أدركت أنه لا حدوى من البحث. فلقد سخر سان جان من مطاردتنا لى واخحتفی 
بين ضجيج النهار. 

بعد مرور ساعة من الوقت» اجتمعنا عند السيارة. حلع رجلا التحري 
سترتيهما وربطتي عنقيهماء وألقيا ب؛مما على المقعد الخلفي. التمعت حبيبات 
الوق على مهما وانساتت على ماعا الت أبضا مقاطق ا كت 
إبطيهما وظهريهماء أما وجه شاربونيو فتلوّن بلون فطيرة التوت البري» ووقف 
شعره في مقدمة رأسهء فذكرني هذا المنظر عنظر شعر أضحكي في ما مضى. 
EE)‏ أن ككزرق واسرواك الفمل اللذين ا ا ف ا 
للتو. عادت حركة أنفاسنا إلى طبيعتهاء وتفوهنا بكلمات الشتيمة أكثر من 
عشر مرات. 

قال كلوديل: "اللعنة. أعتقد أا بديل مقبول". 

142 


استند شاربونيو إلى السيارة» ثم تناول علبة سجائر بلايرز من حيب سترته. 
استند إلى دفاع السيارة وأشعل سيجارته» ثم أحرج الدحان من زاوية فمه. 

"يستطيع ذلك اللعين أن يشق طريقه عبر الحشد كما يفعل صرصور بين 
الأوساخ". 

قاومت دافعاً عندي كي أت تفحص الضرر الذي أصاب حذي» وقلت: " 
يعرف طريقه یدای هله المنطقة. وهذا الأ اة كا 

انشغل لبرهة في تدخحين سيجارته. 

" أتعتقدين أنه رجُلّنا الذي ظهر مع آلة النقدء وهو الرجل الذي نبحث عنه؟" 

قلت: "اللعنة» لا أعرف لأني لم انظر إلى وجهه". 

استهجن كلوديل كلامي» ثم تناول متديلا هق جحيبه) وبدأ مسح العرق 


المتصبب من رقبته. 
ركزت عيي الي لا تلن عليه: "هل تمكنت من التعرّف على هويته؟" 
استهجان آخر. 


تظرت نحوه وهززت رأسي. تبترت سريعاً كل حططي بعدم التعليق. 

"إنك تعاملي وكأني لست بارعة في عملي يا مسيو كلوديل. ها قد بدأت 
تستبعدنى جحددا". 

ابتسم ساخحرا مرة أخرى. 

سألي: "كيف هي حال وجهك؟" 

أحبت وسط أسنان مطبقة: "بأفضل حال! أعتقد أن عملية تحميلية في مثل 
سني هي مكافأة". 

"لا تتوقعي أن أنقذك إذا انطلقت بمحددا في عملية مطاردة للمجرمين". 

"يتعيّن عليك تنظيم عملية القبض على ابحرمين بطريقة أفضل في المرة القادمة» 
وعندها لن أحتاج لمساعدتك". شعرت باندفاع الدماء في حبهي» وشددت على 
قبضْئَئْ يدي بحيث إن أظافري تركت آثاراً على باطن راحمّيّ 

نال قرو ينا ف بيحارت يمك قرس ا "حسنا :يكف 
ا عدا داعا دعونا نقلب الشقة راماسلن عقي : 

التفت صوب رحلّي الدورية اللذين كانا واقفين يمدوء. 


143 


"استدعيا فريق مسرح الجرعة". 

تحرك الرجل الأطول بينهما نحو سيارة الدورية: "فعلنا ذلك". 

سرنا جميعاً وراء شاربونيو بصمت نحو البناية القرميدية» ودخلنا الممر اله 
انتظرنا رحل الدورية الآخر في الخارج. 

أقفل أحدهم الباب الخارحي في فترة غيابناء لكنْ الباب المؤدي إلى الشقة رقم 
6 بقي مفتوحا. دخلنا الغرفة وانتشرنا كما فعلنا من قبل» وكما يفعل ممثلون في 
مسرحية يتبعون التعليمات. 

تحركت نحو الخلف» ولاحظت أن السخانة قد بردت» لكن أشكال 0 من 
السباغيي لم تتغير. تراقصت ذبابة على طرف المقلاة. ذكرتئ هذه الذبابة بالذبابات 
التعيسة الأخرى المتروكة وشأها. لم يتغيّر أي شيء آخر. 

ل ب 0 تنائرت قطع صغيرة 

من االلمص فوق أرض الغرفة» وهي الي ات ی اصطدام ن اليب 
با دار وبقوة كبيرة؛ و خد أن الباب نصف مفتوح. شاهدتُ سلما حشبياً 
يؤدي إلى الطابق السفلي. يؤدي هذا السلم إلى استراحة تنتهي بانعطاف يبلغ 
تسعين درجحة إلى اليمين قبل أن يختفي في الظلمة. اصطفت علب معدنية حول 
الاستراحة ووصلت حي الحدار الخلفي. برزت حطافات صدئة من الألواح الخشبية 
على مستوى العيون. تمكنت من رؤية مفتاح كهربائي في الحهة اليسرى من 
الجدار. افتقد المفتاح للغطاء فبرزت منه الأسلاك الملتفة مثل ديدان علقت في 
رك 1 

انضم إلي شاربونيو ودفع الباب بقلمه إلى الخلف. أشرت إلى الاج 
الكهربائي فأسرع إلى استخدام القلم ليضغط عليه. أضاء اجا یراتا و 
مكان ما في الأسفلء فانتشرت الظلال من حول درحات السلم الخشبي في 
الأسفل. أصغينا وسط هذه الكآبة المخيمة. ساد الصمت. دحل كلوديل في إثرنا. 

نزل شاربونيو إلى الاستراحة. توقف قليلاء ثم نزل بيطء. تبعنّه وشعرتٌ 
أن كل درجة تعترض بنعومة على نسزولي. ارتعشت رجلاي المتعبتان» وشعرت 
كأنني فرغت لتوي من المشاركة بسباق الماراتون» لني قاومت دافعاً عندي كي 
ألمس الحدران. لم أرَ أمامي سوى كتفي شاربونيو في ذلك الممر الضيق. 

144 


تعر نا ق ا ا سيت و كا تهنا 
منصهرة أصابت خدّيء لذلك اعتبردث أن البرودة تريحجئي جداً. نظرت من حولي. 
كاتنت غ ف غاا و أن اا تقل و ق 
ا الخلفي من أحجار إسمنتية غير مصقولةء لكنئ قرت أنها أضيفت 
لاا ك ق للساخه الكبرة: رايت إل الثمين جره غل معدانياء وظاولة 
حشبية طويلة. لاحظت أن الطلاء الزهري اللون بدأ يتقشّر من الطاولة. رأيت 
رة ر را e‏ 
لاحظت وجود حرطوم مياه أصفر اللون وقد لف بعناية على الجدار. 

امستد فرن كبير الححم إلى اليمين وتفرعت قنواته مرتفعة مثل جذوع شجرة 
بلوط. انتشرت كومة من النفايات حول قاعدته. تمَكَنتُ من رؤية إطارات صور 
مكسورة» وإطارات دراجات هوائية» ومقاعد ملتوية» وعلب طلاء فارغة» وخحزانة 
صغيرة. بدت هذه اليل ماي للعاية القديكة. 

رأيست مصباساً كهربائيً متدايا في وسط الغرقة» لكنه لم يصدر إلا كمية 
خغيلة تن لضو أا عا قى من الغرفة فكان فارغا فاها. 

حدق ا الخشبي» ووضع يديه على وركيه؛ ثم قال: "لا بد 
أن ذلك اللعين كان ينتظر في الأعلى". 

داس كلوديل كومة المهملات بطرف حذائه وقال: "كان على السيدة فاتاس 
أن تبلغنا أن الرجل يمتلك مثل هذا المخبأ الصغير". 

تأثْرتُ هذه الإشارة الأدبية» لكني لم أقل شيئاً التزاماً م بخطة الحياد.. بدأتُ 
أشعر بالا م في ساقي» وأنّ هناك شيئاً على غير ما يرام في رقبي. 

"كان باستطاعة الوغد أن يهاحمنا من وراء ذلك الباب". 

م أعط ردأ وكذلك فعل شاربونيو. فکرت وإياه بالأمر ذاته. 

سور 0 يديه» وتوحّه نحو السلّم» وبدأ يتسلقه. تبعّه وأنا أشعر مثل 
تونتو قليلا. واجهتئ الحرارة عندما دلت إلى الغرفة. تقدمت نحو الطاولة وبدأت 
بتفحص تلك اججموعة من الصور المعلقة فوقها. 

لاحظت أن أهعمها كان خريطة منطقة مونتريال. أحاطت مجموعة من صور 
لمحلات والحرائد المقتطعة هذه الخريطة. لاحظت أيضاً أن الصور الي تقع في الجهة 


1 


145 


اليمئ ما هي إلا صورٌ جنسية اعتيادية مقتطعة من إحدى المحلات. ظهرت الفتيات 
في هذه الصور بأوضاع مختلفة» إما من دون ثياب بشكل کلي» وإما أن الثياب لم 
تكن في أماكتها المناسبة. ظهرت وجوه بعض الفتيات عابسة؛ بينما تظاهرت 
أحريات بالنشوة الكاملة. لم تبدٌ أي منهن مقنعة. بدا أن من قام بتجميع هذه 
الور كان اتتا ى ذوقة: الا ل 
الأحساد» أو لحنس» أو للون شعر. لاحظت أن أطراف الصور مقصوصة بعناية 
وقد وُضعت الصور على أبعاد متساوية من بعضها البعض» وقد تبنت جيداً في 
مکاها. 

E E E OE E TT 
لظت أن متتالاث قليلة مها مكتربة واللغة الاتكليزية» لک معظمها كانت‎ 
بالفرفسية: لاحظت أيضا أن قالات الانكليزية مضبعوية بالصورء "ققرت أكترع‎ 
وقرأت بعض الجمل الي تحدثت عن أمر مهم في إحدى دور عبادة درموندفيل.‎ 
انتقلت إلى مقالة بالفرنسية تحدئت عن حادثة حطف ف سينيفيل. انتقلت ببصري‎ 
إلى إعلان تحدث عن مؤسسة فيديودروم. ادّعى الإعلان أن المؤسسة هي أكبر‎ 
مورع للأفلام الخنسية في كندا. لاحظت وجود مقالة مقتطعة من ألو بوليس‎ 
ا جالة رو ی ب "بابيتي' وهي ترتدي أربطة‎ 
جلدية متصلة بحلقات ع ا وا ری تحدثت عن حادثة اقتحام دار‎ 
عبادة سان بول دو نورد حيث صنع اللص لعبة من ثياب ضحيته الليلية وطعنها‎ 
مرات عديدة؛ ثم تركها على سريرها. اكتشفت بعد ذلك أمراً أحال الدماء إلى‎ 
جليد في داخلي.‎ 

جمع سان جاك ثلاث مقالات مقصوصة ومثبتة بعناية تامة. تحدئت كل مقالة 
منها عن قاتل تسلسلي. لاحظت أن هذه المقالات هي نسم مصورة» بخلاف 
المقالات الأصلية الأحرى. تحدثت المقالة الأولى عن ليوبولد ديون,» وحش بون 
روج. اكتشفته الشرطة في منزله مع حثث أربعة شبان في ربيع العام 1963. أقدم 
هذا القاتل على قتل الشبان الأربعة حنقاً. 

روت المقالة الثانية مآثر واين كليفورد بودين الذي أقدم على خنق 
واغتصاب نساء في مونعريال وكالغاري بدءاً من العام 1969. بلغت حصيلة 


146 


ا زيما عند اعتقاله في العام 1971. كتب أحدهم على هامش المقالة كلمي 
بيل الخائق. 

تحدثت المقالة الثالثة عن مآثر ويليام دين كريستنسون, الذي يحمل لقب بيل 
السفاح» وهو المغتصب الذي ظهر في منطقة مونتريال. قتل الرحل امرأتين في 
أوائل الثمانينيات» وقطع حثتيهنَ وشوههما. 

قلت» ومن دون أن اوه كلامي إلى شخخص معيّن: "انظروا إلى هذه". 
احتاحتي موحة برودة رغم الحرارة الشديدة في الغرفة. 

اقترب شاربونيو ووقف خلفي» وأحذ يتفحص القصاصات الموجودة إلى مين 
الخريطة» وبدأ يقرأ: "أوه يا عزيزي» عزيري... الحب من زاويته الواسعة". 

أشرت إلى المقالات» وقلت: "هنا. انظر إلى هذه". 

انضم كلوديل إليناء وأحذ الرحلان يتفحصان المقالات بصمت. فاحت 
منهما رائحة العرق» والقطن المغسول» وعطر ما بعد الحلاقة. استطعت أن أسمع 
في الخارج امرأة تنادي صوفي. تساءلت ما إذا كانت تنادي طفلاً أم يوان 
أليفا. 

قال شاربونيو بعد أن استوعب فحوى المقالات: "يا للفظاعة!" 

علّق كلوديل ساخراً: "إن هذا لا يجعله شارلي مانسون". 

"كلاء لكن لعل الرجل كان يحضّر لأطروحته النهائية". 

لاحظت للمرة الأولى» شيئاً من القلق في صوت شاربونيو. 

مضى كلوديل بالقول: "لعل الرحل كان يعاني من أوهام العظمة» أو لعله 
شاهد مافعله الإخوة ميننديز» وظن أنهم حادون. أم لعله يظن نفسه دودلي 
دورايت ويريد أن يحارب الشرء أو لعله يتمرّن على الفرنسية ووجد أن هذه أكثر 
إثارة للاهتمام من تان تان. كيف لي أن أعلم بحق الجحيم؟ إن ذلك لا يجعله في 
مصاف جاك السفاح". التفت نحو الباب: "أين فريق استعادة مسرح الجريعة بحق 
الجحيم؟" 

رحت أفكر في نفسي أيها النذل! لكنئ لم أنطق بكلمة. 

حولت انتباهي» أنا وشاربونيو, نحو الطاولة. رأينا رزمة من الحرائد من جهة 
الحائط. استخدم قلمه ليتفحص هذه الرزمة» وأحذ يرفع أطراف الحرائد واحدة بعد 


147 


الأحرى ويتركها. احتوت الرزمة على إعلانات عن وظائف مطلوبة» وردت 
معظمها في حريدئي لا برس وغازيت. 

قال كلوديل ساححراً: "لعل ذلك الضفدع كان يبحث عن وظيفة» وأراد أن 
يكون بودين مرجعه". 
لاحظت وحود شيء ملوّن بالأصفر في الأسفل عندما رفع الحريدة لبرهة 
قصيرة: "ما هو ذلك الشيء في الأسفل؟" 

دفع شاربونيو بالقلم داحل الرزمة ثم رفعها نحو الأعلى» فاقتربت من الحدار. 
شاهدت رومة ضفراء ن الأسفل. رحت أتساءل ما إذا كانت E‏ 
التمرينات المطلوبة من رجال التحري. ترك رزمة الحرائد تسقط إلى مكافها على 
سطح الطاولة» ثم دس القلم إلى حلف الرزمة» ثم دفع الرزمة الصفراء إلى الأمام 
فأصبحت ظاهرة للعيان. 

كانت رزمة أوراق صفراء ومسطرة» وهو النوع الذي يفضله امحامون. 
لاحظنا أن الورقة قة العليا مليئة بالكتابات . حملها شاربونيو بظاهر يده ثم دفع الرزمة 
الصفراء إلى محال الرؤية الكاملة. 

لا يعد تأثير قصص القتلة التسلسليين شيعا بالنسبة لا شعرت به عندما قرأت 
ما كتب على تلك الورقة. لم أستطع كتمان الخوف الذي شعرت به في أعماقي» 
فسيطر علي بالكامل. 

إيسزاييل غاغنون . مارغريت دک م أستطع أن أنسى اميهما. كانتا 
حزءا من لائحة تضم سبعة أسماء كتبت على هامش الووقة ا رانك وا 
من الأعمدة بعد الأسماء الواردة في الصفحة تفصل في ما بينها حطوط عامودية. 
بدت الصفحة مثل مسودة حدول تحتوي معلومات شخصية عن كل شخص ورد 
اسمه في اللائحة. لم يحمل هذا ول فروقات كبيرة عن حدولي الذي أعددته» ما 
عدا أنني لم أستطع تيز الأسماء الخمسة الأخرى. 

احتوى العمود الأول العناوين» أما العمود الثان فاحتوى أرقام المهواتف» بينما 
احتوى العمود الثالث ملاحظات مختصرة عن أماكن السكن: اللمزل ورقم 
المدحل الخارحي. الشقةء الطابق الأول. البيت والباحة. احتوى العمود التالي 
مجحمسوعات من الأحرف كتبت وراء بعض الأسماءء بينما ت ركت الأسطر المقابلة 


148 


لأسماء أحرى فارغة. تطلعت إلى السطر الذي يضم اسم آدكينسز. وردت كلمتا 
لخر ر بعده. بدت هذه المجموعة مألوفة بالنسبة أغمضت عيبي وأحريت 
بعد واد كرو سباع من الكلنات و تراد القرابة. 
قلت: "إهم الأشخاص الذين عاشت الضحايا معهم. حذ آدكينز على 

سبيل المثال. يشير الاختصاران إلى الزوج والابن". 

قال شاربونيو: "أجل. عاشت غاغنون مع شقيقها وعشيقها". 

أضاف كلوديل: احا ماذا تع كلمة دو؟" أشا ر كلوديل إلى العمود الأخير. 
كتب سان جاك كلمات مقابل بعض الأسماء بينما لم يكتب شيئاً مقابل أسماء أخرى. 

لم عتلك أحد منا إحابة جاهزة. 

قلب شاربونيو الصفحة الأولى» فاستغرق الجميع في قراءة بجموعة الملاحظات 
الي قسّمت هله الصفحة إل تصفين» وخلت انعا ى أعلاماء وآخن في .معضقهاء 
ظهرت تحت كل اسم مجموعة أخرى من الأعمدة. حملت الأعمدة إلى اليسار عناوين 
التاريخ, الداخلء والخارج. ملعت الأماكن الفارغة بالتواريخ والأوقات. 

صاح شاربونيو: "يا الله! لقد طاردهنٌ بعد أن انتقاهنّ ولاحقهنّ مثل طائر 
مفترس". 5 

م يقل كلوديل شیا 

كرّر شاربونيو كلامه» وكأنه يعيد صياغة العبارات بحيث تصبح أكثر» أو 
أت قر اوخن :ذلك للع ا اا 

قلت هدوء: "لعله مشروع بحث» ولم ينهه بعد". 

سأل كلوديل: "ماذا؟" 

"مانت آدكينز وغاغنون. إن هذه التواريخ حديثة. من هن الأحريات؟" 

"اللعنة!" 

صاح كلوديل قبل أن يختفي في الرواق: "أين فريق استعادة مسرح الجرعة 
بحق الجحيم؟" ممعت شتائمه في وجه رجل الدورية. 

عدت بنظري إلى الجدار. ل أعد راغبة بالتفكير في اللائحة لما تبقى من هذا 
اليوم. شعرت بالحرارة» والتعب» والألم. لم أجد راحة في إدراكي أنئ ريما على 
حق» وأنه يحتمل أن أعمل أنا وكلوديل على هذه القضية. 


149 


نظرت إلى الخريطة؛ وبحثت فيها عن أي شيء يسليي. كانت خريطة كبيرة 
تظهر تفاصيل الجزيرة» والنهر» وخليط الحاليات الي تؤلف مدينة مونتريال» 
والمناطق المحيطة هاء بألوان قوس القزح. بدت مناطق الحاليات باللون الزهري 
تقطعها الشوارع الملونة باللون الأبيض» والي تتصل بعدة طرقات ملونة باللون 
الأمرء وطرقات واس عة باللون الأزرق. انتشرت على الخريطة المتنزهات 
ارف ر هافن لر تت وللا لرك السات باللرن رال امار کر 
التسوّق فكانت باللون الأرحوان» أما المناطق الصناعية فأشيرَ إليها باللون الرمادي. 

عيّنت مكان وسط المدينة واقتربت ت أكثر في محاولة مي لتعيين الشارع الصغير 
الذي أسكن فيه. إن المجمّع السكين الذي أقطنه ليس كبيراًء لذلك بحت عنه لبعض 
الوقت. بدأت أفهم لادا تحد سيارات الأحرة صعوبة في إيجاده عندما أحتاج إليها. 
عزمت على أن أكون أكثر صبراً في المستقبل» أو على الأقل أكثر تحديداً. حددث 
مكان تقاطع غرب شيربروك مع شارع غاي» لكني اكتشفتُ أن ذهبت بعيدا 
جداً. أصابتي الصدمة الثالثة لهذا المساء. 

وضعت إصبعي فوق آتواتر: وهو المكان الذي يقع مباشرة حارج المضلّع 
البرتقالي الذي يحدّد لا غراند سيميناير. لفت نظري رمز صغير رسم بقلم في 
زاويتها الجنوبية الغربية. يتضمن الرمز دائرة مع علامة × في داخخلها. لاحظت أن 
هذا الرمز يشير إلى مكان قريب من المكان الذي وجدت فيه جنة إيزابيل غاغنون. 
شعرت بتزايد ضربات قلي» ثم اتتقلت كي أفتش في في الطرف الشرقي من المنطقةء 
وحاولت إيجاد الملعب الأولي. 

قلت بصوت متوتر ومرتحف: "مسيو شاربونيو» انظر إلى هذه". 

اقترب مين أكثر. 

"أين هو الملعب؟" 

لمس موقعه بالقلم ثم نظر نحوي. 

"أين تقع شقة مارغريت آدكينز؟" 

تبردد للحظة ثم اقترب أكثر» وبدأ بتعيين الشارع الذي ينطلق حنوبا من 
بارك مايزونيف. جمد قلمه في المواء ما إن حملقنا سويا في ذلك الشكل الصغير. 
كانت علامة × مرسومة داحل دائرة. 


150 


"أين عاشت شانتال تروتييه؟" 

"عاشت في سانت آندي بيلفيو. يبعد ا عن هذا المكان". 

حدقا أو ا موا 

قلت مقترحة: "دعنا نبحث بطريقة منظمة. سأبدأ بالزاوية العليا إلى اليسار ثم 
دافن عجوي ايد ت ا ا ا إلى الأعلل ". 

وحدها قبلي. علامة × الثالثة. كانت العلامة عند الشاطئ الجنويي» قرب 
سان لامبيرت. لم يعرف شاربونيو عن جرائم قتل وقعت في تلك المنطقةء وكذلك 
كان الحال مع كلوديل. بحشنا عن علامة أحرى لمدة عشر دقائق أحرى» لكننا لم 
نحد إشارات × أخرى. 

كتا علي وفك الد بالخ عدا عن علامات عر عندما ظهرت 
أمامنا عربة فريق مسرح الحرائم. 

دحل الرحال من خلال الباب حاملين صناديقهم المعدنية. بادرهم كلوديل 
بالسؤال: "أين كنتم بحق الجحيم؟” 

قال بيار جلبير: "يشبه الأمر 0 في منطقة وودستوك, لكن تع جود 
وحل أقل". أحاطت وجهه لي هد وشعرٌ أكثر عدا ذكرني 1 7 
أستطع تحديد اسمه بالضبط. "ماذا لدينا هنا؟" 

حاير "لرمما لدينا قاتل فتيات أوقعهنٌ سوء حظهنٌ في هذا المنزل أو 
ا 

00 0 الغرفة بحر كة سريعة من ذراعه: "كرس نفسه للعمل بالكامل في هذا 
الكان". 

قال جلبير مبتسماً: "سنعرف كيف سنخر حه منه". التصقت حصلات شعره 
الدائرية يجبهته الرطبة. "سنبداً العمل على الفور". 

"يوحد طابق سفلي ضا" 

e E ss e 
التغيّر الذي طرأ على نغمة هذه الكلمة.‎ 

"لاذا لا تبدأ من الأسفل يا كلود؟ وأنت يا مارسي ابدأ بالطاولة الموجودة 
هناك . 


151 


تحرك مارسي إلى أقصى الغرفة. تناول علبة من حقيبة معدنية وبدأ برش 
مسحوق أسود اللون على طاولة الفورميكا. توه التقئ الآخعر إلى الطابق 
السفلي. ارتدى بيار قفازيه المطاطيين وبدأ بنزع قصاصات الجرائد عن سطح 
الطاولة ووضعها في كيس بلاستيكي كبير. تلقيتُ في تلك اللحظة بالذات آخر 
محم ا 

رفع دا ضفو فزي الل وفان: "ماذا تعرفين عن هذا؟" مرّت فترة 
طويلة وهو يتفحصه ثم قال: "هل يخصك؟" 

فوجحفت عندما رأيته ينظر إلي. 

مشيت نحره بصمت» ونظرت إلى الكيس الذي يحمله. شعرت بتوتر كبير 
عندما رأيت سروال الجينز الذي أرتديه» وبالتأكيد كنزن الإيرلندية, ونظاري 
الي تحمل ماركة باوش ولومب. أمسك بيده المغطاة بالقفاز الصورة الي ظهرت 
في صحيفة لو جورنال في ذلك الصباح. 

وحدت نفسي» للمرة الثانية في ذلك اليوم» حبيسة ذكريات عامين مضيا. 
قطعت الصورة بالدقة ذاتما الي قطعت ها باقي الصور المعلقة على الحدار» لكن مع 
وجود فرق واحد. رمت دائرة حول صورق» وأحيطت ثانية بخط القلمء بالإإضافة 
إلى وحود علامة × كبيرة فوق صدري. 


152 














نمت كثيراً في عطلة هاية الأسبوع تلك. حاولت النهوض صبيحة السبت» 
لكنّ ذلك م يستمر طويلاً. شعرث أن ساقي ترتعشان» وعندما حاولت أن أستدير 
برأسي كانت وخزات الألم تخترق رقبي» وتمسك بأسفل جمجمت. شعرت بتصلب 
في وجهي مثلما هي الحالة ابي يسبيها مرهم برولي» وبدت عن اليمن مثل إحاصة 
اة كان عط حفاكت اول الان ور ا و واستعدام 
المطهرات. نتفي اانا وأنا غافية على أريكي. شاهدت الكثير من أو. جي. 
سيمبسون المسلية على جهاز التلفزيون. وأويت إلى فراشي عند الساعة التاسعة. 
يوم الإثنين» هدأت كسارة الأحجار في رأسي» واستطعت ا 
بصعوبة» وكذلك واجهتن صعوبة في إدارة رأسي نة ويسرة. نمضت باكرا في 
ذلك اليوم» واستحممت» حدق ی و کن عند النساطة ا زا 
وحدت ثلاثة طلبات على طاولي. تجاهلهاء وطلبت رقم غابي. ردّت على 
آلتها الجيبة. خضرت لنفسي كوبا من القهوة السريعة 'التخضيرء وبدأت بفتح 
الرسائل الحاتفية الى وجدقا في صندوقي الخاص. جاءت الرسالة الأولى من فردان» 
أما الرسالة الثانية فكانت من آندرو رايانء وجاءت الرسالة الثالثة من مراسل 
صحفي. روميت الرسالة الأخيرة» ووضعت الرسالتين الأحريين قرب جهاز الهاتف. 
لم تلق اتصالاً من شاربونيو أو كلوديل؛ ولا حى من غابي. 
اتصلت بغرفة فرقة شرطة مونتريال وطلبت التحدث مع شاربونيو. قالوا لي 
بعد فترة إنه ليس موجوداً هناك. لم يكن كلوديل موجوداً هو الآخر. ت ركت 
153 


رسالة لحماء وتساءلتٌ عما إذا كانا قد انطلقا في عملهما في شوارع المدينة باكرا 
أو أنهما تأخرا في الوصول. 

اتصلت بآندرو رایان لکن خطه كان مشغولاً. لم أفلح بالاتصال بأي 
شخص هاتفياًء لذلك قزري أن اتوحه شخضيا إل هتاك توقعت أن يحدئي رايان 
عن تروتيبه. : 

استقليت المصعد حي الطابق الأول» ثم توجهت نحو غرفة الفرقة. لاحظت أن 
الحو فيها أكثر حيوية مما كان عليه في زيار الأخيرة. شعرت أن عينين تحدقان بي 
يديا بيرت و و أحسست بشعور غامض من عدم الارتياح. لا شك 

في أنْ صاحبهما قد علم ما حرى لي يوم الحمعة. 

مذ رايان يده لمصافحي» وض من مقعده. ظهرت ابتسامة على وجهه 
الذي يميل إلى الاستطالة» وذلك عندما رأى أ ٿر الخدوش على خدّي الأيعن» 
وقال بالإنكليزية: "دكتورة بوينان» عل كزين فد اوا دق سای 
التجميل؟" 

"هذا صحيح. إن أحرّب اللون القرمزي الإسمني. تلقيت رسالة منك. هل 
اتصلت بي؟" 

بقي وجهه خخالياً من كل تعبير للحظة من الزمن. 

"أو أجل. استخر حت الملف الخاص بتروتييه. تستطيعين إلقاء نظرة إذا 
أردت". 1 

اجنين 1ه لاطا وكات يط الفا e‏ على قار يه ع ره مايه 
بشكل مروحة. انتقى ملفا وناولي إياه في اللحظة الي دحل فيها زميله إلى الغرفة. 
ا نحونا. لاحظنا أنه يرتدي سترة رياضية بلون رمادي وي 
معها سروالاً يتناسب معهاء لكن بلون رمادي أغمق قليلاء وقميصاً أسود اللون» 
وربطة عنق ذات ألوان سوداء وبيضاء. بدا مثل الشخصيات الي كانت تظهر على 
شاشات أحهزة تلفزة أيام الخمسينيات. 

"كيف بحري الأمور يا دكتورة برينان؟" 

"عظيمة جد" . 

"وان نا ا 


154 


بمحثت من حولي عن مكان أستطيع أن أنشر الملف عليه. قلت: "لا تعطي 
الأرصفة مسحة من الحمال. هل أستطيع..." أشرت إلى طاولة فارغة. 

"بالتأكيد لقد حرج الباقون". 

حلست وشدات بر یب ریات اللف» وقلبت أوراق تقارير الطادث» 
والمقابلات المثيرة» والصور. إفها صور شانتال تروتييه. بدا الأمر بالنسبة إلي مثل 
المشي عارية القدمين فوق إسفلت ساعن. عاودني الشعور بالألم» وكأن الحادث 
قدوقع بالأمس» وهكذا 5 على الل بيدا كي أعطي عقلي فترات 
استراحة من الأ م الذي سيطر علي. 

مضت ابنة الستة عشر عاماً بتردد من نومها في 16 تشرين الأول عام 1993. 
انشغلت بكي كنزقاء وأمضت ساعة في التأنق» وتزيين شعرها. رفضت أن 
تتناول الفطور الذي قذمته لها والدقاء ثم غادرت منزلا الذي يقع في ضاحية 
المدينة. آرادت الانضمام إلى أصدقائها وركوب القطار في طريقهم إلى المدرسة. 
فدات زيا مدر سا مطرراء وبحاويق تان إل ر کا > ثم حملت حقيبة كتبها. 
تبادلت الفتاة الدردشة والقهقهات مع أصدقائهاء ثم تناولت غداءها بعد انتهاء 
حصة الرياضيات. احتفت الفتاة مساء ذلك اليوم. وؤحدت جتتها المقطعة بعد 
ثلاثين ساعة في أكياس نفايات مصنوعة من النايلون» على بعد أربعين ميلاً من 
منزلا. 

وقع ظل على الطاولة فنظرت إلى الأعلى. وجدت برتران حاملاً كويين من 
القهوة. كتب على الكوب الذي قدّمه لي هذه الحملة الإثنين أبدأ الحمية. تناولت 
الكوب بامتنان. 

"هل وحدت شيعا مهما" 

أحذت رشفة قهوة: "ليس الكثير. كانت في السادسة عشرة من عمرها. 
وُجحدت جنتها في سان جيروم". 

"أحل". 

رحست أفكر بصوت عال: "كانت غاغنون في الثالثة والعشرين من عمرها. 
وُحدت في سنترفيل» وجدت جتتها أيضاً في أكياس مصنوعة من النايلون". 

حى رأسه. 

155 


"كانت آدكينز في الرابعة والعشرين من عمرهاء ووحدت في الملعب 
الرياضي في بلدقا". 

"لم تتعرض حثتها للتشويه". 

"لاء لكنها قطعت ومُزقت. يحتمل أن يكون شخص ما قد فاجأ القاتل» 
لذلك لم يتوافر لديه وقتْ كثير". 

ارتشف قهوته» وشرها بصوت مسموع. ا مم عطاك الحليب البنية 
اللون على شاربيه. 

"وضع سان جاك اسمّي غاغنون وآدكينسز على لائحته". افترضت أن 
القصة قد انتشرت قي هذا الوقت» وكبت محقة. 

"أحلء لكن وسائل الإعلام قد تعامت مع هاتين القضيتين» لذلك عمد القاتل 
إلى ضم المقالتين الواردتين بشأفما في ألو بوليس وفوتو بوليس. بدا لي أنه دودة 
تتغذى على هذا النوع من الأشياء". 

"يحتمل ذلك". ارتشفت جرعة أخرى» لكنئ وجدت صعوبة في تصديق ما 
أسوعه . 

"ألا بمتلك كدسة كبيرة من هذه المواد؟" 

جاء صوت رايان من ورائنا: "أحل. جمع ذلك المغفل قصاصات عن شي 
أنواع التفاهات. ألم تجمع يا فرانكوير قصاصات قضايا مثل هذه عندما كنت 
تعمل في قطاع الأراضي؟" وجه كلامه هذا إلى رجحل قصير وسعين» ذي رأس لامع 
شديد السمرةء والذي أخذ يتناول قطعة من شوكولاته سنيكرز, وكان يجلس على 
بعد أربع طاولات منا. 
نظارته كلما حرّك رأسه إلى الأعلى وإلى الأسفل. 

أحذ يلعق: "همم. هم. جمعت قصاصات عن قضيتين منها". تابع اللعق. 
"إنها أسوأ الأمور. يتسلل هذا السنجاب إلى مكان ضحيته» وينهب غرفة نومهاء 
م يسشكل الا لبه کی من يات تومهاء أو من علايس يدة رل 
الرياضية. يحشو الرحل هذه اللعبة» ويلبسها ملابسها الداحلية» ثم بمدّدها على 
السرير ويأحذ بطعنها. يجعل الرحل هذا العمل أصعب من الامتحان النهائي 

156 1 


للرياضيات". تابع اللعق أكثر فأكثر. "يغادر بعدها من دون أن يأخذ أي 


سي : 

"هل يلجأ إلى أمور شاذة؟" 

الا أعتقد أنه يومن بالقيام مالو له بطريقة امه 

"ما هي الأدو ات الى يستخدمها". 

"أعتقد أنه يستخدم سكيناء لكننا ل نتمكن من العثور عليها. يتحتم عليه أن 
يجلبها معه". 

أزال فرانكوير المزيد من غلاف قطعة شوكولاته سنيكرزء وتناول كدسة 
أحرى منها. 

"كيف دخل إلى الملزل؟" 

"دحل من نافذة غرفة النوم؟" حرحت الكلمات مترافقة مع قطع الكاراميل 
والفستق. 

"مي يفعل ذلك؟" 


"في الليل عادة". 

"وأين يضع عروضه الصغيرة الشاذة؟" 

تابع فرانكوير مضغه البطيء لبرهة من الزمن» لكنه سرعان ما انتزع 
كدو من ال حل أا اماما ددا ف تأملها قليلاً قبل أن يقذف 
ها بعيداً. 

"وجحدنا واحدة منها في سان كاليست» وأعتقد أن الأحرى كانت في سان 
هوبير. أما قصاصة هذه القضية فوضعها منذ أسابيع عديدة في سان بول دو 
نورد". اتتفخت شفته العليا عندما مرّر لسانه فوق إحدى أسنانه القاطعة. "وأعتقد 
أن إحداها وقعت بين أيدي شرطة مدينة مونتريال. أظن أن تذكرت مكالمة 
هاتفية منذ ما يقارب العام من شخص يسكن هناك". 

مرت فترة صمت. ْ 

"سيقبضون عليه في النهاية» لكن هذا السنجاب لا يعتبر أولوية قصوى في 
ارقت اضر إنه لا بوذي أحذا ولا يشرق شيعا كرون الربخل فكزة حاطفة عن 
مواعيد الغرام الرخيصة". 


157 


كور فرانكوير غلاف قطعة الشوكولاته وقذفها في سلة المهملات الموجودة 
قرب طاولة مكتبه. 

"معت أن المواطن المع في سان بول دو نورد رفض أن يرفع شكوى". 

قال رايان: "أحل. تنجح هذه القضايا .مثل بحاح حراحة فصل الفصوص 
اه واا سكن ف 

"لعل بَطَلنا هذا أقدم على اقتطاع هذه المقالة لأنه يستصعب القراءة عن 
مواضيع متخص طة تتعلق بكيفية دحول غرف النوم. اقتطع قصة تلك الفتاة في 
فل و م بين ا اي ام كيل تدوع ذلك أن والد 
الفتاة هو الذي كان يخفيها طيلة الوقت". استرحى فرانكوير في مقعده قبل أن 
يتابع: "لعل ذلك يتوافق مع أوصاف الأقرباء المنحرفين". 

أصغيت للمحادثة من دون أن أنظر فعلا إلى المشا ر كين ها. کک 
ف تفحص تخريطة کور المدينة رهي الخريطة الي حلس فرانكوير أما 
لاحظ ت أن هذه الحريظة تشبة تلك ال ET‏ 

غرء لكنها كانت بعقياس أصغر منها. امتدّت هذه الخريطة كي تشمل 

7 الشرقية والغربية لجزيرة مونتريال. 

دار النقاش في غرفة الشرطة» وشل حوادث بيبينغ طومز الجنسية بالإضافة إلى 
حوادث أخرى ممائثلة. مضت كدوء بينما كان النقاش يمتد من طاولة إلى أخرى» 
ومشيتُ نحو مكان الخريطة كي أحصل على نظرة أكثر قربا وتمنيتٌ ألا يلاحظ 
أحد ماأقوم به. تفحصت الخريطة» وأعدت التمرين ذاته الذي قمت به مع 
شاربونيو يوم الجمعة» وعينت في ذهي مواقع أحرف ×. أحفلي صوت رايان. 

سألي: "عاذا تفكرين؟" 

تناولت علبة دبابيس 0 كلت روو 
الدبائيس هن كرات ملولة ولام كيك يويسا ذا را س أحمر اللون وبته فوق الزاوية 
النوبية الغربية من لاغرائك ينابر 

قلت: "غاغنون". 

وضعت دبوساً بعد ذلك تحت موقع الملعب الأوليمبي. 

دک 


158 


وضعت الدبوس الثالث إلى الزاوية اليسرى العلياء أي قرب فسحة كبيرة لنهر 
يعرف د 1 

"تروتييه 

تأحذ جزيرة مونتريال شكل قدم يبرز كاحلها من الشمال الغري؛ أما 
كعب هذه القدم فيتجه إلى الجنوب»؛ بينما تشير أصابعها إلى الحهة الشمالية 
الغربية. حذدهد دبوسان القدم» فوق النعل تماماً. وتواحد أحدمهما في كعب 
سنترفيل» بينما وضع الآخر في جحهة الشرق قرب أصابع القدمين. قبع الدبوس 
الثالث فوق منطقة الكاحل» أي في أقصى الطرف الغربي للجزيرة. لم تشكّل 
هذه الدبابيس نمطا محددا. 

أشرت إلى أحد الدبابيس الموجودة في وسط المدينة» ثم إلى الدبوس الموجود في 
الطرف الشرقي» وقلت: "حدّد سان جاك بقلمه هذا الديوس وذلك الدبوس". 

تفحصت الشاطئ الجنوبي متبعة جسر فكتوريا مروراً بسان لاميرت» ثم 
كتدرلظ جين . بحشت عن أسماء الشوارع التي سبق أن رأيتها يوم الجمعة. تناولت 
ا Gd‏ أي نحت قوس القدم 

ة. لم يعطي هذا الانتشار أي معيئن. نظر رايان إل متسائلاً 

علامة × الثالثة له". 

"وماذا يو جحد هناك؟" 

سألته: "وماذا تظ. ؟" 

"لا أعلم مطلقاًء لعل كلبه سبايك موجود هناك". نظر إلى ساعته: "انظروا 
ماذا لدينا هنا..." 

"أتظن أن معرفتنا بذلك الشيء هو فكرة سديدة؟" 

حدق بي لوقت طويل قبل أن يبي. بدت عيناه بلون النيون الأزرق. 
دهشت قليلاً لأنني لم ألاحظ لوهما من قبل. هر رأسه. 

ا نما #لكبحنه ی کا تمتلك نظريتك عن القاتل 
التسلسليء في الوقت الحاضرء ثغرات أكثر من تلك الي تمتلكها ترانس كندا. 
حاولي أن تسدي هذه الثغرات» أعطين شيت آخرء أو دعي كلوديل يطلب إحراء 
٠‏ بحث حاص بأمن كيبيك. إن هذه القضية لا تخصنا حي الآن". 


159 


وكان برتران يومئ له. ويشير إلى ساعتهء وما لبث أن أشار بإهامه نحو 
الباب. كر ريات عق وله أوماء ثم حول عينيه الزرقاوين باتجاهي. 

م أقل شيئاً. طاف بصري فوق وجهه بحثاً عن إشارة تشجيع. ولم ألحظ أي 
E‏ باحق ولوك اليم امود 

"يتعيّن علي أن أذهب. اتر كي الملف على طاولي عندما تنتهين منه". 


1 2 8 
"و... آه... حافظي على رأسك مرفوعا فوق كتفيك". 
"ماذا؟" 


"معت ما وجدته هناك لأن ذلك النذل قد يكون أحطر من جرد سافلٍ 
عادي" . راح يببحث في جيبه» وما لبث أن تناول بطاقة وكتب شيئاً ما عليها. 
"تستطيعين إيجادي على هذا الرقم في أي وقت تقريبا. اتصلي بي إن احتجت إلى 
مساعدة". 

مرّت عشر دقائق قبل أن أحلس على طاولي. لكي شعور بالإحباط 
والتوتر. حاولت أن أركز على أمور أخرى, لكني لم أنمح إلا قليلاً. كنت أتمى أن 
يكون كلوديل أو شاربونيو هو المتصل في كل مرة يدق فيها الحاتف في مكتب ما 
من لكان المجودة على طول الؤوافه اقلت عرد ع ماكر بحس مره 
دقيقة. 

نيع ترجا رفول و و لخر يعدافليل: 

"كلوديل'. 

قلت: "أنا الد كتورة برينان". 

ساد صمت عميق. 

اوي '. 

"هل تلقيت رسائلي؟” 

"نعم". 

تأكدت من أنه سيكون يعثل صراحة متهرب من الضرائب عندما يقف أمام 
مدققي الضرائب. 

"أتساءل عما اكتشفته حن الآن عن سان جاك". 


160 


شخر مستهجنا: "أجل. سان جاك. حسنا". 

شعرت برغبة شديدة بالوصول إلى الطرف الآحر من الخط كي أسحب له 
لسانه» لكنئي ورت أن الحالة تستدعي بعض الكياسة» وهي القاعدة رقم واحد في 
طريقة التصرّف مع رجال التحري. 

"أتعتقدٌ أن هذا هو اسمه الحقيقي؟" 

"إن كان هذا هو اسمه الحقيقي فعندها سأكون مارغريت تاتشر". 

"ذا أين أنت؟" 

مرت فقرة صمت أحرى استطعت علاطا أن أتصوره حلاها ينظر نحو 
السقف مفكراً بأفضل طريقة للتخلص مئ. 

"سآقول لك أين نحن» لم نصل إلى أي مكان» ولم نحقق شيثاً. لم نرَ أسلحة 
متدلية» وم جحد أشرطة سينمائية منزلية. ُ نعثر على مذكرات اعتراف مفصلة» 
ولا أشلاء بشرية تذكارية". 

"هل عثرتم على بصمات؟" 

"لم نحد بصمات واضحة". 

"هل من أمتعة خضي 

"يقع ذوق الرجل ما بين المتطرف والقوي. لا يحب لمسات الزخارف. لم بحد 
أمتعة شخصية ولا ثياب. أ نعم. وجدنا كنزة وقفازين مطاطيين قديمين, 
وبطانية وسخة. هذا كل شيء . 

"ولماذا القمازان؟" ٠‏ 

"لعله كان قلقا على أظافره". 

"وماذا لديك أنت؟" 

"رأيت كل شيء. رأيت مجموعة صور الآنسة, والخريطة» والصحف» 
والقصاصات» والقائمة. أوه نسيت أن أذكر بعض السباغيي الفرنسية الأميركية". 

ا عر 

"لا شيء". 

"ألم تحدوا مساحيق تحميل؟ أو مواد طبية؟" 

"اللعنة!" 


161 


فکرت في ما سمعمّه قليلاً. 

"لا يبدو لي أنه يعيش هناك فعلا". 

"إن كان يعيش هناك فستعرفين أنه أكثر الأشقياء الذين التقيت يهم في حياتك 
وسات إن ل يفط أسنانه» ولا يحلق ذقنه. إنه لا لخدم الصابون» ولا 
الا ول خيطان تنظيت الأبفان". 

'وماذا استنتحت؟" 

"لعل ذلك المهووس التافه يستخدم المكان و يستفيد منه في تنفيذ جرائمه 
الحقيقية» وممارسة محونه» ولعل والدته لا تسمح له مممارسة هواياته في المنزل. 
كيف لي أن أعرف؟" 

"وماذا بشأن اللائحة". 

"إننا ندقق بالأسماء والعناوين" 

"هل يقع أحدها في سان لامبرت؟" 

مرت فترة صمت أخرى. 

١ 0 

"هل حصلتم على معلومات حديدة عن كيفية استخدامه لبطاقة مارغريت 
آدكينز المصرفية؟" 

كانت فترة الصمت أطول هذه المرة» وتنضح بعدائية أكثر و 

"دكتورة برينان, لاذا لا تلترمين بعملك» وتدعيننا نلقي القبض على 
القتلة؟" 

م أستطع الامتناع عن طرح السؤال: "وهل هو قاتل؟" 

'ماذا؟" 

"مل هو قاتل؟” 

وجحدت نفسي وأنا أستمع إلى نغمة خط الماتف. 

أمضيت ما تبقى من الصباح في تقدير عمرء وجنس» وطول شخص» وكل 
ذلك من عظمة زند واحدة. وجد أطفال هذه العظمة عندما كانوا يحفرون قرب 
بوان أو ترمبلز, ورا كان المكان مقبرة قليكة. 

162 


غادرت مكتي عند الساعة الثانية عشرة والربع متوجهة إلى الطابق الأعلى كي 
أشتري زحاجة دايت كوك وأحضرثها إلى مكبي. أغلقت الباب وتناولت شطيرق» 
وبتعض شار الدراق. استدرت كي أواحه النهر» وشجعت أفكاري على الانطلاق. لم 
تنطلق هذه الأفكار لأنها حت على كلوديل» مثل صاروخ باتريوت. 
e‏ أيعقل ايكون عالق أن 
0 نقاط التشابه محرد مصادفة؟ وهل يحتمل أن ني أتوهم وحود روابط غير موجودة 
ي الواقسع؟ أيحتتمل أن يكون سان جاك جرد عاو للأشكال القبيخة للعنف؟ اعرفت 
تماما أن متتجي الأفلام» ودور النشرء يجنون اللاين من هذا الموضوع ذاته. يحتمل أن 
لا ايكون قاتلا تسلسلياء أو أنه اكتفى بجمع قصاصات مقالات عن الحرائم؛ أو أنه 
كان تاا ر العمل لاطت عن ماف اریت ادكو ا 
يُعقل أنه سرقها قبل موقا وأنها لم تفتقدها؟ رعا. ررعا. رعا. 
لا. لا تتطابق كل هذه المعلومات» لأنه إذا لم يكن سان جاك هو الحرم فلا بد 
من وجود شخص ما تقع عليه مسؤولية كل هذه الوفيات. إنئي واثقة من وحود 
روابط بين بعض هذه الحرائم على الأقل» لذلك شعرت أن غير مضطرة كي أنتظر 
اكتشاف جثة مقطعة أحرى كي أبرهن أن محقة. 
ماذا يلزميئن كي أقنع كلوديل بأني لست جرد امرأة بلهاء تتمتع ممخيلة 
نشطة؟ امتعض الرحل من دخولي حال منطقة صلاحياته» واعتبر أنئي أتخطى 
حدودي. طلب مي أن ألترم عتطلبات عملي. ورايان؟ ماذا قال لي؟ تحدث عن 
وجود ثغرات» وأن معطياتٍ لا تكفي» وطلب من البحث عن دليلٍ أقوى يدل على 
وجود رابط بين هذه الجرائم. 
اونا يا كلوديلء أيها النذل سأجلب لك هذا الدليل". 
قلتها بصوت عال» ودفعت مقعدي بقوة» ثم رميت نواة ثمرة الدراق في سلة 
النفايات. 0 
هكذا إذاً. 
ما هي طبيعة عملي؟ 
إن أنبش الحشث» وأفحص العظام. 


163 


1 





طيت مسن #ييسق الذي يعمل ري عدن الأتسحة أن يسرع في ملي 
القضْيّتين اللتين تحملان رقمّيْ 25906-93 و26704-94. رتبت جهة الطاولة إلى 
مين المجهره ثم وضعت لوح كتابيٍ وقلمي. تناولت أنبوبين مصنوعين من 
البوليسيلوكساين ووضعتهما في الكان الصحيح» ووضعت ملعقة صغيرة قرهماء 
بالإضافة إلى رزمة من الأوراق المطلية» ومسماك (لقياس السماكة) تصل دقته إلى 
عر وول قور القن لعي ١‏ 

وضع دينيز صندوقين من الكرتون عند كل طرف من طرفي الطاولة: 
صندوق كبير وصندوق صغير, وكلاهما مختومان ومصنفان بعناية. أزحت الغطاء 
عن الصندوق الكبير» واخترت أجزاء من عظام إيزابيل غاغنون» ووضعتُها على 
النصف الأبمن من سطح الطاولة. 

فتحت الصندوق الأصغر بعد ذلك. سبق لعائلة شانتال تروتييه أن استلمت 
جثتها ودفنتهاء لکا اشا اا و من عظامها لتكون دليلاً. يُعتبر ذلك 
اا في بالنسبة لحالات القتل الي تتضمن إصابات العظام» أو التشويه. 

تناولت ستة عشر كيساً من أكياس زيبلوك ووضعتُّها في الجهة اليسرى من 
الطاولة. حمل كل كيس منها إشارة إلى ذلك القسم من العظام الذي يحتويه 
وجهّتها: المعصم الأبمن» العصم الأيسرء الركبة اليمئ» الفقرات العنقية» الفقرات 
الصدرية والقطنية (أسفل الظهر). أفرغت محتويات كل كيس ورتبتها في وضعها 
ار لصحي وتيف راي ع ال إل جا اة المقابلة ها ين 

164 


عظام قصبة الساق» وعظام الشظية؛ فشكلت بذلك مفاصل الركبة. تمثل كل 
معسصم بخمسة عشر سنتمتراً من عظام الكعبرة والرند. لاحظت أن أطراف العظام 
التي جرى تشريحها كانت محرزة بوضوح. أدركت أنه يستحيل أن أخطئ في ييز 
هذه الحروز عن تلك الي أحدثها القاتل. 

قربت العلبة الي تضم أنابيب مزج وفتحت أحدهاء ثم استخرحت منها 
شريطاً أزرق الوت توي مادة تحمل آثار الأسنان» ووضعيّها على أعلى الورقة. 
اسستخر جحت كريط أن بيض اللون من الأنبوب الثاي. انتقيت إحدى عظام ذراع 
تسروتييه ووضعتها en‏ الملعقة. عملت بسرعة على مزج وسيط 
كسان أزرق ا الفاعادة البيضاء ثم انصرفت إلى عجن وقشط المادتين ل 
أن" أطخا ناذه لواسة اة وضعت المزيج في حقنة بلاستيكية؛ ثم ضغطتها 
عثل الطريقة الي تزيّن فيها الكعكة (الكاتى)» وغطيت بها سطح المفصل بعناية 
شديدة. 

وضعت العظمة الأولى على الطاولة» ثم نظّفت الملعقة والحقنة. نزعت بعد 
a‏ الود بير O‏ 
نزعت كل قالب فور تمده وعرّفت رقم الحالة» والموقع التشريحي» والحجهة 
والتاريخ» ووضعتّه إلى حانب العظمة الي بمائلها. كرّرت هذا الإحراء حي تكوّن 
أمامي قالب مطاطي أزرق إزاء كل عظمة من العظام الموجودة أمامي . استغرقتي 
العملية بأكملها حوالى الساعتين من الزمن. 

انتقلت بعدها إلى المجهر» وحددت درجة التكبير ثم عتلت الضوء الليفي - 
البصري كي يؤلف زاوية على لوحة المشاهدة. بدأث فحصاً مدقا لكل الحزوز 
والخحدوش الصغيرة ة مع عظمة فخذ إيزابيل غاغنون اليمى الى صنعت قالباً ها 
لتوي. 

بدت لي علامات الحروز على نوعين. تميزت كل عظمة من عظام الساعدين 
بوجود بجموعة مسن المنخفضات الي تشبه الخنادق؛ وال تتوازى مع أسطح 
المفاصل. لاان جدران المنخفضات كانت مستقيمة» وتنحدر لتلتقي مع 
أرضيتهاء بالإضافة إلى أفها تشكل زاوية مقدار تسعين درجة معها. بلغت معظم 
هذه الحزوز الي تشبه الخنادق أقل من ربع البوصة طولاًء أما عرضها فبلغ خمسة 

165 


من أصل مغة من البوصة في المعدل. لاحظت أيضا يضاً أن عظام الساقين كانت محاطة 
بأحاديد دائرية ذات طبيعة مشاكة. 

شاهدت أن هذه العلامات تأحذ شكل 297 لكنها أضيق» وافتقدت الأخاديد 
الى تشبه الخنادق تلك الحدران والأرضيات العامودية. لاحظت أن هذه الشقوق» 
الي تشبه الحرف 007 تتوازى مع الأحاديد الموجودة على أطراف العظام الطويلةء 
لكنها كانت مفردة في محاجر الوركين وف الفقرات. 

وضعت مخططاً لكل علامة» وسجّلتُ طوهاء وعرضهاء وعمقها في حالة 
وجود الأحاديد. لاحظت كل حندق بعد ذلك وقارنته مع القالب الذي صنعته له 
وذلك من الجهة العليا والمقاطع. مكُنتي القوالب من رؤية ميزات دقيقة لم أستطع 
رؤيتها عندما نظرت إلى الأخاديد مباشرة. ظهرت نتوءات كيز جا وأحاديد, 
وخدوش تركت علامات على الجدران والأرضيات» وال ظهرت كلها مثل صور 
سلبية ثلاثية الأبعاد. بدا الأمر وكأني انظر إلى خريطة إغاثة بكل جزرهاء 
ومسطحاقا الزراعية» وتضاريسها الصخرية» وقد امتلك كل خندق قالباً بلاستيكياً 
أزرق اللون عائله. 

فصنت الأطراف عند المفاصل» وهكذا بقيت العظام الطويلة سليمة. بقي 
هناك استثناء واحد. قطعت عظام الذراعين السفلى فوق المعصمين مباشرة. انتقلت 
كي أتفحص النهايات المقطوعة لعظمتّي الكعبرة والزند. لاحظت وجود عظام 
المهماز المنفصلة وموقعهاء وحللت السطح المقطعي لكل شق انتهيت من العمل مع 
غاغنون» فكرّرت العملية ذاها مع تروتييه. 

سألي دينيسز أثناء عملي ما إذا كان يستطيع أن يضع شيئاً ما ويقفل عليه. 
وافقت على طلبه لكنئ لم أنتبه تماما لما قاله. ولم أنتبه إلى الهدوء المخيّم. 

"ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت؟" 

كادت فقرة العظام الي تناولتها من تحت امجهر أن تقع من يدي 

"يا إلمي. رايان! لا تفعل ذلك!" 

"لا تحزعيء راي الكمي هناد ليكو أن أمرٌ لأرى إن كان دينيز يعمل 
وقتاً إضافياً". 

"كم الساعة الآن؟" جمعت ما تبقى من فقرات ووضعتها في كيسها. 


166 


نظر آندرو رايان إلى ساعته: "الخامسة والأربعين دقيقة". راقبئ عندما رفعت 
الأكياس ووضعتها في صندوق كرتون أصغر, ثم وضعت الغطاء فوقه. 

"هل وجحدت شيئاً مفيداً؟" 

"نعم". 

أحكمت وضع الغطاء في مكانه» ثم تناولت العظام العانية العائدة لإيزابيل 
غاغنون. 

"لا يعطي كلوديل أهمية كبيرة لعملك على تتبع آثار المناشير". 

كان بالتأكيد قولاً غير مناسب بالرة. وضعت العظام في صندوق أكبر. 

وضعت لوحي الكتف في الد وتقدمت كي أتناول عظام الا 

"ما رأيك؟" 

"اللعنة! لا أعرف". 

تابعتُ وضع العظام في الصندوق: "لديك حبرة بالنجارة وشؤون الجص» 
لكن ماذا تعرف عن المناشير؟" 

"إا تقطع الأشياء". 

ا لكن أي نوع من الأشياء؟" 

"إها تقطع النشب» والأشجار المعرشة» والمعادن". توقف قليلا. "والعظام". 

"كيف". 

استغرق بالتفكير لدقيقة من الزمن. "تستخدم المناشير أسناناً تندفع وتنسحب» 
ثم تقطع طريقها في المادة ابي تنشرها". 

"ماذا بشأن المناشير الدائرية؟" 

اوعدا ا" 

"هل تقطع الشيء الذي تدشره» أم أا تحفر من خلاله؟" 

"ماذا تقصدين؟" 

"هل أسنافا حادة عند الطرف أم أا مسطحة؟ هل تقطع المادة قطعاً أم أا 
تنشرها؟" 


167 


"أوه". 

"وهل تقطع هذه المناشير أثناء حركة الأسنان ذهاباً أم أثناء حركتها رجوعا؟" 

"ماذا تقصدين؟" 

"قلت إن الأسنان تندفع وتتسحبء فهل تقطع أثناء حركة الدفع أم أثناء 
حركة السحب؟" 

"أوه". 

"هل هذه المناشير مصممة لتقطع من فوق السطح أم من حلاله؟" 

"وهل يشكل ذلك فرقا؟" 

"كم تبعد أسنان المناشير عن بعضها؟ وهل تتواجد على بعد مسافات 
متمائلة؟ وكم 52 يوجد في الشفرة الواحدة؟ وما هو شكلها؟ وما هي زاويتها من 
الأمام وحن الوراء؟ وهل أطراقها حادة أم مسطحة؟ وما هو موقعها بالنسبة إلى 
بطح الخفا 80 وما عو بو رد 

ل كنا و خرن التاق "7 

أكملت وضع آحر عظام إيزابيل غاغنون أثناء حديثي» وأحكمت إغلاق 
الغطاء. 

"توجد مئات الأنواع من المناشير المختلفة: المناشير المقطعية. مناشير الشق. 
مناشير التقليم. مناشير الحديد. المناشير الثاقبة. مناشير المطبخ واللحم. مناشير 
ريوبا. مناشير جيغلي. مناشير العصّي. مناشير العظام والأمشاط. إن كل المناشير 
الي ذكرقا هي مناشير يدوية فقط. تعمل بعض المناشير بقوة العضلات» بينما 
يعمل بعضها الآحر بالطاقة الكهربائية» أو بواسطة الوقود. يتحرك بعضها بفعل 
العراود» إيجما وستحا يعضها اراح التراكة لمعمو ويعضها كحرف ججيده 
وذهاباًء وبعضها يستخدم شفرة دوّارة. صُمّمت المناشير كي تقطع أنواعاً مختلفة 

من المواد» ولتقوم بأعمال متنوعة أثناء عملية القطع. وإذا حصرنا تفكيرنا بالمناشير 

اليدوية» وهي المستخدمة هناء فإِها تتنوع كثيرا بحسب أبعاد شفراقاء وحجم 
أسنانها وتباعدها عن بعضهاء ومواقعها". 

نظرت کي أتأكذ ما إذا كان ما يزال يصغي إلي. كان يصغي» وبدت عيناه 
الزرقاوان مثل شعلة غاز زرقاء. 


168 


"إن كل ما قلته يعني أن المناشير تترك علامات ران مواد تل ا 
تتفاوت الأخاديد الي تتركها في عرضهاء وتؤلف أناطاً مختلفةٌ في جدرافا 
وأرضياتها". 

"وهكذا إذا كانت لديك عظمة» هل تستطيعين تحديد نوع المنشار الذي 
استُخدم في قطعها؟" 

'لا. لكنك تستطيع معرفة أقرب الاحتمالات لنوع المنشار الذي أحد 
الحزوز". 

استوعب ما قلته له» وقال: "و کیف عرفت أنه منشار يدوي؟" 

"لا تعتمد المناشير الآلية على قوة العضلات» ولهذا تترك ڈث شقوقاً كر انا 
ونلاحظ أن الخدوش الموجودة في الشقوق» والحزوز الدقيقةء تتّحذ أغاطاً أكثر 
اتتظاما. يلظ أيضا أن اتحاه الشق يتميز بانتظام أكثر» لأنك لا ترى الكثير من 
التعيّر في الاتحاهات مثلما يلاحظ مع المناشير اليدوية". فكرت لمدة دقيقة. "ولأن 
الأمر لا يستدعي الكثير من الطاقة البشرية فإن الأشخاص الذين يستخدمون 
المناشير الآلية يتركون الكثير من بدايات النشر الزائفة. تتميز هذه البدايات بأها 
أعمقء وبالإضافة إلى ذلك فإن مناشير هؤلاء تترك شذرات منفصلة أكبر عند 
انفصال العظمة أخيراء بسبب ضغطهم بشدة على المادة الى ينشروفاء أو بسبب 
ثقل المنشار". 

"وماذا يحدث عندما يستخدم شخص قوي بالفعل منشاراً يدوياً؟" 

"إنه افتراض سليمء تعتبر المهارة والقوة الفردية من العوامل المهمة» لكن 
المناشبر الآلية تترك خحدوشاً في بداية عملية القطع» لأن الشفرة تبدأ بالدوران قبل 
حصول الاحتكاك مع المادة الي تقطعها. يحدث الأمر ذاته في المناشير الآلية عند 
فاية عملية القطع". توقفت قليلاء لكنه انتظرن هذه المرة. "يحدث التحوّل الكبير 
في الطاقة عند المناشير الآلية نوعا من الصقل على السطح المقطوع؛ لكن المناشير 
اليدوية لا تفعل ذلك". 

E‏ ني انتهيت فعلاً من كلامي. 

"في بداية دحول الشفرة في العظمة فإها تُحدث أحدوداء أو شقا مع زوايا 
في السطح الذي بدأت فيه عملية القطع. وعندما يتحرك المنشار بعمق أكثر في 

169 


العظمة» فإن الزوايا الأولية تصبح حدرانا ويُحدث الشق أرضية متمايزة. إنه يشبه 
الخندق في هذه الحالة. وإذا ما ابتعدت الشفرة عنه» أو سّحبت قبل إكمال طريقها 
في العظمة: فإن الشق المتبقي يعرف ببداية نشر مزيفة. تحتوي بداية النشر المزيفة 
على كل أنواع المعطيات. يحدد عرض شفرة لها ورم أسنافها عرض هذه 
البداية المزيفة. تأحذ البداية المريفة أيضاً الشكل المميز في مقطعها العرضي» كما أن 
أسنان الشفرة قد تترك علامات على جدرافا". 

"مادا يحدث حين يتجه المنشار بشكل مستقيم خلال العظمة؟" 

"إذا تقدمت عملسية القطع من خلال العظمة فإن أرضية الشق تبقى مرئية 
جزتيا في النتوءات المنفصلة. تبقى هذه النتوءات على حافة العظمة عند نقطة 
انفصاها في النهاية. ونستطيع أن نرى بالإضافة إلى ذلك آثار الأسنان على السطح 
المقطوع". 

تناولت عظمة الكعبرة العائدة إلى غاغنون» وبحشت فيها عن بداية نشر جزئية 
زائفة» ثم قمت بتسليط زاوية ضوء الألياف البصرية عليها 00 

"انظر إلى هذه هنا". 

انح وركز بصره على العدسة» وعدّل درجة التركيز. 

"أحل. إن أراها". 

"انظر إلى رض یادا رت 

"إا تبدو متكتلة". 

"صحيح. إن تلك الكل هي ,مثابة جزر عظمية» ووجودها يعن أن أسنان 
االشار موحودة بزوايا متناوبة مع شفرة المنشار. يتسبب نوع هذه ال مجموعة في 
إحداث ظاهرة تدعى انحراف الشفرة". 

رفع را عن عدسة اججهر ونظر إلي بشرود. ترك إطار العدسة آثار حلقتين 
محردويية علبي وجه وبدت كأنها حزورٌ ظهرت على وجه سبّاح يضع نظارة 

"عندما يبدأ السنّ الأول بالقطع في العظمة فإِهًا تحاول أن تتوازى مع سطح 
الشفرة. يبحث هذا السنْ عن خط النتصف» وتتماشى الشفرة مع هذه المحاولة. 
تحاول العظمة أن تفعل الشيء ذاته عندما تدحل السنْ الثانية» لكن هذه السنّ تميل 

170 


إلى الجهة المعاكسة, وتتكيّف الشفرة مع هذا الوضع. تحدث العملية ذاتهما مع دخول 
كل سن وهكذا تنغير القوى الفاعلة على الشفرة بشكل مستمر. تقوم الشفرة 
فيجة لذلك نارك إل الخلف وإلى الأمام في الشق. وح ف جموخة الأسناق 
الصفوفة بشكل واسع» إلى درجة أن المادة نفسها ترك في خط منتصف الشق. 
تبقى هذه المادة على شكل جزر عظمية» وكتل". 
"أي أن ذلك يدل على أن الأسنان مائلة". 
"ندل على أكثر من ذلك في الواقع. إن كل تغيّر في اتحاه السن ينتج عن قدوم 
سن حديد أما المسافة ما بين هذه التغيّرات في الاتحاه فتدل على المسافة الموجودة 
بين الأسنان. تمثل الحزر العظمية أوسع نقاط الانجراف» ولذلك فإنْ المسافة ما بين 
كل ي وخر ماري الشنافة الفاصلدين سن وس دعي اريك شيا ا 
سحبت عظمة الكعبرة» ثم وضعت عظمة الزند بحيث أضيء سطح القطع في 
فايته عند الرسغ» ثم تراجعت من أمام اجهر. 
"أتستطيع رؤية تلك الخطوط المتموجحة على سطح القطع؟" 
أجل دو رع ا كلت مير لكنها كيرف اراد دات 
"تدعى توافقيات. يترك انحراف الشفرة هذه القمم والوديان على جدار 
القطع أثناء مغادرتها الحزر العظمية على الأرضيات. تتوافق القمم والحزر مع النقاط 
الواسعة في الانحراف» أي تتوافق الوديان والمسطحات الضيقة للأرضية مع نقاط 
الانخراف عندما تكون الشفرة أقرب ما يكون إلى خط الوسط". 
"وهل تستطيعين قياس هذه القمم والوديان مثلما تفعلين مع الجرر؟" 
"بالضبط". 
"لذا لماذا لا أستطيع ل أي شيء أسفل الشق؟" 
"بمحدث الانجراف غالباً في بداية عملية القطع أو في هايتهاء أي عندما تتحرر 
الشفرة وتخرج من العظمة". 
"يبدو هذا معقولاً". رفع رأسه. ارتسم منظر النظارة الضيقة على وجهه 
يجدداء. 
"هل بمكنك قول أي شيء عن الاتجاه؟" 
"أتعى حركة الشفرة» أو تقدم الشفرة؟" 
171 


"وما هو الفرق؟" 

"يعتمد اتحاه الحركة على ما إذا كانت الشفرة تقطع أثناء الدفع أو السحب. 
صّمّمت معظم الناشير الغربية كي تقطع أثناء مر حلة الدفع» لكن بعض المناشير 
اليابانية تقطع أثناء عملية السحب. تستطيع بعض هذه المناشير أن تنشر بالاتجاهين. 
أما تقدّم الشفرة فيعتمد على اتحاه تحرك الشفرة حلال العظمة". 

"هل تستطيعين تحديد الفرق بينهما؟" 

"أجل". 1 ٍ 

فرك عينيه» وحاول أن ينظر إلي في الوقت ذاته» وسألئ: "إذاء ماذا لديك؟" 

تأحرت بالإحابة» وبدأت أفرك منطقة أسفل ظهريء ثم تناولت لوح كتابي 
وبدأت أقلب بين أوراق ملاحظان» واحترت النقاط الى همي. 

"تمتلك عظام إيزابيل غاغنون بدايات نشر قليلة جداً. يبلغ قياس عرض 
تتواحد التوافقيات أيضاء بالإضافة إلى جزر العظام. نستطيع قياس النوعين". قلبت 
صفحة. "تو جحد أيضاً بعض الكسرات الي تدل على انتهاء عملية القطع". 

انتظرَن حن أتابع حديثي. لم أتابع» فقال: "ماذا يعني كل ذلك؟" 

"أعتقد أننا أمام منشار يدوي يتميز بأسنان متناوبة» ولعله من نوع عشرة 
11 . 

"أتقولين بم ؟" 

"إا تعن الأسنان في البوصة الواحدة؟ أي أن المسافة بين السنّ والسنّ تبلغ 
الدفع". 

"آم فهمت". 

"أماانمحراف الشفرة فهو في حذه الأقصى» بالإضافة إلى وحود الكثير من 
الشذرات عند انتهاء عملية القطع. يبدو لي أن الشفرة تستطيع أن تقطع بكفاءة عن 
طريق حفر المادة وإزالتها كلياً. أعتقد أن المنشار مصمّم على شاكلة منشار 
حديدي كبير جدا. وتدل الجزر العظمية على أن مجموعة الأسنان متباعدة» وذلك 
من أجل تحنب الالتواء". 

172 


"وإلى أين يوصلنا ذلك؟" 

كنت متأكدة جداً من الأداة الى سببت هذه الشقوق» لكنئ لم أكن مستعدة 
لإعطاء هذه المعلومات لأحد. 

"أرغت بالتحدث مع شخص آخر قبل أن أتوصل إلى استنتاج شائي". 

"هل من شيء آحر؟" 

فتحت الورقة الأولى من أوراق ملاحظاق» ولنصت الملاحظات الى توصلت 
إليها. 

"تتواجحد البدايات الزائفة على الأسطح الأمامية من العظام الطويلة. وتواحدت 
السشذرات المنفصلة على الأسطح الخلفية. يُحتمل أن يعن ذلك أن الحثة كانت 
تستلقي على ظهرها أثناء عملية تقطيعها. للع عاد عد الكت كا ت 
اليدان. وشا الساقان عند منطقة الوركين» و فقت مفاصل الر كبتين. قطع الرأس 
عند مستوى الفقرة العنقية الخامسة. فتح القسم الأعلى من المع عن طريق حرج 
عامودي شق طريقه إلى العمود الفقري . 

هز رأسه: "يبدو ن الرجل ماهر فعلاً باستخدام مشار 

اك لتر اك علدا و 

ا 

"استخدم السكين أيضا". 

عدّلت موضع عظمة الزندء وغيّرتُ درجة التركيز : "ألق نظرة أخرى". 

انحن فوق المجهر. لم أغفل عن ملاحظة مؤخرته الرائعة المشدودة. يا إهي» 
برينان... 

"لست مضطرا آن:تضغط هذه القوة على العدسة". 

استرحت كتفاه قليل» وغيّر وقفته. 

"أترى الحزوز الى كنا نتحدث عنها؟" 

"آه - ها" . 

"انظر الآن إلى ناحية اليسار. هل ترى ذلك الجر ح الضيّق؟" 

بقي صامتاً للحظة وعدّل درجة التركيز: "يبدو أقرب إلى شكل الإسفين» 
كما أنه ليس مربعاء ولیس عريضا". 

173 


"أنت على حق. نتج هذا اجرح عن سكين". 

القت افا "يفيت آثار دائرتين بحدداً على وجهه. 

"تتحذ علامات السكين مط ددا تتوازی معظم هذه العلامات مع بدايات 
النشر الزائفة» وتتقاطع مع بعضها. إنه النوع الوحيد الذي ألاحظه في مفاصل 
الوركين» وفي الفقرات". 

"وماذا يعي ذلك؟" 

"تتواحد بعض آثار السكين فوق آثار المنشارء وبعضها يتواجد من تحتهاء 
ويدلّنا ذلك على أن القطع جاء قبل عملية النشر وبعدها. أعتقد أنه قطع اللحم 
بالسكين» ثم عمد إلى فصل المفاصل بالنشار» ثم أغغى عمله بالسكين» ولرعا 
استخدمها لفصل أي عضلات أو أوتار قد تكون بقيت تربط العظام مع بعضها. 
بدأ الرحل عمله بالمفاصلء ما عدا منطقتي الرسغين. عمد الرجلء» لسبب ماء إلى 
نشر اليدين فوق الرسغين» ثم كان ينهي عمله في نشر عظام الذراعين اا 

أومأ. 

"قطع ابحرم رأس إيزابيل غاغنون» وفتح صدرها مستخدما السكين فقط. لم 
أشاهد أي آثار منشار على أي فقرة من الفقرات". 

عيّم الصمت للحظات قليلة» وتأملنا قليلاً في هذه النقطة. أردته أن يستوعبها 
قبل أن أفجّر قنبلي. 

"أحريت فحصاً على عظام تروتييه أيضاً". ٍ 

التقت العينان الزرقاوان بعييّ. بدا وجهه النحيل متوترأء وممطوطاء أثناء 
تحضره لتلقي ما على قوله. 

"جاءت النتائج مت 0 

بلع ريقه واد سا ميف تكلم هدوم يي "لا بد أن الفريون هو الذي 
يجري في شرايين هذا الرحل". 

ابتعد رايان عن الطاولة في اللحظة ذاتما الى أطْل فيها البواب برأسه من لال 
الباب. استدار كلانا كي ننظر إليه» لكنه ما لبث أن انصرف بسرعة» ما إن رأى 
تعابير وجهينا التعيسة. التقت عينا رايان بعييّ بحدداً. لاحظت أن عضلات فكّه قد 
توترت. 

174 


"اعرضي هذه المعطيات على كلوديل. أعتقد أنك ستقنعينه". 

"يتعيّن علي أن ا أولاً. سأقصد كابيتان كونجينيال 
(النقيب اللطيف) بعد ذلك". 

غادر من دون أن يقول وداعاً. اميت إعادة وضع العظام في صناديقهاء 
وتركت الصناديق على الطاولةء ثم أقفلت باب المختبر ورائي. لاحظت» عندما 
عبرت قاعة انال رامد أن عقارب الساعة الموجودة فوق أبواب المصاعد 
فير ل 00ت وعد ننس علدا ووی اي ا 
قد تأحر لتنفيذ الأمرين الأخيرين اللذين عزمت على إفائهماء لكني قرّرت أن 
أحاول على أي حال. 

مدررك من مام ماحي؛ ترات كي ار ار الأير الموجود على جهة 
اليمين. شاهدت لوحة كتب عليها المعلوماتية» وكتب تحتها الاسم لوسي دومون 
بکل وضوح. 

تأخرت المعلوماتية 3 بالوضول إل “خيرات الطب الشرعي ر رات العلوم 
القضائية: إل أن اتتصلت بشبكة الإنترنت. بلغت المعلوماتية أقصى حد لما في 
خحريف العام 1993» وبدأت المعطيات بالتدفق إلى نظام الكمبيوتر. نستطيع الآن أن 
نتت بع القضايا الجديدة الي يتم تنسيقها مع الملفات الرئيسية. أما قضايا الأعوام 
الماضية فيتم إدعالمها تدريجيا في قاعدة البيانات. بلغت مؤسسة الاستشارات 
القضائية عصر الكمبيوتر بقيادة لوسي دومون. 

ودن هام طرقت الباب مع معرفي أنني لن ألقى جواباً. غادر 
الحميع مكاتبهم بحلول الساعة 6:30 مساءء حن لوسي دومون. 

مشيت بتثاقل نحو مكتي. تناولت دليل عضويى في الأكاديمية الأميركية 
للعلوم العدلية. وجدت الاسم الذي كنت أبحث عنه. نظرت إلى ساعي» وبدأت 
بالحساب بسرعة. لا بد أن الساعة هناك تشير إلى الرابعة والأربعين دقيقة فقط. أو 
لعلها الخامسة والأربعين دقيقة. هل تتبع أوكلاهوما التوقيت الحبلي» أم توقيت 
المنطقة الوسطى؟ 

"اللعنة!" قلت وأنا أنقر رمز المنطقة ورقمها. أحابيي صوت شخصء فطلبت 
التحدث مع آرون كالفرت. قيل لي بطريقة ودية» وبصوت حارج من الأنف» 

175 


إن أتحدث مع الخدمة الليلية» لكنهم مستعدون لنقل رسالة. تركت امي ورقمي» 
ثم أنميت المكالمة من دون أن أعرف منطقة التوقيت الي أتحدث معها. 

م تعجبي طريقة سير الأمور. توقفت للحظة» وأسفت لأني ع أحزم أمري 
في وقت أبكر من اليو . توجهت حماسن نحو جهاز الهاتف بحدداً. طلبت رقم 
غابي» لكنبي م الق راا وح الآلة ليب كانت مفصولة. حاولت الاتصال 
ممكتبها في الجامعة» بدأ الخط بعد أربع رثات بإعطاء إشارة مشغول. كنت على 
وشك قطع الاتصال عندما معت صوت شخص قال إنه من مكتب الإدارة. 
أفادي بأهم 0 يروها. أضاف أا م تأحذ رسائلها البريدية حلال الأيام القليلة 
اا عدا لسن مما ى فض الضف شكرت الرجل ثم أهيت 
المكالمة. 

"يا للمصادفة!" لم أوجّه كلامي إلى شخص 0 م أوفق بالاتصال بلوسي» 
ولا آرون ولا غاي. يا اللهء أين أنت يا غابي؟ لا أريد أن أفكر بالمكان الذي يُمكن 
أن تتواجد فيه. 

نقرت النشافة بقلم. 

"بعيدة وعالية". 

نقرت أكثر. 

ا متجاهلة لاسا را و طول تقر ت ددا وك ريك تولك قر 
أخرى . 

."D.Q" 

تراحعت إلى الخلف وقذفت بالقلم في الهواء. 

"غلطة مزدوجة". 

أمسكتٌ بالقلم وقذفت به في الهواء بحدداً. 

"يا للخطأ الشخصي!" 

انطلق القلم بحددا في الهواء. 

"حان الوقت للتحوّل إلى لعبة جديدة". 

أمسكي بالقلم. اقذفيه. ّ 

"حان الوقت للانطلاق والإصرار" 

176 


أمسكتُ بالقلم واحتفظت به. بدأتُ محدداً. نظرت إلى القلم. انطلقي. هذا 
كل شيء. 
"حسناً". قلنُها وأرحعت مقعدي إلى الوراء قبل أن أتناول محفظي. 
EE‏ 
علقت حفظي على كتفي وأطفأت النور. 
"سأقذفها في وحهك يا كلوديل!" 


177 


14 





حاولست استئناف مناجاتي مع نفسي عندما ربت سياري المازدا. لم ينجح 
الأمر. حعلتي حالة ترقي للخطط الي أعددُقا للمساء متوترة جداء بشكل منعني 
من التفكير لمحدي. قدت سيارتي نحو شقي» ولم أتوقف إلا عند كوجاكس كي 
أتناول طبق السوفلاكي. | 
تجاهلت تحية بيردي المعاتبة عندما وصلت إلى منزلي. توجهت مباشرة 
إلى الثلاجة وتناولت زحاحة كولا دايت. وضعتّها على الطاولة إلى جحانب 
الكيس الملوّث بالدهن الذي يحتوي عشائي» ثم ألقيت نظرة على الآلة الحيبة. 
حدّقت الآلة بي بدورها صامتة» ومن دون ضوء وامض. لم تتصل بي غابي. خيم 
من حولي إحساسٌ بالقلق» وانطلق قلبي في أداء معزوفة سريعة مل قائد فرقة 
موسيقية. 1 
توحهت إلى غرفة نومي ورحت أفنّش في خزانيٍ الموحودة قرب سريري. 
كان الشيء الذي أبحث عنه قابعاً في الدج الثالث. نقله إلى غرفة الطعا» ونشرثه 
فوق الطاولة» ثم فتحتُ زجاجة الكولا وطبق السوفلاكي. لم ينجح الأمر. دفع 
منظر الأررٌ المغطى بالدهن» واللحم المطبوخ كثيراء معدي إلى الانسحاب مثلما 
يفعل سرطان بحري. فتناولت شريحة من الخبز العربي. ٍ 
حددت الشارع الذي أسكنه على الخريطة؛ وعيّنت طريقا يؤدي إلى حارج 
منطقة وسط المدينة سنتر فيل» وير عبر النهر حى الشاطئ الحنوبي. طويت الخريطة 
الي ظهر مدينتي سان لامبرت ولانغويل» بعد أن وحدت الحي الذي أريده. 
18 


حربت قضمة أحرى من السوفلاكي أثناء تعرَّقٍ على معام المدينة» لكن معدت 
رفضت التخخلي عن سلبيتهاء لذلك لم تنقبل أي دفعة جديدة من الطعام. 

اقترب بيردي من لمسافة سبعة سنتمترات. دفعت وعاء الألومينيوم في اتجاهه 
وقلت له: "استمتع كما يحلو لك". بدا مندهشا. تردّد قليلاء ثم تمرك تحاهه. لم 
يتأخر في البدء بالخرخرة. 

وحدتُ مصباحاً يعمل على البطارية» وزوجاً من قفازات الحديقة» وعلبة من 
طارد الحشرات» في الخزانة الموحودة في القاعة. وضعت كل هذه الأغراض» بالإضافة 
إلى الخريطة» ورزمة من الأوراق» ولوح كتابة» في حقيبة ظهري. بدّلت ملابسي؛ 
وارتديت بلوزة وسروال من الجينز» وانتعلت حذاء رياضياً ثم جمعت شعري يي 
جديلة؛ وأحكمت ربطها. تناولت» بعد فترة تفكير قصيرة» قميصاً من الجينز ذات 
كمّين طويلين وحشرقا في الحقيبة. أمسكت رزمة الأوراق الموجودة قرب الحاتف 
وكتبت: "ذهبت كي أتحقق من علامة × الثالثة؛ سان لامبرت". نظرت إلى ساعي 
رافق عور ل E‏ أضفت التاريخ والساعة» ثم وضعت رزمة الأوراق على 
طاولة غرفة الطعام. لعل ما فعليّه لم يكن ضرورياًء لكن بهذا أكون قد تركت أثرا 
على الأقل يدل على مكان تواجحدي في حال وقوعي في المتاعب. 

رضحعت اللمقيية على "كفي ماقت ينتاج نظام امات ي ي لكن ي 
فك اس :تزرب الأرا E A‏ نك ل بغر 
الأرقام للمرة الثانية. توقفتٌ قليلاً وأغمضت عي ثم ردّدتُ كل كلمة من عبارة 
أتساءل عما سيفعله الملك هذه الليلة. اعتدت اللجوء إلى هذا التمرين الذهيٰ 
كي أتسلى. تعلمت هذه الحيلة عندما كنت ف المدرسة الثانوية» ونحح الأمر معي 
كالعادة. ساعدي هذا التمرين» الذي كنت أمارسه قي أوقات الاستراحة في مدرسة 
كاميلوت» على استعادة سيطرت على الوضع. نقرت المفتاح من دون حطأ هذه 
المرة» ثم غادرت الشقة. 

حرجت من المرآب» وقدت السيارة حول المجمّع السكيٰ» ثم سلكت طريق 
سانت كائرين الذي يقع إلى الشرق من دي لامونتان, ثم انعطفت بسيارت جنوبا 
نمحر جسر فيكتورياء ا a‏ بين حزيرة مونتريال 
وبين الشاطئ الحنوبي لنهر سان لوران. لاحظت أن الغيوم الي كانت تزحف في 

179 


سء المساء اه الآن للقيام بعملٍ اجذي رعا. ملأت هذه الغيوم الآفاق» وبدت 
داكنة ا بالسوء» فبدا النهر عدائيا عياهه الرمادية. 

حكنت من رؤية جزيرة نوتردام وجزيرة سانتا هيلينا الموحودتين أعلى 
اقم شتاهدت أ ضا جر جاك كاركية قرسا فوقهما. ررضتت ار تان 
الصغيرتان في حالة تحهّم وظلمة حالكة. لا بد من أن ابحزيرتين نبضتا بالحركة 
والمحياة حلال معرض إكسبو 67» لكنهما ركنتا للهدوء الآن» وعيّم الصمت 
عليهماء واستكانتا للخمول» فبدتا مثل أطلال حضارة قليعة. 

تقع حزيرة دي سويروس وجزيرة ناذرات العفة أسفل النهر. كانت 
الجريرتان ملكا لدار العبادة ذات يوم» لكن جزيرة ناذرات العفة هي الآن ملك 
المواطنين الأصاليين (السيوبي)» وهي عبارة عن تجمعات من الشقق» وملاعب 
الغولف» وملاعب كرة المضرب» ويرك السبباحة؛ ويبرز فيها جسر شاميلاين» وهو 
شريان الجزيرة الحيوي الذي يصلها مع المدينة. ومضت أضواء الأبراج السكنية 
العالية» وكأها تتنافس مع الأضواء المتلألئة في البعيد. 

وصلت إلى الشاطئ الجنوبي» وسرت في بولفار السير ويلفريد لوريبه. تغيرت 
ألوان السماء المسائية أثناء عبوري النهرء فعكست اللون الأحضر المخيف. أوقفت 
الحسيارة كي افص اطريطة حذدت موقي مدمه الأشكال الزعرذية 
الصغيرة الي تمثل المتنره وميدان سان لامبرت للغولف. وضعت الخريطة إلى 
حابي على المقعد. أضاءت ومضة من البرق سماء الليل في الوقت الذي أطلقت فيه 
عنان محرّك سيارت. ازدادت سرعة الرياح» وبدأت أولى قطرات المطر بالتناثر على 
زحاج سيارتي الأمامي. 

شققت طريقي عبر الظلمة المخيفة الي أنذرت بقدوم العاصفة» فأبطأت سير 
السيارة عند كل تقاطع كي أتفحص علامات الشوارع. تبعت الطريق الذي رسمه 
في ذهين» وانعطفت إلى اليسار من مكان هناء وإلى اليمين هناك ثم انعطفت ارا 
مرتين... 

ركنت سيارت إلى جانب الطريق بعد مرور عشر دقائق. بدت ضربات قلي 
مثل ضربات كرة الطاولة أثناء مباراة محتدمة. فركت راحتي يدي الرطبتين على 
سروالي الجينزء ونظرت من حولي. 

160 


اتسيف الما اكت :قاف و اة الظلية كر شير يه مروت مد 
أمام أحياء سكنية تتألف من منازل صغيرة» وشوارع تصطف الأشجار على 
جانبيهاء وقد وصلت إلى حافة بجمّع صناعي مهجور. سبق لي أن لاحظت أنه 
موجود على الخريطة بشكل هلال رمادي صغير. وجدتُ نفسي وحيدة بالكامل. 

شاهدت صفاً من المستودعات المهجورة الي تقع إلى يمين الشارع؛ وال أضاء 
مصباح السشارع الوحيد غير المعطل أشكاهما الخالية من الحياة. شاهدت معالم البناية 
الأقرب لمصباح الشارع هذا بوضوح تام» وقد بدت مثل دعامة في مسرح تنيره أنوار 
الأستديوء بينما بقيت البنايات الجاورة تحت الظلال الحالكة؛ أما البنايات البعيدة 
فوقعت في قبطة الظلمة الكاملة. حملت بعض البنايات لوحات تعرضها للبيع أو 
للإيجارء بينما لم تحمل بنايات أخرى أي لوحات» وكأن المالكين قد فقدوا الأمل في 
تأحيرها. لاحظت أن زجاج بعض النوافذ مكسورء وأن مواقف السيارات هي في 
وضع سيئ وتنتشر فيها الأنقاض والمهملات. بدا لكان بأكمله مثل صورة بالأبيض 
والأسود عن لندن أثناء تعرضها للقصف ف الحرب العالمية الثانية. 

م يكن المنظر الذي شاهدئه إلى يساري أقل قتامة. لم أشاهد شيئاً غير الظلمة 
التامة. وتطابق هذا الفراغ مع المساحة الملونة باللون الأحضرء والي لم تحمل اسما في 
الخريطة» أي في المكان لايو و سام حاك علامة × الثالثة. توقعت أن أجد 
قيرة و ین ا چ مها ضا 

اللعنة. 

وضعت يدي على عجلة القيادة» وحدّقت في الظلمة. 

والآن ماذا؟ 

في الواقع» لم أمطط لهذه المرحلة. 

التمع البرق» رافيء الغار a‏ طار شيء ما من 
عيسئمة الشارع :واصطدم بزحاج سياري الأمامي. قفزت من مقعدي» وأطلقت 
صرحخحة مكستومة. علق ذلك المحلوق على الزجاج لبرهة من الزمن؛ وراح يرسم 
بضرباته اليائسة ة آثاراً على الزحاج ثم طار ذلك الراكب العصبي في عتمة الليل. 

هدّئي من روعك يا برينان. عدن لقنا عهنا. تصاعد مستوى قلقي حى 
بلغ ما بعد السحاب. 


181 


مددت يدي إلى حقيبق. ارتديت قميصي الكتانية السميكة» ووضعت 
القفازين في حيبي الخلفي» ودسست المصباح الذي يعمل على البطارية في حزام 
حصري» و لم أترك في الحقيبة سوى دفتر ملاحظاتي وقلمي. 

أبلغت نفسي بأنيٰ لن أكون مضطرة لتدوين الملاحظات. 

فاحت رائحة المطر الممتزج مع رائحة الإسمنت الحار في هواء الليل» وا همكت 
الرياح بملاحقة بعض الأنقاض والمهملات على طول الشارع» وبعثرت أوراق 
الأشجار في الحواء على شكل إعصار قبل أن تلقيها أرضا في أكوام وتعيد بعثرتها 
من جديد. عبشت الرياح بشعري وتمسكت بثيابي» وطيّرت أطراف قميصي» فبدت 
وكأفا معلقة على حبل غسيل. أصلحت وضع قميصي وحملت المصباح بيدي. 
لاحظت أن يدي أحذت ترتعش. 

وجّهت ضوء المصباح كي ينير الشارع من أمامي. عبرثه ثم تحاوزت 
الرصيف إلى مر عشبي ضيّق. اكتشفت بأنن محقة حين شاهدت أمامي سياجا 
حديدياً صدا بعلو متر وثمانين سنتمترا تقريباء ويحيط بكامل قطعة الأرض. 
لاحظت على الجهة ا الشياة وجود أشجار وشجيرات متشابكة» وهي 
الى شكّلت غابة ل أوقف امتدادها السياج الحديدي. . وجهت صو الاچ كن 
ينير المساحة من أمامي» وحاولت النظر من خلال الأشجار لكني م أستطع تحديد 
مدى امتدادهاء أو ماذا يتواجد من بعدها. 

سرت مع السياج الذي تداحلت من خلاله الأغصان الي تكفلت الرياح 
برفعهاء وتراققصت الظلال عبر حزمة الضوء الدائرية الصفراء المنطلقة من 
مصباحي. تصادمت قطرات المطر مع أوراق الأشجار من فوق رأسي» لکن 
قطرات قليلة بجحت في التسلل لتصدم وجهي. أدركت أن انهمار المطر لم 
يعد بعيدا. اجتاحتي موجة ارتعاش نتيجة توقعي انخفاضا في درجة الحرارة» 
واللبخكة E‏ الى غيم بن ترق لزيد بح Ny E‏ نسي أن 
حلبت علبة الرذاذ الطارد للحشرات معي» بدلا من حلب سترة تقيئ من البرد 
والمطر. ّ ٍ 

عبرت ثلاثة أرباع قطعة الأرض قبل أن أصل إلى منخفض. سلطت نور 
المصباح على ما بدا لي أنه طريق» أو تمر خدمات. لاحظت أن هذا الممر يفضي إلى 

162 


مسساحة خخالية من الأشجار على بعد عدة أمتار. شاهدت مجموعة من البوابات 
الغلقة بسلسلة حديدية وقفل يعمل بحسب الأرقام. 

اا كد ارين لم يستخدم حديثاً. نمت الحشائش البرية من حلال 
الحصىء وامتدٌ حزام النفايات من دون انقطاع إلى ما بعد البوابة. وجَّهتْ ضوء 
المصباح من خلال الفتحة» لكن الضوء لم يخترق العتمة إلا لمسافة قصيرة. بدا الأمر 
مثل استخدام مصباح بيغ من أجل إضاءة قبة السماء. 0 

تقدمت ببطء لمسافة ثلاثين ياردة أحرى احرف أي حي وصلت إلى طرف 
قطعة الأرض. حلت أن الأمر استغرقي عقداً من الزمن. نظرت حولي عندما 
وصلت إلى الزاوية. ا 
نظرءتُ من خلال الظلمة إلى الحهة البعيدة من التقاطع؛ وال كانت شارعاً مظلما 
ومهحوراً مثل الشارع الذي أسير فيه. 

كنت من رؤية مساحة واسعة معبّدة بالإسفلت» ولاحظت | السياج الذي يحيط 
E‏ مكل قات مسو توقعت أن تكرت موقفاًللسيارات العااة مرفي 
ممصن أو ممستودع. بدا هذا الجمّع المهمل مضاءاً ممصباح كهر بائي' واحد معلقٍ في 
كرس حوب و ی ارتفع غطاء معدي فوق المصباح الذي يرسل أضواءه 
على مسافة ستة أمتار تقرياً. شاهدت الأنقاض المنتشرة فوق الرصيف الخاليء ورأيت 
ظلالاً نتشر هنا وهناك لمنازل صغيرة أو لأكواخ ُستخدم كمستودعات 

أصغيت لبرهة. عن افونا کا 5 
اللطرء ومن بعيد تناهى إلى أسماعي قصف الرعد» وكذلك سمعتُ دقات قلي 
القوية. لم يتسرب من ضوء مصباح الشارع إلا القدر الذي بدّد من الظلمة ما 
يكفي لإظهار يدي المرتعشتين. 

وبحت نفسي قائلة: "حسناً يا برينان, تغلّبي على خوفك, فلا مكاسب من 
دون ألم". 

قلست بصوت عال هذه المرة: "عمم. انطلاقة جيدة" . بدا صوق غريياً حبق 
بالنسبة لي. كان مکتوماء واکان الليل يبتلع كلما قبل وصوها إلى أذن. 

ركعت إل السياج الذي استدار مع زاوية قطعة الأرض بزاوية حادة إلى 
اليسار» فتوازى بذلك مع الشارع الذي وصلت إليه للتو. ار امعد أف 


183 


أن السياج ينتهي بجدار حجري على بعد ثلاثة سنتمترات. تراحعت قليلاًء ثم 
ا ا ي لی ادا قدّرت علو الجدار الرمادي اللون بحوالى المترين 
والنصف» ولاحظت أنه ينتهي بصف من الأحجار الصخرية الي تبعد عن مسطح 
الجدار مسافة حمسة عشر سنتمترا. امتد هذا الصف على طول الجدار الموازي 
للشارع» ولاحظت وجود فتحة في منتصف المسافة» وبدا لي اما مدحل قطعة 
الأرض. ْ 

تبعت مسار الحدار» ولاحظت وجود أوراق مبتلة وقطع الزحاج المنكسرء 
وعلب الألومينيوم الي تجمعت عند قاعدته. اف أنواعاً كثيرة من الأشياء الي 
م أكترث بتحديد نوعها. 

توقف الجدار بعد أن سرت حوالى غانية عشر مترأء وابتدأت عندها الشبكة 
الحديدية الصدئة بحدداً. شاهدت المزيد من البوابات ولاحظت أفها مقفلة مثلما كانت 
امحموعة الموحودة على المدحل الحاني. قرّبتُ ضوء المصباح كي أتمكن من رؤية 
السلاسل والقفل» فالتمعت أمامي السلسلة المعدنية. بدت هذه السلسلة جديدة. 

أعدت المصباح إلى حزام حصري» وحذبت السلسلة بقوة» لكنها بقيت 
ضساندة. حاولت خدداً ولقيت النيحة ذانها. ‏ تزابحضة فليا وتناولت المصباح» ثم 
بدأت بتمرير حزمة الضوء ببطء إلى أعلى القضبان الحديدية وأسفلها. 

تعلق شيء ما بساقي في تلك اللحظة بالذات. أمسكت بكاحلي» لکن 
المصباح سقط مين. جعلي عقلي أرق غير نا کي وان صفراء» لكنئ لم أشعر 
إلا بكيس بلاستيكي في يدي. 

"اللعنة!" خرجت الكلمة من فمي الجاف. في حين تزايدت الرعشة في يدي 
عما كانت عليه من قبل» لكني تمكنت من التخلص من الكيس. هجوم واعتداء 
من قبل كيس فارمابري. قذفت بالكيس بعيداً فراح يتقلب في اهواء. معت 
محوزك علي الكنسن E‏ أثناء بحثي عن المصباح الذي ضاع عندما اصطدم 
بالأرض. وحدت المصباح لكنه رفض العمل. لم تنجح حاولا لجعله يعمل في 
البداية» لذلك رحت أضربه براحة يدي» ثم أضاء فجأة» لكنه ما لبث أن انطفاً. 
طرقت المصباح مرة أخرى فأضاء لكن النور بدا مرتعشاً ومتذيذباً. فقدت ثقي 
بإمكانية عمل المصباح لمدة طويلة. 


184 


سرت لبرهة في الظلام» وفكرت يخطوت التالية. هل أريد فعلا أن أمضي قدما 
مشروعي هذا؟ وماذا آمل» بحق الله» أن أحقق من وراءه؟ بدا لي أن الذهاب إلى 


ل ا اير ع 


ETT 
فعلاً لم أنتيه إلى انسحاق الدواليب على الحصىء» أو صرير مفصلّة باب» أو هدير‎ 
محرك سيارة. هل تكاسلت عن سماع كل هذه الأصوات؟ أم لعل العاصفة كانت‎ 
ا كل ما أعرفه هو أني لم ألحظ شيئا.‎ 

أحذت فسا عميقاً ورفعت كتفي» ST‏ لزيا وراء 
الجدار. خرن هذا بزيارت ذات مرة إلى مصر. زرت مقبرة قديعة في وادي 
الملوك وحدث أن انطفأت الأنوار. أذكر أن وقفت في ذلك الحيّر الصغير. 
أحسسست أن الظلمة أحاطت بي» ولم يكن هناك من وجود لأي مصدر من 
مصادر النور. شعرت أن العالم بأكمله قد انطفأ من حولي. عاودّني هذا الشعور 
قي الوقت الذي رحت فيه أعبث بشيء ما وراء السياج. رحت أتساءل عمن 
يبحمل أسراراً أكثر غموضاً من الآخر؟ هل هي مقبرة الفرعون» أم الظلمة 
الموحودة داحل هذا الجدار؟ 

إنه شيء يتعلق بعلامات ×. إنه هناك. هيا. 

رجعت إلى الوراءء أي نحو الزاوية» وتقدمت مع السياج نحو البوابة الحانبية. 
كيف يمكني فتح القفل؟ أضاء البرق المكان مثل وميض فلاش آلة التصوير. رحت 
أحرّك الضوء فوق القضبان المعدنية وأنا أبحث عن الحل جاهدة. نمت رائحة 
الأوزون في الهواءء وشعرت بوخز في رأسي وتي يدي. ورأيت في لحظة الوميض 
هذه علامة إلى مين البوابات. 

ساطت ضوء المصباح على هذه اللوحة المعدنية الصغيرة» فبدا لي أا مثبنة 
على القضبان المعدنية. لاحظت أن الكلمات صدئة وغامضةء لكن فحواها كان 
واضحاً. منوع الدخول. ابتعدوا. أبقيت ضوء المصباح مسلطاً على اللوحةء 
وحاولت قراءة الكلمات ذات الأحرف الأصغر الموجودة تحتها. ظهرت كلمة غير 


185 


واضحة قبل كلمة مونتريال. بدت وكأنها كلمة أرشيدوق. هل هي أرشيدوق 
مونتريال؟ لا أظن بأنه يوجحد شخص اسمه أرشيدوق مونتريال. 

حدّقت في الدائرة الصغيرة المرسومة تحت الكتابة. مسحت بعض الصدأ بظفر 
إهامي. بدأت ملامح ما يشبه الشعار بالظهور» وكان أقرب ما يكون إلى رمز 
معيّن لم يكن غريباً عي تماماً. تذكرت كل شيء. تذكرت أرشيدوقية. أرشيدوقية 
مر ريال إن ملكنية هذه الأرضن عرد الذاو العنادة؛ ولعلها ملكية مهيجؤزة مق 
تلك الملكيات الي كانت منتشرة ذات يوم في مونتريال. 

حا ار انه أنت تتواجدين الآن ضمن حماية أرض تعود لدار العبادة أي 
في ملكية جماعية. كيف خطرت في بالي هذه الشعارات؟ خخطرت في بالي مع 
تصاعد دفعات الأدرينالين في دمي واليَ أعقبت إدراكي مكان تواحدي» وهو 
الأمر الذي بعث الرهبة في أعماقي. 

أعدت مصباحي إلى مكانه في سروالي اللحينزء ثم أمسكت السلسلة بيدي 
اليم وسكت تعدا ميدن يداي المسترعة: كنت على وشك أن أبدأ السحب» 
لكني لاحظت عدم وخرة مقارية عو e‏ بذاك بالانت روق اة 
فحلقة من حلال القضبان. التفت السلسلة حول رسغي» وبدت مثل أفعى التفت 
حول غصن شجرة. تركت البوابة وأحذت ألف السلسلة بيدي الاثنتين. لم تتحرر 
السلسلة بالكامل فتوقفت عندما علقت بين القضبان. نظرت غير مصدقة إلى 
السلسلة الى علقت بآخر حلقة» لذلك بقيت مقفلة. 

فتحت القفل ثم سحبت بقية السلسلة من خلال القضبان» ورحت أحدّق 
فيها. توقف هبوب الرياح أثناء عملي هذاء فخيم الصمت المقلق على المكان» 
وض الهدوء في أذني. 

لففت السلسلة حول البوابة اليمئى» وسحبت البوابة اليسرى باتجاهي. بدا 
لي أن مفصّلات هذه البوابة أحذت بالزعيق وسط السكون الذي خلفته 
العاصفة. لم يقطع هذا السكون المخيّم أي صوت آخر. لم أسمع أصوات 
ضفادع» ولا صراصير. غابت عن الأسماع أيضا أصوات صفارات القطارات 
البعيدة. بدا لي في تلك اللحظة وكأن العالم كله يمسك أنفاسه في انتظار الخطوة 
التالية للعاصفة. 


186 


تحر كت البوابة ببطء شديد لكنين دلت أخيراً بعد أن أقفلتها ورائي. تبعت 
مرا غير مهد بالكامل. أصدر حذائي أصوانا فی اکاک بالحصى. أبقيت ضوء 
السصباح متسنقلاً ما بين الطريق والأشحار على جانبيه. توقفت بعد مسيرة ثلاثة 
أمتار» ووجحّهت الوم غر الأعلى,. رايت أغصانا متشابكة تشكل قوساً فوق 
راش رایت أغضان الفوس ساك بشكل غین 

تتواحد دار العبادة هنا في هذا المكان» وهنا برحها. عظيم. تحوّل عقلي 
نحو أغان الأطفال. وجدت نفسي أرتعش من التوتر» وتجمّعت عندي طاقة 
تكفيي كي أعيد طلاء مبى البنتاغون. ارت ؛ أحذر نفسي أنت خاسرة يا 
برينان! فكّري بكلوديل. لا. اتجهي بأفكارك نحو غاغنون وتروتييه 
وآ دكينسز. بدلا عن ذللكة 

انعطفت إلى اليمين» وسلطت الضوء إلى أبعد مسافة يمكن أن يبلغها الضوء. 
أبقيت الضوء مسلطاً لفترة قصيرة على كل شجرة من الأشجار التي تحيط بالطريق» 
والي بدا أنها تمد في صف لا هاية له. رن لأ ذف ت ار 
يساري. ظننت أن أشاهد أمامي فسحة ضيقة على بعد تسعة أمتار. أبقيت حزمة 
اسيم ر عن كله ا وات لسري ف أن ما بيدا تن ي 
البداية لم يكن كذلك. لم يكن هناك انقطاعٌ في صف الأشجارء لكن المكان بدا 
مع ذلك مختلفا بطريقة ماء أو أن شخصا ما قد عبث به. حطر في بالي عندها ام 
آحر. م تكن الأشجار هي الغريبة لكن الحشائش الكثيفة الموحودة تحتها 
لاحظت أن غطاء الحشائش كان ٠‏ متناثراً في بقع متفرقة وبدت العرائش والنباتات 
الزاحفة الأحرى وكأن أحداً قد عبث بماء وهو الأمر الذي لا ينطبق على تلك 
كنك كار اها هرتف هذه CEA‏ عونا مق ديد يهف إزالة 
الحشائش منها. 

بدت لي حشائش تلك البقعة أصغر من تلك المجاورة هاء أي أنما كانت 
أحدث موا سلطت الضوء في كل اللجهات. ظهرت بقعة الحشائش النابتة -حديقاً 
ضيقة» ولاحظت أنها تشق طريقها تحت الأشجار مثلما يفعل بحرى مياه» أو طريق. 
تمسكت بالمصباح بشدة أكبر وتبعت هذا المسار المنحرف. وبدأت العاصفة ضربتها 
بعد أن حطوت الخطرة الأول. 


187 


توقف المطر الخفيف كي يفسح المحال للسيل المفاجئ» فاندفعت الأشجار 
ا مره وغائصة فبذت مل منظر الف طائرة ورف وض البرق 
فتجاوب معه الرعد مرة بعد أخرى. بدا ذلك مثل مخلوقات شيطانية تطارد بعضها 
يما يصدر الغ قر قي هناء فتبدأ المطاردة أين أنت؟ ويسمع دوي انفجار 
هناك. فترد الرياح بغضب تام مبعثرة مياه المطر في كل الحهات. 

ER e AE‏ سي. تقاطرت المياه على وحهي فأعاقت 
رؤيي» وتسببت بألم في مكان الخدوش في حدي. أغمضت عييّ وأرحعت شعري 
إلى ما وراء أذن» ومرّرتُ راحة يدي فوق عييٌ. أخرحت طرف قميصي ووضعتُه 
عا معنا ل خاو بهن E‏ 

أحنيت كتفي حينما وصلت إلى فهاية الممر غافلة عن كل شيء يقع وراء 
حدود ضوء مصباحي الأصفر الشاحب. حر كت مصباحي جيئة وذهاباً عبر الممرء 
وسمحت له باستكشاف الأشجار الموحودة على الجانيين مثلما يفعل كلب حين 
شم طيقه وسم | 0 

اكتشفتها على بعد خمسة عشر مترا. أدركت بعد أن فكرت مليا أن لحظة 
الوعي قد حدثت» وأن دماغي قد ربط في جزء من مليون من الثانية المعطيات 
البصرية الي تلقاها في تلك اللحظة مع التجربة الماضية الي اترما حديثاً. عرفت 
في مستوى معيّن من الوعي المعطيات الى كنت أراها قبل أن يتمكن عقلي الواعي 
من تحويلها إلى صورة. 

ما إن اقتربت» ودارت حزمة الضوء حول هدفها وحرّرته من الظلمة المسيطرة 
على المكان» حي طفت الحقيقة على سطح إدراكي. تمَكّنتُ من تذوق محتويات 
معدني بعد صعودها إلى حنجري. 

رأيت ضمن حزمة الضوء المتمايلة كيس نفايات من النايلون بي اللون. برز 
هذا اک كان الايد و أوراف ا حقلت أن ا کی ا 
ومعقودة. وبرزت هذه العقدة من التراب فبدت مثل حيوان الفقمة البحري الذي 
يرفع رأسه طلباً للهواء. 

راقبت المطر أثناء افمماره على الكيس والتربة امخاورة. واظبت مياه المطر على 
قرع أطراف الحفرة» وحوّلت التراب إلى وحل. بدأت أطراف الحفرة بالظهور 

188 


ببطء لکن بثبات. شعرت بضعف في ركبيّ أخذ يزداد كلما تكشف المزيد من 
محتويات الكيس. ١‏ 

اتتشلبي وميض البرق من حلم يقظي. تقدمت» بل قفزت» نحو الكيس 
وانحنيت إلى الأسفل كي أتفحصه. أرحعت المصباح إلى حزام سروالي الجينزء 
وأمسكت بالنهاية المعقودة للكيس وسحيتّها. كان الكيس ما زال جاخك ا E‏ 
يترحزح من مكانه. حاولت أن أفك العقدة» لكن أصابعي المبتلة لم تتمكن من 
الإمساك بالنايلون الرطب. لم أستسلم. قرّبتْ أنفي نحو الفتحة المغلقة واستنشقت. 
فاحت رائحة الوحل والنايلون» وم أميز أي رائحة أخرى. 

لكيس رن ا تاذ ار وی ر فا كانت 
الرائحة مميزة مع أا خفيفة جداً. عرفت أنها رائحة اللحم المتعفن والعظام الرطبة. 
معت صوت غصن يتكسّر وأحسست بحركة خلفي قبل أن أقرّر الانسحاب أو 
المواحهة. وفاجأني وميض البرق داخل رأسي في نفس اللحظة الي حاولت فيها أن 
أقفز حانباء و ل أحد نفسي إلا وأنا أهبط محدداً إلى ظلمات قبر ذلك الفرعون. 


189 





لم يسبق لي أن بقيت هذه المدة الطويلة في حالة من المعاناة. شعرت بألم كبير 
منعي من التذكر كثيراً. شعرت بسهام الألم تغزو دماغي والي أجبرتئ على البقاء 
ا أدركت أن سأتقيأ إذا فتحت عييّ. توترت معدن نتيجة التفكير بالحركة» 
ومع ذلك كنت مضطرة للنهوض. شعرت بالبرد أكثر من أي شيء آخر. تحكم 
البرد بجسدي يشكل كامل. رحست أرتحف بشكل لا إرادي» وأدركت أنن أحتاج 
إلى حرام صوڻ أكثرٌ من أي شيء آخر. 

ا فين كه كان الألم في رأسي من الشدة بحيث تقيأت 
كمية صغيرة من الصفراء (مادة يُفرزها الكبد). حفضت رأسي إلى أن أصبح على 
مستوى ركب وانتظرت انتهاء التقيؤ. عجرت مع ذلك عن فتح عييّ. بصقت مادة 
الصفراء في يدي اليسرىء وحاولت التمسك بيدي اليمئى بشيء يعطيئ بعض الدفء. 

بدأت أدرك أنني لست في سريري من خلال الارتحاف والارتعاش. أحسست 
بالأغصان والأوراق في راحة يدي. اضطررت إلى فتح عيبي سواء كنت أشعر بالألم 
ام لا. 

حلست بين الأشجار بثيابي المبتلة والوحل يغطيي. وتناثرت أوراق الأشجار 
وأغصاها على الأرض من حولي وكان الحواء مثقلاً برائحة التراب والأشياء الي 
ستتحول إلى تراب في المستقبل. استطعت أن أرى من فوقي الأغصان المتشابكة, 
وبدت أصابعها العدكبوتية ة متداحلة أمام سماء مخملية سوداء. تلألأت مليون نحمة 
علق غلا الأعضانة ١‏ 


190 


دات ذاكرق تفرد إل ترجا العاصفة» البوابات: الخديدية:الطريق: لكن 
كيف اريت في هذا المكان؟ لم تكن هذه ليلة شراب حقيقية» لكنها كانت ليلة 
حملت التأثير ذاته. 

لع ل ا ا 
تحت شعري. عظيم. . ضربت مرتين خلال أسبوع واحد. أعتقد أن معظم الملاكمين 
يضر بون بوتيرة أقل. 

لکن» كيف ضصُربت؟ هل تعثرت ووقعت؟ هل وقع علي حذع شجرة؟ 
أعرف أن العاصفة جرفت كل شيء في طريقهاء لكني لم أشاهد أغصاناً كبيرة 
بقربي. لم أستطع التذكر حيداًء لکن لم أكترث لذلك. أردت مغادرة المكان فقط. 

قاومت الشعور بالغثيان» وبحشت عن المصباح وأنا حاثمة على يدي وركبي. 
ود سين ا اج لكام ر ارالك و الول وت هل 
الزر. أضاء المصباح وسط دهشي الكاملة. حاولت السيطرة على ساقي المر تحفتين. 
وقفت, فانفحرت سهام الألم داخل رأسي. أسرعت كي أستند على شجرة 
وتقيأت بحددا. 

ملأت الصفراء فمي وأحسست بطعمها. طرح وعبي المزيد من الأسعلة. مى 
أكلت آخخر مرة؟ الليلة الماضية؟ هذه الليلة؟ كم الساعة الآن؟ كم من الوقت مضى 
علي في هذا المكان؟ انتهت العاصفة وظهرت النجوم. خيّم الليل وما زلت أشعر 
بالتجمّد. هذا هو كل ما أعرفه. 

توقفت التقلصات في بطين» وقفت ببطء وسلطت الضوء من حولي» وبحثت 
عن الطريق. تراقصت حزمة الضوء فوق الغطاء العشبي فأيقظت في ذه المريد من 
الذكريات. الكنين امقر حلي هده الد رى اة مره سي ارف مها 
تمسكّت أكثر بالصباح» وأدرئه دورة كاملة وتأكدت من عدم وجود أحد ورائي. 
عدت إلى مكان تواجد الكيس. أين هو المكان يا ترى؟ بدأت الذكريات تعود 
زاحفة» لكنها عادت بشكل صور ساكنة. تمكنتُ من رؤية الكيس في ذهئ لكني 
م أستطع تحديد موقعه على الأرضل. ٠‏ 

ببحنت بين الأعشاب المحاورة عن المكان الذي دفن الكيس فيه. عدت إلى 
سماع الدوي في رأسي» وعاد الغثيان يغزو حنجري» لكن لم يتبق أي شيء في 

191 


معدت» وتسبب القيء الحاف بشعوري بالألم في خاصري» وملأت الدموع عيي. 
بِقيتُ واقفة ومستندة إلى الشجرة» وانتظرت انتهاء نوبات التشنج. لاحظتُ وجود 
الصراصير الي انطلقت في معزوفة ما بعد العاصفة» أزعجتين موسيقاها وكأما 
حصى تدخل أذن بقوة قبل أن تُكمل طريقها عبر دماغي. 

وجحدت الكيس على بعد أقل من ثلاثة أمتار من مكان. 00 
و ار ای اليك بالتصباع بيات بدأت بالتذكر عندما رأ 
الک ولا عفنت أن تشاع أكبر من النايلون قد انكشفت. أحاط خندق 5 
بمحيط مكان الكيس» وتحمعت برك صغيرة في ثنايا الكيس المصنوع من 
النايلون. 

لم أكن في حالة تسمح لي باستعادته فاكتفيت بالتحديق. أعرف أن مسرح 
الجريمة يجب أن يتم التعامل معه بطريقة صحيحة» لكنئ ححث حشيت أن يعبث أحد في 
MS‏ امنا الوط و وسح SLSR‏ 
المكان. رغبت أن أبكي من الإحباط. 

إليك فكرة جيدة يا برينان. ابكي» لعل أحدهم سيأ لينقذك. 

وقفت» مرتحفة من البرد» أو من أمور أخرى. حاولت أن أفكر لکن خلایا 
دماغي لم تتعاون معي» إذ أغلقت أبوابما من دون ورفضت كل النداءات. سق 
إلا أن أتصل ها هاتفيا. نححت هذه الفكرة. 

تعرفت على حدود الممر العشبي» فشققت طريقي من خلال الأشجار» أو 
هذا هو ما تمنينّه على الأقل. لم أتذكر الطريق الذي سلكته عند الدحول» وهكذا لم 
يكن لدي سوى فكرة غير واضحة عن طريق الخروج. بقي إحساسي بالاتجاهات 

مع ذاكرن للأحداث القريبة. توقف المصباح عن العمل من دون إنذار» فوحدت 
ر كاد ر لس بر بعال الج م تحد 
طريقة تحريكي للمصباح» ولا شتائمي. 

"اللعنة!" حاولث على الأقل. 

ا جا لعلي أسمع شيئا يذلى إلى الاتجاه» لكنى لم أسمع سوى صوت 
الصراصير من كل الاتحاهات. أتتي أصوات النقنقة من حولي. لم أستطع تحديد 
اتحاه هذه الأصوات. 


192 


حاولت أن أميّز الشجيرات الصغيرة من تلك الأكبر منهاء وزحفت إلى الأمام 
في الاتجاه الذي كان يشير إليه وحهي. اكتشفت أن هذه الطريقة تعطي النتيجة 
ذاقا مثل غيرها. تمسّكت الأغصان غير المرئية بشعري وملابسي» أما العرائش 
والنباتات الزاحفة فتشبشت بقدمي. 

ضللت الطريق يا برينان. أحذت الشجيرات تزداد كثافة. 

ووت ی یرآ فى اا اسم أذ إلى و كرات ف 
الهواء وحادت عن التراب. أكملت طريقي فوحدت نفسي أهوي على يدي 
وركبيّ. علقت قدماي» وشعرت بشيء يشبه التراب الناعم على ركبي المتقدمة. 

000 0 اصطدم بالأرض. تدحرج المصباح» وأحذ 
يرسل وهجا شاحباً أصفر اللون باتجحاهي. نظرت إلى الأسفل وشاهدت قدميّ 
بو ل رم 

شعرت ؛ أن قلبي يكاد يقفز قفزاً. تشبشت بالتراب وحاولت الخروجء ثم 
تسلقت زاحفة نحو الضوء وتلويت على الحانبين مثلما يفعل سرطان بحري على 
شاطئ رملي. وحَهت المصباح نحو الكان حيث سقطت. رأيت حفرة صغيرة. 
فغرت الثتغرة ة الي حُفرت حديثاً فاهها فبدت مثل جرح غير ملتعم ف الأرض. 
و ا و 

لطت الضوء تحاه الفتحة. لم تكن فجوةٌ كبيرة ولعل عرضها لم يتحاوز 
a a‏ أنا a‏ سسا دست بقدمي على مكان 
قريب من الحافة أثناء تعثر ي» فتسببت بتساقط سيل من التراب نحو أسفل الحفرة. 
بدا منظر حبيبات التراب مثل حبيبات ا انضمّت 
حبيبات التراب هذه إلى كومة التراب في أسفل الحفرة الي بحمّعت أثناء سقوطي. 

حدق بتلة التراب هذه أثناء تجمعها أسفل الحفرة. لاحظت أمرا غريياً بشأن 
الترابء ثم تأكدت مما لاحظته. كان حافاً بالفعل. بدا الاستنتاج ا 
بالسسبة إلى عقل مشوش: ا م مره كد ع آنا كرك قد 
فرت بعد سقوط المطر. 

اخبلستي رة عقسوية :رارت إلى وضع ذراعي فرق صدري طلبا 
للدفء. كنت ما أزال مبتلةء أما الا ققد افيف و ها بهواء رد ۾ أشعر 


193 


بالدفء بعد تحريكي لذراعي. أبعدت الضوء عن الحفرة» وأسدلت ذراعي» 
وعدّلت اتحاه حزمة الضوء. رحت أتساءل عن السبب الذي يدفع بشخص ما... 
أصاب السؤال الفعلي هدفه» وجعل معدت ترتد مثلما يفعل مسدس من عيار 
5. أي شخص فعل ذلك؟ ومن أتى إلى هذا المكان كي يحفرء أو يفرغ هذه 
ال كوا وهل الفاعر ةد شرا كان رحد ان امراف موعتود هنا الآنة 
دفعتيٰ هذه الفكرة بالذات إلى القيام برد فعل. أسرعت بالاستدارة 360 درجة. 
وشعرت بلهيب الأ م يحتدم في رأسي» وتضاعفت دقات قلي ثلاث مرات. 

م أتمكن من تحديد الأمور الي كنت أتوقع رؤيتها. هل ينتظرني كلب مخيف 
من نوع دوبرمان؟ أم أن نورمان بايتس هو من ينتظرن مع أمه؟ هل سيكون 
هنيبعل ليكتر؟ وهل يكون جوج برنز معتمراً قبعة كرة القاعدة؟ لم أشاهد أيا 
منهم. وحدت نفسي وحيدة مع الأشجار والنباتات الزاحفة» وظلمة الليل الى 
تخترقها أضواء النجوم. 

رأيت شيا وحيداً بفضل حزمة الضوء الدوارة» وم يكن سوى الممر. ت ركت 
تلك الحفرة الى حفرت حديثاء وعدت مترنحة باتجحاه الكيس المدفون جزئياً في 
التراب. وفعت عليه لظام من اورف ا د کی أن هذا التمرية ل 
بخدع الشخص الذي أحضره إلى هناك لكنه قد يخفيه عن عيون الآخرين. 

تناولت علبة طارد الحشرات من حيبي» ووضعتّها تي فرع شجرة بحاورة 
لتكون علامة» وذلك عندما فرغت من وضع غطاء الأرض هذا. سرت في الممر 
ودست على الحشائش والجذورء وبالكاد بجحت في عدم التعثر. شعرت وكأن 
ساقي مشلولتان بفعل العقاقير» لذلك تحر كت بسرعة بطيعة. 

علقت قفازي على فرع شحرة تقع على تقاطع الممر مع الطريق الترابي» ثم 
اندفعت نحو البوابة. اخ بأني مريضة ومرهقة» كما أن حشيت أن يغمى 
علي وأن يزول مفعول الأدرينالين» وعندها سأار كلياً. أردت أن أكون في 
مكان آخر إذا حدث هذا. 

وحدت سيار الازدا العزيزة بانتظاري في المكان ذاته حيث تركتها. لم انظر 
يكنا أو ا تعثرت في سيري عبر الشارع» ولم أكترث ما إذا كان أحدهم 
ينتلري. بحشت من جيب إلى جيب عن مفتاح سيارتي. وجدت حلقة المفاتيح» 


194 


ولعنت نفسي لأني أحمل هذا العدد الكبير من المفاتيح في الحلقة ذامًا. رحت 
أ ر تعش» وانسابت الشتائع عن فجي بصورة عفويةء فأوقعت المفاتيح مرتين. سحبت 
مفتاح السيارة أخيراً وفتحت بابهاء ثم حشرت نفسي وراء عجلة القيادة. 

أقفلست الباب» وأحطت عجلة القيادة بذراعي» ثم أسندت رأسي عليها. 
شعرت برغبة شديدة في النوم والمهروب من كل ما يحيط بي» وتجاوز كل الأمور. 
أدركت أنه ينبغي علي مقاومة هذا الدافع. ألا يحتمل أن يكون شخصٌ ما 
ينتظري» ويراقبيٰ» كي يقرر تنفيذ شيء ما؟ 

ذكرت نفسي أن لحوئي إلى الراحة في هذا المكان» أو إغماض عييّ ولو 
للحظة واحدة سيشكل غلطة كبيرة. 

5 2 5 ۶ 2 5 

أحرى عقلي مسحا عشوائيا. ظهر جورج برنز أمامي محددا وقال: "أنا 
أهتم بالمستقبل على الدوام» وأحطط لتمضية بقية حياق في هذا المكان". 

حلست بالوضعية المناسبة وأخفضت ذراعي حى مستوى حضي. معدتو 
وخخزة الألم على استعادة صفائي الذهئ. م أتقيأ» فاعتبرت ذلك تقدماً كبيراً. 

"إذا أردت اة حياتك يا برينان» فعليك أن تغادري هذا ١‏ المكان ا 

بدا صوت ثقيلا في هذا الحيّر المغلق» لكن هذا ساعدن بدوره على توجيه 
انتباهي إلى الواقع اراهن آرت غر ك السار لاطت أن الساعة ترشن 
بالأرقام الخضراء تشير إلى الثانية والربع فجراً. تساءلتُ مي غادرت هذه السيارة يا 
ترى؟ 

م تتوقف حالة الارتعاش عندي» ولهذا رفعت درجة الحرارة إلى حدودها 
القصوى» رغم أنئ لم أكن متأكدة من أن ذلك سيساعدي. تسببت الرياح» وهواء 
الليلء حزئيا بحالة البرد الى أشعر بها. شعرت ببرودة أكبر تمس روحي» وهي 
البرودة الى لن يخفف منها هذا السكّان الآلي. انطلقت بالسيارة من دون أن انظر 
ورائي. 

تركت الصابون ينساب على هُذَي» وأحطتهما بالصابون مرة بعد مرة» 
وأنعشتئئ رائحة الرغوة المحببة وساعدتي على إزالة آثار أحداث الليلة الماضية. 
رفعت رأسي كي أواجه الرذاذ الذي أذ يصدم وجهي قبل أن ينساب حول 

195 


جسدي. سيرد اليا بعد وقت قريب مضت عشرون دقيقة على بداية حمامي 
هذاء وحاولت إبعاد ا وإسكاف الأضرات الي تضجّ في رأسي 

أفادت الحرارة» والبخار» ورائحة الياسمين في هدئي» ل 
عضلات؛ وأبتعدت عي الشعور بالمرارة. لم ينجح كل هذا تماماً. إذ بقيت طيلة 
الوقت أصغي إلى ميوت يفو ارج مط ار الي تغلفي. انتظرت رنين 
الماتف» وحشيت أن تفوتئ مكالمة رايان» ولذلك أحضرت الماتف إلى الحمام. 

سبق لي أن اتصلت بالمركز فور وصولي إلى اللزل. فعلت ذلك حي قبل أن 
أحلع ثيابي المبتلة. بدت موظفة تحويل الاتصالات الحاتفية متشككة» وحت إنما 
أظهرت ترددها في إزعاج رجحل التحري في منتصف الليل. أصرّت على رفضها 
إعطائي رقم رايان. طلبت منها إعطائي رقمه لأني نسيت بطاقته في مكان عملي. 
وقفت في غرفة المعيشة مرتحفة. لم تفارق الأصوات رأسيء أما معدي فكانت 
تستعد لنوبة أخرى» لذلك لم أكن في مزاج يسمح لي بالحدال. أقنعتها كلماي» 
وكذلك نيرق عزمت على الاعتذار منها في الغد. 

حدث ذلك منذ نصف ساعة. شعرت بالألم في مؤحر رأسي. بقيت كتلة 
الورم في مكاها. أحسست بوجودها تحت شعري المبتل» وبدت مثل بيضة مسلوقة 
إلى ما بعد حدهاء لكنها ناعمة الملمس. نقذت كل التعليمات الي تلقيُهاء 
وتفحصت كل أماكن الضربات في رأسي. تفحصت حدقتي عيي» وأدرت رأسي 
بقوة ذات اليمين وذات اليسار» كما وخزت يدي وقدمي كي أخحتبر قوة 
ليان فيها. بدت كل الأعضاء في مكانها الصحيح» وتقوم بعملها بشكل 
e‏ إن الارتحاج الذي تعرضت له كان خفيفا. 

أوقفت المياه» وحرحت من دائرة الدوش. بقي الهاتف حيث تركته. ظل 
صامتاً وغير مكترث بي. 

اللعنة! أين هو يا ترى؟ 
فقت خسدي» وارتدية عباين ولت تشفة حول شري م القيت نظرة 
على الآلة المجيبة كي أتأكد من عدم وصول أي عخابرة. لم أشاهد ضوءا أحمر اللون. 
اللعنة! تناولت سماعة الماتف ونقرت عليها. معت الإشارة الي تدل على أن الماتف 
يعمل» لكن بالتأكيد لم يكن الحاتف معطلاً. شعرت بالتوتر» وهذا كل ما في الأمر. 

196 


استلقيت على الأريكة ووضعت الماتف على الطاولة الصغيرة. لا بد من أنه 
قصل قزياء لذلك كانت عاولة الشتلاقي لر آمرا لا طائل مته أغعضت 
عييّ؛ وحططت كي أرتاح دقائق قليلة قبل أن أبدأ في تحضير شيء أتناوله. تحمّعت 
عوامل البرد» والإرهاق» والضربة الي تعرضت لما على رأسي» لتتحول إلى موجة 
من التعب يمت علي» ودفعتئ إلى نوم عميق لكنه مضطرب. شعرت وكأني في 
حالة إغماء أكثر من كون في حالة إغفاء. 

وحدت نفسي حارج السياج وأنا أراقب أحد الأشخاص يحفر برفش ضخم. 
رأيت الفئران تملا الرفش في كل مرة يرتفع فيها عن الأرض. رأيت كر 
ق سل مانغا ت و اضطررتٌ إلى ركل الفثران كي أبعدها عن 
قدمي. بدا الشخحص الذي يلو ح بالرفش نحيلاء لكنه عندما التفت عرفت أنه بيتي. 
لبر ست ودح ا ٠‏ مسقواني اللا طن بدأ الرحل 
بالصراخ» وبالإشارة نحوي. رأيت فمه المستدير» وتلك الدائرة السوداء الي أحذت 
تكبر وتكبر حى أحاطت بوجحهه» وحولته إلى قناع قبيح من أقنعة المهرحين. 

تراكضت الفثران فرق قدمي. رأيت أحدها يجرٌ معه رأس إبزابيل غاغنون 
وقد غرز أسنانه بشعرهاء واستمر بسحب الرأس فوق العشب. 

حاولت أن أ ركض» لكن ساقي لم تتحر كا. غرقت في مكان لأكتشف أني 
كنت أقف وسط مقبرة» وأحذت حبيبات التراب تتساقط من حولي. رأيت 
شاربونيو وكلوديل يحدقان بي. حاولت أن أتكلم» لكن الكلمات عجزت عن 
الخروج من فمي. أردثُهما أن يقوما برفعي إلى حيث يقفان. مددت يدي نحوهماء 
لكنهما تحاهلان. 

انضم شخص ثالث إليهما فيما بعد. كان رحلا يرتدي عباءةٌ طويلة ويعتمر 
قبعة غريبة الشكل. نظر إل وسألي إذا ما كدت أمتلك إذناً بالتواحد حيث أنا. ل 
أستطع الإحابة. أخبرني أني أقف على أرض تملكها دار العبادة» وأنه يحدر بي 
المغادرة. قال إنه لا سمح لأحد بالدحول إلا إذا كان يعمل لصاح دار العبادة. 
رفرفت عباءته مع الرياح» وخحشیت أن تسقط قبعته في القبر. حاول الرحل أن 
يمسك عباءته بإحدى يديه» بينما نقر على هاتفه ا محمول باليد الثانية. بدأ هاتفه 
بالرنين» لكنه تجاهله. واستمر الحاتف بالرنين. 


197 


بدأ هاتفي الموجحود على الطاولة الصغيرة قربي بالرنين أيضأء وتمكنتُ في غهاية 
الأمر من تمييز رناته هذه عن تلك الى معتُها في حلمي. استيقظت أخيراً رغماً 
عي ومددت يدي إلى سماعة الهاتف. 

قلت بصوت مترنح: "همم. همم". 

"برينان؟" 

تكلم الرجل بلغة إنكليزية؛ وبصوت خحشن. جهدت كثيراً كي أصحو جيداً. 

نعم؟" نظرت ل معصمي لکن ساعة يدي لم تكن في مكافها. 

"آنا رايان. هل هو أمرٌ هام". 

"كم الساعة الآن؟" لم أعرف ما إذا كنت قد استسلمت للنوم لمدة حمس 
دقائق» أم حمس ساعات. أحسست أن وقتا طويلا قد مرّ. 

"إا الرابعة ومس عشرة دقيقة 06 

ss 

وضعت سماعة الهاتف على الطاولة؛ وتوجهت» متعثرة بخطواق» نحو الحمام. 
سكبت الماء البارد على وجهي» وغنيت مقطعاً من أغنية البحار السكير أثناء هرولي ف 
مبكان. أعدت لف المنشفة حول رأسي» وأسرعت بالعودة لمكالمة رايان. لم أرغب 
بزيادة انزعاحهٍ إذا طالت فترة انتظاره لي» بل أكثر من ذلك لم أرغب أن يبدو 
صوق مترنحاء أو شاردا. كان من الأفضل لي أن آذ دقيقة من الزمن كي أبدو طبيعية. 

ا آنا معكَ يحدداً. آسفة". 

"من كان يغيٰ؟" 

"همم. حرجت إلى سان لامبرت هذه الليلة". بدأت حديثي معه» وأردت أن 
أخبره بما يكفي, لكني لم أرغب أن أعطيه كل التفاصيل عند الساعة الرابعة والربع 
فير "وجدت البقعة الى علمها سان جاك بحرف ×. يبدو أن الأرض ملك لدار 
البادة". 

حر لمي ل فيه عه قرا و 

"وحدت جثة. كانت متحلّلة حداء واستنتجت من الرائحة أنما أصبحت محرد 
هيكل عظمي. يتعيّن علينا التواجحد هناك على الفورء أي قبل أن يعثر أحد عليهاء 
اول أن شرع كلاب الى ى نظن غداء اسان فا" . 

198 


أحذت نفساً طويلاً واتتظرت. 

"هل أنت بحنونة بالكامل؟" 

م أعرف إن كان يشير إلى ما اكتشفتُهء أو لأني ذهبت إلى ذلك المكان 
عفردي. أدركت أنه محق بالنسبة للشق الثاني» وهكذا فضّلت التحدث عن الشق 
الأول. 

"أعرف الحثة بمجرد اكتشافها". 

مرّت فقرة صمت طويلة» سألي بعدها: "هل كانت مدفونة» أم فوق 
الأرض؟" 

"كانث دفر نة لکن على عمق بسيط جدا. اكع الذي راه كان مكشوفاء 
ES‏ ل ىم 

"هل أنت متأكدة من أما ليست جرد مقبرة تتعرض للخراب؟" 

اریت مواق اكدومح وو ی راضم رجت هذه الله 
عثل الحالة الي وحدت ها غاغنون وتروتييه. 

"اللعنة!" تمكنت من سماع إشعال عود ثقاب» ثم معت صوت إخراج نفس» 
وهذا يعني أن ا ا ا ّْ 

"أتعتقد أنه يجب أن نتحرك الآن؟" 

"تعض" سه کی مين اخ من ا ين د 
تمتلكين سمعة بالتحرك كما يحلو لك يا برينان» وهي السمعة الي لا تعجبي بشكل 
حاص. يحتمل أن يكون موقفك الذي يقول اذهب إلى الجحيم! ناححا مع 
كلوديلء لكنه غير ناحح معي. وإذا أردت في مرة قادمة أن تعبثي .سرح جريمة» 
فيتعيّن عليك أن تسألي ما إذا كان أحد ما في فريق مكافحة الحنايات يرغب 
عشاركتك. إننا ما زلنا درج ذلك في برامج أعمالنا". 

لم أتوقع منه أن يشكرنء لكنئ لم أكن متحضرة لسماع رد فعله العنيف. بدأ 
الشعور بالغضب يتزايد في صدري» وتصاعدت قوة الضربات الي أشعر بها في 
رأسي. انتظرت قلیلا» لكنه لم يتابع كلامه. 

"أشكرك على اتصالك بي يذه السرعة". 

ا 


199 


"أين أنت؟" لو كان تفكيري طبيعياً لكنتُ أحجمت عن طرح هذا السؤال 
الذي ندمت فورا على طرحه. 

قال بعد فترة من الصمت: "مع صديقة". 

يا للحطوة الحيدة يا برينان. لا عجب إن كان قد تضايق من الاتصال. 

"أعتقد أن شخصاً ما كان هناك هذه الليلة". 

"اذا" : 

"ظننت أن معت شيئاً ما عندما كنت أفحص البقايا المدفونة. تلقيتُ بعد 
ذلك ضربة على رأسي أفقدتئ الوعي. كانت العاصفة في أوجها عندهاء لذلك لم 
أستطع التأكد ما حدث". 

“ل تعرضت للأذى؟" 

î. 

مرّت فترة صمت أخرى و كدت أسمعه يشبع الأمور تفكيراً في رأسه. 

"سوف أرسل فرقة من أجل الحفاظ على مكان الجريمة كما هو. سأرسل بعد 
ذلك فريق استعادة مسرح الجرعة إلى هناك. أتعتقدين أننا سنحتاج إلى الكلاب؟" 

"رأيت كيساً واحداً فقط» لكن لا بد من وجود المزيد. يبدو لي أن هناك 
المزيد من الخ في المكان. أعتقد أنها فكرة صائبة". 

اتتظرت سماع رد فعل» ول أتلقّ شيعا 

سألته: "من ستأي كي تصطحبيني؟" 

"لن آني لأصطحبك يا دكتورة برينان. إنما جرعة قتل في عالم الواقع» وهي 
تقع ضمن صلاحيات فرقة مكافحة الجنايات» وليست إحدى حلقات ا جريمة التي 

شعرت بالغفضب الشديد عند هذا الحد» كما أحسست بالا م في منطقة 
حبهي» وكأن غمامة من الحرارة تْيّم فوقها وتؤثر في أعماق دماغي. 

'بمتلك منطقك هذا ثغرات أكثر ما هو موجود في ترانس كندا". شعرت 
بحنق شديد إزاءه. "قل لي شيعا آخر. إا كلماتك يا رايان. حسناء فهمت كل 
شی أستطيع أن آحذك إلى الموقع اف ا الكمر ات ا ف أي 
بالعظام» الى هي حقل احتصاصي أناء هذا إن لم أكن مخطئة". 

200 


بقي حط الماتف صامتاً لفترة طويلة بحيث اعتقدت أنه قد قطع المكالمة. 
اكتفيت بالانتظار. 

"سأمرٌ عند الثامنة". 

"سأكون جاهزة". 

"برينان؟" 

"ی 

"أنصحك أن تستثمري بعض الال في شراء حوذة واقية". 

هناء انقطع الخط فعلاً. 


201 








وف رايان بوعده. أوقفنا السيارة وراء عربة استعادة مسرح اللجريمة» وكانت 
الساعة تشر إلى الثامنة ومس وأربعين دقيقة. ل تبعد النقطة الي أوقفنا فيها 
السيارة سوى ثلاثة أمتار عن المكان الذي أوقفت فيه سياري الليلة السابقة. كان 
عالا مختلفاً عن ذلك الذي تواحدت فيه قبل ساعات قليلة فقط. تألقت الشمس 
بأشعتها وضجّ الشارع بالحركة والنشاط. اصطفت السيارات» وعربات الكروزر 
التابعة للشرطة» على جاني الرصيف» كما وقف ما لا يقل عن عشرين شخصا 
يرتدون أزياء عادية ورسمية بشكل مجموعات, يتحدثون ف ما بينهم. 

رأيت أفراداً تابعين للشرطة القضائية وأمن كيبيك وأفراد شرطة آخرين من 
سان لامبرت, مبعثرين هنا وهناك وارتدق كل واد منهم زيا مختلفاً» ووضع 
الجميع إشارات متنوعة على صدورهمٍ رق هذه التجمعات بأسراب 2 
ذات الأنواع المختلفة الي تتشكل أحياناً قبل أن تنطلق .عهر حانات عفوية وتصفق 
بأحنحتهاء ويروح كل طائر يعلن عن فصيلته عن طريق عرض ألوان ريشه» 
والخطوط البارزة على أجنحته 

رأيت امرأة تحمل حقيبة كتف كبيرة» وإلى جانبها شاب حمل بكاميرات 
التصوير. انشغل الاثنان بالتدحين» واستندا إلى سطح سيارة شيفي بيضاء. إنه تجمّع 
من فصيلة أخرى: الصحافة. رأيت بعيداً كلبا ألانيأ» من نوع شفردء فوق مساحة 
عشبية ينب قرب رجحل يرتدي بذلة رياضية» وأخذ يشم المكان الذي يقف فيه 


2 


الرجل. واظب الكلب على الاستكشاف وصوب أنفه باتحاه الأرض» ليعود ثانية 
202 


إلى مدرّبه. وأحذ يهر ذيله وأبقى رأسه 0 بدا الكلب متحمساً للانطلاق» 
لكنه تحير بسبب التأخير في انطلاقته ف مهمته. 

قال رايان, بعد أن ركن السيارة» وفك حزام الأمان في مقعده: "يتواحد 
الفريق بأكمله هنا". 

م يعتذر مي على لهجته الخشنة على الماتف» كما أن لم أتوقع أن يقدم لي 
اعتذاراً كهذا. لا أتوقع أن يتصرف أي شخص على طبيعته الحقيقية عند الساعة 
الزاعة اكور كان روود تعدا MISO‏ تسن ف BENE‏ 
حين أخذ يدل على المواقع الى وقعت فيها ب کر کرد كه روي ف يعدن 
الأحداث الي تعرّض فيها للأخطاء والإحراج. أخبرني عن أحداث عنف وقعت في 
هذه الأماكن الى مررنا من أمامها. جرت إحدى هذه القصص في تلك البناية 
المؤلفة من ثلاثة طوابق» حيث هاجمت امرأة زوجها ممقلاة» ثم تحولت نحو رجال 
الشرطة. أخبرن أيضاً أنهم وجدوا رجلاً عارياً ني مطعم دجاج كنتكي المشوي 
(بوليت كنتكي فريتس). علق الرحل في أحد أنابيب التهوئة. انحصر حديثه معي 
في الإطار الذي يتبادله أفر اد الشرطة في ما بينهم. رحت أتساءل ما إذا كانت 
كبز ا ا الواقع الي رت ذهها فيها الحوادث المسجلة الواردة في 
قاورن ا الشروطة ا يدلا عم اا الأفرء والشوارع» وأرقام البنايات» الى نستخدمها 
نحن. 

رأى رايان برتران فتوحّه نحوه. وكان الرحل يقف ضمن مججموعة تتألف من 
بسيار لامسانشء الضابط في من كيبيك» ورجل أشقر الشعرء نحيل البنية» ويضع 
نظارة وار داكنة على عينيه. تبعبّه عبر الشارع» وبحشت عن كلوديل» أو 
شاربونيو 0 اعتقدت أفما قد يكونان حاضرين» ا القضية 
تفص أمن كيبيك. رأ يث أفراد هذه امجموعة هناء لكنني لم لح أيا منهما. 

مه المكان» أن الرحل الذي يضع النظارة متوتر جدا. 
فلقد بقيت يداه في حركة دائمة» كما دأب بحل خريات شار الرميع فول شكند 
العلياء وتلاعبت أصابعه بشعيرات شاربه القليلة» وأعادها إلى مكافا. لاحظت أيضاً 
جلده الباهت الذي لا تشوبه البثور. ارتدى الرجل سترة واسعةء وانتعل حذاء عاليا 
أسود اللون. قدّرت أن يكون عمره خمسة وحمسين» ا اا 


203 


أحسست أن عيئي لامانش تنظران نحوي بعد أن انضممنا إلى المجموعة. أومأ 
باتجاهي, لكنه لم يقل شيئاً. بدأت الشكوك تتجمع في رأسي. فأنا وحدي تسببت 
هذا العرض» وبقدوم كل هؤلاء الأشخخاص إلى هذا المكان. ماذا لو لم يجدوا شيئاً؟ 
وماذا لو أقدم أحد الأشخاص على إزالة الكيس؟ وماذا سيحدث لو تبيّن أن المكان 
هو محرد مقبرة لعامة الناس؟ كانت الليلة الماضية شديدة الظلمة» وقد تعرضت 
أثناءها للاعتداء. هل تخيّلت الكثير من الأمور؟ شعرت بتوتر في معدني. 

حي اذا ران وا کیاد ها ا كيلا عن غارض اناف از 
الرجل الألوان الأرضية الداكنة الي تصلح للنبش» وهي الألوان الي تتناسب مع بيئة 
الأرض» أي الظلال واللون الب لكنها صنعت بالتأكيد من أصباغ كيميائية. 

ألقيت أنا ورايان التحية على الأشخاص الذين نعرفهم ثم تقدّمنا من الرحل 
الذي يضع النظارة. قام برتران بتقديمنا إليه. 

"آندي. دكتورة. هذا هو بوارييه. إنه يمل الدو قية". 

"الأرشيدوقية". 

"اعذرين. الأرشيدوقية, لأن هذه الأرض هي ملك لدار العبادة". حرّك 
وتران ا بعاد السياج وراءه. 

"تمب برينان". تبرعت بالتعريف عن نفسي» ومددت يدي للمصافحة. 

ركز بواتييه نظارته تحاهناء وأمسك راحة يدي بقيضته الضعيفة ابي تخلو من 
الحيوية. لو صتفنا الناس بحسب قوة مصافحتهم» + لكان مول هانق اقرح ما 
كانت أصضابعه باردة وهزيلقٌ وبدت مثل جزرات بقيت في الثلاحة لمدة طويلة. 
قاؤمت دافعا تود عندي کي أقرك أصابع يسروال بير 

كرّر الإجراء ذاته مع رايان» الذي لم تكشف ملامح وجهه عن أي تعبير. 
لاحظت أن البشاشة الي أظهرها هذا الصباح قد اخحتفت» لتحل الجدية مكافا. 
تحوّل الرجل إلى وضعية الشرطي. بدا بوارييه وكأنه يريد أن يقول شيئاًء لكنه 
غيّر رأيه عندما رأى وحه رايان» وزمّ شفتيه حي أصبحتا خطأ مستقيماً. أدرك 
الرحل بطريقة ماء وبعد أن ساد الصمت» أن رايان هو الذي مسك الآن بزمام 
الأمور. 

سأل رايان: "هل دحل أحد حن الآن؟" 


204 


أشار برتران إلى ضابط يرتدي زياً رسميا يقف إلى يبمينه. "لم يدحل أحد بعد. 
جحاء كامبرون عند الخامسة صباحا. لم يدحل أي شخص إل المكان» وكذلك لم 
يخرج أحد. يقول بوارييه إن شخصين فقط بمتلكان حق الدحول إلى الأرض: هو 
والشرف على الأرض. وصل الرحل إلى الثمانينيات من عمره واستمر يعمل في 
الأرض منذ أن حعلت مامي أيزفاور حصلات الشعر المنسدلة على الحبهة أمرا 
ا الجل كلنة قاور بار اع قاف كريد 

أعاد بوارييه توجيه نظارته باتجاهي وقال: "من غير الممكن أن تكون البوابة 
مفتوحة. إنتي أتأكد من إقفاها في كل مرة أحضر فيها إلى هنا". 

سأل رايان: "وم تحضر إلى هذا المكان؟" 

تحوّلت النظارة عن لت ركز على رايان. بقيت في مكانها ذاك ثلاث ثوان كاملة 
قبل أن يجيب. 1 

"مرة في الأسبوع على الأقل. تشعر دار العبادة مسؤوليتها عن كل ممتلكاتا. 
إنناء ببساطةء لا..." 

"ما هي طبيعة هذا المكان؟" 

خيّمت فقرة من الصمت بمحدداً: "يدعى موناستير سان برنار. وقد أغلق 
أبوابه في العام 1983. شعرت دار العبادة أن أعداد رجال الدين فيه لا تيرّر 
استمراريته". 

استغربت الطريقة ال تحدّث فيها عن دار العبادة باعتبارها كائناً حياً بمتلك 
المشاعر والإرادة. وحدت أن لغته الفرنسية غريبة بعض الشيء» وح إفا تختلف 
عن اللهجة المادئة الي نشأتُ على سماعها. لم يكن الرحل كيبيكياًء لكني لم 
أستطع تحديد مكان سكنه من لهجته. لم تكن تلك اللهجة الفرنسية الأصيلة الي 
تفرج من الحنجرة» أو تلك الي يسميها سكان أمريكا الشمالية اللهجة الباريسية. 
یک أن کا لسكا أ سز 

استأنف رايان الحديث: "وماذا يجري هنا؟" 

مرّت فترة صمت أحرى» وبدا لي أن الموجات الصوتية تقطع مسافة طويلة 
قبل أن تصل إلى متلقيها.' 

"لا شيء هذه الأيام". 


205 


ترقت رحل 'الندين عن الكلام واثاوه. لغله ند كر أياما مناطنية غرفت افيها دار 
الاد زدهمتارا کي أو اما شهدت هيا خر كه كيفة. وا آراد الرخل أن 
يجممّع أفكاره» وأن يكون دقيقاً في تصريحاته لرجال الشرطة. لاحظت أن نظارة 
الطليارين تخبئ عينيه. أعتقد أن الرجل غير مؤهل بما يكفي كي يكون رحل دين 
نحو E‏ ا ر ويرتدي سترة ا وف اا 
كالذي ينتعله سائقو الدراحات اطوائية. 

تابع حديثه أخيراً: "إنن آتي هذه الأيام كي أتفقد الأرض» ويقوم المشرف 
على الأرض بالعناية بكل شيء". 

الشغل'رايان دوين ملاسظاته في دفر اصعير: "كل شي 

"أعين الفرنء والأنابيب» وحرف الشلوج. إننا نعيش في 56 بارد ا 
أشجتان بواتيسيه يه بإحدى ذراعيه وکا يريد أن يشمل المقاطعة يكافلها: ا 
کیا الأرلاه سير خان قاد اهار قر إلي: "بالإضافة إلى الأبواب 
والبوابات". إنه يتأكد من بقائها مقفلة. 

ابن اتفقدية لقال لخر بي" 

"#عدتها قار الأحن عند الباعة دة سباع كانت كلها اة" 

فاجأني جوابه الواثق. لم يتوقف الرحل كي يفكر في هذا السؤال. يُحتمل أن 
يكون برتران قد سبقنا إلى طرح السؤال؛ أو لعل بواتييه توقع طرحه» لكن السرعة 
ال أجاب فيها جعلت جوابه يبدو متعجلا. 

"هل لاحظت أمرا حارجا عن المألوف؟" 

"لا شيء" 

"مي يأ هذا الممشرفء, ما اسمه؟" 

"مسيو روي". 

"وم يأ إلى هنا؟" 

"إنه يأت أيام الجمعة, إلا إذا كان لديه عمل حاص نعه من اجيء إلى 


لم یرد رايان» لكنه تابع النظر إليه. 
"... كي يقوم بأعمال مثل حرف الثلج, أو إصلاح نافذة". 
206 


"أعتقد أن التحري برتران قد استجوبكَ بشأن احتمال قيام أحدهم بدفن 
حثث ف هذه الأرض؟" 

مرت قرة صمت. "لا. لا. لم يدفن أحد في هذه الأرض". هز رأسه من 
انت إل اهار و ن أن مظارته اله كر كفا ق أشف تعره اد 
قوسي النظارة من مكانه» أما إطارها فاستقر على زاوية عشرين درجة. بدا الرحل 
مثل إحدى سفن النقل تنتظر أن ترسو ف المرفا. 

"لطالما كان هذا المكان موناستير تابعاً لدار العبادة على الدوام» ولذلك لم 
يدفن أي شخحص في هذه الأرض. سبق لي أن استدعيت موظفة الأرشيف وطلبت 
منهاأن مراع المجلات كي ذكرن متاكفية . مرّر الرحل يديه الاثنتين فوق 
جبهته خلال حديثه» وعدّل وضع نظارته فأصبحت قي وضعها الصحيح. 

"أنتَ تعرف سبب وجودنا هناء أليس كذلك؟" 

أومأ بوارييه فتحركت النظارة ثانية. بدأ في الكلام» لكنه غيّر رأيه» ولم يقل 

أغلق رايان دفتر ملاحظاته الصغير ودسّه في جيبه. "هل تقترحين شيئاً كي 
ننجز المهمة؟" وجه ذلك السؤال لي أنا. 

"دعن آخذك إلى الداخل وأدلك على ما اكتشفته بنفسي. أريدك أن تحضر 
كلبك كي نعرف ما إذا كان هناك المزيد من البقايا المدفونة". تمنيت أن يوحي 
صوني بثقة أكبر ما شعرت به. اللعنة! ماذا لو لم يكن هناك المزيد؟ 

مشى رايان نحو الرحل الذي يرتدي بذلة عمل. وقفز كلب الشفرد نحوه. 
ومرّغ أنفه على يده كي يلفت انتباهه. مرّر الرحل يده على رأس الكلب أثناء 
حديثه إلى صاحب الكلب. عاد الرحل للانضمام إليناء وتقدم مجموعتنا حى وصلنا 
إلى البوابة. تفحصت المنطقة الحيطة بنا بكل عناية بحثا عن أي علامات تدل على 
أن تواحدت فيها الليلة الماضية» ولم أحد 

اتتظرنا عند البوابة ونظرنا إلى بوارييه أثناء تناوله مجموعة كبيرة من المفاتيح 
من حيبه كي يختار واحداً منها. أمسك بالقفل وسحبه» وكأنه يمتحن قوة عضلاته 
مع القضبان. أحدث القفل صوتا ناعماً وسط هواء الصباح» وتطاير رذاذ من 


207 


الصدأ قبل أن يستقر على الأرض. هل أقفلته بنفسي قبل ساعات؟ م أستطع 
التذكر. 

حرّر بوارييه السلسلة الحديدية» وحرر القفلء ثم فتح البواية على مصراعيها. 
أصدرت البوابة صريراً ناعماً. لم يشبه هذا الصرير ذلك الصوت المعدني الحاد الذي 
أذكره. تراحع قليلاً كي يُخلي الطريق لي» بينما اكتفى الجميع بالانتظار. لم يقل لا 
مانش أي كلمة حي الآن. 

رفعتُ حقيبيَ قليلاً فوق كتفي ومررت من أمام رجل الدين» ثم سرت في 
الطريق غير المعيّد. بدت الأشجار ودودة في ضوء الصباح المنعش» واحتفت العدائية 
منها. أرسلت الشمس أشعتها الدافئة من حلال أوراق الأشجار العريضة وأوراق 
الصنوبر» كما أن الحواء كان مثقلاً برائحة الصنوبر. ولّدت الروائح الممتزجة 
حيالات من المنازل المشيدة قرب البحيرات» والمخيمات الصيفية. حلت كل هذه 
السصور من خميالات الحثث والظلال الليلية. تحر كت ببطء» وتفحصت كل شجرة 
وكل بوصة من الأرض بحمثا عن الأغصان المتكسرةء أو عن نباتات في غير مكافاء 
أو حي عن تراب محفور حديئاء أو حي عن شيء يدل على وجود بشري في 
الأرض» ووجودي أنا بشكل خاص. 

تصاعدت درجة قلقي مع كل خحطوة» وازدادت وتيرة نبضات قلي. ماذا لو 
كنت أنا ال أقفلت البوابة؟ هل تواجد أحدٌ في هذا المكان بعدي؟ وماذا حصل 
بعد انصراقي؟ 

بدا المكان وكأني لم أزره مطلقاً من قبل لكنه كان مألوفاً بالنسبة إلي» 
وكاني قرأت عنه» أو رأيتّه في الصور. حاولت أن أجد موقع ذلك الطريق الضيق 
عن طريق تقدير المسافة والزمن. تولدت لدي شكوكي الخاصة» وبدت الصور في 
ع e‏ بدا الأمر كر الي م أتذكره سوى بشكل 
حرتتية أي أننئ: اتد کر الأحداث المهمة جيداء لكن بقية التفاصيل مثل تراتبية 
الأحداث ومدقا فكانت غير واضحة. أردت أن أرى شيئاً یساعدن على التذكر 
ورحت أصلي. 1 

استجاب الله لدعائي عن طريق رؤييَ للقفازين. نسيت أمر القفازين تماما. 
شاهدثهما هناك على الجهة اليسرى من الطريق غير المعبّد» وظهرت أشكال 

208 


ثلاث أصابع بيضاء اللون على مستوى العيون في مكانها فوق فرع شجرة. 
محفت في الأشجار المجاورة» فظهر القفاز الآخر عالقاً على غصن صغير من 
م علو حرال مر ووي سرا عن الأرض. التمعت 
ور ف دی وی اضورق عكدها رحن أتحسسّس بيدي ني العتمة عن مكان 
مناسب كي أدس قفازي فيه. هنات نفسي على ميزة التخطيط للمستقبل الي 
أمتلكهاء لكنبي وبّخت نفسي من حهة التذكر. ظننت أني وضعت القفازين في 
مكان أعلى. هل مررت في هذه الغابة بتجربة تغيير الأحجام الي مرّت ما أليس 
قي بلاد العجائب. 

تنقلت ببصري ما بين الشجرتين اللتين تحملان القفازين» والمتواحدتين بين 
مر غير واضح المعالم. بدت أممية هاتين الشحرتين كتير جد ف ند الج 
بحيث إني م أكن أستطيع ييز هذا الممر من دون هذه الدلائل الي وضعتها. 
أظهر المرب ي ضوع النهارٍ تغيّراً بسيطاً في تشكيل مكونات الشجيرات» وبدت 
هذه النباتات أقل كثافة وأكثر اعدا على لول جانبّيه. لاحظت أن الغطاء 
النباتي لا يتداخل مع بعضه على طول خط ضيق في هذا الممر. بدت الحشائش 
والشجيرات الصغيرة وحيدة ومعزولة عما يحيط بها من حشائش» وهذا ما أظهر 
التراب تحت الأوراق اليايسة الي تواحدت عليها. كانت هذه كل الفروقات 
الي تميز الممر. 

فک ا ق هدخ أثناء عملي بطريقة يقة الأطفال. ركزت أنا وغران 
على كل عناصر الأحجيةء وبحثنا عن الموقع الصحيح» وانشغلت عيوننا وأذهاننا 
برصد أقل الفروقات في الكثافة والظلال. اعتمد نحاحنا على قدرتنا في رصد أدق 
التفصيلات في الألوان ونوعية الأوراق. تساءلت عن كيفية تمك من رصد هذا 
المر في الظلمة. 

تمكنت من ماع حفيف الأوراق» وتكسّر الأغصان ورائي. لم أتحدث عن 
القفازين» وت ركت الموجحودين يدهشون مهاراتي الملاحية» حى إنهُم اعتبرون برينان 
المستك شفة. رأيت علبة طارد الحشرات على بعد أذرع قليلة. م يكن مكان هذه 
ااا لأن غطاءها البرتقالي الفاقع التمع مثل منارة وسط اللون الأحضر 
المنتشر حولنا. 

209 


بقيت تلن المموهة. ظهر انتفاحٌ في الأرض تحت شجرة السنديان» لكنه كان 
مغطى بالأوراق الحاطة بالتراب. تمكنت من رؤية بعض الآثار الى تركتها أصابعي 
عندما حاولت تغطية الكيس المصنوع من النايلون. تبيّن لي أن محاولة التمويه الي 
قمت ها قد كشفت من المكان أكثر مما أحفته. لكن ذلك كان أفضل ما استطعت 
القيام به حينها. 

سبق لي أن كشفت عدة حثث. تم الكشف عن هذه الحثث المخبأة نتيجة 
إخبار» كن طاريق السوة عب الغيرون CS‏ إلى الوشاية بشركائهم. ويعمد 
الأولاد الندمشون أحياناً إلى الإبلاغ عن مكتشفاقم. كانوا يقولون: اشتممنا 
رائحة كريهة: وهكذا بدأنا بالبحث» وهذا ما وجدناه/ بدا شعوري غريباً وأنا 
أتصرف مثلما يتصرف الأولاد. 

أشرت إلى التلة المغطاة بأوراق الأشجار: "هناك". 

سأل رايان: "هل أنت متأكدة؟" 

اكتفيت پان إليه في حين صمت الآخرون. وضعت حقيبيَ أرضاً وتناولت 
منها 2 ا من القفازات الي تُستخدم في الحديقة. سرت نحو تلة التراب 
وركزت قدميّ جيداً كي أحفض من الارتحاج. بدا تصرفي هذا سحيفاً بالنظر إلى 
مغامرت الليلة الفائتة» لكنئ فضّلت الالتزام بالتقنيات المفترضة عند إنحاز هذا 
العمل. 

حلست القرفصاء وبدأت قي إزالة ما يكفي من الأوراق كي يظهر قسم صغير 

من الكيس Ee‏ لكين مدفونة في الأرض» ودل 
شكلها غير المنتظم على أن عتوياته بقيت سليمة. بدا أن دا لم يعبث جما. رأيت 
بوارييه عندما استدرت وهو يرسم إشارة الصليب على وجهه. 

تتحدث رايان مع كامبرون: "دعنا نأحذ بعض اللقطات كي نضعها في دليلنا 
الاي 

عدت إلى حيث يقف الآخرون وانتظرت بصمت كي ينهي كاميرون 
عمله. أفرغ عدة عمله» وملاً لوحة استمارات» كما التقط صورا للتلة الترابية 
والكيس من مسافات واتحاهات متعددة. أنزل الرحل آلة تصويره وتراجع إلى 
الوراء. 


210 


التفت رايان نحو لامانش: "دكتور؟" 

نطق لامانش كلمته الأول منذ وصولي: "تمبرنس؟" 

تناولت مالجا من الحقيبة» وعدت إلى التلة. أزلت الأوراق المتبقية وبدأت 
بكشف ما استطعت من الكيس. شعرت بان تذكرت شيعا حن أن استطعت 
رؤية الثقب الذي أحدثته بظفري. 

استخدمت المالج وأزلت التراب من فوق الكيس وحوله؛ وبدأت بكشف 
المزيد من محتويات الكيس. فاحت رائحة التراب المتعفن الذي أزيل حديئاً وكأن 
رائحة جزء صغير من كل شيء كانت محتجزةً منذ دهور سحيقة» ثم أطلقها اليد 
فجأة من قبضته المتجمدة. 

سمعت أصواتاً انسابت من مهرجان تطبيق القانون الذي يدور في الشارع» 
لكن الأصوات الوحيدة الي كانت تُسمع في المكان الذي أعمل فيه أتت من 
الطيورء والحشرات» ومن أصوات الالح المتتابعة. تطايرت الأغصان في المواء ثم 
متشيف م اا عر كتين عدو بها شح كل دواء ا مق 
التراقص الذي نفذته في الليلة السابقة. إذ انشغل الناشطون في مسرح الليل قي 
حركات تشبه حركات حار الماساي (في شرق أفريقيا) وتقافزواء واندفعوا 
E a,‏ أما العرض الصباحيء في المقابل» فكان 
رقصة فالز تذكارية. تحر كت الظلال على الكيس» وعلى وجوه المجموعة الرزينة 
الي تراقب ظهوره. شاهدت أشكالاً كثيرة تتحرك» فبدت مثل مسرحية للدمى 
المتحركة. 

تحولت تلة التراب إلى حفرة في غضون حمس عشرة دقيقة فبرز أكثر من 
فى لكي و ر الكو ا و ی لاد 
استمرار عملية التحلل وتحرّر العظام من مسؤولياتها التشريحية» هذا إذا كان هناك 
من عظام. 

ظننت أنني قمت بإزالة ما يكفي من التراب كي أتمكن من انتزاع الكيس. 
وضعت مابلمي جانباء أمسكت به وحذبته ببطء. لم يترحزح. عاد إلي الشعور 
الذي سيطر علي الليلة الماضية. هل أن أحدا أسفل الحفرة يمسك الطرف الآحر 
من الكيس» ويتحدان في لعبة شد الحبال الكريهة؟ 

211 


تولى كاميرون التصوير أثناء قيامي بالحفر. اقترب مي حي أصبح ورائي كي 
يتح ضر من أجل التقاط صورة كوداكروم حظة تحرّر الكيس. حطرت عبارة في 
ذهئي: تخليد لحظات حياتناء وموتنا أيضا. رحت أفكر هذه العبارة. 

فركت قفازي في سروالي الجينز» وأمسكت بالكيس في أقصى نقطة 
أستطيع الوصول إليهاء ثم جذبنه بشدة لفترة قصيرة. حاولت تحريك الكيس مرة 
أخرى؛ ورفضت الحفرة التخلي عمًا تبه بسهولة» لكنئ بجحت في التخفيف من 
شدة تمسكها بالكيس. شعرت أن الكيس قد تحرّك؛ وأن محتوياته قد غيّرت أماكنها 
تنيت اعت تش عا وعدي لكين غوي ا لك قز ا کو اوت 
انقسزاع الكيس من مكانه» لكت حشيت مزقه. تحرّر الكيس قليلاً قبل أن يحتل 
مكانه الحديد. 

ركسزت» قدميّ وانطلقت أحذب من جديد» لكن خحصمي الذي كان يرقد 
تحت الأرض تخلى عن هذه المبارزة. بدأ الكيس يتحرر من مكانه وينزلق. أعدت 
تر كيز أصابعي حول الكيس الملتف. تراجعت ببطء إلى الوراء حطوة خطوة إلى أن 
أخر جحت الكيس من الحفرة. ّْ 

أرحيت قبضي عن الكيس ما إن حرج من حافة الحفرة» وتراحعت إلى 
الوراء. رحت أتساءل عما إذا كان هذا ليس سوى كيس نفايات عادي من 
النوع الذي يوحد في كل مطبخ» ومرآب» في أمريكا الشمالية. بدا الكيس 
مليما ومنتفخاً محتویاته» لكنه لم يكن ثقيلاً. لم تكن هذه بالعلامة المبشرة 
بالخير» أم هل إن العكس صحيح؟ هل سأكتشفُ وجود بقايا كلب يعود لأحد 
الأشخاص فأشعرٌ عندها بالمهانة» أم أنئي BS ARAS EDEL‏ متيو 
صحة وجهة نظري؟ ا 

بدأ كامبرون عمله على الفور. وضع الرجل بطاقته؛ والتقط سلسلة من 
الصور. نزعت أحد قفازي» ثم تناولت سكين (من النوع الذي يستخدمه اليش 
السويسري) من جحيبسي. 

ركعت إلى حانب كيسيء بعد أن انتهى كامبرون من عمله. ارتحفت يداي 
قليلاً. لكني استطعت أخيراً أن أمد ظفري إلى داحل الحلال الصغير الذي أحدثه 
نصل السكين ووسّعته. التمع الفولاذ الذي لا يصدأ عندما انعكست أشعة الشمس 

212 


غلية. اعتدرلك بقعد ى لراك الشق. أحسست أن خسة أزواج من العيوق تنب 
نظرت صوب لامانش. لاحظت تغيّرا ف تعابير وجهه عندما تحر کت 
الظلال. تساءلت لبرهة قصيرة كيف يبدو وجهي الملطّخ ف الضوء. أومأ لامانش, 
وما ليشت أن ضغطت على النصل. 
توقفت يدي عن عملها قبل أن أمرّق الكيس. حدث ذلك بفعل صوت 
امتلك مفعول حبل غير مرئي. مع الجميع هذا الصوت على الفور» لكن برتران 
عر دعا e‏ به: "اللعنة!" 


213 


17 


بلدا هذا الصوت الناحن رع غر اة فى اضرا اغ وت 
نباح كلب مسعور مع أصوات بشرية شديدة الاهتياج. تصاعدت الصرحات 
اللمتسارعة والمتوترة في اتجاهات متعاكسة. تبين لي أن هذا الضجيج يتصاعد من 
مكان ما داحل أراضي الموناستير» وإلى يسارنا. افترضت في البداية أن صائدا ليليا 
قدعاد وأنْ كل رجل شرطة في المقاطعة» وكلباً واحداً على الأقل من نوع 
شفرد., يطاردونه. 

نظرت إلى رايان والآحرين. كانوا حامدين» مثلي» في أماكنهم. لفتئي توقف 
بوارييه عن العبث بشاربه» لكنه وقف» وثبت إحدى يديه فوق شفته العليا. قطع 
هذاالصمت صوت رحل يشق طريقه وسط الأشجار الكثيفة. التفتت رؤوس 
الموحودين بالتتابع» وكأهها تعمل عبر مفتاح تحكم واحد. انطلق صرت ينادي من 
مكان ما بين الأشجار. 

"رايان؟ هل أنت هناك؟" 

"أنا هنا". 

التفتنا جميعاً في اتحاه الصوت 

Ch‏ + ادت أعتؤانك و اة كر 

ظهر ضابط يعمل في أمن كيبيك وهو يشق طريقه وسط الأغصان ويتمتم 
بصوت مسموع. لاحل أن وحهه السكين قد امن وأن تنفسه أصبح أكثر 
سكا انكف على هة الكل اه :مو 6 الى ي ن دل كثلة 

214 


الشعرء الي تحيط برأسه الذي غلب الصلع عليه» أكثر تسطحاً. وضع الرحل فور 
رؤيته لنا يدا على كل ركبة من ركبتيه» وانحين قليلاً كي يستطيع التنفس بسهولة 
أكبر. تمكنتُ من رؤية بعض الخدوش حيث احتكّت الأغصان مع المنطقة المكشوفة 
من فروة رأسه. 

ففض الرحل بعد قليل وحرك إبمامه نحو الابحاه الذي قدم منه. وقال لاهثا 
بصوت أجش» يشبه صوت الحواء الذي عر عبر مصفاة دود ارين أن تتوجه 
إلى هناك يا رايان. يتصرف ذلك الكلب اللعين مثل جل تناول جرعة مفرطة من 
المحدرات". 

تمكنت أن أرى بوارييه بطرف عين؛ ولاحظت أن يده تحركت فوق جبهته 
قبل أن تنزلق نحو صدره. رسم الرجل إشارة الصليب بحددا. 

"ماذا؟" ارتفع حاجبا رايان من الدهشة. 

"أحذه دي سالفو في جولة حول المكان بناء على تعليماتك» فبدأ ذلك اللعين 
بالدوران حول تلك البقعة بالذات» وأحذ بالنباح وكأنه ظنّ أن أدولف هتلر» 
وحيشه الألماني بالكامل» مدفونون هناك". صمت قليلا: "أصغ إليه!" 

"ثم ماذا؟" 

"ثم ماذا؟ أوشك ذلك اللعين الصغير أن يقطع حبلا من حباله الصوتية. وإذا 
لم تصل إلى هناك بالسرعة المناسبة فسيؤذي نفسه". 

کتمت ابتسامة لأن الصورة كانت مضحكة جدا. 

"قم بإشغاله عدة دقائق إضافية. أعطه ميلك بون. أو قرص فاليوم إذا 
اضطررت. يتعيّن علينا إفهاء مر هنا". نظر إلى ساعته: "عد بعد عشر دقائق". 

هرّ الضابط كتفيه» وأفلت الغصن الذي يمسكه بيده» ثم استدار كي ينصرف. 

"آم بيكو". 

استدار صاحب الو جه السمين. 

"وجدنا مر هنا". 

أحذ بيكو يهسهس: ا سأحرّب". أحذ يشق طريقه وسط الشجيرات 
نحو الممر الذي أشار إليه رايان» وتأكدت من أنه سيضل طريقه بعد أن يقطع 
خمسة عشر ذراعا منه. 


215 


أضاف رايان: "آم بيكو..." 

شر انوت الج لتنا كاف 

"لا تدع ران تان تان خرب أي شيء". 

تحوّل رايان نحوي بحدداً: "هل تحضّرين لحفلة ذكرى ميلاد يا برينان؟" 

لم يكن بيكو قد ابتعد عنا كثيراً في سيره عندما شققت الكيس من طرفه إلى 
طرفه الآخير 

لم تصاعد الرائحة بسرعة كما حدث في حالة إيزابيل غاغنون» بل تحررت 
الرائحة ببطء إلى حارج الكيس» لكنها فرضت نفسها أخيرا. تعرّف أنفي على 
رائحة التراب الرطب والنباتات المتعفنة بالإضافة إلى رائحة أخرى. لم تكن هذه 
رائحة العفونة النتنة» لكنها كانت رائحة أكثر بدائية» وأقرب إلى رائحة الموت 
والانقراض» وإعادة تدوير الحياة. سبق لي أن مت هذه الرائحة» وعرفت من 
عدلكها أن الک هري شيا ماك عبد زم ولب عند دة قري 

تیت ) أثناء عملي على توسيع فتحة الكيس بيديّ اللتين غطيتهما بقفازين» ألا 
حري لحس على يد داب ركان . ارتحفت يداي جحددا وارتعش النايلون الذي 

يغطيهما. أجل» لقد غيرت رأيي» أتمى أن يحتوي الكيس على بقايا كلب أو غزال. 

احتشد رايان» وبرتران ولامانش من حولي عندما رفعت البلاستيك الممزق. 
وقف بوارييه جامداً مثل شاهد قبر مسمر في مكانه. 

ريل او ف لوقه الک لم تكن العظمة ذات دلالة كبيرة» لكنها 
كانت كافية لأتأكد من أنها لا تعود لطريدة صيادء أو لحيوان أليف. نظرت إلى 
رايان ولاحظت وحود تغضنات في زاويتي عينيه عينيه» وتوتر في عضلات فكّيه. 

"إنها عظمة بشرية". 

ارتفعت يد بوارييه إلى حبهته كي يبدأ جولة جديدة حول رأسه 

أسرع رايان كي يتناول دفتر ملاحظاته» وقلب ورقة منه. 5 : "ماذا لدينا 
هنا؟" کان صوته شاا تماما مئل نصل السکين الى استخدمتها لتوي. 

نقلت العظام برفق وبدأت بالسرد: "أضلاع... عظام كتف... عظام 
ترقوة... فقرات... يبدو أا كلها من عظام الصدر". 

وحدت عظمة من الصدر فأضفت: "وعظمة قص". 


216 


بدأت أجمحث بين العظام, وفتشت عن المزيد من أجزاء اللحثة. اكتفى 
الموحودون بالمراقبة صامتين. زحف عنكبوت كبير بي اللون فوق يدي ما إن 
وصلت في بحثي إلى أسفل الكيس» ثم أكمل سيره نحو ذراعي. تمكنت من رؤية 
عسيونه الصغيرة ترتفع» وتختلس النظرء كي تبحث عن سبب هذا التطفل. بدت 
قوائمه المغطاة بالشعيرات حفيفة ودقيقة جد اخس کان منديلاً مطرزاً يحنك 
مع بشرقي. تراحعتُ مرتحفة إلى الوراء» ورميت د العنكبوت في الحواء. 

اتقصبتُ واقفة وتراجعت قليلاًء ثم قلت: "هذا كل شيء" ال 
بالارتحاف احتجاجا: "إنه القسم الأعلى من الجذع» ولا وجود للذراعين". شعرت 
بالتنميل في جلدي» لكن ليس بسبب العنكبوت. 

أسدلت ذراعي على جاني. لم أشعر بالحبور بسبب صوابية رأبي» لكنئي 
أشعر بخدر شديدء وكأني أصبت بصدمة. أصيب كيان المعنوي بصدمة كبيرة» 
و اة علق لوس + تقول بأنه في فرصة الغداء. وح اذك نان الأمر بماك فود 
مات شخص آخرء لأن وحشاً يسرح طليقاً. 

بدأرايان يكتب ف دفتر ملاحظاته. لاحظت أن أوتار عضلات عنقه قد 
انتتفخحت. 

جاء صوت بواريبه أعلى بقليل من الصرير: "والآن ماذا؟" 

قلت: "يتعيّن علينا الآن أن بحد البقية". 

کان كاميرون منهمكاً بالتحضير كي يلتقط صوره عندما معنا صوت بيكو 
عائداً. أتى مرة أخحرى وسط الشجيرات. انضم إلينا ونظر إلى العظام» ثم أطلق آهة 
ا 

التفت رايان نحو برتران: "هل تستطيع الإشراف على الأمور هنا كي 
نستطيع تفقد الكلب؟" 

أومأ برتران. بدا جسم رايان صلبا مثل أشجار الصنوبر الي تحيط بنا. 

"دعونا تُرجع هذه العظام إلى الكيس» يستطيع فريق الاستعادة تفتيش المنطقة 
بكاملها. سأرسل الرحال بنفسي". 

تركنا برتران وکامبرون وتبعنا بيكو نحو صوت النباح. بدا ذلك الحيوان 
مضطربا. 

217 


حلست بعد مرور ثلاث ساعات على بقعة عشبية وانصرفت لتفحص 
محتويات أربعة أكياس تحتوي حثثاً. كانت ا عاد وو وأرسلت 
أشعتها الحارة على كتفيٰ» لكن حرارقا لم تكف لتدفئة البرودة الى شعرت ها في 
أعماقي. ربض الكلب قرب صاحبه على بعد نصف متر من مكاني» وبسط رأسه 
فوق مخالبه البنية الضخمة بعد أن ا 

تعودت الكلاب المدربة على نبش الحثث المخبأة مثلما تكشف الأنظمة الي 
تعمل بالأشعة تحت الحمراء الحرارة» وذلك لأنها تدربت على الاستجاية لرائحة 
أنسجة المثث الي تحللت» أو تلك الى في طريقها للتحلّل. تستطيع هذه الكلاب 
كشف المكان الأصلي هذه الحشث المتحللة حي بعد أن يتم نقلها إلى أماكن أخرى. 
إا الكلاب البوليسية للأموات. أدى هذا الكلب وظيفته على أحسن وح 
واستطاع كشف ثلاثة مواقع دفن إضافية. أعلن بحماسة عن كل موقع استطاع 
كشفه» واندفع بالنباح المسعور» والنهش» والدوران حوله. تساءلت عما إذا كانت 
جميع هذه الكلاب البوليسية تقو م بعملها اة که 

احتاجت عملية نبش البقايا من العظا» وترتيبها» ووضعها في أكياس» 
ساعتين من الزمن. أنحزنا القيام بجردة أو ولية للعظام قبل نقلها ووضعها في أكياس؛ 
نم أعددنا لائحة تضمٌ تفاصيل أكثر سجّلنا فيها كل شظية من شظايا العظام. 

اختل ست نظرةٌ نحو الكلب الذي بدا متعباًء ولا بد من أنه يشعر بتعب ممائل 
للتعب الذي أشعر به أنا. م يحرّك الكلب سوى عينيه اللتين دارت حدقتاهما البنّيتان 
مثلما تدور صحون الرادار. غير الكلب اتحاه نظراته من دون تحريك رأسه. 

يق للكلن. أن هر رهاق كنا من ,برهم رامن اراز كل السات 
الطويل المرتعش والرفيع. أبقيت لساني داحل فمي» ثم عدت إلى جردة العظام. 

"كم واحدة؟" 

لم أسمعه يتقدم نحوي» لكنين عرفتّه من الصوت. كاي لخديف د 

'بونحور» مسيو كلوديل» كيف حالك؟" 

كرّر الرحل: "كم واحدة؟" 

أحبت من دون أن أرفع بصري: "واحدة". 

"هل من شيء مفقود؟" 

218 


أفيت الكتابة» واستدرت كي انظر إليه. رأيثُه واقفاً مباعداً ما بين قدميه» 
واماد رة فرق ؤراغةه رفك الشعل بإزالة ورف السيلوفان عن خطرة حصل 
N E‏ 1 

احتار كلوديل» مثل برتران» الأقمشة القطنية لقمصانه وسراويله» والكتان 
لستراته ال يرتديها. لاحظت أنه يفضّل اللون الأحضر من بين كل الألوان لأنه 
لون يوحي بالتفاؤل. أما اللون الآخر المناقض فظهر في ربطة عنقه» الى نثرت لمسة 
من اللون البرتقالي هنا وهناك. 

قال مع تطاير أجزاء من الخبز واللحم من فمه: "هل تستطيعين تحديد طبيعة 
ما وحدناه؟" 

2 
"جحل ؟" 

رغبت» بعد مرور أقل من ثلاثين ثانية على وصوله» أن أنترع شطيرته من يده 
وأرميها بعيداً. لم يستطع كلوديل أن يوحي لي بالارتياح في أوقات شعوري 
بالراحة والاسترحاء. افتقدت للأمرين معا في هذا الوقت. شعرت بإرهاق شديد» 
أي مثلما هي حال الكلب. فقدت الطاقة» أو الميل» للانخراط في أي ا 

"لدينا هيكل عظمي شبه كامل. يفتقد هذا ميكل لأي أنسجة ليّنة. كانت 
اة مقطعة» كما أا وُضعت في أكياس نفايات» ودُفنت في أربعة مواقع منفصلة 
في تلك الأرض". أشرت باتحاه الأراضي الى يملكها الموناستير التابع لدار العبادة. 
"وحدت كيسا الليلة الماضية» لكن الكلب اكتشف الأكياس الثلاثة الأحرى". 

اول قطي اخ دوعتف 3 ا الأشكان. 

"هل من عظام مفقودة؟" ترافقت كلمة العظام مع قطع اللحم والحين المتطايرة. 

حدقت فيه من دون أن أردٌ عليه لكنئ تساءلت عن سبب اعتباري هذا 
السؤال زا د كانت هذه طريقة كلوديل» لكنى تصرفت بحسب طريقة 
تصرفه. تحاهلي السؤال يا برينان. هذا هو كلوديل. ينتمي هذا الرجل للزواحف» 
لذلك يتوقع المرء منه التنازل والغرور. يعرف أنك على حق» ولا بد من أنه مع 
القصة في هذا الوقت. لن يقول مبروك, لأن هذه الكلمة تقضي عليه. سأمضي في 
التصرّف حسب طريقته هذه لأا ناجحة تماما. 


219 


عاد بانتباهه نحوي عندما م أردٌّ عليه. 

"هل تفتقد الحثة أي شيء؟" 

"أجل". 

وضعت الورقة ال تحتوي جردة العظام حانباًء ونظرت إليه بشكل مباشر. 
نظر إلي بدوره من دون أن يتوقف عن المضغ. تساءلت لبرهة عن سبب ادم و ضعه 
للنظارة. 

"الرأس". 

توقف عن المضغ. 

"ماذا؟" 

"الرأس مفقود". 

"وأين يكون؟" 

"مسيو كلوديل» لو كنت أعرف مكانه لما اعتبرته 00 

شاهدت عضلات فکه الي برزت قليلاً» ثم عادت كي تسترخي» لکن لين 

"هل من شيء آحر؟" 

"ماذا تقصد بشيء آخر؟" 

"هل من جزء مفقود آخر؟" 

"ما من شيءَ ھام 

راح عقله يستوعب تلك الحقائق» بينما انشغلت أسنانه بقضم شطيرته. 
استمر بالمضغ» وأطبق على هاتفه الخلوي فأصبح كتلة دائرية صغيرة. وضع الكرة 
ف جيبه» ومسح كل زاوية من زوايا فمه بسبابته. 

قال بصيغة أقرب إلى التصريح نما هي للسؤال: "لا أعتقد أنك ستخيريني 
المزيد؟" 

"عندما يتسئ لي الوقت كي أفحص..." 

"أجل". قالحاء واستدار ثم انصرف. 

رحت أصب اللعنات في سرّي» وأقفلت كيسي الحثتين. رفع الكلب رأسه 
لدى سماعه صوت سحابنّي الكيسّين. تبعت عيناه عندما دسست لوح الكتابة في 


220 


حقيبيء وأثناء عبوري الشارع كي ألتقي المشرف على المشرحة النحيل الخصر. 
أبلغنُه بأنئي أفيت عملي» وأنه يستطيع تحميل بقايا العظام» ثم طلبت منه الانتظار 
بعد ذلك. 

رأيت رايان وبرتران يتحدثان مع كلوديل وشاربونيو. احتمع أمن كيبيك 
مع شرطة مونتريال. جعلئ الذعر الذي شعرت به أتشكك بحديثهم. ماذا كان 
كلوديل يقول لهم؟ هل كان الرجل يذمي؟ أعرف أن معظم رجال الشرطة 
متعصبون لنطقتهم» ويغارون على ميادين صلاحياقم؛ ويحافظون على قضاياهم» 
كما أنهم يرغبون بالاحتفاظ بنقاط قوتمم. كان كلوديل أسوأ من الآخرين؛ لكني 
تساءلت عن سبب كرهه لي بشكل خاص. 

انسي كل شيء يا برينان. ا نذل» وها أنت أحرجته في فنائه الخلفي» 
كماأنك لست المفضلة عنده. أوقفي قلقك بشأن المشاعر» وابدئي بالتفكير 
.كهمتك. 52 أنت الأخرى» يا برينان بريعة تماما في أنانيتك في حقل العمل 
الجماعي. 

توقف الحديث ما إن اقتربت منهم. خففت تعابير وحوههم من لمجي الي 
حططت هاء لكني بجحت مع ذلك في إحفاء انزعاحي. 

قال شاربونيو: "مرحباً دكتورة". 

أومأت» وابتسمت في وجهه. 

باد ا این اسا 

قال رايان: "غادر رئيسك منذ حوالى الساعة» وكذلك فعل ذلك الرحل 
الطيب. يقوم فريق الاستعادة بإفاء العمل". 

"هل حدث أمرٌ ما 

هر رأسه. 

"هل علمت شيئاً من خلال آلة كشف المعادن؟" 

بدا رايان متضايقا: "كشفت الآلة كل شىء له علاقة بالمعادن. آه! ماذا 
بشأنك؟" ۰ 

'انتهيت من عملي. أبلغت العاملين في المشرحة بأهم يستطيعون نقل العظام". 

"يقول كلوديل إن الرأس مفقود". 

221 


"هذا صحيح. لم نحد الجمجمة؛ والفك» وفقرات الرقبة الأربع الأولى". 

"وماذا يع ذلك؟" 

"يعن أن ابحرم قطع رأس الضحية» ثم أخفاه في مكان ما. يُحتمل أن يكون قد 
دفنه هناء لكن في مكان منفصل عن بقية أجزاء الحثة. تبدو هذه الأجزاء مبعثرة". 

"إذاء لدينا كيس آحر هناك؟" 

"يحتمل ذلك كما يُحتمل أن يكون القاتل قد تخلص منه في مكان آخحر". 

"أين يكون ذلك المكان في رأيك؟" 

"قد يكون النهرء أو في مرحاضء أو في الفرن. كيف لي أن أعرف بحق 
66 ّْ 

سأل برتران: "ولماذا يفعل ذلك؟" 

"لعله فعل ذلك كي لا تتعرف الشرطة على هوية الضحية". 

"وهل بالإمكان التعرف على هويتها؟" 

"إنه أمر ممكنء لكن من الأسهل بكثير التعرف على المحثة انطلاقاً من الأسنان 
وسجلاتماء عدا عن ذلك» ترك القاتل اليدين لنا". 

"وإذ؟" 

"بحري التحلص من اليدين عادةً عندما تقطع الحثة منعاً للتعرّف عليها". 

لكر إلى يرود 0 

"يسهل أحذ البصمات من الحثث المتحللة كثيرا طالما يتبقى بعض الأحزاء من 
اله سام لدع فاك أحذت مورا وا عيرها نفية الاق عار" 

قال كلوديل بجدية: "هل استطعت مقارنة البصمات؟" 

أحبت بجدية ماثلة: 'بصمات القائل ليست مدرجة في السجلات الرسمية". 

قال بوتران: الکن هذه لیت سوى ظا" 

لن يعرف القاتل هذاء ولن یکرت متا كدا می ستكتشق اة حت أفكر 
أن الأمر يشبه ما جرى مع غاغنون» لكن الفرق يكمن في أنه قام بدفن الضحية 
هذه المرة. 

توقفت لبرهة من الزمن» ورحت أتخيّل القاتل وهو يطوف في الغابات المظلمة 
موزعاً الأكياس ومحنوياتا المريعة في أماكن مختلفة. هل قطع القاتل الق عن 

222 


الأمكنة» وقام بتعبئة أحزائها في أكياس» ونقلها بالسيارة إلى هذا المكان؟ هل ركن 
سيارته تي المكان ذاته الذي ركنت فيه سيارقء أم أنه استطاع الدخول إلى الأرض 
المملوكة للموناستير التابع لدار العبادة بطريقة ما؟ وهل قام.بالخفر أولاً» وخطط 
موقع كل حفرة؟ أم أنه أقدم على نقل الأكياس الي تحتوي أ جزاء ابحشث على مدى 
أربع جولات بسيارته؟ وهل عملية تقطيع الأطراف ليست إلا حاولة يائسة بذها من 
أجل إخحفاء ولع طاغ بالإجرام؛ أم أنه نفذ الجريمة وقام بتشويه المحئة بدماء باردة؟ 

خطرت إمكانية مرعبة في ذهئ. هل كان القاتل معي الليلة الفائتة؟ عدت إلى 
الحاضر. 

و 

نظر الحميع إلي. 

"أو أن الرأس ما زال بحوزته". 

قال كلوديل ساخحراً: "ما زال بحوزته!" 

علق رايان: "اللعنة!" 

سأل شاربونيو: "مثلما حدث مع دامر؟" 

قال رايان: "أقترح أن نعيد فانغ كي يقوم بجولة أحرى. لم يحضروا الكلب 
إلى موقع وجود الجذع". 

قلت: '"أصحيح. سيكون مسرورا بذلك”". 

سأل شاربونيو: "أتمانعين إذا راقبناه". نظر كلوديل تحاهه نظرة استهجان. 

قلت: "لا مانع طالما تفكرون بأمور سارة. سأحضر الكلب. انتظرون عند 
البوابة". 

بدأت بالابتعاد عن الرحال» لكنئ معت كلمة "عاهرة" بصوت كلوديل 
الذي يخرج من الأنف. أقنعت نفسي أنه يقصد الكلب» أو الكلبة» من دون شك. 

اتقصب الكلب واقفاً على قائمتيه الأماميتين عندما اقتربتُ منه» وراح يلوّح 
بذيله ببطء. نقل نظره بين وبين الرحل الذي يرتدي بذلة العمل الزرقاء» وكأنه 
يريد الحصول على إذن كي يقترب من ذلك الزائر الغريب. تمكنت من رؤية كلمة 
دي سالفو مختومة على البذلة. 

223 


و سقس كوه ای تال ونه يون كرولا باتحاه 
الكلب. أوماً دي سالفو قليلاً و أن قفز إلى الأمام» وراح عر غ أنفه 
بأصابعي. 

"مها مارغوت" . تكلم الرجل بلغة إنكليزية» لكنه لفظ اسمها بالفرنسية. 

لام ص جر ةا انها وم كد . تحرك الرحل ببطء ملحوظ يتميز به كل الذين 
بمكضون أيامهم مع الحيوانات. كان وجهه داكتاً وتخترقه التغضنات العميقة. 
لاحظت أن مروحة من التشققات الصغيرة تنطلق من كل زاوية من زاويا عينيه. 
بدا الرحل أنه من النوع الذي يعيش حارج المنزل على الدوام. ١‏ 

"مل تفهم الكلبة الفرنسية أم الإنكليزية؟" 

"إا تفهم اللغتين معا". 

انحنيت على إحدى ركبيّ كي أمسد منطقتي ما حلف أذنيها: "مرحبا 
مارغوت. آسفة لأني اعتبرئك كلباً في السابق. إنه يوم عظيم أليس كذلك؟" 

استعاد ذيل مارغوت سرعته السابقة. تراحعت عندما فضت؛» ودارت دورة 
كانشق ثم هدك يي مكافاء وراحت مخض وحهي. يكل التباه: حرّكت رأسها 
من جهة إلى جهة» ولاحظت أن التغضن الموجود ما بين عينيها قد ات تسع قبل أن 
يطبق ايه 

مددت يدي كي أصافح دي سالفو وقلت: "تهب برينان". 

شبك الرجل أحد طرفي مقود مارغوت إلى حصره» وأمسك الطرف الآخر 
بيده» ومد يده الأخرى نحوي. شعرت رة يده فا من معدت روق 
بخشونتها. لم يسبق لي أذ انت قطن فده اة 

"دافيد دي سالفو". 

"نعتقد أنه يوجد المزيد من العظام هناك يا دايف. أتعتقد أن مارغوت 
تستطيع كشفها في جولة أخرى؟" 

"انظري إليها". 

رفعت مارغوت أذنيها ما إن معت اسمهاء وأحنت رأسها إلى الأرض» 
وأخذت تزحف بعد أن رفعت وركيهاء ثم نفذت سلسلة قفزات قصيرة في المواء. 
أبقت عينيها في هذه الأثناء مر كزة على وجه دي سالفو. 

224 


اا . ما هي المنطقة الي انتهيت من استكشافها حى الآن؟" 

"أغينا استكشاف كامل مساحة الأرض ما عدا المنطقة الي كنت تعملين 
فيها". 

"اپو جحد احتمال بأما فشلت في اكتشاف شيء ما؟" 

هز الرحل رأسه: "لا. ليس هذه المرة. إن الأحوال الحوية مؤاتية» ودرحة 
الحرارة معتدلة بسبب الرطوبة الناتحة عن المطر. لدينا نسائم قوية» كما أن 
مارغوت في أحسن حالاتا". 

بدأت تمر غ أنفها على ركبته» فكافأها الرحل بأن مسّد ظهرها بيده. 

"لا تقرك مارغوت الكثير. لم تتدرّب على أي شيء عدا تتبع روائح الحشث» 
وهكذا فوجود الأشياء الأحرى لا يجعلها تخطئع". 

تتعلم كلاب نبش الحشث تتبع روائح معينة» مثلما هي الحال مع كلاب اقتفاء 
الآثار. تعر كاد يق ات رائحة لوؤت حيدا . تذكرت أحد الاجتماعات 
ف الأكادعية عندما قدّم أحد العارضين زجاحات تحتوي ماذج من روائح , الجحثث» 
أو ما يسمى عطر التحلل. امتعدم ر أخر مي این أعرقهم با اا 
ومخزناً في قارورة بلاستيكية حصل عليها من طبيب أسنانه. 

"إن مارغوت هي من بين أفضل الكلاب الى عملت معها. ستكتشف أي 
عظام إضافية قد تكون موجودة هناك". 

نظرت نحو الكلبة. ذا" الر جل ها 

ES‏ دعنا نأحذها إلى الموقع الأول". 

أطلق دي سالفو عنان مارغوت» وهكذا قادتنا إلى البوابة ال انتظرنا عندها 
رجال التحري الأربعة. سرنا محاذاة الطريق الذي أصبح مألوفاً في هذا الوقت» 
وبقيت مارغوت ف المقدمة تشد مقودها. راحت تشتّم طريقها أثناء تقدمهاء 
وتستكشف كل الزوايا والشقوق بأنفهاء أي بنفس الطريقة الى استخدمت فيها 
aS‏ توقفت ف ب بعض الأحيان كي تزيد من سرعة تنشّقهاء ثم راحت 
حرج الحواء في نفثات كبيرة تسببت في تطاير الأوراق اليابسة حول أنفها. تابعت 
سيرها بعد أن ارتاحت للنتيجة. 

توقفت الكلبة عندما تشعبت الطريق إلى فرعين بابّحاه الغابة. 


225 


"لا يبعد المكان الذي لم نستكشفه كثيراً عن هنا". 

أشار دي سالفو إلى المكان الذي عثرت فيه على أول دفعة من العظام. 

"سآخذها في جولة هنا قبل أن أوجهها نزولاً. تستطيع أن تشتم بطريقة أفضل 
هكذا. تعتقد عندها أنما قد اكتشفت شيئاً. سأئركها تتصرف بحسب طريقتها". 

سألته: "هل ستنزعج الكلبة إذا ذهبنا إلى تلك المنطقة؟" 

"لا. إن رائحتك لا تعن شيعا بالنسبة إليها". 

تابعت الكلبة ومدرها السير لمسافة عشرة أذرع قبل أن يختفيا مع عن ناظري 
في الغابة. سرت مع رجال التحري في الطريق الذي أصبح أكثر وضوحاً بسبب 
كثرة السير عليه. لاحظت أيضاً أن المكان الذي ذفنت العظام فيه أصبح بقعة 
صغيرة خالية من أوراق الأشجار بسبب كثرة الدوس فوقهاء كما أن بعض 
الأغصان المتدلية فوقها قد قطعت. 

فغرت الفجوة المتروكة فاههاء وبدت داكنةٌ وفارغة نكل قير یری بدي 
لي أففا أكبر بكثير ما كانت عليه عندما تركتاهاء كما أن التراب من حوئما کان 
كثيفاً. لاحظت وحود تلة من التراب إلى جانب الحفرة» وظهرت مثل مخروط تراب 
3 ا تسد وراس مقطوع. لال أن ن 
بشكل غبر عادي. نتجت هذه التلة عن غربلة التراب. 

“معنا نباحاً بعد مرور فترة تقل عن الدقائق ق الخمس. 

سأل كلوديل: ھی وزان 

a 

ضع فمف نما لبق أن ا تمكنت من رؤية شريان ينبض لي جبهته. 
وخدرايات رة حوري حسناء رعا كنت أستفزه قليلا. 

مشينا بصمت نزولا في الطريق. كانت مارغوت ودي سالفو إلى يسارنا 
حارج الطريق حورن وسط أوراق الأشجار. استطعنا رؤيتهما في غضون أقل من 
حمس دقائق. بدا حسم مارغوت مشدودا أكثر من وتر کمان» وبرزت عضلات 
كتفيهاء وضغط لامها المصنوع من الحلد إلى صدرها. أبقت رأسها مرفوعا إلى 
الأعلى» لكنها حرّكته من جهة إلى جهة لتفحص المواء الآيّ من كل الجهات» 
واختلج منخراها بشدة. 

226 


توقفت فجأة وجمدت في مكانما. مدّت أذنيهاء وارتعشت أطرافها. معت 
يدا ينكان ماق اماما يذ الضيوت اها ن البداية ‏ بدا ساعد ونا 
لبث أن تحوّل إلى ما يشبه زجرة ممتزحة مع أنين» وسرعان ما أصبح مئل حماسة 
الطقوس الي بمارسها النادبون فق قبيلة يدالية. أحسست بشعيرات رقبي ترتفع من 
مكافاء وبقشعريرة تخترق حسدي بكامله. 

نزل دي سالفو وأرخى المقود. أصرّت مارغوت على موقفها لبرهة من 
الزمن» وكأنها تؤكد صوابيته» وراحت تعدّل من اتحاهاتها. ثبتت في مكان واحد في 
النهاية. 

قال 00 "ماذا حدث بحق الجحيم؟" 

قال رايان: " ين؟" 

علق شاربونيو: "اللعنة!" 

توقعنا أن تك N‏ ولكنها انطلقت» دلا من دلت 
بخط مستقيم عبر الطريق» واندفعت بين الأشجار الي تقع أسفل المكان الذي نقف 
فيه. راقبناها بصمت. 

تقدّمت مارغوت حولي المترين ثم توقفت» وأحفضت أنفهاء واستنشقت 
مرات عديدة. وزفرت الحواء بشدة بعد ذلك» ثم انتقلت إلى يسارها وكررت هذه 
ال e‏ جحسمها شنو دا وكذلك كانت حال عضلاتها. بدأت الخيالات 
تتراحم قي مخيلي أثناء مراقبي إياها. ال هرب في العتمة» والسقطة الشديدة» ومضة 
البرق والحفرة الفارغة. 

نجحت مارغوت في حذب لامي إليها. توقفت في أسفل شجرة صنوبرء 
وركرت كل انتباهها على الأرض أمامها. أحفضت أنفها واستنشقت. لاحظت فجأةٌ 
ا ا ا و 
بفعل غريزقا البدائية. رفعت مارغوت أنفها عاليا ف الهواء» وزفرت آحر كمية من 
الحواءء ثم اندفعت في حركة مسعورة. تحركت إلى الأمام» ثم رجعت إلى الوراء 
ووضعت ذيلها بين قائمتيها الخلفيتين. وأحذت بالزجرة والعض ف الأرض أمامها. 

قال دي سالفو آمراً: "مارغوت! تعالي إلى هنا". اندفع من خلال الأغصان 
وأمسك بعنااء ثم جرّها بعيدا عن مصدر هياحها. 


227 


لم أضطر إلى النظرء لأني عرفت الأشياء ال وحدقاء والأشياء الي لم تجدها. 
تذكرت أنين حدّقت في تلة تراب حاف وحفرة فارغة. هل حفرت بقصد دفن 
خب وهاه ار نميه فقو شو نال عرفت لاز 0 

اندفعت مارغوت بالنباح والزبحرة فوق الحفرة الي وقعت فيها الليلة الماضية. 
كانت ما تزال فارغة» لكن أنف الكلبة أنبأني ما سبق واحتوته. 


208 


18 








أنا الآن على الشاطى» انظر إلى الأمواج اهادرة. وتتهادى طيور الطيطوى 
على قوائمها النخيلة» وتنساب طيور البجع مثل الطائرات الورقية» وتأحذ بطوي 
أحنحتها لتنطلق إلى البحر. انتقلت بذهي إلى كارولايناء واستطعت أن أشمٌ رائحة 
المستنقعات الداحلية المالحةء ورذاذ الحيط المالح» والرمال الرطبة» والسمك الملقى 
على الشاطئ» والأعشاب البحرية الآحذة بالحفاف. رأيت في خحيالي جزر هاتيراء 
وأوكراكوك وبالد هيد في الشمال. أما إلى الجنوب فرأيت جزر باولي» 
وسوليفان» وكياوا. أردت العودة إلى موطي» ولا يهم في أي جزيرة أكون. 
أردت أن أتواجد بين أشجار البلح وزوارق صيد الروبيان» وأن أبتعد عن النساء 
المذبوحات» وعن أجزاء الجثث. 

فتحت عييّ ورأيت الحمائم تقف على تمثال نورمان بيئيون. بدأت السماء 
تكتسب اللون الرمادي» وبدأت أشعة الشمس بالمغادرة» بلونيها الرهري والأصفرء 
وبالاستسلام أمام ححافل الظلمة المتقدمة. أعلنت أضواء الشوارع ولافتات 
المحلات عن قدوم المساء بومضات من مصابيح النيون. تلاحقت أرتال السيارات» 
والعربات الرباعية الدفع» واليّ تفرقت عند وصوها إلى مثلث أحضر يفصل ما بين 
شارعي غاي ودي مايزونيف. ا 

تشا ر کت جلوسي على م بل يرتدي كنزة على الطراز الكمدي. 
استرسل شعره» الذي لم يكن أشقرَ أو أبيض اللون» على كتفيه. أضاءت مصابيح 
السيارات المارة ظهره» وبرزت هالة ضوء حول رأسه نتيجة لذلك» فبدا مثل 

229 


الزجاج امحفور. تماثل لون عي الرجل مع لون سروال المينز الذي عُسل ألف 
مرة. أحاط إطار أحمر عينيه اللتين تقاطرت من زاويتيهما قشرة صفراء. راح يلتقط 
القشرة بأصابعه البيضاء الي تبدو وكأها من العجين» وتدلى صليب معدي بحجم 
راحة يدي من رقبته. 

ذلك المساءء وصلت إلى المنزل متأحرةء وشعّلت الآلة لمحيبة» ثم استسلمت 
للنوم. تداحلت خيالات أشخاص أعرفهم مع أشخاص م أعرفهم» ساروا جميعاً في 
امستع راط من دون شعارات. شاهدت رايان يلاحق غابي بعد أن دحلت إلى بناية 
مسكونة. رايت بيقي وهو ای اكلوديل على حدر كةو يبع البناية الي 
أسكنها. شاهدت كان مستلقية على كيس بلاستيكي ببيّ اللون ملقئ على شرفة 
مزلي البحري» وراحت تعرّض جسدها لأشعة الشمس الحارقة» ورفضت أن 
تستخدم المستحضر المخصص لوقاية الجلد. طاردن شخص ميف على طول ضفة 
مر سان لوران. 

استيقظت مرات عديدة قبل أن أفض ار عن الساعة الاش قينا شعت 
بألم في رأسيء بالإضافة إلى الجوع. ومض ضوء أحمر اللون على الحدار القريب من 
جهاز الحاتف. ظل اللون الأحمر الخافت يومض» ويومض» ويومض. اقتربتُ من 
الجهاز فوجدت أن الآلة لمحيبة قد تلقت ثلاث رسائل. انحنيث وضغطت على زر 
التشغيل. 

أبلغي بيتي أنه يدرس عرضاً للعمل في مكتب محاماة في سان دييغو. ا 
العظيم! قالت كان إا تفكر في ترك المدرسة. رائع! أما الممٌصل الثالث فلم يترك 
رسالة. شعرت بالارتياح لأن اتصاله لم يحمل أخباراً سيئة. لم تصلي أي أخبار من 
غابي مع ذلك. عظيم! 

لم تفلح محادثي مع كاي الي استمرت عشرين دقيقة» في تمدئة مشاعري. 
كانت مؤدبة» لكنها لم تلتزم بأي وعد. قالت لي أخيراء وبعد أن مرت فترة صمت 
طويلة» "سأكلمك في ما بعد" . معت نغمة الخط الحاتفي بعد ذلك. أغمضت عي 
ووقفت سا که ماما برزت قي مخيلي صورة كاي عندما كانت في الثالثة عشرة من 
عمرها. اعتادت أن تقرّب رأسها حينها من أبالوزا إلى درجة أن أذفها التصقت 
بأذنه» كما أن شعرها الأشقر اختلط مع شعر رقبته الداكن. كنت قد ذهبتُ في 


230 


ذلك النهار برفقة بيتي كي نزورها في المعسكر. أضاء وجهها بالبشر عند رؤيتها 
لناء وسارعت إلى ترك الحصان كي تغمرني بذراعيها. كنا قرييتين جداً من بعضنا 
بعضا عندها. أين ذهبت كل تلك الحميمية الي جمعت بيننا ذات يوم؟ لماذا 
أصسبحت تعيسة هكذا؟ ولاذا ترغب بترك المدرسة؟ وهل انفصالي عن بيقي هو 
السبب؟ هل تقع الملامة علينا؟ 

آلين ذلك الشعور بعدم كفايتنا كوالدين» فجرّبت الاتصال بشقة غابي. لا 
حواب. تذكرت ذات مرة أا اختفت لمدة عشرة أيام. قلقت عليها كثيراً في ذلك 
الوقت. ولكن تبين لي أا ذهبت في عزلة كي تكتشف ذائها الداخلية. لعلها قطعت 
اتصاهها بي نظرا لرغبتها .معاودة الاتصال بذاها الداحلية. 

تناولت نحن ییول كن فف :اا ای راسي كما اسکت رغ بو 
4# في مطعم سغغافورة. لكن لم ينجح أي شيء في القضاء على السخط الذي 
شعرت به. لم تفلح حمامات المتنزه» ولا الغرباء الذين يجلسون على المقاعد هناك 
في إبعاد ذهي عن المواضيع الي تلح عليه على الدوام. تصادمت الأسئلة في رأسي 
كما تتصادم دفاعات السيارات. مّن كان هذا القاتل؟ وكيف يختار ضحاياه؟ وهل 
يعرفنه يا ترى؟ وهل سبق له أن اكتسب تقتهن» واستطاع هذه الطريقة أن يتسلل 
إلى بیوتمن؟ قتلت آدكينز في منزهاء لکن ماذا بشأن تروتييه وغاغنون؟ أين 
قتلتا؟ هل حدث ذلك في مكان مخطط له سلفاً؟ وهل أن ذلك المكان مجهز بوسائل 
القتل والتشويه؟ وكيف شق القاتل طريقه؟ وهل كان سان جاك بذاته؟ 

حدقت بالحمائم من دون أن أراها. تصوّرتٌ الضحاياء وتخيلت رعبهنٌ. لم 
تتعدّ شانتال تروتييه السادسة عشرة من عمرها. هل هدّدها بحد السكين؟ ومى 
أدردكت أفا ستموت؟ هل رجته أن لا يؤذيها؟ وهل توسلت إليه الإبقاء على 
حياتا؟ برزت أمامي صورة كاي وبنات الآخرين اللوات يشبهنها. شعرت 
بالتعاطف معهن إلى حد الألم. 

عدت إلى التركيز على حاضري. أفض صباحاً وأتوحه إلى مختبري» وأفحص 
العظباء المكشية.. وكلوديل؛ ذلك الشخص الذي أحدن مضطرة للتعامل مع 
تذكرت الخدوش الموحودة على وجهي. تذكرتت أيضاً أن طموح کان ينحصر في 
أن تصبح مشجعة لأحد فرق كرة السلة الأميركية» ولم تفلح محاولات المتكررة 

231 


لردعها عن ذلك. أعرف أن بيتي قد يتوجه نحو الساحل. شعرت برغبة شديدة في 
الارتباط عاطفياء مثل هادوناء من دون أن يلوح أي شريك لي في الأفق. أين غابي 
بحق الجحيم؟ 

وا فقا وت الان وار ذلك الزن اسای ات 
عرفت ما يتعيّن على عمله. 

سرت نحو منزليء وتوجهت نحو المرآب مباشرة ثم قدت سيارتٍ إلى كاري 
سان لوي. ركنت سيارتٍ في شارع هنري - جوليان» ثم سرت في المنعطف نحو 
شقة غابي. تحعلي البناية الى تسكنها أفكر في بيت أحلام باربي. عاد فكري الليلة 
نحو لويس كارولء وکدت أبتسم. 

وال سياس کات و ينير الشرفة المليئة بالخزام» وال انتشرت ظلال 
أزهار البيتونيا فيها. حدّقت بي مرايا النوافذ» وكأنما تريد أن تقول لي: "إن أليس 
ليست قي الملنزل". 

ضغطت على زرٌ الشقة رقم 3. لا جواب. ضغطت ثانية. صمت. جرّبت 
الشقة رقم 1ع ثم رقم 2» وبعد ذلك رقم 4. لا حواب. يظهر أن وندرلاند (عالم 
الغرائب) قد أغلقت أبوابها هذه الليلة. 
رت ر کا ع یا طاق :0 ادع و لكان فلات سارن 
جنوباً من دون أن أحطط لوجهة سيري» ثم انعطفت شرقاً نحو ماين. 

مرّت عشرون دقيقة محبطة بحت خلاها عن مكان أركن فيه سيارق. تر کتها 
أحرراً في مر غير معبّد يؤدي إلى سان لوران. امتلاً هذا الممر بقئاني شراب الشعير 
EOE NE‏ لاحظت كثرة أكوام النفايات» كما معت 
ضجيج أصوات الموسيقى من خلال قرميد أحد المنازل إلى يساري. يذكر هذا 
المكان بدعاية لأحد أنظمة أمن السيارات الشائعة» والمعروف باسم كلوب. لم 
أركب هذا النظام في سيارت المازداء الي عهدت ها إلى أحد مواقف السيارات» ثم 
انضممت إلى حشد الناس في الشارع. 

تسكن جماعات متنافرة من الناس منطقة ماين حيث تتخذ كل جماعة فيها 
تخود عاضا فا ارو اما اأ ئ عط عضر هده الاعات ن اهار 
بينما لا تنشط جماعات أحرى إلا في الليل فقط. 


232 


تشهد منصطقة ماين نشاط العاملين في تسليم البضائع؛ وأصحاب الحلات» 
والطلاب» وسيدات البيوت» من ساعات الفجر وح الغسق. يُسمع في هذه 
الأوقات أصوات التجار واللاهين. تناهت روائح طيبة تدل على الأطعمة: السمك 
الطازج في والدمان, واللحم المدحن في شوارتزء التفاح والفريز تي وارشوء 
والأطعمة المشوية في لا بولانجيري بولونايز. 

يخلي جمهور النهار الأرصفة لصالح نوع آخر من المخلوقات» وذلك عند 
استطالة الظلال وظهور أضواء الشوارع والحانات» وعندما تُقفل المتاحر والمطاعم 
وتفتح النوادي الليلية. بعض هؤلاء الأفراد غير حطرين من أمثال السوّاح» وطلاب 
الجامعات» الذين يأتون من أجل الحصول على شراب رخيص» ومغامرات رخيصة. 
يتألف بعض هؤلاء المارة من النوع الأخطر: القوادون» والتجارء وبنات الموى» 
ومدمنو العقاقير غير القانونية. يجتمع في هذا الوقت المستغلون والمستعّلون» 
المفترسون والمفترسون في حلقة الغذاء الدائرة في هذه المأساة الإنسانية. 

امتلك أسياد الليل زمام الأمور بالكامل عند الساعة الحادية عشرة وهس 
عشرة دقيقة. امتلأت الشوارع» واكتظت الملاهي والحانات الرخيصة بروادها. 
سرت نحو سانت كاثرين» ووقفت عند الزاوية» وأدرت ظهري لقاطعة لابيل. بدا 
لي أن مكان هذا هو نقطة انطلاق مناسبة. دحلت» وسرت من أمام مر كز الماتف 
العمومي ذاته الذي أجرت منه غابي اتصاها اليائس معي. 

فاحت العقيية ون الصنوبرء رن والبصل المقلي 01 كان الوقت 
متأخراً ا على الغداي وباکراً خا على بدء النشاطات الي تعقب حفلات 
الشراب الصاحبة. لاحظت أن أربع حجرات فقط كانت مشغولة. 

شاهدت شابين حلقا شعرهما على طريقة البانكي وهما يحدقان ببؤس في 
بعضهما بعضاً فوق طبقين نصف ممتلثين من الفلفل الحار . كان شعرهما الأسود 
الفاحم والشائك متمائلا وكأهما تقاسما تحمّل كلفة شامبو الكلايرول. . وضع 
الاثنان كمية من الحلد المرصع على رأسيهما تكفي متجراً متخصصاً في بيع لوازم 
الكلاب والدرّاجين. 

رأيِتُ امرأةً تتميّز بذراعيها النحيلتين وشعرها المرفوع. انشغلت المرأة 
بالتدحين وشرب القهوة في حجرة موجودة في مؤخر القاعة. ارتدت كنزة 


233 


واسبعة حمراء الارن بالاضافة إل ما كانت تسه والدق مروا كاري اعد 
أنها اتفذت هذا المظهر منذ أن تركت المدرسة كي تنضم إلى حملة ابحهود الحري. 

ارتشفت المرأة آخحر حرعة قهوة في كوهاء وأحذت نفساً طويلاً من 
سيجارقاء ثم أطفأت عقب سيجارقا في صحن معدن صغير استُخدم كمنفضة. 
راحت عيناها المطليتان بالألوان تحول بتكاسل في أنحاء الغرفة. لم تتوقع المرأة بالفعل 
أن تحد شريكا لهاء لكنها كانت مستعدة للتحرك عند الحاجة. أظهر وجهها نظرة 
الم الي طون على وجه شخض اعتاد التجوال في في الشوارع منذ مدة طويلة. 4 
تعد هذه المرأة قادرة على التافس مع الشابات الأصغر سنا منهاء لكن لعلها 
تخصّصت في مغامرات الممرات السريعة» ونشاطات المقاعد الخلفية. توفر هذه المرأة 
متعة في أوقات الليالي المتأخرة بأسعار تنافسية. رفعت الكنزة عن صدرها الزيل» 
وتناولت فاتورقاء ثم مشت نحو المكتب. عادت روزي رايفتر للانطلاق في 
الشوارع محددا. 

حلس ثلاثة شبان في حجرة تقع قرب المدحل. تمدّد أحدهم على طاولت 
وأحاط رأسه بإحدى ذراعيه» بينما اختفت الثانية في حضنه. ارتدى الشبان الثلاثة 
الكنزات» وسراويل الجينز القصيرة» واعتمروا قبعات كرة القاعدة. وجّه اثنان 
منهم الجزء البارز من قبعتيهما إلى جهة الخلف» بينما تحذى الثالث اتحاه الموضة 
فوضع الجزء البارز من قبعته من حهة جبهته. امك الشابان الجالسان إلى اليمين في 
التهام شطيرن جبن» وبدا أنهما لا يكترثان برفيقهما. افترضت أهما في السادسة 
عشرة من عمرهما. 

لم يظهر أي مشرف آحر في المكان غير ناذرة عفة. لم تظهر غابي أبداً. 

تسرك الماعم كي أبحسث في طرفي شار سانت كائرين. بدأ سائقو 
الدراجات بالتوافد إلى هذا الشارع» وشاهدت أعدادا كبيرة من دراحات هارلي 
وياماها مركونة على جانبي الشارع الذي يبند إلى جهة الشرق. تجمّع مالكو هذه 
اللاراجاتت بشکل جماعات متعددة» ولاحظت أهم ارتدوا سترات جلدية؛ وانتعلوا 
أحذية عالية رغم المساء الدافئ. 

حلست رفيقات هؤلاء وراء الشبان» أو تحلقنَ بشكل مجموعات لتبادل 
الأحاديث في ما بينهن. ذكرن منظرهنٌ بأعوامي أثناء دراسي الثانوية. اختارت 

234 


النساء عالما من العنف والسيطرة الذكورية. ساق هذه الجماعة من النساء كما 
ساق قطعان القردة. ويتعرضن لأشياء أسوأ من هذاء إذ يتم إحبار الشابات على 
الانغماس في عالم لا أحلاقي» وتوشم أجسادهنّ ويحرقن» كما يتعرضن إلى 
الضرب والقتل. ومع ذلك» تتمسك الشابات بالبقاء في هذا العالم. يصعب علينا 
تصوّر ما الذي كانت عليه حياتنَ السابقة» إذا ما اعتبرن أن هذا العالم بمثل تحسنا 
في طريقة معيشتهن. 

تفحخصّت لمنطقة الواقعة إلى الغرب من سان لوران. رأيت ما كنت أبحث 
عنه. وقفت بنتا ليل تتسكعان وتدخنان وتلهوان مع الناس خارج الغرانادا. عرفت 
بواريت من بينهماء لكنئ لم أتأكد من هوية الفتاة الأحرى. 

قاومتُ دافعاً نشأ عندي كي أتخلى عن مهم هذه» وأتوجه بدلاً من ذلك 
إلى منزلي مباشرة. هل يُحتمل أن أكون قد أخطأت في اختيار ملابسي؟ اخترت 
أن أرنتدي تحر ومروالاً مى ليق وان اق مهدا ت أن تعر 
لاسي هذه مويق لک :ل أكن ا دة يسبى :في أن فحت بهذا ار ع من 
العمل الميداني. 

كفي عن هذا التردد يا بريئان لأنك تخدعين نفسك. اقتحمي المكان» فأسواً 
ما يمكن أن يحدث لك هو أن تتعرضي للهجوم» وعندها لن تكون المرة الأولى. 

تقدمت في سيري ووقفت أمام المرأتين. 

'بونور". بدا صوت مرتعشأء وخرج أشبه بصوت شريط تسجيل يتحرك 
سرع كل من معدا الطبيجي ‏ ا ت من دي ء وات كي أغطى بلي 

توقفت المرأتان عن تبادل الحديث وحدّقتا بي مطولاً كما لو أنهما تتفحصان 
حشرةً غريبة أو شيئاً دحل في أنفيهما. م تتكلماء كما خلا وجهاهما من كل 
تعبير أو عاطفة. 

غيّرت بواريت وقفتهاء وتحركت قليلاً إلى الأمام. ارتدت الكنزة 
القصيرة السوداء اللون ذاتها الي كانت ترتديها في المرة السابقة. أحاطت 
حصرها بذراعهاء وأسندت مرفق يدها الأخرى عليها. راقبتى من خحلف عينيها 
المحجوبتين. سحبت نفسا كبيرا من سيجارتماء وأدخلت الدحان إلى أعماق 
رئتيهاء ثم قلبت شفتها السفلىء ودفعت الدحان بقوة إلى الأعلى. بدا الدحان 

235 


مثل سحابة إزاء أضواء النيون المتوهجة الصادرة عن لافتة الفندق. نثرت أضواء 
اللوحة السضيقة أنواراً وامضة من اللونين الأحمر والأزرق على حلدها الذي 
يشبه لون الكاكاو. أزاحت بصرها عي من دون أن تتلفظ بأي كلمةء وعادت 
لتنظر إلى المارة على الرصيف. 

| تريدين يا عزيزق؟" 

جاء صوت ابنة الشار ع هذه عميقا وحشنا بعض الشيء» وكأن الكلمات 
اكب SNE SSS‏ يدها 
حاطبتي بالإنكليزية وبایقاع ذکرن بسويقات اسابل و تجمعات أشجار السروء 
وبالفرق الى تعزف موسيقى الحاز ر ت کرت أصوات الحشرات الطائرة الي تسرح 
قي ليالي الصيف. بدت لي أنها أكبر سنا من بواريت. 

"أنا صديقة غابرييل ماكولاي. أحاول أن أجدها". 

هرت رأسها. عجزت عن التمييز ما إذا كانت حر كتها هذه تعن أما لا 
تعرف غابيء أو أنها لا ترغب في إجابي. 

"إا عالمة أنشروبولوجياء وهي تعمل هنا". 

"كلنا نعمل هنا يا عزيزي". 

أطلقت بواريت شخرة) وغيرت وقفتها. نظرت إليها. كانت ترتدي 
سروالا فصوا وحمالة صدر مصنوعة من الفينيل الأسود اللامع. وثقت أها 
تعرف غابي» لأا كانت من ضمن النساء اللواتي رأيتهن في تلك الليلة» كما أن 
غابي دلتي. بدت لي أصغر سنا عندما شاهدثُها عن قرب» لكني ركزت أكثر 
على رفيقتها. 

تابعست حدشي: "غاي امرأة سعينة نوعا ماء وهي في مثل سني تقريباء 
وجدائلها..." توقفت قليلا هنا كي أتذكر اللون, "حمراء". 

لقيت لامبالاة واضحة. 

"كما أنما تضع حلقة في أنفها". 

لقي صمناً مال صمت جدار من أحجار القرميد. 

"م أستطع الاتصال بها منذ مدة. أعتقد أن هاتفها معطل» لذلك قلقت عليها 
قليلاً. تعرفانها بالتأكيد". 


236 


شدَّدتُ على الضمير العائد ها ظتاً مي أن ل 
تشابه اللهجات. ولكنئ لم ألقّ سوى وحدة الموقف الى تتميز يما فتيات الولايات 
الجنوبية. 

هرت لويزيانا كتفيها على طريقة سكان لويزيانا الفرنسية. حركت المرأة 
كتفيها أكثر نما حرّكت يديها. 

لا يستغرب المرء تصرف فتيات الولايات الجحنوبية. لم يعط هذا الموقف أي 
نتيجق لذلك بدأت بفهم ما كانت تقوله غابي لي. لا ينبغي على المرء أن يطرح 
الأسئلة في ماين. 

"إذا التقيتما بماء هل ستبلغافها أن تب تبحث عنها؟" 

ا جنوي يا عزيزي» أليس كذلك؟" 

دسّت ظفرا طويلا مطليا بالأ مر في شعرهاء وراحت تمرر طرفه فوق فروة 
رأسها. بدت كتلة شعرها متماسكة بحيث تستطيع الصمود في وجه إعصار. تحرّك 
شعرها كتلة واحدة» ما أوجد لدي الانطباع بأن شكل رأسها يتغير. 

"ليس تماماً. هل تستطيعان أن تقترحا على أي مكان أستطيع إيجادها فيه؟" 

تلق فووا کن رع سحت ئها هة ف 

تناولت بطاقة من البطاقات ال أضعها عادةً في حيبي الخلفي. 

"تستطيعان الاتصال بي على هذا الرقم إذا تذكرتما شيعاً". رأَيتُ بواريت وأنا 
أبتعد عنهما وهي تتقدم كي تأحذ البطاقة. 

فشلت عدة محاولات قمت ها مع بعض المارة في أرصفة شارع سانت 
كاثرين في إعطائي أي نتيجة. وتراوحت ردود أفعالهم ما بين عدم الاكتراث 
والازدراء اللمزوج مع الشك وعدم الثقة. لم أحصل على معلومات. إذ لم يعترف 
أحدٌ بأنه رآهاء حي ولو سبق له أن شاهدها. 

تنقلت مابين حانة وحانة» وتحركت ما بين كل الأماكن الرخيصة الي 
يقصدها روّاد الليل. لاحظت أن جميع هذه الأماكن هي من بنات أفكار مهندس 
داحلي مزئيف. . كانت الأسقف منخفضة:؛ أما الجدران فمشيّدة بأحجار ذات نوعية 
رديئة. طُليت جميع هذه الجدران برسوم داي - غلوء ف اميت ا مريف» 
أو بالخشب الرحيص. وجدمها كلها قاتمة ورطبة تفوح منها رائحة شراب الشعير 


237 


النعقتة» والذخان» والعرق البشري: وعدت ارات اكنات الأفط حال اف 
وكانت حماماقا نظيفة. 

لاحظت منصات على شيء من الارتفاع في بعض الحانات. إذ تعتاد 
الراقصات على التلرّي والزحف فوق هذه المنصات. وتلتمع أسنافنَ» وسروايلهن 
القصيرةء إزاء الأنوار السوداء,ٍ بينما يظهر الملل من وجوههرٌ الجامدة. رأيت 
الرجال الذين يرتدون قمصاناً واسعةء والذين برزت شعيرات لحاهم قليلًء يتناولون 
شراب الشعير من الزحاحات أثناء مشاهدقم للراقصات. وأحذت سيدات اجتمع 
الزائفات بتناول الشراب الفرنسي الرحيص الثمن» أو المشروبات الغازية» كي 
يظهرن ,عمظهر النساء الثريات» وقد تصنّعنّ الابتسام للرحال الذين يعبرون من 
أمامهن ملا في احتذايهم. قصدت النساء الإغراء» لكن التعب هو الذي ظهر على 
وجوهه. | 1 

اكتشفت أن الأكثر تعاسة بينهنٌ هن النساء اللواتي يعبرن حدود عالم التجارة 
بالأإحساد أي اللوات يقفن عند حط البداية» أو عند حط النهاية. رأيت بعضهن 
صغيرات في السنء وبعضهنٌ الآخر بالكاد وصلنَ إلى سن البلوغ. خحرحت بعض 
الففيات بحا عن المرح والكسب السرزيع؛ وهربت أخريات من جحيم منازهن. 
امتلكت قصصهنّ موضوعا مشتركاً. يقول لسان حانٌ: تحرّكي قدر ما تريدين 
كي تجمعي ثروة» ثم انطلقي في حياة محترمة. تصل المغامرات والهاربات بالباص من 
سانت تيريزاء وفال دي أورء أو من فالي فيلد وبوان دو لاك. اتن بشعرهن 
اللامع ووجوههنّ النضرة» وقد امتلأن ثقة بقومنٌ» ووثقنَ بقدرقنٌ على التحكم 
بالمستقبل. كانت اعقاو غر العانوالية جرد مغامرة مرحة بالنسبة إليهن. تعجز 
هؤلاء الفتيات عن إدراك أن هاتين الآفتين هما أول حون من الخطوات المؤدية 
إلى اليأس؛ والذي يستمر بالتزايد حي لا يتبقى أي حل أمام الفتاة إلا السقوط 
المريع. ٍ 

بقيت الفتيات اللواتي أسعفهنٌ الحظ وكبرن بالسن. لم تتمكن غير الفتيات 
الحذرات حقاء والقويات بشكل استثنائي» من جين ثروة معقولة ومغادرة هذا 
العام أما المريضات والضعيفات منهنّ فأدركهنٌ الموت. تمكنت الفتيات القويات 
الأحسام» لكن الضعيفات الإرادة من الصمود» ولقد عرفنَ مستقبلهنٌ وقبلئه. 

238 


ستموت هؤلاء الفتيات في الشوارع لأفنّ لا يحدن أي شيء آخرء أو لاهن أحبين 
أحد الرحال» أو حشيته» إلى حد يكفي لبيعه أحسادهنٌ أو شراء ما يبيعه من 
عقاقير غير قانونية» أو بسبب احتياجهن للطعام» أو مكان للمبيت. 

توحهت ؛ إلى اللواني دخطنَ حدياً في هذا السلك» اوران على وشت که 
وتحنبث الحديث مع اليل المسن» واللواتي اكتسبنَ صلابة وقوة من الشار ع» 
واللواتي يستطعنّ الدفاع عن الأماكن الي يتواحدن كا بنفس قوة حضوعهن 
لقواديهن. افترضت أن الفتيات الصغيرات في السن» والبسيطات» واللواتي يتمتعن 
بقدر من التحديء هن أكثر انفتاحاً. ولكن اكتشفت بأني مخطقة. فلقد ابتعدن عي 
EOE,‏ ا ا وتركن أسئلي تتلاشى قي الهواء المليء بالدحان. 
احترمت الفتيات قانون الصمت» وعدم السماح للغرباء بالدحول. 

شعرت بالإحهاد الشديد بحلول الساعة الثالثة وهس عشرة دقيقة. فاحت 
رائحة دخان السجائر والعقاقير غير القانونية من شعري وثيابي» أما حذائي فتشبع 
برائحة شراب الشعير. شربت ما يكفي من السبرايت الذي يمكنئ من عبور 
صحراء كالاهاري؛ لكنّ عييّ امتلأتا بالحصى الدقيق. استسلمت بعد أن ت ركت 
المزيد من امحانين الموزعين في الحانات» وغادرت المكان. 


2039 


19 





إمتلا المهواء برطوبة تشيه الندى في تكوينها. وارتفع الضباب من النهر» 
والتمعت في الحو حبيبات دقيقة جدا مثلما تلتمع أضواء مصابيح الشوارع. شعرت 
بالراحة نتسيجة برودة الحو ورطوبته التي تصدم بشري. ذكرتني وخزة الأ م الي 
شعرت ها ما بين رقبي وكتفي بأني أحهدت نفسي لساعات طويلة. أحسست 
برغبة في المروب» ولعليي كنت أهرب فعلا عن طريق البحث الذي قمت به عن 
غابي. ولعل هذا البحث هو الذي سبّب لي التوتر. تعودت الاقتراب من عالم بنات 
اهوى» وكذلك تعودت على رفضهن التحدث معي» مثلما اعتدن بحنب سيارات 
الشرطة» والمتطفلين بشكل غريزي. 

اا لقح ف الداذ و ےکوی اقرع اشر ات ارين 
ساعات في محاولة إبعاد حبيب قلدم» وهو الحبيب الذي لم أستطع أبداً التخلص من 
حبّه. حدقت طيلة الليل بإغراء الوهج الكستنائي اللون الذي يتميز به شراب 
السكوتش مع الثلج» وبشراب الشعير الكهرمان اللون» الذي ينساب من 
الزجاجات إلى الحناجر. تمكنت من تنشق رائحة حبييي الذي يتألق وجهه مثل 
ضوء القمر» ورأيت وهجه قي العيون المحيطة بي. أحببنّه ذات مرة. يا الله! ما زلت 
أحبه» لكن ذلك السحر الفتّان قد يكون قاتلاً. إن العبث من حهيء مهما كان 
قليلاء من شأنه أن يجعل هذا العشق القديم يسيطر علي من جديد. ابتعدت عن 
العبث لمذا السبب» ببطء وتصميم. لا عكننا أبداً أن نصبح صديقين؛ لأننا كنا 
حبيبين ذات مرة. التقينا هذه الليلة» وكدنا أن نتعانق. 


240 


أتلدات نفس عميفاً: كان القواء مشيعا برائحة زيرت اشر كات رالات 

الرطبء والخمسيرة المتصاعدة من مصنع مولسون للشراب. كان شارع سانت 
ثرين خاليا تقريباً. مرّ رجحل مسن يعتمر قبعة صوفية على رأسه» ويرتدي معطفا 

سميكا أمام واحهة متجرء ومشى كلب هجين قذر إلى جانبه. رأيت كليا آخر 
يفتش في كومة النفايات الموجودة في النهاية البعيدة من الشارع. أعتقد أن شارع 
ماين يمتلك فريقا ثالثا من الرواد. 

شعرت بالإحباط والإحهاد» فتوحهت نحو سان لوران. بذلت جهدي كي 
أحد غابي, لكن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مستعدين لمساعدتي على الوصول 
إليها. تبّن لي أن هذا الملهى مقفل؛ تماماً مثل ملهى جونيور ليغ. 

مررت من أمام ماي كينه. ضعت لوحة فوق النافذة تعلن عن مأكولات 
فيبتنامية أعلنت أنها متوفرة طيلة الليل. نظرت من خلال الزجاج الوسخ بقليل من 
الاهتمام ثم توقفت. فلقد رأيت رفيقة بواريت جالسة في حجرة خلفية. بقي 
اا د ا 

وضعت في طبقها قطعة أومليت في صلصة حمراء بلون الكرز ثم رفعتها إلى 
فمها وبدأت بتذوقها. تفحصت الأومليت بعد قليل؛ ثم أجهزت عليها بأسنافا 
الأمامية وضعت بعد قليل قطعة أخرئ و كررت العملية بطع رح سال عن 
عدد المرات الى فعلت فيها ذلك. 

لا تدحلي. نعم ادحلي. تأخر الوقت. اللعنة! حربي 2 أخيرة. دفعت الباب 
ودحلت. 


2 
mH 11 


مرحبا . 
ارتحفت يدها عندما معت صوي. بدت منذهلة في البدايةء ثم استرححت قليلاً 
عندما تذكرت أها رأتئ من قبل. 
"مرحباً عزيزق. أل تعودي إلى اللمرل بعد؟" عادت إلى وجبتها بعد ذلك. 
"هل تسمحين لي بالجلوس؟” 
"كما تشائين. انت لا تعملين في منطقي» يا حلوة. لا أمتلك أي شيء ضدك". 
as‏ كل افيا اك امنا قا ترقت وقد شكرة نار ار 
الثلاثينيات من عمرهاء أو في أوائل الأربعينيات. لاحظت أن الجلد في منطقة عنقها 


211 


وجبهتها مشدودٌ وأن لا وحود للترهل تحت عينيهاء لكنني استطعت تحت أضواء 
الفلور يسنت القوية أن أرى تغضنات دقيقة تنطلق من شفتيها. لاحظت أن خط 


فكها قد بدأ بالارتخاء. 
أحضر النادل لائحة الأطعمة فطلبت حساء التونكينواز. لم أكن جائعة» 
لكني أردت أن أحتلق 57 للبقاء. 


"هل وجحدت صديقتك يا عزيزني؟" تناولت كوب قهوقاء فطقطقت الأساور 
البللاشتيكية الى حملا ق ضما كدت من رؤية آثار ندرب رق اله 
الداحلية من مرفقها. 

انتظرنا قليلاً ريثما أحضر لنا صي آسيوي» في الخامسة عشرة من عمره 
تقريباء المياه ومنديلا ورقيا. 

"أدعى تمب برينات". 

"تذكرتك. أنا جويل تاهبو. بنت الموى". تناولت قضمة من طعامها ثانية. 

“الف تابو انان" 

طن مناداي جويلء يا عريزق". 

"حويل. أمضيت أربع ساعات كي أعرف ما إذا كانت صديقي بخير. ۾ 
يعترف أحد بأنه سمع اسمها على الإطلاق. دأبت غابي على المجيء إلى هنا منذ 
أعوام, وهذا أنا متأكدة من أههم يعرفون عمن أتحدث". 

"يحتمل أهم يعرفوما يا عزيزي» لكنهم 3 يعرفوق بيج و ب عنها". 
وضعت الطبق على الطاولة» واحتست من كوب قهوقاء فأصدرت صوتاً خفيفاً. 

"أعطيتك بطاقي. أنا لا أحفي شخصيي '. 

حذقت بي لبرهة. امتلأت الحجرة الصغيرة برائحة العطر» والدخان» والشعر 
غير المغسول. بدت المنطقة المحيطة بعنقها ملطخة ممساحيق التجميل. 

"هل أنت الآنسة الشيحص الذي تقول عنه البطاقة إنه يدعى تحب برينات ؟ 
هل تطاردين أحدا؟ وعل صن نار مجع ين نوع و لين 
حقدا؟" رفعت أثناء كلامها شيئاً يشبه المحلب الطويل الأحمر اللون من كواء 
ووجّهته نحوي» وكأها تشير إلى كافة الاحتمالات. 


242 


"هل أبدو وكأني أمثل قهديداً ضد غابي؟" 

"رآك الجمميع يا عزيزي هنا مرتدية كنزة شارلوت هورنيت» ومنتعلة 
برو كنا انك ن الكدر مق اه وتحاولين حمل فتاة ما كي 
يليك اها مسحي اق ما ا ا رت س نهنا کي امان 

أحضر النادل حسائي. جلسنا بصمت» ووضعت مكعبات صغيرة من الليمون 
الحامض في طبقيء ثم أضفت بعض الفلفل الأحمر مستخدمة ملعقة صغيرة من 
الخزف الصيئ. راقبت جويل أثناء تناولي لطعامي» وهي تلتهم ما تبقى لها من طبق 
الأومليت» وعندما انتهت قرّبت كوب قهوتًا ووضعته أمامها مباشرة. 

"أنت محقة. ما كان يجدر بي استخدام هذه الطريقة المجومية مع الناس وطرح 
الأسعلة عليهم يهذه الطريقة. إن قلقة على غابي» هذا كل شيء. اتصلت ها أولاء 
ثم قصدتُ منزطا. اتصلتُ ها في الجامعة. لا يبدو أن أحدا يعرف أين هي. لم 
تتعوّد الغياب هذه المدة الطويلة". 

تناولت ملعقة من الحساء. اكتشفت أن مذاقها أفضل مما توقعت. 

"ماذا تعمل صديقتك غابي؟" 

"إفهاعالمة أنثروبولوجياء وهي تقوم بأبحاث عن الناس» كما أنها قتم بالناس 
الذين يعيشون في هذا المكان بشكل خاص". 

"تحدثين عن النضوج في ماين". 

استرسلت بالضحك بينها وبين نفسهاء وراحت تراقب رد فعلي على 
اقتباسها من مارغريت هيد. ل أظهر أي رد فعل, لكني بدأتُ أدرك أن جويل 
تامبو ليست تلك الدمية. أحسست أن أتعرض لاحتبار. 

"لعلها لا تريد أن يعرف أحد بمكافها في الوقت الحالي". 

يمكنك أن تفتحي دفاتر امتحاناتك. 

"يحتمل ذلك". 
"د ما المشكلة في ذلك؟" 
يمكنك الآن أن تَحضّري أقلامك. 
"بدت مضطربة ای اجر مره التفينا فيها. كانت خائفة تقريباً". 


243 


"مضطربة لأي سبب يا حلوق؟" 

هل تحضّرت تماماً؟ 

اقوت أن شت ما يلها قال عرس عزني ا 

"يوجد كثير من الأشخاص الذين يتميزون بأطوار غريبة يا عزيزي". 

خا أيتها الحسناء ابدئي الآن. 

أحبرها القصة بكاملها. حر كت كوب قهوها أثناء إصغائها للقصة» وراحت 
تحدّق بالسائلٍ البئي امائل إلى الأسود وكأما تنتظر إجابي. أشارت بعد ذلك للنادل 
ا كوي فوا حلست صامتة منتظرة درجة التقدير الى ستعطين إياها. 

"لا أعرف امه لكني أعتقد أني أعرف عمن نتحدثين. إنه شخص نحيل 
ومتأنق» ويشبه اليرقة. إنه غريب الأطوار فعلا ولا أعتقد أن غرابة أطواره تعود إلى 
سبب بسيط. أعتقد مع ذلك بأنه ليس خخطراً. أشك في أنه يستطيع قراءة الملصقات 
على زجاحة صلصة البندورة". 

جحت في الامتحان. 

"معظمنا يتجنبه". 

"لاذ" 

"أنا أنقل ما يتردد في الشارع لأني لا أتعامل معه. يجعلني الرجل أشعر 
بالقفشعريرة» وكاني أشاهد تشاع ا كشّرت قليلاً وهرّت 
كتفيهاء "يقولون إن الرحل عتلك رغبات غريبة". 

غر ی" 

وضعت كوا على الطاولةء ونظرت إل كي تقيّمِيٍ من جديد. 

"لا يطلب الرحل منا سوى الرفقة» لكنه يدفع لقاء ذلك". 

غرفت بعض المعكرونة وانتظرت. 

"ترافقه فتاة تدعى جولي» لأن الأخريات يرفضن الخروج معه» لا تملك الفتاة 
ذكاءً كبيراء لكن ذلك أمر آحر. أخبرتئ أن العرض ذاته يتكرر في كل مرة. 
يذهبان إلى الغرفة» فيشرع رجلنا هذا في إحضار كيس ورقي يحتوي ثوب نوم. لا 
بمتاز هذا الثوب بشيء غريب» لكنه مخرّم مثل بقية الأثواب. يراقبها الرجل وهي 
ترتديه» ثم يطلب منها الاستلقاء في السرير. إنه أمرٌّ عادي حى الآن. ينتقل الرجل 

244 


بعد ذلك إلى تمسيد الثوب بإحدى يديه» ويضع يده الأحرى على أماكن حساسة 
عنده. يشعر الرحل بإثارة شديدة» ويروح يئن ويتأوه» وكأنه في قمة إبداعه. 
يطلب منها بعد ذلك أن تخلع ثوب النوم» ويشكرهاء ويدفع هاء ثم يغادر. تعتقد 
جولي أنها تجن أموالاً سهلة هذه الطريقة". 

"ما الذي يجعلك تعتقدين أن الرجل نفسه هو الذي يزعج صديقي؟" 

"شاهدته جولي ذات يوم عندما كان يضع الثوب في الكيس. ولاحظت وحود 
قبضة سكين كبيرة فيه. أبلغته أنه إذا كان راعي البقر يرغب بالمزيد من المتعة فإن عليه 
الساتخلض :حن الشسكين. قال إنه سيق الك اصن به أوشها غريا من هذا القييل 
يتعلق بالسکین» وبروحه» وبالتوازن البيئي» وتفاهات مثل هذه. أخافها الرجل كثيرا". 

"ثم ماذا؟" 

هرّت كتفيها بحدداً. 

"هل ما زال يتردد إلى هذه المنطقة؟" 

"ل أنه طشني a‏ كن اراديفف 
منتظم. يظهر الرجل تارة ويختفي طوراً". ١‏ 

"هل سبق وتحدئت معه ذات مرة؟" 

وفيا کات أنه ا جو لحل يعجرا ور حدما باق 
هنا انشحح بان شتخطينه مدل الرقة بسب ما لاه فيه" 

غرفت المزيد من المعكرونة: "هل سبق أن رأيته مع ماغي؟" 

استرحت في جلستها وضحكت: "سؤال رائع يا حلوق". 

الى انتم أذ ا 

"لا أعرف مطلقا. انتظري قليلاء سيظهر ذات يوم". 

"وماذا بشأن جولي؟" 

"إفها منطقة تحارة حرة يا عزيزي. تأي الفتيات ويذهبن» لكنيئن لا أحتفظ 
بسجلات عنهن". 

تفحصت قطع المعكرونة في أسفل الطبق» ثم نظرت إلى جويل. رفعت الغطاء 
قليلاًء فاحتلست نظرة إلى الداحل. تساءلت إن كنت أستطيع رفع الغطاء أكثر. 
حازفت ورفعت الغطاء. 


245 


"هناك احتمال بوجود قاتل تسلسلي يسرح في هذا المكان يا جويل. هناك 
شخص يقتل النساء ويقطعهن". 

م تتغيّر تعابير وجهها مطلقاً. نظرت إلي بوجه جامد كالصخر. إما أا لم 
تفهميٰ» وإما أن أفكار العنف» والأل» » وح الموت» قد أرعبتها. e‏ أن 
تكون قد تظاهرت باللامبالاة» ووضعت قناعاً كي ُخفي الخوف الذي يصعب 
التعبير عنه بالكلام. افترضت أن الاحتمال الأخير هو الصحيح. 

"هل صديقي في حطر يا جويل؟” 

حدّقنا في عيون بعضنا بعضاً لفترة من الوقت. 

"وهل هي أنثى يا عزيزق؟” 

قدت سيارق في :طريقي إلى النزل. وتركت أفكاري مرخ ی 
وهكذا أعطيت انتباهاً قليلاً للقيادة. كان شارع دي مايزونيف تيحن مطاف 
مصابيح السيارات أنوارها على منزل فارغ. رأيت» فجأة» ا الميارات 
ينعكس في مرآة سارت الخلفية. توحست شرا من هذه الأنوار على الفور. 

عبرت شارع بيلء ثم انحرفت إلى اليمين كي أفسح الحال لمرور السيارة. 
بقيت الأنوار تتحرك ورائي» لذلك عدت للسير في الخط الداحلي. تبعي السائق» 
لكنه شعْل الضوء العالي. 

زدت السرعة» لكن السيارة بقيت تلاحقيئ. 

شعرت بوخزة من الخوف, فلعل الرجل ليس جرد سكير. حدّقت في المرآة 
الخلفسية وحاولت أن أتعرّف على هوية السائق. م أستطع رؤية أي شيء عدا ظلٍ 
داکن» لكنه بدا كبيراً. هل هو رجل؟ لا أستطيع أن أتأكد. كانت الأضواء تُعمي 
اش أما السيارة فلم أتمكن من تحديد نوعها. 

أمسكت عجلة القيادة بإحكام وعبرت شار ع غاي» ثم انعطفت إلى اليسار. 
تجاهلت الأنوار الحمراء واندفعت بسيارقي في الشارع الذي أسكن فيهء ثم توجهت 
بجا نحو مرآب البناية الي أسكنها 

انتظرت قليلاً حي تنتهي عملية انغلاق الباب الكهربائي. أغلقتُه بالمزلاج» 
وجحهرّتُ المفاتيح. أصغيت جيدا كي أتأكد من سماعي وقع أقدام. لم يتبعني أحد» 

246 


لكن ما إن دخلتٌ إلى رواق الطابق | الأرلاس ا ق ار يع 
خلال الستائر. ريت سيارة متوقفة على رصيف المهة البعيدة عي من الشارع» 
لكن أضواءها بقيت مشتعلة. رأيت يث ظلاً معتما للسائق من زاوية جانبية. هل هي 
السيارة ذاتها؟ لست وائقة مما إذا كنت قد فقدت أثرها. 

وخدت نفسي مستلفية حئ بعد مرور ثلاثين دقيقة» وأنا أحدّق بستائر 
الظلمة المخحيّمة حارج نافذتي اواتب ااي مرك اسرد لاض إلى ابوت 
الرمادي الحزين. أحذ بيردي يخرحر قرب المهة الخلفية من ركبي. شعرت بإجهاد 
كبير. خلعت ثيابي وخلدت للنوم متجاهلة الروتين المعتاد. مع أن ذلك ليس من 
عاديّ. إني التزم» عاد بنظام صارم في ما يتعلق بأسناني وزينج» لكنين أهملته هذه 
الليلة. 


247 





إن يوم الأربعاء هو يوم جمع النفايات في منطقي السكنية. استسلمت للنوم 
رغم صوت شاحنة جمع النفايات وتعقيمها. غفوت رغم وكزات بيردي المتكررة» 
ورغم رنين الحاتف ثلاث مرات. 

استيقظت عند الساعة العاشرة ومس عشرة دقيقة وأنا أشعر بكسل كبير» 
وبألم في الرأس. لم أعد ابنة الرابعة والعشرين. رسو اندو الطويل هل على 
الأعوام آثاره علي» لكني وجدت صعوبة كبيرة في الاعتراف هذه الآثار. 

فاحت رائحة الدحان من شعري» ومن جلدي» وحن من وسادني وأغطية 
سريري. جمعت كل البياضات» وثيابي» ووضعتهاٍ ف غسّالة الثياب» أحذت حماماً 
طويلاًء واستمتعتٌ برغوة الصابون وفقاقيعه. رن الماتف عندما شرعتٌ في وضع 
زبدة الفستق فوق قطعة كرواسان. 

انساب صوت لامانش عبر سماعة الحاتف: "تمبرنس؟" 

"أحل". 

"كنت أحاول الاتصال بك". 

تطلعت نحو الآلة ابحيبة في هاتفي. سجّلت الآلة وصول ثلاث رسائل. 

"آسفة". 

'ري. هل سنراك هذا اليوم؟ اتصل بك المسيو رايان". 

"سأكون هناك في غضون ساعة". 


248 


شعّلت الآلة كي أسمع الرسائل المسجلة. 

أتت الرسالة الأولى من طالب جامعي يائس. وأتت الرسالة الثانية من 
لامانش. أما الثالثة فكانت اتصالاً مقطوعاً. لم أكن في مزاج يسمح لي بالتفكير في 
مشاكل الطلبة» لذلك حاولت الاتصال بغابي. لا حواب. طلبت رقم كايء لكن 
الآلة امحيبة هي الي ردّت. 

"اترك رسالة قصيرة مثل هذه". ا ت ركت الرسالة» لكن 
من دون مرح. 

وصلت إلى المختبر بعد مرور عشرين دقيقة. وضعت حقيبي الصغيرة في درج 
اللكتب. تحاهلت الأوراق الزهرية اللون الي انتشرت على مكتي» ونزلت على 
الفور إلى الطابق السفلي حيث المشرحة. ش 

يأتي الأموات إلى المشرحة ولا يسجّلون أولا ثم نقلون إلى مقصورات مبردة 
حن تعيّن مختبرات الطب الشرعي طبيباً مختصاً بعلم الأمراض لمعاينة احشث. تدل 
ألوان الأرضية على الحيئة الي لها صلاحية الإشراف على الحثة. تبدأ المشرحة بغرّف 
التشريح. تتوقف الأرضية الحمراء لكل مشرحة عند عتبة قاعة التشريح. يشرف 
ضابط تحقيق على المشرحة» أما مختبرات الطب الشرعي فتشرف على العاملين 
EE a‏ بارع لكين رسنال a‏ 
الرمادية على بحال صلاحية مختبرات الطب الشرعي. اعتدت أن أحري اختباراتي 
الأولية في إحدى غرف التشريح الأربع. تُرسل العظام بعد ذلك إلى مختبر الأنسجة 
للتنظيف النهائي. 

كان لامانش منهمكاً بفتح شق على شكل حرف ۷ في صدر طفلة رضيعة. 
ظهرت كتفاها الصغيرتان على وسادة مطاطية» بينما أسدلت ذراعاها على جانبيها 
فبدت وكأنها تقوم بدور ملاك الثلج. نظرت إلى لامانش. 

قال لي بصوت مر تعش: "عفيامع 50" . 

ريك اقا يرز تجا فرق هة ارق عير لسريس وا بتكت 
ليزا في رفع درع صدري عن رحل في مقتبل العمر. برزت عيناه المنتفختان 
بلون أرجحواني من تحت شعره الكثيف الأحمر اللون. تمكنت من رؤية فجوة 
كد ا في حبهته اليمئ. إِها حالة انتحار. رأيت ناتالي الى بدأت ال 


249 


حديتاً في مختبرات الطب الشرعيء لكنها لم تأحذ على عاتقها أي جرعة قتل 
حى الآن. 

وضع دانيال المبضع الذي كان يسته على الطاولة: "أتري يدين عظام سان 
لامبرت؟" 

"ضعها من فضلك على الطاولة رقم 4". 

أومأ قبل أن يختفي في غرفة المشرحة. 

استغرق تشريح العظام فترة أربع ساعات. تأكدت في قايتها من صحة 
انطباعسي الأولي أن هذه البقايا تعود إلى الشخص ذاته» وبالتحديد إلى أنثى بيضاء 
في حوالى الثلائين من عمرها. لاحظت أن العظام تمتلك القليل من الأنسجة الليّنة 
لكنها كانت في حالة سليمة» حي أا احتوت القليل من الدهن . ماتث المرأة منذ 
فترة ة تتراوح ما بين العامين والخمسة أعوام. لاحظت أمراً غريبا تمل ف وحود قوس 
ملتحم في فقرتها القطنية الخامسة. يصعب التعرّف على هوية صاحب الحئة من دون 
وجود الرأس. 

طلبت من دانيال أن ينقل العظام إلى مختبر تحليل الأنسجة» وأن يقوم بغسلهاء 
ثم توجهت إلى الطابق العلوي. زادت سماكة الأوراق الزهرية اللون على طاولة 
مكتي. اتصلت ببرايان وزودثه بتلخيص عما اكتشفته. قال لي إنه عا تقارير 
قضايا الأشخاص المفقودين الآتية من ن مراك شرطة سان لاميرت. 

وصلتئى إحدى المكالمسات من آرون كالفرتٍ الذي يعمل ف نورمان» 
أوكلاهوما. أتت المكالمة يوم أمس. اتصلت به فتلقيتُ ردا من صوت عذب أبلغي 
أنه بعيد عن مكتبه. أكدت لي صاحبة الوروك قا انهه يدن وأضافت أا 

ستبلغه رسال. تأثرت بلطفها المهي. أحّلت الرد على الرسائل الأحرى» وانصرفت 
كي أرى لوسي دومون. 

امتلأ مكتب لوسي بأجهزة مرصولة مع الكمبيوتر» والطابعات» وأحهزة 
متنوعة أخرى. تسلقت الأسلاك الجدران قبل أن تختفي في السقف» أو جمعت 
في حرم تواحدت فوق الأرضية. رأيت أكداس التقارير المطبوعة على الرفوف 
و الخزائن» واتتشرت مثل تراب السيل الذي يبحت عن أكثر النقاط 
انخفاضا. 


250 


تقع طاولة مكتب لوسي قبالة الباب مباشرة» وتتواجد بمجموعة خزائن 
وتجهيزات بشكل حرف ل وراءها. رآيتها تتنقل من موقي الى حوقم) والشعن 
حذاؤها الرياضي الذي تنتعله في دفع كرسيّها عبر الأرضية الرمادية. سنيق ل أن 
رأيت وجه لوسي» لأنن كنت أرى الحزء الخلفي من رأسها وراء شاشة تومض 
باللون الأحضر. 

تضم الدائرة الي تقع وراء لوسي هذه الأيام خمسة يابانيين برو بذلات 
عمل. شكل هؤلاء حلقة حول لوسي. اعتاد هؤلاء على إسدال أ أيديهم على 
جوانبهم» والإبعاء بجدية» كلما أشارت إلى وناك لا 2 تشرح لهم 
أهميته. لعنت توقيت زيارق» وتوحهت إلى مختبر الأنسجة 

وصل هيكل سان لامبرت من المشرحة قبل وقت قصير. رحتُ أحلل الحزوز 
بالطريقة ذاقا الي اتبعتها مع تروتييه وغاغنون. دونت ؛ أوصاف كل علامة 
وموقعهاء حى إنئي رمت شكلها بعد أن قمت بقياسها. فيك أيضا ار اتف 
النشر الزائفة. دلت الجروح والأخاديد الدقيقة على استخدام السكاكين والمناشيرء 
أي تماماً مثلما كانت عليه الحالتان السابقتان. ظهرت التفاصيل المجهرية بشكل 
مشابه» أما مواق قع الحزوز فكانت متطابقة تقريباً مع الحالات السابقة أيضاً. : 

شرت يدا المرأة في منطقة المعصمء وفصلت الأطراف ا 
لاحظت أن بطنها قد خُرح في خط المنتصف تقريبأء وكان عميقاً مما يكفي كي 
شرك ارا علق العمود الفقري. كانت الجحمجمة والقسم الأعلى من العنق مفقودين» 
لكن العلامات الي رأيّها على الفقرة العنقية السادسة دلت على أنها ذبحت في حط 
منتصف الرقبة. بدا الرحل مصرا على اتّبا ع الطريقة ذاتها. 

أععدت وضع العظام في الصندوق» وجمعت أوراق ملاحظاقء ثم عدت إلى 
مكتبي. عرّحت على الرواق كي أتأكد ما إذا كانت لوسي قد فرغت من عملها. 
ار لليابانيين المتأنقين. ت ركت ورقة مراسلات على أحد أجهرقا. 
أردثها أن تشكرني على إعطائها فرصة للاستراحة. 

اتصل بي كالفرت أثناء غيابي. لم يكن ذلك بالشيء الغريب. ظهرت لوسي 
على باب مكتي» وشبكت يديها أمامها بشدة» قي الوقت الذي شرعت فيه بنقر 
أرقام هاتفه. 


251 


التي بالق تة يعن أذ رس اشام شر يده علق یا امل :تر كت 
رسالة في مكتبي يا برینان؟" 

بدت نحيلة جداً بشعرها الأجعد الذي أضاف سنتيمترات قليلة إلى جمحمتها. 
كنوت طارقا كيزة ينذا سبي قله اة سره وعلدها الشالحي» فبدت 
أقرب إلى مانيكان في متاجر الثياب المخصصة للقياسات الكبيرة. 

فوت ترضح كديا ا تی يا ری شكر على ك 

وضعت قدميها الواحدة حلف الأخرى وراء قائمة الكرسي الذي استرحت 
عليه. بدت لي مثل الهرة الى تندس في وسادة. 

"هل اضطررت للقيام بمهمة سياحية؟" 

انتزعت ابتسامة» ثم أصبح وحهها خالياً من كل التعابير. 

"هل انشغلت مع السادة اليابانيين"' . 

"نعم. إفهم يعملون في مختبر كشف الجحرائم في كوبي. يختص معظمهم في 
ا 

قلت ها: "لست متأكدة ما إذا كنت تستطيعين مساعدتي» لكنيئ أردت أن 
أسألك". ٠‏ 

ركزت عدستيها على صف من الحماحم الي احتفظت ها على الرف 
الموحود وراء طاولة مكتي. 

شرحت ها: "إنها للمقارنة". 

وھا کے اا ا 

"نعم إا جماجم حقيقية". 

نقلت بصرها واستطعت أن أرى نسخة مشوهة من صورت ني كل عدسة 
زهرية اللون. ارتعشت زاويتا شفتيها قبل أن تستقرًا ثانية. ظهرت ابتسامتها ثم 
احتفت مثل ضوء مصباح كهربائي يشكو من سوء في التوصيل. ذكرني هذا المنظر 
بمصباحي الكهربائي في الغابة. 

شرحت ها ما أريده. رفعت رأسها عندما انتهيت» وراحت تنظر نحو الأعلى» 
وكأن الحواب يكمن في السقف. أحذت وقتهاء بينما رحت أستمع إلى أزيز طابعة 
في مكان ما من القاعة. 


252 


"لا تضم التقارير أي شيء قبل 1985ء أعرف ذلك". لاحظت بعض 
الارتعاش في وجهها. بدا أنه يومض» ويومض. 

"أعرف أن الأمر 0 بعض الشيء) لکن حاولي أن تفعلي شيئا". 

"هل تحص هذه كيبيك سيتي» أرط" 

"لاء حى الآن» 57 قضايا مختبرات الطب الشرعي 

أومأت وابتسمت» ثم غادرت. رن الحاتف بعد مغادرتًا مباشرة. جاء الاتصال 
من رايان هذه المرة. 

"ما رأيك بشخص أصغر سن؟" 

"أتقصد أصغر بكم ؟" 

"السابعة عشرة r‏ 

"لا" 

"لعله شخص يتميّز بنوع من..." 

واد 

مرت فترة صمت. 

"لدي شخخصٌ في السابعة والستين من العمر". 

"رايان, لا تنتمي هذه المرأة إلى بجموعة كليراسيل؛ ولا إلى مجموعة 
غيريتول". 2 5 

تابع كلامه بثبات يشبه إشارة مضاءة: "ماذا لو كانت تعاني من مشاكل في 
العظام» أو ما يشبه ذلك؟ قرأت ذات مرة عن..." 

"رايان. كانت المرأة ما بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين من عمرها". 


1 إل 


وت 1 َه 

"ويحتمل أنها فقدت ما بين العامين 1989 و1992". 

"هذا ما قلته لي". 

"آه. فاك أي" آخر. يحتمل أن تكون الرأة أما لأولاد". 

"ماذا؟" 

"'وجدت بعض التقوؤسات على سطح العظام العانية من الداحل. ابدأ بالبحث 
عن والدة". 


253 


"شكراً". 

رن الماتف مجحدداً بعد وقت أقصر من الوقت الذي يستغرقه نقر الرقم اة 

"رایان. أنا". 

"هذه أنا يا أمي". 

ا لجال 

"أنا بخير يا أمي". مرت فترة صمت. "هل تضايقت من محادثتنا الليلة الماضية؟" 

"بالطبع لا يا كان. إني قلقة بشأنك". 

مرت فترة صمت طويلة. 

"إذأ ما نديد لديك ل تتحدث جديا عن مشاريعك هذا الصيف + أردت 
أن أقول لها أشياء كثيرة» لكنئ ت ركت ها متابعة الحديث. 

"ليس لدي الكثير منها. إن شارلوت مملة كما كانت دائماء ولا يمكننا القيام 
بأي شيء". 

حسنا. إن موقفها هذا هو مظهر آخر من مظاهر سلبيات المراهقة. كان هذا 
آخر ما أحتاجه. حاولت أن أسيطر على قلقي. 

"كيف هي الحال في وظيفتك؟" 

"إقكنا ل ا وا يليا يدا ا هلان رة معان وار 
الليلة الماضية". 

'عظيم'". 

"إنئى أحصل على ساعات عمل كثيرة". 

ا 

"أريد أن أترك هذه الوظيفة". 

فضّلتُ أن أنتظر. 

انتظرت هي الأحرى. 

"ستحتاجين للمال يا كاي من أحل متابعة دراستك الحامعية". أرجوك يا 
كاي لا تتلاعبي بحياتك. 

البق لل أنه ا رة ل زي ارده إلى اة فور أفكر ي تله اة 
مدة عام كي أعمل". 


254 


عدنا بحدداً. أد ركت ماذا سيحصلء لذلك بدأتُ هجومي. 

"ناقشنا ذلك ف الماضي يا عزيزتي. لماذا لا تحرّبين جامعة ماك جيل» هذا إذا 
كنك لا تحبين جامعة فرجينيا؟ لماذا لا تأتين للإقامة عندي لأسابيع عديدة. لماذا لا 
تأتين وتحربين؟" هياء تحدثي بسرعة أيتها الوالدة. "نستطيع ترتيب إجازة. ما رأيك 
لو نذهب بالسيارة إلى هاريتايمزء ونتسكع في نوفا سكوشيا لعدة أيام؟" يا الله! عما 
أتحدث؟ كيف بإمكاني ترتيب كل ذلك؟ لا يهم لأن الأولوية هي لابني. 

لم ترد علي. 

"أنت لا تفعلين ذلك بسبب العلامات» أليس كذلك؟" 

9 كانت علاماتٍ على ما يرام". 

"ذا تستطيعين تحويل أرصدتك الدراسية. نستطيع..." 

"أريد الذهاب إلى أوروبا". 

"أوروبا؟" 

"أع إلى إيطاليا". 

"إيطاليا؟" 

م يصعب علي معرفة السبب. 

"هل هو المكان الذي سيلعب فيه ماكس؟" 

رده بلؤكة داع ال وإ" 

"وإذ)؟" 0 

"سيتقاضى مبلغاً من المال أكثر بكثير ما يدفع له فريق الهورنيت". 

م أقل شيئا. 

"وسيعطونه منزلاً". 

م أعلق بشيء. 


"هذا و سيعفى من الضرائب". أصبيحت هجتها أكثر هجو مية. 
"إا أخبار رائعة عن ماكس يا كالي. إنه بمارس الرياضة الى يحبهاء ويحصل 
على أحر كبير مقابل ذلك. ماذا بشأنك أنت؟" 


255 


"يريدن ماكس أن آي معه". 

"يبلغ ماكس الرابعة والعشرين من العمر» ويحمل ادا 
فتبلغين التاسعة عشرة» لم تنهي سوى عام حامعي واحد". 

ا بالاتسرعاء فى مرو ` 

"تزوحت أنت عندما كنت في التاسعة عشرة من عمرك". 

"تروحت؟" أحسست بتوتر في معدتي. 

"بحي لقذ E‏ 

كانت محقة في كلامها هذا. توقفت عن الرد من شدة قلقي عليهاء لكني 
لوعت عو مدني 

8 سبق أن قلت لك إننا لن نتروج". 

جلسنا بصمت مطبق» هي في شارلوت وأنا في مونتريال» لمدة خا ا 
فين الوم 

"هل 92 بانجيء إلى هنا يا كابي؟" 

'عدين أن لا تفعلي شيعا قبل أن تتحدتئ معي". 

مرّت فترة صمت أخرى. 

"كاق؟" 
"أنا أحبك يا عزيزي". 

اجك ا 

"بلغي سلامي | لى والدك". 

العا سأفعل". 

نيت الاتصال بيد مرتحفة. ماذا سيحدث بعد ذلك؟ أدركت أن فهمّ العظام 
انهل کک ا كوبا من القهوة ثم عدت إلى الماتف. 

"دكتور كالفرت من فضلك". 

"هل لي أن أسأل من المتصل؟" أخبرقا. "انتظري دقيقة من فضلك". وضعتن 
في حالة انتظار. 


256 


ابش الك ا عیب انك قف وها على الفاق ر انك مندوية قات 
1. ي صعب على لمرء إيجادك في المكتب". تجاهل الرحل فترات عملي النهارية 


والمسائية. 

صحت به: "أنا آسفة يا آرون. تعتزم ابن ترك الدراسة» والهرب مع لاعب 
كرة سلة". 

"هل يستطيع اللعب على يساره» أو تنفيذ تسديدة ثلانية النقاط؟" 

"أعتقد ذلك". 

لذ دعيها تذهب". 

"يا للغرابة!" 


اليس الأمسر مستغرباً بالنسبة إلى شخص يستطيع اللعب إلى يساره أو 
التسديد من حارج القوس الدائري. إنه مثل المال الذي يودع في المصرف". 

"لدي حالة تقطيع أطراف أخحرى يا آرون". سبق لي أن اتصلت بارون مرات 
عديدة من قبل كي أخبره عن القضايا الى أعمل عليها. اعتدنا على تبادل الأفكار 
قي ما بيننا. 

سمعتّه يقهقه: "لعلك لا متلكين بنادق» لكنك تحبين التقطيع فعلاً". 

"أجل. أعتقد أن هذا المريض عقلياً قد قطَّم عدة ضحايا. كار يها تقو 
النساءء وقي ما عدا ذلك ليس لدينا أي رابط بين هذه الجرائم عدا عن آثار 
التقطيع. أعتقد أن هذه الحرائم هامة". 

"هل هى تسلسلية؛ أم جماعية؟" 

"إا تسلسلية". 

كرو راقن عط ارا عر 

وصفت له الحزوز ومايات التقطيع الي ظهرت على عظام الذراعين. قاطعي 
روف و ا سردي. تخيلته 
وهو يدون ملاحظاته» وتصورت جسده الطويل والنحيل منكباً على ورقة تافهة أو 
مرمية» وباحثاً عن أي فراغ فيها مهما كان صغراً. المي 
عمره بسبب وجهه جهه المنجهم والداكن» وعينيه اللتين تشبهان عيون المنود الحمر» 
رغم أنه لم يتجاوز الثانية وااو عور الي كل دم علن عدم الخال کا أن 


257 


إبداعه كان حدودا كما هي حال صحراء غوبي» لكن حجم قلبه يقارب حجم 
هذه الصحراء. 

سألئي بكل حدية: "هل وحدت الكثير من بدايات النشر الزائفة؟" 

"كلا. إا بالغة السطحية". 

"هل اللاطوط المتوافقة واضحة؟" 

"إا واضحة چ 

"هل وحدت انحرافاً للنصل في الحزوز؟" 

"آہ ھا" 

. ها. نعم". 

"هل أنت واثقة من قياسات المسافة بين الأسنان؟" 

ا إن الخدوش متمايزة في أماكن عديدةء وكذلك وجدت بعض 
الأماكن المنعزلة". 

"ولولاها لكانت المسطحات مستوية جلا" 

'نعم. ينضح هذا كثيراً في البصمات". 

متم وكأنه يتحدث مع نفسه أكثر مما يتحدث معي : "هل من فايات 
لعمليات القطع". 

"وجدت الكثير منها". 

مرت فترة صمت طويلة استغلها الرحل كي يستوعب المعلومات الي أعطيته 
ياها لتوي ويرئّب الاحتمالات في ذهنه. راقبت بعض الأشخاص الذين مروا من 
مام باب مكتي» وسمعت رنين أجهزة الماتف» كما عادت الحيوية إلى الطابعات 
لفترة قبل أن تستكين ثانية. استدرت في مقعدي وحدَقت في المنظر حارج مكتي. 
سارت صفوف السيارات عبر جسر جاك - كارتييه» وشاهدت من بينها سيارات 
التويوتا والفورد الصغيرة الحجم. بدأت الدقائق تمر في النهاية. 

"أشعر وكأنئ آخر من يعلم هنا يا تمب. لا أعرف كيف تحمليني على فعل 
هذاء لكن ها أنا هنا". 

استدرت ثانية» وأسندث مرفقي على طاولة مكتي. 

"أراهن أنه ليس منشارا آلياً. يبدو أنه منشار يدوي متخصصء ولعله منشار 


مطبخ من نوع ما". 


ا 


258 


أحل! صفعت يدي على سطح الطاولة» ورفعتُ قبضة مطبقةًء ثم أنزلتها 
بحدّة مثلما يفعل مهندس يستخخدم صفارته. تابعت الأوراق الزهرية اللون ارتفاعهاء 
ثم ما لبشت أن بدأت بالانسياب إلى الأسفل. 

تابع آرون خد رغم رد فلي "يدن اروز کیو جذا کون ناه عن 
0 ذي أسنان دقيقة» أو سكين مستنة. يبدو أن هناك الكثير من آثار 
الأسنان” أشلف مع وجحود ا التحفضات هذى في أنك تتحدثين عن أي 
حراط كاج العرضية. إذا لا بد من أن إزميلاً قد استٌخدم. أعتقد انطلاقاً مما 
شاهدته أن الأداة المستخدمة هي سكين مطبخ» أو منشارٌ يستخدم من أجل تقطيع 
اللحم". 

"و كيف تبدو هذه الأداة؟" 

"نما نوع من مناشير الحديد الكبيرة» ذات الأسنان المتباعدة كي لا تعلق أثناء 
عملية النشر. هذا هو سبب وجود الكثير من الأماكن المنعزلة الي يمكن وصفها 
ببدايات نشر زائفة. تتواحد e‏ الكثير من الانحرافات» لكن النصل يحفر خلال 
العظم ل وتكون الحزوز نظيفة وواضحة ااا خا اة ة وفعالة. إا 
تقطع من خلال العظام» والغضاريف» والأربطة» وأي شيء آخر". 

ايعاد أمورٌ تتوافق مع هذا النمط". 

"حسناً. هناك دائماً احتمال بوجود أمور لا تتناسب مع النمط المعتاد. لا 
تستطيع هذه المناشير قراءة الكتب كما تعرفين» لكن لا أستطيع التفكير الآن» 
وبشكل مرتحل» بشيء يتطابق مع كل ما أحبرتي إياه". 

"نت رائدً! وهذا هو بالضبط ما كنت أفكر فيه لكنيْ أردت سماعه منك. 
آروثء لا أستطيع أن أعبّر لك عن مقدار تقديري لك في تقديمك هذه الخدمة لي". 

"0" 

"هل تريد رؤية الصور والآثار؟" 

'بالتأكيد'". 

"سأرسلها لك غدا". 

تمثل المناشير الولع الثاني في الأهمية عند آرون. أقدم الرحل على تصنيف كل 
الأوصاف المكتوبة والمصورة للميزات الي تتركها المناشير المعروفة على العظام 

259 


كما أنه أمضى ساعات طويلة منكباً على دراسة الحالات الي رسل إلى مختبره من 
كل أنحاء العالح. 

استنتجحت من حركة تنفسه أنه تلك المزيد ليقوله. جمعت بعض الأوراق 
الزهرية اللون أثناء انتظاري له كي يكمل حديثه. 

"هل قلت إن العظام الوحيدة والمقطوعة بالكامل هي عظام الأذرع السفلية؟" 

"أجل". 

"ووصلت عملية القطع إلى العظام في الأطراف الأحرى؟" 

"أجل". 

"وهل كانت مفصولة بشكل دقيق؟" 

"كانت في غاية الدقة". 

"همم". 

توقفت عن جمع المزيد من الأوراق الزهرية اللون: "ماذا؟" 

قال ببراءة: "ماذا؟" 

ا تقول همم هذه الطريقة فإها تع شيا ما”. 

"لعله ترابط مثير للاهتمام". 

"والذي هو؟" 

"يستخدم الرحل منشار طهاة» وهو يشرع بتقطيع الحثة كما لو أنه يعرف 
ماذا يفعل. إنه يعرف أماكن تواجد العظام وكيفية الوصول إليهاء ويقوم هذا العمل 
بنفس الطريقة في كل مرة". 

"أجل. لقد فكرت في هذا". 

مرت عدة ثوان. 

"إنه ينزرع الأيدي ده ماذا تقول في ذلك؟" 

"يوجه هذا السؤال يا دكتورة برينان إلى عالم نفس» وليس إلى رجل يختص 
بالمناشير" . : 

وافقته رأيه» لذلك غيرت الموضوع: "كيف هي حال الفتيات؟" 

بقي آرون من دون زواج» ولم يسبق لي أن رأيتّه مع فتاة على مدى الأعوام 
العشرين الي عرفته حلاها. تُعتبر الخيل أولى اهتماماته. إذ يتابع الرحل سباقات 

260 


اليل أينما كانت» سواء في تولساء أو ي شيكاغر, أو لويزفيل» أو أو كلاهوما 
حي ى 2 

"إهها مثيرة جدا. حصلت على حصان في الخريف الماضي. تتصرف السيدات 
(المهور) وكأنما ف سنتها الأولى منذ ذلك الحين". 

تبادلنا أحبارنا الحياتية» وأخبار أصدقائنا المشتركين. اتفقنا على اللقاء في 
اجتماع الأكادعية الذي يُعقد في شباط المقبل. 

"حسناء لعل حسن الحظ هو الذي سيوقع هذا الرحل يا تمب". 

اا 

أشارت عقارب ساعي إلى الرابعة والدقيقة الأربعين. سكنت المكاتب 
والأروقة من حولي تجدداء وهذا أجفلت عند سماعي رنين الطاتف. 

هل حدث ذلك نتيجة إفراطي في شرب القهوة؟ 

لاحظت» عندما أحبتء أن السمّاعة ما تزال دافغة إزاء أذي. 

"رأيتك الليلة الماضية". 

"غابي؟" 

"لا تفعلي ذلك بحددا يا تمب". 

"أين أنت يا غابي؟" 

"إنك تريدين الأمور سوءا". 

"اللعنة» لا تعبثي معي هكذا يا غابي! أين أنت؟ وماذا يجري؟" 

"لا تمتمي لذلك. لا أستطيع رؤيتك في هذا الوقت". 

لم أستطع التصديق بأنها تفعل هذا بجددا. شعرت بالغضب الشديد يتصاعد في 
صدري. 

"ابقي بعيدة ع يا عب ابقي بعيدة 0 

أعادت وقاحة غابي الأنانية إشعال غضبي الذي لم يكد يهدأ. انطلق غضي 
هذا مع الغرور الذي يتميز به كلوديل» والوحشية الي يتميز بها ذلك القاتل المريض 
نفسيأء بالإضافة إلى مغامرات المراهقة عند كالي. انفجرت نيران غضبي فغمرت 
غابي في طريقها. 

أمسكت بسماعة الحاتف بشدة كادت تكسر المادة البلاستيكية الي تحتويهاء 


261 


وصرخحت فيها: "من تظنين نفسك بحق الححي؟" 

"حسناء سأتركك وشأنك! سأتركك وشأنك! لا أدري ما هي لعبتك القذرة 
التافهة الي تلعبينها يا غابي؟ لكني سأتركك! سأتركك! انتهت اللعبة» وانتهى 
معها كل شيء! لا أستطيع احتمال ازدواجية شخصيتك بعد الآن! ولا أحتمل 
ذعرك! ولن ألعب» وأكرّر لن ألعب» لعبة المنتقم المقنع لفتياتك وسط كل هذه 
الكابة!" 

توتر کل عصبون في جسميء كما يحدث عندما تضع جهازاً كهربائياً يتحمّل 
0 فولت في مقبس يحمل قوة 220 فولت. راح صدري يعلو ويهبط» كما 
تمكنت من الإحساس بالدموع وراء عيييّ. إنه المزاج الذي تشعرين به يا تمب. 

قطعت غابي الاتصال» فتناهت إلى مسامعي نغمة الخط الحاتفي. 

حلست فترة من الزمن» ومن دون أن أفكّر بشيء. شعرت بدوحة في رأسي. 

روحت وف اع انق اعمط عي و حلي کرای 
اتخذت قراراً. أحذت أدندن بصوت مبحوح نغمة: 

هوجمت بقوة في باتون روج... 


262 





راحت قطرات المطر تنقر على زجاج نوافذ شقي بثبات عند الساعة السادسة 
صسباحاً. وأحدثت السيارات ال انطلقت في جولاتها الصباحية الباكرة أصواتاً 
ناعمة. تمكنت من رؤية انبلاج فجر يوم حديد للمرة الثالثة حلال أيام معدودات» 
SS‏ 
سح. لا أستطيع الزعم أن من النوع الذي ينام أثناء النهارء لكني لست من بين 
امير لحر مكدت من رؤية شروق الشمس ثلاث مرات هذا الأسبوع. 
حدث ذلك لرتين وأنا أوشك على الاستسلام للنوم أما المرة الثالثة فحدثت اليوم 
عنما فيك بعد أن أمضوت | خدى عشرة ساعة ق السرير.. 1 أشعر اكان ولا 
ال اة ارا 
توجهت إلى اللزل بعد أن تلقيت مكالمة غابي, ثم حرحت كي أتناول 
ل SS‏ وبطاطا مهروسة أعيد تشبيعها 
بالمياه» وبعض المرق المصتع» وحساء مع كوز الذرة» بالإضافة إلى فطيرة تفاح 
CE E‏ أيه ا الكولونيل. أتبعت العشاء بحمام ساحن» كما انشغلت 
بتنظيف الخدوش في حدّي الأعن و هدي هذه لبر اليه التجميلية البسيطة الي 
أحريتهاء لأني جا ولت أبنو وكاة: اخدا اقيم على ا شاهدت عند السابغة 
الألعاب الدولية» ثم غفوت أثناء مشاهدي المباريات. 
شغعلت جحهاز الكمبيوتر. لا فرق إن كانت الساعة السادسة صباحاء أم 
اة فب بعك اط ف ايليا بقل قدا لاقن على الا ضف 
263 


برسالة إلى كاي عبر نظام البريد الإلكترون في ماك جيل تصل إلى عنوان في جامعة 
كارولاينا الشمالية - شارلوت. تستطيع كاي الوصول إلى هذه الرسالة بواسطة 
جهاز الكمبيوتر ا محمول والمودم» ولذلك فهي تستطيع الرد من غرفة نومها. 
ياهوو! لماذا لا يستفيد الدميع من الإنترنت؟ 

ومض الموشر في وحهي» وأصرٌ على عدم وجود شيء في الملف الذي أنشأته. 
كان على حق» لأن الجدول الذي بدأته على الورق اشتمل على عناوين الأعمدة 
فقطه ولم يشتمل على أي محتويات. مى بدأت في تكوين هذا الجدول؟ حدث 
ذلك في يوم التظاهرة» 0 لكن هذا الأسبوع بدا وكأنه 
أعوام عديدة. ف أي ازن أسازيي :عند الیرم الذي اكتشفت فيه 
حثة إيزابيل غاغنون» كما مر أسبوع واحد على حرعة قتل مارغريت آدكيز. 

ماذا أنحرنا منذ ذلك الوقت ف ما عدا اكتشاف جثة أخرى؟ أسفرت حملة 
تفتيش قامت ها الشرطة في شقة تقع في شارع برغر عن التأكد من أن شاغلتها 
0 يا للمفاحأة الكبيرة! لم تُسفر الحملة عن الكشف عن أي أمر 

> كما مم تتوفر لدينا أي أدلة عن هوية رحال سان جاك الكثيرين» 

ان Ss‏ ل ب ولم يتوصل 
كلوديل بعد إلى ملاحظة الترابط الموحود بين هذه القضايا. واعتبرني رايان بجحرد 
هاوية. يا ليومي السعيد! 

عدت إلى الجدول. وسّعت المساحة المخصصة للأعمدة. اشتملت العناوين 
على الصفات الجسدية. الموقع. ترتيبات السكن. الوظائف. الأصدقاء. أفراد 
العائلة. تواريخ الولادة. تواريخ الاكتشاف. الأوقات. الأماكن. أدحلت كل 
العطيات الى فكرت فيهاء والى تحمل أن تشكل زايطا أدخلت في أقصى اليسار 
أربعة عناوين أفقية: آدكينز» غاغنون» تروتييه» وجهول. سأستبدل تسمية 
مجهسول بالاسم الذي سأتوصل إليه بعد انتهائي من العظام الي اكنُشفت في سان 
لامبرت. أقفلت الملف عند السابعة والنصف» ووضعت الكمبيوتر المحمول في 
حقيبته» ثم تعضّر ت للانطلاق إلى العمل. 

تيت حركة السير بالازدحام لذلك فضلت المرور عبر نفق فيل - ماري. 
احستلت الفيوم صفحة السماء فأصبح جو المدينة داكناً مع أن الصباح أعلن عن 


264 


قدومه. لاحظت أن الشوارع مغطاة بلمعان جرّاء الرطوبة؛ لذلك عكست أنوار 
فرامل السيارات في ساعة الازدحام الصباحية هذه. 

أحدثت مسّاحتا الزجاج الأمامي إيقاعاً رتيبأء ورسمتا عليه رقعتين من المياه 
بشكل مروحتين. انحنيت إلى الأمام ورحت أحرّك رأسي مثل سلحفاة مخدرة كي 
أبحمث عن بقعة صافية بين المياه المنهمرة على الزجاج الأمامي. أقنعتُ نفسي أن 
الوقت قد حان كي أشتري مساحتين جديدتين» مع أن لن أنفذ هذه الخطوة. 
استغرقي الأمر نصف ساعة كي أصل إلى المختبرات. 

أردت الحصول على الملفات المناسبة» واستخراج دقائق التفاصيلء كي أدخلها 
في الجدول الذي أعددته على جهاز الكمبيوتر» لكنئ وجدت طلبين على طاولي. 
وُحد طفل صغير في متنزه بلدي» وكانت جثته الصغيرة محشورة بين الصخور 
المحيطة بمجرى فر. تقول ورقة ملاحظات لامانش إن أنسجة الحثة كانت جافة» 
كما أن الأعضاء الداحلية كانت مشوهة ولا يمكن التعرّف عليهاء لكن في ما عدا 
ذلك كانت الحثة محفوظة جيداً. أراد الحصول على رأبي في ما يتعلق بعمر ذلك 
الرضيع. لن يستغرق هذا وقتاً طويلاً. 

ألقفيتُ نظرة على تقرير الشرطة المرفق بالنموذج الآحر. عظام ُجدت في 
الغابات. إها أكثر القضايا الي أعمل عليها. تحتمل هذه القضايا أن تكون أي 
شيء: من جرعة قتل باستخدام فؤوس متعددة» أو أن تكون هرةً ميتة. 

اتصلت بدينيز وطلبت نه ا لوز الأشعة للرضيع» ثم نزلت إلى 
الطابق السفلي كي ألقي نظرة على العظام. أحضرت ليزا صندوقاً كرتونياً من 
المشرحة ووضعتة على الطاولة. 

حل هي کل الغظام؟” 

اعتوامن كل الحظام + 0 

ناولتي قفازين» م عارك ا و ون کی ری . برزت 
العظام من هذه الكتلة. حاولت أن اجس التراب» لكنه كان قاسياً مثل الإسمنت. 

"دعونا نلقي نظرة على الصور وصور الأشعة؛ ثم نضع هذه الأحيرة فوق 
الشاشة ونغطسها بعد ذلك. استخدمي قواطع كي تبقى كل أجزاء العظام 
منفصلة. سأعود بعد فاية الاجتماع". 


265 


يجتمع الأطباء الأربعة الأحصائيون بالأمراض» الذين يعملون في مختبرات 
الطب الشرعي» مع لامانش كل صباح من أجل مراجعة الحالات» وتسلم مهمات 
التشريح. اعتدت على المشاركة قي هذه الاحتماعات عندما أكون موجودة. 
وحدت» عند صعودي إلى الطابق العلوي» لامانشء وناتالي آیرز» وجان بيليتييه» 
ومارك بيرغيرون. متحلقين حول طاولة الاجتماعات الصغيرة الموجحودة في مكتب 
لامانش. عرفت من لوحة النشاطات الموجودة في الرواق أن مارسيل مورين 
موجودة في المحكمة, وأن إميلي سانتانجيلو قد أحذت يوم عطلة شخصية ها. 

ترك الجميع في مقاعدهم كي يفسحوا الخال لي» ثم قدموا لي كرسيا. تبادلنا 
تحيات الصباح المعتادة. 

سألت: "مارك لماذا أنت هناء واليوم هو يوم خميس؟" 

"إن يوم غد هو يوم عطلة". 

نسيت تماما أمر ذكرى كندا. 

سألي بيليتييه من دون أن تظهر أي تعابير على ملامح وجهه: "هل 
بطعا ركنن امسر اين لتيل اليل ال سد جيه ريس كبيلده ررس الأمر 
الذي صعب على كثيراً فهم كلماته. قت أشهرا عديدة من دون أن أفهم كلماته 
بالمرةء ولذلك ل أنتبه لتعليقاته الساحرة. تمكنت بعد مرور أربعة أعوام من فهم 
معظم ما يقوله. ولم أحد صعوبة هذا الصباح في فهم مغزى تعليقه. 

"أعتقد أن لن أشارك في هذا الاستعراض". 

"تستطيعين طلاء وجهك في إحدى المقصورات. سيكون الأمر أسهل بكثير". 

ترددت القهقهات من حولي. 

اغات عن وشا لأنه قد يكون أسهل بكثير". 

"إنه أمر 2 جدا". 

تظاهرت E‏ ورفعت حاجي» وکتفي» وراحتّي يدي. ماذا يحدث؟ 
استرحى الرجل ي مقعده. وأمسكت أصابعه الصفراء بشدة بسيجارته الخالية من 
الوصعع a E O a a‏ 
لأحدهم أن أحبرني ذات يوم أن بيليتييه لم يرتحل حارج مقاطعة كيبيك أبداء وهو 
الذي بلغ الرابعة والستين من عمره. 

266 


بدأ لامانش الحديث أثناء توزيعه لائحة الحالات لذلك اليوم: "لدينا ثلاث 
حالات فقط تستدعي التشريح". 

مد بيليتييه يده كي يتناول ورقته» وراحت أسنانه الصناعية تطقطق عندما 
تكلّم: "إنه الهدوء الذي يسبق يوم العطلة. سنكون أكثر انشغالاً بعدها". 

أمسك لامانش قلمه المؤشر: "أجلء وعلى الأقل هناك برودة الطقس الى 
أظن أنها أمرٌ مساعدٌ لنا". 

بدأ بسرد برنامج ذلك اليوم المحزن» وزوّدنا بتفاصيل إضافية عن كل حالة. 
تحدث عن حالة انتحار بغاز أول أوكسيد الكربون» وعن رجحل عجوز وُحد ميتا 
ف سریره» وأخيراً عن طفل رضيع ألقي به في متنزه. 

فا لامانش أوراق تقرير الشرطة: "تبدو حالة الانتحار واضحة. إنه ذكر 
أبيض... يبلغ السابعة والعشرين من عمره... وجحد في سيارته المركونة في مرآبه... 
كان حزان الوقود خالياء ومفتاح الحرّك في مكانه» وفي وضع شغل. 

وضع الرجل عة رصور فورية على الطاولة. أظهرت الصور ر فورد 
بلونما الأزرق. ظهرت السيارة وسط مرآب يتسع لسيارة واحدة. ظهر أيضاً أنبوب 
متحرك ومرن» ومن النوع الذي يُستخدم في نشافات الثياب» غاا في أنبوب 
العادم ويصل حن نافذة السيارة الخلفية اليمئ. تابع لامانش قراءته للتقرير. 

نظر إلى ناقالي: "بمتلك الرحل سحلاً من الاكتعاب... وُجدت معه رسالة 
وداع". نظر إلى ناتالي: "دكتورة آيرز؟" 

أومأت. ثم تناولت الأوراق. أشار لامانش بكلمة آيرز بالحبر الأحمر على 
اللائحة الأساسية» ثم تناول المجموعة التالية 1 النماذج. 

"الحالة رقم 26742 هو ذكر أبيض ,العم إشيعة انون عاما. . 
السكري تحت السيطرة". yy‏ المعطيات ذات الصلة. 0 
يشاهد لأيام عديدة.. . وجحدته شقيقته... لا توجد علامات تدل على تعرضه 
لضربة ما". تابع القراءة لنفسه لثوان قليلة. م تأخير 
ما ا الذي وجدته فيه شقيقته» وبين وقت طلبها المساعدة. يبدو أن 
السيدة قد أنهت بعض أعمال التنظيف المنزلية في هذا الوقت" رفع وآسه قليلا: 
"دكتور بيليتييه؟" 


تت 


267 


هر بيليتييه كتفيه» ومد يده. وضع لامانش كلمة بيليتييه مختصرة على 
لائحسته» ثم ناوله النماذج. أرفقت اوه يبودا د 
أحرى لا تحتاج إلى وصفات. تناول بيليتييه هذه الأغراض» ورد بلباقة» لكني م 
أفهم ما قاله. 

تحوّل انتباهي نحو كدسة الصور الفورية الى أرفقت مع أوراق حالة الطفل. 
چت الصور من زوايا متعددة أظهرت دولا ساد استلقت جثة صغيرة بين 
الصخورء وبدت العضلات الصغيرة منكمشة» أما جلده فبدا شاحباً مثل قطعة جلد 
قديهة. طافت خصلة شعر صغيرة حول رأسه» بينما أحاطت خصلة أخرى يحفنيه 
ارا ل أصابع الطفل مبسوطة ومنفرجة؛ وكأنه يطلب 
النجدة أو كانه يحي عن شی کی يتعلق .به. کا وظهر نصفه داحل 
الكيس من النايلون الأحضر الداكن» ونصفه حارج الكيس. بدا الطفل وكأنه 
عون م له مو وزو يا الله كم أصبحت أكره الأكياس بشدة! 

عدت كي أتفخّص الصور المنشورة على الطاولة. وأصغيت د إلى 
لامسانش. فرغ الرجل لتوّه من سرد ملخصه. وبدأ بكتابة كلمة لامانش مختصرة 
على الحدول الأساسي. سيجري الرحل هذا التشريح بنفسه» وسأقوم أنا عمحاولة 
تضبيق بحال العمر عن طريق إجراء تقييم لتطوّر نمو العظام. سيحاول بيرغيرون 
بدوره إجراء تقييم للأسنان. أومأ جميع الجالسين. انتهى الاجتماع بعد ان انتهت 
مواضيع النقاش. 

أحضرت كوب قهوة »> وعدت إلى مكتبي. وحدت على طاولي 
مظروقا بتعا كبو افج فتحتّه» وتناولت أولى صور الأشعة الي أحذت 
للطفلء ووضعتها أمام لوحة الضوء. د تاها مع ارح وبدأت 
فحصي. . وجدت رسغين فقط في كل يد. لم أحد أي أغطية في نمايات عظام 
الأصابع. نظرت إلى أسفل الذراعين. ل Sl‏ 
انتتهيت من فحص القسم الأعلى من الحثة. . وضعت SEN‏ حردة 
العناصر العظمية الموجودة» ودوّنت ملاحظات حول تلك الى لم تتكوّن بعد. 
فعلت الشيء ذاته للجزء السفلي من الحثة. وتنقلت ما بين فيلم وفيلم كي 
أتأكد من دقة ملاحظاني. بردت قهوني. 

268 


ولد ذلك الطفل ميكل عظمي غير مكتمل. لاحظت أن بعض العظام» مثل 
رسغي السيدين كانت ONT‏ وكان من المفترض أن تظهر بعد 
أشهر» أو حي أعوام. افتقدت بعض العظام الأحرى إلى المقابض والحواف الي من 
شأفا أن تعطي هذه العظام شكلها النهائي. تظهر الأجزاء المفقودة في تتابع متوقع» 
وهو الأمر الذي يسمح بإعطاء تقديرات دقيقة بالنسبة للأطفال حديثي الولادة. لم 
يعش هذا الطفل الرضيع أكثر من سبعة أشهر. 

دوَنتُ ملخصاً لكل استنتاحاتي على نموذج آخرء ووضعت كل الأوراق في 
مظروف ملفات أصفر اللون» ثم وضعتّه فوق كدسة الأوراق المنتهية الأخرى. 
ستعود هذه الأوراق إل مرفقة بتقرير مطبوع بحسب الطريقة الي أفضلهاء و 
بكل الرسومات ووسائل الإيضاح. تطبع هذه الأوراق على نسختين وترتب جيداً. 
ستفيدني هذه الأوراق في صقل لغ الفرنسية. قدّمت ا ا إلى لامانش ثم 
انتقلت إلى أوراقي الأخرى. 

م تنغير صلابة التراب كثيرأء لكنه لان يما يسمح لي بتفحص محتوياته. مرت 
حمس عشرة دقيقة على هذه الأحجية: مان فقرات» وسبع شظايا عظمية طويلة» 
بالإضافة إلى ثلاث شظايا من الحوض. أظهرت كلها دلائل على وجود عملية 
تقطسيع. أمضيت ثلاثين دقيقة في غسل هذه الفوضى وتنظيمهاء ثم نظفت المكان 
ودوّنت عدة ملاحظات. طلبت من ليزاء عندما توحهت إلى الطابق العلوي» أن 
تصور أحزء العظام للضحايا الثلاث: غزالان من ذوي الذيل الأبيض» وكلبُ 
درجم اجر ملأت نموذج تقرير آخرء ووضعت مظروفه فوق التقارير السابقة. 
إا حالةٌ غريبة» لكنها ليست مشكلةٌ جنائية. 

تركت لوسي رشالة على اوي لذلك قصدثها في مكتبها. وجدثها وقد 
أدارت ظهرها للباب» وراحت تنقل نظرها ما بين شاشة الكمبيوترء وا 
أحذت تطبع بيد» بينما وضعت اليد الثانية في الملف كي تحافظ على المكان الذي 
وصلت إليه» وراحت سبابتها تتحرك ببطء بين سطر وسطر. 

قلت: "استلمت مذكرتك". 

ت اا ف ا ارك ر و ترق ات 
استدارت» واندفعت بحركة ا ت ر 


269 


'تمكنتُ من الحصول على ما طلبته مي تقريباً". 

تكب قي كديبتة من اوري ثم انتقلت إلى كدسة أحرىء ثم ما لبت أن 
عادت إلى الأولى. سين اع درون ميد م لور افا 0 من طرفهاء 
وقلبت عدة صفحات» ثم ثم أعطتى ا مجموعة. 

"لم أحد شيعا قبل عام 1988". 

لبت الأوراق» وشعرت بالإحباط. لماذا كل هذه الحالات؟ 

"حاولت أولاً الحصول على الحالات الي تحمل كلمتها المفتاح تقطيع. تألفت 
اللائحة الأولى من هذه الحالات» وهي اللائحة الأكبر. حصلت على أسماء كل 
الأشخاص الذين ألقوا بأنفسهم أمام القطارات» أو سقطوا على ماكينات کبیرة» 
آي الذين قظعث أطرافهم. لا أعتقد أنك تريدين هذه اللائحة". 

كانت غائ ق بدا أن هذه اللائحة تضم كل الحالات الى قطعت فيها 
0 أو ساقاء أو إصبع» عند الوفاة» أو في وقت قريب منها. 

"حرّبت بعد ذلك إضافة كلمة عمداًء وذلك من أجل حصر الخيارات 
بالحالات الي تم التقطيع ا 

نظرت إليها. 

"م أحصل على شيء". 

"لا شيء بنان؟" 

"لكن ذلك لا يعي أنه لا وحود لمثل هذه الحالات". 

"'وكيف ذلك؟" 

"اني لا ادحل هذه المعطيات. عمدنا ٍِ العامين الماضيين إلى تخصيص ميزانية 
خاصة من أجل استئجار عمال يدوام جزئي من من أجل إدحال المعطيات الماضية في 
الإنتترنت» وفي أسرع وقت ممكن". صدرت عنها آهة ساحطة» وهرّت رأسها: 

أت الوزارة في مكننة معلوماتماء لكنها الآن تريد تحديث معلوماهًا في أسرع 
وقت ممكن. بمتلك الموجحون بإدعال المعطيات قواعدهم المعيارية بالنسبة للمعلومات 
الأساسية: تاريخ الولادة, تاريخ الوفاة. سبب الوفاة» وهكذا دواليك. إهم 
يستصعبون أموراً غريبة» وأي أشياء لا تحدث إلا نادراً فقط» ولذلك فهم يعملون 
وحدهم» ويضعون قواعدهم الخاصة بهم". 

270 


"كما في حالة تقطيع الأطراف". 

"صحیح» لأن ا تھا را ثم يأ شخصُ آخر ويستخدم عبارة 
فصل الأعضاء لكنهم عادة ما يستخدمون الكلمة ذاها الي يستخدمها الأطباء ق 
تقاريرهم. ويُحتمل أن يستخدموا عبارة مثل قطع» أو نشر". 

عدت كي أتفحص اللوائح» لكنيٰ شعرت e‏ 

"حربت كل هذه التعابير» بالإضافة إلى بعض التعابير الأحرى. ولكنء لم 
أحصل على شيء". 

فعلنا كل ما بوسعنا في ما يتعلق هذه الفكرة. 

"نمححت كلمة تشويه في تكوين لائحة طويلة". انتظرتئ وأنا أتفحص 
الصفحة الثانية. "بدت الكلمة أسوأ من كلمة فصل الأعضاء". 

"حربت بعد ذلك فصل الأعضاء حا ا E‏ 
وذلك كي أختار الحالات الي..." رفعت هنا راحتي يديها نحو الأعلى» ورسمت 
کک كمه لدان هة أصابعهاء وكأنها تريد أن ترسم الكلمة في المواء, 
"حدثت فيها الحالة بعد الموت 

نظرت إليها بأمل. 

"م أحصل إلا على اسم رحل بتر عضوه التناسلي". 

"أذ الكمبيوتر عبارتك حرفيا". 

ا؟" 

"لا متمي". لم أستطع» بحددا تمرير نكتة. 

"حرّبت بعد ذلك كلمة تشويه, مترافقة مع تحديد كلمة ما بعد الوفاةء 
و..." انت فوق الطاولة كي تعرض أمامي آحر الأوراق المطبوعة. "بانغوا هل 
هذه هي الكلمة الي تستخدمينها؟" 

"إا كلمة بنغو في الواقع" 

حمر اال ع NSS AS‏ ال 
تجاهل بعضهاء من أمثال الذين يتعاطون العقاقير غير القانونية ويستخدمون 
الحوامض". أشارت بيدها إلى عدة أسطر وضعت خطوطاً تحتها. "لعلك لا 
تريدينها". 


271 


أومأت بشرود. بينما استغرقت بتأمل الصفحة الثالثة. وردت اثنتا عشرة حالة 
هذه المفيعة و لاحل أنذا رضت خوط اش حطر ها 

"لكنني أعتقد أن بعضاً من الحالات الأخرى قد يهمك". 

بالكاد مسمعتّها. تنقلت عيناي بين أسطر هذه اللائحة» لكنهما تسمرتا الآن 
على الاسم السادس الموجود أسفل الصفحة. اخترقتئ وحزة من عدم الارتياح. 
أردت أن أعود إلى مكتبي على الفور. 

قلت: "لوسي» هذا رائع» إنه حى أفضل مما نظرت إليه". 

"هل وجدت شيئا تستفيدين منه؟" 

أحبّها حاولة أن أبدو بحالي العادية: "أحل. أجحل» أعتقد ذلك". 

"أتريدين أن أحصل على تفاصيل هذه الحالات؟" 

"لاہ شكراً لك. سأتفحص هذه الحالات بنفسي . أظن أني سأدرس الملفات 
الكاملة لهذه الحالات". صليت في داحلي كي أكون مخطمة في ظٽي. 

نزعت نظارقاء وبدأت بتنظيف عدستيها بطرف بلوزقا. بدا منظرها 
ناقصاء وغير ملائم بطريقة ماء من دوفاء فظهرت مثل جون دنفر بعد أن تحوّل إلى 
استخدام العدسات اللاصقة. 

عادت إلى وضع نظارتما ذات الإطار الزهري فوق أرنبة أنفها. 

"سأحبرك بالطبع» إذا ما استجدٌ شيء". 

سمعت أثناء انصراقي صوت دواليب كرسيها وهي تنزلق فوق البلاط. 

وضعت اللائحة المطبوعة فوق طاولي؛ وتفنحضتها ميا حلت أن :انها راخدا 
في هذه الورقة حدق بي. فرانسين موريسيت - شامبو. فرانسين موريسيت - 
شامبو. كنت قد نسيت كل شيء عن هذه الفتاة. نصحت نفسي أن أبقى هادئة. 
لا تتسرعي باستنتاحاتك. 

أحبرت نفسي على تفحص ملخخص الحالات الأخرى. وحدت اسمّي غاغني 
وفالنسيا قي تلك اللائحة» وما من مروّحي العقاقير غير القانونية ويتميزان بجشع 
مادي شديدء أي مثلما كانت شانتال تروتييه. لاحظت أيضاً وجود اسم طالبة 
فتدوراسية: تدرس يموجب منحة دراسية. أقدم زوجها على تصويب بندقية إلى 
وجههاء ثم ضغط على الزناد. رضنا رجا في السيارة بعد ذلك» ونقلها من 

272 


أوهايو إلى كيبيك» ثم قطع يديهاء ثم ألقى حسدها الذي كاد يفتقد إلى الرأس في 
متنزه عمومي. حفر الرجل الأحرف الأولى لاسمه على تدييهاء في خخطوة وداعية 
على ما يبدو. لم أتذكر الحالات الأربع الأخرى» لأا جرت قبل أن أبدأ الف 
الغام 1800 !لوقيف إل حبك ترجه ات ا اة نميا زم انا 
ملف حالة موريسيت - شامبو. 

وضعت كل الملفات بحسب الأرقام الى أعطيت هما في مختبرات العلوم 
الشرعية, أي بحسب ترتيبها الزمي. اعترمت أن أدرس هذه الحالات بطريقة 
منهجية» أي بحسب ترتيبها الزمي. حرقت هذا القرار ما إن اتخذته» وانتقيت ملف 
موريسيت - شاهبو. تضاعف قلقي كثيراً بعد أن قرأتُ التفاصيل. 


273 


2 


ضربت فرانسين موريسيت - شامبو وتعرضت إلى إطلاق رصاص حق 
الموت في شهر كانون الثاني من عام 1993. شاهدها أحد جيرانها ذات باح تقوم 
بنزهة مع كلبها عند الساعة العاشرة. واكتشف زوجها جنها في مطبخ 
منزلهما. وُحد كلبها في غرفة المعيشة» لكن لم يُعثر على رأسها. 

تذكرت تلك الحالة مع العلم بأني لم أشارك في التحقيقات الى جرت بشأفا. 
اعتدت أن أحضر إلى المختبرات في ذلك الشتاء عن طريق الجوء وأقضي أسبوعا 
فيها كل ستة أسابيع. کات ها كيرا وباستمرار» مع بيتي» ولهذا وافقت 
على تمضية صيف عام 1993 بأكمله في كيبيك على أمل أن تساهم فترة ثلاثة 
أشهر من البعد ثي إعادة و إلى زواجنا. حسناء ما تزال وحشية ذلك الاعتداء 
الذي وقع على موريسيت - شامبو تصدمي الآن كما صدمتي وقت حدوثها. 
ادت صر سرخ وة هذه العام الاي 

رأيت نصف جنتها مستلقية تحت طاولة خشبية صغيرةء ولاحظت أن ذراعيها 
وساقيها في وضعية متباعدة. شاهدت ا الداخلي دود ب کا وأحاط 
بحر من الدماء بحثتهاء وظهر نط الأرضية المشمعة تحت منطقة جريانه. انتشرت 
البقع الداكنة على الحدران وأسطح الطاولات» وبدا أن قوائم كرسي مقلوب تشير 
إليهاء وكأنها تريد أن تقول أنت هنا. 

بدت جتتها البيضاء وكأها شبح إزاء الخلفية القرمزية. أحاط حط رفيع ملتو 
فوق بطن الضحية. لاحظت وحود ما يشبه ضحكة وجه سعيد فوق منطقة 

214 


غاشعها: مت اة يذءا ين هذا اجرح وو ع غ انا 
أحشاؤها فبرزت من تلك الفتحة. لاحظت أن مقبض سكين مطبخ كان بالكاد 
مرئياً في قمة المثلث الذي تألّف عند ساقيها. استقرت يدها اليم على بعد متر 
ونصف منهاء وبالتحديد ما بين طاولة عملها وحوض غسل الأطباق E‏ 
السابعة والأربعين من عمرها. 

«مستُ بصوت خافت: "يا الله" 

افمكت بتقليب أوراق تقرير التشريح عندما ظهر شاربونيو عند الباب. 
منت أن مزاجه لم يكن على ما يرام. بدت عيناه محمرتين» و م يكترث بإلقاء 
التحية. RS‏ واتفذ كرسي له مقايل طاولي. 

شعرت وقتياًء وأنا أراقبه» بإحساس غامر بالخسارة. مشيته المتثاقلة» وحركاته 
الي تفتقد إلى التركيزء لكن ضخامته” وعدها لمك ود ا ا 
ظندت أن تخلصت منه؛ أو أنه تخلص مئ لا فرق. 

رأيت بيتي قبالي لبرهة قصيرة» وراح ذهيي يرجع» مسرعاء بالزمن إلى الوراء. 
تذكرت حسده الرائع الذي كان يمتلكه. لست واثقة نما إذا كان حجمه هو 
السبب» أم الطريقة المسترحية الي كان يحرك حسده فيها. أم لعل السبب يرحع إلى 
افتتانه بي. بدا لي وقتها أن هذا الافتتان حقيقي» لم أستطع أن أشعر بالاكتفاء منه. 
امتلكت الكثير من الخيالات ق ذلك الوقت» وكانت خيالات رائعة بالفعل» لكن 
حيالاي هذه شملت بيتي منذ تلك اللحظة الي رأيته فيها واقفاًء تحت المطرء حارج 
مكتبة كلية القانون. أعتقد أن أشعر الآن بلذة خيالات مثل هذه. يا الله يا برينان! 
لماذا لا تستطيعين استعادة السيطرة على ذاتك. عدت إلى الحاضر. 

انتظرت شاربونيو كي يبدأ حدیثه» لكنه كان منشغلاً بالنظر إلى يديه. 

تكلم بالإنكليزية هذه المرة: "يبدو زميلي وغداً في بعض الأحيان» لكنه ليس 
رد ا 

لم أردٌ عليه» لكني لاحظت أن عرض حواشي سرواله يبلغ عشرة سنتمترات» 
E‏ ورخف اساءل نا ]ذا كان قلخام بالهمة بنفسةه: 

.. فريد في طريقة تصرفه» لكنه لا يحب التغيير". 
3 
275 


م ينظر إل مباشرة» لكنني شعرت بالقلق. 

قلت كي أحثه على متابعة الحديث: "م" 

حلسس مسسترخياً على کرسیه» وما لبث أن دس ظفره في فمه» لكنه استمر 
بتفادي النظر إلى عيينٌ. انساب صوت روك فواسين الناعم من أحد أجهزة الراديو 
في مكان ما من القاعة» وهو يتغين بميلين. 

5 يقول إنه بصدد التقدم بشكوى" . أسدل يديه على جانبیه» وتحوؤل بنظره نحو 
النافذة. 

حاولت الإبقاء على ال هدوء في صون: "شكوى؟" 

"سيقدمها ضد الوزير» والمدير» ولامانش. وصل به الأمر إلى حدّ دراسة 

3 هي الأشياء الى تحعل المسيو كلوديل غير سعيد هكذا". نصحت نفسي 
أن اش هادئة. 

يقول إنك تتعدين حدودك» وتتدحلين ف شؤون لا علاقة لك اء وهكذا 

نك تعيقين التحقيقات الي يقوم ها" : راح يحدق في ضوء الشمس الساطع. 

شعرت بتوتر عضلات معديي» وبالحرقة تتحرّك صعوداً. 

قلت بصوت بارد: "تابع" 

"إنه يعتقد أنك..." ارتبك الرحل في بحئه عن الكلمة المناسية» ولا شك في أنه 
كان يبحث عن كلمة بديلة عن الكلمة الي استخدمها كلوديل بالفعل. ".. 

"وماذا تعن هذه الكلمة بالضبط؟" 

استمر الرحل في بحتب النظر إلى عي مباشرة. 

"يقول إنك تحاولين جعل قضية غاغنون تبدو أكبر من حقيقتهاء وتتوهمين 
وجود أشياء غير موجودة. يقول أيضاً إنك تحاولين تحويل جرعة بسيطة إلى عراضة 

قلت بصوت مرتعش: "ولماذا أفعل كل هذه الأمور". 

"اللعنة يا برينان! م أقل هذا الكلام بنفسي. لا أعرف". التقت عيناه بعيئ 
للمرة الأولى. بدا ال تعيش أدركت أنه لا يريد التواجد في هذا المكان. 


276 


حدقت فيه بدوري من دون أن أراه بالفعل» لكني استخليت هذه الفترة من 
أجل إحماد النداء الذي تصاعد في داحلي طلبا للأدريئالين. تكوّنت عندي فكرة 
عن نوع التحقيق الذي تتسبب فيه رسالة مثل هذه» وأعرف أن هذا التحقيق لن 
ينتج عنه حيرٌ. تابعت بنفسي التحقيق برسائل كهذه عندما كنت أشارك في لحان 
التحقيق التأديبية. لم ترق لي هدو التكقيعات: يطلا لم ينبس أحدنا ببتت شفة. 

راح جهاز الراديو يدندن: "أجن بك عندما تفعلين هذا يا هيلين". 

قلت في نفسيء لا تقتلي الرسول يا برينان. تحولت ببصري نحو الملف 
الكو كد ف طاريئعر ان اد د ره ون انهه الح رود لوي لكا 
الزن غ تقر إل ارين ل ارفك ابا ن الور ولف ارقف 
ولم أشعر أنئ مستعدة لرؤيتها بعد لكن كلوديل كان يضغط علي. ما الفرق على 
أي حال» فالأمور لا يمكن أن تكون أسواً. 

"هل تتذكر يا مسيو شاربونيو امرأة تدعى فرانسين موريسيت - شامبو؟" 

" موريسيت - شامبو". كرّر الاسم مرّات عديدة باحثا عنه في ذاكرته: 
"كان ذلك منذ أعوام عديدة» أليس كذلك؟" 

ناولته الصور: "حدث ذلك منذ عامين فا أي في شهر كانون الثاني من 
عام 1993". 

بدأ يقلب الصورء وراح يومئ علامة تذكره إياها: "أجل» تذكرتما. ماذا إذأ؟" 

"فكر يا شاربونيو. ماذا تتذكر عن هذه القضية؟" 

"لم نقبض أبداً على ذلك النذل الذي نفذ تلك الجرعة". 

"وماذا أيضا؟" 

"قولي» يا برينان» بأنك لا تحاولين إدحال هذه الجرعة أيضاً في لائحتك". 

تأمل الصوّر بحدداًء لكن إعاءاته تحولّت إلى حركة النفي. 

"مستحيل. أطلقت النار على هذه الضحيةء لذلك فا لا تتوافق مع نمط 
الجرائم الأحرى". 

"كانت مسنّة قليلاً. أظن أنها كانت في السابعة والأربعين من عمرها". 

حدّقت فيه ببرودة ظاهرة. 

راح يتمتم بعد أن احم حداه: "عي أا كانت أكبر من الأحريات". 

277 


"غرز قاتل موريسيت - شاهبو سكيناً ني مهبلهاء وجاء في تقرير الشرطة أا 
نزفت بشدة". 

أعطيته وقتاً كي يستوعب هذه المعلومات. 

"كانت ما تزال حيّة عندما طعنها". 

أوما. لم أكن بحاجة كي أشرح له أن الجرح الذي يحدث بعد الوفاة يتسبب 
بنزف أقل بكثير» وذلك بسسب توقف القلب عن الضخ» وغياب ضغط الدم» 
لکن فراسین موريسيت = شاو رفن 'بغوازة: 00 

"استخحدم تمثال معدن في حالة مارغريت آدكينزء وكانت ما تزال حية أيضا". 

استدرت إلى الخلف بصمت» وسحبت ملف غاغنون. تناولت صور مسرح 
الجريعة ونشرها أمامه. ظهر الجذع مستلقياً فوق كيس من النايلون وانتشرت فوقه 
ظلال همس الرابعة من بعد الظهر. م يحرّك أحد شيئاً غير أوراق الأشجار. ظهر 
الغطاس (لمطبة) في مكانه» واحتضن الحزء المطاطي منها عظام العانة» وبدا مقبضها 
غارزاً باتحاه رقبة الحثة المقطوعة الرأس. 

"أعتقد أن قاتل غاغنون قد دفع ذلك الغطاس داخلها بقوة تكفي كي يشق 
المقبض طريقه من. خلال بطنهاء وُكمل نحو حجاها الحاحز". ‏ 7 

تأمل الصور لمدة طويلة. 

تابعت الموضوع: "هناك نمط واحد يجمع الضحايا الثلاث: عملية إدحال أداة 
غريبة بالقوة بينما تكون الضحية ما تزال على قيد الحياة» وكذلك تشويه الحثة بعد 
حصول الوفاة. هل ذلك هو محرد مصادفة يا سيد شاربونيو؟ وكم هو عدد 
الساديين الذين يسرحون وير حون هنا يا سيد شاربونيو؟" 

مرر أصابعه من خلال الخصلة المنسدلة على جبهته» تم راح ينقر على ذراع 
الكرسي الذي يجلس عليه. 

"لماذا لم تخبرينا من قبل؟" 

"لاحظت لتوي التشابه الذي تحمله قضية موريسيت - شامبو مع القضايا 
الأعرى. لم تشكل قضيئي آدكينز وغاغنون وحدهما دليلاً كافياً على وجود 
ذلك النمط من الجريعة". 

"وماذا قال لك رايان؟" 


278 


ابره عد" 
تلقيت لكمة فنية قاضية من جورج فورمات. 

قال بصوت متوتر: "اللعنة!" 

"اا" 

"أظن أن أميل إلى الموافقة على ما تقولينه. سيكرهي كلوديل كثيرا من أجل 
ذلك". تابع النقر على ذراع الكرسي: "ماذا لديك بعد؟" ٍ 

"تتشابه آثار المنشار مع نط التقطيع» بشكل كلي تقريباء في حالتي غاغنون 
وتروتيبه". 

"وماذا بشأن الضحية المجهولة الموية في سان لامبرت؟". 

قال بعفوية: "أيو جد ضحية خامسة؟ هذا يكفي". 

"إنك سريع جد" 

عاود النقر: "شكرا. هل تمكنت من التعرف على هويتها؟" 

هززت رأسي بالنفي: "يعمل رايان على تحديد هويتها". 

مرّر يده الشخينة فوق رأسه. لاحظت أن مفاصل يده مغطاة ببقع من الشعر 
الأبيض» وهي نسخ مصغرة من شعره الغزير الموجود فوق رأسه. 

"إذا ماذا تقولين عن اختيار الضحايا؟" 

رفعت راحة يدي: "إن كل الضحايا هين من الإناث". 

"عظيم. ماذا بشأن الأعمار؟" 

"تتراوح أعمار الضحايا ما بين السادسة عشرة والسابعة والأربعين". 

"وماذا بشأن بنيتهنّ الجسدية". 

"تنفاوت هذه كثيرا". 

"وماذا عن أماكن السكر؟" 

"ا تتوزع على كل الأماكن". 

"إذا ماذا كان هدف ذلك النذل المحنون؟ وكيف كان مظهر الضحايا؟ وما 
هي الأحذية الي كن يتتعلنها؟ والأماكن ال كن يتسوقن فيها؟" 

279 


اكتفيت بالصمت. 

"هل اكتشفت شيئاً مشتركاً بين الضحايا الخمس؟" 

E E Ea 

انحن إلى الأمام ووضع يده على ركبتيه. ثم تأوه: "حسناً. سينفجر كلوديل 
غظبا من هذه الأخباز": 

اتصلت برايان عندما غادر شاربونيو. لم أحده في المكتب» وكذلك الأمر مع 
برتران, وهكذا ت ركت رسالة لهما. تفحصت الملفات الأخرى. لكنيْ لم أجدها 
مهمة. تضمنت الملفات قضية تاجرّي عقاقير غير قانونية قتلهما أحد شر كائهما 
السابقين» ثم قام بنشر جثتيهما. اشتملت الملفات أيضاً على قضية رجحل قتل على 
يد ابن شقيقه الذي قطّعه مستخدماً منشارا آليأ ثم خرّنه بعد ذلك في ثلاحة 
الطابق السفلي في منزله. أسفر انقطاع في التيار الكهربائي عن إثارة انتباه بقية 
أفراد العائلة. ل ا 
يستخدم في لعبة الموكي» > أما الرأس والذراعان فوجدا في أسفل جحرى النهر. دين 
الزوج في هذه الجريعة. 

أغلقت آخحر ملف» فأد ركت فجأة أن جائعة. نظرت إلى عقارب الساعة 
ال أشارت إلى الساعة 1:50. ay‏ 
اشتريت قطعة من اللحم» والحبن» وعلبة من مشروب الكولا المعحصص للحمية» 
من المطعم الصغير الموحود في الطابق الثامن من المبى. أمرت نفسي بأحذ فترة 
استراحة. تجاهلتُ هذا الأمرء وحاولت الاتصال برايان محدداء لكنه كان لا يزال 
خارج مكتبه. عدت إلى استراحي» وبدأت بقضم شطيرق» ثم سمحت لأفكاري 
بالانطلاق. فکرت بالاتصال بغابي. لا. مستحيل. ماذا بشأن كلوديل؟ حرمت 
على نفسي الاتصال به. أين سان جاك؟ وهل ما زال طليقا؟ 

آه. كالي. كيف سأتمكن من الاتصال با؟ لا يمكنئ ذلك في الوقت الحاضر. 
عدت بأفكاري - عفوياً - إلى بيتي» وما ليشت أن شعرت بارتباك معتاد في معدتي. 
هل ما زلت أتذكر ارتعاشة الحلدء والدماء المتدفقة ن الشراين والدفء الذي 
شعرت به إزاءه. أجل كنت اشر بالإثارة حينهاء وأعتقد» يا برينان أنك تشعرين 
بالإثارة ليس إلا. تناولت قضمة أخرى من شطيري. 

280 


تذكرت أيضاً بيتي الآحر» وعادت إلى خاطري ذكرى الليالي الغاضبة» وتلك 
الأوقات الي تناولت فيها عشائي وحيدة. تذكرت أيضاً ستار الاستياء الذي عيّم 
علي وقضى على كل أثر للرغبة عندي. تناولتُ رشفة أخرى من كولا الحمية. 
لماذا أستمرٌ بالتفكير في بيقي هكذا؟ هل من فرصة كي نلتقي ثانية.. .لا شكراً 
آنسة سترايسند. 

م تفدنىي حرعة الاسترحاء في شيء. أعدت قراءة تقرير لوسي ثانيةء 
بالخردل. راحعت الصفحة الثالثة من التقريرء وحاولت أن 

قرأ الأسطر الي شطبتها لوسي» لكن خط قلم الرصاص منعين من ذلك. أقدمت» 
ل" الي حطتهاء ثم قرأت الأسطر. اشتملت 
حالتان منها على جثتين حُشرتا في برميلين ثم غمرتا بسائل حامضي. شكلت هاتان 
القضيتان تطوراً هاما في طريقة الحرق بالمواد غير القانونية الى تلاقي شعبية متزايدة. 

حيرت الحالة الثالثة. يدل رقم متتبرات العلوم القضائية الذي أعطي لما على 
أا حدثت في العام 1990ء وأن بيليتييه كان الطبيب الذي فحصها. م يعن قاض 
جنائي لهذه القضية. جاء في خانة الاسم: سينج. وُجدت الخانات المخصصة لتاريخ 
الولادة» وتاريخ التشريح» وسبب الوفاة» فارغة كلها. لا بد أن عبارة تقطيع/ما 
بعد الوفاة» هي الى جعلت الحاسوب يُدخلها في لائحة لوسي 

مميت الكرواسان» فأسرعت بالعودة إلى الملفات الأساسية» وسحبت 
المففروف الذي احتوى ثلاثة أشياء: تقرير ال 0 رأي الطبيب 
المختص والمؤلف من صفحة واحدة؛ ومظروف يضم الصور. بدأتُ أقلب الصورء 
وقرآت التقارير» ثم مضيت كي أبحث عن بيليتيه. 

قلت للشخص الذي أدار ظهره إلى باب مكتبه: "أريد أن أتحدث معك لدقيقة 
واحدة. أتسمح؟" 

تراحع عن اهر بمسكاً نظارته بید» د والقلم باليد الأحرى. وضع نظارته ثنائية 
البؤرة» وقال يحدن: "ادلي ادلي" 

شتلك :کی نافذة وة أما مكتبه فيتميز بالاتساع. مشى عبر مكتبه 
وأشار إلى ES‏ يحيطان بطاولة صغيرة تحاذي طاولة مكتبه. اجه نحو 
معطف مختبره» وتناول علبة من سجائر دو مورييه ثم قدّمها لي. هززت رأسي. 

261 


تكرّر هذا الأمر ألف مرة. يعرف الرحل أن لا أدّن, لكنه يصر على تقددم 
السجائر لي. بمتلك الرجل أسلوبه الخاص» مثل كلوديل مماماً. 

قال لي وهو يشعل سيجارته: "ماذا أفعل كي أساعدك؟" 

"إن مهتمة بشأن قضية من قضاياك القديعة. إا 7 إلى العام 1990" . 

"آدء ياإلحي» هل أستطيع أن أتذكر قضية بهذا القدم؟ بالكاد أستطيع تذكر 
عنوان الخاص في بعض الأحيان". انحن إلى الأمام ووضع راحة يده على فمه» لكن 
الهاء عدا عن هيا ."أيه ان على ع الكبريع» ودلك فلن سين 
الاحتياط". 

ضحكنا سوياً: "دكتور بيليتييه. أعتقد أنك تتذكر كل شي ت ترغب 
بتذكره". 

هز كتفيه ورأسه» وبدت البراءة التامة على محياه. 

"أحضرتث الملف معي على أي حال". رفعت الملّف إلى الأعلى» ثم فتحته. 
قزل تقر الشروطة إن البقايا وُحدت بي كيس من أكياس النادي الرياضي. وُجد 
الكيس وراء محطة فوياجر للباصات. فتحه وينو ظنا منه أنه سيعثر على صاحب 
الكيسن””. 

تكاة ا "نملك ی و ی کو ندا إن رض 
توهلهم لتشكيل منظمتهم الأحوية الخاصة بكم". 

" لم تعجبه الرائحة على أي حال. قال..." تصفحت تقرير الحادث كي أحد 
العبارة المناسبة. "تصاعدت رائحة شيطانية من ذلك الكيس وأحاطت 5 تماماً. 
انتهى الاقتباس". 

فال اة "إنه اقا عرق أيه قرا اال ما ماه يقول غ 
سروالي القصير". 

تحاهلت كلماته وتابعت القراءة: "أذ الكيس» وسلمه إلى البواب» فأسرع 
هذا الأخير لاستدعاء الشرطة. وحدت الشرطة مجموعة من أحزاء الحثة» وكانت 
كلها ملفوفة بنوع من أنواع أقمشة الطاولات". 

م إحدى أصابعه الصفراء اللون وقال: "آه» ري. أتذكر تلك الحالة. يا 
لفظاعتها ووحشيتها!" بدا عليه التأثر نتيجة الوصف الذي أعطاه للجركة. 


282 


"دكتور بيليتييه؟" 

"إها قضية قرد المحطة". 

"إذاء هل قرات تقريرك بشكل صحيح؟" 

رفع حاجبيه متسائلا. 

"هل كان قردا بالفعل؟" 

أومأ بحدية: "إنه قرد كبوشي". 

"ولماذا أحضروه إلى هنا". 

کان 

يستطيع کل شخص أن يكون كوميدياً عندما يريد: "نعم ولكن لاذا 
اعثّبرت قضية تستدعي محققا جنائيا؟" 

أظن أن النظرة اليّ ارتسمت على وجهي قد استدعت حوابا صريحا: "كانت 
محتويات الكيس صغيرة على أي حال» كما أن أحداً قد أقدم على انتزاع الجلد 
منها ثم قطّعها تقطيعاً. اللعبة! كان بإمكائما أن تكون أي شيء. ظنّت الشرطة أا 
قد تكون جنيناء أو مخلوقا حديث الولادة» ولهذا أرسلوها لنا". 

"هل لضحظت شيعا غريا ى هذه الققضية؟" 'ساقه من :دون أن أعرف الأشياء 
الي أريد الوصول إليها. 

الا كان هرد قرد عق القردة المفطعة" ارتعفنة اوا فمد فك 

"حسناً". يا لغباوة سوالي. "هل لفت نظرك أي شيء غريب في طريقة تقطيع 
القرد؟" 

"لاء لأن طريقة تقطيع القردة تتشابه في معظم الأحيان؟" 

م أحصل على نتيجة من كل ذلك. 

"هل عرفتم من هو صاحب القرد؟" 00 

"عرفناه في الواقع. ظهرت أوصاف القرد في الجريدة» كما أن رجلا اتصل بنا 
من الجتامعة". 

"أتعن جامعة كيبيك ومونتريال؟" 

"أحلء أظن ذلك. قال إنه عالم أحياى أو عالم حيوانات. إنه أنكلوفوي 
(يتكلم الإنحليزية). آه. انتظري". 

263 


اتحه بيليتيسيه نحو دُرج طاولته» وبحث بين محتوياته» ثم سحب رزمة من 
بطاقات التعريف المربوطة برباط مطاطي. نزع الرباط» وبدأ يقلب البطاقات» ثم 
ناولي إحداها. 

"إنه هو. رأيته عندما جاء ليتعرف على الحثة". 

جحاء في البطاقة: باركر ن. بايلي» دكتوراة فلسفة, أستاذ مادة علم 
الأحياء. أعطانا الرجل عنوان بريده الإلكتروني» ورقم هاتفه» وأرقام الفاكس» 
بالإضافة إلى عنوانه. 

سألته: "ما هي قصته؟" 

"يحتفظ ذلك السيّد بالقردة في الجامعة ويجري الأبحاث عليها. حضر في أحد 
الأيام ووحد أحد رعاياه مفقوداً". 

"هل مشرق؟" 

"سرقه أم حرّر أم هرب» من يدري؟ اعبر هذا القرد غائباً من دون إذن". 
بدا ذلك التعبير غريباً بعض الشيء عندما لفظه بالفرنسية. 

"مل قرأ الرجل عن ذلك القرد الميت في الصحف» ثم اتصل بك على 
الفور؟" 

"هذا صحيح”". 

"وماذا حدث له؟" 

"أتعنين ماذا حدث للقرد؟" 

ا 

"سلمناه إلى..." نظر في البطاقة. 

أكملت عنه: "الدكتور بايلي". 

"وي. ما من أقارب للضحية؛ وعلى الأقل ليس في كيبيك". قالها من دون أن 
ير تعش . 

207 

نظرت إلى البطاقة بجددا. قال لي الجزء الأيسر من دماغي: لا أظن أفا 
معلومات مهمة؛ لكننٍ معت نفسي وأنا أطرح السؤال: "أعكني الاحتفاظ هذه؟" 

"بالطبع". 


284 


وضعت مصيدت بنفسي: "لدي سؤال آخر. من أين أتت تسمية قضية قرد 
الحطة؟" 

بدت المفاجأة على وجهه عندما أحابي: "حسناء هكذا كانت". 

"كانت ماذا؟" 

"القرد. والمحطة". 

"كان هناك بالذات". 

"ا" 

"في المحطة. أي محطة الباصات". 

توجد بعض الأشياء الي تقبل الترجمة» مع الأسف. 

اممكت لبقية ذلك لمساء في استخلاص التفاصيل من الملفات الأربعة 
الأساسسية وأدحلتُها في الملمف الذي استحدثته في حاسوبي المحمول. أدحلت 
التفاصيل التالية: لون الشعرء العينان» لون البشرة؛ الطولء الدّين, الأسماى 
الستواريخ, الأماكن, علامات البروج. أدخلت أي شيء» وكل شيء حطر في 
ذهئن. شغّلتُ الجهاز بحماسة كبيرة» وصمّمت على متابعة البحث عن أي روابط 
في ما بعد» ولعلئي اعتقلات أن الأعاظ ستظهر بها أو أن مكونات المعطيات 
المتداحلة سوف تنجذب إلى بعضها بعضاًء أي مثلما تفعل الببتيدات العصبية في 
مواقع انتقاها الجديدة. ولعلئي أحتاج إلى مهمة روتينية تشغل ذهي» أو إلى أحجية 
تومي بني أحرز تقدما ما. 

حاولت الاتصال برايان محددا عند الساعة الرابعة ومس عشرة دقيقة. لم 
يكن في مكتبه» لكن عاملة الحاتف قالت لي إفا رعا رأته» ولذلك بدأت البحث 
عنه» وإن بتردد. انتظرت الرد» لكن عي تعلقتا في ملف القرد. شعرت بالسأم» 
لذلك اسستخرحت بحموعة الصور. وحدت مجموعتين منها. كانت المجموعة 
الأولى صورا فوريةء أما المجموعة الثانية فتألّفت من صور ملونة بقياس 12 × 
e 17‏ عادت موظفة الهاتف لتقول لي إن اف لمن مو هود في كل 
المكاتب الى اتصلت ها. قالت لي» بعد أن تأوهت» إا ستحاول إيحاده في غرفة 


الاستراحة. 


285 


تفحصت الصور الفورية. اتضح لي أا أحذت عندما وصلت البقايا إلى 
المشرحة. رأيت صور كيس من النايلون بلون أرجوان وأسود. أظهرت إحدى 
الصور الكيس مقفلا بينما ظهر مفتوحاً في صورة أخرى مع حزمة في داخله. أما 
الصور القليلة التالية فأظهرت الحزمة فوق طاولة التشريح» قبل فكّها وبعده. 

أظهرت الصور الست التالية أجزاء الحثة. أظهر مقياس بطاقة التعريف أن 
صاحب الحثة أصغر بكثير من جنين كامل» أو طفل حديث الولادة. بدا التشويه 
زاتجا بق عله الصو جد اللحم ميل إلى اللون الاسر كنا بدا ملونا شىء 
يشبه التابيوكا الفاسدة. أعتقد أنب أستطيع التعرف على الرأس» والجحذع» 
والأطراف» لكني لم أستطع التعرّف على أي أجزاء أخرى. لاحظت أن الصور 
مأحوذة من مسافة بعيدة» اذلف كانت التفاضيل غير اط نظرت إلى الصور 
من ازؤانا 2 0 

عادت موظفة الحاتف لتقول لي بلهجة قاطعة هذه المرة إن رايان ليس 
وود وإنه يتعيّن علي أن أحاول الاتصال به في اليوم التالي. ت ركت رسالة 
أحرى» وقطعت الاتصال» فحرمتها بذلك من المحادلة الى حضرقا. 

التُقطت الصور الملونةء الي هي بمقاس 12 × 17 سنتمتراء بعد انتهاء عملية 
التنظيف. ظهرت في هذه الصور التفاصيل الي عجزت صور البولارويد الفورية 
عن كشفها. بدت الحثة الصغيرة مسلوخة ومقطعة. رتب المصورء ولعله كان 
دینیز› هذه الأجزاء في وضعها التشريحي الصحيح» ثم صوّر كلاً منها على حدة. 

لاحظت أثناء تقليسي الصور أن تلك الأجزاء المقطعة بدت مثل الأرنب 
الذي اقترب من المرحلة الأخبيرة في عملية طهوه» في ما عدا أمراً واحداً. أظهرت 
الصورة الخامسة ذراعاً صغيرة تنتهي بأربعة أصابع سليمة» وا ماف علي راحة 
يد رقيقة. 
١‏ ركزت الصورتان الأخميرتان على الرأس. ومن دون الجلد والشعر اللذين 
يحيطان بال رأس» بدا الرأس بدائياً مثل انين الذي انتزع من حبله السري» أي أنه 
کان غاريا وضعيفا: كانت جمجمته بحجم البرتقالة. لاحظت أن الرأس مفلطح» أما 
ل ا ل 
المرء أنه ليس مخلوقا ريا تضمن الفم الأسنان جميعهاء ما فيها الأضراس. رحت 

286 


أعدّها. وحدت ثلاثة أسنان ما قبل الطواحن في كل ربع دائرة. أتى قرد الحطة هذا 
من أمريكا الحنوبية. 

أقنعت نفسي أما بحرد قضية أخرى من قضايا حوادث الحيوانات» ثم أعدت 
الصور إلى مظروفها. كنا نتفحص هذه الصور من وقت إلى آحر لأن هذه البقايا 
اعتبرت بشرية. اشتملت بعض البقايا الأخرى على مخالب دب سلخها الصيادون 
وتركوها خلفهم, بالإضافة إلى بقايا الخنازير والماعز الي تُذبح؛ وتلك الأجزاء غير 
اوا ريت فی ا قات والكلات وکر الى تلفي إن غاا 
الأر بعد أن تعذّب. دهشت كيرا للوحشية الي تعامل ها الحيوانات الأليفة» ولم 
أتعود عليها ب 

لماذا أهتم إذاً بمذه القضية؟ ألقيت نظرة أخرى على صور 12 × 17. حسنا. 
تعرض القرد للتقطيع. وماذا في ذلك؟ مرت معي حالات كثيرة من جثث 
المفيواناك القطعسة: هل يعي أخذ الأدذال إل تسلية نفسه بتعذيب"الخيؤانات 
وقتلها؟ هل هو أحد الطلبة الذين صدمته علاماته المنخفضة؟ 

توقفت عند الصورة الخامسة» وتسمّرت عيناي على محتواها الباهت. توترت 
عضلات معدن تحدداً. حدّقت بالصورة» ثم هرعت بائجاه الحاتف. 


287 





ليس هناك مكان أكثر وحشة من غرفة صف دراسي خال من الطلاب بعد 
أوقات الدوام الدراسي. يذكرن هذا بالمشهد الذي يخْيم بعد إلقاء قنبلة نيوترونية. 
تلتمع الأنوار» وتتدافع مياه النوافير بحسب بريحتهاء كما تتوهيج شاشات أجهزة 
الكمبيوتر بشكل مخيف. لا يشاهد عندها أحدّ يطفى عطشه. ولا طلاب يهرعون 
إلى صفوفهم» ولا أحد ينقر على لوحة مفاتيح. 

حلست على أحد الكراسي القابلة للطي» والِيّ تتواحد حارج مكتب باركر 
بايليء الذي يقع في جامعة كيبيك ومونتريال. توجهت إلى النادي الرياضي بعد 
مغادري للمختبرات» واشتريت بعض البقالة من بروفيغوء ثم تناولت وحبة من 
المعكرونة من صلصة الأصداف. كانت وحبة لا بأس بها نظراً لضيق وقيء والحالة 
الي كنت فيها. هش بيردي هن سرعي ونفاد صيري. , 

إن وصفي كلية علوم الأحياء باهادئة يشبه القول إن الكوارك صغير. رأيت 
كل باب على طول الرواق وعرضه مغلقا. تبعت لوحات الإعلانات» وقرأت 
كتيبات المتحرّجين في الكلية بالإضافة إلى بلاغات الأعمال الميدانية في الكلية» 
وعروض الطباعة أو التعليم» وإعلانات المحاضرين الضيوف. قرأت كل تلك المواد 
مرتین. 

نظرت إلى ساعن للمرة المليون؛ أشارت عقارها إلى الساعة 9:12 مساء. 
يُفقرض به أن يكون قد وصل في هذا الوقت» لأن صفه ينتهي عند التاسعة؛ وهذا 
على الأقل هو ما أخبرتئ به مساعدته. مضت من مكاني وبدأت أذرع الرواق 


288 


ذهاباً ولا لأن ذلك هو الخيار الوحيد المتاح أمام الذين يفرض هم الإنتظار. 
4 اللعنة! 

يقست من قدومه عند الساعة 9:30. ولكني “معت صوت باب يُفتح في 
مكان ماء في الوقت ذاته الذي علقت فيه حقيبي الصغيرة ة على كتفي. م تمر -لحظة 

من الزمن قبل أن يظهر من زاوية الرواق رج مل كدسة ضعي من وقد 
المختبرات. دأب الرحل على تعديل وضعية كتفيه كي بنع الدفاتر من السقوط. بدا 
منظر سترته الي يرتديها وكأنه وصل من إيرلندا قبل زمن مجحاعة البطاطا. منت أنه 
في بداية الأربعينيات من عمره. 

توقف الرحل عندما رآني» لکن ملامح وجهه لم تتغير. بدأت بالتعريف عن 
نفسي قي اللحظة ذاتا الي أوقع فيها دفتر ملاحظات على الأرض. اندفع كلانا نحو 
الدففرء لكنها لم تكن حطوة موفقة من جانبه. فقد سقطت معظم دفاتر الكدسةت 
وتيعشرت فوق أرضية المكان» مثلما ينتشر نثار حفلة من حفلات رأس السنة. 
تعاونا على جع الدفاتر لدقائق عديدة» عمد بعدها إلى فتح باب مکتبه» ثم وضع 
الدفاتر على طاولة مكتبه. 

قال بلهجة فرنسية ثقيلة: " سه آنا" 

أحيعة بالانكليوية: 0207 

"أحل. كلا. كان يجدر بي إحضار الدفاتر على دفعتين. يحدث هذا كثيرا". 
لاحظت أن لغته الإنكليزية ليست أميركية. 

"هل هذه دفاتر مختير؟" 

"أحل. أعطيت لتوي درساً في المنهجية السلوكية". 

ظهرت على الرحل ظلال همس آوتر بانكس الغاربة. رأيتُ جلده الذي 
اكتسب اللون الزهري الشاحبء وخيه اللذين استعارا لون توت العليق» وشعره 
الذي أحذ لون البسكويت الهش بالفانيلا. أما شاربه ورموش عينيه فاكتسبت لون 
الكهرمان. بدا الرحل وكأنه تعرض للاحتراق» وليس كرجل اكتسب ”مرته عن 
طريق التعرض للشمس. ١‏ 

"يا للروعة!" 

"أتمى لو أن آخرين يعتبروفها كذلك. هل أستطيع..." 

289 


فتحت حقيسبي الصغيرة» وتناولت بطاقة منهاء ثم أعطيته إياها: "أنا تمب 
برينان. قالت لي مساعدتك إنئ أستطيع أن ألتقيك قي هذا الوقت". 

شرحت له أهداف زياري أثناء انشغاله بقراءة البطاقة. 

"أحل» تذكرت. أكره خسارة القردة. أزعجين الأمر كثيراً في ذلك الوقت". 
أضاف فجأة: "أتحبين أن تحلسي". 

م ينتظر إحابي» فأسرع بنقل كل الأشياء الموجودة فوق كرسي الفينيل 
الأحضرء وجمعها على أرضية المكتب. احتلست نظرة من حولي. حعلئ مكتبه 
الصغير أعتبر مكتي مثابة ملعب اليانكي. 

امتلأت الجدران بصور الحيوانات: أسماك أبو شوكة» طيور الفرّي» 
والسعادين: والخنازير» وحن أكل النمل. لم تغب عن الجدران صور طيور التدرج. 
ذكريي هذا المنظر ممكتب أحد المعجبين الذي يعرض صور المشاهير الذين يعرفهم 
مثلما يعرض المحوائز الي حصل عليهاء لكن مع فرق واحد وهو أا غير موقعة. 

ان وراء طاولته مدداً قدميه فوق درج مفتوح» بینما حلست أنا على 
كرسي الاه الرحل من الأشياء الي كانت موضوعة فوقه للتو. 

"أحل. ضايقي الأمر كثير". كرّر القول قبل أن يغيّر الموضوع على نحو 
مفاجئ. "هل تعملين في حقل علوم الإنسان؟" 

آه. همم". 

"هل تعملين في جال الرئيسات؟" 

"لا. عملت في هذا المجال في الماضي» لكن ليس الآن. أعمل هذه الأيام في 
كلية الأنئروبولوجياء في جامعة كارولاينا الشمالية في شارلوت. أدرّس من وقت 
إلى آحر مادة بيولوجيا الرئيسات وسلوكهاء لکنيٰ لست معنية ق الواقع قي ذلك 
الحقل. إنئي منشغلة كيرا ٤‏ حال الأبحاث الجنائية» وتقدم الاستشازات" 

لوح بالبطاقة: "حسنا. ما هي علاقتك إذا بالرئيسات؟" 

بدأت أتساءل عمن يجري المقابلة مع الآخر: "كنت منشغلة في مسألة ترقق 
العظام» وعلى الأحص العلاقة القائمة ما بين السلوك الاحتماعي وعملية المرض. عملنا 
مع أنواع عديدة من نماذج الحيوانات» وعلى الأحص قردة الريسس» وعملنا على 
المجموعات الاجتماعية» وكوّنا ظروف إجهاد لحاء ثم راقبدا مقدار فقدان العظام". 


290 


"هل أحريتم أي أبحماث في البرّية؟” 

"عملنا في بعض الحزر الى تعتبر مستوطنات هذه الحيوانات". 

تقس الحاجبان الكهرمانيان من شدة الاهتمام: "آه؟" 

"عملنا في كايو سانتياغو في البرتغال» كما أعطيت صفوف دراسة ميدانية في 
جزيرة مورغان الى تقع قبالة ساحل كارولينا الجنوبية؛ وذلك على مدى أعوام 


He 


١ ی‎ 


قردة الريسس؟" 

"أحل يا دكتور بايلي. إنن أتساءل عما إذا كانت لديك معلومات عن ذلك 
القرد الذي احتفى من مركرك". 

تجاهل انتقالي الفج من موضوع إلى آخر: "وكيف انتقلت من دراسة عظام 
القردة إلى دراسة الحشث؟" 

"يجمع بينهما علم الأحياء العظمي". 

ي 

وماذا بشأن القرد؟" 

"آه» القرد. لا أمتلك الكثير من المعلومات عنه". فرك فردتّي ا 
و وا إلى الأمام ثم مسك بشيء ما. "تيت ذات يوم فوجدت القفص 
فارغا. نيف أن ادا ما قد نسي إحكام إغلاق الباب بالقفل» وأن إلساء. أي 
الققردة» قد سمحت لنفسها .مغادرة القفص. لا يُعتبر ذلك تصرفاً غريباً من قبل 
الحيوانات كما تعرفين. كانت في غاية الذكاء والدقة» وتمتلك اة ل عاليةٌ 
وتتميّز بيدين صغيرتين ورائعتين. فتشنا المكان على أي حال» وأعلمنا فريق الأمن 
وصر اة وقفزنا فوق كل الأسيجة. رأيت المقالة في الصحيفة بعد ذلك. أما 
بقية التفاصيل فهي معروفة" 

'وماذا كنت تفعل بها؟" 

"لم تكن إلسا من ضمن مشروعي أنا في الواقع. كان أحد طلبة صفوف 
التحرج يعمل معها. أنا مهتم بأنظمة الاتصالات بين الحيوانات على وجه 
الخصوصء ولكن ليس بالتحديد. إن أدرس الفيرومونات» والإشارات العائدة 
لحاسة الشم". 


291 


استتنتجت من التغيّر الذي طرأ على هجته» والسرعة ال طرأت على إيقاع 
كلماته أنه قد أعطى هذا الملخّص من قبل. انطلق في هذه الثرثرة الي يسميها بحث» 
وهي الرمز الشفهي اجرد الذي يستخدمه العلماء للاستهلاك العام. يرتكز البحث على 
قاعدة خذ الأمسور ببساطة أيها الغبي. ويتم تداول مثل هذه الأبحاث في حفلات 
الكوكتيل» ومع جامعي التبرعات» والاجتماعات» وقي المناسبات الاجتماعية. بمتلك 
كل واحد منا بحثه الخاص به. وحدت نفسي وأنا أستمع إلى بحثه. 

سئمت من الاستماع إليه: "ماذا كان المشروع إذا؟" 

ندّت عنه ابتسامة ساحرة وهر رأسه: "اللغة» و بالتحديد اكتساب اللغة عند 
رئيسات العام الجديد. أحذت القردة اسمها من الأحرف الأولى للمشروع. 
اكتساب اللغة عند السعادين الأميركية. إلسا. كانت ماري - ليز ستكون مثيلة 
بيتي باترسون ف كيبيك» أما إلسا فكان مقدرا ها أن تكون مثيلة قردة كوكو 
الموحودة في أمريكا الجنوبية". وضع الرجل قلماً فوق رأسه» وأصدر صوت 
استهجان» ثم أسقط ذراعه بشدة. أصدرت ذراعه صوتا شديدا عندما ارتطمت 
بالظار لق a‏ محبطاً. لم أستطع أن أتأكد بالضبط. 

"ماري - ليز؟" / 

"إنها تلميذي". 

"وهل كانت تعرز بحاحا؟' 

"من يدري؟ لم يتوفر ها الوقت الكافي في الواقع. احتفت القردة بعد مضي 
حمسة أشهر على بداية المشروع". أبدى الرجل المزيد من السخرية. "وتبعتها ماري - 
ليز بعد ذلك بوقت قصير". 

"هل تر کت الكلية؟" 

أوما. 

"هل تعرف لاذا؟" 

صمت لفترة طويلة قبل أن يبدأ بالإجحابة: "كانت ماري - ليز طالبة ممتازة. 
تعيّن عليهاء بالطبع» أن تبدأ مشروعها من حديد» لكني لا أشك في أنها كانت 
قادرة على إنماء دراسة الماجستير. كانت تحب موضوع عملها. أجل تأثرت كثيرا 
عندما قتلت القردة» لكن لا أظن أن هذا هو كل شيء". 

292 


"ذا ما هي الحقيقة؟" 

أخذ يرسم مثلئات صغيرة على أحد دفاتر مختبره. تركته يأحذ وقته. 

"كان عندها هذا الصديق. ضايقها الرحل بشأن وجودها في الكلية. ضغط 
عليها كي تترك الدراسة. تحدثت معي بهذا الموضوع مرة أو مرتين» لكنني أظن أن 
ضغط الرحل قد فعل فعله أخيراً. التقيته قي عدة حفلات. أعتقد أن الرحل ميف 
بعض الشيء". 

"'وكيف هذا؟" 

"أنا... لا أعرف. رعا كان الرجل غير اجتماعي بالمرة» أو ساحراء أو عدائياء 
أو فجا. بدا لي وكأنه لم يستوعب المهارات البشرية... الغريزية. ذكرن دائما بقرد 
هارلو. أتعرفين» بدا لي أنه نشا في مكان معزول ولم يتعلّم كيفية التعاطي مع 
الآخرين. اعتاد الرحل أن يغمز بعينيه كلما حدثه الآخرون بشيء. أحسست أن ' 
أكرهه حقا". 

"هل شككت به في يوم من الأيام؟ أعب احتمال أن يكون قد قتل إلسا كي 
يرب البحث الذي تقوم به ماري - ليزء وكي يحملها على ترك الكلية". 
العو انيف ادال N‏ تان" كالان النقافن نان 
يكون ني تورنتو في ذلك الوقت". 

"وهل يستطيع إثبات غيابه هذا؟" 

"صدّقته ماري - ليز عندهاء أما نحن فلم نتابع هذا الموضوع. وما الفائدة في 
ذلك بعد أن ماتت إلسا؟" 

لم أعرف كيف أطرح عليه سؤالي التالي: "هل سبق لك أن قرأت ما دونته 
ماري - ليز من ملاحظات حول مشروعها؟” 

توقف عن التلهي برسم الثلثات» ونظر إلى بحدة: "ماذا تعنين؟" 

"أيوحد احتمال أا رغبت بالتستر على شيء ما؟ وهل تكوّن عندها سيب 
ما للتخلص من مشروعها؟" 

"لا. بالتأكيد لا". أحسست بثقة كبيرة في صوته» لكن الحال لم تكن كذلك 
مع عينيه. 

"هل تتصل بك من حين إلى آخر؟" 


203 





9. 

"وهل يحدث هذا کثیرا؟" 

"بعضهم يتصل» وبعضهم لا يتصل". زادت سرعة انتشار المثلثات. 

يرت أسلوبي معه: "من غيرها يستطيع الوصول إلى... هل هو مختبر؟" 

"إنه مختبر صغير. إننا نحتفظ فيه ببعض النزلاء من الحيوانات» لكننا لا نمتلك 
مساحة كبيرة لها. يتعيّن علينا إبقاء كل فصيلة في غرفة منفصلة كما تعرفين". 

"و" 

"أحل. يفرض 0080 تعليمات محددة للتحكم بالحرارة» والمساحةء 
والوجبات الغذائية» والمؤشرات السلوكية إل ما هنالك". 

"fCCAC" 

"إنهامجلس الكندي للعناية بالحيوانات. ينشر المجلس دليلٌ مخصصاً بالعناية 
بالحيوانات وإجراء التجارب عليها. إنه الدليل الذي يضطر كل من يجري أبحائاً عن 
الحيوانات أن يلتزم به: العلماء؛ والمربُون» والعاملون في هذه المهنة. يغطي هذا 
الدليل صحة العاملين مع الحيوانات وتعليمات الأمان المتعلقة هم ". 

"وماذا بشأن الأمن؟" 

"أوه نعم. إن التعليمات محددة جدا". 

"ما هي إجراءات الأمن الي تتبعوها؟” 

"إنتي أعمل مع أبو شوكة في الوقت الحالي. إا نوعٌ من الأسماك". 

استدار في كرسيه» وأشار بقلمه إلى صورة الأسماك المعلقة على اللندار. 

"إا لا تتطلب الكثير من الاهتمام. يعت بعض زملائي بفعران المختبرات» 
لأا لا تتطلب اهتماماً كبيراً هي الأخرى. لا تتم جمعيات الرفق بالحيوانات 
بالأسماك والقوارض عادة". 

ارتسمت على وجهه تعابیر ت تستحق نيل كأس العا م في السخرية. 

"كانت إلسا الوحيدة بين الحيوانات اللبونة الأحرى الي نحتفظ هاءٍ وهكذا م 
تكن رات الأئن ضارمة كرا امتلكت إلننا غرفة صغيرة خاضة اء وال 
كانت محتجزة فيها على الدوام. داومنا على إقفال قفصها بالطبع» وكذلك كنا 
نقفل باب المختبر الخارجي". 

294 


توقف عن الكلام. 

"فكرت كرا في هذا الموضوع. م أستطع أن نكر ين هي تعر حفن 
غادر المكان في تلك الليلة. ا ا Mm‏ 
تأخرت تلك الليلة. رعا قام أحد طلاب السنة النهائية بتفحص الأقفال» لأن 
جیا لا ثقدم على تفحص تلك الأبواب إلا إذا طلبت منها ذلك تحديدا". 
توقف قليلاً ثم تابع: 

"أفقرض أن أحد الغرباء قد دحلء كما أنه ليس من المستحيل أن يترك 
أحدهم الأبواب غير متفلة. وأعتقد أن بعض الطلاب يُعتمد عليهم أكثر من 
الآخرين". 

"ماذا بشأن القفص؟" 

"لم يكن القفص قرياً ما فيه الكفاية» لأنه مقفل بقفلٍ واحد فقط. لم نجد 
ذلك القفل مطلقا. أفترض أنه رعا تشر ,عنشار". 

حاولت أن أنتقل بالحديث إلى الموضوع التالي» ولكن بحذر: "أين وُجحدت 
الأحزاء المفقودة؟" 

"الأجزاء المفقودة؟" 

"كانت إلسا". رحت أفكر هنا بالكلمة المناسبة. حافظي على الهدوء أيتها 
الغبية. "مقطعة. م تكن بعض أجزائها في الحزمة الي التشفت: أتساءل إن كانت 
بعض هذه الأجزاء قد وأحدت هنا". 

وهای بده "أجزاء مثل ماذا؟ ما هي الأجزاء الي فقدت؟" 

"يدها اليمئئ يا دكتور بايلي. قطعت يدها اليمئ عند المعصمء ولم تكن 
موجودة". 1 

لم أحد سببا كي أخبره عن النساء اللات عانين من التعذيب ذاته» ولا عن 
السبب الحقيقي الذي حضرت من أجله إلى هذا المكان. 

بقي صامتاء وشبك أصابعه وراء رأسه. ثم ركز نظره على شيء ما فوقي. 
اصطبغ خحذاه بلون توت العليق» وامتد هذا اللون نحو الروبارب. سمعت جهاز 
راديو صغير يدندن بهدوء في مكان ما في خزانته. 

كسرت نطاق الصمت بعد فترة خلتها عقدا من الأعوام. 


295 


"فكر ما حدث وقل لي ماذا تعتقد أنه حدث؟" 

م يردٌ على فورأء لكنه نطق عندما حلت أنه لن يفعل ذلك أبداً: "أظن أن 
الفاعل هو أحد أشكال الحياة المتحولة المنتشرة في هذا الحرم". 

تت أنه اقهى من كاده زاذ تفه عمقا ف اصدره لكة أضافه شيعا 
يصوت يشي امس لكي 1 ابه 

قلت: "آسفة؟" 

"تستحق ماري - ليز شيئاً أفضل". 

أد ركت أنه من المستغرب أن يقول شيئاً كهذا. رحت أفكر أن إلسا أيضاً 
تيقد شيا أقتضل» لكت :ل اقل شيعا كسر رن ارش الضمت على نحو 
مفاحئ» وسرى عبر جسدي تيار اخترق كل عصب من أعصابي. نظرت إلى 
ساعي الي أشارت عقارها إلى الساعة 10:00 مساء. 

تحاهلتُ سؤاله عن سبب اهتمامي بقضية قردة ماتت منذ أربعة أعوام. 
شكرئه على استماعه لي وطلبت منه أن يتصل بي إذا وجد ذلك ضروريا. ت ر کته 
حالساً هناك وقد أعاد تركيزه على على ذلك الشيء الذي كان يطير فوق رأسي 
افترضت أنه يحدّق في الزمن» وليس ف الفضاء. 

لم تكن هذه المنطقة مألوفة بالنسبة لي» لكنئ اكتشفت أن ركنت سيارقي في 
الممر ذاته الذي استخدمته في تلك الليلة الي سرت فيها في شارع هاين. أقنعت 
نفسي أن ألترم بالأمور المفيدة» وبدأت أفكر في تلك الفسحة وكأها غابي غروب 
. العظيمة. بدا الأمر وكأنه حدث منذ حقبة بعيدة» في حين أنه حدث منذ يومين 

كان البرد أشد هذه المرة» كما تساقط مطر حفيف. أحكمت إغلاق سترتي» 
وسرت عائدة إلى سياري. 

غادرت الجامعة» وقدت السيارة غالاً في شارع سان دينيز. مررت من أمام 
بجحموعة من محلات الثياب والمطاعم الرائعة. يبدو سان دينيز وكأنه يقع على بعد 
شاسع من شارع سان لوران, مع أنه لا يبعد سوى بلوكات قليلة عن سان 
لوران. يعرف سان لوران بأنه المكان الذي تقصده الشابات الثرّيات اللواق ييحئن 
عن فستاتين رائعة» أو أقراط فضية) أو عن شريك» أو حي عن موقف ا 


296 


واحدة. إنه شارع الأحلام الذي يتوافر في معظم المدن. تمتلك مونتريال اثنين منه: 
كريسنت للناطقين بالإنكليزية» وسان دينيز للناطقين بالفرنسية. 

فرت بالساء أثناء انتظاري الضوء الأخضر في دي مايزونيف. أظن أن بايلي. 
على حق. تقع محطة الباصات على عين» أي أن القاتل» كائناً من كان» لم يبتعد مسافة 
طويلة قبل التخلص من المثة. يدل هذا الأمر على أن الفاعل هو من سكان المنطقة. 

شاهدت شخصين فتيّين يخرجان من محطة مترو جامعة كيبيك ومونتريال. 
ركضا تحت لمطر وهما متمسكان ببعضهما بعضاً مثل زوج من الخوارب حرج 
لتوه من النشافة. 

رحت أفكر بأن الفاعل هو أحد الذين يترددون من وإلى أشغالهم. حسناً يا 
برينان» تناولي قردا» واستقلي المترو في طريق عودتك إلى المنسزل» وأشبعيه ضربا 
ثم قطنيهة وعودي بد بعد ذلك إل انزو وار كيه بعد ذللقا ن فة الاما يا 
له من تخطيط عظيم! 

أضاء اللون الأحضر. عبرت شارع سان دينيز» وسرت غرباً في شارع دي 
مايسزونيف» وشغلت فكري بمحادئي مع بايلي. أزعحيٰ شيء ما في هذا الرحل؟ 
هل أظهر عاطفة زائدة تجاه طالبته؟ هل أظهر القليل جداً من هذه العاطفة بالنسبة 
إلى ا ولماذا بدا شديد... ماذا؟ السلبية» تحاه مشروع إلساء؟ لماذا لا يعرف 
0 بيليتي بيليتييه إن بايلي تفحص المثة المشرّحة؟ أليس من 
المفترض ا ا ا 

"اللعنة!" قلتها بصوت عال ورحت أثقل ذه بالعساؤلات. 

الستفت إلي رجلّ يرتدي ثياباً من قطعة واحدة» وبدا عليه التوجس. م يلبس 
الرجل قمیصاًء كما أنه لم ينتعل حذاءء ولاحظت أنه يحمل معه كيس تسوق بيديه 
الاثنتين لأن مقبضه المتمزق شكل زوايا غربية. ابتسمتُ كي أطمئنه» لكنه مشى 
بتثاقل» وراح يهز رأسه آسفاً على حال البشرية والعا م 

رحت أوبّخ نفسي وأقول إن مثل كولومبوء لكنئ فاشلة. لم أسأل بايلي 
ماذا فعل باحثة. يا للمهمة الناجحة! 

انتهيت من تأنيب نفسي» لكني قررت استرضاءها بتقدم اقتراح تناول 
شطيرة نقانق. 

297 


فلت بحل آنآو کت باق لن کرت قادرة على الح باي اله اسع 
بمذه الطريقة إلقاء اللوم على الطعام. توجهت إلى شيان شود الذي يقع في سانت 
دومينيك» وطلبت نقانق مع كافة التوابل» وبعض البطاطا المقلية» وكوك للحمية. 
أبلغي نادل يشبه جون بيلوشي بشعره الكثيف وهجته المشددة: "لا يوجد كوك. 
لدينا بيبسي". أد ركت أن الحياة تقلد الفن فعلا. 

تناولت طعامي في حجرة بلاستيكية مطلية باللونين الأحمر والأبيض» ورحت أتأمل 
إعلانات السفريات الي تكاد تتقشر عن الحدران. فَكّرتُ في أن هذه المناظر رائعة» 
ورحت أحدّق بالسماء الشديدة الزرقة» وبالأبنية المطلية بالكلس الذي بيهر بياضه العيون 
في جزر باروس» سانتوريني» وميكونوس اليونانية. أجل؛ إا مناظر رائعة. بدأت 
السيارات باحتلال الأرصفة المبتلة في الخارج. وعاد شارع ماين ليعجّ بالحياة ثانية. 

وصل رجحل وأخد بالتحدث إلى بيلوشي بصوت عال» وافترضت أهُما يتحدثان 
باليونانية. لاحظت أن ثيابه مبتلة» كما أن رائحة الدحان» والدهن» وتوابل م أعرف 
ماهيء قد فاحت منها. انتشرت قطرات المياه على شعره الكثيف. ابتسم الرحل لي 
عندما نظرت إليه ورفع حاجبه الكثيف» ثم مرّر لسانه ببطء على طول شفته العليا. 
الجن :أن السرا كان ع كن يرق اا أخرق نين جیه اریت قرف 
نضوج الرجل قبل أن أحوّل انتباهي إلى المنظر حارج النافذة. 

تمكنتُ من رؤية صفين من الحلات عبر الشارع من خلال زحاج النافذة 
المخطط مياه المطر. بدت الحلات داكنة وصامتة عشية يوم العطلة. جحاء في اللافتة 
فوق أحد هذه المحلات لا كوردونيري لا فلايرء وتساءلت عن السبب الذي يدعو 
صانع أحذية إلى إطلاق تسمية الزهرة على متجره. 

رأيت لافتة المتجر الآحر: لا بولانجيري نان. تساءلت ما إذا كان هذا هو 

سم الفرن» أو اسع الال أم أنه محرد إعلان للخبز المندي. استطعت أن أرى عبر 
00 رفوفاً فارغة تستعد لاستقبال حمولتها الصباحية. هل يستمر الخبازون قي 
عملهم أيام الأعياد؟ 

لا بوشيري سان دومينيك. بدت نوافذ هذا المتجر مغطاة بأخبار الجرائد 
الأسبوعية: لا بين فرايزء بويف» أغنيوء بوليت» سوكيس؛ أي: الأرنب الطازجء 
لحم البقر. لحم الضأن, الدجاج» النقائق» والقرد. 

298 


هكذا إذا. دعنا ننطلق من هنا. وضعت الأوراق في صينية الورق الي احتوت 
النقائق. إننا نقضي على الأشجار من أجل صنع هذه الأشياء. أضفت علبة 
البيسسي» وألقيت كل هذه البقايا في سلة النفايات» ثم غادرت المكان. 

وحدت السيارة في المكان الذي تركتها فيه وف الحالة الى كانت عليها 
حينها. شرعت ف قيادة السيارةء بينما عاد ذهي للتفكير بالجرائم 

تغضرت الصور في ذهين مع كل طرقة من طرقات مساح الزجاج. تخيلت 
ذراع إلسا المقطوعة. طرقة. تخيلت يد موريسيت - شاهبو المستلقية على أرضية 
مطبخها. طرقة ثانية. بدت أمامي أربطة عضلات شانتال تروتييه. طرقة ثالثة. 
ظهرت لي عظام أذرع ذات غايات مقطوعة بدقة. طرقة رابعة. 

هل هي اليد ذاتها في كل مرة؟ لا أستطيع أن أتذكرء لذلك ينبغي علي أن 
أتحقق من ذلك. لم يبلغ عن اختفاء أي يد بشرية. هل هي بحرد مصادفة؟ هل كان 
كلوديل على حق؟ أم هل أصابتي حالة من الذعر؟ هل يُحتمل أن يكون خخاطف 
إلسا قد اعتاد على جمع مخالب الحيوانات. وهل كان أحد معجي بو المتحمسين؟ 
طرقة ا ا 

وصلت إلى مرآب سيارق عند الساعة الحادية عشرة ومس عشرة دقيقة. 
شعرت أنينٍ متعبة, لأنه مضت أكثر من ماني عشرة ساعة على خروجي من 
المنزل. لن تستطيع النقانق أن تبقيي مستيقظة هذه الليلة. 

لم ينتظرت بيردي. بل تكوّر على نفسه فوق كرسي خحشي هرّاز قرب الموقد» 
حسب عادته عندما يكون وحيدا. تطلع إلى الأعلى عندما دحلت» وراح يغمز 
بعينيه الصفراوين في اتجاهي. 

ارجا يسا برد. کیت كان المن هذا اليوم؟" رحت أقلد فرفرت وأسيد 
المنطقة الموجودة تحت ذقنه: "هل أقلقك شيء ما؟" 

أغمض عينيه» ومد رقبته. إما أنه كان يتجاهل تمسيداي» أو أ نه يحني على 
متابعتها. تثاءب بشدة عندما سحبت يدي» وعاد إلى وضع ذقنه بين مخالبه» وراح 
يتأملنئي من تحت جفنيه المثقلين بالنعاس. توحهت إلى غرفة النوم وأنا أعلم أنه 
سيتبعئي في النهاية. فككت مشابك شعري» وكرّمتُ ثيابي على الأرض» ثم رفعت 
أغطية السرير. 

299 


استسلمت لنوم عميق ال من الأحلام على الفور. لم تظهر لي أي أشباح» 
ولا مسرحيات مخيفة. أحسسَت بثقل دافئ يضغط على ساقئ. فعلمت أن بيردي 
قد انضمٌ إلي» لكنئ تابعت النوم وسط الظلمة الحالكة. 

تسارعت نبضات قلي على نحو مفاجئ وانفتحت عيناي. وحدت نفسي 
مستيقظة بالكاملء» وأحسست بالذعر من دون أن أعرف السبب. جاء التغير 
فاه وتو صل أن نكت 

حيّمت الظلمة الحالكة على الغرفة. أشارت عقارب الساعة إلى الواحدة 
وسبع وعشرين دقيقة. لم يكن بيردي موجوداً. حلست في الظلمة وأمسكت 
أنفاسي. رحت أصغي السمع إل أي حركة. لماذا أعان حسدي حالة الطوارئ 
القصوى؟ هل معت شيئاً ما؟ ما هي النقطة | لمضيئة الب كشفها راداري 
الشخصصي؟ وهل أرسلت مستقبلان الحسية إشارةٌ ما؟ أم أن بيردي مع شيئاً؟ 
وی عو قبل كل قوت اعرف أنه لي هق غاديه أن يتحول ليلا 

استر حيت» وأصغيت السمع أكثر. لم أسمع غير صوت دقات قلي وهي تضج 
في صدري. بدا لزل صامتاً بشكل مخيف. 

توجنة الوت ا ا ف فة ونيا" شح وة 
حافتة. انتظسرت ا وا وأمسكت أنفاسي. مرت عشر لحظات» 
ومس عشرةء ثم عشرين. تغيّر الرقم الوامض على شاشة الساعة. رحت أفكر 
بأني تيت سماع الصوت» وفي هذه اللحظة بالذات ممعيّه ثانية. معت تلك 
الطرقة. معت حشخشة. أطبقت أضراسي الطاحنة على بعضها مثلما تفعل 
ملزمة من صنع بلاك آند ديكرء أما أصابعي فالتقت على بعضهاء وشكلت 
قبضة في كل يد. 

حل رابيد محص مال هدو تعودت على سماع الأصوات الروتينية في 
هذا المكان» لكن هذا الصوت بدا مختلفاء وغريباً عن بقية الأصوات» وتأكدت من 
أنه حارج مجموعة الأصوات المعتادة. 

رفعت أغطية السرير عي بصمت» ودفعت بساقي إلى حارج السرير. 
تذكرت المدوء الذي تميّرت به الليلة الماضية» وأسرعت إلى ارتداء بلوزي وسروال 
الجينز. مشيت فوق سجادة الغرفة يمدوء. 

300 


٠‏ تسوقفتُ عند باب غرفة النوم كي انظر خلفي بحا عن سلاح محتمل. لم أحد 
شيقا. اختفى حي ضوء القمر» لكن الضوء الصادر من مصابيح الشوارع تسل عبر 
نافذة غرفة النوم الأحرى» فأضاء الرواق نا بوميض شاحب. تقدّمت إلى الأمام 
ومررت أمام الحمام ثم اتجهت نحو الرواق الذي ينتهي بأبواب تطل على فناء شقي. 
مشيت قليلاً م توقفت كي أصغي» وأمسكت أتفاسي» وفحت عي جيداً. معت 
الصوت بحددا عند مدحل الطبخ. جاء صوت الطرقة أولاً» ثم تبتعها أصوات 
الخشخحشة. أنت هذه الأصوات من مكان ما قرب الأبواب الزحاحية. 

ادرت يسع خو الطب ونطر ت بااه الأبرزب الزحاجية الى تفع علق 
جهة باحة شقي. لم أشاهد أي شيء متحرك. لعنت» بصمت» كرهي 
السات وتفحصت للطبخ بكامله بحثأ عن سلاج ما. لا أستطيع القول إن 
می ا ج مرّرت يدي المرتعشة على الحدار وتحسست مقبض 
السكين. احترت سكيناً تستخدم لتقطيع الخبز» ولففت أصابعي حول المقبض. 
وجهت النصل إلى الخلف» ثم أسدلت ذراعي على طول امتدادهما. 

تقدمت بقدمين حافيتين إلى مسافة تكفيي كي أتطلع نحو غرفة الجلوس. 
وجدبها مظلمة مثل غرفة النوم والطبخ,  ٠‏ ! 

تمكنت من رؤية بيردي وسط هذه الظلمة. رأيته جالسا على بعد أقدام قليلة 
من الأبواب. ركه اا شونا حارج ١‏ جاع لاحظت أنه يحرك 
0 0 ورعاءاضر كذنواارية مقورة يتك لإزابا e‏ بدا متوتراً 

تسبب صوت الطرقة والخشخشة هبوط في نبض قلبي» وجمود في حركة 
اا ج ارت من اروا أن كردي ان ا روطع 
أفقي . 

وضعتي حطوات مرتعبة حمس قرب بيردي. مددت يدي بشکل عفوي كي 
أمسّد رأسه. فأحفل نتيجة هذه اللمسة الي لم يتوقعهاء ثم انطلق عبر الغرفة بقوة 
جعلت مخالبه تترك آثارها على السجادة. بدت هذه الآثار مثل فواصل سوداء في 
وسط هذ الحو الكئيب. أعرف أنه لو كانت القطط تستطيع أن تصرخ» فإن 
بيردي كان سيفعل هذا. 

301 


وثّرت انطلاقته أعصابي بالكامل. أحسست بأني مشلولة للحظة» وتسمرت 
في مكاني مثل التمثال الموجود في جزيرة إيستر. 

راح صوت الذعر يحثي: اللي جن للق افر ر ر من ها 

ا ا إلى الخلف. معت طرقة ثم خشخشة. توقفت» وتمسّكت 
بالسكين وكأما حبل نحاق. مرّت فترة صمت وسط هذه الظلمة المخيّمة. دا - 
دوم. دا - دوم. أصغيت إلى دقات قلي» وبحثت في أنحاء دماغي عن مساحة فيه 
تستطيع التفكير بشكل سليم. 

أبلغني ذلك الحزء من تفكيري أنه إذا كان هناك من شخخص في الشقة فلا بد 
أنه موجود خلفي. إن طريق هروبك هو إلى الأمام» وليس إلى الخلف. أما إذا كان 
هناك من شخص في الخارج تماما فيجب عليك ألا تمنحيه طريقاً للدحول. 

دا - دوم. دا - دوم. 

أقسنعت نفسي أن الضجيج أتى من الخارج» ناشوف الذي سمعه بيردي 
أتى من الخار ج أيضا. 

انظضري. أسندي نفسك إلى الحدار الذي يقع إلى جوار الأبواب المشرفة على 
الباحة» ثم افتحي الستائر قليلاًبما يكفي لتنظري إلى الخارج» فلعلك تستطيعين رؤية 
شكل ما في الظلمة المخيّمة. 

إنه منطقٌ معقول. 

تسلحت بسكين الي صنعتها شركة شيكاغو كتلري؛ ثم رفعت قدمي 
السمّرة من فوق السجادة» وتقدمت قليلا إلى الأمام؛ ثم وصلت إلى الجدار. 
تنفست بعمق» وأزحت الستارة بوصات قليلة. بدت الأشكال في الباحة ل 
متو عو ا ا نط ری . ميرت الشجرة» والمقعد» وبعض 
الشجيرات. ل ألمح أي شيء يتحرك ما عدا الأغصان الي تحر كها نسمات المواء. 
بقيت في موقعي برهة طويلة. لم يتغيّر شيء. تقدمت إلى وسط الستائر واحتبرت 
مقبض الباب. ووحدثه ما زال مقفلا. 

بقيت السكين جاهزة في يدي. مشيتُ بمحاذاة الجدار نحو الباب الرئيسي للشقة. 
توجهت نحو نظام الأمان. ومضّ ضوء الإنذار بصورة طبيعية» وهو الأمر الذي يدل 
على عدم حدوث عملية اختراق. وحدت تفسي ألس زر الاحتبار عفوياً. 

302 


قطع ضجيحٌ ما حبل الصمت» ورغم أني توقعت حدوث صوت كهذاء إلا 
أني قفزت من مكان. فرعم ی 
في جهوزية كاملة. 

صاح بي ذلك الجزء المنطقي من دماغي: أيتها الغبية! إن جهاز الأمان يعمل 
بصورة سليمة» ول يخترقه أحد! والأبواب لم تفتح! ولم يدحل أحدٌ إلى الشقة. 

إذا E‏ زال في الخارج! أقنعت نفسي هذاء لكني كنت ما أزال 
أر تحف. 

قال لي دماغي» نعم يحتمل ذلك» لكن ذلك ليس بالأمر السيّئ. أضيئي بعض 
الأنوارء ثم أحدثي ب بعض الحركة؛ وعندها سيعمد أي متطفل إلى المرب. 

جارس اذ ابلم ھی لك فين اناا أظهرت دليلاً على شجاعي 
عندما أضأت مصباح الرواق؛ ثم تبعت ذلك بإضاءة كل الأنوار الموحودة ما بين 
الرواق وغرفة نومي. م أحد أثراً لدخيل في أي مكان من شقي. وما إن جلست 
على حافة سريري وأنا ممسكة بالسكين حى ممعت الصوت ثانية. کا طرق 
مكبوتةء ثم تبعتها حشخشة. قفرث» و كدت أحرح نفسي. 

رحست أفكر بعد أن تشجعت بقناعتٍ أنه ما من دخيل في هذه الشقة. حسنا 
أيها النذل» دعي أخحك مرة واحدة» وعندها سأتصل بالشرطة. 

عدت إلى الأبواب الجا المحاذية للباحة الحانبية؛ لكني عدت ی هذه 
المرة. كانت الغرفة لا تزال مظلمة» ارش ل قن الا دا شر نون 
ا ا 

بقي المشهد كما هو. كانت الأشكال ا لدي وان لم تک 

E أن بعضها يتحرك مع الهواء. عادت أصوات الطْرّقات‎ e 
ائية! أصعيت يحددا ورحت أفكر في أن الضجيج غاد من الأبواب» وليس من‎ 
حارجها.‎ 

تذكرت وحود الضوء الكاشف في الباحة» وتحركت كي أجد المفتاح. لم 
يكن الوقت مناسباً للقلق بشأن إزعاج الحيران. انطلق الضوء الكاشف ينشر نوره 
في الباحة. عدت إلى طرف الستارة. لم يكن الضوء قويا مما يكفي» لكن ظهرت 
ملامح الأشكال الموجودة في الباحة بشكل كاف. 

303 


توقف المطر عن الحطولء لكن الحواء تحرّك. تراقصت غلالة من الضباب حول 
حزمة الضوء الكاشف. أصغيت لبرهة. لم يحدث شيء. تفحصت جال الرؤية 
المتاح لدي مرات عديدة. لم أحد شيئا.. عطلت عمل جهاز الأمان من دون أن 
أفكر بالأمرء وفتحت الباب الزجاجيء ثم مددت رأسي إلى الخارج. 

شاهدت إلى يساري چ ة التنوب بمحاذاة الجدار. و أي شكل آخر 
مع أغصاها. هيّت الرياح قليلاً» فتح ركت الأغصان. معت طرق م جا صرت 
الخشخشة. احترقتي موجة جديدة من الرعب. 

تطلعت ناحية البوابة. إا الناحية الي تصدر الأصوات من حهتها. تح ركت 
ببصري ناحيتها في الوقت المناسب كي ألمح حركة صغيرة قبل أن تستقر في 
مكانفها. تسمّرت في مكاني كي أراقب ما جري. هبت الرياح الدع كه 
البوابة قليلاً في النطاق الذي يسمح مزلاجها بذلك. ممعت طرقة» ثم حشخشة. 

شعرت بالكدرء لكني حرجت إلى الباحة وتوجهت مباشرة نحو البوابة. لماذا 
لم أنقبه هذا الصوت من قبل؟ أحظلنة اة لم أشاهد أي أثر للقفل. إن القفل 
الذي بمنع حركة المرلاج م يكن موجودا. هل أمل ونستون إعادته إلى مكانه بعد 
أن فرغ من حر العشب؟ لا بد أن ذلك هو الذي حدث. 

دفهت البوابة بقوة من أحل إعادة المزلاج الذي يضغط على البوابة ويمنع 
تحركها من مكانماء ثم استدرت نحو الباب. مع تھا رتا اخ الک كان 
أكثر دقة وكبتاً. 

نفظرت نحو مصدر الصوت فرأيت شيعا غريبا في حديقة أعشابي. بدا ذلك 
الشيء مثل ثمرة چ بارزة من الأرض» و e‏ عرفت عندها أن 
الخشخحشة الخفيفة تصدر عن الغطاء البلاستيكي ا حر که الهواء. 

ملكي إدراك سيف لا ري أحسست بورد شىء ما تحت الغطاء 
البلاستيكي» ومن دون أن أدرك سبب معرفي. أحذت ساقاي بالارتعاش وأنا 
أمشي فوق العشب» وعندما رفعت الغطاء البلاستيكي إلى الأعلى. 

اجتاحتئ موحة من الغفيان لدى رؤية الشيء الموجود تحت الغطاء 
البلاستيكي. استدرت كي أتقياً. وضعت يدي فوق فمي» وعدت مسرعة إلى 
داخل الشقة. أغلقت الباب وأقفاتّه جيداء ثم أعدتُ تشغيل جهاز الأمان. 


304 


اندفعت مسرعة كي أطلب رقم هاتف» وأحبرت نفسي على نقر الأزرار 
الصحيحة. تلقيت ردا على المكالمة بعد الرنة الرابعة. 

"مال ا اء ل ال وو" 

أحابي صوت مترنح: "برينان؟ ما هذا..." 

"تعال إلى هنا في هذه الدقيقة بالذات يا رايان! الآن/" 


305 





شربت مقدار غالون من الشاي» وأنا جالسة على الكرسي اهراز الذي يجلس 
عليه بيردي» ورحت أراقب راياك بتكاسل. كان يجري مكالته الثالغة» لكنها 
اح د را ا ا 
لبعض الوقت. استنتحت من رد فعله أن المتلقي یکن سيدا يبدو أن الأمور 
a‏ 
تمتلك المستيريا بعض الفوائد. وصل رايان في غضون عشرين دقيقة» وأسرع 
إلى تفتيش الشقة والباحة» ثم اتصل بوحدة شرطة مونتريال من أجل تأمين وحدة 
دورية تقوم بالإشراف على البناية. وضع رايان الكيس ومحتوياته المرعبة ي كيس 
اكت ی و ف وضع رايان الكيس بعد ذلك في زاوية من زوايا غرفة 
الطعام. قال لي إنه سينقله إلى المشرحة هذه الليلةء وأضاف أن فريق الاستعادة 
سيأني في الصباح. جلسنا في غرفة المعيشة نرتشف الشاي» لكنه أحذ يذرع الغرفة 
جيئة وذهابا ويتكلم في هذه الأثناء. 
لم أستطع التأكد من العنصر الذي ساهم ٿي تهدئيٍ أكثر من غيره» رايان أم 
الشاي. لا أعتقد أنه الشاي. إن ما أردئه فعلاً كان شراباً قوياً. لكن كلمة أردت 
ليست بالوصف المناسب في الحقيقة. الاشتهاء هي الكلمة الي تعطي المعى الأوق. 
أردت» في الواقع. أن أتناول عدة أنواع من المشروبات. غابت عي تلك الزجاجة 
الي أستطيع أن أصبّ مشروي منها. انسَئ الأمر يا برينانء لأن الزجاجة مقفلة 
بإحكام وستبقى كذلك. 
306 


ارتشفت الشاي وراقبت رايان في الرقت: تفت ادى سرا من الجينز 
وقميصاً من الدينيم الشاحب. يا له من خيار حيد. ملأ لون أزرق عينيه» مثل ذلك 
الذي كان يلوّن الأفلام القديمة. اى مكالاته ثم جلس. 

رمى جهاز الحاتف على الأريكة» ومرّر يدا فوق وجهه: "هذا يكفي". بدا 
متعباً بشعره الأشعث» لكني» أنا الأحرى» لم يكن مظهري مثل كلوديا شيفر. 

رحت أتساءل عما كان يقصده بكلمته هذه. 

قلت له: "أقدّر بحيئك» وأنا آسفة على إفراطي بالذعر". سبق لي أن قلت 
هذا لكنئ كررته. 

"كلا لم تفرطي". 

"عادة أنا لا..." 

"لا بأس. سنلقي القبض على هذا المعتوه". 

"كان بإمكان..." 

انحن إلى الأمام» وأسند مرفقيه على ركبتيه. أمسكت زرقة عينيه عيي)؛ 
وأوقعتهما في الأسر. علقت كتلة كتانية صغيرة بأحد رموشه؛ فبدت مثل حبيبة 
sS‏ ْ 0 

"الوضع خطيرٌ يا برينان. لدينا رحل طليقٌ معتوةٌ عقليا. إنه منحرفة من 
النااحية النفسية. يشبه هذا الرحل الفئران ال تحفر أنفاقاً تحت أكوام النفايات» 
وسال من ول ابيب الضر ف الصج ى هذه المذيية: إنهحيوان ففترس »ولا 
شك في أن وصلاته العصبية ليست في وضعها الطبيعي» ولذلك وضعك في هذا 
لكاتو ی مف مقن 
اروج إلى دائرة الضوء ونقبض عليه. إن هذا هو ما تفعلينه مع كل أنواع . 
الحشرات '. 

أدهشي رد فعله القوي لذلك لم أستطع التفكير بأي شيء أقوله. بدا لي أن 
الإشارة إلى استعاراته المتداحلة هي عمل غير حكيم. 

اعتيرٌ صم ,عثابة تشكيك ما قاله. 

"إني أعين كل ما قلته يا برينان. إن هذا النذل لا يمتلك ذرة من التفكير 
السليم» لذلك لا أنصحك أبداً أن تحازفي معه". 


307 


حعلي تعليقه أميل إلى الفظاظة» وهو ميل لا يحتاج إلى الكثير من المهد كي 
يظهر عندي. شعرت بالضعف وبالحاحة إلى الاعتماد على الآخرين إلى درجة أنئي 
كرهت نفسيء ولهذا حوّلت الإحباط الذي شعرت به تجاهه. 

صرحت في وجهه: "أجازف؟" 

"اللعنة يا برينان» أنا لا أعى ما حدث هذه الليلة!" 

محدزت کات كا تفده عام كان هار ھی الأ الل زاك من شعوري 
بالانزعاج» وميلي إلى المشاكسة. حرّكت الشاي الذي برد في هذا الوقت» 
وحافظت على صمي. ١‏ 

تابع رايان العزف على الوتر ذاته: "من الواضح أن هذا الحيوان كان يطاردك. 
إنه يعرف أين تسكنين» ويعرف كذلك كيفية الدخول إلى شقتك". 

" في الواقع» لم يدل إلى الشقة". 

"حبّأ الرحل رأسا بشريا في حديقتك الخلفية!" 

شعرت أن المدوء الذي كنت أشعر به قد تصدّع. صرحت في وجهه: 
"أعرف ذلك!" 

اتجهت عيناي إلى زاوية غرفة الطعام. تواحد في تلك الزاوية ذلك الشيء 
الذي وجدناه في الحديقة. حافظ على صمته» ولم يتحرك. إنه التحفة الي تنتظر 
متابعة العمل ها. كان يمكن أن تكون أي شيء. كرة طائرة على سبيل اللثال» أو 
أي كرة أخرى» أو رأس من الشمّام رعا. بدا ذلك الشيء المستدير بريئا في كيسه 
الأسود اللامع الذي وضعه رايان في كيس بلاستيكي شفاف. 

حدقت فيه» فتراقصت في ذهي صور محتوياته المرعبة. رأيت الجمجمة 
المزروعة في الأرض فوق رقبة هزيلة. رأيت محجرين فارغين يحدقان إلى الأما 
وذلك الوميض الزهري اللون الذي ينعكس على أسنان بيضاء ملأت الفم المفتوح. 
تخيّلت ذلك الدحيل وهو ينشر القفلء ثم يعبر الباحة بكل جرأة كي يخبئ تحفته 
التذكارية المرعبة. 

كررت القول: "أعرف ذلك. أنت على حق. يتعيّن علي أن أكون أكثر 
حذرا". 

حرّكت الشاي في كوبي محدداء وشت في أوراقه عن الأجوبة الي أحتاج إليها. 

308 


"أتريد كوبا من الشاي؟" 

"لا. أنا على ما يرام هكذا. سأتحقق من وصول وحدة الدورية". 

توجّه إلى آخر الشقة» فانصرفت إلى إعداد كوب آحر من الشاي لنفسي. 
كنت ما أزال في المطبخ عندما عاد. ' 

"رایت وحلة دورية متوقفة في الجهة المقابلة من الشارع. ستعود وحدة 
أحرى بعد قليل. سأتحدث معهم قبل انصراي. يتعيّن أن لا يقترب أحد من هذه 
البناية من دون معرفة الشرطة". 

ارتشفت جرعة من الشاي» ثم استندت إلى الطاولة: و 

تناول رايان علبة سجائر دو مورييه. ورفع حاجبه في اتحاهي. 

"بالتأكيد" . 

لا أحب أن يدخحن أحد في شق لكن لعل الرحل متضايقٌ من وجوده في 
شقن. إن الحياة هي فن التسوية. فكرت في البحث عن منفضة السجائر الوحيدة 
الموحودة في شقيٍ» لكن لم أفعل ذلك. تابع التدخحين» وتابعت أنا ارتشاف الشاي 
بصمت. استندت إلى الطاولة» واستغرق كلانا في التفكير. لم يسمع في الشقة غير 
ممهمة البراد. 

"أتعرف» لم ترعبئ اللمجمة لأني تعرّدت على رؤيتها. كانت هذه 
حارج... السياق". 

جل 

"إنما أمرٌ معتاد. أعرف ذلك» لكني أشعر بالإهانة. أشعر وكأن مخلوقاً غريب 
قد احترق فضائي الشخصيء ثم انصرف بعد ذلك عندما فقد اهتمامه بكل شيء". 

أمسكتٌ بالكوب بشدةء وامتلكي شعور بالضعف» لكنني كرهتُ هذا 
الشعور. شعرت بالغباء أيضاً. لا بد أن يكون قد سمع شيعاً من هذا الحديث مرات 
عديدة» لكنه لم يقل إن ذلك قد حدث. 

"أتعتقد أنه سان جاك؟" 

نظر إلي» ثم نفض رماد سيجارته في حوض غسيل الأطباق. 

عاد كي يستند إلى الطاولة» وأحذ نفساً عميقاً من سيحارته. مدّ رجليه حي 
كادتا تلامسان اليرّاد. 


309 


"لا أعرف. إننا لا نستطيع حي أن نحدد هوية الرحل الذي قمنا .ملاحقته» 
لأن سان جاك هو اسم مستعار رعا. لا أعتقد أن النذل الذي يستخدم هذا الاسم 
كالسا س كانه يفطن ن هذه النظفة تقل ل ان اة اة م تره سوى 
مرتين» كما أننا راقبنا المكان لمدة أسبوع كامل» ولم نشاهد أحداً يدحل الشقة أو 
يخر ج منها. 

همم. اسحب الدحان يا رايان» ثم أخر جه» وشاهد دواماته. 

"احتفظ الرحل بصورت بين بجموعته. اقنطعها وعلّمها". 

ار 

"كن صريحاً معي". 

صمت لدقيقة» قال لي بعد ذلك: "سيكون الرحل فريسي» وهذه المصادفات 
غير محتملة أبدا". 

أعرف ذلك» لكننئي لا أريد أن أسمعها منه» حى إن لا أرغب بالتفكير في 
المعين الذي تحمله. أشرت نحو الجمجمة. 

"أهي تابعة للجثة الى وجدناها في سان لامبرت؟" 

"واو. إنها موطنك". 

أعذ نفساً أخيراء ثم سكب مياهاً باردة على عقب سيجارته» ثم نظر حوله 
مني ےک كن يعلض يا ارح الطاولة وفعت ماده دري كين 
نفايات. وضعت يدي على ساعده ما إن فض. 

"رايان. أتعتقد أنئي بحنونة؟ أتعتقد أن فكرة القاتل التسلسلي هي من بنات 
أفكار ي؟" 

انتصب واقفا م زک عينيه علي. 

"لا أعرف. إن فعلاً لا أعرف» لعلك مصيبة. قد تكونين على حق. لدينا 
أربع ضحايا من النساء على مدى عامين. تعرضن جيعاً لتقطيع الأطراف» أو 
التحويةة أو كلا الأمرين. تمل وجوه ضحية جامسة أيضاء. وال تعرضت 
لتشويهات مائلة. لاحظنا إدحال الأداةء لكن هذا هو كل شيء. إننا لا نمتلك أي 
رابط إضافي لغاية الآن» لكن يحتمل وجود رابط يجمع بين هذه الحرائم» وقد لا 
يكون هذا الرابط موجوداً. ويُحتمل وجود الكثيرين من هؤلاء الساديين الذين 


310 


يعملون بشكل منفصل. يبقى احتمال أن يكون سان جاك هو من قام بكل هذه 
الحرائم» ولعله يحب جمع قصص عن تعذيب الآخرين. يُحتمل أن يكون شخص 
واحدٌ قد نفذهاء لكنه جرم غير سان جاك. ويحتمل أن يكون ذلك الوغد يخطط 
لخطوته التالية في هذه الأثناء» وأن بزرع اة أحرى في حديقتك الخلفية» ورعا 
الأمر ليس كذلك. لا أعرف» لكنين أعرف أنْ أحد المعتوهين قد أحفى جمجمة بين 
أزهار البيتونيا في حديقتك. اسمعي, لا أريدك أن بحازفي بشيء. أريدك أن تعديي 
أن تکون حذرة. لا تقومي بأي مغامرات". 

عاد ليمارس دوره الأبوي. وعدته: "لا تقلق". 

"ماذا؟" كان صوته حاداً عا يكفي كي أتوقف عن إبداء ملاحظات تافهة. 

"ماذا تريدي أن أفعل بالضبط؟" 

"لا تقدمي على مغامرات سرية في الوقت الحاضر". أشار بإقامه إلى الكيس 
الذي يحتوي الدليل. "أبلغين عمن يكون هناك". 

نظر إلى ساعته. ٠‏ 

"يا الله! إا الثالثة ومس عشرة دقيقة. هل ستكونين بخير؟" 

حزن کا شی 

"على الرحب والسعة". 

تفحص الحاتف ونظام الأمانء للمرة الثانية» ثم تناو ل الكيس البلاستيكي. 
رافقتُه إلى حارج الشقة. وقفت أراقب مغادرته» ولم يسعي إلا أن ألاحظ أن عينيه 
ليستا الميزة الوحيدة حسبما يظهر الجينز الذي يرتديه. ما هذا يا برينان! هل هذا 
التفكير هو نتيجة الإفراط في شرب الشايء أم نتيجة الإقلال من شيء آخر. 

عاد الكابوس جددا عند الساعة الرابعة وسبع وعشرين دقيقة بالضبط. ظننت 
في البداية أن أحلم بالأحداث الى حرت في السابق. لكنيْ لم أستسلم للنوم في 
الواقع. استلقيت هناك» وحثشت نفسي على الاسترخاء» ثم سمحت لأفكاري أن 
تتفرق وتتلاقى ثانية» أي مثلما تفعل الأشكال ق جهاز المشكال. لاحظت أن 
الصوت الذي أسمعه في هذه الأثناء كان حقيقياً عا يكفي. تمكنت من ممييز طبيعة 
د الصوت» وماذا يعئ. سمعت أزيز 5 الأمان» فاستنتجت أن نابا أو نافذة قد 
e:‏ عاد ذلك الدحيل» واقتحم شقيّ 


311 


مماعت كحوبات فلي ارركم قيامية وشعرت بعودة الرعب وسيطرته 
علي. كان حانقاً في البداية» ثم أصبح مسبياً للشللء > وما لبث أن تسبب بانسياب 
دفعمة من الأدرينالين جعلتي يقظة لكن متشككة. ما العمل؟ هل أواجه؟ هل 
أهرب؟ تمسكت أصابعي بطرف غطاء السريرء وتقافزت أفكاري في اتحامات 
مختلفة كت استطاج هذا الرحل المرور عبر وحدات الشرطة؟ في أي غرفة يتواجد 
الرجل؟ أين السكّين؟ بقيت على طاولة المطبخ! استلقيت هناك جامدة» ورحتٌ 
أفكر بالخيارات المتاحة أمامي. سبق لرايان أن تفحص أجهزة الماتف» لكنيٰ أردت 
أن لا يزعجي أحد في نومي» لذلك نزعت قابس الماتف الموجود في غرفة النوم. 
هل أستطيع أن أجحد سلك الحاتف» وأن أكتشف مكان وحود القابس» وأن أحري 
مكالمة قبل أن يسيطر هذا الدحيل علي؟ أين حدّد رايان مكان وجود سيارات 
الشرطة؟ وهل يستطيع رجال الشرطة سماعي» والتحرك في الوقت المناسبء إذا 
فتحت نافذة غرفة النوم» وبدأت بالصراخ؟ 

أصغيت السمع كي أمع كل حركة بحري في الظلمة الي تحيط بي. مهلاً! 
ممعت طرقة حفيفة. هل كانت في ردهة المدحل؟ أمسكت أنفاسي. انغرزت 
أسناني في شف السفلى. 

معت صوت احتكاك شيء ما مع البلاط. هل كان هذا الصوت قرب ردهة 
المدحل. هل بيردي؟ ل لأن الصوت نتج عن شيء ثقيل. هل عدنا بجددا؟ “معت 
صوت احتكاك حفيف» ا اا صرت الجكا داعم دان ولي عع | رضية 
المنزل. cE‏ أذ سار ره أعلى من الارتفاع الذي يستطيع الهر 
الوصول إليه. 

قفزت إلى ذه صورة من تلك الصور التي جخترا من أفريقيا. كانت جولة 
ليلية في أمبوشيلي. شاهدت نرا وقد جمد أمام أنوار الجيب الساطعة. حثم 
وتوترت عضلاته» وراح أنفه يعب هواء الليلء ثم اقترب» بصمتء من غزالة تجهل 
ما ينتظرها. هل إِنّ ذلك الرحل الذي يلاحقيئ يسيطر على الظلمة مثل أنوار ذلك 
می وهل ملظ لفل طريق لله كي غل إلى غرفة تويين؟ مهل بعشل الرجخل 
بقطع الطرقات الحتملة لهروبي؟ وماذا يفعل في ث شقي؟ ولاذا عاد؟ ماذا يتعيّن علي أن 
Eb EES‏ افعلي شيئاً! 


312 


الماتف! سأحاول الوصول إلى الحاتف. يتواحد أفراد الشرطة حارج شقيّ 
مباشرة» ولا بد أن رسالة الاستغائة ستصلهم. هل أستطيع إرسالها من دون كشف 
موقعي؟ وهل تلك هذا الأمر أهمية 

رفعت الأغطية ببطء وزحفت على ظهري بهدوء. بدا حفيف الأغطية عثابة 
صوت الرعد ف أذن. 

سماخ خا فن ادر ل اه ها أقوتى و واد ا 
الأمر وكأن ذلك الدخيل قد أصبح أكثر ثقة بنفسه» وأقل ميلاً نحو الحذر. 

توترت كل عضلة في جسديء وكل وتر من أوتار هذه العضلات» لكني تابعت 
العش یت اشر بن الس هي الطلمة ان ديد اا 
تساءلت لماذا أسدلت الستائر؟ لماذا نزعت قابس الحاتف؟ كي أستطيع النوم لفترة 
أطول؟ غبية! غبية! غبية! جدي السلك» وجدي القابس» ثم اطلبي الرقم 911 في الظلمة. 
أحريت جردة في ذهي لكل الأشياء الموحودة على الطاولة قرب سريري» ور سمت المسار 
الذي ستأحذه يدي. لا بد أن أنزلق إلى الأرض كي أصل إلى قابس الحاتف. 

استندت على مرفقي كي أرفع حسدي إلى جهة اليسار من السرير. راحت 
عيناي تبحثان في الظلمة» لكن الظلمة كانت شديدة بحيث يصعب ييز كل معالم 
الغرفة ما عدا بابما. كان الباب ا نوز حافت صادر عن جهاز يحتوي شاشة 
وامضنة. م أشاهد ظلالاً على الباب. 

تشجعت قليلا ورفعت ساقي اليسرى عن السرير» ورحت أتحسس الأرضية 
بيطي و أن أرق :شيعا علبها: رات کو رعو الات جمدت رجلي ف 
اهوای رايت عضلاتي بشلل تام. 

رحت أفكر في أن هذه هي النهاية. أنا هنا في سريري» وحيدة» مع أن أربعة 
من رحال الشرطة يتواحدون في الخارج» لكنهم غافلون عما يجري. تخيّلت النساء 
الأحريات» عظامهنٌ» وجوههنٌ» وأحسادهن الي أفرغت من أحشائها. تيّلت 
الغطاس (لمطبة)» والتمثال. لا! صرخ صوت داحل رأسي. ليس أناء رجاء. ليس 
أنا. كم من الصرحات أستطيع أن أطلق قبل أن يصل القاتل إلي؟ هل سيسكت 
هذه الصرخات بضربة واحدة من نصل سكينه يوجهها إلى رقبي؟ هل ستكفي 
هذه الضربة كي تثير انتباه رحال الشرطة؟ 

313 


راحت عيناي تحولان في الغرفة جيئة وذهابا. ارتعبت هاتان العينان مثل عيئّي 
حيوان علق في مصيدة. رأيت كتلة مظلمة تملا مدعل الغرفة. كان شكلاً بشرياً. 
اد في مكان ر وغير قادرة على الخراك» وعاجزةً حي عن إطلاق 
صرحاتي الأخيرة. 

جرد داك المعض يدا عر واليون حطوته التالية. لم أتمكن من رؤية 
ملامح وحهه» لأن كل ما شاهدته كان عيالا ملأ مدحل الغرفة» مدخلها الوحيدء 
ومخرجحها الوحيد. يا الله! لماذا لا أحتفظ عسدس في غرفي؟ 

مرت الفواني. أيُحتمل أن لا يرى ذلك الشخحص شكلي المدّد على حافة 
السرير؟ أيحتمل أن الغرفة بدت» من مدخلهاء فارغة؟ هل يحتفظ الرحل بمصباح؟ 
هل سيقترب من مفتاح النور في الغرفة؟ 

تخلص دماغي من الشلل الذي أصابه. ماذا يعلمون في صفوف فن الدفاع عن 
النفس؟ اهرب إذا استطعت. لا أقدر. واحه قدر المستطاع إذا وحدت نفسك في 
الزاوية. الجأ إلى العض. افقأ عين حصمك. ارفس. أنزل الأذى بخصمك! 
القاعدة الأولى: لا تدع حصمك يسيطر عليك! القاعدة الثانية: لا تدعه يطرحك 
فيد 1 الؤسدو RE E‏ سكسك ارال الشرطة من إنقاذي إذا ما 
استطعت أن أصل إلى الباب الخارحي؟ 

وحدت ساقي اليسرى مكانما على أرض الغرفة. ما زلت مستلقية على 
ظهري. حركت ساقي اليمئ نحو حافة السرير» لكن ببطء شديد» أي مسافة 
ميليميتر وراء آخر» وارتکزت على ردق في حرکي هذه. كانت قدماي قد وصلتا 
إلى الأرض عندما أقدم ذلك الشخص على حركة مفاجئة. أعمت عييّ موحة من 
الضوء. 

انتقلت يداي بسرعة البرق إلى عيي. اندفعت إلى الأمام في جهد يائس مني 
كي أصدم ذلك افر اده جات وخر لاقن اللاي ميل باغرب من 
غرفة النوم. اصطدمت قدمي اليمئئ بغطاء السرير ووحدت نفسي أسقط على 
السجادة. تدحرحت بسرعة ناحسية اليسار» ثم فضت مستندة على ركبيّ» 
واستدرت كي أواجه الشخص الذي يهاحمين. القاعدة الثالثة: لا تد زرك مظنا 
للشخص الذي يهاجمك. بقي ذلك الشخص ف الحهة البعيدة من الغرفة. وضع يده 


314 


على مفتاح النور. لم أميّر وجهه إلا الآن. أعتقد أن اضطراباً داعلياً ما م أستطع 
فهم حقيقته» تسبّب بتشوّش ملامح هذا الوجه عندي. إنه وجةٌ أعرفه جيدا. أما 
وجهي فتقلبت تعابيره كثيراً: الرعب» الإدراك» والتشوّش. التقت عيوننا لفترة من 
الزمن. لم يتحرك أحدٌّ منا. لم يكلم أحدنا الآحر. حدق كل واحد منا ار عير 
فضاء غرفة نومي. ّْ 

ا 

"سحقاً لك يا غابي! أيتها الساقطة الغبية! ماذا تفعلين هنا؟ ماذا فعلت لك؟ 
أيتها الساقطة! أيتها الساقطة اللعينة!" 

حلست ووضعت يدي على فخذي» ولم أبذل أي جهد للتحكم بدموعي 
ال أغرقت وجهيء أو بالتنهدات الي أفكت حجسدي. 


315 


25 


راح كيان يهتز بكامله» وانطلقت بالنشيج والصراخ. لم يكن لكلماتٍ الكثير 
من المعاني» لكنها أصبحت متفككة عندما تداحلت مع تنهداي. أدركت أن 
الصوت هو صوقء لكنينٍ لم أمتلك القدرة على التحكم فيه. انفلتت من فمي 
الكلمات ال تخلو من المعاني» بينما استمر حسدي بالصراخ والنشيج. 

عمجي ديع e es‏ انطلقت 
مي آخر ارتعاشة» فتوقفت عن الاهتزاز وركزنت على غابي» ووجدثها تبكي هي 
الأحرى. 

وقفت ي الغرفة ممسكة مفتاح النور بإحدى يديهاء» بينما ضغطت يدها 
الأحرى على صدرها. ارتعشت أصابعها فانفرجحت» ثم انقبضت ثانية. راح صدرها 
يعلو ويهبط مع كل تفس أخذته» وانسابت دموعها على وجهها. بكت بصمت» 
وبدت حامدةٌ في مكافاء ولم يتحرك فيها سوى يدها الضاغطة على صدرها. 

"غابي؟" حانئ صوت للحظة ثم عاد. "... لماذا؟" 

أومأت بشدة بينما راحت جدائل شعرها تتمايل حول وجهها الشاحب. 
أحذت تُصدر أصوات نحيب قصيرة» وكأفا تحاول أن تعيد دموعها إلى أماكنها. 
ع كم 

رحت اهمس بانضياط: "يا إلهي. غابي! هل جننت؟ ماذا تفعلين هنا؟ لماذا لم 

بدا لي أنها تفكر بسؤالي الثاي» لكنها حاولت الإجابة عن سؤالي الأول. 

316 








"شعرت أن بحاجة... للتحدث معك". 

حدقت فيها. بحثت عن هذه المرأة للأسابيع الثلاثة الماضية» لكنها تحتبتي. 
اقتحمت منزل عند الرابعة والنصف فا وجعلتئ أشعر أنئ كبرت ا من 
الزمن على الأقل. 

"كيف دخلت إلى شقي؟" 

"أحتفظ يعفتاح". أصدرت المزيد من الأصوات» لكنها أصبحت أهدأ وأبطأ 
الآن. "من الصيف الماضي". 

أزاحت يدها المرتعشة عن مفتاح النور» وأبرزت لي مفتاحا معلقا بسلسلة. 

شعرت بغضب شديد يتصاعد من أعماقي» لكن الإحهاد الذي شعرت به 
حعلن أسيطر عليه. 

"ليس الليلة يا غابي". 

"تمبء أنا..." 

رمق ها بنظرة قصدت منها أن أبقيها حامدة في مكانها بحدداً. حدّقت بي 
بحزن» من دون أن تفهم ما يجري. ٠‏ 

"تقب لا أستطيع أن أذهب إلى مزلي" . 

بدت عيناها داكنتين ومستديرتين» أما جسمها فكان حامدا. وقفت مثل ظبية 
فصلت عن قطيعها وحُشرت في الزاوية. بدت لي ظبية كبيرةً جداء لكنها مرتعبة 
مع ذلك. 

وقفت من دون أن أنطق بكلمة» وتوحهت إلى الخزانة» وتناولت منها بعض 
المناشف والبياضات» ثم وضعمّها في غرفة نوم الضيوف. 

دت في الصباح يا غابي". 

مت آنا" 

"قلت لك إننا سنتحدث في الصباح". 

بدا لي أنينٍ سمعتها تطلب رقما على الحاتف بينما كنت أستعد للاستسلام 
للنوم. لا يهم سنتحدث غدا. 

تحدئنا بالفعل. تحدئنا لساعات وساعات. تحدثنا ونحن نتناول رقائق الذرة» 
والسباغيي. ارتشفنا أكوابا لا حصر ها من الكابوتشيئو. تحدثنا ونحن مستلقيتان 


317 


على الأريكة» وحلال حولات طويلة في شارع سانت كاثرين. انطلقت الكلمات 
كالسيل» لكن معظمها جاء من غابي. اقتنعت في البداية بأها جحاءت غير مترابطة» 
لكنن م أعد متأكدة من ذلك مساء الأحد. 

وصل فريق استعادة الأدلة في وقت متأخر من مساء الحمعة. أبدى الفريق 
احتراماً كبيراً لي لأنه اتصل قبل وصول أفراده. وعلوا مسق و3 عظافر استعراضية» 
وعملوا بطريقة سريعة وفعالة. تقبل هؤلاء وجود غابي باعتباره تطورا طبيعيا. 
واعتبروها صديقي الي تقوم بتسليي بعد ليلة رعب. أبلغتُ غابي أن رجلا اقتحم 
حديقي وأبقى فيها رأسا .عثابة تذكار. قالت لي إا تمتلك ما يكفي من أمور تشغل 
تفكيرها. غادر الفريق بعد أن شجّعنا بكلماته: "لا تقلقي يا دكتورة برينان. 
سنلقي القبض على ذلك النذل. تستطيعين البقاء هنا". 

كانت حالة غابي فظيعة مثل حال. تحوّل الرجل الذي كان خبرأ ها إلى رحلٍ 
يلاحقها. لاحَّقها ف كل مكان. رأته أكثر من مرة على مقعد في المتنزه ه. لاحقها 
بعد ذلك مرات أخرى في الشارع. حال الرحل ليلاً في شارع سان لوران» 
ورای كل ااه زعم أا ترفض التحدث إليه. بقي الرحل على مسافة 
معقولة منهاء لكن عينيه استمرتا بمراقبتها على الدوام. ظنت مرتين أنه موجود في 
0 0 

قلت الما "غابي» هل أنت متأكدة؟" عنيت أن أقول هل فقدت عقلك يا 
غابي؟ ١‏ اا 

"هل أحذ أي شيء؟" 

"لاء على الأقل لا أظن ذلك. لم ألاحظ فقدان أي شيءء لكني أعلم أنه فنّش 
في أغراضي.. تعرفين كيف بحري الأمور. م يفقد أي شيء؛ لكن الأشياء لم تكن 
في مكاها تماماء» ولعل أحدا قد حرّكها من أماكنها" 

"لادا لم تردّي على مكلماق؟" 

اوقت عن الزة على اها رن شر ات المرات ي لبرو و ليرد على 
أحد في الطرف الآخر من الخط. حصل الأمر ذاته مع الآلة امحيبة» وسمعت صوت 
المكالمات المقطوعة. توقفت عن استخدام الحاتف هذا السبب". 

"اذا لم تتصلي بي؟" 


318 


"صل لأقول ماذا؟ هل أقرل لك إنن أتعرض للملاحقة؟ أم أنئي حعلت من 
نفسي ضحية؟ أم .أن لا أمتلك زمام السيطرة على حياق؟ ظننت أن إذا عاملته 
وكأنه الدودة الي يشبههاء فإنه سيتوقف عن ملاحقي. تمنيت أن يزحف بعيدا 
ويتحوّل مزاجه إلى مكان آخخر". 

بدت عيناها معذبتين. 

"أعرف ما ستقولينه. ستخبريني بأنك فقدت السيطرة على نفسك يا غابي. 
سمحت لذعرك أن يتحكّم بك يا غابي. أنت تحتاحين للمساعدة!" 

شعرت بالذنب عندما تذكرت أنئ قطعت مكالمي معها آخر مرة. كانت 
حقة. 

"كان بإمكانك الاتصال بالشرطة الي ستوفر الحماية لك". لم أصدّق كلماتِ 
هذه» حي وأنا أقوها. 

"أنت محقة". أخبرتئ بعد ذلك عما حدث ليلة الخميس. 

رص إل المترل عند النباعة 3:30 قرا لأحظت فور أن شخصا نا 
قصل اشع ي سيق لي أن استخدمت تلك الحيلة القدعة» أي وضع حيط فوق 
القفل. ا لعو بالتوتر الشديد عندما لاحظت أنه اف كلا كان مزاحي 
قد تحن كثيراً لأنني لم أرَ ذلك السافل طيلة الليل. أفدمت أنضا علق تر 
الأقفال وهو الأمر الذي أعطانِ شعورا بالأمان قي شقيء ولرعا للمرة الأولى من منذ 
أشهر عديدة. شعرت أن غطمة بالفعل عندما رأيت الخيط ملقى على الأرض. 
وم أرغب أن أصدّق بأنه دحل شقي مجدداً. لم أعرف عندها ما إذا كان ما زال داحل 
الشقة» وم أرغب بالتحقق من هذا الأمر. أقفلت الباب وأتيت فور إلى هنا". 

ارتي شيئاً فشيا عن الأساييع الثلاثة الماضية» وعدّدت لي الأحداث كما 
حطرت ف باها. بدأ عقلي بإعادة ترتيب الأحداث بحسب تسلسلها الزمئء وذلك 
عندما كشفت روايتها عما حدث في عطلة فماية الأسبوع. لاحظت وجود نمط من 
الوقاحة المتزايدة عند ذلك الرجل رغم عدم إظهاره عدوانية مفرطة من جانبه. 
بدأت أتقاسم خاو وإياها مع حلول صباح الأحد. 

قررنا أن تسكن غابي معي ف الوقت الحاضرء مع عدم تأكدي من كفاية 
منزل بالنسبة للأمان. سبق أن اتصل رايان بي في وقت متأخر من مساء 


319 


الجمعة وأحبرن أن وحدة من دورية لرجال الشرطة ستلازم شي حي يرم 
الاثنين. تبادلنا التحيات مع الرحال كلما كنا ننطلق في جولاتنا. ظنّت غابي 
امم يرابطون هنا بسبب ذلك الرحل الذي اقتحم حديقي. لم أحاول أن أغيّر 
معلوماتها. أردت أن أعطيها المزيد من الإحساس بالأمان» لا أن أقضي على هذا 
الإحساس. 

اقتر حت عليها أن تُعلم الشرطة عن ذلك الشخص الذي يلاحقهاء لكنها 
رفضت الفكرة بإصرار. قالت إا تخشى أن يؤثر تدحل رجال الشرطة على 
الفتيات اللواق تحري بحنها عليهنّ. قالت لي أيضاً إا تخشى أن تخسر ثقتهرٌ 
ماء وأن لا تعود قادرة على التحدث معهن. وافقت على كلامها هذاء وإن 
بتردد. 

تركتها صبيحة يوم الاين وتوجهت إلى عملي. سبق أن أخبرتي أنها تريد 
إحضار بعض الأغراض من شقتها. قبلت الابتعاد عن شارع ماين مؤقتاء وأبلغتتي 
أفا تريد قضاء بعض الوقت في الكتابة» ولذا فإفا تحتاج إلى جهاز حاسوها 
الحمول» وإلى ملفاتها. 

وصلت إلى مكتي بعد أن تعدت عقارب الساعة التاسعة صباحاً. سبّقي 
اتصال رايان. وقد حاء في رسالته المكتوبة: "حصلت على الاسم. آي آر". لم 
يكن في مكتبه عندما اتصلت به ثم توحهت إلى مختبر الأنسجة كي أعرف ما 
استجد بالتحفة التذكارية الى وُحدت في حديقي. 

رمع ا E‏ على الطاولة بعد انتهاء عملية تنظيفها والتأشير عليها. 
علمت أن غليّها لم يكن ضرورياً بسبب عدم وجود الأنسحة الليّنة فيها. بدت مثل 
آلاف الجماجم الأحرى مع محجري عينيها الفارغين» ورقم مختبرات .1.1/1 
الكتوب بوضوج عليها. حدّقت فيها وتذكرت الرعب الذي سببته لي قبل ليال 
ثلاث. 

صحت في المحتبر الفار غ: "الموقع. الموقع. الموقع". 

"عذرا؟" 

لم أسمع وقع حطوات دينيز عند دحوله. 

"أحبرني عن أهميته أحد سماسرة الأراضي ذات مرة". 


320 


وي؟" 

"إن ما يحدّد رد فعلنا على الأشياء هو مكانها أكثر من طبيعتها". 

بدت ملامح وجهه حالية من التعابير. 

"لا تكترث بماقلته الآن. أعتقد أنكَ أحذت تماذج للتربة قبل أن تغسل 
هذه؟" 

رفع قارورتين من البلاستيك وقال: "وي". 

"دعنا نتفحصهما". 

أومأ. 

"هل أجريتم صور الأشعة السينية؟" 

أوي. أعطيت الدكتور بيرغيرون الصور الي تُظهر الجمجمة من زوايا 
مختلفة" . 

"هل يُعقل أن يتواحد هنا يوم الإثنين؟" 

"قال إنه يريد أحذ إحازة لمدة أسبوعين» لذلك حضر كي ينهي بعض 
التقارير". 

"إنه يوم حظنا". وضعت الممجمة في حوض بلاستيكي. "يعتقد رايان أنه 
عثر على اسم". 

تقرس حاجباه: "آم وي؟ " 

"لا بد أنه فض مع العصافير هذا اليوم. تلقى موظف الخدمة الليلية 
رسالته". 
هذه؟" 

أشار إلى الجمجمة. لا بد أن القصة قد انتشرت الآن. 

الله حف غلك الاسيق هما تاعلماك ذلك" 

توجهت إلى مکټي» لکن مررت يمكتب بيرغيرون في طريقي. قال لي إنه 
المعطيات ما يكفي لطلب إجراء تفويض من قاضي التحقيق يسمح بتفحص 
سجلات ما قبل الوفاة. وأضاف إنه في طريقه إلى هنا. 


321 


"هل عرفت أي شيء عنها؟" 

"لا أعرف شيئا" . 

"سأنتهي من الجمجمة قبل حلول فترة الغداء. تعال إلى هنا إذا 
اضطررت". 

أمضيت الساعتين التاليتين في إحراء تقييم لجنس صاحب الحمجمة وعرقه. 
تفحصت ملامح الوحه» وقحف الدماغ» وأحذت بعض القياسات» وأدحلت 
بعض الدلات التمييزية في حاسوبي. توافقت حساباتنا. تعود الجمجمة لأنثى 
بيضاء» مثلما هي الحال مع صاحبة هيكل سان لامبرت. 

بقيت مسألة العمر محيرة. تعيّن علي إغلاق الدرزات الدماغية» وهو إحراء 
عام» لكنه غير مووق به يهدف إلى تقييم العمر. لا يستطيع الحاسوب المساعدة في 
هذا الأمر. قدرت أن تكون هذه الفتاة في أوانحر العشرينيات» أو أواسط 
الثلاثينيات من عمرها عندما ماتت. أو لعلها وصلت إلى سن الأربعين. تتوافق هذه 
التقديرات» محدداًء مع العظام الى وجدناها في سان لامبرت. 

تفحصت نقاط التطابق الأحرى: الحجم الإجمالي» متانة الأربطة العضلية» 
درحة التغير في المفاصلء حالة العظام وحالة الحفظ. تطابقت كل المعطيات. 
اقتنعت الآن أنه الرأس المفقود في الميكل العظمي الذي وُحد في موناستير سان 
برنارد, لكني احتحت للمزيد من القرائن. قلبت الجحمجمة بعد ذلك وأحذت في 
تفحص قاعدة الجمجمة. 

تفحصت العظمة القذالية» واقتربت من النقطة الي ترتكر الجمجمة عليها في 
العمود الفقري. لاحظت وجود سلسلة من الحزوز. بدت هذه بشكل الحرف ۷ 
قامقطنيكا و حيبي ارون كل 
العظمة. وبدت هذه الحزوز تحت الضوء الكاشف مشاقة للعلامات الي لاحظتُها 
في العظام الطويلة. أردت أن أتأكد أكثر. 

عدت بالجمجمة إلى مختبر الأنسجة» ووضعتّها قرب المجهر» ثم جلبت الميكل 
الذي يخلو من الرأس. أحضرت الفقرة العنقية السادسة» ووضعتّها تحت المجهر ثم 
أعدت فحص الشقوق الي دونت تفاصيلها في الأسبوع الماضي. تحوّلت بعد ذلك 
إلى الجمجمة» وركزت على الشقوق الكبيرة» ثم دنت عرضها وقاعدقا. بدت لي 

322 


هذه العلامات متطابقة» أما التضاريس وأبعاد المقاطع العرضية فتطابقت بشكل 
كامل. 

"'غرايس داماس". 

أطفأت ضوء الألياف البصرية» واستدرت ناحية الصوت. 

"ماذا؟" 

كر بيوغيرون: “غرايس اماس العمر اثتان وثلاون عاما. يقول زایا إا 
فقدت في شهر شباط من عام 1992". 

بدأت بإحراء بعض الحسابات. مرّ عامان وأربعة أشهر: "تتوافق الأوقات. هل 


"ل أسأل في الواقع. قال رايان إنه سيمّر بنا بعد فترة الغداء. إنه منشغل بتتبع 
ا آخر. 


9 


ھل يعرف أننا تأكدنا من هوية الضحية؟" 
نظر إلى العظام: "ليس بعد لأني انتهيت لتوي. هل من أمر آخر؟" 
"إنهما يتطابقان. أريد أن أعرف ماذا يقول العاملون في قسم الأدلة عن عيّنات 
الأتربة. هل نستطيع الحصول على توصيف لغبار الطلع؟ لكنئ مقتنعة» لأنه حى 
علامات الشقوق متشاقة. أتمى لو كان بإمكاني أن أحصل على الفقرة العنقية 
العلياء لكن ذلك ليس بالأمر الام" . 

غرايس داهاس. ظل هذا الاسم يتردد في رأسي طيلة فترة الغداء. غرايس 
داماس. الضحية رقم حمسة. أو هل كانت فعلاً كذلك؟ كم ضحية جديدة 
سنكتشى؟ ترسخ كل اسم في رأسي مثلما توسم البقرات الصغيرات. 
موريسيت شاببو. تروتييه. غاغنون. أذ كينتين: أضيف الآن اسم آخر. 
داماس. 

وصل رايان إلى مكتي عند الواحدة والنصف. قال لي إن بيرغيرون أعطاه 
رات اانا كاك اة اة أن هذا | ينطبق على بقية الميكل العظمي 
أيضاً. 
سألبته: "ماذا تعرف عنها؟" 
"كانت ف الثانية والثلاثين من العمرء ولديها ثلاثة أولاد". 


323 


"يا الله!" 

"كاحت ام وال یی كلض و اة في دار العبادة". نظر في أوراقه: 
"يقع من زلا في سان دييتريوس» مقابل هتشيسون, وقرب أفنيو دو بارك 
وفايرمون. اصطحبت أولادها إلى المدرسة ذات يوم» ولم يرّها أحد منذ ذلك 
الحين". 


"ألديها صديق؟" 

وح" تتفي غا عائلة ير اة عافظة ندا ل كن أن تكرت هذه الأموار 
صحيحة إذا لم تتحدث عنها. كرست تلك الفتاة الطيبة حياتما لزوجها. أقامت 
ا مقافت شق ع کی ی "للها كاله ورغ 
وها تكن داف .تن تكن من معرقة ذلك ان اما ارح ينهد الأفر 
التحدث مع أصداف البحر. سبق لك أن ذكرت عمليات الاحتيال» هم يدحلون 
فجأة ويضربون". 

أحبرئه عن آثار الحزوز. 

"مثلما هي الحال مع تروتييه وغاغنون". 

"قطعت يداها الاثنتان» كما حدث مع غاغنون» أما في حالة موريسيت - 
شامبوء وتروتبيه فلم تُقطع سوى يد واحدة لكل منهما". 

"همم". 

شعْلت الحاسوب عند مغادرته» وفتحت الحدول الذي بدأت بإعداده. موت 
كلمة جهول من عمود الاسم وطبعت مكانه غرايس داهاس» ثم أدحلت تلك 
المعطيات القليلة الي أعطاني إياها رايان. أعددت ملفا ثانياً لخصت فيه الأشياء الي 
أعرفها عن كل امرأة» ورتبتها بحسب تاريخ الوفاة. 

احتفت غرايس داماس في شهر شباط من العام 1992. كانت في الثانية 
والثلاثين من عمرهاء متزوجة» وأمّا لثلاثة أطفال. عاشت غرايس في الجزء 
الشمالي الشرقي القريب من المدينة» وفي منطقة تدعى بارك اكستدشن. وجدت 

324 


حثشتها مشوهة ومدفونة في قبر ضحل في موناستير سان برنار الذي يقع في سان 
لامبرت. رُحدت هذه الاق شير خزيران من العام 1994. ظهر رأسها في 
حديقيٍ بعد أيام عديدة. لم يعرف سبب وفاتها بعد. 

تعرضت فرانسين موريسيت شامبو لاضرب» وأطلق الرصاص عليها في شهر 
كانون الثاني من العام 1993. كانت في السابعة والأربعين من عمرها حينها. 
وُحدت جشتها بعد مرور أقل من ساعتين في الحزء الحنوبي من وسط المدينة» 
وكانت في الشقة التي تعيش فيها مع زوجها. شق القاتل بطنهاء وقطع يدها اليمى 
تم ادحل سكيناً في مهيلها. 

احتفت شانتال تروتييه في شهر تشرين الأول من العام 1993» وكانت في 
السادسة عسشرة من عمرها. عاشت الفتاة مع والدها في مكان ناء من الجزيرة» 
وبالتحديد في ناحية البحيرة من سانت - آن - دي بيليف. تعرضت الفتاة 
للضرب وعُنقت, ثم قطعت أطرافها. رُحدت حنتها بعد مرور يومين في سان 
جيروم. 

احتفت إيزابيل غاغنون في شهر نيسان من العام 1994. عاشت إيزابيل مع 
شقيقها في سان إدوارد. وُحدت حثتها المشوهة في أرض تخص لا غراند سيميناير 
في وسط المدينة. لم تحدد أسباب الوفاةء لكن العلامات الت ظهرت على عظامها 
دلت على أنها تعرضت للتشويه» وأن القاتل قد شق بطنها. قطع قاتلها يديهاء 
وأذخل غطاسا ف مهبلها, كانت الضحية ان الثالعة والعشرين من مرها 

فتلت مارغريت آدكينز في 23 تموزء قبل نحو أسبوع. كانت المخدورة في 
الرابعة والعشرين من عمرها. سكنت مارغريت مع ابنهاء وعاشت معه في منزل 
السرك ادق روا تعرضت الضحية للضرب حي الموت» وشق القاتل 
بطنهاء وقطع أحد ثدييها وحشره في فمها. أقدم القاتل بعد ذلك على إدخال تمثال 

كان كلوديل على حق» لأن لم ألاحظ مط 240. تعرضت كل الضحايا 
للضرب» لكن موريسيت - شامبو تعرضت لإطلاق الرصاص عليها أيضاً. 
تعرضت تروتييه للخنق» أما آ دكينز فضربت بشدة لكننا لم نتمكن بعد من 
تحديد سبب وفاة داماس وغاغنون. 


5325 


راجعت مرة بعد أخرى كل الأمور الي ضعت لها كل واحدة من الضحايا. 
لاحظت احتلافاً بينهاء لكن كل واحدة منهن حملت مغزى معيناً. تلخص هذا 
المغزى بالوحشية السادية والتشويه. أعتقد أن كل هذه الأعمال تحمل بصمة 
الشخص ذاته. أو بالأحرى الوحش ذاته. تعرضت داماس» غاغنون» وتروتييه, 
للتقطيع والتشويه» ووّضعت جثشهن في أكياس من النايلون. شقت بطوفن. أما 
غاغنون وتروتييه فقد قُطعت أيديهماء بينما طعت موريسيت = شاو ف 
كد واد تن ينها لكها لم تتعرض للتشويه. عانت كل من آدکینز» 
وغاغنون, وموريسيت - شامبو من حشر أدوات غريبة في أعضائهن التناسلية» 
لکن تماش ااافا لين لتحت أن احا يدي آدكينز قد قطع. 
لم تتعرض الضحايا الأخريات لكوي من عدا النوع. أم هل شوهن بمذه الطريقة؟ 
لم أحد كثيرات مثل داماس وغاغنون كي نصل إلى هذا الاستنتاج. 

تمر نظري على الشاشة. ارح افع نفسي أنه لا بد أن يكون اراب 
هناء لكن لماذا لا ألاحظه؟ ما هو هذا الرابط الذي يجمع بين الضحايا؟ ولاذا 
هؤلاء النساء بالذات؟ تتراوح أعمارهن ود ونشو ف ادتول البياي. 
إذاء ليس العمر هو العنصر المشترك» وكل الضحايا من البيض. يا للمفارقة» 
فهذه هي كندا الي تضم الناطقين بالفرنسية» والإنكليزية» وكل الناطقين 
باللفات الأعرى. تضم كندا المتزوجين والعازبين» والذين ارتبطوا حسب 
القانون المدني. هل أخصتارٌ فئات أحرى. لماذا لا أحاول التفكير بالمناطق 
الجغرافية؟ 

أحضرت خريطة» وعيّنت عليها أمكنة اكتشاف كل جثة من المثث. : 
أستنتج شيعا امأ مثلما حدث معي عندما تحادئت مع رليان. كاتنت أمافي مقن 
نقاط على الخريطة. جربت تعيين أماكن سكن الضحايا. بدت الدبابيس الملونة الي 
امعد خيس الوك ا لم يظهر أي نط عليها. 

ماذا توقعت يا برينان؟ هل توقعت رؤية سهم يشير باتحاه شيربروك؟ انسي 
أمر الأمكنة. حاولي التركيز على الأزمنة. 

نظرت إلى التواريخ. داهاس كانت الأولى» وهي الي ماتت في وقت مبكر 
من العام 1992. رحت أحسب في ذهئ. ققد اد ع فهر انون مل 

326 


داماس ومقتل موريسيت - شاميو. قتلت تروتييه بعد ذلك بتسعة أشهر» وما 
لبشت غاغنون أن قتلت بعد ستة أشهر. قتلت آذ كينز بعد مرور شهرين. 

لاحظت تقلص الفترات الفاصلة بين جريعة وأخرى, وهذا يدل على أمرين: 
إما أن القاتل أصبح أكثر وقاحة أو أن تعطشه للدماء قد ازداد كثيراً. أذ قلي 
على مقتل مارغريت آدكينسز. 


327 


شعرت أنيْ سجينة حسدي» وملأني القلق والشعور بالإحباط. أقلقتي 
الخيالات الي ملأت رأسيء لكن لم أستطع طردها. راقبت أحد أغلفة الحلوى 
الذي حملته هبات رياح متغيرة الاتحاهات إلى نافذي. 

رحست أويّخ نفسي» > ليست قطعة الورق تلك إلا أنت يا برينان. أنت 
لا تستطيعين التحكم بعصيرك دعك من مصائر الآخرين. م يظهر أي أمر 
دة فوص سنا جاك ول عرق هيدا عاض الذي ا اة 
ف انك حلفي ما رال سا غاي الفامضه كما هی کی اد ايكون 
كلوديل يتهيا لتقدم شكوى ضدك. وها هي ابنتك تستعد لترك المدرسة» 
كيجا أن يها من اا القتيلات يتابعن الحياة داحل رأسك» ويُحتمل أن 
تدعو ا و ا واا ار مار ع ات على اهاه 
الوتيرة. 

نظرت إلى ساعن الي أشارت إلى 2:15 من بعد الظهر. لا أستطيع البقاء في 
مكتبي دقيقة أحرى. يتعيّن على القيام بأمر ما. 

لكن» ما هو هذا الأمر؟ 

ألقيت نظرة على التقرير الذي أعده رايان عن الحادث» وما لبشت أن تكونت 
فكرة معينة في رأسي 

قلت في نفسي أنه سيجن جنوهم. 

أحل. 

328 


احم التقرين. كاف العتوان موخودا ف ف لرل الذي أعند طق 
حاسويي المحمول. ضم الجدول كل العناوين مع أرقام المواتف. 

أليس من الأفضل لي أن أتوجه إلى النادي الرياضي كي أتخلص من كل 
مشاعر الإحباط عندي. 

5 

لن تساعد أعمال التحري الفردية ال أقوم بها في تحسين وضعي مع كلوديل. 

كلا. 

ويُحتمل أنك تحازفين بخسارة دعم رايان لك. 

هذا صحيح... 

طبعت الجدول الموجود على شاشة الحاسوب» واحترت رقم هاتف ثم 
اتصلت. أجابيئ رحل بعد الرنة الثالثة. فوجئ الرجل لكنه وافق على الاجتماع بي. 
تناولت حقيبج الصغيرة ثم انطلقت إلى أحواء ذلك اليوم الصيفي. 

كان الطقس حارأء وتشبّع الهواء برطوبة عالية» بحيث تترك الأصابعٌ آثارها 
فيه. عكست الرطوية أشعة الشمس» فانتشرت أشعتها في كل الأنحاء» وشكّلت 
غطاء على كل شيء. قدت سيار في اتجاه مزل فرانسين موريسيت - شامبو 
وزوجها. احترت أن أبدأ بقضيتها بسبب قرب منزها من مكان سكين. عاشت 
تلك المرأة في المنطقة السفلى من وسط المدينة» أي أن منزها لا يبعد أكثر من 
مسيرة عشر دقائق عن منزلي» لذلك سأكون قرب شقيٍ إذا ما فشلت في 
مسعاي هذا. 

عثرت على المنزل فأوقفت سيارتي. اصطفت في هذه المنطقة المنازل الريفية 
الطرازء والمشيدة بأحجار قرميدية حمراء» ولاحظت شرفاتا الحديدية» ومرائب 
السيارات امه كت درط E‏ الحديدية الملونة هذه المنازل. 

لا يمتلك هذا الحي اسماء بعكس بقية الأحياء في مونتريال. امتدت يد العمران 
اللدن إلى الباحات الكندية الوطنية» فتحولت الطرقات والمستودعات إلى أماكن 
سكنية» وأمساكن شي اللحم» وظهرت شتلات البندورة فيها. أحاطت الأحياء 
النظضيفة الي يسكنها أبناء الطبقة الوسطى هذا الحي» لكنها عانت من أزمة هوية. 


329 


افك ف اا هة جدا مر ر اد للك يضعب فعا هام 
الضواحي فعلياً» لكنها تتواحد ارج الدائرة الى تحدد وسط المدينة العصري. إفها 
ليست أحياء قليكة» وليست أحياء جديدة» لكنها عملية ومناسبة للسكن» رغم أا 
تفتقد لوجود الأشجار. 

قرعت الجرس وانتظرت. ملأت رائحة العشب الذق جر دي والقمامة» 
الحواء الحار. رأيت على مسافة قريبة من رشّاشة مياه ترش المياه على مساحة عشبية 
صغيرة حداً. سمعت أيضاً صوت مضخة هواء مركزية» وهو الصوت الذي طغى 
على صوت رشاشة لياه الرتيبة. 

ظننت أن طفل جيربر قد كبر حينما فتح الباب. كان شعره الأشقر يتراحع» 
وقد التفت كتلة شعره الوسطى فوق جبهته. لاحظت أن خدّيه وذقنه مستديرة 
وأا سمينة بعض الشيء, أما أنفه فكان 0 ا إلى الأعلى. كان جسمه 
ضخماً. لم يصبح سميناً بعد إلا أنه أسرع حثيئاً ف هذا الاتحاه. أما والده فقد 
ازتدى رولا امن ايمر وكتكرة رغم أن درت الطرارة بلك سين دوجة: 

"مسيو شامبوء أنا..." 

فتح الباب على مصراعيه ثم تراجع قليلاً. تجاهل الرجل البطاقة الى قدّمتها له 
وال تسمح لي بالتفتيش. سرت وراءه عبر قاعة ضيقة» ثم وصلنا إلى غرفة معيشة 
ضيقة. رأيت أحواض ”مك بمحاذاة أحد الجدران بينما انتصبت أكوامارين كتيبة 
وتخطة المح ني E E‏ كوول ا عدم لكي 
امداق رة رع عن الوقن الات اة للاك التق 
أبواب ذات فتحات كثيرة على المطبخ. نظرت بعيداً ما إن رأَيتُ حوض جلي 
الأطباق. 

أزال المسيو شامبو الأغراض عن مساحة من الكنبة» وأشار لي بضرورة 
الخلرين. لس الرجل على مقعد خرف 

بدأت جددا: "مسيو شامبو. أنا الدكتورة برينان» وأعمل في مختبرات العلوم 


توقفت عند هذا الحد على أمل بحنب تقدم المزيد من التفسيرات بشأن دوري 
الحدد قي التحقيقات» والواقع هو أنه لا دور لي إطلاقاً فيها. 


330 


"مل توضصاكم إل ننيجة؟ أنا... لقد مر وقت طويل ميت لم أعد أسمع 
لنفسي بالتفكير في الموضوع". وجه نظره نحو الأرضية الخشبية قبل أن يتابع: 
"مر عام ونصف على وفاة فرانسين» لكن رجالكم م يتصلوا بي منذ أكثر من 
عام". 

رحت أتساءل أين يضعين في قائمة رجالكم. 

"سبق لي أن أحبت عن الكثير من الأسئلة» وتحدثت مع كثيرين. الحقق 
الجنائي. ر اا اجا خرن عمف ضاف ف أردتُ فعلاً أن 
أقبض على هذا الرجل» لكنني فشلت. م ينجحوا في العثور على دليل واحد. 
استطعنا تحديد محال الوقت الذي قتلت فيه حي حدود الساعة كما تعرفين. قال 
المحقق إها ما تزال ساخنة. أقدم هذا المعتوه على قتل زوحي والحرب, ثم الاختفاء 
من دون أن يترك أثر". هرّ رأسه في حركة تدل على عدم التصديق. "هل عثرتم 
على أي شيء جديد؟” 

لمحت في عينيه مزيجاً من الألم والأمل. فاخترقتي وخزة من الشعور 
بالذنب. 

"لاء مسيو شامبوء لم نحد شيعا في الواقع". ما عدا أربع نساء أخريات قتلهن 
ذلك الحيوان ذاته. "أردت فقط أن أراحع بعض التفاصيل» وأن أتأكد من أننا لم 
فمل أي شيء". 

تلاشى الأمل ليحل عدم الاكتراث مكانه. استرحى الرجل في مكانه» وعاد 
إلى حالة الانتظار. 

"هل كانت زوجتك أخصائية تغذية؟" 

ا 

"أين كانت تعمل؟" 

"عملت في أمكنة كثيرة في الواقع. كانت تتلقى راتبها من 345) لكنها 
كانت تستطيع الانتقال إلى أي مكان في أي وقت من الأوقات". 

"وما هي 2/]45؟" ١‏ 

"إا وزارة الشؤون الاجتماعية". 

"هل كانت تتنقل كثيراً أثناء عملها؟" 

331 


"كانت وظيفتها بالإجمال ترتكز على تقدم الاستشارات للتعاونيات الغذائية» 
وجماعات المهاحرين» وتقدم النصائح حول كيفية شراء المواد الغذائية. قذمت النصائح 
لجماعات المهاحرين حول كيفية إنشاء المطابخ الجماعية» ثم علمتهم تحضير المأكولات 
الي يحبوفاء وال تكون صحية ورحيصة في الوقت نفسه. كانت تساعدهم على 
إحضار الحبوب واللحوم وبقية اللوازم. اعتادت أن تشتريها لهم بكميات كبيرة. كانت 
تزور المطابخ على الدوام كي تتأكد أن هذه المطابخ تعمل على ما يرام". 

"أين تقع هذه المطابخ المشتركة؟" 

'إنما تنتشر في كل الأمكنة: بارك إكستدشن. كوت دي نايج. سان هئري. 
ليتل بوروندي". 

"منذ مى عملت في وزارة الشؤون الاجتماعية؟" 

"عملت طيلة ستة أو سبعة أعوام» وعملت قبل ذلك في مونتريال جنرال. 
كانت تعمل لساعات طوال". 

"هل كانت تستمتع بعملها؟" 

"أوه. أحل. كانت تحب عملها كثيرا". علقت الكلمات في حنجرته. 

"هل كانت ساعات عملها غير منتظمة؟" 

"كلا. كانت تعمل على الدوام» أي 3 أوقات الصباح» والمساء» وعطللات 
فهاية الأسبوع» وأينما وُحدت مشكلة فإن فرانسين كانت جاهزة كي تحلها". 
توترت عضلات فکه» ثم استرخت. 

"هل كنت تتشاجر مع زوجتك بشأن أمور عملها؟" 

صمت لبرهة ثم قال: "أردت أن أراها أكثر. يا ليتها بقيت في المستشفى!" 

"ما هي مهنتك مسيو شامبو؟" 

"أنا مهندس» وأبتي المنازل» لكن يبدو أن أحدا لا يريد أن يبي منازل هذه 
الأيام". ابتسم | ابتسامة حالية من المرح. مال برأسه قليلاً: قاض غم کیا 
الح ها را إنكليزيا. 

"آنا آسفة. هل كنت تعلم بالوجهة الي قصدها زوحتك يوم مقتلها؟" 

هرّرأسه "لم نر بعضنا كثيراً في ذلك الأسبوع. احترق أحد مطابخها 
فلازمت لمكان هارا وليلاً. يُحتمل أنما عادت إلى هناك ذلك اليوم» كما يُحتمل 

332 


أنما توجهت إلى مطبخ آخر. لم تحتفظ بأي نوع من أنواع اليوميات أو السجلات 
على حدٌ علمي. لم يجدوا مفكرة في مكتبهاء ولم أعثر على واحدة هنا أبداً. قالت 
إا تريد أن تقص شعرها. اللعنة! قد تكون توجهت إلى أحد الصالونات". 

نظر إلي» فبدا الأل في عينيه. 

"أتعلمين ماذا يعي هذا؟ إننٍ لا أعلم ماذا كانت تخطط زوحي للقيام به يوم 

همهمت أصوات الياه الدائرة في الأحواض بصوت خافت قربنا. 

"هل تحدثت أمامك عن أي شيء غريب؟ أو مكالمات هاتفية غريبة؟ أو 
عن أي شخص غريب قرع باها؟" فكرت في غابي. "أو عن شخص ما في 
الشارع؟" ّْ 

هر رأسه حددا. 

"هل كانت لتتحدث أمامك عن هؤلاء؟" 

"رما كانت لتفعل ذلك لو أننا تبادلنا الحديث. ل يتسنّ لنا الوقت كي نتبادل 
الأحاديث في الأيام القليلة الماضية". 

جربت طريقة جديدة. 

"كنا في شهر كانون الثاني حينهاء وكان الطقس بارداًء لذلك كانت الأبواب 
والنوافذ مقفلة. هل اعتادت زوجتك إقفاها بإحكام؟" 

"نعم. م تحب العيش أبداً في هذا المزلء لأنها لا تحب السكن في مكان 
يطل على الشارع. حاولت أن أقنعها كي نشتري هذا المنزل» لكنها فضّلت 
السكن في البنايات العالية الي تمتلك أنظمتها الأمنية الخاصة ماء بالإضافة إلى 
الحرس. لدينا العديد من الأشخاص المبتذلين هناء لذلك كانت تشعر بالتوتر على, 
الدوام» وهذا هو السبب الذي دفعنا إلى التفكير بترك المنزل. أحيّت المنازل 
السرحبة» والباحات الخلفية الملحقة فيها. لم تعتد أبدا على التواحد في هذا المكان. 
أحذها عملها إلى بعض المناطق الصعية» وعندما كانت تعود إلى اللنزل كانت 
تحب أن تشعر بالأمان. أحبت أتكون وحيدة. هذا ما قالته لي. وحيدة ومنعزلة 

أحل. أوه؛ نعم 

333 


"مين رأيت زوجتك لآخر مرة» مسيو شامبو؟" 

حو ينجي رركي "فلك يوم الخميس. عملت لوقت متأحر في الليلة 
السابقة بسبب النيران» ولهذا كنت في السرير عندما عادت". 

لحن رانو خد تف ار اه درطو هه هن الأرضية 
الدموية الدقيقة على كل خد من حديه. 

"أوت إلى السرير مثقلة بأخبار يوم عملهاء وحاولت أن تخبرني أين كانت» 
وماذا فعلت. لم أرغب بسماع قصصها". 

لاحظت أن صدره يعلو ويهبط تحت كنزته. 

"فضت باكرا في اليوم التاليء وغادرت المنزل. لم أودّعها حي". 

لبثنا صامتون لبرهة. 

"هذا ما فعلته» وليس هناك من شيء يغيّر هذا الأمر. لم أحصل على فرصة 
أحرى". رفع عينيه» وحدّق في لون الأحواض الفيروزي. "استأت لأا تعمل 
في حين عجزت أنا عن العمل» ولهذا استبعدثها. وأنا أتعايش الآن مع ما 

إلتفت نحوي قبل أن أستطيع التفكير برد مناسب. بدا وجهه متوترأء وجاء 
صوته أقسى نما كان. 

"ذهبتُ كي أرى زوج شقيقي. قال إن بحوزته بعض عروض العمل لي. 
بقيت معه طيلة فترة الصباح» وسكرت ورجعت إلى ا لمزل حوالى الظهيرة. 
وجدأتها مقتولة. أحرت الشرطة تحقيقاتها حول هذا الموضوع". 

"مسيو شاميبوء أنا لا أقول إنك..." 

"لا أرى أن حديثشنا سيوصلنا إلى معلومات جديدة. إننا نقوم بإعادة صياغة 
الكلمات القديمة فقط." 

وقف. صرفئي الرحل بكل بساطة. 

"آسفة لأني أثرت أمامك ذكريات مؤلمة". 

تفحّصئ من دون أن يعلق» ثم مشى تحاه الردهة. تبعتّه. 

شا علب وکت مسيو شامبو". ناولته بطاقي. "إذا تذكرت أي شيء 
لاحقاء فلا تتردد بالاتصال بي". 


334 


أوما. رأيت أمامي ملامح رجل مرّ بكارئة» وهو لا يستطيع نسيان أن آخر 
كلماته وأفعاله تحاه زوحته التي أحبها كانت قليلة؛ وأبعد ما تكون عن وداج 
مناسب. a‏ مناسب إطلاقا؟ 

شعرت أن ييه مسر ا على اوري عدا اورت . شعرت ببرودة تخترق 
جسدي» رغم حرارة الطقس. أسرعت نحو سيارتي. 

هرّتيٍ المقابلة مع شاهبو. طرحت على نفسي آلاف الأسئلة في طريقي إلى 
الممحيزل: 

لاسي ا ري كا سد لامر 

يا لذلك الألم! هل تسببت به أسئلي الي فرضتّها عليه؟ 

mE E 
تأنيب ضمير تسبب به شخصيا.‎ 

تأنيب ضمير على ماذا؟ على إنزاله الأذى بروحته؟ 

كلا. إنه لا يبدو من هذا النوع من الرجال. 

هل يؤنبه ضميره لأنه تجاهلهاء ولأنه تركها تعتقد أنها غير مهمة؟ هل الأمر 
هذه البساطة. رفض أن يتحادث معها عشية موتماء وأدار ظهره لهاء ثم استغرق في 
النوم. لم يودّعها في الصباسح» أما الآن فلن تُسنح له هذه الفرصة محدداً. 

اتجهت شالا نحو سان مارك ودحلت في عتمة النفق. هل ستسفر تحقيقاتي عن 
شيء غير استعادة الذكريات الب تسبب الأ لم جحددا؟ 

هل أستطيع المساعدة في هذه القضية حيث فشل حيشٌ من المختصين» أم أنني 
أنشغل في قضية مواحهة شخصية مع كلوديل؟ 

"ل" 

طرقت براحة يدي على عجلة القيادة. 

رحت أفكر بي ويين نفسيء اللعنة/ لا. ليس هذا هو ما أهدف إليه! لم 
يقنع أحد غمري بوحود قاتل واحد» وأنه سيقتل ثانية. وإذا كنت أريد أن أمنع 
حدوث جريمة جديدة فيتعيّن علي إيجاد حقائق إضافية. 

سرحت من العتمة إلى ضوء النهار» لكن بدلاً من أن أتمه شرقاً نحو مزلي 
توجهت نحو سانت كاثرين» وعدت كي أقود سيارتي في 20 غرباً. يطلق سكان 
335 


هذه المنطقة اسم 2 و20 عليهاء لكني لم أحد شخصاً إلى الآن يستطيع أن يشرح 
لي معن 22 أو مكان وجودها. 

غادرت حدود المدينة» ورحت أعبر عن نفاد صبري بطرقي على عجلة 
القيادة. أشارت الساعة إلى الثالئة والنصف» وبدأت السيارات تزدحم حي وصلت 
إلى تقاطع توركو. يا للتوقيت السيئ الذي اخترته. 

وحدت جنيفياف تروتييه وهي منهمكة بانتزاع الحشائش الضارة من بين 
شتلات البندورة بعد مس وأربعين دقيقة. كانت في الحديقة الخلفية لزنا ذي 
اللون الأحضر الشاحبء والذي عاشت فيه مع ابنتها. تطلعت إلى 00 عندما 
قدت السيارة في الطريق الذي يؤدي إلى بيتهاء ثم راحت تراقبئ وأنا أعبر تلك 
المساحة العشبية. 

'لري؟ " قالتها بودية ظاهرة وانتصبت واقفة» ثم راحت تحدّق بي. 

از سو ل ف فقن او ومس نندت کر عدا علق ا 
الجمجدرية: الت حييات الوق على عسدفاء ولف رها حول وحهها. 
كانت اص نفا ا ترقت 

شرحت ها من أكون» وسبب وجودي في منزها. تحولت الودّية إلى تجهمٍ 

في الوجه. ترددت قليلاً لكنها سرعان ما تركت الالح الذي في يدهاء ثم مضت» 

وفركت يديها كي تتخلص من التراب. فاحت رائحة البندورة الشديدة من حولنا. 

من الأفضل أن نتوحه إلى الداحل". قالت لي بعد حفضت بصرها. لم 
تتساءل عن حقي في توجيه الأسئلة إليهاء أي مثلما فعل شامبو تثماما. 

بدأت بالسير عبر الباحة فتبعتهاء لكن سيطر علي شعوري أنني أكره الموضوع 
الذي أوشك أن أثيره. بدت ربطة تلك الحمالة واسعة جدا حول ظهرهاء 
ولاحظت أن بعض الأعشاب تعلقت بالجهة الخلفية من ساقيها وقدميها. 

التمع مطبخها في أضواء فترة ما بعد الظهيرة» وشهدت الأواني الخزفية 
والأسطح الخشبية على أعوام وأعوام من العناية. اصطفت الأحواض الصغيرة 
الزروعة بنبتات الكالانشو على حواف النوافذ لاحظت أن هذه الأحواض تحيط 
كما أقمشة قطنية صفراء اللون. لاحظت أيضا يضا أن القابضن كات اللون الأصفر رن 
الخزائن والأدراج. 

336 


"حصرتٍ بعض الليموناضة". قالت ذلك وانصرفت إلى البدء ذه المهمة. 
يدو آفا راخ ن قبانها بالأمور الروتينية. 
حلست إلى الطاولة الخشبية اللامعة وراقبتُها عندما تناولت مكعبات الثلج من 
وعاء بلاستيكي» لت ضعها في الأكواب قبل أن تضيف الليموناضة. أحضرت 
الشراب وحلست قبالي» لكنئ لاحظت أفا تتجنب النظر في عيي. 
قالت وهي تتأمل كوها الذي يحتوي الليموناضة: "يصعب علي التحدث عن 
شانتال". 
"أتفهم هذاء وأنا آسفة لخسارتك إياها. كيف حالك؟" 
"أجد أن بعض الأيام أسهل على من غيرها". 
كتّفت يديهاء ورفعت كتفيها من تحت صديرها. 
ل 
خحشى أن لا تكون هذه الحال هدام تروتييه, كما أن لا أحمل أي أسئلة 
ةآلك. ظننت أنك تذكرت شيئا ولعله شيء ظننت أنه غير مهم في 
0 
بقيت عيناها مركزتين على الليموناضة. سمعت نباح كلب في الخارج. 
"هسل حدث شيء معك منذ أن تحدث إليك رجال التحري آحر مرة؟ وهل 
تذكرت أي تفاصيل منذ اختفاء شانتال؟" 
لم تحبي. كان المواء في المطبخ حار وكثيفاً نتيجة الرطوبة الشديدة» وفاحت 
منه رائحة حفيفة لمطهر برائحة الليمون. 
ْ "أعلم أن هذا هو أمر مرعب بالنسبة إليك» لكن إذا كنت تمتلكين أي أمل 
بالعثور على قاتل ابتتك؛ فإننا ما نسزال بحاجة إلى مساعدتك. هل يزعجك شيء؟ 
وهل فكت في شيء جدید؟" 
لقد تواجهنا". 
وجدت اللإحساس بالذنب بحدداً بسبب المسافة الي تفصل را عن آخر. 
لمست الرغبة باستعادة الكلمات الي قيلت» أو تغيير بعضها. 
"رفضت أن تأكل. صرحت لي أنها تزداد ممنة". 
سبق لي أن علمت هذا من تقرير الشرطة حول الحادث. 
337 


"ل تكن سمينة أبداً. يا ليتك رأيتها. RS‏ المناوسة هزه 
من عمرها". التقت عيناها بعييّ أخيراً. لاحظتٌ أن دمعة نزلت من كل حفن 
من جفنيهاء ثم انسابت على كل خد من حدّيها. "مثلما تقول الأغنية الإنكليزية". 

فلت باقن فلاو من الرقة: انا آسفة جد اتسللك عر شيكة النافذة رأة 
شتلات إبرة الراعي بعد أن تركزت عليها أشعة الشمس. "هل شعرت شانتال 
بالتعاسة لسبب من الأسباب؟" 

شدّت قبضتها على کوها. 

اهو ا شت اوور كانتي ك ور و ا عل 
الدوام. كانت تخطط دائماً. لم يؤثر فيها حي طلاقي. تلقت النبأ يمدو ولم يؤر 
ا 

هل تقول الحقيقة» أم أنها تتوهم؟ تذكرت أن الزوجين تروتييه انفصلا عندما 
كانت شانتال في التاسعة من عمرهاء كما أعرف أن والدها يعيش في مكان ما من 
المدينة. ١‏ 

"هلا تخبرينيٰ عن الأسابيع القليلة الأحيرة في حياتا؟ هل غيّر ت شانتال أي 
شي ء في روتين حياها؟ هل تلقت مكلمات هاتفية غريبة؟ وهل اكتسبت بعض 
الأصدقاء ابحدد؟" ا j‏ 

هرت رأسها ببطء دلالة على النفي المستمر. "لا". 

"هل كانت تحد صعوبة في اكتساب أصدقاء جدد؟" 

"لا" 

"هل كنت متضايقة من أحد أصدقائها؟" 

5-95 

"هل كان لديها صديقٌ معينٌ؟" 

"لا". 

"هل واعدّت أحد الشبان؟" 

"لا" 

"هل كانت تواجه صعوبات في المدرسة؟" 

"لا". 


338 


يا هذا التحقيق البائس بتقنيته! كان يجدر بي أن أحمل الشاهدة على الكلام 
بدلاً مئ. 

"أخبريئ عن ذلك اليوم. اليوم الذي احتفت فيه شانتال". 

نظرت إلي» لكنيئ لم أستطع فهم ما تقوله عيناها. 

"أخبريي ماذا جرى في ذلك اليوم؟" 

ارتشفت حرعةً من الليموناضة وبلعتها بسرعةء ثم وضعت كوها على 
الطاولة» وعن عمد. 

"لصوا عست جرال الادسة م مر التطور سوا" اكت بالكرين 
بشدة بحيث ظننت أنه سينكسر. "غادرت شانتال متوجهة إلى المدرسة. ركبت 
القطار مع أصدقائها لأن مدرستها تقع في وسط المدينة. قالوا لي إِهُا حضرت جميع 
صفوفهاء لكنها..." 

تلاعبت نسائم اهواء بال الذي يحيط بإطار النافذة. 

"لم ترجع إلى المنزل أبدا". 

"هل أعدّت خططا خاصة لذلك اليوم؟" 

ل 

"هل اعتادت التوجه إلى المنزل بعد انتهائها من المدرسة؟" 

"كانت تفعل ذلك عادة". 

"هل انتظرت قدومها إلى النزل في ذلك اليوم؟” 

"لا. كان من المفترض أن تذهب لزيارة والدها". 

"هل كانت تفعل ذلك مرار؟" 

"أحل. ماذا يتحتم علي الإجابة عن هذه الأسئلة مرّة بعد مرّة؟ ما الفائدة؟ . 
أحبرت المحققين بكل هذه الأمور. لماذا يتحتم علي تكرار الأشياء ذاتَا مرة بعد 
مرة؟ إن تكرارها لا يفيد مطلقا. لم تنفعنا حينهاء ولن تفعل ذلك الآن". 

تسمّرت عيناها على عييْ» وبدا الأ م فيهما بكل وضوح. 

"أتعرفين؟ ملأت الكثير من نماذج البحث عن الأشخاص المفقودين» وأحبت 
عن الكثير من الأسئلة» مع أن أعرف أن شانتال قد ماتت. وجدوها أشلاء 
مقطعة: ا في أحد الأمكنة. شبعت موتاً". 


339 


أحنت رأسها واهترّت كتفاها النحيلتان. كانت محقة. فبينما بحثت أنا عن 
معلومات جديدة»ء انصرفت هي للبحث عن طرائق كي تتخلص من حزما عن 
طريق زرع شتلات البندورة والعيش. وأتيت أنا كي أجبرها على تذكر آلامها. 

كوي لطيفة يا برينان وانصرق. 

"لا بأس. هدام تروتييه. إذا كنت لا تستطيعين تذكر تفاصيل إضافية فلعلها 

تركت بطاقي» بالإضافة إلى الطلب العتاد: اتصلي بي إذا تذكرت شيئاً. 
وکت أن عمل درك 

وحدت باب غرفة غابي مغلقا عندما عدت إلى المنزل. كانت الغرفة ساكنة 
جداً. فكّرت في اختلاس نظرة» لكني قاومت هذا الدافع. كانت حساسة جحد 
بشأن احترام حصوصيتها. أويت إلى سريري وبدأت أقرأء لكن كلمات جنيفياف 
تروتييه بقيت عالقة في ذهي. شبعت موتاً. استخدم شامبو العبارة ذاتها. أحلء إنا 
الخامسة. هذه هي الحقيقة القاسية. أمتلكُ أفكاري أنا الأخرى الي لا تدع 
أستريح, تماماً مثل شامبو وتروتييه. 


340 





استيقظت على الأصوات المنبعثة من أخبار الصباح. إنه اليوم الخامس من 
تموز. تحاوزت ذكرى الاستقلال ولم أنتبه إليها. لم أحضر فطيرة بالتفاح» ولم أنشد 
فلتعش النجوم والأشرطة إلى الأبد. ولم أشعل المفرقعات. شعرت بالحزن لهذه 
الفكرة. يتعيّن على كل أميركي» وتي كل مكان على الكرة الأرضية» أن يقف 
ويتباهى يوم الرابع من تموز. سمحت لنفسي أن أتحول إلى متفرحة كندية على 
التراث الأميركي. حضّرت حططا للذهاب إلى الميدان الرياضي في أقرب فرصة كي 
أحمّس أي فريق أميركي يلعب في هذه المدينة. 

استحممت ثم حضرت القهوة والخبز ا محمّص. تفحصت علة الغازيت. 
وحدت فيها أحباراً لا تحصى عن حالات الانفصال. ماذا سيحدث للاقتصاد؟ أو 
للمواطنين الأصليين؟ وماذا سيحدث للناطقين بالإنكليزية؟ جسّدت إعلانات 
الوظائ ف المطلوبة مخاوئي هذه. يبدو أن الدميع يعرضون ما لديهم للبيع» ولا أحد 
منهم يريد أن يشتري. لعله يجدر بي أن أعود إلى موطيء» فما هي الأشياء الي أقوم 
بإنحازها هنا؟ 

برينان. اهدئي يا برينان! أنت متوترة هكذا لأنك مضطرة إلى إدحال 
سيارتك إلى مرآب الصيانة. 

هذا صحيح. إنني أكره القيام.مهمات؛ وأكره تفاصيل العيش في هذه الولاية - 
الأمة - التقنية, وقي هذه الأعوام الأحيرة من الألفية الثانية. حواز السفر» رخصة 
الققيادة» رخصة العمل» ضريبة الدحل» جرعات التلقيح» التنظيف على الناشف» 

341 


مواعيد العناية بالأسنان» البقع الملطخة. يختصر شعاري بالتالي: أجلي الأمور إلى 
أن تصلي إلى مرحلة تحدين نفسك فيها بحبرة على القيام بما. تحتاج سيار إلى 
عناية هذا اليوم. 

إنين فتاة أميركية في ما يتعلق بالسيارة. أشعر أنيئ غير كاملة» ومنعزلة عن 
العالم» وضعيفة» من دوها. ماذا أفعل إذا تحتّم علي ال مرب في حال حصول اجتياح؟ 
وماذا يحدث لو أن اضطررت إلى مغادرة حفلة ما باكراء أو إذا علقت في محطة 
مترو؟ وماذا يحدث لو أننٍ قررت الذهاب إلى الريف؟ أو إذا اضطررت لنقل خزانة 
حشبية صغيرة؟ لا غين لي عن السيارة. لكني لست من النوع الذي يعشق سيارته 
عشقا أعمى. أريد سيارة يعمل ع ركها عندما أدير مفتاح التشغيل فيهاء وأن أستمر 
في ذلك لمدة عقد من الزمن على الأقل» ومن دون أن يتطلب الأمر الكثير من 
الصيانة. ا 

لم أسمع بعد أي صوت من غرفة غابيء إذا لا بد أنما تستمتع بنومها. جهزتُ 
أغراضي وغادرت المنزل. 

عند التاسعة أوصلت السيارة إلى المرآب» وأنا في محطة المترو. انتهت فترة 
الازدحام الصباحية» لذلك كانت عربة المترو شبه حالية. شعرت بالسأم. رحتُ 
أتأمل الإعلانات الكبيرة. هل يجدر بي مشاهدة مسرحية ف لا تياترو سان دينيز؟ 
هل يجدر بي تحسين مهاران المهنية في كلية أو سوليفان. أم يتعين على شراء ثياب 
من الجينز من محلات غس» وعطر شانيل من محلات لا بايي» وبعض الحاجيات 
الملونة من بينيتون؟ 

رحت أتفحص خريطة المترو. تقاطعت الخطوط الملونة فيها مثل توصيلات 
لوحة ذاكرة في جهاز حاسوبء في حين أشارت النقاط البيضاء إلى محطات 
التوقف. 

قبي حظ رن الف زنير كردا على رل اط لكر الي يطل عن 
غاي - كونكورديا حن يصل إلى بابينيو. أما الخط البرتقالي اللون فيسير حول الحبل 
على حور شثمالي - جنوي على سفح الحبل الشرقي من ابل ثم يُكمل على احور 
الشرقي - العري تلطا الأخضرة وطق بد ذلك على خرن الان د اون 
في الجهة الغربية من المدينة. أما بالنسبة للخط الأصفر فيغور تحت النهر ليعود ويظهر 

342 


فوق جزيرة مانت هيلانة» ويكمل حى لونغويل الموجودة في ساحلها الجنوي. 
لاحظت أن الخطين البرتقالي والأصفر يتقاطعان مع الخط الأحضر في بيري - أوكام. 
بدت نقطة كبيرة في مكان التقاطع مما يعن أا نقطة تحويل كبيرة. 

همهم القطار عندما دحل في نفق تحت الأرض. عددت المحطات الي توقف 
فيها القطار في خط سيري. عددت م قاط منها. 

عجبا يا برينان. أتريدين أن تغسلي يديك؟ 

تحركت عيناي مالا مع الخط البرتقالي» ورحت أتميّل المناظر الطبيعية المتغيرة 
للمدينة. بيري - أوكام» شيربروك مون رويال» وأحيرا جان - تالون بالقرب 
من سان إدوارد. سكنت إيزابيل غاغنون في ذلك الحي. 

أوه؟ 

بحت عن الحي الذي سكنت فيه مارغريت آدكينز. يقع هذا الحي على 
الخط الأحضرء لكن في أي محطة؟ باي 11. رحت أعد المحطات ابتداء من بيري - 
أوكام. عددت ست محطات إلى الشرق منها. 

ماذا بشأن غاغنون؟ عدت إلى الخط البرتقالي. عددت ست محطات. 

دغدغتيٰ عدة شعيرات خلف رقبي. 

جاء دور موريسيت - شامبو. عاشت على خط مترو جورج - فانییه» 
ا لخط البرتقالي» وعلى بعد ست محطات إلى الغرب من بيري - أوكام. 

يا إلهي ! 

ماذا بشأن تروتییه؟ لا. لا عر حط المترو بشارع سانت آن - بيليفيو. 

داماس؟ إنما تعيش في بارك اكستدشن» أي بالقرب من محطتي لورييه 
وروزمون. إفما الحطتان الثالثة والرابعة بعد بيري - أوكام. 

حدقت بالخريطة. عاشت ثلاث ضحايا على بعد ست محطات بالضبط من 
محطة بيري - أوكام. هل هذه محض مصادفة؟ 

ممعت هنوت آلا يقول: "بابينيو". 

حملت أغراضي» وأسرعت إلى المنصة. 

سمعت» بعد عشر دقائق» رنين الهاتف في الوقت نفسه الذي فتحت فيه 
باب مکټي. 


343 


"دكتورة برينان". 

"ماذا تفعلين يا برينان بحق الجحيم؟" 

"صباح الخیر يا رايان. هل أستطيع مساعدتك بشيء؟" 

"يوشك كلوديل أن يهاجمى بسبيك. قال إنك انطلقت في إزعاج عائلات 
الضحايا". ١‏ 

اي أقول شيك لكنن لم أفعل. 

كنت أدافع عنك يا برينان لأني أحترمك. لكني لا أفهم ماذا يجري هنا. ان 

تدحلك هذا الشكل يؤذيي كثيراً في هذه الحالة". 

م أقل شيئاً يبدّد غضبه: "طرحت القليل من الأسكلة. إن طرح الأسئلة ليس 
ممنوعا". 

و E‏ ولم تنسّقي مع أحد. حرجت من تلقاء نفسك لتطرقي 
أبواب الناس". معت صوت أنفاسه المتوترة في منخريه. 

"اتصلت أولاً". لا ينطبق هذا في حالة جنيفياف تروتيبه. 

الست عقفة يا برينان". 

الكنيم اقرا عن ای ادت مع" 

"هل تقومين بدور مايكي سبيلاين؟ إن ما تقومين به ليس من ن اختصاصك" . 

"إن محققة لديها قرّاء كثيرون" 

"يا إي يا بريتان» إنك تقومين بإلغاء دوري!” 

نيك ا اد رال تلفت ا انط 

"اممعسي. لا تسسيئي فهمي. أعتقد أنك قوية» لكن هذا لا يكفي. يستحق 
هؤلاء الناس شي شيئا أفضل" . جاءت كلماته أقسى من الصوان. 

"أجل". 

"إن تروتييه هي قضيت أنا". 

"ماذا حصل فعلا في القضية الي تخصك؟" 


ل 0 


برینان... 
"ماذا بشأن الأحريات؟ ماذا حدث طر؟" 


كر 


344 


د التحقيقات الأولوية عند أحد في الوقت الحاضرء يا رايان. 
قتلت فرانسين موريسيت خا اهبو مد ما بريد عن اة عر شهرا: 

ومضت ثمانية أشهر على مل تروي. أمتلكُ قناعة راسخة بأنه يتعيّن القبض 
على القاتل كائنا من يكون. إن أهتم بالموضوع من هذه الزاوية؛ ولذلك أطرح 
بعض الأسئلة. وماذا يحدث؟ يطلبون مي الانصراف» لكني أعتقد ان الاهتمام 
سيتراجحع هذه القضايا شيعا فشيئاً إلى أن ينساها الجميع؛ لأن السيد كلوديل يعتقد 
أن لا أستطيع المساعدة في شيء. ليست المرة الأولى الى تحصل فيها هذه الأمور". 

"لم أطلب منك عدم التدخل". 

"ماذا تقول يا رايان؟" 

"أعرف أن كلوديل يريد تحجيمك» كما ترغبين أنت بتحجيمه. كنت 
سأفعل الشيء ذاته لو أنه هاجمي. إن كل ما أريده هو أن لا مدع قضيي". 

"وماذا تقصد بذلك؟" 

أذ وقناً كبيراً قبل أن يرد. 

لا أقول إن لا أريد المعلومات الي تستطيعين الحصول عليها. أريد فقط أن 
تكون الأولويات واضحة". 

لم يتكلم أحدنا لوقت طويل. ع سيدق اقم 

"أعتقد أنئي توصلت إل شيء". 
"ماذا؟" لم يتوقع شيا من هذا القبيل. 
"توصلت إلى تحديد رابط ما يجمع بين تلك الحرائم 01 
"ماذا عرسي" اک ن الحدة. 
م أكن متأكدة ما أقصده. ل 


"دعنا نلتقي على الغداء". 
"الأفضل أن يكون لديك شيء مهم". سكت قليلاً. "سأراك في الظهيرة في 
مطعم أنطوان". 


لم أحد قضايا جديدة على طاولة مكتي» لحسن حظي» وهكذا كنت من 
التركيز على عملي على الفور. لم تكتمل الصورة عندي بعد. هل يشكل المترو 


الرابط الذي أبحث عنه 


345 


شَغْلتْ جهاز الحاسوب وفتحت الملف كي أتفحص العناوين. أجل» تمكنت 
من الحصول على محطات التوقف الصحيحة. تناولت خريطة وعينت المحطات مثلما 
فعلت أنا ورايان بالنسبة لمنازل الضحايا. شكلت الدبابيس الثلاثة مثلثاء تشكل 
محطة بيري - أوكام مركزه. عاشت كل من موريسيت - شامبوء وغاغنون» 
وآدكييز على بعد ست محطات من تلك المحطة» كما أن شقة سان جاك تقع 
على بعد مسافة قصيرة منها. 

هل هذا هو الرابط الذي أبحث عنه؟ يستطيع القاتل أن يركب القطار في 
محطة بيري - أوكام» ثم يختار ضحية تريد النزول بعد ست محطات توقف. 
أ أقرأ مرة عن هذا النوع من السلوك؟ يركز الحرم على لون معين» أو على 
رق أو على سلسلة من التصرفات. يتبع الرجحل غطأ معيّناً لا يحيد عنه» ويبقى 
مسسيطراً على أدق التفاصيل. أليس التخطيط الدقيق ميزة أساسية ترافق القتلة 
التسلسليين؟ هل زاد رجلّنا من هذه الدقة؟ أمكن أن يكون الرحل قاتلاً 
تسلسلياً يتميّر بنوع من مط ما من أنماط السلوك الإجباري الي تنضوي تحته 
كل عمليات القتل؟ 

لکن ماذا بشأن تروتيبه ا د 

غير المعقول أن يكون الأمر هذه البساطة. حدّقت في الخريطة وتمنيت أن يظهر 
نابي ا تزايد في أعماقي الشعور بأن شيعا ما يكمن وراء جدار 
وعيي. أحذ هذا الإحساس يسيطر على شيئاً فشيعاً. ماذا؟ كدت أن لا أسمع 
الطرقة. 

"دكتورة برينان؟" 

رأيت لوسي دومون واقفة عند باب مكتي. تستطيع لوسي أن تدحل إلى 
مكتى ساعة تشاء. 

"إلسا!" 

نسيت كل ما يتعلّق بتلك القردة الصغيرة. 

أجفلت لوسي ميٰ» وراح جسدها يرتعش» فكادت أن سقط التقرير 
المكتوب من يدها. 

"أتريدين أن أعود في وقت لاحق؟" 


346 


بدأت بالبحث عن التقارير الي سبق للوسي أن أعطتي إياها. أجل؛ طبعا 
يتعيّن أن لا أنسى محطة الباصات. إفما لا تبعد كثيراً عن محطة بيري - أوكام. 
عيّنت مكان إلسا. حاء مكاما قي وسط المثلث تماما. 

هل هذا هو الحل الذي أبحث عنه؟ القردة؟ هل تتوافق معطيانًا؟ وإذا كان 
الأمر كذلك» كيف؟ هل هي ضحية أخرى؟ هل كانت ,كثابة تحربة؟ ماتت إلسا 
قبل عامين من مقتل غرايس داهاس. ألم يسبق لي أن قرأت عن ذلك النمط أيضا؟ 
هل تتحوّل أفكار المراهقة» وعيالاتماء إلى تعذيب الحيوانات قبل أن تأحذ شكل 
الاغتصاب والقتل؟ أليس هذا ما يدعى متوالية دامر المرعبة؟ 

تأوهت واسترعيت في جلست. إذا كانت هذه هي المعلومات ال كان لا 
وعبي يحاول أن ينها لي» فلا بد من أن رايان لن يكون مسرورا بما. 

حرحت من المكتب واتحهت نحو غرفة الملفات المركزية. احتفت لوسي 
سأعتذر منها لاحقا. فعلت هذا كثيرا معها في الآونة الأخيرة. عدت إلى مكتي. 

م يحتو ملف داماس على الكثير من المعلومات في ما عدا التقرير. فتحت 
المغلف الذي يحمل اسم آدكينزء وبدأت أقلّب بين الأوراق. وجدت أن الأوراق 
كانت توثيقية بطبيعتهاء وهي الأوراق الي سبق لي أن ا 1 
ألاحظ شيا حديدا. تحولت لتفحص ملفات كل من غاغنون» وموريسيت 
شامبوء ثم ملف تروتييه. 

أمضيت ساعة وأنا منكبة على الملفات. وحدت أمامي أحجية غران جحددا. 
وحدت شذرات منفصلة من المعلومات. يتعين علي استيعاب هذه المعلومات كي 
يتولى ذهي معالحتها وترتيبها. لم أنمح في عملية ترتيب هذه المعلومات. حان وقت 
تناول القهوة. 

أحضرت القهوة» وأحضرت معها نسخة من عدد هذا الصباح من جورنال. 
ارتشفت القهوة وبدأت بالقراءة. أعدت ترتيب المعلومات في ذهي. تنوعت 
الأحبار قليلا عن غازيت الناطقة باللغة الإنكليزية» أما المقالات فاختلفت كثيرا. 
ماذا يسمي هوغ ماكلينان هذا الاحتلاف؟ هل يدعرها العزلتين؟ 

استرحيت في حلسي. واحهت الوضع نفسه جددا. الحماسة اللاشعورية. 
أمتلك العناصر» لكن اللوحة لا تكتمل. 


347 


چ يا برينان. كون منهجية. بدأ شعورك هذا صبيحة هذا اليوم. ماذا 
كنت تفعلين؟ م تفعلي الكثير. قرت الصحيفة. أحضرت السيارة إلى المرآب. 
ركبت في المترو. راجعت الملفات. 

إلسا؟ لم يكن عقلي راضياً. هناك المزيد من المعطيات. 

هل هي السيارة؟ 

لاي 

هل هي الصحيفة؟ 

رعا. 

قبت صفحاتا بحدداً. وحدت المواضيع ذاتماء والمقالات الافتتاحية ذاها 
والإعلانات المبوبة ذاتها. 

توقفت بغتة. 

الإعلانات المبوبة. أين رأيت الإعلانات المبوبة؟ أين رأيت أكداساً من هذه 
الإعلانات. 

سبق لي أن رأيتّها في غرفة سان جاك. 

تنحصت هذه الإعلانات ببطء. الوظائف» الموجودات والمفقودات» مبيعات 
المرائب, الحيوانات الأليفة» العقارات. 

العقارات؟ العقارات! 

تناولت ملف آدكينسزء وسحبت الصور الفوتوغرافية. أحل. إها هناك. 
اللافتة المائلة الصدئة» واي بالكاد ثرى في تلك الباحة المهملة. للبيع. يعرض 
أحدهم منزله للبيع» وهو المنزل الذي يقع في البناية الي تسكنها مارغريت 
آدکینسز. 

ماذا يعي هذا؟ 

فكري يا برينان. 

شاهمبو. ماذا قال الرحل؟ قال لي إن زوحته لا تحب العيش في تلك المنطقة» 
وهذا هو السبب الذي يدفعهم للمغادرة. أو لعله قال شياً من هذا القبيل. 

هرعت إلى الماتف. ل يحب أحد. 

ماذا بشأن غاغنون؟ ألا يستأحر شقيقها شقة؟ أم أن مالك البناية يعرضها للبيع. 


348 


تفحصت الصور. لم أحد لافتة. اللعنة! , 

حاولت الاتصال بشاهبو مجددا. ما من حواب. 

اتصلت بجنيفياف تروتييه. تلقو رودا يد ف ا 

معت ا ا اپو جور ". 

"هدام تروتيية؟” 

'وي". قالتها بلهجة تساؤل. 

"أنا الدكتورة برينان. تحدثنا البارحة". 

"وي ". قالتها ببعض ار ١‏ 

"لمكن أن أطرح سؤالا واحدا عليك؟" 

وي ". قالتها بلهجة عدم اكتراث. 

"هل كان منزلك معروضاً للبيع عندما اختفت شانتال؟" 

"عذرا؟" 

"هل كنت تحاولين بيع منزلك في شهر تشرين الأول من العام الماضي؟" 

"من أحبرك بذلك؟" 

ال کون اعد کت امان هة 

"لا. لا. عشت هنا منذ أن انفصلت عن زوجي. أنا لا أرغب بالمغادرة. 
شانتال... أنا... كان بيتنا". 

كر لك يا هدام تروتييه. أنا آسفة لأنن أزعجتك". حرقت» للمرة الثانية» 
السلام الذي عقدّته تلك السيدة مع ذكرياتها. 

لن يوصليٍ هذا إلى أي مكان» ولعلها كانت فكرة غبية قبل كل شيء. 

حاولت الاتصال بشاهبو. أحابي صوت رحل في وقت كنت أفكّر فيه بقطع 


الاتصال. 
اوي" 
"مسيو شامبو ؟" 
"الحظة واحدة من فضلك . 
ا 
سيو شتام" 


349 


وي . 

فسسّرتُ له من أكون وطرحت سؤالي. أجابئ إيجاب» وأضاف أنهم حاولوا بيع 
ملكيتهم. وضع الإعلان مع ري ماكس. قال لي إنه سحب الإعلان عندما قتلت 
زوجته. قال إنه يعتقد أن الإعلان قد نُشرء لكنه ليس متأكدا. شكرثه ثم قطعت 
الاتصال. 

اتصالان من أصل حمسة. هناك احتمال بأن يكون سان جاك قد استخدم 
الإعلانات المبوبة. 

اتصلت ياد الأدلة. قالوا لي إن الأدلة الي جُمعت من شارع بيرغر 
موجودة في قسم الملكية 

نظطظرت إلى بانج اف انارت جره إلى الحادية عشرة ومس وأربعين 
دقيقة. حان الوقت للالتقاء برايان. أعرف أنه لن يفعل شیا يؤذيي» لکن أحتاج 
إلى المزيد من القرائن. 

تعر "طون عاو قوم و ق 
أحضرت ا ورحت أحرّك العدسة حي توضحت الصورة. انحنيت» 
ورحت أعدّل العدسة أكثر كي أتأكد. 

"اللعنة!" 

وضعت الصور في مغلفاقاء وأدخلت المغلفات في حقيبي» ثم هرعت نحو المطعم. 

يقع مطعم لا بارادي تروبيك قبالة مبن أمن كيبيك مباشرة. يقدّم هذا 
المطعم مأكولات متدنية النوعية» والخدمة فيه بطيئة» لكنه يكون مكتظا على الدوام 
في وقت الظهيرة. يعود السبب في ذلك إلى الحيوية الي يتمتع ها صاحبه» أنطوان 
جانفييه. بادرن ي الرحل بتحية معتادة. 

"آه مدام» تبدين ن منشرحة اليوم؟ أجل! أنا سعيد جداً لرؤيتك بعد هذا الوقت 
الطويل". ظهرت السحرية على ج ا چ ر 

"أحل يا أنطوان» كنت مشغولة حدا". هذا صحيح في حد ذاته» لكن 
المأكولات الكاريبية لن تكون أبدا طبقي اليومي المفضل. 

"آه. أنت تحهدين نفسك في عملك كثيراً. لدي اليوم بعض أنواع السمك 
الشهية. إفها طازجة» بالكاد ماتت» وما تزال مياه الحيط تقطر منها. ستأكلينها 


350 


وستشعرين بأنك في حال أفضل. أحتفظ بطاولة رائعة لك. إا الأفضل في هذا 
المكاق: كما أن أصدفاءك مر دون هن" 

أصدقائي؟ ومن يكون غيره. 

ال ا 

امتلاً المطعم ما يزيد عن مئة شخص» وكلهم يتعرقون» ويأكلون تحت 
مظلات ملونة. تبعت أنطوان عبر متاهة من الطاولات؛ وصعدت معه إلى منصة 
مرتفعة تقع في زاوية بعيدة من من المطعم. عل واياة بق الال دا ا رچ 
اللون تدلت أمام نافذة زائفة» ظهر منها رسم لمغيب الشمس. دارت مروحة 
السقف ببطء فوقه. انشغل رايان بالتحدث إلى رجحل يرتدي سترة رياضية من 
الكتان. تمكنتُ من معرفة الرجلء رغم أنه يدير ظهره إلي» بفضل تسريحة شعره 
وتحعداته المألوفة لدي. 

نمض رایان قليلاً عن كرسيّه: "برينان". نظر إلي محذراً بعينيه بعد أن لمح رد 
فعلي على وجود الرجل. أراد أن يقنع مساعدته. 

"الملازم أول في التحري رايان". حسناًء من الأفضل أن يكون هذا الاجتماع 
بحديا. 

بقي كلوديل جالساء لكنه 

حلست على الكرسي اجاور لرايان. ظهرت زوجة أنطوان» فتبادلنا وإياها 
التحيّات المعتادة» وطلب بعدها رجلا التحري شراب الشعير» بينما طلبت زحاجحة 
كوك للحمية. 

"إذا. ماهو الاختراق الذي تمكنت من تحقيقه؟" لا يستطيع أحد بحاراة 
كلوديل في لهحته الساحرة مع الآحرين. ٠‏ ا 

لعب رايان دور صانع السلام: "لماذا لا نطلب أطباقنا أولا؟" 

تبادلت مع رايان بعض الأفكار عن الطقس. اتفقنا على أنه دافئ. طلبت طبق 
السمك المميّر عندما عادت جانين. بينما طلب رجلا التحري أطباقا من جامايكا. 
بدأت أشعر بأنيٰ دخيلة. 

قال الو سی اياك "إذاء مادا لديك من يد" 

امو 


351 


"المترو؟" 

يضيّق المترو أعداد المشتبه يهم إلى أربعة ملايين شخحص» ومليونين إذا اعتبرنا 
الذكور فقط". 

"دعها تتكلم يا لوك". 

"ماذا بشأن المترو؟" 

"سكنت فرانسین موريسيت - شامبو على بعد ست محطات توقف من 
خطة بيري - أوكام". 

"يدانا فق دسا الان" 

سدّد رايان باتجاهه نظرةٌ حادق وبقوة تكفي لقطع الزجاج. 

"وينطبق الأمر ذاته بالنسبة إلى إيزابيل غاغنون ومارغريت آدكينز". 

م بقل كلوديل هما | | 

"أما تروتييه فسكنت بعيدا جدا عن الحطة". 

"أحل» لكن داماس كانت قريبة جدا منها". 

تقع شقة سان جاك على مسافة قريبة من الحطة. 

تناولنا طعامنا بصمت لفترة من الوقت. كان السمك جافاء أما الأررٌ والمقالي 
فكانت مشبعة بالدهون. يصعب أن تتآلف كل هذه المكونات. 

"قد يكون الأمر أكثر تعقيداً من جرد محطات توقف المترو". 

"أو" 

"وضعت فرانسين موريسيت - شامبو وزوجها منزطما في قائمة ري 
ماكس للمنازل المعروضة للبيع". 

يعلى أحدهما بشيء. 

"كانت هناك لافتة خار ج البناية الي تسكن فيها مارغريت آدكينسزء 
وكانت لافتة ري ماكس". 

انتظرن الرجلان كي أكمل. لم أفعل. فتحت حقيبيٍ الصغيرة وتناولت منها 
صور غاغنون, ثم نشرثها على الطاولة. تناول كلوديل شيئاً من الموز المقلي 


352 


أمسك رايان بصورة ة وتفحصهاء ثم نظر نحوي متسائلاً. أعطييّه عدسة 
مكيرة وأشرت إلى شيء تصعب رؤيته في أقصى يسار الصورة. تفحصها 
لوقت لويل ثم وضع الصورة والعدسة المكبرة على سطح الطاولة من دون أن 

نلف كلوديل يديه» ورمى بالمنديل الورقي في صحنه. أمسك الصورة ور 
مافعله رايان. برزت عضلات فکیه عندما تعرف إلى ذلك الشيء دن فنا 
طويلاً بالصورة» لكنه لم يقل شيئاً. 

سأل رايان: "هل تشير إلى شقة أحد الحيران؟" 

"يبدو ذلك". 

ري ماكنين؟" 

"اة هذا يبدو هنا سرف :] وفسما من رفع کیا أن نک هذه 
الصورة". 

"اليفك أنه عن الها أن شبعها “ولا بن أن القائمة قد صدرت هنل أريعة 
أشهر . اللعنة» لا بد أنها ما تزال صالحة". انشغل رايان بتدوين الملاحظات. 

"ماذا بشأن داماس؟" 

"لا أعرف". لا أريد أن أزعج عائلة ضحية أحرى» لكنيٰ لم أقل ذلك. 

"وتروتييه؟” ّ 

"لا. سبق لي أن تحدثت مع والدة شانتال. لا تريد بيع منزطاء ولم تعرضه 
للبيع أبدا". 

"قد يكون الوالد؟" 

تطلعنا صوت كلوديل. كان ينظو إل لكن رتد غلا عدو اة من فة 
التنازل. 

قال رايان: "ماذا؟" 

"أطت وها ك نمضن ل وا ا أن يكوه الرالد هو الذي يريد 
البيع". هل بدأ كلوديل بالاقتناع مثلنا؟ 

قلب المريد من أوراق الملاحظات: "سأتحقق من ذلك". 


و 


قلت: "كانت ذاهبة إلى هناك في اليوم الذي قتلت فيه". 


353 


"اعتادت أن تمكث عنده يومين في كل أسبوع". تغيرت اللهجة من الازدراء 
الاعات تاها يسمي دما . 

"وأين ي 5" ٍ 1 

"إنه يسكن في ويست ماونت. يمتلك الرحل منزلا خاصا به تقدر قيمته 
.عليار دو لار» ق الجهة المقابلة من شيربروك". 

حاولت أن أحدّد الموقع الذي يقع قرب منطقة وسط المدينة» وقي مكان لا 

"هل يقع المنزل أعلى الفورم مباشرة؟" 

"هذا 5 0 

"أي محطة مرو تقع قربه؟" 

"لا بد أن تكون آت واتر الي تقع على مسافة قريبة من هناك". 

نظر رايان إلى ساعته» ولوّح بيده كي يجذب انتباه جانين» ثم حرّك يده في 
الحواء وكأنه يوقع. دفعنا ما يتوجب عليناء ثم أعطانا أنطوان قطع حلوى. 
عليهاء ثم رحت أعدّ محطات التوقف الى تفصلها عن محطة بيري - أوكام. خطة, 
اثنتان» ثلاث أربع» خمس» ست. رن الماتف في الوقت الذي عزمت فيه على 


استخدامه. 


354 





بقي مسزل روبرت تروتييه معروضا ضمن قائمة المبيعات لمدة عام ونصف 
العام. 

"أعتقد أن الأمور تحري ببطء في نطاق الأسعار هذا". 

"لا أعرف يا رايان. لم أتوجه إلى هناك من قبل". 

"رأيت إعلانات كهذه على شاشة التلفزيون". 

"ري ماكس؟" 

"أتعين الإعلانات؟" 

"إنه يعتقد ذلك ونحن نتفحص من جهتنا". 

"هل اللافتة موجودة في الخارج؟" 

"أجل". 

سألت: "وماذا بشأن داماس؟" 

عاشت داماس مع زوحهاء وثلاثة أولاد مع والديه. امتلك آل داماس 
مستزهم عند اوقت طويل. قالوا إفم:يزيدون ع حياهم فية: 

فكرت في ذلك لبعض الوقت. 

مادا تعمل غرايس داماس؟" 

ارتتحن قدا EG ERE O E‏ 
كثيرة بدوام حزئي. هل أنت مستعدة لسماع ما سأقوله تاليا؟ عملت ذات مرة في 
ملخمة . 


355 


"رائع”. من ذبح الحرّار إذا؟ 
"هل هو الزوج؟" 
"إنه رحل أنيق» ويقود شاحنة". مرت فترة صمت. "مثلما كان والده من 


أتعتقد أن هذا يعي ف 
"أتعنين المترو أم اللوائح؟" 


"أحدتها". 
"اللعنةء يا برينات, لا أعرف". مرت فترة جديدة من الصمت. "أعطيي 
سينا ري 


حهدت كي أرسم هذا السيناريو. 

"حسنا. يقرأ سان جاك إعلانات العقارات» يختار عنوانا. مضي بعد ذلك في 
مراقبة الممزل إلى أن يشاهد ضحيته. يحضي الرحل في مراقبتهاء ثم يقبع منتظرا 
ضحيته» وينصب مصيدته". 

"وما هو دور المترو هنا؟" 

فكري يا برينان. "إفا لعبة مطاردة بالنسبة إليه» فهو يلعب دور الصياد الذي 
يبحث عن فريسة. احتار له خباً في شارع بيرغر. ما إن تمر الضحية حي يُيرز لا 
الإعلانات المبوبة» ويتبعهاء ثم يتقدم نحو فريسته. يستخدم الرجل مناطق صيد 
حاصة به". 

"أي محطة التوقف السادسة". 

"ألديك فكرة أفضل؟" 

"لكن لاذا إعلانات العقارات؟" 

الماذا؟ لأا تقدّم أهدافاً سهلةً مثل امرأة تقبع في منزلها وحدها. اعتقد 
الرحل أن الضحية تلازم المنزل الذي تريد بيعه» كي ثُريه للشاري» أو لعله 
فصل هاف وغل آي عل فان الأعلان سيعطيه ردنا بالداخول إل نيوت 
ضحاياه". 

"لكن لماذا وصل عدد الضحايا إلى ست؟" 

356 


NEY 

يا للفكرة اللامعة يا بريتان. 

"لا بد أنه يعرف المدينة جيدا". 

راح يفكر في ذلك. 

"لعله عامل مترو؟" 

"أم لعله سائق سيارة أجرة؟" 

"أو لعله عامل مياه؟" 

مرّت فترة من الصمت الذي يشوبه التوتر. 

"برينات» أ 

"لاك 

مرأت فترة صمت. 

'وُأحدت غاغنون في وسط المدينة سنتر فيل» أما داماس فوجدت في سان 
لامسبرت. بينما عثر على تروتيبه في سان جيروم. كيف يستطيع صاحينا قعل 
ذلك» إذا كان من الذين يستخحدمون المترو كثيرا؟" 

"لا أدري يا رايان, لکن معظم الاحتمالات تشير إلى الإعلانات ومحطات 
توقف المترو. فكّر في المخبأ الذي احتاره سان جاك أو أي نذل آحر» وهو المكان 
الذي يقع في محطة بيري - أوكام. وني واقع جمعه للإعلانات المبوبة. يستأهل 
الأمر بعض المتابعة". 

"أجل". 

"لنبدأ .محموعة سان جاك الى احتقظ ها". 

"أحل". 

خطرت فكرة أخرى في ذهي. 

"مارأيك لو بجمع بعض المعلومات عن حياته؟ لدينا بعض المعلومات اليّ 
نستطيع أن نبد بها". 

"لكنها معلومات حديئة العهد كثيرا". 

"ستساعدنا هذه المعلومات في مسعانا". 

تمكنت من قراءة أفكاره عبر حط الحاتف. 

357 


"أستطيع إحفاء هذا الأمر عن كلوديل» وأن أتحرى بصورة غير رسمية» 
وهكذا أستطيع أن أكتشف ما إذا كنا سنجي فائدة من متابعة البحث. نمتلك 
مسارح جرائم موريسيت - شامبو وآدكينزء كما نعرف طريقة القتل» وكيفية 
التخلص من الحثة بالنسبة للأحريات. أعتقد أهم سيتمكنون من الاستفادة من هذه 
المعلومات" . 

"أتتحدثين عن كوانتيكو ؟" 

ا 

أصدر رايان صوت استهجان: "لكنهم يتلقون دعماً عكنهم من تأجيل الرد 
على مكالمتك حى فاية هذا القرن". 

"أعرف شخصاً هناك". 

"أنا متأكد من ذلك". تأوه. "م لاء لكن ذلك يبقى بحرد استفهام عند هذا 
الحد. لا أريدك أن تفعلي أي شيء يلزمناء لأن طلباً كهذا يتعيّن أن يأق من 
كلوديل؛ أو مي'. 

وحدت نفسي بعد مرور دقيقة من الزمن وأنا أنقر أرقام مفتاح منطقة 
فير جينيا. طلبت التحدث إلى جون صامويل دوبزانسكي. قالوا لي بعد قليل إن 
السيد دوبزانسكي ليس موجوداء فت ركت له رسالة. 

حاولست الاتصال يباركر بايلي» فتلقيت رسالة من مساعدة أخرى) فت ر کت 
رسالة أخرى. 

أردتُ معرفة الممكان الذي ستتناول غابي غداءها فيه. اتصلت يما فردٌ علي 
صوتٍ أنا يطلب مين ترك رسالة. 

اتصلتُ بكايٍ. وتلقيت ردا بترك رسالة. 

هل نسي الناس كيفية البقاء في مكان واحد؟ 

أمضيت بقية المساء في الردٌ على الرسائل» وقي تقديم المشورة للطلاب» 
والاستماع إليهم. أردت التحدث إلى دوبزانسكي, كما أردت التحدث إلى 
بابي تراحيق اغ ما ناف رای ا اله یکی كم می من 
الوقت قبل أن تسقط ضحية حديدة؟ يعست مع حلول الساعة الخامسة 
وتوحهت إلى المنزل. 


358 


وحسدت أن الصمت لمطيق يحم على المنزل. لم يكن بيردي موجوداء 
وكذلك كانت الحال مع غابي. 

"غابي؟" هل تغط في النوم؟ ٍ 

وحدت باب غرفة الضيوف ما زال مغلقاء» وسرعان ما شاهدت بيردي نائما 
قي سريري. 

رحتُ مسد رأسه: "لا بد أنكما متعبان. هووو. حان الوقت كي أنظّف 
طبقك". فاحت الرائحة القوية من طبقه. 

"لدي الكثير من الأمور تشغل رأسي يا بيرد. أنا آسفة". 

م أتلقَ ردا. 

"أين غابي؟" 

تلقيت نظرة شاردة تمدد المر بعدها. 

نظفت طبق بيردي وملائه له» فأعرب عن امتنانه لي بأن شرع قي استخدامه» 
لكن عفالبه تسببت بإهراق قسم من محتوياته على الأرض. 

"هيا يا بيرد. حاول أن تتعلم إبقاء طعامك داحل الطبق. أعرف أن غابي 
ليست بالشريكة المثالية» لكن عليك أن تقوم بدورك". تطلعت إلى تلك الفوضى 
المؤلفة من مجموعة مستحضرات التنظيف والتجميل الى تخصها. "أعتقد أا لم 
تنظف سوى القليل". 

تناولت علبة كوك للحمية» وارتديت سروالي القصير. لماذا لا أنوي أن أتناول 
الغداء في الخارج؟ أنا لا أمز ح» سنخرج بالتأكيد. 

ومضت الآلة المجيبة. وجدت رسالة واحدة فقط. كانت رسالي أنا عندما 
اتصلت عند حوالى الواحدة. ألم تسمع غابي رنين الحاتف؟ هل تجاهلته؟ ألعلها 
أقفلته؟ لرا كانت مريضة» أو أا لم تكن هنا. توجهت نحو باب غرفتها. 


"غاب؟" 
طرقت الباب طرّقات خحفيفة. 
"غابي؟" 


طرقت الباب بقوة أكبر. 
فتحت الباب وتطلعت داخل الغرفة. 


359 


رأيت تلك الفوضى الي تمر غابي في كل مكان. المجوهرات. الأوراق. 
الكتب. الشياب. شاهدت حمالة صدر متدلية حلف كرسي. تفحصت الخرانة. 
اقلت اة والصنادل«مكومة. لاحظت» وسط كل هذه الفوضىء أن أغطية 
اله بالشكل الصحيح. صعقتئٍ هذه المفاجأة. 

"يا للساقلة!" 

اختار بيردي المرور بين ساقي. 

"هل أمضت الليلة الماضية هنا أساسا؟" 

تطلع المر نحوي ثم قفز إلى السرير دار مرتين حوله ثم استقر. استلقيت قربه 
وما لبقت تلك الكتلة المعتادة أن ضغطت على بطيئ. 

"هل فعَلنّها بحددا يا بيرد؟" 

تشر مخالبه وبدأ يلعق. 

"1 كلف نفسها عناء كتابة رسالة قصيرة". 

ركز بردي على الأمكنة الي تفصل ما يبن أصابع القدمين. 

توجهت نحو غسّالة الأطباق كي أفرغها. 

مرّت عشر دقائق قبل أن أهدأ بشكل كني من طلب رقمها. لا إحابة. ل 
أفاجأ بالطبع. حاولت الاتصال بالجامعة. لا حواب. 

مشيت نحو المطبخ. فتحت الثلاجة. أغلقتُها. ماذا بشأن طعام الغداء؟ فتحت 
النلاجة يجدداً. تناولت علبة كوك للحمية. عدت كي أجول في غرفة المعيشة. . وضعت 
علبة الكوك الجديدة قرب لعلبة ال جلبتها سابقاء ثم شَعْلتُ جهاز التلفزيون وتنقلت 

بين المحطات. احترت مسرحية هزلية مع علمي بأن لن أشاهدها. تنقل عقلي بسرعة 
بين دوفن والجمجمة الى وحدت في حديقي؛ ليعود إلى ابخرائم بجدداً. 

عن التركيز على موضوع معيّن. وفرَ التناغم القائم ما ين الحوار والضحكات 
المعلية» حلقية الضجيج المناسبة فيما كانت أفكاري مثل الحريعات الذرية. 

شعرت بالغفضب تحاه غابي وبالاستياء لأني سمحت ها باستغلالي. شعرت 
بأنى مجروحة لأنها ستفعل هذا بي» وبالخشية على سلامتها. فت كذلك من 
ظهور ضحية جديدة» وشعرت بخيبة الأمل تحاه عجزي. أحسست بأني بحروحة 
عاطفياء لكنئي لم أستطع التوقف عن لوم نفسي. 

360 


وقفت هناك لمدة طويلة عجزت عن تحديدها قبل أن ينطلق الحاتف يالرنين. 
أطلق صوت الرنين هذا الأدرينالين في شراييي وحرّره من مكان تخزينه. 

هل هي غابي؟ 

ا 

تناهى إلى مسامعي صوت رجل: "أريد التحدث مع تحب برينان من فضلك". 
تان لصوت اوها عدا بالنسبة لي» أي كما هي ذكريات أيام طفولي الى 
قضيتها في الغرب الأوسط الأميركي. 

"جاي. أس! أنا مسرورة لسماع صوتك!" 

كان المتصل جون صامويل دوبزانسكي. إنه حي الأول. عدت إلى أيام 
كامب نورث وودس. استمر غرامنا طيلة ذلك الصيف» والصيف التاليء وظل 
منتعشاً حبق سنتنا الجامعية الأولى في الكلية. تاجيا ورا متها توعد جا 
أس. شمالاً. اخترت أن أتخصص ف مادة الأتغروبولوجيا. تعرفت إلى بيت في 
تلك الفترة. أما هو فتخصص في علم النفس» وتزوج ثم طلق. فعل هذا مرتين. 
احتمعنا بعد أعوام عديدة قي الأكاديمية. تخصص جاي. أس بعد ذلك في 
الجرائم الجنسية. 

سأل: "هل يتملكك إحساس كامب نورث وودس؟" 

"إنه يملأ رأسي؟" أكملتُ ذلك الشطر من أغنية المخيّم. ضحكنا سوياً. 

"لم أكن متأكدا من أنك تريديني أن أتصل بك في المنزل» لك لكنك تركت 
الرقم وتصوّرت أن أستطيع انحاولة". ٍ ٍ 

"آنا مسرورة لأنك اتصلت. شكرا لك". شكرا لك. شكرا لك. "أود 
استشارتك بقضية نواحهها هنا. هل أستطيع أن أطلب هذه الخدمة منك؟” 

تظاهر أنه شعر بالإهانة: "مي ستتوقفين عن إثارة حيبة أملي فيك؟" 

اعتدنا على تناول الطعام أثناء احتماع الأكاديمية, وحيّمت علينا إمكانية 
التقارب بيننا قي البداية. هل يجدر بنا العبث بذكريات أعوام مراهقتنا؟ هل ما 
زلنا نحمل معنا بقية من العراطف؟ فأحذت 
هذه الفكرة بالتلاشي عندنا شيكاً فشيئاً فشيئا. أعتقد أنه من الأفضل أن نترك الماضي 
كماهو. 


361 


"ماذا حدث مع علاقتك العاطفية الجديدة الي أخبرتئ عنها العام 
الماضي؟" 

"لقد انتهت". 

"آسفة يا جون صامويل» لدينا هنا بعض الجرائم الي نظن أنها مترابطة. هل 
ا می ایا خول:إمكاية ویرد قال ااي إذا ما أعطيتك خلاصة 

أسمعي 0 اعتدنا تبادها في الماضي: "أستطيع إعطاء رأبي في أي شيء". 

وصفت له جرعتّي آدكينز وموريسيت - شامبوء وحصت .له الأشياء الى 
حدثت للضحايا. وصفت له كيفية اكتشاف بقية الحثث» والأمكنة الى وحدت 
فيهاء وكذلك التشويهات ال تعرضت ها. أضفت بعد ذلك نظريات الخاصة عن 
المعروء وإعلانات الصحف. 

"أواحه صعوبة كبيرة في إقناع رحال الشرطة بوحود ترابط بين هذه القضايا. 
يقولون إنه لا وجود لنمط معد وأعتقد أنهم محقون إلى حدٌّ ما. تختلف حالة كل 
ضحية من الضحاياء فإحداهنٌ تعرضت لطلق ناري بينما الآحريات م يتعرضن 
لإطلاق نار. يحكم لحتنا بالق اما كن دق لا تبدو الأمور مترابطة مع 
بخ 

"واو. واو. روي دك قليلاء لأنك تخطمين في النظرة إلى هذا الأمر. بداية» إن 
معظم ما وصفته لي يتعلق بطريقة ارتكاب الحرائم". 

"أجل". 

"لا تسيئي فهمي. إن التشابه في طريقة ارتكاب الخرائم قد يكون مفيداً» لكن 
الاحتلافات شائعة دا . يستطيع ابحرم أن يقيّد ضحيته ويشد وثاقهاء ويفعل ذلك 
بواسطة سلك الماتف في إحدى المرات» ثم يعمد إلى إحضار حبله في المرة التالية. 
ويستطيع أن يطعن إحدى الضحايا ويجرحهاء ثم يطلق الرصاص على ضحيته التالية 
ده ا عر اتا ان سو اد لسر كيان 
ا ألا زلت معي؟" 

"أجل". 

362 


"إن رنه ازتكاي اة عرد اد الحرميق ليست اة افا تشه أ مر 
آحر في وحود قوس يتغير مع اكتسابه للخبرة. يتحسّن أداء هؤلاء الرجال مع 
التدرب على ارتكاب المزيد من الجرائم. إفهم يتعلمون الأشياء الي تنجح معهم 
رفك نج دضع كالم ره عام ألما يحدث هذا الأمر مع بعض 
هؤلاء أكثر من بعضهم الآخر بالطبع". 

لعي لبا 

"توجد الكثير من الأحداث العشوائية الي تؤثر على ما يفعله هؤلاء الجرمون» 
وذلك بغض النظر عن الخطط الى يكونوا قد وضعوها بعناية. يُحتمل أن يرن 
الماتف» أو أن يظهر أحد الجيران» أو لعل أحد الحبال ينقطع. يتعيّن على الحرم أن 
يرتحل الحلول هذه المفاحآت". 

"لا تسيئي فهمي. إن أنماط ارتكاب الجرائم قد تكون مفيدة» ونستطيع 
الإفادة منها في التحقيقات. إن التنوع في طريقة ارتكاب الجرائم قد لا يعي الشيء 
الكثير". 

"وأنت» ماذا تستخدم؟" 

"إن أستخدم النمط المحدد". 

"الدمط المحدد؟" 

"يطلق عليه بعض زملائي اسم التوقيع» أو بطاقة الزيارة» ولا تلاحظ إلا في 
بعض الجرائم. يطوّر معظم الحرمين طريقتهم الخاصة في ارتكاب الحرائم لأن إحدى 
حططهم قد بجحت مرات عديدة» لذلك فهم يرتاحون إليهاء ثم يؤمنون أنها تقلص 
من فرص القبض عليهم. يختلف الأمر مع بعض الحرمين الشرسين. يقود الغضب 
هؤلاء الأشخاص ويتركونه يصون هم الات وع ثم يلحوون أخيراً إلى تنفيذ 
هذه الخيالات. لا يكتفي هؤلاء بالعنف» لكنهم يخترعون طقوساً من أجل التعبير 
عن الغضب. تؤدي هذه الطقوس إلى القبض عليهم ا 

"أي نوع من الطقوس» أو الشعائرء التي تتحدث عنها؟" 

"تشتمل هذه الطقوس أحياناً على التحكم بالضحية» أو حت إذلاها. أترين» 
ليست الضحية بح ذاتها هي المهم في الأمرء فقد لا يحمل العمرء أو المظهرء أي 


363 


أهمية. الهم هنا هو التعبير عن الغضب. مر معي رجحل تراوحت أعمار ضحاياه ما 
بين السابعة والواحد والثمانين". 

"إذاً ما هي الأمور ال تبحث عنها؟" 

"إنينٍ أبحث عن كيفية مواحهته لضحيته. هل يهاجمها؟ هل يستخدم طريقة 
الإيذاء اللفظي؟ وكيف يسيطر على ضحيته فور لقائه ما؟ هل يؤذيها في حميميتها 
الأنونية؟ وهل يفعل ذلك قبل أن يقدم على قتلهاء أو بعد ذلك؟ هل يعذب 
E Si‏ يقدم على تشويه جئتها؟ هل يترك شيا في مسرح الجرمة؟ أو هل 
يأخذ معه شيئا؟" 

"لكن ألا تؤثر بعض الأمور الطارئة وغير المتوقعة على هذه العوامل؟" 

"إا توثر بالطبع» لكن الأمر الهام هنا هو أنه بنذ هذه الأمور بصفتها جزءا 
من تنفيذ خيالاته» أي أا الطقوس الي يبدّد غضبه بماء ولا يقوم بها فقط من أجل 
حمايته . 
"إذاء ماذا تظن؟ هل ما وصفته لك يمثل توقيعاً (تصرفات مميزة)؟" 
"سأقول لكء لكن بشرط أن لا تعتبري ما أقوله كلاما رسميا". 

و 1 

بدأت بتدوين الملاحظات: "حقا؟" 

لاقي كل حو ٍ 

"قل» وبكل صراحة يا جاي أس. أتعتقد أن الفاعل هو أحد الساديين 
ا 

معت حشخحشة عندما غيّر من وضعية سماعة الماتف: "يتأثر بعض الساديين 
الهووسين جنسياً بالألم الذي تبديه الضحية؛ لأنهم لا يكتفون بالقعل» بل يريدون 
تعذيب ضحاياهم. إنهُم يشعرون بالإثارة الجنسية نتيجة لحذا الألم". 

"ثم ماذا؟" 

"يوحي النمط الذي تحدئت عنه بالإيجاب. يشيع إدخال أدوات في المهبل» أو 
في المستقيم» بين هؤلاء الرحال. هل كانت ضحاياك على قيد الحياة عند حدوث 
هذا الأمر؟" 


"ضحية واحدة على الأقل كانت حية. يصعب أن أقرر ذلك بالنسبة 

"تبدو لي السادية الجنسية احتمالا واردا. ييقى السؤال الفعلي حول ما إذا 
كان القاتل يشعر بالإثارة الجنسية نتيجة أفعاله". 

م أستطع الإجابة عن هذا السؤال. "لكننا ل نعثر على أي سائل منوي في أي 

"يبدو هذا الأمر هاماء لكن ذلك لا يلغي احتمال السادية الجنسية. مر معي 
رجحل اعتاد الاستمناء ف يد ضحيته الي يعمد إلى قطعها بعد ذلك ثم يطحنها في 
الخلاط. لم تكتشف أي حيوانات منوية في مسارح جرائم مثل هذه". 

"كيف ألقيتم القبض عليه؟" 

"1 ينجح في تحقيق هدفه ق إحدى المرات". 

"تعرضت عندنا ثلاث نساء للتشويه. إننا متأكدون من هذه المعلومات". 

"لعل ذلك يشكل غطًء لكنه لا يشكّل برهاناً على وجود السادية الجنسية: 
إلا إذا حدثت قبل موت الضحية. يتميّر القّلة التسلسليُونء سواء أكانوا ساديين أم 
لاء بالجداع الشديد. إفهم يخططون بعناية شديدة لجرائمهم. إن التشويه الذي 
يمحدث بعد الوفاة لا يعني بالضرورة وجود دافع. جنسي» أو سادي. يعمد بعضهم 
إلى تقطيع الحثة كي يسهل إخفاؤها". 

"وماذا بشأن التشويه؟ واليدين؟" 

"إا الحالة ذانماء والنمط ذاته» ونوع من أنواع الإفراط في القتل» لكنه قد يكون 
بدافع اج وقد لا يكون. يكون ذلك أحياناً بدافع جعل الضحية عاحزة. إنني 
ألاحظ بعض المؤشرات مع ذلك. تقولين إن القتلة لم يكونوا يعرفون ضحاياهن» 
اللوات تعرضن للضرب بقسوة. عانت ثلاث من الضحايا من إدحال أدوات في 
أجاف ول ذلك قل عدف قي ول الوقاقة إن خو الما عة 

رحت أكتب بشغف. 

"تحققي مما إذا كانت تلك الأدوات قد أحضرت إلى مسرح الجريمة» أم أنها 
كانت هناك سلفاً. يُحتمل أن يكون ذلك جزءاً من توقيع هذا الرجل» مقابل 
القسوة الانتهازية". 

365 


دوّنَتُ هذه الملاحظة ووضعت إشارةً عليها. 

"هل هناك بعض المميزات الأخرى للسادية اللجنسية؟" 

"هناك فط تنفيذ الجريمة, استخدام ذريعة لتحقيق اللقاء مع الضحية» 
والحاحة إلى التحكم بالضحية وإذلالهاء بالإضافة إلى القسوة المفرطة» والإثارة 
الناتحة عن حوف الضحية وألمهاء وكذلك الاحتفاظ بتذكارات من الضحية. 
إن" 

"ما هي آخر ميزة د كنت لكي يدع کن فيك إن يد یت 

"تذكارات". 

"أي نوع من التذكارات؟" 

"أتحدث عن أشياء من مسرح الجريمة» وبعض الأجزاء من ثياب الضحيةء أو 
مجوهراتماء أو أشياء من هذا القبيل". 

"هل تتضمن هذه قصاصات الصحف؟" 

"يحب ساديو الجنس صحافتهم الخاصة". 

"وهل يعمدون إلى تدوين السجلات؟" 

"إفهم يحتفظون بالخرائط» واليوميات» والروزنامات» والرسومات. إلى ما 
هنالك. يستخدم بعضهم أشرطة التسجيل. إفهم لا روت أن القتل يحدٌ ذاته هو 
حلمهم. إن المطاردة قبل الإمساك بالضحية وما يحدث بعد تنفيذ الجريمة يُمكن أن 
SAS‏ هيما ع انار 

"إذا كانوا ماهرين في تحنب إلقاء القبض عليهم» فلماذا يحتفظون بتلك 
الأشياء؟ ألا يشكل ذلك مخاطرة بالنسبة إليهم؟" 

"يعتقد معظم الجرمين أنهم يتفوقون على رحال الشرطةء أي أنهم أذكى من 
أن يُلقى القبض عليهم". 

"ماذا بشان أجحزاء الحثة المقطعة؟" 

"وماذا بشان أجزاء الحثة المقطعة؟" 

"وهل يحتفظون كها؟" 

مرّت فترة صمت. "لا يشيع الأمر كثيراًء لكنه يحدث أحيانا". 

"إذا ما رأيك بالمتروء والإعلانات المبوبة؟" 

366 


"تكون التخيلات ا ا 
الأحيان» ومحددة ا بحتاج بعضهم إلى أمكنة معينة» وتسلسل معين 
للأحداث. يتطلع بعض الساديين الجنسيين إلى لاق ا E‏ 
الضحاياء وهكذا فهم يعمدون إلى تسجيل العملية كانه تدرو الضحية 
على قول أمور معينةء والقيام بأفعال محددة» وارتداء ملابس خاصة. تعرفين يا 

تمب إن هذه اللات ال خو E‏ المنسيين. إا تميز الكثير من 
اكد يعانون من اضطرابات شحصية. لا تحشري نفسك في زاوية الساديين 
الجنسيين. ينبغي عليك أن تبحثي عن التوقيع» وبطاقة الزيارة تلك الي تركها 
ذلك القاتل بالتحديد. إِهها الطريقة الى تمسكينه بها بغض النظر عن كيفية 
ت تيف علماء النقس له إن ابشخدام الترووإعلانات الصحف قد :ايكون من 
ضمن خيالات ذلك الرجل". 

"وما هو رأيك يا جاي أسء انطلاقاً ما أحبرتك إياه؟" 

مرّت فترة صمت طويلة معت بعدها صوت زفير. 

"أعتقد أنك تواجهين أمراً قذرأ للغاية يا تمب: الغضب الشديد والعنف 
المتطرف. إن كانت هذه هي شخصية سان جاك فن استخدامه لبطاقات ضحاياه 
المصرفية يقلقئ. إما أن يكون الرحل شديد الغباءء NS‏ 
لي» وإما أنه أصبح شديد الإهمال لسبب ما. يحتمل أنه تعرض لضغوط مالية» أو 
أنه أصبح أكثر وقاحة. إن الجمجمة الي وُحدت في حديقتك هي مؤشرء وأعتقد 
أنه يبعث برسالة» أو أنها طريقة للتأنيب. لض اة ات رق اا 
عليه في مرحلة معينة. لم يعجبيئ ما قلته لي بشأن استهدافك في القضية» ويبدو لي 
أنك مستهدفة بالفعل بسبب وجود الصورة» واللجمجمة. أعتقد» استنادا إلى ما قلته 
ل ف ّْ 

أخبريُه عن الليلة الي قضيتّها في الموناستير» والسيارة ال لاحقتي. 

"استحلفك بالله يا مب ألا تعبثي مع هذا حرم إذا عاد للت ركيز عليك. إنه 
رجل حطر للغاية!" 

"جاي أس. إذا كان النجرم هو الرحل نفسه الذي كان في أرض الموناستير» 
فلماذا م يقتلي في ذلك الوقت؟" 

367 


"تذكري ما قلته لك من قبل. يُحتمل أنه فوجئ بوجودك هناك لذلك لم 
يكن جاهزاً كي يقتلك بالطريقة الي يحبها. لم يكن الرحل في وضع تحكم ولعله 
لم يكن يحمل معه أدواته الي تعد عليها. أو رعا لأن غيابك عن الوعي حرمه من 
سل ما بك 

أنه لم يكن يستطيع أن يرى شعائر الموت". 

ا 

تحدئنا لفترةء وتكلمنا عن أمكنة آخری» وعن الأصدقاء القدامى» وعن 
الأوقات ما قبل احتلال الجريعة خا من حياتنا. أنهينا الاتصال بعد الثامنة 
بقليل. 

استرحيت في مقعدي» وبسطت ذراعي وساقي» لكنني شعرت بالإرهاق. 
امبتلقيت في مكاي لبعض الوقت. ی کن مني 
الجوع أخيراً فحملي على النهوض. توجهث إلى المطبخء حيث قمت بتسخين 
صينية من اللزانيا وأحبرت نفسي على تناوها. اق ا تن ارقت وفك ذلك 
في إعادة تجميع الملاحظات الي حصلت عليها من جاي أس. ظلت كلماته الأخيرة 
تتردد في ذهي. 

"أحذت الفترات الزمنية تتقاصر". 

أحل. عرفت هذا. 

"إنه يرفع سقف الرهانات". 

عرفت ذلك أيضا. 

لعله وضعك نصب عينيه". 

أويت إلى فراشي عند العاشرة. حلست قي الظلمة وحدقت قي السقف. 
شعرت أني وحيدة» وأحسست بالتحسّر على نفسي. لاذا ألقي على نفسي 
تبعة موت الفتيات؟ هل يضعيي أحدهم في بؤرة تركيز حيالاته المثيرة؟ لماذا لا 
يأحذ أحد كلامي على محمل الجد؟ لاذا أتقدم في السن وأكتفي بتناول 
المأكولات المحمدة أمام برامج تلفزيونية لا أشاهدها بالفعل؟ عندما دس بيردي 
نفسه عند ركبي شعرت بأن هذا الاحتكاك البسيط قد أطلق الدموع الي 
حبستّها منذ حديثي مع جاي أس. افمرت دموعي على الوسادة الي اشتريتها 

368 


عندما كنت مع بيتي في شارلوت» أو و بالأحرى الى اشتريتها بنفسي بينما وقف 
جانباً بصبر نافد. 

اذا فهل زواج ؟ لماذا أنام وحدي؟ ولاذا تبدو كان غير راضية؟ ولماذا 
همل أفضل صديقاتي محددا؟ أين هي يا ترى؟ لا. لن أفكر في هذا الاحتمال. لا 
أعرف كم لبشت على هذه الحالء وأنا أشعر بالفراغ الذي يملا حياتء قبل أن أسمع 
صوت مفتاح غابي. 


369 





ع 


اتصلت برايان في الصباح التالي ولخصت له حادثي مع جاي أس 
أسبوع» ولم يحدث چ شيء. 

استمر الطقس ار وعملت ارا بعلن رات الاحتبارات على العظام. ٠‏ تین 
TS‏ فن 
م وتبيّن لي أيضا أن العظام ال لي نبشتها الكلاب تعود إلى فتاة في 

في ا اة آله حادة. واستنتجت أن الجثة الي وُحدت في صندوق 
مقطوعة اليدين» إنا تعود إل ذكر أبيض؛ وقدّرتُ عمر العظام ما بين حمس 
وثلانين وأريعين عاماً. 

ترددت على مهرجانات الجاز في الليالي التالية» واحتلطت بحشود الناس الي 
ملأت شارعي سانت كاثرين وجان مانس. استمعت إلى فنانين من البيرو وإلى 
موسيقاهم الي يُعتبر مزيجاً من آلات النفخ» وموسيقى الغابات المطرية. قنقلت ما 
بين قصر الفنون ومجمّع المدارس. استمتعت بأصوات الساكسوفون» وآلات 
الغيتارء والليالي الصيفية. تحولت ما بين ديكسي لاند» وفيوجن, وآر آند بي» 
وكالييسو. صممت على عدم البحث عن غابي» ورفضت أن أشغل تفكيري 
باانساء الضحايا. أصغيت إلى موسيقى السنغال» وكايب فيردي» وريوء 
ونيويورك. نححت في نسيان الضحايا الخمسء وإن لفترة محددة. 

حاءق اتصال يوم افيش كان من لأمائش: قال إل إن استماعا سيُعقك يوم 
الثلاثاء. وأضاف أنه اجتماعٌ مهم» وطلب مين أن أحضره. 


370 


وصلءت من دون أن أعرف ماذا ينتظرن» ولم أتوقع وجود الأشخاص الذين 
ألقيت التحية عليهم. وحدت رايات. وبرترات» وكلوديل. وشاربونيو ورجلي 
حر من سان لامبرت» جالسين قرب لامانش. أما مدير المختبرات» ويدعى 
ستيفان باتينيوء فجلس في الناحية البعيدة من الطاولة» وإلى بمينه جلس المدعي 
العام. 

هضوا جميعا عندما وصلت» وهو الأمر الذي زاد من مستويات القلق الذي 
اشع به. صافحت باتينيو والمدعي العام . واكتفى الآحرون بإعماءاهمء وبدت 
وحوههم خالية من أي تعابير. حاولت أن أفهم ما توحي به عينا رايان» لكن 
عيوننا لم تلتق. حلست على الكرسي الوحيد الذي كان خالياً. أمسكت 
العققدة 0 عل غت لاح من أحل کیت أعور کیل يا وغل سادق 
الاجتماع» تحديداء من أجل مناقشة قشة الاقامات الي وحهها كلوديل إلي؟ 

م يضيّع باتينيو الوقت. قال لي إنه تم تأليف لحنة مهمتها النظر باحتمال 

4 لد ا 5 5 و‎ Tk 

وحود قاتل تسلسلي من كل النواحي» وسيتم بحث كل القضايا الي يشتبه فيهاء 
كما ستتم التحقق من كل دليل. قال إنه سيتم استدعاء كل الأشخاص الذين 
عرف عنهم القيام بإساءات جنسية كي يُحقق معهم. أضاف إن ستة من رجال 
المعو لح و يوار باو م كاسء ومنيقوع:راياك بالتتسيق ي ما لم قال 
أيضاً إنه يتعيّن عل متابعة عملي كالمعتاد» لكن يبقى علي العمل بصفيي عضواً غير 
رمي في الفريق. علمت أن غرفة قد جهّزت في الطابق السفلي» بي 
اللففات» والمواد المتعلقة بالقضية. سيتم تفحص سبع قضاياء وستعقد اللجنة 
اجتماعها الأول هذا المساء» كما أن المسيو غافرو. ومكتب المدعي العام» سيبقيان 
على اطلاع بكل تقدم يتم إحرازه. 

سارت الأمور هكذاء وبكل بساطة. عدت إلى مكتي وأنا أشعر بالذهول 
أكثر ما أشعر بالارتياح. لماذا؟ ومن هو الذي دفع الأمور في هذا الاتجاه؟ حادلت 
كثيراً دفاعاً عن نظرية القاتل التسلسلي» ولمدة شهر تقريباً. ماذا حدث حي 
اكتسبت هذه النظرية مصداقية؟ هل تحدث الجتمعون عن سبع قضايا؟ ما هي طبيعة 
القضيتين الأحريين يا ترى؟ 

31 


لماذا السوال يا برينان؟ ستجدين الجواب عما قريب. 

وهذا ما حصل بالفعل. دلت غرفة كبيرة تقع في الطابق الثاني عند الساعة 
الواحدة والنصف. شكلت أربع طاولات جزيرة في وسط الغرفة. اصطفت ألواح 
إعلام» مع ألواح الطباشير التابعة لهاء على حوانب الجدران. تَجمّع رجال التحري 
في آخر الغرفة» وبدا منظرهم وكأنهم مشترون أمام كشك في معرض تحاري. وقف 
الرجال أمام لوحة تحمل خرائط مونتريال والمترو المعتادة» وبرزت رؤوس الدبابيس 
الللونة من كل واحدة منها. ظهرت سبع لوحات إضافية؛ وبرز اسم امرأة وصورتًا 
فوق كل لوحة. بدت حمسة أسماء مألوفة لدي مثل أسماء أفراد عائليء أما الاسمان 
الباقيان فلا أعرفهما 

حصي كلوديل بنصف لحظة من لقاء عيونناء وألقى الآحرون التحية علي 
بكل مودة. تبادلنا التعليقات حول الطقسء ثم تقدمت نحو الطاولة. تناول رايان 
الأوراق الرسمية من رزمة في وسط الطاولة» ثم بدأ بالحديث مباشرة. 

"نعرف جميعاً سبب وجودنا هناء كما يعرف جميعكم كيفية القيام بمهماتكم. 
أريد التأكد من بضعة أمور في هذه المرحلة". 

نقل نظره من وجه إلى وجه. ثم أشار إلى رزمة من المغلفات. 

"أريد من كل واحد منكم أن يدرس هذه الملقات. تفحصوا كل ملف بعناية» 
واستوعبوا كل تفاصيل هذه لملفات. شرعنا في نقل المعلومات على جهاز 
الكمبيوتر» لكنها عملية بطيئة. سوف نستخدم الطريقة القدعة في الوقت الحاضر. 
وإذا وجدتم أي معلومات مهمة عن أي ضحية من الضحايا فاكتبوها على اللوحة 
العائدة لما" . 

أومأ الجميع. 

"لدينا تقرير مطبوع ومحدث عن ذلك الاستعراض المنحرف الذي سيقام 
اليوم. قسّموا هذا التقرير» وتتبعوا هؤلاء الشبان» وجربوا أن تعرفوا أين كانوا 
يعربدون". 

قال شاربونيو: "عادة ما يفعلون ذلك وهم يرتدون سراويلهم القصيرة". 

"يجوز أن يكون أحدهم قد تعدى حدوده". 

نظر رایان إلى كل واحد منا بدوره. 


372 


من المهم عدا أن تعمل كفريق واحد» وليس كأفراد منفصلين» أو أبطال. 
تحدئوء وتبادلوا المعلومات» ق الأفكار قي وجوه بعضكم ب هذه هي 
الطريقة الوحيدة الي تمكننا من القبض على ذلك النذل". 

قال كلوديل: "هذا إذا كان هناك من وجود لذلك النذل". 

"سنقوم بتنظيف المنطقة إذا لم يكن له من وجود» وستلقي القبض على حفنة 
مق ا ل شير کا عاك آل 

زم كلوديل زاويتي فمه ورسم سلسلة من الخطوط القصيرة والسريعة على 

تابع رايان حديثه: "من الهم أيضاً أن نتم بالترتيبات الأمنية. لا أريد أن 
تحصل أي تسريبات". 

قال شاربونيو: "هل سيقوم باتينيو بالإعلان عن مجموعتنا المدنية الصغيرة 
هذه؟" 

"كلا. سنعمل بطريقة سرية نوعاً ما". 

قال شاربونيو: "إذا عرف الناس بوجود القاتل التسلسلي فسيصابون بالفلع» 
وأنا مندهش لأهم لم يشعروا هكذا من قبل". 

"يبدو أن الصحفة لم تلاحظ الرابط ما بين هذه الجرائم» لكن لا تسألون 
لماذا. يريد باتينيو أن يبقي الأمر هكذا في الوقت الحاضر» لكن الأمور قد تتغير 
لاحقا". 

قال برتراند: "تمتلك الصحافة ذاكرة ماثلة لذاكرة بعوضة". 

"كلا. إن أع معدل الذكاء". 

"لم يتمكن رجال الصحافة من تحاوز ذلك المعدل". 

"حسنا. حسنا. دعونا نبدأ إذا بالمعلومات الي تمتلكها". 

لخص رايان كل قضية من القضايا. أصغيت بصمت وأنا أسمع أفكاري» 
وحن كلماق» تملا المكان وتأحذ مكاما في الأوراق القانونية. حسناء كانت هناك 
بعض أفكار دوبزانسكي الى قمت بنقلها. 

ترددت كلمات مثل تشويه» وإدحال أدوات قي الأعضاء التناسليةء وإعلانات 
العقارات في الصحف» ومحطات توقف المترو. تبيّن أن أحدهم كان يستمع» وأكثر 


373 


من ذلك أحدهم كان يدقق. تبيّن لنا أيضاً أن الملحمة الى عملت فيها غرايس 
داماس ذات مرة كانت قريبة من سان لوران» أي أها تقع بالقرب من شقة سان 
جاك وقريبة جداً من محطة مترو بيري - أوكام. قمنا بتعيين مكاها على اللوحة 
فجاءت متطابقة. حاءت في الترتيب الرابع من أصل خمسة» وهي الي رجّحت كفة 
الميزان» بالإضافة إلى جاي أس. 

نجح رايان في إقناع باتينيو كي يقدّم طلباً رسمياً إلى كوانتيكو, كما وافق 
جاي أس على إعطاء قضايا مونتريال أولوية قصوى. تلقى الرجل سيلاً من رسائل 
الفاكس زودته مما يحتاحه» كما حصل باتينيو على ملخص سيرة عن الضحايا بعد 
ثلاثة أيام. أدى كل هذا النشاط إلى تحريك الأمور, لأن باتينيو قرر التحرك. بلأناء 
هكذاء بعملنا كفريق. 

شعرت بالارتياح» لكني شعرت بالإهانة في نفس الوقت. استفاد هؤلاء 
الرجال من المجهود الذي قمت به وت رکون كي أتابع جهدي هذا. حشيت عند 
انضمامي إلى هذا الاجتماع أن أتلقى وما شخصياء لكني م توقع أبدا هذا 
الاعتراف الضمئي بالمجهود المضي الذي بذلته. بذلت جهدي» مع ذلك» کی 
يتصف صوي بالثبات من أجل إحفاء غضي. 

"ذا ما هي الأمور ال طلبت منا كوانتيكو أن نبحث عنها؟" 

تناول رايان مغلفاً رفيعاً من رزمة المغلفات» وفتحه ثم بدأ بالقراءة. 

"ذكر. أبيض. ناطق بالفرنسية. يحتمل أنه لم يتابع دراسته بعد المستوى 
الثانوي» كما يحتمل ارتكابه بعض المخالفات الجنسية..." 

قال برتران: "ماذا تعن بالمخالفات؟" 

"إغفاممارسات غير مشروعة؛ مثل التلصّص»ء والمكالمات الحاتفية البذيعة» أو 
الظهور .,ظهر خليع". 

قال كلوديل: "يا للألفاظ اللطيفة!" 

رد برتران: "إنه شبه رجل". 

أبدى كلوديل وشاربونيو استهجافما. 

قال كلوديل: "اللعنة!" 

علق شاربونيو: "إنه رحلي الذي أبحث عنه". 


374 


قال كيترلينغ» سان لامبرت: "من هو ذلك الرحل المزيّف بحق الجحيم؟" 

"إنه تلك الدودة الصغيرة» يتسلل إلى الشقق كي يسرق ثياب نوم إحدى 
السيدات» ويمزقها بعد ذلك. زاول الرجل هذه الممارسات لمدة خمسة أعوام". 

انتقى رايان تلك العبارات من التقرير. 

"إنه يخطط بعناية» ولعله يستخدم الخدّع كي يقترب من ضحيته. ولرعا 
يقترب من ضحيته من زاوية العقارات» ويحتمل أنه متزوج..." 

قال روسوء سان لامبرت: "وما هي دوافعه؟" 

"إنه من النوع المتربص» لأنه لا يستطيع حلب الضحايا إلى اللمزل حيث 
توجد الزوجة" 

علق كلوديل: "أو الوالدة". 

عاد رايان ليقرأ من التقرير. 

العا عار كنا ا و 

قال كيترلينغ؛ سان لامبرت: "تعن طابقاً سفليا؟" 

قال شاربونيو: "اللعنة! أقدم جيلبير على رش ذلك المكان مادة اللومينول. 
كان المكان سيشتعل مثل تومورولاند (أرض الغد) لو أريقت دماء هناك". 

حاء في التقرير أيضاً: "يوحي ج العا و e SS‏ 
یی يحتمل وحود اتحاه نحو الانتقام. يحتمل أيضاً وحود تخیلات سادية 
E‏ على السيطرة» والإذلال» وإنزال الألم في الضحية» أو الاختباء وراء 
غطاء ديئي". 

قال روسو: "وكيف هذا؟" 

"يوحي بذلك التمثال الصغير» والتخلص من اللحثث. وُحدت تروتييه 
مدرسة حصوصية للبنات» وكذلك الحال مع داماس". 

م يتفوه أحد بأي كلمة في اللحظات القليلة التالية» لكن ساعة الحائط بقيت 
تصدر طنينها الخافت. سمعنا أصوات كعين عاليين تقترب من غرفتنا. راح 
كلوديل يخط بقلمه خطوطا قصيرة تنم عن التوتر. 

قال كلوديل: "محتمل... تمكن". 

أزعجيئ إصراره على مقاومة نظرية القاتل الواحد. 

375 


قلست بسرعة: "من الممكن» وامحتمل أيضاًء أن تظهر أمامنا جحربمة جحديدة 
ريا 

ظهر القناع القاسي المعتاد على وجه کلودیل» لكنه استمر بالت رکیز على 
الورقة أمامه. توترت الخطوط الظاهرة على حذيه» لكنه لم يقل شيئا. 

علت بعض الأصوات قي الغرفة. 

سألت بمدوء زائد: "هل يمتلك الدكتور دوبجانسكي توقعات على المدى 
الطويل؟" 

"إن توقعاته تقتصر على المدى القصير". قال رايان وقد ظهرت علامات 
التجهم على محيّاه» وقبل أن يعود إلى قراءة ملخصات سيّر حياة الضحايا: "هناك 
علامات على فقدان السيطرة» وعلى الوقاحة المفرطة» كما يلاحظ تقاصر الفترات 
الفاصلة بين جرعة وأحرى". أغلق المغلف» ثم دفعه إلى مركز الطاولة. "سيرتكب 
القاتل حرعة ثانية". 

ساد الصمت محدداً. 

نظر رايان إلى ساعته أخيراء فحذا الجميع حذوه وكأننا مجموعة من الرجال 
الآلين. 

ذا دعونا نبدأ بدراسة هذه الملفات. تستطيعون زيادة أي معلومات ناقصة 
إلى هذه الملفات. عمل غوتييه مع شرطة مونتريال يا لوك وميشالء وهكذا 
بوسعكم الحصول على معلومات إضافية من هذه الناحية". 

أومأ كل من شاربونيو وكلوديل. / 

"تول أمن كيبيك قضية بيتري. سأدقق في قضيتها شخصيا. أما القضايا 
الأحرى فهي أحدثء ولذلك أعتقد أا غير ناقصة". 

بدأت بقضيتي بيتري وغوتييه» لأنه سبق لي أن عملت بالقضايا الخمس 
الأحرى. بقيت هذه الملفات مفتوحة منذ العامين 1988 و1989» على التوالي. 

كانت جحثة كونستانس بيتري شبه عارية ومتحللة عندما اكتشفت داحل 
مسزل مهحور في خاناوايك» الي تُعتبر محمية هندية تقع في الحهة العليا من التهر 
الذي يمر في مونتريال. واكنشفت جئة ماري - كلود غوتييه في مكان يقع حلف 
محطة مترو فاندوم» وهي نقطة تحويل للقطارات المتجهة إلى الضواحي الحنوبية من 

376 


المدينة. تعرضت كلتا المرأتين للضرب المبرح والوحشي» كما جرحتا في منطقة العنق. 
كانت غوتييه في الثامنة والعشرين من عمرهاء أما بيتري فكانت ف الثانية والثلاثين 
من العمر. لم تتزوج أي واحدة منهماء كما عاشتا وحيدتين. تم استجواب المشتبه هم 
كالعادة» وتم التحقق من الأدلة. وصل التحقيق إلى طريق مسدود في كلتا القضيتين. 

أمضيت ثلاث ساعات أدقق في الملفات العائدة لماتين القضيتين» ولاحظت أن 
المعلومات الواردة فيهما قليلة جداً مقارنة بالقضايا الأخرى الي درسيّها في الأسابيع 
الستة الماضية. كانت المرأتان من بنات الموى. هل كان هذا سبب عدم التوسع في 
التحقيقات؟ هل تعرضت المرأتان إلى الاستغلال في حياتيهماء وإلى التجاهل ف 
موقما؟ هل كانت هذه طريقة مناسبة للتخلص منهما؟ منعت نفسي من 
الاسترسال في التفكير بهذا الشكل. 

تحت بص الضورالدائلية لاحات خا في ار جره الك عله 
الوجحوه كانت متمائلة بطريقة ما. أحسست باللون الأبيض الشاحب» والإسراف في 
وضع مواد الزينة» والنظرة الباردة والشاردة. أعادتئ التعابير الى ظهرت في وجهيهما 
إلى ذكريات ليليٍ الي قضيتها في ماين» أي عندما نظرت عن قرب إلى الذين بملأون 
الشوارع. أحسست أن وجهّي الضحيتين ينطقان باللامبالاة» وباليأس. رأيت هذين 
الإإحساسين بطريقة حية ومباشرة» أما هنا فأراهما بطريقة جامدة. 

نشرت أمامي صور مسرح الحرعة» لكنئ علمتُ مقدماً تفاصيل القصة الي 
ستنطق يها هذه الصور. شاهدت في صور بيتري: الباحة» وغرفة النوم» والحثة. 
وشاهدت في صور غوتبيه: احطةء والغابة» واحثة. ظهر رأس بيتري شبه مقطوع. 
جرحت عنق غوتييه أيضاء وبدت عينها اليمئ مثل العجين. أدت وحشية الاعتداء 
على هاتين الضحيتين إلى أن تشملهما تحقيقاتنا. 

قرأت تفاصيل عملية التشريح» وفحص السموم» وتقارير الشرطة. جرت كل 
عناصر المقابلات وملخصات المحققين. استخرر حت كل تفاصيل تحر كات 
الضحيتين» وكل تفاصيل حياتهما وموقما. نقلت كل معلومة مهما كانت دقيقة 
إلى الحدول الأولي الذي أعددئه في جهاز حاسوي. لم أحصل على الكثير منها. 

معت تم ركات الرجال الآحرين يروحون ويجيئون» بالإضافة إلى أصوات 
تحريك الكراسي. معت أصوات مداعياتهم أيضاًء لكنئ لم أ ركز كثيراً على هذه 

377 


الأمور. أشارت عقارب الساعة إلى ما بعد الخامسة عندما أغلقت الملفات أخيراً. لم 
ی رج الرجال سرع راان رقت زاس کرات ينظ ال 

"أتريدين رؤية الغجر؟" 

"عما تتحدث؟" 

ا 00 

"أحلء لکن المهرجان انتهى يا رايان". من أخبره يا ترى؟ وكيف؟ وهل 
كانت هذه طريقته في دعوتي إلى حضور مناسية اجتماعية؟ 

"انتهى المهرجان حقاًء لكن لم تفرغ جعبة المدينة. سيقوم فريق الغجر 
بالعرف ف المرفا القدبم. إنه فريق رائع". 

"لا أظن أن أستطيع الذهاب يا رايان". لكنيْ فكت بالذهاب حقا. سبق 
لي أن فرت بالأمر في الواقع. رفضت الذهاب لهذا السبب. لا أستطيع الذهاب 
الآن» أو ليس قبل أن تنتهي التحقيقات» أو على الأقل ليس قبل أن يتم إلقاء القبض 
على ذلك الحيوان. 

نظرت تلك العينان الساحرتان إلي: "حسناً اقتنعت» لكن عليك أن تأكلي". 

أصاب في قوله هذا. لم تحتذبيي فكرة تناول وجبة من طعام محمد 5 
كلا. لا أنوي أن أبدو أمام كلوديل عظهر غير لائق. 

A 

"نستطيع استعراض بعض أفكارك هذه أثناء تناولنا وجبة من البيتزا". 

"إذا فهو احتماع عمل" . 

'بالتأكيد". 

هل حقاً أريد مناقشة القضايا؟ بالطبع. لكنى شككت في بعض تفاصيل 
القضيتين الإضافيتين. تساءلت عن مغزى تشكيل فريق العمل. أعطانا رايان الرواية 
الرسمية» لكن ما هي حفايا الأمور؟ هل هناك خيوط يتعيّن علي معرفتها؟ أم يجدر 
بي أن أتجنب بعض هذه الخيوط؟ 

معت الضجيج مرة أخرى. 

هل يقدم الآحرون على التفكير مرتين؟ بالطبع لا. 


378 


"'بالتأكيد يا راياك. أين تريدنا أن نذهب؟" 

هر كتفه: "هل يناسبك مطعم آغبيلا؟" 

يقع ذلك لمطعم بالقرب من شقي. تذكرت المكالمة الي أحريتها الشهر 
الماضي عند الرابعة صباحاء والصديق الذي أردئه أن يكون معي. ها أنت تصايين 
بالرعب يا برينان. يريد الرحل تناول وحبة بيتزاء وهو يعرف أنك تستطيعين أن 
تركين السيارة في منزلك. 

"أيناسبكَ أنت؟" 

"إنه على طريقي". 

طريقه إلى ماذا؟ لم أساله. 

"رائع» إذاً سأراك هناك بعد..." نظرت إلى ساعي. "ثلاثين دقيقة؟" 

وصلت إلى شقيء وملأت طبق بيردي» لكنئ امتنعت عن الوقوف أمام 
المرآة. لم أمشّط شعري» ولم أضع حمرة على دّيء لأنه غداء عمل. 

احتسى رايان زحاحة من شراب الشعير البارد» بينما شربت أنا زحاحة كوك 
للحمية أثناء انتظارنا للوجبة الأساسية» وكانت الساعة تشير إلى السادسة وخمس 
عشرة دقيقة. لم يضف رايان جبن الماعز إلى طبقه. 


"أخطأت في هذا". : 
"يه اخ 
"أعتقّد أنكَ 5 1 قليلدٌ". 


"إنني أعرف ماذا أريد". 

تبادلنا بعض الأحاديث لفترة من الزمن» ثم غيّرت الموضوع: "حدّئني عن 
تيك القضيتين الأخيرتين. لماذا تحققون في قضيتي بيتري وغوتييه؟”" 

"طلب من باتينيو أن أسترجع كل الحرائم العالقة في أمن كيبيك واليّ تتميز 
.عواصفات معينة. رجعت إلى عام 1985. ويتلخص النمط الذي نركز عليه في 
الأمور التالية: الإناث» الإفراط في القتل» والتشويه. بحث كلوديل ي كل قضايا 
شرطة مونتريال. طلبنا من مراكز الشرطة المحلية أن تفعل الأمر ذاته. ظهرت أمامنا 
هاتان القضيّتان حى الآن". 

"هل كرتم على المقاطعة فق ؟" 

379 


ا 

لبثنا صامتين عندما وصلت النادلة» وعند تقطيعنا للبيتزا ووضعها في طبقينا. 
طب رابات قظعة أخري من فيل غيل ی نين امیت عم طلب بؤاخدة ل غا 
غلطتك وحدك يا برينان. ُ 

“لا تفكر أبداً بلمس قطعق". 

"لا أحبها". جرع كوبه. "أتعرفين ماذا يسري داخل الماعز؟" 

عرفت لكني ل قل ٍِ 

"ماذا عنيت بعبارة ليس تماما؟" 

"طلب مين باتينيو في البداية أن أفتض في الحرائم الي حدثت داحل مونتريال 
وحوها. ما إن وصلت المعلومات حول الجرائم من كوانتيكو حن أرسل إلى 
اللدغي العام وصفاً تجميعياً مكوناً من معلوماتناء وا معلومات الي لديه. أراد أن 
يعرف ما إذا كانت لدى شرطة مونتريال قضايا ممائلة". 

"ثم ماذا حدث؟" 

"كانت السحة مله يدو أن را عو من السسكان لين" : 

تابعنا تناول الطعام بصمت لفترة من الوقت. 

سألي أخيراً: "ماذا كانت حصتك من القضايا؟" 

أحذت وقي قبل إعطاء جوابي. ّْ 

"أمضيت ثلاث ساعات فقط في دراسة الملفات الجديدة» لكن هذه الملفات لم 
تكن متوافقة بطريقة ما". 

"أتعنين من وججحهة نظر بنات المهوى؟" 

"أحلء لكسن بالإضسافة إلى أمر آعر. نعرف أن عملية القتل قد اتسمت 
بالعنف, ولا حدال في ذلكء إلا أنما شديدة... 

كنت أحاول استخدام كلمة عدر ا الب شعرت ها طيلة المساءء 
لكسني لم أوفق. وضعت قطعة بيتزا في طبقي» وراقبتُ قطع البندورة والأرضي 
شو كي أثْناء تسريها من العجين. 

0 التعقيد". 


معقدة؟" 


380 


"نعم» معقدة". 

"يا ا إفي يا بريئان, ماذا تريدين؟ هل رأيت شقة آل آدكينز؟ أو شقة 
موريسيت - شامبو؟ بدت الشقتان مثل الشجرة المجروحة 6" 

"فا الركية". 

"ماذا؟" 

"الركبة. إنما الركبة اجروحة". 

"أتعنين المنود؟" 

أومأت. 

"أنا لا أتحدث عن الدماء. بدا مسرحا الخرعة عند بيتري وغوتييه» مثل... 
ماذا؟" بحثت» بحدداً عن كلمة مناسبة. "فوضى» ومن دون تخطيط. أما بالنسبة 
للجرائم اأ ر ر أن ذلك ارج كان يعرف ناذا يقوم به بالضبط. 
دحل إلى شققهن» وأحضر سلاحه الخاص» ثم أخذه معه. ولم يعثر على سلاح في 
الأماكن الأخرى. هل هذا صحيح؟" 

أومأ. 

كه سكين مع غوتييه". 

"لم يعثر على بصمات مع ذلك. يوحي هذا بوحود تخطيط مسبق". 

"حدث ذلك في فصل الشتاء» ولعل القاتل قد وضع قفازين في يديه". 

تحرعمت ما بقي لي من زجاجة الكوك. 

"بدت الجشتان وكأنهما تركتا للتو» وأشرطة كان اھ چ كر 
ارش أما بيتري فكانت ملقاة على عنما اك ها عت فق ا 
فتجمع عند كاحليها. الى نظرة أخحرى على صور هوريسيت : ل 
بدت ا ا ا وُضعت الحثتان على 
ظهريهماء مع إبعاد سيقافنٌ» وإسبال أذرعهنٌ أي تماما مثل لعبتين» أو مثل راقصيّ 
باليه. يا إلهي. بدت آدكينسز وكأفا كانت تدور حول نفسها. لم تكن ملابسهما 
ممزقة» بل كانت مفتوحة بعناية. بدا منظ رهما وكأن القاتل تعمّد عرض ما فعله بهما". 

لم يقل رايان شيقاً. ظهرت النادلة» وقالت إِنما تريد أن تتأكد من استمتاعنا 
بوجبتنا. سألتنا إن كنا نريد أي شيء آخر ثم سلمتنا الفاتورة. 


301 


نا 


انلك برا آحر مع هاتين القضيتين الأحيرتين» فقد أكون مخطئة 
تماماً". 


اله 


يفترض بنا أن نحسم هذا الأمر" 

أمسك رايان بالفاتورة» ون وا E‏ "سأدفع أنا هذه 
المرة» وتدفعين أنت ق المرة القادمة". 

أسكت اعتراضاقي عندما مس شف العليا. راح يمرر سبابته حول زاويتي فمي 
ببطء شديد» ثم رفعها أمام عيني. 

قال: "الماعر". 

كان الأمر أهون علي لو غزا النمل المفترس وجهي. 

وصلت إلى شقي لأجدها فارغة. لم أتفاجأ» لكن قلقي على غابي ازداد 
كيرا ين أن تحير تانح ونيف اسل اناعد اماما 

استلقيت على الأريكة» وفتحت جهاز التلفزيون كي أشاهد ألعاب إكسبو. 
مح مارتينيز في تسجيل نقطة في لعبة كرة القاعدة. أحذ المذيع يصرخ بجنون» لأن 
الرحوع إلى الدّاف كان في غاية الصعوبة. 

تابعت المشاهدة حى تلاشى صوت المذيع وأصبح حافتاً» عندها چ مكانه 
الضجيج الذي ملا راسو . ما هو دور بيتري وغوتييه ما جري؟ ماذا تعيٰ كلمة 
خاناواكي؟ كانت بيتري من الموهوك, أما بقية الضحايا فكنٌّ من البيض. سبق 
للهنود أن حصيو ف بحس فر قبل أربعة أعوام» وجعلوا من حياة المارة على 
ال ار وبقيت العلاقات ما بين ا محمية المندية وجيراها فاترة أكثر ما 
هي ودية. هل لهذه الواقعة أهميتها؟ 

كانت غوتيبه وبيتري هن بئات الحوى. أوقفت بيتري مرات عديدة» لکن لم 
يكن لدى الضحايا الأخريات سجلات لدى الشرطة. هل يعن هذا شيئا؟ لو أن 
احتيار الضحايا كان عشوائياًء فما هي هذه الصدفة ال جعلت ضحيتين من أصل 
سبع من بنات الهوى؟ 

هل أثبت مسرحا جرت موريسيت - شامبو وأدكينز وحود تعمّد في 
التشويه؟ أم أني أتوهم وحود هذا التعمد في عرض الجريمة؟ أم هل أن ذلك كان 
عَرضياً؟ 


382 


هل توجد زاوية دينية في الأمر؟ لم أتفحص هذه الناحية في الواقع» لكن إذا 
كان الأمر على هذا النحوء فما هو مغزى ذلك؟ 

استسلمت في فهاية الأمر إلى نوم مضطرب. رأيت نفسي في هاين» وشاهدت 
غابي توشر نحوي من نافذة غرفة تقع في الطابق العلوي لفندق مهمل. لاحظتٌ أن 
غرفتها حافتة الأنوار» لكنئ استطعت رؤية أشخاص يتح رکون فيها. حاولت أن أعبر 
الشارع كي أصل إليهاء لكن عددا من النساء تجمعن حارج الفندق» وبدأن برشقي 
بالحجارة» وذلك ما إن بدأت بالتحرك. بدا الغضب على وجوههنٌ. ظهر وجه في 
الغرفة شبه المعتمة وراء غابي. عرفت صاحبته. إا كونستانس بيتري. حاولت بيتري 
أن تضع شيئاً ما فوق رأس غابِي» ولعله فستان أو ثوب نوم أو ما شابه ذلك. قاومت 
غابي واستمرت تشير نحوي لكنها أصبحت يائسة أكثر. 

اھان کر با شنح قر قو لاض وعدت بودي :راقن على 
بطي وقد نشر ذيله في حالة استرحاء, أما عيناه فتسمرتا على وجهي. 

"شكراً لك". 

أزحتُه من فوقي» ومضت جالسة. 

"ماذا يعي ذلك بحق الجحيم يا بيرد؟" 

اعتدت أن لا تكون أحلامي بلا معن محدد نها. وتعود لاوعبي أن ينتقي 
تجاربي الي مررت يما حديثاً ويلقيها في وجهيء لكنها عادة ما كانت تأحذ شكل 
أحجية. ينتابي اانا شعور آرثر الذي يشعر بالإحباط نتيجة إحابات ميريلين 
الغامضة. آه لو تخبرن! فكر يا آرئر. فكر. 

ماذا ب يعن الرشق بالحجارة؟ الأمر واضح: كرة هار تينيز الرأسية. ماذا بشأن 
غابي؟ TT‏ بدأت وخزة من الخوف بالتشكل عندي. 

بنات المهوی. كانت بيتري وغوتييه بني هوی» لكنهما ماتتا. تعمل غابي مع 
بنات المهوى» وقد تعرضت للملاحقة. اخحتفت غابي. ايعقل وحود رابط بين 


الأمرين؟ هل يُعقل أن تكون في ورطة؟ 
كلا. لقد استغلتك يا برينان. فعلت ذلك ا بك» وأنت تقعين دائماً 
ضحية ألاعيبها. 


رفض النوف الذي يعتمل في داحلي أن يتقلص. 
383 


ماذا بشأن الرحل الذي يلاحقها كظلها؟ بدت حينها أا خائفة حقاً. 

غادرت مزلي من دون أن تترك حن رسالة مختصرة لي. يبدو أا اضطرت 
للمغادرة بسرغة من دون أن تقول لي شيا 

ألا ممل ذلك ضغطاً كبير» حي على امرأة قوية مثل غابي؟ ازداد الخوف 
الذي أشعر به في أعماقي. ع 

"حسناء دعينا نرى يا دكتور ماكولاي". 

توجهت نحو غرفة الضيوف وبحثت فيها. من این أبدأ يا ترى؟ سبق لي أن 
جمعت أغراضها وكومتّها في أرضية الخزانة. لم أشعر برغبة في تفتيشها. 

توحجهت نحو كومة المهملات هذه. يت هده الكربة اف غاا 
وحدت مناديل ورقية» ومغلفات قطع الحلوى» ورقائق معدنية» وورقة مبيعات 
من متجر ليميته» ووصلا من آلة الصِرّاف الآلي. وأخيرا ثلاث كرات من 
الأوراق ابمجعدة. 1 

فتحتُ الكرة ذات اللون الأصفر. وجدت على ورقة مسطرة كتابة بخط غابي 
جاء فيها: ١‏ 

"آسفة. لا أستطيع الاستمرار بهذا. لن أغفر لنفسي إذا..." 

اتتهت الكتابة عند هذا الحد. هل هذه هي مذكرة موحهة لي؟ 

فتحت كرة الأوراق الصفراء الثانية: 

"لن أستسلم لهذه المضايقات. أنت تسبب لي الضيق بحيث..." 

توقفت مرة ثانية» أو أن أحدا أجبرها على التوقف. ماذا كانت تحاول أن 
تقول؟ ولمن توجه كلماها؟ 

كانت الكرة الأخرى بيضاء اللون» وأكبر حجما. احترقتن موجة من الخوف 
عندما فتحتهاء وسرعان ما تلاشت كل المشاعر العدائية الى كانت تعتمل في 
ذهئ. مسدت الورقة بيدين مرتعشتين وحدقت فيها. 

رأيت رما بقلم الرصاص. كان الشكل الذي توسط الورقة امرأة بشكل 
واضح. رُسم ثدياها وأعضاؤها التناسلية بتفصيل دقيق. أما الجحذع» والذراعان» 
والساقان فقد ر سمت بشكل غير دقيق» و بدا الوجه ساون :ينين علي رابك 
الظلال بشكل غير واضح. بذ طلخ الرااة مجر جا وبر ريض الدع وها منه 

384 


لتشكل دائرة حول الشكل الأساسي. ريت كتابة بخط يد شخص غريب جاء 
فيها: 
"مهما كانت تحر كاتك» ومهما كانت خطواتك التي تخطوها. لا تقطعني". 


385 


30 





شعرت بقشعريرة من البرد تحتاح جسدي. أوه» حماك الله يا غابي! بأي ورطة 
وقعت؟ أين أنت الآن؟ تطلعت إلى الفوضى انحيطة بي. هل هذه هي الفوضى الي 
اعتادت غابي أن تتركها وراءهاء أم أنها نتيجة عملية فرار مفاجئة؟ 

انك قي مكرك لق عدو كرو ا FA‏ 
أنا؟ أم إلى الرحل الذي يلاحقها؟ لن أغفر لنفسي مطلقا إذا ما حدث ا مكروه؟ 
من يكون ذلك الرحل الذي يضايقها؟ نظرت إلى الرسم» وأحسست بالشعور ذاته 
الذي تملك عندما نظرت إلى صور مارغريت آدكينز السينية. شعرت بنذير 
السوء. لاء ليس غابي. 

اهدئي يا ا فكري! 

أسرعت إلى الحاتف. حاولت الاتصال بشقة غابي» ثم .مكتبها بعد ذلك. ردّت 
علي الآلة امجيبة» والبريد الصوي. فليبارك الله العصر الإلكترون! 

فكري. 

أين يعيش والداها؟ هل يسكنان فی تروى ريفييه» 411؟ وحدت اسم ماكولاي» 
نيل في الدليل. معت صوت امرأة عجوز. ردت علي بالفرنسية. قالت إهُا سعيدة 
لسماع صو بعد مرور كل هذه المدة الطويلة. سألتي عن أحوالي» وقالت لي إنما لم 
تتحدث مع غابي منذ أسابيع عديدة. أضافت أن هذا الانقطاع ليس مستغربا. 

هكذا هم الشباب» فهم مشغولون على الدوام. سألتني إن كانت هناك 
مشكلة ما. أكدت ها أن كل شيء على ما يرام. ووعدتها بزيارة قريبة. 

386 








والآن ماذا؟ إنين لا أعرف أيا من أصدقاء غابي الحاليين. 

هل أتصّل برايان؟ 

ل إنه ليس وى امراك وعاذا'ستقولين لد علن آي جال؟ 

اهدئي قليلاً. فكّري. أحضرت لنفسي علبة كوك للحمية. هل أفرطت في رد 
فعلي؟ عدت إلى غرفة الضيوف وتفحصت الرسم ثانية. هل أفرط في رد فعلي؟ 
اللعنة؛ إني أتصرف دون المستوى المطلوب! بحشت عن رقم معين» وأسرعت إلى 
الهاتف, ثم طلبت الرقم. 

"مرحبا". 

حهدت كي أحافظ على ثبات صوتي: "مرحباً يا جاي. أس. آنا تمب". 

"يا إلهي! تتصلين مرتين في غضون أسبوع واحد. اعتر قي» لا تستطيعين 
الابتعاد عي". 

"مر أكثر من أسبوع واحد". 

"إنيني أعتبر المدة الي هي دون الشهر .كثابة دلیل على انحذاب لا يقاوم. ما 
عندك؟" 

"عا أن ا" 

لف الرجل اها ق ضر فرت لمعه و اشير قلف حت کان 
المداعبة. 

"هل أنت بخير يا تمب؟ ما الأمر؟" 

'إنهما القضيتان اللتان حدّثتك عنهما في الأسبوع الماضي". 

اليناف ديك ی ع ووی مح ةريد افع ا 
قد أدركوا مدى نفوذك. هل تلقوا تقريري؟" 

"أحل. لقد أحدثت فرقاً في الواقع. قزرو شک قورف غناو بسر عمل 
الفريق سيرا جيدا". 

لم أعرف كيفية إحفاء قلقي على غابي» ولم أرغب في استغلال صداقتنا أكثر 


من ذلك. 
"هل أستطيع أن أطرح عليك بضعة أسئلة أحرى؟ هناك أمرّ آخر يقلقي» وأنا 
لا أعرف لماذا..." 


387 


لماذا تترددين في طرح السؤال؟ اطرحيه على الفور". 

من أين أبدأ؟ أما كان يجدر بي أن أحضّر لائحة بالأولويات. كانت حالة 
ذه تشبه غرفة غابي» وتناثرت فيه الأفكار والصور عشوائياً. 

a 

"أجل. قلت لي ذلك". 

"افتقد ان مهتمة من تسميهم الذين يرتكبون عخالفات جنسية غير 
مشروعة". ۰ ۰ 

"همل يشتمل ذلك على ملاحقة امرأة ماء أو الاتصال بماء ولكن من دون 
القيام بأي شيء بشكل فاضح؟ ۰ 

"هذا أمرٌ محتمل". 

هل أبداً بالحديث عن الرسم؟ 

"أخبرتئ في المرة الماضية أن الذين يرتكبون هذه المخالفات الي تتسم بالعنف 
يدوّنون سجلات خاصة يهم؟ سجلات على شكل أشرطة ورسومات؟" 

"هذا صحيح". 

الفل حط الاين افون ا شرن سا عن اناا 

"يحتفظون ,عاذا؟" 

"هل يرسمون رسومات معينة أو أشياء مثل ذلك". 

"يحتمل هذا". ١‏ 

"لمكن أن يوحي محتوى الرسومات ممستوى العنف الذي يستطيع ذلك 
الشخص أن يصل إليه". 

الح ارزو بسر امه سف اشام بالنسبة لشخص ماء أ E‏ 
لجرك لكن من دون الانغماس في العنف. وقد يكون الرسم ا لشخص 
آخر دافعاً للانطلاق» أو لإعادة تكوين ما فعله سابقاً". 

رائع. 2 

"وجدت رما يمثل امرأة شق بطنهاء وانتشرت أحشاؤها من حوها. ماذا 
يوحي هذا الرسم؟" 

388 


"ل تمتلك فينوس دي ميلو أي أذرع. ولم يحمل رسم جاي. آي. جو 
عضوه. ماذا تعين هذه الأشياء؟ الفن؟ أم وحود رقابة؟ أو هل يدل ذلك على 
الانخراف اللجنسي؟ يصعب تحديد ذلك عن بعد". 

5 ماذا يجدر بي أن أحبره؟ 

: 0 يعود هذا 0 إلى 0 سان جاك؟" 
0 ا 
"أجل. إفهم يبدأون عادة في التلصّصء أو بالمكالمات الحاتفية البذيئة. يبقى 
بعضهم عند هذا ا مستوى» بيدما يتحرك آحرون نحو مستويات أعلى: يكشف 
هؤلاء أنفسهمء ويأحذون عمطاردة ضحاياهم» وحن إنهم يدحلون البيوت بالقوة. 

يختار الآخرون أن يتقدموا نحو الاغتصاب» وحن الجرعة". 

"هل يعي هذا أن بعض ساديي الجنس قد لا يلجأون إلى العنف بالفعل؟" 

"ها قد عدنا للحديث عن قضية الساديين الجنسيين. سأعود إلى الإحابة عن 
بعضهم الأدوات الغريبة أو الحيوانات» ومن غير المستغر ب أن يجدوا شركاء 
متو اطئين معهم". 

"أتقول شركاء متواطئين؟" 

"إخم الشركاء الطائعون الذين يسمحون لاحر القيام بكل ما تستدعيه هذه 
الخیالات. خدث ذلك على شكل 00 أو إذلال» أو حئى عبر التسيت بالاألم. 
يحتمل أن يكون ذلك الشريك زوحةء أو 00-0 أو إحدى النساء اللواقي يدفعن 
اا 

"أتعيي أنه من الممكن أن تكون الشريكة بنت هوئ؟" 

"بالتأكيد. لا تمانع بنات الموى» أو معظمهنٌ على الأقل من القيام بدور ضمن 
حدود معينة ". 

"وهل يؤدي هذا إلى إماد نزعات معينة نحو العنف؟" 

"يحتمل هذا ما دامت تلك الشريكة تستمر في تأدية دورها. ينطبق الأمر ذاته 
على الزوحة أو الصديقة. أما حين تمل الشريكة الطائعةء أو الخاضعة» من دورها 

389 


هذاء فإن الأمور تسوء. تقوم الشريكة» بدور كيس الملاكمة» ثم تنسحب فجأق 
وحن أنها قد مدد بفضح العملية كلها. عندهاء يشعر المنحرف بالغضب الشديدء 
ويقوم بقتلها. يكتشف الرجل أنه استمتع بعملية القتل» وهكذا يعضى لتنفيذ جحركته 
التالية". 

قال الرحل شيا ضايقي. 

"دعنا نعود بحديثنا قليلاً. ماذا قصدت بقولك أشياء غريبة؟" 

"قصدت أشياء مثل الصور» والألعاب» والملابس» أو أي شيء في الواقع. 
عالت شخصاً اعتاد أن ينهال ضرباً على صورة مكبرة بحجم الإنسان الطبيعي 
تعود إلى فليب ويلسون". 

"أكره طرح سؤال عن التفاصيل". 

"قد يتلك الرجل حقدا دفينا ضد السود.ء والشاذين» والنساء. يحقق الرحل 
ثلاثة أهداف في كل مرة يتحرك فيها". 

"بالطيع". 

استطعت أن أسمع أنغام شبح الأوبرا تتسلل من مكان ما في الطرف الآخر 
ا 

"إذا أقدم شخص ما على هذا يا جاي أس. أعي إذا رسم صورةء أو 
استخدم لعبة على سبيل المثال» فهل يعي ذلك وجوه احتمال أن لا يلجأ إلى 
القتل أبدا؟" 

"يحتمل هذاء لكن بحدداً أقول لك أن أحداً لا يعلم كيف سيغيّر ذلك 
الشخحص ححطه البياي» ويندفع في كسر ذلك الخط؟ يحدث أن تتمكن صورة عادية 
من إرضائه» لكن ذلك قد يتغيّر في أي لحظة". 

"هل يستطيع ذلك الشخص أن يقوم بالأمرين معا؟" 
"أي أمرين؟" 

"أعي أن يقلب مزاجه فيقوم بقتل بعض الضحاياء بينما يكتفي .علاحقة 
ومضايقة أحريات؟" 

'بالتأاكيد. يعود أحد الأسباب إلى أن سلوك الضحية قد يغيّر المعادلة. يشعر 
ذلك الشخص بالإهانة» أو بالرفض من حانب شريكته. يحتمل أن تقول هذه 

390 


الشريكة كلاماً غير مناسب» أو أن تتجه إلى اليسار بدل أن تتجه إلى اليمين» وليس 
من الضروري أن تعرف الضحية ما يفكر فيه. يتعيّن أن لا تنسّي أن معظم القتلة 
التسلسليين لا يلتقون ضحاياهم في العادة. تنجح النساء في الإثارة عادة» لذلك فقد 
يعيّن دوراً معيناً لامرأة ماء ثم يختار دوراً مختلفاً لامرأة أحرى. يستطيع ذلك 
الشخص أن يحب زوحته. ثم يخرج كي يقتل. 0 
فريسته» بينما يعامل شخصاً آحر باعتباره ا 

"وهكذاء هل يتمكن أحدهم من العودة إلى طرائقه الي تتسم ميل أقل إلى 
العنف» حي ولو بدأ بالقتل في حالات معينة؟" 

"يحتمل ذلك". 

"إذا» ايحتل أن يُقدم احد الأشخاض» الذي يبر غريب الأطوارء على أمور 
اشد خخطورة؟" 1 

'بالتأكيد". 

"وهل يحتمل أن يتصل أحدهم بضحيته» ثم يبدأ بملاحقتهاء ثم يرسل إليها 
رسومات غريبة ليست بريئة بالضرورة» حت ولو بقي بعيداً عنها؟" 

"أنت تتحدثين عن سان جاك أليس كذلك؟" 

هل جنا زد ادت ليه 

"هل هو من النوع الذي يفعل هذا؟" 

"لقد افترضت فقط أننا نتحدث عنه» أو عن أي شخص آخر يحتفظ بشقة 
العرائس تلك" . 

ی ی عل ب 

"أصبح الأ شخصيا با اق اس" 


"ماذا تعنين؟" 
احبرته كل شيع وحدثته عن غابي. وحوفهاء ومغادرها المفاجحعة» وعن 
غضبي الذي تحول الآن إلى حوف. 


"اللعنة يا برينان! كيف تقحمين نفسك في هذه الأمور؟ اسمعي» يبدو لي أن 

هذا الرحل نذير شؤم. قد لا يكون سان جاك مسؤولاً عن لغز غابي» وقد یکون» 

لكن ذلك يبقى احتمالاً وارداً. يلاحق ذلك الحرم المفترض النساءء وسان جاك 
391 


يلاحسق النساء فعلاً. إنه يرسم صورا تمل نساء منسزوعة الأحشاءء وقد لا يكون 
ل 0 بمضي سان جاك, أو كائناً من كان 

ك الوحش» في قتلل النساى ثم يقطعهنٌ > أو يقوم بالتمثيل يمن. ما رأيك في 
ذلك". 

حولي وجهك بعيداً عن ضوء النهار الساطع... 

سألئى جاي. أس: "مى انتبهت لذلك الرحل لأول مرة؟" 

"لا أعرف". 

"هل بدأ ملاحقتها قبل انكشاف هذا الأمر كله أم بعده؟" 

"لا أعرف". 

"'ماذا تعرفين عنه؟" 

"لا أعرف الكثير. إنه يلازم بنات الموى» ويدفع مالا لقاء الحصول على متعته 
الجنسية» ثم يقوم بتمثيل الدور مع ثياب النوم الخاصة بضحيته. إنه يحمل سكيناء 
ولذلك لا تستطيع معظم النسوة أن يفعلن أي شيء إزاءه". 

"وهل هذا يسبب ارتياحا بالنسبة إليك؟" 

"أريدك أن تبلغي هذا إلى الرجال الذين تعملين معهم. دعيهم جروا عن هذا 
الأمر. تقولين إن غابي غريبة الأطوار» لذلك قد لا يكون احتفاؤها مقلقاً» ورعا 
تكون قد غادرت من دون وجود سبب مهم. إنما صديقتك» كما أنك تلقيت 
قديداً بدورك. الجمجمة» والرجل الذي لاحقك بالسيارة". 

اله دلق 

"أقامت غابي معك» ثم احتفت فجأة. يستدعي ذلك تفحص الأمر". 

"صحيح. سيقفز كلوديل على الفور ويقبض على الرحل الذي تعود سرقة 
ثياب النوم". 

"الرحل الذي تعرّد سرقة ثياب النوم؟ لا بد أنك أمضيت وقتاً طويلاً حداً مع 
رجال الشرطة". 

توقفت عن الكلام قليلاً. كيف حصلت على هذه المعلومة؟ لعلي حصلت 
عليها من شبه الرجل ذاك. 

392 


"هناك رجحل غريب الأطوار يقوم بدحول البيوت» ويسرق ثياب النوم 
ويطعنهاء ثم يغادر الملتزل: ثابر الرجل على هذه التصرفات أعوام عديدة. يطلقون 
عليه لقب شبه الرجحل". 

"إذا استمر بالقيام بتلك الأفعال لأعوام عديدة فلا يعني ذلك أنه معتوه إلى 
هذه الدرجة". 

"كلا. كلا. إننا نطلق عليه هذا اللقب بسبب ما يفعله بثياب النوم» وكأنه 
يطعن دمية". 

هل يدل هذا على أن الرحل مضطرب عصبياء أم أنه شبه رحل» أو دمية. 

تسيو الع 

قال جاي. ا س شيئاء لکن ذهني شرد بسرعة قياسية. تخيّلت الدمية» 
وثوب النوم» والسكين. تذكرت أن بنت هوى تدعى جولي تعودت العبث 
بثوب النوم» والرسم الذي يمثل جحزرة» والذي حمل كلمات لا تقطعني. وماذا 
بشأن أقصوصات مقالات الحرائد الى وحدت في تلك الغرفة الموجحودة يي 
شارع بيرغر؟ وعلى الأحص تلك المقالة الى تتحدث عن دمية بثياب النوم» 
بينما حملت مقالة أخرى صوري المقتطعة الى حملت علامة ×. تذكرت أيضاً 
تلك الجمجمة المسفدة» واليي حدّقت بي من خلال شجيرات حديقي» وكذلك 
وحه غاي الذي ينطق بالرعب عند الساعة الرابعة صباحاء بالإضافة إلى الفوضى 
الي ظهرت في غرفة النوم. 

"يتعيّن علي إفاء الاتصال يا جاي. أس". 

"عدي يا تمب أنك ستفعلين ما سأقوله لك. يُحتمل أن يكون الأمر حطيراء 
لكن قد يكون ذلك المعتوه هو الذي يدير ذلك الوكر الموجود في شارع بيرغر. قد 
يُقدم ذلك الرحل على قتلك. وإذا كان الأمر كذلك فأنت في حطر كب لأنك 
تقفين في طريقه» ولذلك يعتبرك تديداً له. إنه تلك صورتك»: وقد يكرت هو الذي 
وضع جمجمة غرايس داماس في حديقتك. إنه يعرف من تكونين» ويعرف كذلك 
أماكن تواجدك". 

لم أكن أستمع إلى جاي. أس. بدأت بالتحرك ذهنياً سلفاً. 

393 


استغرقي عبور وسط المدينة ثلاثين دقيقة» ثم تابعت سيري نحو شارع ماين 
قبل أن أحد البقعة الى أبحث عنها. شاهدت أحد مدمي العقاقير غير القانونية 
اا و ار روات وعدن أن ادوس على عليه و مدنا 
انشغل هر رأسه على أنغام موسيقى الغرب والريف الصاخبةء وال تسللت عبر 
الجدار الحجري. ابتسم الرحل ورفع يده ملوحا بإصبع واحدء ثم فتح راحة يده 
ومدّها باتجاهي. 

فقشت ف حيبي وأعطيته دولاراً كندياً واحداً. يحتمل أن يعتين الرجل 
بسياري مقابل هذا الدولار. 

يُعتبر شارع هاين تجمعاً غريباً من الأشخاص الذين يحبون التسكع في الليلء 
لكني تمكنت من أن أشق طريقي من بينهم. شاهدت شحاذين» وبنات هوى» 
ومدمي عقاقير غير قانونية» اا جع عضن امحاسيان واه في مجموعات 
صغيرة) وبدا أنهم يستمتعون ويحتفلون. يبدو أن بعضهم اعتبر أن ما يجري هو جرد 
اماع ا د بلي ١‏ نا ملعك كراج رار 
البهجة. رأيت لافتة حاء فيها: 0 

حيجرت ی المرةء أي أن أتحرك الآن بشكل يختلف عن زيارتي في 
المرة السابقة. سرت باتحاه سانت کال ثرين على أمل العثور على جويل تامبو. لم 
يكن الأمر يذه السهولة. لم تكن جويل جزءا من مجموعة الحلات الموجودة حارج 
فندق غرانادا. 

عبرت الشارع وتأملت النساء اللواتي كنّ موجودات هناك. لم تسارع 
إحداهنّ إلى رشقي بالحجارة. اعتبرت ذلك مؤشرا جيدا. ما هي الخطوة التالية 
الآن؟ كوّنت لنفسي فكرة كافية عمًا يتعيّن علي الامتناع عن فعله» وذلك منذ 
زيارتي الماضية إلى هذا المكان. لم يساعدن هذا في معرفة ما يجدر بي القيام بي. 

تعوّدت أن ألتزم بقاعدة لطالما أفادت كثيرا في الحياة. تة تقول القاعدة لا تفعل 
شيئاً عندما تكون متشككاً. إذا ل تكن متأكداً فلا تقتنع > ولا تعلّق» ولا تلتزم 
بشيء. الزم المدوء. سبق لي قود كر a‏ 5 تذكرت ما 
حدث لي عندما ارتديت الفستان الأحمر بياقته المتجعدة. تذكرت أيضاً تلك 
الرسالة الغاضبة الي أرسلتها إلى نائب المستشار. قررت أن ألتزم عمبدئي هذه المرة. 

394 


وحدت حجراً إسمتياء لذا نظفته من قطع الزحاج المكسورء وجلست. 
نظرت باتحاه غرانادا وانتظرت. انتظرت حي طال انتظاري. 

دهشت لفقرة من الزمن عندما ممعت من حولي شيئاً يشبه موسيقى 
المسلسلات التلفزيونية الي تمائل ماين ترنسز. حان وقت منتصف الليل» ومر وقتُ 
تعداه. أشارت عقارب ساعن إلى الواحدة صباحاً. نظرت إليها ثانية فإذا ها تشير 
إلى الثانية. تحدّثت قصة المسلسل عن الإغراء والاستغلال. تذكرت مسلسلات 
مثل: لماذا تسيئين إلى أطفالي» والشباب واليائسون. سليت نفسي بألعاب ذهنيةء 
وتصوّرت كل أنواع العناوين الرائعة. 1 00 

حلت الساعة الثالثة صباحاء ففقدت الاهتمام بالقصة. شعرت بالتعب» 
وبالإحباط» والضجر. عرفت سلفاً أن عملية المراقبة ليست شيّقة» لكني لم أكن 
متحضرة للخدر الذي سببته لي. شربت كمية قهوة كافية كي تمل حوض أسماك» 
وحضرتُ قوائم لا حصر لها في ذهبي» وحضرت رسائل عديدة عرفت أنني لن 
أكتبهاء ولعبت لعبة إحزر قصة حياة عدد كبير من الناس الذين يعيشون في 
كيبسيك. مر من أمامي جيئة وذهاباً عدد كبير من بنات الهوى والقوّادين» لكن 
جويل تاهبو لم تظهر أبداً. 

مضت وانثنيت إلى الوراءء وفكرت في تمسيد حسدي الذي كاد يقترب من 
الخدر الكامل» لكنيْ قررت ألا أفعل. لن أجلس على حجر إسمنيّ في المرة القادمة» 
ولن أبقى مستيقظة طيلة الليل في انتظار بنت هوى قد تكون ساسكاتون. 

شاهدت» ما إن قيأت للتوحه نحو سيارق» سيارة بونتياك ستايشن بيضاء 
اللون وهي تتقدم عند الناحية الثانية من الرصيف. خرجت سيدة ذات شعر 
تقال و اوک مارت اما ريدي تاا واظهر غار 

صفقت جويل تامبو باب سيارة البونتياك ثم انحنت نحو نافذة السائق كي 
تقول له أمراً ما. بعد قليل» أسرعت السيارة مبتعدة» وانضمّت جويل إلى امرأتين 
جالستين على درج الفندق. بدت النساء مثل ثلائي نسائي من سيّدات البيوت 
اللواي يتجاذبن أطراف الحديث على شرفة أمام منزل يقع في الضواحي» 
وسرعان ما تسارعت ضحكاقن في هواء الصباح. وقفت جويل بعد برهة من 
الزمن» ورفعت تنورتا القصيرة» ثم تح ركت مبتعدة. 

395 


بدأت الحركة تخف في شارع ماين» وبدأ الذين يبحثون عن مغامرات ليلية 
بالمغادرة» وظهر مكانهم عمّال التنظيفات. مشت جويل ببطء وراحت قر ردفيها 
بحر كات متناسقة. عبرت الشارع ومشيت خلفها مباشرة. 

جربل 94 3 

التفتت. ورأيتها ترسم ابتسامة متسائلة على محياها. ل تتوقع رؤيي أنا. 
تحركت عيناها لتتفحص وجهي بكامله» وبدت مندهشة» وخائبة. انتظرثها كي 

"هل أنت مارغريت مید؟" 

قلت مضه : : "تمب بريئان". 

حركت يدها بطريقة أفقية» وكأفا ترسم عنواناً لكتاب» ثم تحدثت بلهجة 
إنكليزية جنوبية وبإيقاع هادئ: "هل تعدين بحثاً كي تنشريه في كتاب؟ هل عنوانه 
امرأة ضائعة 0 عاد نويات الفوى؟" 

ضحكت: "لعلي سأبيع كتاباً من هذا النوع. هل أستطيع أن أمشي معك؟" 

ت کف بها اشرت لقنا عا دن اة ثم التفتت لتتابع مشيتها 
المتهادية البطيئة. تبعتها. 

"أما زلت تبحثين عن صديقتك يا عزيزي؟" 

اب كيل أن أحدك أبن في الواقع. لكني لم أتوقع أن تتأحري إلى هذا 
الوقت". 

ما تزال الدار مفتوحة يا عزيزت. أنا مضطرة أن أعمل كي أبقى في المهنة". 

کي 34 34 

مشينا عدة حطوات من دون أن نتبادل كلمة واحدة» لكن حذائي الرياضي 
أصدر أصواتاً تناغمت مع الأصوات المعدنية الى أصدرها حذاؤها. 

"توقفت عن البحث عن غابي. لا أعتقد أا ترغب أن يجدها أحد. جاءت 
لزيارتي منذ أسبوع» ثم غادرت جددا. أعتقد أا ستظهر على نحو مفاحئ في 
الوقت الذي يناسبها". 

نظرت إليها كي أتبيّن رد فعلها. هرّت جويل كتفيهاء لكنها لم تقل شيئاً. 
تمرك شعرها اللامع مع الظلال أثناء سيرنا. شاهدنا بين الفينة والأحرى لوحات 


356 


نيون آخر المطاعم الي تقفل أبوابماء تُطفأ واحدة بعد أخحرى. تحتفظ هذه المطاعم 
برائحة شراب الشعير ودخان السجائر ليلة أخحرى. 

"أود» تي الحقيقة أن أتحدث مع جولي". 

توقفت جويل عن السير والتفتت نحوي. بدا وحهها متعباء وكأن الليل قد 
أفرغه من تعابيره» أو لعل الحياة هي الي فعلت ذلك. تناولت علية من سجائر 
بلايرز من أسفل شكل فتحة الفستان. أشعلت سيجارة» ونقخت دحافا نحو 
الأعلى. 

'يجدر بك أن تتوحهي إلى منزلك يا حلوة". 

"لماذا تقولين هذا؟" 

"أنت ما تزالين مصرة على ملاحقة القتلة» أليس كذلك يا عزيزق؟" 

لم تكن جويل تامبو غبية. 

"أعتقد أنه لدينا قاتل هناك يا جويل". 

"أتعتقدين أن راعي البقر ذاك يعبث مع جولي؟" 

"أنا واثقة من رغبيّ بالتحدث إليه". 

e‏ يل المطلي باللون 
الأحمر» وراحت تراقب شراراتها تطفو فوق الرصيف 

"أخبرتك في المرة الماضية أنه يمتلك دماغاً صغيرأء وشخصية الضحية» لكني 
أشلكُ في أنه قتل ا 

سألتّها: "أتعرفين مكان تواجده؟" 

"كلا. يندر تواجد هؤلاء البلهاء. أعتققد أن ذكاءهم محدود نوعاً ما؟" 

"قلت بإن :هذا الرحل ندر باس 

"نا وای ماع الكثير من الأخبار السارة هناء يا عزيزي". 

"هل تواجد هنا في المدة الأخيرة؟" 

راحت تتفحصيٰ بتمعن؛ وحولت تركيزها إلى شيء آخر. بدا لي أا 
جور تور اها ف ا أو آنا عكر فك :ها م أستطع تحديدها. نيدو أن 
المزيد من الأحبار السيئة تقبع في انتظاري. 


سبال 


"أجل» لقد لقد رآأيته 5 
397 


انتلرت قليلاً. كدت مما ار ين سنا رقا وراحت تراقب سيارة 
تتحرك ببطء في الشارع. 

"م أشاهد جولي". 

معت شنا لخر عن بارا اميك ا و ف ان ب 
رئتيهاء ثم نفخته إلى الأعلى. 

"ولا صديقتك غابي". 

لماذا لا أستغل الفرصة وأبذل المزيد من الضغط؟ 

"أتعتقدين أن سأتمكن من إيجاده؟" 

"أقول لك بصراحة يا عزيزتي إنك لا تستطيعين إيجاد شيء من دون خريطة". 

أليس رائعا أن يشعر الإنسان بالاحترام؟ 

أحذت جويل آخر تفس لها من سيجارتها ورَّمّت بعقبهاء ثم سحقتها بحذائها. 

"هيا يا مارغريت ميد. دعينا نتأكد من حصولنا على بعض الأهداف". 


398 


31 


سارت جويل» > لكن بتصميم هذه المرة. أحدث كعبًا حذائها قرقعة على 
الرصيف. لم أكن واثقة من المكان الذي تقودن إليه» لكن لا بد أنه أفضل من 
مقعدي الإسعني. 

سرنا شرقا وقطعنا شارعين؛ ثم غادرنا شارع سانت كاثرينء ومررنا وسط 
اک سو مقق ن ررغ فد كن عذال ن ای عدر الوط 
الظلمة: بينما تعشفرت خلفهاء وشققت طريقي وسط قطع الإسفلت» وعلب 
الألنيوم. وقطع الزحاج المتناثرة» والخضار الفاسدة. كيف تستطيع أن تمشي 
بالكعب العالي؟ 

وصلنا إلى أقصى الشارع؛ وانعطفنا في ممرء ثم دخلنا إلى مب خشبي لا يحمل 
أي لافتة تشرح طبيعته. لاحظت أن النوافذ مطلية باللون الأسود» ون سلاسل. من 
مصابيح أنوار الزينة توفر الإضاءة الوحيدة» وهي الأضواء ال أضفت وهجا أحمر 
اللون يذكر بالألوان الموحودة في أحد المعارض. تساءلت ما إذا كان هذا الأمر 
متضودا: هل قصد من ذلك إيقاظ سكان المبى في وقت متأخر من الليل؟ 

وعم سبحي من و احتاحت عيناي إلى شيء من التأقلى » لأن كمية 
الضوء الموحودة في الداحل تختلف بعض الشيء عن الخارج. التزم مهندس الديكور 
موضوع ذكرى الخامس والعشرين من كانون الأول فاختار وضع ألواح كرتون 
بلون الصنوبر على الجدران» واحتار وضع الفينيل على المقاعدء ثم زيّنها بإعلانات 
شراب الشعير. رأيت حجرات خحشبية داكنة الألوان مصفوفة على طول أحد 

399 


الجدران» بينما اصطفت على طول الحدار الآخر صناديق شراب الشعير. ملا دحان 
السجائر أنمحاء اللهى» مع أنه كان شبه فار غ» وكذلك كان الحواء مثقلاً برائحة 
المشروبات الرخحيصة. والقيء. والعرق» ورائحة دحان السجائر غير القانونية. 
فضّلت مقعدي الإسمني على تواحدي في هذا المكان. 

تبادلت جويل والنادل إعاءات التحية. لاحظت أن جلده كان بلون القهوة 
الي مضى يوم واحد على تحضيرهاء وأن حاجبيه كثيفان. راقب الرجل تحركاتنا 
من تحتهما. 

سارت جويل على مهل عبر الملهى» وتفحصت كل وجه من وجوه 
الموحودين بعدم اكتراث ظاهر. ناداها أحد الرجال الجالسين على مقعد في زاوية 
اللهى. لوح الرحل بكوب شراب الشعير الذي يحمله في يده» وأشار إليها كي 
تنضم إليه. طيّرت جويل قبلة باتحاهه في الحواء» ثم لوح لما ثانية. 

ما إن مررنا أمام أول مقعد حن امتدت يد وأمسكت ,معصم جويل. استخدمت 
الفتاة يدها الأحرى كي تفكٌ أصابع الرجل عن معصمها؛ وأعادت اليد إلى مكافا. 

"المكان مقفل يا عزيزق". 

أدحلت يدي في حيبي لكنيْ أبقيتُ نظري مر كزأً على ظهر جويل. 

توقفت جويل عند ثالث مقعد» ووضعت ذراعيها على شكل متصالب» 
وهزت رأسها ببطء. 

قالت: "يا إلهي!" قرقعت لسافا على أسنافا العليا. 

حلست الفتاة الوحيدة الب تشغل المقعد محدّقة 0 كي سائلا بن اللون» 
وأسندت مرفقيها إلى الطاولة» ثم أسندت خحذيها إلى قبِضْنّي يديها. لم أستطع أن 
أرى سوى المنطقة العليا من رأسها. تدل :شعرها البي الللامع بطر زه كو متساوية 
على طول مفرقها الذي انتشرت عليه بقع بیضاء» واسترسل متراخياً على كل جهة 


من حهتي وججهها. 
قالت جويل: "جولي". 
لم ترفع جولي وجهها. 


طقطقت جويل بلسافا ثانية» ثم دحلت إلى الحجرة. تبعتّها وشعرت بالارتياح 
لذلك الغطاءء حي ولو كان ا لاحظت أن سطح الطاولة يلتمع نتيجة شيء 


400 


ل ارغ بتحديده. امات جويل عر فقها على زاء ية الطار لة وتر احعت» م 
ر,احست تمسح يدها. تاوالت سيجارة وأشعلتها. ثم احرحت الدحان إلى الأعلى 


بشكل نادو رة. 
قالت بحدة أكر: "جولي". 
اتل ما ورف د 
جولي؟" كرّرت القتاة لفط ا مها. بدت و كأها صت من بومها للتر. 


أحسست يبرط ف قلي بنما أطبقت أمانٍ على شفيَ السفنى. 


وف يا إھی ! 

وحدت في وأنا أنظر إلى وجه لل يأحد نصيبه مر الحياة لأكثر مر مسة 
دنس اانا فكت ومن لون هذا الزعةه ا الزن الرخادفي. 
ألوان معتمة 


لاحظت الو جه الشاحبء والشمتين الممترحتين» و الميير التي أنرزقما 
التمس لدة طريية. 
ر“ 


فدتا مثل عييٰ شحص حرم من طوء 
حقت جولى با بشرود» و کأں صوريا تكرانان ببيطء في دماعهل أ 


أن 


عمية الاإدراك هي عمية معقذدة, وماذا نفد 


قالت الانكلرية: "هل أستطيعم أتحد 


عر الطاولة. بدت مصتّة مرهقها م الداحر ينون ارحوال نتيجة انعکاس الوهج 
4 


. 
چ 


احدة با جويل؟” مدت يدا مر تعشة 
9 


الخافت اقح E‏ الغرقة. امتلدت شراس قاصة ورفيعة ك معصمها. 
أتعلت جويل ميجارة بلاير وناولتها إياهاء سحت حوري دذعنات ميجاركها 

إلى عمق رئیهاء واحتفظت به قليلاء ثم نمخته بانعاد جويل. 

قالت: "أحل. أوه أجل". علقت حذرة صغيرة من ورق الجائر في حفتها 


السفلى . 

لفت عييها. وس حت الدحان بمجدداء عم العفو كي ف طوس 
التدحىس, انتظرناء ء بدت جرلي عاحرد غا عل القيام عص مز دو =. 

ظرت جويل إليء لكي م أستطع فيم ما تقوله عيناها. 


آهل و ا حبيبي جرلي؟” 
"قللا" سحت لك آخحر ص سارها ۾ قشت اشن من الدحان من 


أنشها. راقبنا الحابتين الرماديير أثاء تلاشيهما ف الأضواء الجمراع. 
401 


بقيت أنا وجويل صامتتين أثناء انشغال جولي بتدعين سيجارتها. شككت أفا 
تتساءل عن أي شيء. ٍ 

انتهت من التدخين بعد برهة من الزمن» وقذفت بعقبها بعيداء ثم نظرت إلينا. 
أظن اھا دات تفكر وق هری ودا .هذا المكان: 

قالت: "لم أتناول الطعام هذا اليوم". لاحظت أن صوقا كان شارداً وفارغا 
مثل عينيها تماما. 

نظرت إلى جويل. هرّت كتفيها ومدت يدها كي تتناول سيجارة أخرى. 
نظرت من حولي. لم أشاهد أي لوائح طعام ولا لوحات إعلانية في المكان. 

"يقدمون شرائح اللحم هنا". 

"أتحبين تناول واحدة منها". قلت ذلك من دون أن أحسب النقود الي 
بحوزي. ١‏ 

"يقوم باتكو بتحضيرها". 

فضت من مقعدها ثم نادت النادل. 

"مل أستطيع الحصول على شريحة لحم يا بانكو؟ مع اللحبن» من فضلك". 
بدت مثل فتاة في السادسة من عمرها. 

"الديلك كبسولة يا جولي*: 

قلت "سأحضر لك واعدة". مددت راسي خارج اللتحرة. 

شاهدت بانكو مستنداً إلى حوض غسيل الأطباق في الملهى وواضعاً ذراعيه قي 
شكل متصالب فوق صدره. بدت ذراعاه مثل أغصان شجرة البابايا. 

سألئ بطريقة استفزازية: "أتريدين واحدة فقط؟" 

نظرت إلى جويل» فهرّت رأسها. 

"أريد واحدة". 

رجعت نحو الحجرة. شاهدت جولي بعد أن حشرت نفسها في الزاوية. أمسكت 
كوا بيديها الاثنتين. رأيت فكّها مرتخياء فبدا فمها مفتوحاً جزئياء لكن شذرة الورق 
بقيّت عالقة بشفتها السفلى. أردت إزالة هذه الشذرة» لكنها بدت فاقدة الوعي. 
معت أزيز جهاز المايكرويف» ثم ارتفع الصوت قليلاً. وانشغلت جويل بالتدخين. 

402 


أطلق حهاز المايكرريف أزيزاً أربع مرات» ثم ظهر بانكو حاملاً شريحة اللحم 
وهي تطلق بخارها من خلال غلافها البلاستيكي. وضعها أمام جولي وراح ينقل 
بصره ما بين جويل وبيي. طلبت زجاحة صودا كلوب» لكن جويل هزت 
رأسها. 

مرّقت جولي الغلاف البلاستيكي» ثم رفعت الشطيرة كي تتفحص محتوياقا. 
تناولت قضمة منها بعد أن شعرت بالرضا عنها. أحضر بانكو الشراب الذي طبه 
فاحتلست نظرة إلى ساععي. أشارت عقارها إلى الثالثة والعشرين دقيقة. بدأت 
بالاعتقاد أن جويل لن تقوى على الكلام ثانية. 

"أين كنت تعملين يا حبيبي؟" 

قالت وسط تطاير اللحم والخبز من فمها: "أنا لا أعمل في مكان محدد". 

"ل أشاهدك منذ مدة". 

کت ر 

"هل تشعرين بتحسن الآن؟" 

"مم" 
"هل تعملين في ماین؟" 

"أحيانا" . 

قالت جويل بشيء من اللامبالاة: "هل ما تزالين تعبثين بثياب النوم؟" 

"من تقصدين؟" مرّرت لسافها حول طرف شطيرقاء مثلما يفعل ول مخحروط 
ال 

"أتكلم عن ذلك الشخص الذي يتسلح بالسكين". 

قالت بشرود: "سکین؟" 

"أتعرفين يا حبيبي» يقوم ذلك الرجل الحقير بغرز سكينه عندما تعرضين ثياب 
نوم إحدى النساء؟" 

تباطاً مضغها في البداية» وما لبث أن توقفء لكنها لم تحبئ. بدا وجهها 
جامداً ومصقولاً مثل علبة معجون» وشاحباًء ومن دون إظهار أي تعابير. 

معت صوت أظافر جويل عند احتكاكها بسطح الطاولة. قلت لما: "هيا يا 
حبيب» دعينا نسمي الأمور بأسمائها. أنت تعرفين عما أتكلم؟" 

403 


بلعت حولي ريقهاء ورفعت رأسهاء ثم أعادت انتباهها إلى شطيرتا. 

"ماذا بشأنه؟" تناولت قضمة أخرى. 

"إن أتساءل فقط إذا ما كان يتردد إلى هذا المكان". 

قالت بشيء من الاضطراب: "ومن تكون؟" 

"إنما تمب برينان» صديقة الدكتورة ماكولاي. أنت تعرفينها يا حبيبي» أليس 
كذلك؟" 

"هل حدث شيء ما لهذا الرحل يا جويل؟ هل أصابه مرض الآيدزء أو ما 
يشبه ذلك؟" 

بدا الأمر وكأن أحداً يستنطق كرة الثمانية السحرية. يستنتج المرء إذا طفت 
الأحوبة أا عشوائية» وليست مرتبطة بأسئلة محددة. 

"لا يا حبيبق. إن أتساءل فقط ما إذا كان ما زال يتردد إلى هنا". 

التقت عيناي بعيتي جولي. بدت نظرات عينيها شاردة. 

التمع ذقنها بالزيوت. سألتئ: "أتعملين معها؟" 

أحابت جويل بالنيابة عي: "شيء من هذا القبيل. إا ترغب بالتحدث مع 
هذا الرجل الذي يحب العبث بثياب النوم". 

'وبشأن ماذا؟" 

قالت جويل: "تريد التحدث عن المواضيع المعتادة". 

"هل هي صماء, أو خرساء أو ما شابه ذلك؟ لماذا لا تتحدث بالنيابة عن 
نفسها؟" 

بدأت بالتحدث» لكن جويل أشارت لي بالصمت. 

م تظهر جولي وكأنها تتوقع الحصول على إجابة. أنمت آخر قطعة من 
شطيرقاء وما لبثت أن بدأت بلعق أصابعها الواحد بعد الآخر. 

"وماذا بشأن ذلك الرجل؟ يا إلمي» لقد كان يتحدث عنها هو الآحر!" 

احترقتي موحة من الخوف. 

اندفعت بالسؤال: "عمن كان يتحدث؟" 

بدأت جولي بتفخّصي ملياً بفكّها المرتخي» وفمها نصف المفتوح» أي مثلما 
كان من قبل. بدت غير قادرة - أو غير مستعدة - على إبقاء فمها مغلقا عندما لا 


404 


تكون منشغلة في تناول الطعام أو التحدث مع الآخرين. تمكنت من رؤية بقايا 
الطعام قي أسناما السفلى. 

سألتي: 'لماذا تريدين التحقيق مع هذا الرحل؟" 

"أحقّق معد؟" 

"إنه مصدر سعادن الوحيد". 

علقت جويل: "لا تعتزم الدكتورة التحقيق مع أي شخصء إها تريد التحدّث 
معه فقط". 

ارتشفت جويل شراهاء فوجهّت إليها السؤال ثانية. 

"ماذا تعنين بقولك لقد كان يتحدث عنها هو الآخرء يا جولي؟" بانت نظرة 
تنمّ عن الحيرة على وجهها. بدت وكأنها نسيت الكلمات الى تلفّظت ها. 

بدا التعب واضحا في صوت جويل: "من هو ذلك الزبون الذي تتحدثين عنه 
يا جولي؟" 

"أتعرفين, كانت تلك السيدة الي تتردد إلى هنا. إنها تبدو مثل الرجال؛ كما 
أها تضع ع ف أنفهاء ويبدو شعرها غريب الشكل؟" رفعت ا 
ووضعتها حلف أذفا. "إها لطيفة مع ذلك. اشترت لي الكعك مرات عديدة. 
ليست تلك هي السيدة الى تتحدث عنها؟" 

تجاهلت نظرة جويل الغاضبة نحوي. 

"وماذا كان يقول ذلك الرحل عنها؟" 

"أعتقد أنه زجرهاء أو فعل شيئاً من هذا القبيل. لا أعرف. أنا لا أصغي إلى 
هذه الأمور وأتحاهلها كلهاء وأقفل على أذ وفمي. هكذا أفضل". 

"لكن هذا الرحل هو زبون دائم". 

"إنه شبه زبون". 

م أستطع منع نفسي من طرح السؤال: "هل يان في أوقات محددة؟' ' نظرت 
جويل إلي» وأومأت» كأها تريد أن تقول لي "حسناًء افعلي ما يحلو لك". 

"ماهذايا جويل؟ لماذا تطرح علي كل هذه الأسئلة؟" بدت مثل طفلة 
ددا 

"تريد تحب أن تتحدث إليه. هذا كل شيء". 


405 


"لا أرغب أن يصاب الرجل بأذى. إنه بغيضٌ بعض الشيء لكنه يدفع 
بانتظام» وأنا في حاحة ماسة إليه". 

ا 

Sasa a SS Cai |‏ 
لكنها تحنبت النظر إلي مباشرة. 

"لن أمتنع عن الالتقاء به» ولا يهمين ما يقوله الآخرون عنه. أجل» إنه غريب 

بعض الشيء» وماذا في ذلك؟ لن يُقدم الرحل على قتلي إن م أعطه أي شيء. 

اللعنة! لست 5 إلى مطارحته الحب. ما عساي أفعل في أيام الخميس؟ هل 
أنتسب إلى صف تعليمي؟ أو هل أذهب إلى الأوبرا؟ هذا إذا لم أتصرّف مثلما تفعل 
أي بنت هوی ا 

كانت تلك هي المرة الأولى الي ُظهر فيها انفعالهاء كما أظهرت الحماسة التي 
يظهرها المراهقون. بدا تصرفها هذا مناقضاً تماما لحالة عدم الاكتراث الى أبدتا ا 
تألت لأجلهاء لكني حشيت على مصير غابي» و م أستطع التحفيف من هذا الشعور. 

حاولت أن يأ صوتي أكثر نعومة: "هل رأيت غابي مؤخراً؟" 

"ماذا؟" 

"الدكتورة ماكولاي. هل رأيتها مؤخراً؟” 

تعمّقت الخطوط الموجودة بين عينيهاء فتذكرت مارغوت» مع أن ذلك 
الراعي بمتلك ذاكرة أقوى بالنسبة للماضي القريب. 

قالت جويل بتركيز زاد حطوط العمر الظاهرة على وجهها عمقاً: "تلك المرأة 
الدثة الى طبع خا ن اشيا 

"أوه". أقفلت جولي فمهاء ثم فتحته ثانية. "لا. كنت مريضة و 

ابقي هادئة يا برينان. هل تستطيعين تحمل المزيد؟ 

سألتها: "هل تشعرين براحة أكثر الآن؟" 

هرت كتفيها. 1 

"هل ستكونين بخر؟" 

أومأت. 

"هل تحتاجين أي شيء آخر؟" 

406 


هرت رأسها بالنفي. 

لم أرغب بمضايقتها تها أكثر من ذلك» لكنين أردت معرفة المزيد: "هل تسكنين 
بالقرب من هنا؟" 

قالت من دون أن تنظر إلي: "أسكن في مارسيلا. أتعرفين المكان يا جويل» إنه 
في سان دومينيك؟ ينتهي معظمنا هناك". 

أجل. حصلت على ما أريده؛ أو أن كنت على وشك الحصول عليه. 

عانت جولي كثيراً من شريحة اللحم الي أكلتهاء ومن الشراب الذي شربته» 
ومن كل شيء آخر قد تكون أفرغته في حوفها. تلاشى كل أثر للشجاعة الي 
أظهرتما سابقاء وعادت حالة اللامبالاة لتسيطر عليها. فانزوت في زاوية الحجرة» 
وحذقت بعينيها اللتين أذتا شكل دائرتين داكنتين ومرسومتين على وجه تمثال 
ا أغلقتهماء اعات نا ع يعارم حكريه مدرها الذي قرز العظاء ننه 
ق اة 

تلاشى وهج أضواء الزينة فجأة. ومل الملهى وهج أضواء الفلوريسنت» 
وانصرف بانكو بالاستعداد لإقفال المكان. توحّه الربائن القلائل الذين كانوا لا 
يزالون في الملهى نحو الباب وهم يعربون عن تذمّرهم. دسّت جويل علبة سجائر 
البلاير في سترمّاء وأشارت إلى أنها ستتبعهم. نظرت إلى ساعي. أشارت عقارهًا 
إلى الرابعة م نظرت إلى جولي. وسرعان ما احتاح كيانئء بقوة كبيرة» ذلك 
الشعور بالذنب الذي كنت أحاول كبته طيلة الليل. 

بدت جولي وسط الأضواء أقرب ما تكون إلى جثة» أو مثل شخص يقترب 
ببطء من الموت. رغبت أن أتقدم منها وأضمّها بذراعي» وأن أحتضنها للحظة. 
رغبت حن أن أصطحبها معي إلى منزرها في بايكونزفيلد» أو دورفال» أو 
شالي هاتلي» أي حيث تعودت أن تتناول طعامهاء أو أن تحضر الحفلات» وتشتري 
سراويلها المصنوعة من الجينزء مستعينة بدليل لاندس إند. أد ركت أن ذلك لن 
ييحدث» وأكثر من ذلك أيقنتُ أن اسمها سيأحذ طريقه إلى قوائم الإحصاءء أو إلى 
أقية قبية البارئينياس عاحلا أم آجلا. 

دفعت الفاتورةء ثم غادرنا ذلك الملهى. امتلاً هواء الصباح البارد بالرطوبة 
حاملاً معه زو ئح النهرء ومصنع الشراب. 

407 


قالت جويل: ما ميا أيتها السيدتان. لا تبدآ بالرقص الآن". 

حركت أصابعهاء والتفتت» ثم سارت في الطريق محدثة أصواتاً بكعيي 
حذائها. غادرت جولي في الاتحاه المعاكس من دون أن تنطق بكلمة. حذبتي فكرة 
التوحه إلى المزل مثلما يفعل المغناطيس» لكن بقي علي الحصول على معلومات 
ا ٠‏ 

توقفت قليلاً ونظرت إلى جولي. رأيّها تنطلق مسرعة في الممر. افترضت أنه 
يسهل على اللحاق ها. كنت مخطئة» لأنها كانت قد احتفت في أحد المنعطفات 
عندما تطلعت إلى فاية الممرء فوجدت نفسي مضطرة إلى الركض كي ألحق بما. 

الو ا ر وعبرت > مسافات كبيرة» ثم سلكت طرقات كثيرة كي 
أصل إلى منزل متواضع يتألف من ثلاثة طوابق يقع في سان دومينيك. تسلقت 
الدرج» وبحثت عن مفتاح شقتهاء ثم احتفت من خلال باب أحضر اللون تقشر 
طلاؤه. شاهدت ستارة الباب البالية» وهي تتحرّك قبل أن تستقر غير متأثرة 
بالإغلاق العنيف للباب. أحذت رقم الشقة. 

حسناً يا بريئان. حان وقت النوم. وصلتُ إلى سزلي في غضون عشرين 
دقيقة. 

تدثرت بأغطية السرير» بينما فضّل بيردي أن يستقر على ركبي. فكْرتُ في 
وضع خطة في هذا الوقت. كان من السهل علي أن أفكر بالأمور الي يجب أن 
أمتنع عن فعلها. يدر بي ألا أتصّل برايان» وأن لا أحيف جولي وأن لا أنبّه ذلك 
النذل الذي يتسلح بسكين» ويتلاعب بثياب نوم السيدات. لكن يجدر بي أن 
أكتشف ما إذا كان ذلك الشخص هر سان جاك ذاته» وأن أعرف مكان سكن 
أو على الأقل أين يتخذ مخبأه. يتعيّن على أيضاً العثور على شيء مؤكده ثم 
الاتصال بالشرطة. ها أنتم هنا يا رحال» تعالواء وداهموا هذا المكان. 

بدا الأمرء في البداية» في غاية البساطة. 


408 





مرّ يوم الأربعاء» وقد سيطر على الشعور بالإنماك الشديد. لم أحطّط للذهاب 
إلى المحتبرات» لكن لامانش اتصل بي قائلاً إنه يريد إعداد تقرير. قررت البقاء في 
المختبرات بعد وصول إليها. بدأت بالبحث في الصناديق القديمة» وهي عملية بطيئة 
ومزعجة» ووضعت جانباً كل الصناديق الذي يريد دينيز التخلص منها. أكره 
القيام ذه المهمة الى أجلتها منذ أشهر. بقيت هناك حين الساعة الرابعة من بعد 
الظهر. وبعد وصول إلى النرلء تناولت عشاء یکره وأحذت حماماً طويلاء ثم 
أويت إلى فراشي عند الثامنة مساء. 

تسللت اشعة الشمس عندما استيفظ من تومي باح النميين. ادركت 
أن الوقت قد تأخر. تمطيت وتقلَبِتُ في فراشي, ثم نظرت إلى الساعة الي 
أشارت عقاريها إلى العاشرة رخس وعشرين دقيقة. تمكنت هذا من تعويض 
بعض ساعات النوم الي فاتتي. قضى الجزء الأول من الخطة الى رسمتها بعدم 
الذهاب إلى العمل. 

خضت من السرير ببطء وراجعت في ذهين قائمة بالأعمال الي أنوي القيام 
كما. شعرت» ما إن فتحت عي بأني ممتلئة بالطاقة والحماسة مثل عدّاء يستعد 
للاشتراك في سباق الماراثون. أردت أن اشا رفيا فاس اهدئي يا بريئاك. . يتعين 
عليك أن تشتركي بذكاء في هذا السباق. 

توجهث إلى الطبخ وحضّرت قهون» غم قرأت الغازيت . جاء في عدد ذلك 
النهار أن ألوف البشر قد فرّوا من مناطق القتال في رواندا. جاء في ذلك العدد 

409 


أي ضاً أن الحزب الوطني الكيبيكي يتقدم بعشر نقاط على حزب الأحرار بزعامة 
رئيس الوزراء جونسون» كما أن فريق الإكسبو قد حرج من المركز الأول من 
بطولة الاتحاد الوطني. وجاء في الأخبار أيضاً أن العمال سوف يعملون في ذكرى 
الا النتسوي؟ إن الأمر في غاية الحدية هناء وأنا لم أستطع أبداً أن أفهم مغزاه. 
نتمتع في هذه البلاد بأربعة أشهر» أو مسة» من الطقس الجميل تسمح لنا بالقيام 
بأعمال تشييد الأبنية» لكن البناء يتوقف لمدة أسبوعين في شهر تموز» وينصرف 
العمال لأحذ عطلة. يا للفكرة الرائعة! 

تنناولة كوب قهري النان» وانتهيت من قزاءة الصبحيقة: يبدو الام راا 

حي الآن. أستطيع الآن الانتقال إلى المرحلة الثانية» أي إلى نشاطات التسلية. 

ااا وا ا وکر رت إلى النادي الرياضي. أمضيت 
ثلاثين دقيقة فوق آلة ستاير ماسترء بالإضافة إلى جولة مع نواتيلوس. انتقلت بعد 
ذلك إلى بروفيغوء» حيث اشتريت كميّات من البقالة تكفي كليفلاند بأكملها. 
عدت إلى المزرلء وأمضيت فترة المساء بكاملها في تنظيف المنزل» وتلميع 
الأثاث» وإزالة الغبار» والكناسة. كرت مرةً في تنظيف الثلاجة» لكنئ قررت عدم 
المضي في تنفيذ هذا القرارء لأنه كان سيتعبي كثيراً. 

هدأت فورة التنظيف عندي عند الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم. امتلاً 
المكان بعلب المنظفات البخّاحة؛ وبعلب التلميع الي تفوح برائحة الليمون. أما 
طاولة غرفة الطعام فامتلأت بثيابي وكنزات الي تكفيئ مدة شهر كامل. بدا 
مظهريء مقابل بجهود التنظيف الذي بذلته» وكأنئ قد حضرت من عطلة تخييم 
استمرت أسابيع عديدة. تحضرت للخروج. 

ل ل ل O‏ 
انتقيت سروالاً قصيراً وكنزة غير اللذين كنت أرتديهما أثناء عملي» كما 
ا ا ا قدا بعض الشيء. رائع! لم تكن الثياب المثالية كي يرتديها 
المرء أثناء سيره في الشار ع» لكنها الثياب المناسبة لشخص يريد الطواف في ماين 
محا عن مشروبات تروّح عنه» أو عن رفيق يؤنسه في ذلك المساء» أو عن كلا 
الأمرين. رحت أستعرض الخطة في ذهي أثناء قيادتي السيارة في اتجاه سان لوران. 
كانت الخطوة التالية هي إيجاد جولي» وملاحقتها. أما الخطوة الى بعدها فكانت 

410 


إييحاد الرجل الذي يحب العبث بثياب النوم وملاحقته. قضت الخطة أن لا أدع 
اجا يراق مكنذا بكل اط 

قدت سيارتي عبر شارع سانت کاثرین» وتفحصت رصيفي الشارع على 
المانبين. أت عددا قليلاً من النساء في أماكنهنّ في غراناداء لكنني لم ألمح جولي 
أبداً. م أتوقع أن تتواحد في وقت مبكر مثل هذا. أعطيتُ نفسي متسعاً من الوقت 
كي أصل إلى المكان. 

صادفتي المشكلة الأولى عندما انعطفت إلى الطريق الذي أقصده. فظهرت 
أمامي امرأة ضخمة» وكأفها حي هرب من قمقمه. وضعت تلك المرأة مواد 
تحجميل من ماركة تامي بايكر, لكنها ميرت بعنق يشبه رقبة كلب كثيف 
الشغن. م أستطع أن أفهم كل الكلمات الي تفرّهت يماء لكنني فهمت ما تريد 
أن تقوله. تراجعت بسيارق وقدها بحثاً عن مكان آخر كي أركن سيارتي فيه. 
عثرت على هذا المكان على بُعد ستة بجمعات شمالاً. يقع هذا المكان في شارع 
فرعي ضيّق تنتشر على جانبيه البيوت الي تضم ثلاث شقق. يا للمدينة الحارّة! 
وعلى الأخص صيفها. بدأت العيون المراقبة قبة عملها في هذا الحي. لاحقتئ عيون 
الرحال من إحدى الشرفات» یا ای یرن أخعرى من أمام مداحل 
البيوت. توقف الرحال عن متابعة أحاديثهم» بينما وضعوا زحاحات شراب 
الشعير على ركبهم المتعرقة. هل هم عدائيون يا ترى؟ هل هم فضوليون؟ أم 
يتميزون بعدم الاكتراث؟ أم امم يكترئون كثررا؟ لم أبق في المكان مدة تكفي 
للسماح لأي شخص بالاققراب مي. أقفلت أبواب السيارة» ثم أسرعت 
بالابتعاد حي فاية ا مجمع. هل أفرطت بالعصبية؟ رعاء لكني حشيت حدوث 
تعقيدات جديدة قد تعيق مهمي. 

شعرت بالارتياح عندما عبرت المنعطف واختلطت بحشد الناس الذي يسير في 
شارع سان لوران. أعلنت الساعة الموحودة في لا بون ديلي عن الثامنة ومس 
عشرة دقيقة. اللعنة! أردت أن أتواحد في المكان في هذا الوقت بالذات. هل يجدر 
بي أن أعدّل حطي؟ ماذا لو لم أستطع الالتقاء بما؟ 

وصلت إلى سانت كاثئرين» وعبرت سان لوران» وتفحصت الأشخاص 
المتواجدين أمام غرانادا بحدداً. م أعثر على جويل أبداً. هل ستأن إلى هنا في المقام 

411 


الأول؟ أي طريق ستسلك؟ اللعنة! لماذا لم أحضر في وقت أبكر؟ لا وقت لدي 
الآن للتردد. 

أسرعت ناحية الشرق» ورحت اص الوخوه الي تمر من أمامي على 
aS‏ لمارة زادت كيرا وهذا مااصكّب .علي كثيرا مهمة 
التعرّف عليها. توجهت شالا نحو باحة حالية» وتعمدت السير على الطريق ذاته 
الذي سارت عليه جويل قبل ليلتين من الآن. ترددت قليلاً لکن مضت وراهدت 
بحدداً على أن جولي لن تنصرف باكراً. 

وجدت نفسي بعد مضي دقائق قليلة وأنا أقف خلف عمود في أقصى شارع 
سانت دومينيك. کان الشار ع مورا سكا امعان الى انع كن 
فيه جولي أي إشارات تدل على الحياةء فالنوافذ مظلمة» ومصباح المدحل غير 
مضاءء وقد بدا الطلاء متقشرا في أضواء الغسق في هذا الحو الحار المشيع بالرطوبة. 
ذكرن هذا المنظر بصور سبق لي أن رأيتها في أبراج الصمت. تحتفظ بعض طوائف 
اهنود في هذه الأبراج .منصات يضعون أمواتهم عليهاء ثم يتركون الطيور الكاسرة 
تقوم بعملها في تحريد العظام من اللحم. وحدت نفسي أرتعش وسط الحرارة 
المحيمة. 

مر الوقت متباطتاً» واكتفيت بالمراقبة لفترة. ظهرت امرأة مسنة على مسافة 

بعيدة مي. رأيتها تحر عربة مليئة بالأقمشة. جهدت المرأة كثيراً في جر حملها فوق 
الرصيف غير الممهد قبل أن تختفي في زاوية الشارع. بدأ الطنين المعدني لدواليب 
العربة بالتلاشي قبل أن يختفي تاماً. لم تتردد ف الشارع أصوات تخترق النظام 
الصويَ غير المنتظم فيه. 

نظرت إلى ساعي الي أشارت إلى الثامنة والأربعين دقيقة. حيّمت الظلمة 
التامة على الشارع في هذا الوقت. كم من الوقت يجدر بي أن أنتظر؟ ماذا لو 
كانت قد غادرت بالفعل؟ هل يجدر بي أن أقرع الجرس؟ اللعنة! لماذا لم أحضر في 
الوقت المناسبي؟ لاذا لم أحضر في ي وقت أبكر؟ يدو أن عطي بد بدأت تعاني من 
بعض العيوب. 

مرت فقرة أخرى من الوقت» ولعلها دقيقة. كنت قد بدأت أفكر عغادرة 
المكان حينما أضاء مصباح في غرفة تقع في الطابق العلوي. ظهرت حولي بعد وقت 


412 


a EEE ROA AEE 
إلى مستوى الركبة. بدت وجههاء ومنطقة وسط بطنهاء وفخذاها» شديدة البياض‎ 
حع واسطاطل فة الدخل: تراجعت فيلا كى أقك وراء العموة:‎ 

ترددت قليلاء ثم رفعت ذقنهاء وغطت منطقة وسط بطنها بيديها. بدت لي 
وكأنها تختبر برودة الليل. نزلت الدرج بعد ذلك ومشت بسرعة كبيرة باتحاه 
سانت كاثرين. تبعتّهاء وحاولت أن أبقيها في محال نظري» ومن دون أن تنتبه إلى 
وحودي. ٍ 

فاحأتي عندما وصلت إلى المنعطف» أي عندما استدارت يساراء فابتعدت 
بذلك عن هاين. لم تخطئي باحيء إلى غرانادا يا برينان» لكن إلى أين تتوجه هذه 
الفتاة الآن؟ شقت جولي طريقها بسرعة بين المارة» وراحت شرائط حذائها العالي 
تتأرجحح مع سرعة سيرهاء لكنها لم تكترث للأصوات الي تشبه أصوات القطط 
والذئاب» بل توجهت نحوها. عرفت الفتاة طريقة السير الفضلى بين الحشود. 
لذلك بذلت جهداً كبيراً كي أللحق بها 

قلت كنثافة المارة كلما اتحهنا ناحية الشرق» حى وصلنا أخيرا إلى مكان لم 
يبق فيه أحد. عمدت إلى جعل المسافة الفاصلة بيننا أطول كلما حفت أعداد الارة 
على الرصيف» لكني أدركت أن هذا الإحراء م يكن ضرورياً لأن جولي كرت 
على المكان الذي تقصده» وم تكترث أبداً بالناس الذين يمشون على الرصيف. 

م يكن خلو الشارع من المارة هو التغيّر الوحيد الذي لاحظمّه» لأن الحي 
الذي وصلنا إلسيه كان يتميّز بطابع آخر. رأيت في سانت كاثرين الكثير من 
المتأنقين الذين يحلقون شعر رؤوسهم بالكامل» وبعض المدمنين الذين يرتدون 
سترات فضفاضة مواقي عكر a‏ 

تبعت جولي ومررت أمام عدد من المقاهي؛ ومحلات بيع الكتب» والعاعم 
المتخصصة العائدة لحاليات معيّنة. اتجهت شلا آخخر الأمرء ثم سارت شرقاً قبل أن 
تأحذ اتحاه الحنوب. وصلت إلى كاز مندل E o E a‏ 
والأبنية المخشبية المهملة الي تغطي نوافذ بعضها الألواح المعدنية المضلعة. بدت 
بعض هذه الأبنية وكأفا جهّرت لتكون محلات تحارية على مستوى الشارع» مع 
أقهنا عيدو وكافا لم تستغقيل زبوثاً واحداً من أعوام عديذة. رايت أكداسا مزع 


413 


الأوراق» والعلب الفارغة., والزحاحات» ملقاة على الرصيف في الجحانبين. بدا 
المكان وكأنه مجهّر للطيورء أو لأسماك القرش. 

اتحهت جولي مباشرة نحو مدخل أحد أبنية هذه امجموعة. وش نا راجا 
قرا ته شك دة مخ ةا تكلمت قليلاً قبل أن تختفي في الداخل. تمكنت 
و رو ا ر و من خلال و وو إلى 
يو . لاحظت أن النافذة محمية بشبكة حديدية. قرأت اللوحة المعدنية لخ وضعك 
فوق الباب وال لم تزد عن كلمتين: شراب الشعير والشراب الفرنسي. 

والآن ماذا أفعل؟ هل هذا المكان هو بيت للمواعدة» يشتمل على غرفة خاصة 
ف الطاحق العلنوي أو ف الخلق؟ ام انه ملهى فى الشريكان على الالعقاء فيه 
دران منه4 یت أن :بكرن هذا المكان عو کان مقادرقما معا. أما لو غادر 
كل واحد منهما عفرده» فمعى ذلك ا هما اميا عملهماء وأن خط قد أحبطت» 
وق هله كاله اق N‏ 

عحزت عن الوقوف في الخارج والاكتفاء بالانتظار. هل أسير في ذلك الممر 
الضيّق؟ سرت من أمام ملهى شراب الشعير الذي دحلته جوليء ثم انحرفت تحاه 
نتفنة نظلفة: كاق عر ی عل لھا کون وشرعة قري كان هذا لس 
يتجاوز القدمين في العرض» لكنه مظلم مثل قبر. 

تسارعت نبضات قلي» لكنئى حشرت نفسي مع الجدار في هذا الممر الضيّق. 
احتبأت وراء لوحة متشققة وصفراء تابعة لمحل الحلاقة ومتدلية فوق الممر. مرّت 
دقائق عديدة. كان الهواء ساكناً ومثقلا وم أسمع أي حركة غير صوت تنفسي. 
أجفلتئ حركة مفاحئة. لم أكن وحدي» جهّرت نفسي للفرار» لكن في هذه 
اللحظة بالذات سقطت أمام أقدامي كتلة صغيرة من النفايات قبل أن تتدحرج في 
هذ الممر الضيّق. شعرت بضيق في صدري» واخترقت جسدي قشعريرة برد من 
جیا رغم لخرارة: ْ ْ 

اهدئي قليلاً يا برينان. لعله أحد القوارض. هيا يا جولي! 

کان جولي معتي» لأا ظهرت محدداً متبوعة ة برجلٍ يرتدي كنزة داكنة 
ا جامعة موثهر يال غل مدرو اقرش الحتضن الرحل کيا 
ورقياً فوق ذراعه اليسرى. 


414 


ازدادت سرعة نبضات قلي أكثر فأكثر. هل هذا هو الرحل الذي أبحث عنه؟ 
هل هو صاحب الوجه الذي تظهر صورة وجهه في البطاقة المصرفية؟ هل هو 
الرجل الذي كان يركض في شارع بيرغر؟ جهدت كي أتعرف على ملامح 
الرجلء لكن الظلام الدامس منعين» كما أنه كان بعيدا عين. هل أستطيع التعرف 
علي سات ساك جن راراي انك و ذلك لى تكن معالم الصورة 
راض کا أن الا الذي رأيته ف الشقة كان سريعاً جداً. 

نظر الرفيقان أمامهما مباشرة» لكنهما م يتلامسا أو يتكلما. بدا الاثنان مثل 
حمامتين عائدتين إلى مكاهما الأصلي» وسارا في الطريق الذي سبق لي أن سرت 
عليه مع جولي؛ لكنهما انحرفا في سانت كائرين» حيث تابعا سيرهما جنوبا بدلا من 
التوجه غربا. انعطفا مرات عديدة» ثم تعرجا مع الشوارع الي تنتشر على جانبيها 
الشقق والمكاتب المهجورة. كانت الشوار ع مظلمة وغير ودية. 

تلفت عنهما بعض الشيء وجهدت كي أسمع كل خربشة وصوت مهما 
كان خافتاء واحترستُ من أن يكشتفا وجودي خلفهماء لکن لم يكن هناك من 
شيء فيي عن أنظارهما. أذ ركت أنيى لن أجد لنفسي عذراً ييرّر وحودي .في ما 
لو التفتا وشاهداني» وكذلك لا توحد واجهات محلات كي أتطلع فيهاء ولا أي 
مداخل يمكتني الدحول إليهاء ولا حي أي شيء بمكني الاختباء خلفه. سواء أكان 
ماديا أم معنوياً. تمثل حياري الوحيد في أن أستمر في المشي» مع الأمل أن أكتشف 
طريقاً فرعياً قبل أن تتمكن جولي من التعرّف علي. لم يتلفتا خلفهماء لحسن 
حظي ! 

تابعنا المسير حلال شبكة الطرقات والأزقة» وقد بدت الطرقات ا 
الناس. مرّ رحلان في الا تجاه المعاكس قي أحد الأماكن» وراحا يتجادلان بأصوات 
متوترة وقوية. دعوت في داخلي كي لا تنطلع جولي ورفيقها نحو الرحلين. لم 
يفعلاء بل بقيا يمشيان قبل أن يختفيا في أحد المنعطفات. أسرعت في سيري لأنئي 
حشيت أن أفقد أثرعما في تلك الثواني الي يختفيان فيها عن أنظاري. 

كانت ظنون في علهاء لأنهما احتفيا ما إن دحلت في المنعطف. وحدت 
المكان هادثاً وخالياً. 

اللعنة! 


415 


تفحصت الأبنية الموحودة على الجهتين» ورحت أنقل بصري إلى الأعلى وإلى 
الأسفل؛ وإل كل السلالم الحديدية؛ وتمعنتُ في كل مدال البيوت. لم أجد شياء 
ولا حي أي علامة على وجودهما. 

اللعنة! ّْ 

مشيت على الرصيف» وشعرت بالغضب من ذاق لأنى فقدت أثرهما. كنت 
قد قطعتُ بعض المسافة في اتحاه الزاوية التالية عندما فتح بابٌ. نظرت لأرى رفيق 
جول يظهر على إحدى الشرفات التي يحيط يها سياج حديدي علاه الصدأء وال 
لا تبعد عن بيني سوى عشرين قدماً إلى الأمام. وقف الرجل على مستوى الكتف 
وقد أدار ظهره إلي» لکن كنزته بدت هي ذاتها. جمدت في مكان عاجزة عن 
التفكير» أو القيام بأي حركة. 

قذف الرجل شيئاً ما من فمه باتجاه الرصيف» ومسح فمه بظاهر يده» ثم عاد 
بحدداً إلى الداخحل مغلقاً باب الشرفة وراءه» ومن دون أن ينتبه لوحودي. 

وقفتٌ حيث أنا شاعرة بضعف شديد ف ساقي وعاحرة ماما عن الخركة. 

او الرائعة ا ا ااهل یا يكن من الرعب كي تسهمي 
في إهاء هذه المسرحية؟ م لا تضيئين شعلة وتطلقين صفارة الإنذار؟ 

كان المبئ الذي اختفى الرجل فيه يقع ضمن صف من الأبنية المتراصة» 
E‏ تدعم بعضها بعضاءٍ وبحيث أن المجموعة بكاملها ستتداعى 
و أحدها قد أزيل. لاحظت أن لافتة علقت عرّفت المبئ باعتباره لو سان 
فيتوسء وعرضت شققاً للسواح. حستاً. 

و أيكون هذا الب منزله أم جرد مكان لغرامياته؟ أجبرت نفسي على 
الانتظار فترة أكبر. 

بحثت بمجحدداً عن مكان أحتبئ فيه. وجدت» بحدداًء مكاناً اعتبرته فجوةٌ تصلح 
كي أختبئ فيها في أقصى الشار ع. عبرت الشارع ا وتأكدت أنه كذلك فعلاً. 
هل أسجّل تقدما؟ لكن رما كنت محظوظة فقط. 

اک ا ع ودحلت إلى عتمة ذلك الممر الجديد. . شعرت ؛ وكأني 
أزحف إلى داخل مستوعب نفايات دمبستر. كان الهواء دافقاً ومثقلاً برائحة البول. 
تضايقت كثيراً من وحودي في هذا المكان. 


416 


لحن ورواح اق لطر روف لي عر ار روليات ا اق 
منعت نفسي من الاستناد إلى الجدار بسبب العناكب» والصراصير» الي كانت 
ممتجزة قرب محل الحلاقة, أما الجلوس فكان أمراً غير وارد أبداً. 

مر الوقت متباطئاً. لم تبرح عيناي سان فيتوس» لكن أفكاري ارتحلت إلى 
أمكنة أبعد بك ثر. فكّرت في كانَ» كما فكّْرت في غابي» بالإضافة إلى سان 
فيتوس. ما هو موقفه بشأن وكر الحرذان هذا الموجود على الجانب الآخر الذي 
سمي باسمه؟ ألا يُطلق اسم سان فيتوس على أحد الأمراض؟ أم أن ذلك كان سان 
آلمو؟ 

فرت في سان جاك. pT‏ 
واضحة بشكل لا يمكن معه تمييز الوجه. كانت تلك السيدة المسئة على حق 
غا قات إن وال ل غرف عن هذه الصورة: يستطيع الرحل أن يغيّر لون 
شعره» وأن يطلق لحيته» كما أنه يستطيع وضع نظارة» كي لا يتعرّف عليه أحد 

شيّد الإنكا شبكة طرقات» واستطاع هنيبعل عبور جبال الألب. 1 
يق حل ار لكان ادا لم يدحل شارع سان فيعوس ولم يخرج منه. حاولت 
عدم التفكير في الأمور الي كانت تحدث في إحدى الغرف الى يضمها. تمنيت أن 
يكون دوام هذا الرحل قصيرا. اهدئي يا برينان» هناك دائما مرة أولى لكل شيء. 

لم تكن هناك فرصة بوب نسمة هواء في هذه الفجوة الضيّقة» كما أن 
الجدران الحجرية احتفظت بالحرارة الى تجمّعت طيلة هذا اليوم. ازدادت لزوجة 
قعيتصي» فالتضقت بصدري. صب العزقة من شعي راسي فاصبع ارخا هو 
الآعرء وانفلتت بين الحين والآخر حبيبات العرق لتنساب على وحهي» أو 
رق 

عتدلت وضعية وققى ورت أفكر.. ل يكن الحواءاضائكاً للنفس: ومضنت 
الفا وت ف هر الع كد ع ی الساراك ين اين 
والآحر» فكانت تضيء الشارع وتمضي لتعيده إلى أحضان الظلمة من جديد. 

بدأت عوامل الحرارة والرائحة» والاحتجاز في هذا المكان الضيّق» تُثقل على. 
شعرت بام بين عييٌ» أما حنجري فكانت تستعد للتقيؤ. فكْرَتُ في تأجيله. 


417 


فجأةء ظهر حسم ما فوقي! تفجّرت الأفكار في عقلي في أنحاء لا تحصى. هل 
الممر الذي احتميت فيه مفتوحٌ من حلفي في الناحية الأحرى؟ يا لغبائي! لم أحاول 
أن أبحث لنفسي عن طريق للهروب! 

أقحم الرجل نفسه في هذا المر» وراح يتلمس شيئاً ما في حصره. نظرت نحو 
الع لعن من حلفي لكن الظلمة' كانت تخالكة بجدا: أد ركت أن وقعت في 
مصيدة! 

بلا الأمر وكأنه مسألة فيزيائية تتواحد فيها قوى متعادلة ومتعاكسة. خضت 
بسرعة» لكنيْ تعثرت بسبب ضعف ساقي. تراجع الرجل إلى الخلف هو الآخر 
وبدت مسحة من الصدمة على عيّاه. أدركت أنه آسيوي» رغم أنئ لم أشاهدء 
بوضوحء سوى أسنانه وعينيه اللتين بدت الدهشة عليهماء وسط كل هذه الظلال 
القاتمة. 

ضغطت على الجدار طلباً للدعم والتغطية. نظر الرحل إل بطريقة غريبة» وهر 
رأسه وكأنه ارتبك» ثم ترح الرحل قليلاً قبل أن ينطلق في الحي منشغلاً بتسوية 
قميصه» وإقفال زمّام سترته. 

تسمّرت في مكان لبرهة قصيرة» وحاولت تهدئة دقات قلي الي تسارعت 
بشكل خيالي. ڪڪ 

هل كان الرحل برد مدمن أراد أن يتبوّل فقط؟ احتفى الرحل عن أنظاري. 

ماذا لو كان هو سان جاك بذاته؟ 

م يكن الأمر كذلك. 

م تتركي لنفسك مخفرجاً يا برينان» وهكذا تصرفت بغباوة» وقد يؤدي 
تصرفك هذا إلى هاا کك: ١‏ 

کال م ا 

اذهبي إلى المنزل يا برينان. أعتقد أن جاي. أس. على حق. اتركي الأمر 
رال الشرطة: 

لكنهم لن يقوموا بالعمل الذي أقوم به. 

إا ليست مشكلتك أنت. 

لکن غابي هي مشكلي أنا. 


418 


أيحتمل أن تكون فی سانت آديل؟ 

هل يجدر بي أن أتوجه إلى هناك؟ 

تابعتُ مراقبي بعد أن هدأت قليلاً. فَكَرتُ أكثر بسان فيتوس؛ وتحديداً 
برقصة سان فيتوس. أجل ققد لقيك هذه الرقصة مكار وافيعا. ف لقره السادي 
عشر. شعر الناس عندها بالعصبية والتوتر» ثم بدأت أطرافهم بالارتعاش. ظنوا فم 
يعانون تنوعاً من المستيرياء: لذلك قصلو ا مكان سان قرس لكن ناذا سآن فيان 
أنطويي؟ وماذا بشأن النيران؟ هل نتجت عن نوع من الفطريات في الحبوب. ألم 
ROS‏ 

فرت في المدن الي أحب ن أزورها. مدن مثل آبيلين» وبانكوك, 
وشيتاكونغ. أحببت ذلك 000 شيناكونغ. أم لعلي سأذهب إلى 
بتغلادش. كنت ما أزال أفكر في المدن ال يبدأ اسمها بحرف (1] عندما خرجت 
جولي من سان فيتوس» وسارت جدوء في الشارع. بقيت في مكاني. لم تعد هذه 
الفتاة دليلي. 

لم أحد نفسي مضطرة للبقاء في مكاني لوقت طويل» لأن فريسي قد غادرت 
المكان بدورها. 

أفسحت المحال للرجل كي ييتعد عي قليلاً. ثم انطلقت في إثره. ذكرتن حركاته 
بحرذ النفايات الذي سبق لي أن رأيته. انطلق الرحل بسرعة» وأحين كتفيه؛ ثم مال 
برأسه» ولاحظت أنه يتمسك بشدة بالكيس؛ ويضغط به على صدره. لحقت بالرحل» 
وبداً عقلي يقوم .عقارنة من يسرع الخطو أمامي بذلك الشخخص الذي رأيه مندفعاً من 
تلك الغرفة الموحودة في شارع بيرغر. لم تكن المقارنة مناسبة» لأني كدت أنسى 
ملامح ذلك الرجل؛ لكن سان جاك كان سريعاً جداء كما أن ظهوره كان مباغتاً. 
"يحمل أن يكون الرجل ذاته لم أتمكن من النظر إليه جيداً في المرة الماضية. تأكدتُ - 
مع ذلك - من أن هذا الرجل لا يتحرك بسرعة تمرك سان جاك. 

شققت طريقي للمرة الثالثة خلال ثلاث ساعات وسط متاهة من الشوارع 
الفرعية غير المضاءة. لاحقت فريسي مقتربة منها بقدر ما سمحت لي به شجاعي. 
دقوت ي ري كي الا ترقت الرجل عند خانة أخرى كي يتناول کاسا من 
شراب الشعير. لم أعد قادرة على تمضية وقت آخر في المراقبة. 


419 


اكتشفت أن قلقي لا أساس له لأن PE E‏ 
أحد المحلات البنية بالحجر الرمادي اللون وذي مدحل مقوّس» وذلك بعد أن تعرج 
خلال متاهة من الشوارع الفرعيةء والممرات الحانبية. بدا امحل مشايما لمئات الحلات 
ال مررت من أمامها هذه الليلة» لكنه لا يعاني من درجة الإهمال ذاتما الي تعان 
منها تلك الحلات. لاحظت أن الأحجار أقل وساحة, أما الدرج الحديدي الصدئ 
الذي يتصل بالأبواب فكان لا يتطلب الكثير من الطلاء. 

تسلق الرجل الدرج بسرعة» وتصاعدت في الحواء الأصوات المعدنية لوقع 
قدميه ثم اختفى من خلال باب منقوش ومزحرف. أضاء مصباحاً كهربائياً في 
الطابق الثان في الوقت نفسه تقريباً. لاحظت أن النوافذ نصف مفتوحة» وأن 
ا ياهال ومن دوه بحا تحرك خيال شخص في أنحاء الغرفة» ولم يكن 
يحجب منظره عبن سوى قماش الستائر المخرّم والشاحب. 

عبرت الشارع وا م أحشر نفسي في مر ضيق هذه المرة. 

بقي الرحل يتحرك جيئة وذهاباً في الغرفة لفترة من الزمن قبل أن يختفي. 

0 

إنه هو يا برينان. إنه هنا أمامك. 

يُختمل أنه اتی کی :زور شخخصا مار باه .شيعا مذ 

لقد أمسكت به يا برينان. هيا انطلقي. 

نظرت إلى ساعن وقد أشارت إلى الحادية عشرة وعشرين دقيقة. ما زال 
الوقت مبكراء وأستطيع الانتظار عشر دقائق أخرى 

استغرق الأمر وقناً أقل. عاد الشخص ليظهر من جديدء وفتح النوافذ على 
مصراعيها قبل أن يختفي ثانية. أظلمت الغرفة. هل حان وقت النوم؟ 

اننظرت حمس دقائق أخرى كي أتأكد أن أحداً لم يغادر المببى» وعندها لن 
أحستاج إلى مزيد من الإقناع. يستطيع رايان ورجاله أن يكملوا العمل من هذه النقطة. 
دوت العنوان وبدأت أسلك طريقي عائدة إلى السيارة» وتمنيت أن لا أتأحر في 
إيجادها. ما زال الحواء مثقلاً بالرطوبة» وبقيت درجة الحرارة عالية» مثلما كانت في 
مقصف وقت الظهيرة. لم تحرّك أوراق الأشجار وستائر النوافذ ساكتاء وكأها تنتظر 
أن تف بعد غسلها. توهجت أضواء النيون في شارع سان لوران عبر أسطح المبان 


420 


المظلمة» وأرسلت ت أضواءها إلى متاهة الشوارع الى سلكُها مسرعة. 

أشارت ساعة لوحة القيادة في سيارتي إلى منتصف الليل عندما وصلت إلى 
المرآب. إن أحرز تقدما. وصلت إلى منزلي قبيل الفحر. 

ل أتتبه إلى ذلك الصوت ف البداية. کنت قد وصلت إلى آخر المرآب» 
وبدأت ا ی ي احيرا إلى ذلك الصوت. 
لات ی کان و امت جيدا. كاك یرتا اذا و غاا يأي من حلفي» وقرب 
مدخل السيارات بالتحديد. 

مشيت في ذلك الاتماه في محاولة م تحديد مصدر الصوت. توضحت طبيعة 
ذلك الصوت أكثر فأكثرء وأصبحت النغمة مغل قرع طبول متقطع. اقتربتة أكثر 
فأيقنت أن تلك الضجة إا تأ من باب يقع إلى يمين منصة وقوف السيارات. بدا 
الباب مغلقاء لكن تبيّن لي أن القفل لم يكن في مكانه تماماء أي أن ذلك كان سبب 
تشغيل جهاز التنبيه. 

دفعت الباب في البداية ثم سحبتُ مزلاج الأمان» ودفعت الباب فأقفل تماما 
توقف الصوت على الفور» وهكذا بدا المرآب هادئا تماما. صممت على لفت 
أنظار ونستون إلى هذا العطل الطارئ في ما بعد. 

بدت شق باردة ومنعشة» بعد أن فضيت تلك الساعات الطويلة في أماكن 
ضيقة وقذرة. فقت رها من الوقت في الردهة كي أسمح للهواء المبرد أن عر فوق 
جلدي الحار. أصّر بيردي على المرور جيئة وذهاباً ملامساً ساقي» 507 ظهره» 
بالإضافة إلى إسماعي حرخرته في ترحيبه المعتاد بي. تطلعت إلى الأسفل. رأيت بضع 
شعرات بيضاء وناعمة تلتصق بساقي المتعرقتين. مسّدت رأسه. ووضعت الطعام في 
طبقه ثم انصرفت كي أتفحص الرسائل الي تلقيتها. لم أحد في الجهاز سوى 
اتصال مقطوع. توجحهت كي آحذ امي المعتاد. 

رحت أسترجع أحداث تلك الأمسية في ذه بينما كنت أضع رغوة 
اتاو على ج "يقد ری ا تيد فرك لامر لاخر نه 
أصبحت أعرف الآن أين يعيش ذلك المهووس بثياب نوم جولي. افترضت» على 
الأقل؛ من يكون هذا الرحل» لأن اليوم هو يوم خميس. وماذا في ذلك؟ يحتمل أن 
لا تكون لديه علاقة بالجرائم. 

421 


م أستطع أن أقنع نفسي تماماً. لماذا؟ لماذا افترضت أن هذا الرحل متورط 
بالجرائم؟ ولماذا افترضت أن مهمة القبض عليه 7 تقع على عاتقي وحدي؟ لاذا 
أحشى على غابي إلى هذه الدرجة؟ تأكدت على الأقل أن جولي بخير. 

بقيت مشغولة البال حى بعد أن اتتهيت من حمّامي» وعرفت اني لن أستطيع 
الاستسلام للنوم. توحهت إلى الثلاحة» وتناولت قطعة من الحين الطري» وجزءاً 
من توم دي شيفر دي سافوي» وسكبت بعض شراب الزنمبيل. لففت حسمي 
بلحاف» وأسرعت كي أستلقي على الأريكة. قشّرت برتقالة وأكلتها مع اللحبن. لم 
يستطع لترمان الاستحواذ على انتباهي» لذلك عدت إلى التفكير في الأمور الي 
تشغل بالي. 1 

لماذا قضيت الساعات الماضية محشورة مع العناكب والحرذان» جرد مراقبة 
أحد الأشخاص الذين يمتلكون هواية رؤية بئات الهوى في ثياب النوم؟ لماذا لم أترك 
هذه المهمة لرجال الشرطة؟ 

عدت مدا إلى التفكير في هذه الأمور. لماذا لا أكتفي بإعطاء رايان 
المعلومات الي عرفتّها لتوي» وأطلب منه أن يتولى مهمة القبض على ذلك الرجل؟ 

يعود السبب إلى أنين أعتبر الأمر شخصياً بالنسبة لي» لكن ليس بالطريقة الي 
كنت أحاول إقناع نفسي ها. لا يقتصر الأمر على أنه تمديد تلقيته في حديقي؛ أو 
أنه يهدد سلامت أو سلامة غابي. يوجد سبب آخر يعن أتوجس من هذه 
القضاياء سببُ أعمق وأكثر إكارة لاقل بات أعترف» شيئاً فشيئاً» بمذه الحقيقة» 
لنفسي» مع مرور الساعات. 

فثلت الحقيقة أمامي في أن أصبحت أخيف نفسي في هذه المدة الأخيرة. 
كنت أشاهد الموت العنيف كل يوم» وكل يوم كنت أسمع أن امرأة قتلها رحل» 
وألقاها في أحد الأفارء أو في إحدى الغابات» أو في مكب للنفايات. كنت أتلقى 
أخباراً عن اكتشاف عظام مكسورة لأحد الأطفال في صندوق» أو قي مجرى مياه 
أو في كيس من النايلون. كنت أرفع هذه العظام» ا 
التقارير» وأدليت بشهاداتي أمام المحاكم. لم أشعر بشيء في بعض الأحيان» 
واعتبرت أن ذلك هو جزء من العقلية المهنية» أو رعا إن هذا الشعور هو جزء من 
عدم الاكتراث السريري (العيادي). واحهت الموت مرارء وعن قرب» وخحشيت 


422 


أحياناً أن أفقد إحساسي | ععناه. أد ركت أن لا أستطيع أن أشعر بالميرن 'غلى کل 
إنسان وصلت جثته إلي. إن من شأن ذلك بالتأكيد استنفاد مخزون مشاعري. إن 
بعضاً من عدم الاكتراث المهن هو شيء ضروري من أجل القيام بالعمل» شرط أن 
لا يصل إلى درجة التخلي عن المشاعر بأكملها. 

حرّك موت النساء شيئا ما في داحلي. تألت لخوفهن؛ وألمهن» وعجزهن عن 

مواجهة جنون اجر مين. شعرت بالغضب والاستياى 90 إلى استفصال كل 
حيوان مسؤول عن مذبحة. شعرت مع هؤلاء الضحاياء أما رد فعلي على موتمن 
فكان عنابة ل للياة شاي ولإنسانييٍ واحتفائي با حياة. تمكنت من الشعور 
هذه الأحاسيس» وشعرت بالرضا. 

هذا هو الجانب الشخصي في الموضو ع» وهذا هو السبب الذي ينعي من 
التوقف عند هذا الحد. هذا هو السبب الذي دفعي إلى البحث في أراضي 
الموناستير» وفي الغاباتء وفي الحانات» وفي الشوارع المتفرعة عن شارع ماين. 
بجحت في إقناع رايان متابعة هذه القضية. بجحت في إيماد الرحل الذي تورطت 
جولي معهء وسأبمح في إيجاد غابي. يُحتمل أن يكون الأمران مرتبطينء ويحتمل أن 
لا يکونا كذلك. لا يهم» لأنني سأنحح» بطريقة أو بأخرى؛ في في القبض على ذلك 
النذل المسؤول عن إهراق الدماء الأنثوية. سأساعد أ ا ا إلى الأبد. 


423 





تبيّن لي أن الشروع بالتحقيق كان أصعب مما ظننت. كان ذلك بسبي؛ وإن جزئياً. 

شعرت؛ عند الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم الجمعة» بألم في رأسي 
ومعدي» نتيجة عدد لا يحصى من أكواب القهوة الل تناولتها. انشغلنا في مناقشة 
الملفات لساعات عديدة. ولم يتوصل أحد لشيء مهم» وهكذا بقينا نناقش الأمور 
کا رعذ حو و رعا رل الكبيات افائلة نالرات ا و 
وبحثنا بيأس عن شيء حديد» ولم بحد إلا القليل. 

عمل برتران من زاوية وسيط العقارات. إذ وضعت كل من موريسيت - 
شامبو وآ دكينسز. منزليهما في إعلانات بيع ري ماكس. وفعل جار غاغنون 
الشيء ذاته. إا مؤسسة كبيرة وتمتلك ثلاثة مكاتب منفصلة» ولديها ثلاثة وكلاء 
منفصلين. لم يتذكر أحد لاع وله الضحاياء أو حي أي شيء عن ممتلكاقن. 
دأ والد تروتييه إلى استخدام رويال ليباج. 

تبن أن صديق بيتري السابق مدمنٌ على العقاقير غير القانونية» وسبق أن قتل 
بنات هوی في وينييسيغ. يُحتمل أن تشکل هذه المعلومة احتراقاً في التحقيق» 
ويُحتمل أن لا تشكّل. وقف كلوديل إلى جانب الاحتمال الأخير. 

استمّر التحقيق مع الرجال الذين يشتبه بقيامهم بانتهاكات لا أخلاقية» لكن 
م يخر ج التحقيق بنتيجة معهم. يا للمفاجأة الكبيرة! 

وانطلقت فرق من المحققين الرسميين تحقق في الأحياء الحيطة ممنزلي 
آدكيسز وموريسيت - شامبو. ولم تسفر التحقيقات عن شيء. 

424 





لم نحد أحداً نلتجئ إليه غير أنفسنا. كان الحو العام كيبا وافتقد أفراد الفريق 
للصبرء وهكذا انتظرت دوري متحيّنة الفرصة المناسبة لي كي أبدأ الكلام. أصغوا 
إلي بأدب عندما أخصيرتهم عن وضع غابي؛ وعن ليل الي قضيتها في السيارة. 
وصفت لهم الرسم» ومحادئي مع جاي. آس» ومراقبي لجولي. 

لم يتقدّم أحد للكلام عندما انتهيت» لكن سبع نساء راقبنَ بصمت من فوق 
لوحات الإعلانات. راح قلم كلوديل يرسم خطوطاً وشبكات على الورق. بقي 
الرحل صامتا ومنعزلا طيلة المساء كما لو أنه كان منفصلا عنا جميعا. زادته روايي 
هماه ينما سيظر هنوك ساغة لاط الكهريائية:الكثيرة على القرفة: 

بازززز. 

سأل بوتران: "أليس لديك فكرة ما إن كان هذا هو النذل ذاته الذي لاحقناه 
في برغو؟" 

هززت رأسي بالنفي. 

بازززز. 

قال كيتولينغ: "أقترح أن نلقي القبض على ذلك النذل". 

سأل رايان: "وبأي قمة؟" 

بازززز. 1 

أجاب شاربونيو: "نستطيع أن نتوجه إلى هناك سعيا وراء القبض عليه. سنرى 
كيف سيواجه الضغط الذي سيصدر عنا". 

قال روسو: "سيرتعب الرحل إذا كان هو ذاته الذي نبحث عنه. إن آخر ما 
نريده هو أن يرتعب» وأن يدفعه هذا لتفجير المكان بكامله". 

رد برتران: 'لا. إن آحر ما نتوقعه منه هو إدحال تمثال بلاستيكي في مكان 
حساس عند ضحية أخخرى". ١‏ 

نج يحتمل أن يكون الرحل جرد تافه؟" 

"أو يحتمل أن يكون بوندي من نوع آخر". 

١ بازززز.‎ 

دارت المناقشات هذه الطريقة» وتنقلت ما بين الفرنسية والإنكليزية. وانتهى 
جميع الحاضرين برسم خطوط تمائل تلك الي رسمها كلوديل. 

425 


بازززز. 

وماذا بعد ذلك؟ 

سأل شاربونيو: "ماهو مدى و چت غابي؟" 

ترددت قليلاً. يمتلك ضوء النهار قدرة على تلوين الأشياء بطريقة مختلفة. سبق 
لي أن أرسلت هؤلاء الرحال ممهمات ملاحقة من قبل» وما زلنا لا نعرف إن كانت 
محرد مهمات فاشلة. 

نظو كلوديل إل فبدت عيناه باردتين مثل عيون الزواحف. شعرت بتوتر في 
معدي . أعرف أن هذا الرحل يحتقرن» وکل ما يريده هو تدميري. ماذا كان عن 
من وراء ظهري يا ترى؟ ومن يعرف إلى أين وصلت شكواه ضدي؟ وماذا لو 
كنت مخطئة بتفكيري هذا؟ 

أقدمت في هذه اللحظة بالذات على شيء لن أتمك ن من تغييره إلى الأبد. 
يحتمل أنيٰ ل أشعر ق أعماقي باك اا سینا قد يدت لغابي. ولطالما 
استطاعت الوقوف على قدميها من جديد. هل احترت المسار الآمن. من 
يسلري؟ لم أقدم على تضخيم المخاطر المحدقة بسلامة صديقي إلى مستوى 
الخطورة. تر اجعت قي النهاية. 

"سبق ها أن اختفت عن الأنظار من قبل". 

بازززز. 

بازززز. 

بازززز. 1 

كان راان أول من قدّم تعليقا. 

"هل احتفت من قبل بهذه الطريقة؟ ومن دون أن تترك أي كلمة؟" 

ازات اة 

بازززز. 

بازززز. 

بازززز. ٍِ 

بدا التجهم على ملامح وجه رايان. "حسنا يا رحال. دعونا نحصل على اسم 
محدد» ونبحث في أمره. أريد أن يحدث هذا من دون ضجيج في هذه الأثناء. لا 


426 


نستطيع الحصول على تفويض بالتفتيش في هذه المرحلة على أي حال". التفت إلى 
شاربونيو: "ميشال". 

أومأ شاربونيو. ناقشنا عدة نقاط أحرى» ثم جمعنا أوراقنا وأهينا الاجتماع. 

تساءلت ET‏ ذلك الاحتماع» إذا ما كان ممقدوري حينها 
تغسيير بحرى الأحداث ال جرت لاحقاً. لماذا لم أعبر عن قلقي على غابي؟ وهل 
مشاهدت لكلوديل هي الي أحبرتئ على اتخاذ هذا القرار؟ هل ضحَيت بحماسيي 
الي شعرت ها ني الليلة السابقة على مذبح الحذر المهي؟ هل خاطرت بسلامة 
غابي» بدل أن أضحّي موقفي المهي؟ وهل كانت الأعور سحعر لو أن تفيضا دقيها 
للمنطقة بكاملها قد أجري وقتها؟ 

توحهت إلى مزلي في تلك الليلة» وحضّرت لنفسي وجبة نقلتها عن برامج 
التلفزيون» وكانت عبارة عن شريحة لحم على الطريقة السويسرية» على ما أعتقد. 
معت بعد قليل أزيز المايكرويف» فأسرعت إلى رفع ورق الألومينيوم عن الشريحة. 

وقفت هناك حرم من الزمن» ورحت أراقب هذا المرق امحضر بطرائق 
كيميائية» وهو يتخثر فوق البطاطا الهزوسنة ينفش الطريقة. شعرت بنغمات 
الوحدة والإحباط اة مادا لعزف مقدمتها. أستطيع أن أتناول ما حضرته» 
وأن أقضي ليلة أحرى في طرد الشياطين» لكن برفقة هري والمسرحيات الزلية» أو 
أن أقضي هذه الليلة في قيادة الأو ركسترا ال تعزف لي هذه الليلة. 

"اللعنة! هل أن قائد الأو ركسترا...؟" 

رميت غدائي هذا في سلة النفايات» وهرعت إلى مطعم شيز كاتسورا الذي 
يقع في شارع لو مونتان. طلبت هناك طبق سوشي» وتبادلت بعض الأحاديث مع 
بائع بطاقات من سودبوري. رفضت دعوته لي» وسرعان ما غادرت المكان كي 
أحضر عرضا متأحرا في قاعة سينما لا فابورغ. 

كانت الساعة العاشرة والأربعين دقيقة حينما غادرت القاعة. دحلت 
المصعد كي أنزل إلى الطابق الأرضي. لاحظت أن مركز التسوّق الصغير شبه 
مهجورء وأن الباعة قد غادروا المكان بعد أن وضعوا سلعهم في عربات مغطاة. 
مررت أمام فرن الكعك» وكشك بيع اللبن الزباديء وزاوية المأكولات اليابانية 
اه انعرف ف را وات نافد وقرف تلت رابات أمان موصدة 


427 


بإحكام. كاعد ا عرقي نيفق ا ن والمناشير وراء علب يستخدمها 
القصابون. 

كان ذلك الفيلم هو الشيء الذي أحتاجه بالضبط. شاهدت ضباعا تغي 
وسمعت قرع طبول إفريقية» وحكاية شبل» أبعدت ذهي عن التفكير في هذه 
الجرائم لسباعات عديدة. 

يمحت في تنسيق كل هذه الأمور يا برينان. هاكونا ماتاتا. 

عبرت شارع سانت كاثرين» ومشيت نحو منززيي. ظل الطقس حارا 
وشديد الرطوبة. غلّف الضباب مصابيح الشوارع» وغيّم فوق الرصيف مثل بخار 
يتصاعد من حوض مياه ساحنة ف ليلة شتوية باردة. 

ما إن تحاوزت ردهة الدحول متوجهة إلى غرفي» حى رأيت المظروف. كان 
المظروف مدسوساً ما بين المقبض النحاسي وبين الإطار الخشبي للباب. فرت في 
البداية بونستون. هل يريد أن يصلح شيعاء ولهذا يريد قطع التيار الكهربائي والمياه؟ 
لاء لم يكن الأمر كذلكء لأنه كان سيرسل مذكرة لي. هل هي شكوى ضد 
بيردي؟ هل هي رسالة من غابي؟ ٍ 

لم تكن كذلك. لم تكن رسالة على الإطلاق في واقع الأمر. تضمّن المغلف 
ا ال م حدقت كماء فتسارعت دقات 
قلبي» وارتعشت يداي. أدركت ماذا تعنيان» لكني رفضت أن أصدّق. 

تضمن المظروف بطاقة تعريف بلاستيكية. دك فل که البطاقة اسم غابي» 
وتاريخ مولدهاء ورقم تأمينها الصحي بأحرف نافرة بيضاء اللون» بينما ظهر رسم 
مغيب الشمس على أعلى الجهة اليسرى للبطاقة. بدت صورقا على أعلى عينهاء 
كما ظهرت جدائل شعرها المتدلية» وبدا شيء ما فضي اللون في كل أذن من 
أذنيها. 

أما الورقة الثانية فكانت عبارة عن أقصوصة مربعة بطول وعرض خمسة 
ستتمترات مقستطعة من خريطة بقياس كبير للمدينة. كتبت الأسماء على الخريطة 
بالفرنسية وأظهرت الشوارع والحدائق الخضراء بلون معتاد. بحثت عن معالمء أو 
أسمائ قد تساعدن على تحديد الحي الذي تمثله الخريطة. وردت أسماء شارع سانت 
هيلين» وشارع بوشامب» وشارع شامبلاين. لا أعرف هذه الشوارع في الحقيقة. 


428 


تحمل أن تكون هذه النطقة جزءا رن موتتريال: أو من آي مدمه اخرض ن ندا 
مع لعل أن ل أمكت ى كيبيك مد كافية بعد سمح لي بالتعرافت على فده 
المدن العديدة. لم تشتمل الخريطة على أسماء طرقات سريعة» أو معالم» تسمح لي 
بالتعرف على مواقع هذه الأسماء. فيما عدا واحدة على ما يبدو. ظهرت علامة × 
كبيرة» ومرسومة باللون الأسود. في مركز الخريطة. 

حدّقت؛ بينما أحسست بنوع من الخدر الذي سيطر علي بعلامة × هذه. 
بذدأت مشاهد فظيعة بالتكون في ذهي» لكنن حاولت طردها في محاولة مني طرد 
التفسير المنطقي الوحيد المقبول الذي توحي به. كانت هذه عبارة عن خدعة تمائل 
ها فن عو بعتن ذلك اردع الت ن ول يريك 
أن يختبر قدرته على إنزال الرعب في نفسي. 

لا أعرف كم من الوقت أمطيتّه وأنا انظر إلى وجه غابي. رحت أتذكر 
وحهها في الأماكن الأخرى الي رأينُها فيهاء وفي أزمنة أحرى. تذكرثها ذات مرة 
عندما ارئذت قبعة مهرج» وقناع وجه مليء بالحبور في ذكرى ميلاد كات الثالث. 
كان وجهها يسبح بالدموع حينما راحت تخبرن عن حادثة انتحار شقيقها. 

ساد الصمت الثقيل في الممزل من حوليء وبدا لي أن العالم بأسره ساكل 
اما ت الحقيفه ر ٠‏ 

م تكن هذه حدعة كما ظننت في البداية. يا إلهي» يا إِلهي القدير» ويا عزيزتي 
غابي! أنا آسفة جداء آسفة حدا! 

١‏ أحاب رايان بعد الرئة الثالثة. 

حمست له: "لقد نال من غابي". تحولت مفاصل أصابع يدي الي أمسكت 
بسماعة الحاتف إلى اللون الأبيض. استخدمت إرادت كي أسيطر على صون. 

لم أستطع إحفاء الحقيقة عنه. 

"مّن؟" سألي» وهو يحس بالرعب الذي أحاول أن أحفيه» ثم انتقل إلى صلب 
اموضوح مباشرة: 


It HH 


لا أعرف". 
"أين هيه" 
"أنا... أنا لا أعرف". 


429 


"ماذا لديك؟" 

معي من دون مقاطعة. 

"اللعنة!" 

مرت فترة صمت. 

"حسناً: ساخد الحريظة وآدرسها كى أمكن من ديد الوق وسارسل فريقا 
إلى ذلك الموقع". 

قلت: "أستطيع أن أوصل الخريطة بنفسي". 

"أعتقد أنه من الأفضل أن تبقي حيث أنت. أريد إعادة وضع وحدة مراقبة 
في المبئ الذي تسكنين فيه". 

قلست بحدّة: "لست الشخص الذي تُحدق به الأحطار. لقد نال ذلك الوغد 
من غابي! ويحتمل أنه قد انتهى من قتلها!" 

بدأ قناع رباطة الحأش عندي بالتداعي. جهدت كثيراً كي أسيطر على 
الارتعاش في يدي. 

"إني أشعرء يا برينان. بالحنق إزاء ما أصاب صديقتك. إن على استعداد 
لمساعدقا قدر استطاعئ. صدّقيئ» لكن يبقى عليك استخدام ذكائك. لو أن ذلك 
المعتوه قد أحذ محفظتها فقطء فلرعا تكون غير اننا كانت. وإذا كان يحتجزهاء 
ويريد مدا أن نحدها فذلك يعي أنه تركها في أي ولاية يريدنا إيجادها فيها. لا 
نستطيع تغيير هذا الواقع. أقدم أحدهم ف هذا الوقت على وضع رسالة على باب 
بيتك يا برينان. يعن هذا أن ذلك اللعين قد حاء إلى الممبئى الذي تسكنين فيه. إنه 
يعرف سيارتك. وإذا كان الرحل هو القاتل بذاته فلن يتردد في إضافتك إلى 
لائحته. لا يقع احترام الحياة ضمن ميزات شخصيته» ويبدو أنه يركز عليك الآن". 

كان على حق قي هذه النقطة. 

"سأكل أحد الأشخاص عزاقية العم الذئ لقت به" 

تكلمت ببطء ونعومة: "عدن أن حفقل :ان فرق مدي الموقع عندما ينتهون 
من عملهم". 


برينا.. ." 


430 


م يكن صوني يتميز بتلك النعومة عندما قاطعنّه: "هل هناك مشكلة؟" 

كان سؤالا غير منطقي بالمرة» حي باعترافي أناء لكن رايان أصبح أكثر 
حساسية إزاء حوي المترايد, أم أنه الحنق المتزايد؟ أم لعله لا يريد أن يتعامل 

اح 
مسن فريق تحديد المواقع بعد ساعة من الزمن. أبلغون أفهم بمحوا في رفع بصمة 
واحدة من البطاقة. كانت بھی آنا أضافوا إن علامة × تشير إلى قطعة أرض 
رو انت لامبرت. تلقیت اتصالاً ثانياً من رايان بعد ساعة من اتصال 
فريق تحديد لمواقع . أبلغيي أن فرقة من رجال الشرطة تتحقق من قطعة الأرض» 
وكل الأبنية المحيطة ها. | دوا شيئاً. ورتب رايان مسألة توجه فريق استعادة 
الأدلة إلى اللكان في الصباح. رقت أيضا ا ا کی اة 
سنعود تحددا إلى الشاطئع الجنوبي. 

قلست بصوت مرتحف بينما تحوّل حزن على غابي إلى رعب لا يُحتمل: ا 
نبدأ بالعمل في الصباح؟ 

"سأحدد السابعة موعدا للبدء بالعمل". 

"دعنا نبدأ عند الساعة السادسة". 


"لتكن السادسة إذاً". 

"هل أمرّ لاصطحابك بالسيارة؟" 

اهو الك 

تردد قليلاً: "قد تكون خير ". 

"أجل". 

شرعت بالأعمال الروتينية الي اعتدت عليها قبل التوجه للنوم: تنظيف 
الأسنان» غسا عل الر جو خو اوی وارتداء :تربع و براحت ا 


من غرفة إلى غرفة في حاولة مين عدم التفكير في النساء الوا علقت صورهنٌ في 
لوحات الإعلانات» وصور مسارح الجريمة» واللواي ترد أوصافهن في قائمات 
التشريح. ماذا بشأن غابي؟ 

431 


آم و کف الصحيح؛ ونقلتُ مزهرية من مكافاء ثم 
رفعتُ كرة شعر عن السجادة. شعرت بالبرد» وحضّرت كوب شاي لي» ثم 
أطفأت ا عدت بعد دقائق قليلة لتشغيله بحددا. انسحب بيردي 
إلى غرفة النوم» ولعله سأم من تح ركا التي لا تحمل معيئ» لكني لم أستطع إحبار 
نفسي على الامتناع عنها. شعرت أن العجز في مواحهة هذا الرعب الوشيك هو 
إحساسٌ لا يحتمل. 

تمطيت عند حوالى الساعة الثانية على الأريكة» وأغلقت عي وحاولت أن 
أسستر حي . َكَرَت على أصوات الليل المعتادة: مضخة تكييف الحواء» سيارات 
الإسعاف» قطرات المياه الي تتساقط على الأرض في الطابق الثاني. معت صوت 
المياه ينساب عبر الأنابيب» وصوت صرير الخشب في مكان ماء معت حي سكون 
الجدران. ّْ 

سرح ذهينٍ ني جولة خيالية. انسابت صور الماضي» ودارت» ثم تشقلبت مثل 
أجزاء متتالية في حلم من أفلام هوليوود. رأيت كنزة شانتال تروتييه المرحرفة» 
كما اهنت بطن قوويضيت - شامبو المشقوق. رأيت رأس إيزابيل غاغنون 
الذي أصابه التحلل» واليد ا والنهد المقطوع والحشور في شفتين اكتسبتا 
لون العظام البيضاء وحثة القرد الهامدة» والتمثال الصغير» والغطاس» والسكين. 

لم يكن الأمر بيدي. أنتجت فيلماً سينمائياً يدور حول الموت» وعذبتئي فكرة 
أن غابي قد انضمّت إلى قائمة شخصيات هذا الفيلم المرعب. استيقظت عندما 
بدأت الظلمة تتراجع أمام ضوء النهار» فأسرعت بارتداء ثيابي. 


432 


4 





م تكد الشمس تتسلق حط الأفق حى اكتشفنا حثة غابي. انطلقت مارغوت 
مباشرة إلى الجثة» ولم ظهر أي تردد عندما أطلقت إلى داحل الأرض المسيجة 
بأعشاب البلاي وود (الخشب المعاكس). وقفت للحظة تشم ثم أحذت تعدو 
عبر هذه الأرض المشجرة» بينما انعكست أضواء الفجر الزعفرانية كي تلوّن فراء 
مارغوت» وأضاءت الغبار الذي يحيط بقوائمها. 

احتار الحرم أن يدفنها اك أساسات بيت متداع. كان مكان دفنها ضحلاً 
ومحفورا على عجل» ومملوء بسرعة. بدا الأمرّ معتادا هكذاء لكن القاتل أضاف 
E‏ شخصية في هذه الحالة فأقدم» بأقصى كار هق العناية» على وضع حجارة 
بيضاوية على حدود القبر. 

رامق هيا ا و ا و ع لعل عبس ا افا الان 
بالأعمدة الخشبية المخصصة لهذا الغرض» بالإضافة إلى الشريط الأصفرء لكن ذلك 
لم يكن ضرورياً. 1 

وفر الوقت المبكر من الصباح» والسياج الخشبي الذي يحيط بالأرض» حماية 
كافية. لم يتقدم أحد ليتفرّج علينا عندما استخر جنا الحثة ومضينا في تنفيذ خطواتنا 
البشعة المعتادة في مثل هذه الأحوال. 

حلست في سيارة الدورية» ورحت أرتشف القهوة الباردة من كوب 
بلاستيكي» بينما راح جهاز الراديو يُصدر أصواته المعتادة. رأيت الأشخاص 
الموجودين من حولي ينشغلون بتحركاقهم. جعت لتأدية مهمي» وكي أكون مهنية؛ 

433 


لكسنني وحدت نفسي عاجزة عن القيام بواحباي. يستطيع الآخرون تدبر و 
أعستقد أن عقلي ميتقبل لاحقا المعطيات الي يقوم برفضها الآن. . وحددث نفسي 
مشلولة قي الوقت الحاضرء وكذلك كان دماغي. لم أرغب برؤيتها في تلك الحفرة» 
وفي مشاهدة جثتها المنتفخة أثناء ظهورها بعد إزالة طبقات التراب والغبار عنها. 
تأاكدت أكثر عندما رأيت القرطين الفضيين اللذين يمثلان غانيش. تذكرتُ غابي 
عندما شرحت لي قصة ذلك الفيل الصغير الذي بمثل صفات الود والسعادةء لا 
الألم والموت. أين أنت يا غانيش؟ لاذا لم تقدّم الحماية لصديقتك؟ ولماذا لم يحمها 
أي صديق من أصدقائها؟ يا للمعاناة الي يتوجّب علي طردها من تفكيري! ١‏ 

اميت لتوي إحراء كشف حسي يهدف إلى تحديد هوية الضحية. تولى 
رايان الإشراف على مسرح الجريمة. راقبته عندما راح يتشاور مع بيار جيلبير. 
تحدث الرجلان لبرهة من الزمن» عاد رايان بعدها ليسير باتجحاهي. رفع ساقي 
سرواله» وجلس القرفصاء قرب باب السيارة المفتوح» ثم وضع إحدى يديه على 
المقعد. وصلت الحرارة في هذا الوقت إلى سبع وعشرين درحة مغوية» رغم أن 
الصباح لم يتجاوز منتصفه بعد. ظهرت حبيبات العرق على شعره» وتحت 
إبطيه. 

قال لي: "أنا آسف للغاية!" 

عات 

"أعرف كم أن الأمر صعب عليك". 

لا. أنت لا تعرف. "ليست حالة الحثة بذلك السوء. دهشت لذلك بالنظر إلى 
درجة الحرارة العالية". 

'إننا لا نعلم كم من الوقت مضى على وجودها هنا". 

"أجل". 

اقترب ميئْ» ووضع يده على يدي. تركت راحة يده أثرأ صغيراً من العرق 
على قماش المقعد المصنوع E‏ 

"ل يكن وق شيء..." 

"ألم تحدوا شي" 

"ل د ال كير 


434 


"ل نعفر على آثار أقدام» ولا آثار إطارات. لم نحد شيئاً في هذا الحقل 


الدامي". 
هز رأسه 
"ألم تجدوا شيعا تحت الأحجار؟" أدركت أنه سؤال غبي» حن وأنا أتلفظ به. 
ركز بصره على عيئ. 


"ألم تجدوا شيعا أسفل ار 

ي اا وعدا فقط يا تمب. كان ملقى على صدرها" . تردد لبزهة 
قصيرة. "قفا ا 

"نان ذلك من سوء حظه. لم يتعود ترك أي شيء وراءه. يحتمل أن ضحد 
بصمات في داخله". جهدت كي أسيطر على أعصابي. "هل من شيء آخر؟" 

"لا أعتقد أا قتلت هنا يا تحب. يُحتمل أا تقلت إلى هنا من مكان 
آحر". ْ 

"وأين يقع هذا المكان؟" 

"هناك مطعم أقفل منذ أعوام عديدة. تم بيع هذا العقار ثم هُدم المبئ. أفلس 
الشاري بعد ذلك. أقفل المكان مدة ستة أعوام". 

"ومن هو مالك المكان؟" 

"أتريدين اس" 

ا غ و ا 

راح رايان يقلب دفتر ملاحظاته: "إنه شخمص يُدعى بايلي". 

تمكنت من رؤية مساعدين يرفعان ما بقى من غاي على نقالة» ويسرعان بما 
نحو عربة الحقق الحنائي. 0 

آه يا غابي! كم أنا آسفة! 

"هل أجحلب لك شيعا؟" ب " بقيت العينان الزرقاوان تنفحصان وجهي. 

"ماذا؟" 

"أتريدين أن تشربي أو تأكلي شيئاً؟ أو هل تفضّلين الذهاب إلى المنزل؟" 

أجل أرئد هذاء کک الا اعرد ندا إلى هذا المكافه 

"لا. أنا بخير". 

435 


لاحظفت. للمرة الأولى يده الى وضعها فوق يدي. رأيت أصابعه النحيلة» 
لكن اليد بحد ذاقَا كانت عريضة وقاسية. رأيت نصف دائرة تحيط مفصل إقامه. 

"ألم تتعرض للتشويه؟”" 

"لا" 

"لادا الأحجار؟" 

"لم أستطع أيداً أن أفهم كيف يفكر هؤلاء المعتوهون". 

"إن الأمر ليس بمزحة» أليس كذلك؟ أرادنا الرجل أن حدهاء وأرادنا أن 
نصرّح بشيء. لا أتوقع إيجحاد أي بصمات داحل القفاد" 

م يقل شيكاً. 

"إنه أمر ختلف» أليس كذلك يا رايان؟" 

0 

بدأت الحرارة داحل السيارة تضايقي» وشعرت أن كمية من قطر السكر قد 
انسكبت على جلدي. مضت ثم رفعتُ شعري كي أشعر بالنسيم على رقبي. ۾ 
أشعر بمرور النسيم. راقبت الرحال عندما انشغلوا بوضع الحثة في كيسها الذي 
ربط بأشرطة خيش سوداء اللون» ثم وهم يضعوفا داحل العربة. شعرت أن سأبداً 
بالنشيج» لكنين قاومت هذا الدافع. 

"هل كان بإمكان أن أنقذها يا رايان؟" 

"وهل كان بإمكان أحدنا إنقاذها؟ لا أعرف". أحرج لفسا عميقاً من 
صدره. وراح يحدّق بالشمس. "رعا کان بإمكاننا فعل 0 اللي 
لکن لمن ال ج أن ا الذي سيق" تلن إلى الوراء وثبت نظره علي. "إن ما 
أعرفه هو أننا سنقبض على ذلك النذل. إنه راجل هيت بالضنية لي . 

لحت كلوديل وهو يسير باتحاهنا حاملاً كيساً مخصصاً لجمع الأدلة. وعدت 
نفسي أن سأقوم مها مته إذاوجة أي كلما ي وعزمت على ذلك حقاً. 

تنب كلوديل النظر إلى عييٌ: "آسف جدا". تحوّل نحو رايان: "أوشكنا على 
الانتهاء من عملنا هنا". 

رفع رايان حاحبيه. أشار كلوديل إليه برأسه إشارة تعن هناك. 

تسارعت نبضات قلبي: "ماذا؟ ماذا وجدت؟" وضع يديه الاثنتين على كتفي. 

436 


نظرت إلى الكيس الذي يحمله كلوديل بيده. تمكنت من رؤية قفاز طبي بلون 
أصفر ييل إلى الشحوب» ولاحظت وجود بقع بنية تلرّث الجهة الخارجية منه. برز 
شيء مسطح من حافته. كان شيئاً مستطيل الشكل ذا حواف بيضاء اللون مع 
حلفية داكنة. تأكدت من أها صورةء لكن يدي رايان ضغطتا بقوة على كتفي. 
رميته بنظرة متسائلة» لكن حشيت سلفا من الإحابة. 

"دعينا نؤحل هذا إلى وقت لاحق". 

م مددت يدين مرتعشتين. 

دد كلوديل قليلاً. وقرّب الكيس نحوي. أمسكتٌ بالكيس» ثم دفعت 

اجات امن انان شلال رون ونقرت بلطف حى انزلقت الصورة 
اا أعدت تعديل وضعية الكيس» » ثم حدّقتُ من خلال البلاستيك. 

ظهر شخصان متعانقان في الصورة» وبدت قطرات لياه وهي تتساقط من 
شعرهماء بينما بدت أمواج المحيط تتدحرج وراءهما. ملكي الخوف. تسارعت 
أنفاسي . اهدئي يا برينان. ابقي هادئة. 

التقطت الصورة في ميرتل بيعش في عام 1992. ظهرت أنا وكاي. أقدم ذلك 
اللعين على دفن صورة ابن مع صديقي القتيلة. 

۾ يتحدث أحدٌ منا. شاهدت شاربونيو يتقدم من موقع القبر. انضم الرحل 
إليناء ونظر إلى رايان الذي أومأ نحوه. وقف الرحال الثلاثة بصمت. تحير كل 
واحد منا كيف يتصرّفء وماذا يقول. لم أعرف كيف أساعدهم. کسر شاربونيو 
نطاق الصمت. 

"هيا بنا كي نمسك بهذا النذل". 

قال رايان: "هل حصلت على مذكرة توقيف من المحكمة؟" 

"سيلاقينا برتران إلى هنا. سطروا المذكرة فور عثورنا على... الحثة". نظر 
إلي» ثم أشاح بنظره بعيدا على الفور. 

"هل ما زال رجلنا هنا؟" 

"م يدحل أحد إلى هذا المكان أو يخرج منه منذ أن أغلقناه. لا أظن أنه يجدر 
بنا الانتظار". 

"أجل". 


437 


التفت رايان نحوي: "شك القاضي تيسييه بوجود دافع محتمل للقتل» وهكذا 
سسطر مذكسرة التوقيف. سنقبض على ذلك الرحل الذي لاحقته ليلة الخميس. 
سوف أقلك..." 

"مستحيل يا رايان. إن معكم". 

بر" 

"أذكرك بأني تعرفت للتو على أفضل صديقات. كانت تمسك بصورت مع 
ابنيَ. يحتمل أن يكون هذا التافه هو الذي قتلهاء أو أي معتوه آخر. سأعرف 
الحقيقة» وسأقوم بكل ما يسعين كي أدمّر هذا النذل. سألاحقه وأقبض عليه من 
دونك» ومن دون مساعدة رجالك المرحين". أحذت أطعن اهواء بإصبعي» وكأنه 
مكبسّ يعمل على الطاقة المائية. "سأكون هناك! وبدءا من هذه اللحظة!" 

شعرت بالحرقة في عييٌ» وبدأ صدري يعلو ويهبط. لا تبكي. إياك أن تحرؤي 
على البكاء. أحبرت نفسي على إظهار بعض المدوء رغم الحستيريا الي أشعر بما. لم 
ينبس أحدٌ منا بكلمة» ولمدة طويلة. 

قال كلوديل: "هيا بنا". 


438 


9 








ارتفعست درحة الحرارة» ونسبة الرطوبةء قي المدينة إلى مستوى كادت أن 
تصبح معه مدينة خالية. لم يتحرك شيء فيهاء لا الأشجار» ولا الطيور, ولا 
الحشرات» ولا حي البشر. شلت الحرارة حركة الجميع» وفضل معظمهم الابتعاد 
عن الأنظار. 

انشغل الجميع بالاحتفال بذكرى ساك بابتيست. حيّم سكون متوتر. 
وانتشرت في الأجواء رائحة العرق الممتزج هواء التكييف. ملا الخوف أعماقي» إذ 
تخلى كلوديل عن ثقته العالية بنفسه. وعلمت أنه سيلاقينا مع شاربونيو إلى هناك. 

كانت حالة السير مختلفة هي الأخرى. وتعيّن علينا أثناء مرورنا بشارع بيرغر 
أن نسشق طريقنا بصعوبة بين حشود الناس الي تحتفل بالذكرى. مررنا اليوم في 
شوارع فارغة, لذلك وصلنا إلى منزل المشتبه به في أقل من عشرين دقيقة. 
تمكنت من رؤية برتران» وشاربونيو» وكلوديل» وهم يستقلون سيارة حالية من 
أي علامات. بينما كانت سيارة وحدة بوتران مركونة في الخلف. شاهدت عربة 
مسرح الحريعة في هاية المجمّع» ورأيت جيلبير وراء عجلة القيادة» بينما جلس أحد 
التقنيين في الجهة المقابلة. 

حرج رجال التحري الثلاثة من السيارة أثناء تقدّمنا باتحاههم. لاحظت أن 
حر كة الشارع بقيت كما أتذكرهاء مع أنه بدا أكثر اتساعاء وأقل ترتيباء في ضوء 
النهار عما كان عليه في عتمة الليل. أحسست أن قميصي قد التصقت بجلدي 
الدبق. 


2 


439 








سأل رايان أثناء إلقائه التحية على الرجال: "أين فريق المراقبة؟" 

أجاب شاربونيو: "إهم يجحولون في الشارع الخلفي". 

"هل يتواجد الرحل قي الداخل؟" 

ا ا كرك ممه أ وضلا إلى هنا غد تضق الليل قرا 
يحتمل أنه نائم في الداحل". 

"هل يوجد في امین مدحل خلفي؟" 

أوماأ شاربونيو: "أبقيناه تحت المراقبة طيلة الليل. وضعنا وحدات عند حهتّي 
المْجمّع السكني» بالإضافة إلى واحدة في المارتينيو". حرّك إبحامه باتحاه الجهة المقابلة 
من الشارع. "إذا كان صاحبنا في الداحل فلن يستطيع الذهاب إلى أي مكان". 

التفت رايان نحو برتران: "هل قرأت الصحيفة؟" 

أومأ برتران: "يسكن في سيغوين 1436ء شقة رقم 201. انظر إلى الأسفل". 
راح الرجل يشير بيده. / 

وقفنا للحظة» ورحنا نتأمل المبئ وكأننا نراقب خصما لنا. تحضرنا في نفس 
الوقت لعملية الاقتحام والقبض على الجرم. ظهر صبيّان من السود في البعيده 
وتناهت إلى أسماعنا أضرات برسي الراب من يهان مكعم ارسي ارتدى 
الصبيان سترتين كتب عليهما آير جوردانز› وسرو الق وناسعين نخدا اردنا 
کن ی ا يننا رسعت جمجمة تحمل مقي عينين 
متحللتين. حملت الكنزة رسم ريير» مع مظلة ستخدم على الشواطئ. يل إلي 
أنين انظر إلى رسم إجازة الموت. لاحظت أن الصبي الأطول قد حلق رأسهء وم 
يترك فيه سوى منطقة بيضاوية الشكل من الشعر. أما الصيّ الآخر فترك جدائل 
شعره تتدلى على جانبي وجهه. 

رجعت بخيالي إلى جدائل غابي. شعرت بوخزة من الألم تجتاح جسدي بكامله. 

أريد تأجيل هذه المشاعر إلى وقت آنحر» وليس الآن. لذا رحعت بت ركيزي 
إلى اللحظة الراهنة. , 

راقبنا الصبّيين أثناء دحوهما مبئ بحاورء ولاحظت أن صوت موسيقى الراب 
قد توقف على نحو مفاجئ فور انغلاق الباب وراءهما. نظر رايان في الاتجاهين» ثم 
عاد كي ينظر تحونا. 

440 


"هل نحن جاهزون؟" 

قال كلوديل: "دعونا ننال من هذا السافل". 

"أريدك يا لوك أن تغطي أنت وميشال الجهة الخلفية من المبئ. اسحقاه إذا 
أطلق الرصاص عليكما". 

حدق كلوديل بناء وتقدّم قليلاً وكأنه يريد أن يتكلمء لكنه اكتفى هر رأسه» 
وزفر بحدة من خلال أنفه. تحرّك هو وشاربونيوء لكنهما رجعا عند سماعهما 


صوت راياك. 

أرسل رايان نظرات حادة في اتحاههما: "سنقوم بعملنا حسب الأصول. لا 
أريد أي أحطاء". 

عبر رجلا تحري شرطة مونتريال الشار ع» واخحتفيا عبر المبئ ذي الأحجار 
الرمادية. 

التفت رايان نحوي. 

"هل أنت جاهرة؟" 

اا 


"يحتمل أن يكون هذا هو الرجل الذي نبحث عنه". 

"أجل يا رايان. أعلم ذلك". 

ا 

"رايان. يا إلهي... 

ا“ 

شعرتُ بشيء من الخوف يتزايد في صدري أثناء تسلقنا السلم الحديدي. 
وجدنا الباب الخارحي مفتوحا. دحلا رواقا د ذا أرضية مبلطة وداكنة. ملأت 
صناديق البريد الجدار على بمينناء بينما تكدست المنشورات على الأرض من تحتها. 
حاول بوتران فتح الباب الداخلي. فوجده مفتوحا هو الآخر. 

قال برتران: "يا للإجراءات الأمنية العظيمة!" 

عبرنا إلى مر حافت او عليه ن ورائحة دهون الطبخ. 
شاهدت ب رنّة تصل إلى خلف الب وتُكمل صعوداً حن الدرج الوعود إل 
اليمين. تك هار السجادة بأشرطة ا رقيقة كل تسعين سنتمتراً. . وضع 


441 


أحدهم EE‏ فوقها. كان شفافاً في البداية إلا أنه أصبح معتماً الآن مع مرور 
الزمن» والأوساخ الي تراكمت فوقه. 

تابعنا الصعود حي الطابق الثان. أحدثت أقدامنا أصوات فرق حافتة على 
أرضية الفينيل. كانت الشقة رقم 201 هي الأولى إلى يميننا. وقف رايان وبرتران 
قبالة بعضهما بعضاً على حاتبي الباب الخشي» وأسندا ظهريهما إلى الحجدار. فتح 
الرحلان سترتيهماء بينما وضعا يديهما على سلاحيهما. 

أشار لي رايان بالوقوف إلى جانبه. حشرت نفسي إزاء اللخ را 
بالتصاق الطين الخشن للجدار بشعري. أذ مها هبيه اخلط مع اة 
العفن والغبار. ممست رائحة عرق رايان. 

أومأً رايان باتحاه برتران. شعرت بأن مستوى القلق عندي يتعاظم حى كاد 

دق برتران الباب. 

لا جواب. 

دق الباب ثانية. 

لا حواب. 

توتر رايان وبرتران. شعرت بأنفاسي تتسارع. 

"الشرطة. افتحوا الباب". 

معنا بابا ُفتح بهدوء في مكان ما من الشقة. رأينا بعد ذلك عينين تبرزان من 
خلال شق ,قدا ر ما تسمح به سلسلة الأمان. 

وق ا بق :ةا کو و ا 
الصمت المخيّم على المكان. استمّر الصمت. 

ماذا بعد؟ السيد تانغواي ليس هنا. 

تحركت رؤوسنا نحو مصدر الصوت. كان الصوت الذي تناهى إلى أسماعنا 
من الرواق ناعما وحادا. 

أومأ رايان باتحاه برتران ما معناه ابقّ مكانك. ل د 
تراقبان فيما تضخمت الحدقتان من وراء نظارة سميكة. لم ترتفع هاتان العينان أكثر 
من مئة وعشرين سنتمتراً عن الأرض» ثم ازداد ارتفاعهما مع اقترابنا منهما. 

442 


عليه. 


تنقلت العينان ما بين رايان وبين ثم بالعكس» على أمل إيجاد مكان تستقران 
جلس رايان القرفصاء كي يستطيع النظر إليهما على المستوى ذاته, " 

قال رايان: "بوبحور". 

ا 
"كيف حالك؟" 

"أنا بخير". 

انتظر ذلك الطفل» لكني لم أتمكن من التأكد ما إذا كان صبياً أم بناً. 
"هل آمك موجودة في ا المزل؟" 

هر الولد رأسه. 

"ووالدك؟" 

"ل 

"هل يوجد أحد في المنزل؟" 

"ومن أنت؟" 

جا قلت ايها الي الا تخي النزباء أي شب 

"نحن من الشرطة". أبرز رايان شارته. توسكّت العينان أكثر. 

اهل اط أن سکیا 


مرر رايان الشارة من خلال فتحة الباب. تفحصها الطفل هدو ثم 


كمي 


"هل تبحثون عن المسيو تانغواي؟" 
"أحل» إننا نبحث عنه". 
"iU"‏ 
"نريد أن نطر ح عليه بعض الأسئلة. هل تعرف المسيو تانغواي؟" 
أومأ الطفل» لكنه لم يقل شيئا. 
"ما اسمك؟" 
"ماثيو". تأكد من أنه صبي. 
"مي ستعود والدتك إلى المنزل يا ماثيو؟" 
"إن أعيش مع جدي". 
443 


غير رايان من وضعية وقوفه» فسمعنا صوتاً مدوياً لمفصل. صدم الأرض 
بركبته» بينما أسند مرفقه على الركبة الأخرى» وأسند ذقنه على مفاصل أصابع 
يدي ثم نظر باتحاه ماثيو. 

"كم عمرك يا ماثيو؟" 

'ستة أعوام". 

"منذ م وأنت تعيش هنا؟" 

بدا الصبي مندهشاًء وكأن الاحتمالات الأخرى غير واردة بالنسبة إليه على 
الإطلاق. 

"عشت هنا على الدوام". 

"هل تعرف المسيو تانغواي؟" 

أومأ ماثيو. 

"منذ من وهو يعيش هنا؟” 

هز كتفيه. 

"مى ستعود حدتك إلى المنزل". 

رجفت مرل ا ست فيد ا اع مالي 
عينيه قليلاً وعضْ شفته السفلى. "دقيقة واحدة من فضلكم". احتفى الطفل في 
الشقة» ثم عاود الظهور في أقل من دقيقة. "الثالئة والنصف". 

"تكلم". قال رايان وهو ينهض من وضعية القرفصاء. وجّه كلامه إلي» وبدا 
صوته متوتراء وأعلى بقليل من الهمس. "قد يكون ذلك النذل هناك لكن لدينا 
طفل مترو وحده هنا". 

ظل ماثيو يراقبناء فبدا مثل هرّة برية تراقب فأرة محاصرة» لكن عينيه بقيتا 
م ركزتين على وجه رايان. 

"المسيو تانغواي ليس هنا". 

حلس رايان القرفصاء ثانية: "هل أنت متأكد؟" 

"لقد رحل". 

"إلى أين؟" 

هر الطفل كتفيه ثانيةء ومد إصبعاً “مينة كي يدفع نظارته فوق أنفه. 


444 


"كيف علمت أنه رحل؟" 

"أنا أعتى بأسماكه في غيابه". أضاءت وجهه ابتسامة عريضة. "يمتلك الرحل 
أسماكاً استوائية ملونة» وأسماكاً ملائكيةء وأسماك الغيوم البيضاء". استخدم الصبي 
أسماء إنكليزية. "إنها رائعة!" رائعة/ يا للكلمة النموذحية. لا ترقى الكلمة الإنكليزية 
م إلى مستوى قوها. 

"م سيعود المسيو تانغواي؟" 

هر كتفيه بحدداً. 

سألته: "هل دوّنت الحدة موعد عودتها على او 

راح الطفل يتفحصئ مندهشاًء ثم اختفى كما فعل سابقاً. 

نظر رايان إلى الأعلى وسألئ: "أي روزنامة؟" 

"لا بد أن لديهم واحدة. ذهب الطفل كي يتأكد من أمر ماء لأنه لا يعرف 
موعد عودة جدته إلى االلزل هذا اليوم". 

عاد ماثيو ليقول: "لا". 

وقف رايان: "والآن ماذا نفعل؟" 

"إذا کان عق فسوف نحاصر الكان. حصلا على الاسم لذلك سنقبض على 
المسيو تانغواي. يحتمل أن تعرف الحدة المكان الذي توه إليه» وإذا لم تكن 
تعرف فسنقبض عليه ما إن يان إلى هنا". 

تطلع رايان باتحاه برتران, ثم أشار إلى الباب. 

دق برتران حمس مرات إضافية. 

لا حواب. 

سأل برتران: "هل نكسره؟" 

لن يوافق المسيو تانغواي على خلع الباب". 

اظ اچ إلى الصي. 

انحن رايان للمرة الثالثة. 

قال مائيو: "سين حنونه إذا فعلتم أمرا سيئاً مثل هذا". 

شرح رايان الأمر للصبي: "يتعيّن علينا أن نبحث عن شيء ما في شقة المسيو 
تانغواي". 

445 


حلست القرفصاء بالقرب من رايان. 

"ماثيو» هل تتواحد أسماك المسيو تانغواي في شقتك؟" 

هر رأسه. 

"هل لديك مفتاح لشقة المسيو تانغواي؟" 

أومأ ماثيو. 

"هل ستسمح لنا بدحول الشقة؟" 

"لاك 

"و يدب" 

"لا أستطيع الخروج في غياب جدي". 

"حسنا يا ماثيو. تريدك جدتك أن تبقى في الداحل لأها تعتقد أنك ستكون 
بأمان أكثر هكذا. إها على حق» وأنت ولد مطيع تسمع كلامها". 

اتسعت ضحكة الصبي بحددا. 

"هل ستسمح لنا باستخدام المفتاح يا ماثيوء ولو لدقائق قليلة؟ تريد الشرطة 
التحقق من أمر مهم» كما أنك على حق في عدم سماحك لنا بخلع الباب". 

قال الصبي: "أعتقد أن سأسمح لكم لأنكم من الشرطة". 

ابتعد ماثيو عن أنظارناء ثم رجع والمفتاح في يده. زم شفتيه ونظر إلي مباشرة 
عندما أمسك بالمفتاح من خلال شق الباب. 

"لا تخلعوا باب المسيو تانغواي". 

"سنكون حريصين 0 

"لا تدحلوا إلى المطبخ لأن ذلك سيكون أمرا سيئاً. لا تستطيعون دحول 
المطبخ". 
2 الباب وابق في الداحل يا ماثيو. سأدق على الباب بعد أن ننتهي من 
عملنا. لا تفتح الباب قبل أن نقرعه". 

أومأ ذلك الوجه الصغير يمدو ثم احتفى وراء الباب. مرّت فترة صمت 
متوترةء أومأ رايان بعدهاء بينما انصرفت إلى إدحال المفتاح في القفل. 

فتحنا الباب لنجد أمامنا مباشرة غرفة معيشة صغيرة تقترب ألوان أثاثها من 
الأرحوان. امتدت الرفوف على الجانبين» ومن الأرض حي السقف. لاحظت أن 


446 


الجدران الأحرى مصنوعة من الخشب» في حين أصبحت أسطحها داكنة نتيجة 
تلا مره بعد مرق خب الأعوام. تدلت الستائر المخملية الحمراء المجعدة: والأقمشة 
المخحرمة والشاحبة» فوق النوافذ» ولذلك لم يرشح منها سوى القليل من ضوء 
الشمس. وقفنا جامدين تمامأ ورحنا نصغي وننظر في أرجاء الغرفة غير المضاءة. 

كان الصوت الوحيد الذي سمعته طنينا حافتا ومتوترا مثل تيار كهربائي 
يتجاوز دارة كهربائية مقطوعة. 

بورج بررززوت: برت بزت. أتى هذا الصوت من وراء أبواب مزدوجة 
إلى يسارنا. كان المكان هادئاً بصورة مميتة ما عدا هذا الصوت. 

يا اتفال الموفق و الصفة ا ريا 

نظرت من حولي» فظهرت لي أشكال الأثاث وسط هذه الظلال. بدت قليعة 
ومستهلكة. السعلةطاولة تة مشر وسط ار قاطت كن حرفا 
کراس E‏ تصدّرت الغرفة أريكة مستهلكة مغطاة ببطانية مكسيكية. رأيت 

في الجهة المقابلة للأريكة صندوقاً حشبياً وضع فوقه جهاز تلفزيون سوي 
ترينيترون. / 

تناثرت الطاولات والخزائن الخشبية الصغيرة في الغرفة. لاحظت أن بعض قطع 
الأثناث هذه كانت في غاية الروعة» ولا تختلف كثيراً عن تلك الي أحدها في 
أسواق التحف القديمة (البرغوت). شككت أن تكون هذه القطع مشتراة بسعر 
مناسب بُدف تنظيفها والعناية بما في ما بعد. بدت هذه القطع وكأفا بقيت في 
مكافها منذ أعوام عديدة» وظهر الإهمال وعدم الاكتراث عليها رغم تعاقب 
المستأحرين على الشقة. 

لاحظت أن الأرض مغطاة بسجادة قطنية قليكة. رأينا أصص النبات تنتشر في 
كل مكان. أحذت هذه النباتات مكاها في الزواياء وامتدّت مع ألواح الأرضية 
الخشبية» وتدللى بعضها من الجدران. حرص شاغل هذه الشقة على تعويض ما 
ينق صه من قطع الأثاث بالنباتات الخضراء. تدلّت هذه النباتات من على رفوف 
الجدران» بينما وضع بعضها الآخر على حواف النوافذ السفلى» وأسطح 
الطاولات» وعلى الرفوف الحانبية» ورفوف الجدران. 

قال برتراث: "يبدو هذا المكان اللعين مثل حديقة نباتية". 


447 


أكملت عنه في سرّي ومليئة بالروائح. ملأت الحواء رائحة عفنة هي مزيج 
من رائحة الفطر وأوراق الأشجارء والتراب الرطب. 

لاحظنا بعد المدحل الرئيسي مباشرة وجود قاعة صغيرة» وباب موصد. أشار 
رايان نحوي بالتراجع بالطريقة ذاهَا الي استخدمها في القاعة» ثم انزلق مع الجدار 
بعد أن أحيئ كتفيه قليلاء وأحئ ركبتيه» أما ظهره فكان يضغط على اللخص. تمرك 
رايان نحو الباب ببطي وتوقف قليلاً. ثم ركل الباب الخشي بشدة. 

تراجع الباب من مكانه» وصدم الجدارء ثم ارتدٌ نحو إطاره الخشبي ليستقر 
احيرا نصف مفتوح. أصغيت السمع لعلي أنتبه إلى حدوث أي ح ركة» وتسارعت 
نبضات قلي» وتناغمت مع الطنين المتوتر الذي سبق لي أن سمعته. بززززززت. 
بزت. بزت. بززززت. دا دوم دوم دوم. دا دوم دوم. 

تسرب وهج مخيف من وراء الباب نصف المفتوح» وترافق الوهج مع صوت 
غرغرة هادئة. 

ترك رايان من خلال الباب قائلاً: "وجدنا الأسماك". 

استخدم رايان قلمه كي يضغط على مفتاح كهربائي فامتلأت الغرفة 
بالأنوار. بدت غرفة نوم نموذجية: سرير مفردء وغطاء سرير بزخارف هندية» 
وطاولة صغيرة» ومصباح» ومنبّه» وبخاخ للأنف» وخزانة من دون مرآةء ومام 
صغير في طرف الغرفة» وشبّاك واحد. لاحظت وجود جدار حجري تغطيه ستائر 

بقيت الأحواض ال اصطفت على طول الحدار الخلفي هي الأشياء الوحيدة 
الي يُمكننا اعتبارها غير مألوقة في الغرفة. كان ماثيو على حقء إنما رائعة. 
تراوحت ألوافا ما بين اللونين الأزرق الفاتح» والأصفر الفاتح» بالإضافة إلى 
الأشسرطة السوداء والبيضاء الي تتدافع د وهبوطا من المرجان الأبيض 
والزهري» وكل التنويعات المختلفة من الظلال الخضراء الي يمكن للمرء أن 
نيلها ةف كل نظام فى اصع من هلاه اة مضاء بالأنوان رور 
ترافقه أصوات عار عد من r‏ المنحدر. 

راقبتُ مشدوهة» وشعرت بفكرة على وشك التكوّن في ذهين. رحتُ 
أستعرضهاء لکن ماذا بقيّ منها؟ ها هي الأسماك أمامي. ماذا بشأها؟ لا شيء. 


448 


تحرّك رايان من حولي» واستخدم قلمه كي يحر ستارة الحمام إلى الخلف» 
وكذلك فتح حزانة الأدوية» ثم راح يتفحص علب الطعام والشباك الحيطة 
بالأحواض. استخدم منديلا كي يفتح نحزانة الأدراج» ثم عاد كي يستخدم القلم 
من أجل تقليب الثياب الداحلية» والجوارب» والقمصان»ء والكنزات. 

اسي كل شيء يتعلق بالأسماك يا برينان. كانت الفكرة الى مرّت بذهي 
قصيرة الأحاء مثلما هي الفقاعات الي تتكوّن في الأحواضء والي تتصاعد إلى 

"هل وبحت و 

هز رأسه بالنفي. "لم أجد أي شيء واضح. لا أرغب في إفساد عمل فريق 
ابتعادة الأدلةه'لذلك أحريت سسا سريعاً. أزيد اغلاق فة الغرف قبل أن أعهد 
ها إلى جيلبير. يتضح من هذا أن تانغواي موجودٌ في مكان آخر. سنقبض عليه 
لكن بإمكاننا أن نعرف ماذا يمتلك الرحل ما دمنا هنا". 

انشغل برتران في تفحص جهاز التلفزيون الموحود قي غرفة المعيشة. 

علق قائلا: "إنه جهاز حديث ومتطور. يبدو أن الرجل يحب جهازه". 

توتر حسد رايان وراح يتفحص الوهج المحيط بناء ثم قال بشرود: "يحتمل أن 
يكون بحاحة إلى تصليح كوستو روتيي". 

لم نفاحا بأحد هذا اليوم. تحوّلت بنظري إلى الرفوف الي تحمل الكتب. 
لفت نظري التنوع المدهش لمواضيع الكتب الى بدت حديدة» أي مثلما هو 
جهاز التلفزيون. رحت أتفحص عناوين الكتب الي تضمنت حقولا مثل: علم 
البيئة» علم الأسماك, علم الطيور» علم النفس» الجنس. اشتملت الكتب على 
متناو ف الكو قوف الريك كان هقانا ا الآثاره القد 
الماوري» نحت الأحشاب عند شعب كواكيوتل (الذي عاش في جزيرة 
فانكوفر)» محاربو الساموراي» وتذكارات من الحرب العالمية الثانية) وأكلة 
لحوم البشر. 

احتوت الرفوف على مثات الكتب ذات الغلافات الورقية» واليّ تضمنت 
الروايات الحديثة باللغتين الفرنسية والإنكليزية. لاحظت وجود بعض الكتب الي 
تهمينء مثل مؤلفات فونغوت, إير فينغ, ماك مورتري. كانت غالبية الكتب من 

449 


الروايات الخيالية» الى تتحدث عن الحرمين المتوحشين» والشاذين الذين يطاردون 
ضحاياهم. شعرت أنه باستطاعي اقتباس تعريفات هذه الكتب من دون قراءقا. 
لاحظت أيضاً وحود رف بأكمله من الكتب غير القصصية الي تروي سير حياة 
القتلة التسلسليين والمغالين في إحرامهم. تضمنت هذه الكتب سير مانسون» 
بوندي» راميريز» وبودن. 

قلح: "أعتقد أن تانغواي وسان جاك ينتميان إلى نادي الكتاب ذاته". 

علق برتران: "يُحتمل أن يكون هذا النذل هو سان جاك". 

رد رايان: "كلا لأن هذا الرحل يقوم بتنظيف أسنانه". 

"أحل» لكن عندما يكون في شخصية تانغواي". 

قلت: "إذا كان الرحل يقرأ كل هذه الكتب فلا بد أن تكون اهتماماته 06 
NEES‏ رمن إن E E CREE‏ 

سأل برتران: "وماذا لديك الآن يا دكتورة روث؟" 

"انظروا إلى هذ" ٠‏ 

انضما إل فتابعت: 

"تم ترتيب الكتب بحسب المواضيع» وبحسب الأحرف الأبجدية". 

أشرت نحو عدة رفوف. "وكذلك بحسب أسماء المؤلفين المرتبة بالأحرف 
الأبحدية ضمن كل فئة» وبحسب عام النشر لكل مؤلف". 

"ألا يفعل الحميع ذلك؟" 

نظرت أنا ورايان إليه. لم يكن برتران من النوع الذي يقرأ كثيرا. 

"انظروا كيف أن كل كتاب يتسق مع حافة الرف تماما". 

قال رايان: "إنه يفعل الشيء ذاته مع سراويله القصيرة وحواربه. لا بد أنه 
لتخم زازية موي ر 

عبر رايان عما فكرت به تماما. 

"يتطابق هذا مع طريقة حياته". 

قال برتران: "يحتمل أنه يحتفظ بالكتب جرد العرض. يرغب الرحل أن يحمل 
أصدقاءه على الاعتقاد بأنه مثقف". 


450 


قلتُ: "لا أعتقد ذلك لأنئ لم ألحظ غباراً على الكتب. انظروا أيضاً إلى تلك 
الأوراق الصفراء الصغيرة. لا يكتفي الرجل بقراءة محتوى الكتبء لكنه يدوّن أموراً 
محددة كي يعود إليها لاحقاً. دعونا نطلب من جيلبير ورجاله أن لا يضيّعوا 
علامات الأوراق هذه. يحتمل أن تكون مفيدة لنا". 

"سأطلب منهم تغطية الكتب قبل أن يعلوها الغبار". 

"هناك أمرٌ آخر يلفت الانتباه عند مسيو تانغواي". 

نظر الجميع إلى الرفوف. 

قال برتران: "إنه يقرأ بعض التفاهات الغريبة". 

سألت: "ما هي المواضيع الي تثير اهتمامه عدا عن قصص الجرية؟ انظروا إلى 
الرفٌ الأعلى". 

نظروا بجحددوا إلى الرفوف. 

قال رايان: "اللعنة! ها هي كتب التشريح» غراي. دليل كانينغهام للتشريح 
العملي. الأطلس الملوّن للتشريح البشري. دليل التشريح. الرسوم الإيضاحية 
الطبية للجسم البشري. يا إهي! انظروا إلى هذا. مبادئ سابستون في الجراحة. 
بمتلك الرحل كتبا في هذه المواضيع أكثر مما تملكه مكتبة معهد طبي. يبدو الرحل 
مصمماً على معرفة كل شيء داحل الجسم البشري". 

"أحلء إنه يريد أن يعرف أمورا أكثر بكثير من الأنظمة. يريد الرحل معرفة 
الأحهزة والأعضاء الداحلية". 

تناول رايان جهاز اتصاله: "أريد أن يحضر جيلبير ورجاله إلى هنا. سأطلب من 
الفرّق الموجودة في الخارج أن يجولوا ويراقبوا الدكتور برك. لا أرغب في إخافته عندما 
يعاود الظهور في هذا المكان. يا إلمي! أحشى أن يكون كلوديل قد أفزعه". 

تحدّث رايان في جهازه؛ بينما تابع برتران تفحص عناوين الكتب ورائي. 

"إنه نوع كتبك المفضّل". استخدم منديلاً كي بخن ذا ما. "يبدو أنه 
الوحيد هنا". 

وضع E‏ من الأنثروبولوجي الأميريكي على الطاولة. لاحظت أن 
الكتاب صدر في تموز من العام 1993. لم أشعر بحاجة إلى فتحه. أعرف عنوان أحد 


451 


الفصول في حدول المحتويات. أطلقت عليه المؤلفة صفة كتاب مهم من أجل 
الترويج لبلوغ الأستاذية الكاملة. 

ها مقالة غابي. صعقي منظر كتاب الأنثروبولوجي الأميركي. شعرت فجأة 

بالرغبة قي الخروج من هذا المكان. أردت الذهاب كي أمضي يوم سبت مشمس 
حيث أكون بأمان» حيث لا يموت أحده وحيث تستطيع صديقيّ و إلى 
الغداء, 

المياه. اسكبي بعض المياه الباردة على وحهك يا برينان. 

اش ع نحو الأبواب المردوجة. ودفعت أحدها بقدمی» ورحت أنحث عن 
المطبخ. ۰ 

بوززززت. برززززت. بزت. بوزززززت. برت. 

م تكن هناك نافذة في الغرفة. ومضت ساعة رقمية موحودة ةلل بكي بألوان 
برتقالية. استطعت أن أرى ش كين أبيضين» وكذلك رأيت شيئا شاحباً على 
مستوى الخصر. افترضت أني رأيت ثلاجة» وموقدأ» وحوض غسل أطباق. بحدتُ 
عن يتا كهر بائي وسط هذه العتمة. فلتذهب التعليمات القانونية إلى الجحيم» 
ولا بأس إذا ما وجدوا بصماقٍ في هذا المكان. 

وضعت ظاهر يدي على فمي» وسرت متعثرة باتحاه الحوض حيث رششت 

بعض المياه على و حهي. رأيت رايان واف ا الباب. 

"أن ر" 

اندفع بعض الذباب وحام في الغرفة بعدما أزعجه هذا التدحل الذي م تتوقعه. 

برزت. نزت ررر( 

"أتريدين نعناعا؟" قدّم إلي لفة من لايف سايفر. 

تناولت واحدة: "يا للحرارة الشديدة!" 

"كأننا في إناء طبخ". 

تقلبت ذبابة على حده: "اللعنة..." دفع يده قي الحواء. "ماذا يفعل هذا الرجل 
هنا؟" 

رأيت تلك الأشياء أنا ورايان في الوقت ذاته. استلقى شيئان على طاولة 
الطبخ» ظهرت بقع الدهن على المناديل الورقية الي وضعت لتجفيفها. تراقص 

452 


الذباب حول هذين الشيئين» ول م ثم طار بعصبية مرات عديدة. رأيت قفازا ا 
إلى اليسارء وهل افر الا من القفاق الذي عثرنا عليه قبل قليل. تقدمنا قلي 
وهو الأمر الذي أثار الذبابات ودفعها للطيران بعصبية 

نظرت إلى هاتين الكتلتين المنكمشتين» ثم أحذن تفكيري إلى الصراصير 
والعناكب الى شاهددها في زاوية محل الحلاق. لاحظت أرجلها الحافة وعصبيتها 
بسبب ضيق مكان تواحدها. لاحظت» مع ذلكء أنه لا علاقة هذين الشيئين 
بشمانيات الأرحل. عرفت طبيعتهما على الفور» مع أن رأيت بقية الأشياء في 
الصور. 

"إا مخالب". 

"ماذا؟" 

"إا مخالب تعود لتوعٍ معين من الحيوانات". 

"هل أنت متأكدة؟" 

E E 

فعل ذلك مستخدماً قلمه. 

"بعكنك أن ترى هناك ايات عظام الأطراف السفلية". 


"وماذا يفعل يما؟" 

أخذني تفكيري إلى إلسا: "وكيف لي أن أعرف بحق الجحيم» يا رايان؟" 

"يا إلحي". 

"'يتعيّن علينا أن نفتش في الثلاجة". 

"أوه. يا إهي". 

وحدنا الحثة الصغيرة هناك مسلوخة وملفوفة بقطع النايلون الشفاف. رأينا 
أشياء أحرى اا 

"ما هذد؟" 

"كأفها من أنواع الثدييات. لا أستطيع الحزم من دون رؤية جلودهاء لكنئي 
أستطيع القول المت خاو 

"شكرا يا برينان". 


انضم برتوان إلينا: "ماذا لديكما؟" 


453 


كان صوت رايان مليئاً بالانزعاج عندما أحاب: "لدينا حيوانات ميتة» 
وقفاز آحر". 

قال برتراث: "لعل الرحل يأكل الحيوانات الي تُقتل على الطرقات". 

"يحتمل ذلك. ويُحتمل أيضاً أنه يصنع مظلّلات للمصابيح من جلود الناس. 
هذا يكفي. أريد إقفال هذا المكان. أريد مصادرة كل شيء هنا. ضعوا كل 
السكاكين» وذلك الخلاطء وکل شيء موجود في تلك الثلاجة اللعينة» في أكياس. 
رکه اا فط كل هده اسهد ران يغسل المكان ببلورات الليومينول. أين 
جيلبير بحق الححيم؟" ٍ 

تمرك رايان باتحاه هاتف معلق على الجدار إلى يسار الباب. 

"توقف قليلاً. هل يوجد في هذا الماتف زر إعادة طلب الرقم؟" 

أومأ رايان. 

"اطقط ا 

"لعله اتصل برحل الدين» أو بحدته". 

ضغط رايان على الزر. استمعنا إلى نغمة من سبعة مقاطع تبعتها أربع رئات. 
أحاب صوت وعندها تصاعدت فقاعة الخوف» الى حبستها طيلة النهار ف 
أعماقي» إلى رأسي» وشعرت اني سأصاب بالإغماء. 

"اترك اممك ورقمك من فضلك. سأتصل بك في أقرب وقت ممكن. شكراً. 
انا تمب". 


454 





أصابتي الصدمة عند سماع صوي. شعرت وكأنئ تلقيت ضربة على 
رأسي. أحسستة أن لن أقوى على الوقوف» بينما تسارعت أنفاسي حى 
بدأت ألحث. 

ساعدي رايان في الوصول إلى كرسي» وأحضر لي كوباً من المياه» لكنه لم 
يطرح أي أسكلة. ا ا 
الفرا غ. في النهايةء ا ي فتمكنت من تقييم الواقع. 

اتصل ذلك النذل بي. لماذا؟ وم 

شاهدت جيلبير وهو يرتدي قفازين مطاطيين» ويد يده إلى داحل المجموعة. 
ول شما لقان سود كس الأضاق. 

هل كان يحاول الاتصال بي؟ أو بغابي؟ ماذا كان يريد أن يقول؟ هل أراد أن 
يتكلم» أم أنه أراد أن يعرف إذا كنت موحودة في اللمزل؟ 

تنقل أحد المصورين من غرفة إلى غرفة» وومض الفلاش مثل اليراعات المتنقلة 
في هذه الشقة الكئيبة. 1 ؛ 

تذكرت تلك الاتصالات المقطوعة. هل جاءت منه؟ 

أقدم أحد التقنيين» الذي ارتدى قفازين مطاطيين ورداءً اف على وضع 
الكتب في أكياس بلاستيكية) وأحكم ربطها بأشرطة لاصقة باعتبارها أكياس أدلة» 
وعلم كل حزمة منهاء ثم وقع فوق الختتم. ا 
بودرة بيضاء فوق الطلاء المصقول باللون الأحمر الداكن للرفوف. اممك تقي 

455 


الث في إفراغ الثلاجة من محتوياقاء ووضع الررّم داحل مغلفات سمراء عادية» ثم 
نقلها إلى جهاز تبريد خاص. 

هل ماتت هناء وبالتالي كانت هذه المناظر الي أراها الآن هي آحر المناظر الي 
رأتَا؟ 

تحدث رايان مع شاربونيو. تناهى إل جزء من الحديث عبر هذا ابو المنائق 
بحرارته. أين هو كلوديل؟ ماذا يفعل الآن؟ هل يقوم باستجواب القيّم على المبئ؟ 
وهل يقوم بإلقاء نظرة على الطابق السفلي» ومناطق التخزين؟ هل حصل على 
المفاتيح؟ علمت أن شاربونيو قد غادرء ثم عاد بعد قليل برفقة امرأة في منتصف 
العمر ترتدي رداء عمل منزليا وتنتعل حفا. احتفيا مجددا برفقة الرحل الذي 
وضب الكتب. 

عرض علي رايسان أكثر من مرة أن يأحذني إلى المنزل. قال لي» 
بلطفء إنه لا يمعكنني فعل أي شيء هنا. أد ركت ذلك لكني لم أستطع 
المغادرة. 

وصلت الحدة عند الرابعة قري لم تكن عدائية ولا متعاونة في الوقت 
ذاته. أعطتنا وصفا لعانغواي» وإن كانت قد ترددت في البداية. قالت إنه ذكن 
وهادئ» وشعره بي اللون» وهو نحيل البنية» ميل إلى الوسطية في كل شيء. 
يتطابق هذا الوصف مع نصف الرحال الذين يعيشون في أميركا الشمالية. قالت 
إا لا تعرف المكان الذي يتواجد فيه الآن» ولا الوقت الذي غادر فيه. أضافت 
أنه غاب من قبلء لكنه لم بمكث طويلاً. قالت إفا لاحظت غيابه لأن تانغواي 
طلسب من ماثيو أن يُطعم أسماكه. أبلغتنا أنه كان لطيفاً مع ماثيوء واعتاد أن 
يعطيه المال لقاء اعتنائه بأسماكه. قالت إنُا لا تعرف أمورا عنه أكثر ما أخبرتنا 
وا اورا ارا طا ع کی اياف كان هی ر اه للف ا 
وإن كانت غير متأكدة. أضافت أفا لا تكترث بشأنه» ولا تريد أن تعرف عنه 
أي شيء. 

أمضى فريق استعادة الأدلة المساء بطوله وبعض الليل» في تفتيش الشقة. لم 
أب معهم» لأنني شعرت بالحاحة إلى مغادرة الشقة بحلول الساعة الخامسة» عندها 
قبلت عرض رايان بالمغادرة. 


456 


تكلمنا قليلاً في السيارة. كرّر رايان أمامي ما سبق أن قاله في على الهاتف. 
يتعين علي البقاء في المنزل» وستتولى وحدة من الشرطة حراسة بنايي على مدار 
الساعة. شدّد علي أن أمتنع عن القيام بأي مغامرات في أوقات متأحرة من الليلء 
وعن القيام .همات .عفردي. ١‏ 1 

ا ع صوت قد وشى بعدى ضعفي العاطفي عندما قلت له: "لا 
أضمن لك ذلك". 

أمضينا بقية الوقت في السيارة وسط صمت ثقيل. وعندما وصلنا إلى المبى 
الذي أسكنه, أدحل رايان السيارة إلى المرآب ثم التفت نحوي. أحسست بنظرات 
عينيه على و جهي. 

"معي يا بريتان. لن أحاول أن أصعّب الأمور عليك. أو كد لك أننا سنقبض 
على هذا التافه. تستطيعين الاعتماد على قولي هذاء وكل ما في الأمر هو أنئي 
أريدك أن تعيشي لترّي هذا بنفسك". 

تأثْرتُ لاهتمامه بي بصورة أكير بكثير من الي أظهرئها. 

أقفلت كل المعابر» وأرسلت النشرات إلى كل شرطيّ في كيبيك» وإلى شرطة 
أونستاريو الإقليمية؛ وإلى سلاح الفرسان الملكي الكندي» وإلى شرطة ولاية 
نيويورك وولاية وفيرمونت, غير أن حدود كيبيك كانت دائما سهلة العبور. إذ 
تتواجد أماكن كثيرة تصلح للاختباء» أو للهرب من حلاها على امتداد هذه 
الحدود. 

عانيت في الأيام الي تلت من التفكير في الاحتمالات. يُحتمل أن يكون 
تانغسواي متوارياً عن الأنظار الآن مراهناً على مرور الوقت. يُحتمل أن يكون 
الرحل ميا الآنء أو لعلّه فر من البلاد» مثلما يفعل القتلة التسلسليون. إنهم يحرمون 
حقائبهم ويرحلون ما إن يحسُوا بالخطر. إذ يتفادى بعضهم إلقاء القبض عليه. كلا. 
رفضت قبول هذه الحقيقة. 

لم أغادر منزلي مار الأحد. لازمت الملزل أنا وبيردي. لم أرتد ملابسي» 
وتحنبت الاستماع إلى جهاز الراديو والتلفزيون. م أتحمّل رؤية صورة غاي» أو أن 
أستمع تكراراً إلى أوصاف الضحية والمشتبه به. أجريت ثلاث مكالمات. كانت 
الأول إلى كاي أما المكالمة الثانية فأحريتها مع عميَ في شيكاغو. اتصلت بالعمة 


457 


کي أتمين ها ذكرى ميلاد سعيد! با ركت ها بذكرى ميلادها الرابع والثمانين. 
أحسنت صنعا أيتها السيدة! 

عرفت أن کان موجودة في شارلوت» لكنئ أردث أن أطمفن نفسي. ل تلق 
وان كما توقعت بالضبط. لعدت المسافات البعيدة» ثم عدت كي أباركهاء لأنئي 
أريد أن تكون ابنج بعيدة عن المكان الذي احتفظ فيه هذا الوحش بصورتما. لن 
أحبرها أبدا بها اكتشفته. 

أحريت المكالمة الأحيرة مع والدة غابي. أظن أنها كانت تحت تأثير المسكنات» 
لأنها لم تستطع أن ترد على مكالم الهاتفية. تحدئت مع السيد ماكولاي. أبلغي أن 
الجنازة ستّجرى يوم الخميس» إذا ما استلمت العائلة الحثة. 

مكثشت أبكي لفترة من الوقت» وراح حسدي يهتز على إيقاع منتظم. طالبت 
التطياطن ای سكن غر كى امن الكحول. رارت فلن دا 
الثابت في الحصول على المتعة المترافقة مع الألم. راحت تصرخ مطالبة بالارتواء» 
وبالشعور بالخدر. ساعدينا على القضاء على ما نشعر به. 

رفضت تلبية طلبهاء وكان من السهل علي أن أفعل ذلك. شارفت على 
الارن و اقرف أن الأمو اليس لغية كرة مضريه: إذا استسلتة اق هله اللعبة 
فسأحسر وظيفي» وأصدقائي» واحترامي لنفسي. اللعنة» قد أسمح لسان 
جاك/تانغواي أن يقضي علي! 

لن أستسلم لا أمام زجاجة الشراب» ولا أمام المهووس. أدين ذا لغابي. 
وق نذا للش ف و لالض تفرك ساح وای بيار أ اكه ان 
هنا كى أتحدث معها. تأكدت مرات عديدة من استمرار وحود وحدة الشرطة في 
المكان. 1 

اقنضل بى ريات يرم الآثين ععد اطادية عقر ة تفرياً, أرق أن لاماش 
قد أنمى التشريح. استنتج لامانش أن سبب الوفاة هو الخنق بشريط طبي. كانت 
الجئة متحللة» ومع ذلك استطاع أن يكتشف شقا موحوداً في مكان عميق في 
لحم رقبة غابي. لاحظ أن الحلد المشقوق يشكل سلسلة من الفجوات 
والخدوش. ظهرت مئات من أماكن النزيف في الأوعية الدموية الموجودة في 
أنسجة العنق. 

458 


تلاشى صوت رايان» وتخيلت غابي وهي تكافح من أجل الحصول على هواء 
تتنفسه» وكي فقى جق: قزن, القراة ؟موات اخكرا E E‏ 0ه العف له 
أستطيع أن أواحه الرعب الذي يمثله وحود حثة غابي على طاولة التشريح. كان 
الألم الناتج عن فقداهها أل لا يُحتمل أبداً. 

"... هناك كسر في العظمة اللامية (عظمة تحت اللسان). تركت الأداة 
المستخدمة» بغضّ النظر عن نوعهاء أثراً حلزونياً على الجلد". 

"هل تعرضت للاغتصاب؟" 

"تعر عليه ابحرم بسبب تحلّل الللثة. أنت النتيجة سلبية بالنسبة إلى الحيوانات المنوية". 

"ماذا بشأن زمن الوفاة؟" 

"يقول لامانش إن الوفاة حدثت منذ خمسة أيام كحد أدن, أما الحد الأقصى 
فهو عشرة أيام". | 

'إنه حال واسع جدا". 

"يعتقد لامانش أن الحثة يُفترض أن تكون في حال أسوأ بالنظر إلى الحرارة 
الشديدة» والمستوى الضحل الذي ذفنت فيه". ١‏ 

آه يا إهي. د يعن ذلك أنها رعا ل تمت في اليوم الذي احتفت فيه. 

ا شقتها؟" 

"ل برها أحد. لكنها كانت هناك". 

"ماذا بشأن تانغواي؟" 

"خضري حیداً لما سأقول. يعمل ذلك الت يي صغيرة تقع 
في التزيرة الغربية". معت حفيف أوراق. "سات إيزادور. تواجد الرحل هناك منذ 
عام 1991. وهو يبلغ الثامنة والعشرين من عمره. عازب. وضع الرجل علامة لا 
أحد أمام الخانة المخصصة للأقارب. إننا نبحث الآن عن أقارب محتملين له. سكن 
الرحل في سانغوين منذ العام 1991. تعتقد مالكة شقته أنه كان في مكان ما من 
الولايات المتحدة قبل ذلك". 

"هل وجحدتم بصمات معينة؟" 

'وحدنا بصمات كثيرة قمنا بإدحاها في النظام المعلوماي» لكننا لم نحصل على 
نتيجة. أرسلناها جنوبا هذا الصباح". 


459 


"هل وجدتم شيعا داحل القفاز؟" 

"وجدنا بصمتين واضحتين على الأقل» وراحة يد ملطخة". 

تخيّلت غابي» والكيس البلاستيكي» والقفاز الآخر. كتبت كلمة وحيدة على 
الورقة: قفاز. 

"هل يحمل الرجل درجة جامعية؟" 

"إنه يحمل درجة أسقفية. توه برتران إلى لين وکس فيل في هذا الوقت. 
يحساول كلوديل أن يقبض على شخص ما في سان إيزادور لكنه لم يوفق حى 
الان ول إن خر امب يكاد يبلغ المئة عاي ولا يوجد أي شخص آخر في 
المكان المقفل هذا الصيف". 

"هل عثرتم على أسماء في الشقة؟" 

"لم بحد أياً منها. لم بحد صورة ولا دفاتر عناوين. لم جحد رسائل» ولا بد أن 
الرحل يعيش في فراغ اجتماعي". 

مرت فترة صمت طويل استغرقنا فيها بالتفكير في هذه المعلومات» وبعدها 
تكلم رايان. 

"هناك أمرٌ قد يفسر هواياته الغريبة". 

"تعن الحيوانات؟" 

"أجل بالإضافة إلى مجموعة السكاكين الي يمتلكها". 

"أتقول السكاكين؟" 

"بمتلك ذلك النذل أنصالاً أكثر ما يمتلكه جرّاح عظام. يتكوّن معظمها من 
أدوات جسراحية: سكاكين» شفرات» مباضع. احتفظ با الرحل تحت سريره إلى 
جانب علبة من القفازات المراحيةء وكلها أصلية". 

E‏ الرخل المنعزل الذي يمتلك ولع بالشفرات! عظيم!" 

"بكتلك أيضاً بجموعة من الصور الجنسية» وكلها حسنة الترتيب". 

"وماذا بعد؟" 

معت مزيداً من حفيف الأوراق: "بمتلك الرحل فا إا فورد بروب 
موديل 1987. لم نحد السيارة في الحي. إنهم يبحثون عنها. حصلنا على صورة 
رخصة قيادة الرحل» فأرسلناها هي الأخرى". 


460 


"وماذا بعد؟" 

"سأتركك تحكمين بنفسكء لكنيْ أعتقد أن الحدة على حق. لا يستطيع 
الإنسان أن يتذكره بسهولةء أو لعل ماكينة فاكس زیر وکس لا تفيه حقه". 

"أيمكن أن يكور ن هو سان جاك بذاته؟" 

"نه سبال واردٌ. يُحتمل أن يكون جان كريتيان عا أو قد يكون هو 
الرجل ذاته الذي يبيع النقانق في شارع سان بول» أو قد يكون ريعشارد بيتي 
طليقا. كتلك الرجل شارباً". 

"يا لك من رجحل مشاغب يا رايان!" 

"لا بمتلك الرحل حي ضبط مخالفة لسيارته. كان رجلاً مستقيماً على الدواء" 

"صحيح. إنه مواطن صالح ينشغل مجمع السكاكين» والصور الجنسية» ويشرّح 
الثدييات الصغيرة". 

مرت فترة صمت. 

"وما هي طبيعة كل هذه الأشياء؟" 

"لسنا واثقين بعد. إفم يستجوبون شخصاً في جامعة مونتريال". 

نظرت إلى الكلمة الي كتبتهاء وبلعت ريقي بصعوبة. 

وحدت صعربة في لفظ اسم صديقي: "هل وجدتم بصمات داخل القفاز 
الذي وجدناه مع غابي؟" 

"لا" 

فنا أنه لن توحد بصمات". 

"أجل". 

معت ضجيج أفراد الفرقة عند الطرف الآخر من الخط. 

"أريد أن أرسلٍ لك نسخة عن صورته الموجودة على رخحصة قيادته. أريدك 
أن تكدرق فكيرة عن مظهره في حال التقيت به شخصياء وعن قرب. أريدك أن 
تلازمي منزلك إلى أن نلقي القبض على ذلك النذل". 

"سأوافيك إلى هناك. أريد أن أضع أي معلومات تدل على هوية القاتل إلى 
الفحص البيولوجي» هذا إذا استطعتم أن تتوصلوا إلى تحديد الهوية عن طريق 
القفاز. يأ دور لاكروا بعد ذلك". 


461 


"أعتقد أنه يتعيّن عليك..." 

"وفر عليك هذا الكلام الذكوري يا رايان!" 

سمعيّه يخر ج الحواء من رئتيه. 

"هل تحاول إحفاء أي معلومات عي؟" 

"إن ما نعرفه نحن تعرفينه كله". 

"سأكون هناك في غضون ثلاثين دقيقة". 

وصلت بعد مضي نصف ساعة إلى قسم تحديد الهوية في المختبرات. أنمى هذا 
القسم عمله على القفازين ثم أرسلهما إلى القسم البيولوجي. 

نظرت إلى ساعي ال أشارت إلى الثانية عشرة والأربعين دقيقة» ثم اتصلت 
بقسم تحديد ال هوية في مركز شرطة مونتريال» كي أسأل إذا ما كنت أستطيع رؤية 
الصور ال أحذت في شقة سان جاك الي تقع في شارع بيرغر. قالت لي عاملة 
الماتف إنه وقت الغداء» وطلبت مين ترك رسالة. 

مشيتُ عند الساعة الواحدة إلى قسم البيولوجيا (علم الأحياء). شاهدت 
امرأة تميل إلى السمنة ذات شعر جميل» ووحه ملائكي. رأيتها ترج قارورة 
زجاجية. ولاحظت وجود قفازين مطاطيين ملقيين على الطاولة خلفها. 

ابوجور فرانسوا". 

"آه. توقعت أن أراك اليوم". لاحت نظرة قلق في العينين الملائكيتين. "أنا 
آسفة. لا أعرف ماذا أقول لك بالضبط ". 

فک ا إن ا درلا 

"إنه نظيف» ولا وجود للدماء فيه". أشارت إلى قفازي غابي. "بدأت لتوي 
بالعمل على الققاز الذي وٌحد في المطبخ. هل تريدين أن تلقي نظرة؟" 

"شكراً لك". 

"أحذت عيّنات من تلك البقع البنيةء ثم جففت العينة مياه الملح". 

تفحصّت السائل» ثم وضعت القارورة في الصينية الى تحتوي أنابيب الاختبار. 
تناولت أنبوباً زحاجياً ماصا يتميز بعنق طويل فار غ» ثم أمسكته فوق نار خحفيفة 
كي تحكم إغلاقه» ثم أدارت الغطاء. 

"سأقوم بداية بفحص كي أتأكد من وجود الدماء". 


2 


462 


تناولت قارورة زجاحية صغيرة من الثلاحة. كسرت الغطاى ثم أدحلت من 
حلاله الأنبوب الزجاجي الماص. بدا المنظر مثل بعوضة تقوم .مص الدماء حينما 
تصاعد المصل الذي يحمل المضادات الحيوية في الأنبوب الرفيع. وأقفلت النهاية 
الأحرى بإهامها. 

أدحلت فرانسواز القسم الطويل والرفيع إلى الأنبوب الذي أحكم إغلاقه 
باستخدام النار» ثم أبعدت إمامها فسمحت للمصل الذي يحمل المضادات الحيوية 
بالخروج. حدثتي أثناء عملها. 

"'يتعرف الدم على بروتيناته الخاصة به» أو المضادات. أما إذا تعرف على 
أحسام ر أي مضادات الي لا تنتمي إليه» فعندها يسارع إلى تدميرها 
ا اا المضادة الخاصة به. تقوم بعض الأجسام المضادة الأخرى بربط 
المضادات الغريبة و تدعى عملية التجميع هذه تفاعل التغرية" 

"يتشكل المصل الذي يحتوي على المضادات الحيوية في a‏ وعادة ما 
يكوذا ا ا »ديف ذلك ا تحن دما م ا اشرق ادر 
دماء الحيوان على الدماء الغريبة فيسارع الجسم إلى إنتاج الأ المضادة كي 
يحمي نفسه. إن حقن الحيوان بالدم البشري يتنج المصل البشري الذي يحتوي 0 
المضادات الحيوية. أما إذا حقن الحيوان بدماء الماعز فعندها نحصل على مصل الما 
الذي يحتوي على المضادات الحيوية. يصح يصح الأمر ذاته عندما نحقن الحيوان بدماء 
حصان» فعندها نحصل على مصل حصان يحتوي على مضادات حيوية". 

"يتسبب المصل البشري الذي يحتوي على المضادات الحيوية في إطلاق تفاعل 
التغرية عندما ترج مع الدم البشري. راقي ذلك. إذا كانت هذه دماء بشرية 
ستتشكل طبقة من الترسبات في أنيوب الاختبار» أي في المكان الذي يلتقي فيه 
حلول العيّنة مع المصل الذي يحتوي على المضادات الحيوية. سنقارنه بعد ذلك مع ٠‏ 
الملح كي نتأكد من النتيجة". 

ألقت بالأنبوب و في صندوق للنفايات البيولوجية» م تناو لت رور 
تحتوي عينة من المحلول الذي ع من تانغواي. استخدمت فرانسواز ودا ماصاً 
کد سحبت العينة في الأنبوب» ونقلتها إلى المصل الذي يحتوي المضادات 
الحيوية» ثم وضعت الأنبوب في صندوق خحاص. 


463 


و 


سألت: "كم سيأحذ هذا من الوقت؟" 

"يعتمد هذا على قوة المصل الذي يحتوي على المضادات الحيوية. تتراوح المدة 
ما بين ثلاث دقائق إلى مس عشرة دقيقة. إن هذا أمر مناسبٌ جدا. لن يستغرق 
الأمر أكثر من مس» أو ست» دقائق". 

ألقينا نظرة بعد حمس دقائق. حملت فرانسواز الأنابيب تحت مصباح لوكسو 
لامب. ولاحظت وجود بطاقة سوداء استحدمت كخلفية. وألقينا نظرة ثانية بعد 
مرور عشر دقائق» ثم ألقينا نظرة ثالثة بعد مرور مس عشرة دقيقة. لم نحصل على 
شيء. لم تتشكل حلقة بيضاء ما بين المصل الذي يحتوي مضادات حيوية وبين 
حلول العينة. بقي المزيج صافياً مثل لون املح الذي ينظّم العملية. 

"هكذا إذا. إا ليست دماء بشرية. دعينا نتأكد ما إذا كانت دماء 
حيوان". 

عادت إلى الثلاجة ددا وتناولت صينية تحتوي على زجاجات صغيرة. 

سألتها: "هل تستطيعين تحديد الفصائل بدقة؟" 

"كلا. أستطيع عادة تحديد العائلة الي ينتمي النموذج إليهاء مثل بوفيدى 
سیرفید» وكانيد". 

نظرت إلى الصينية. وحدت اسم حيوان إلى جانب كل زجاحة: عنزة. 
فأرة. حصان. تذكرت المخالب الى وحدناها في مطبخ تانغواي. 

"دعينا برب الكلاب". 

لم حصل على نتيجة. 

"ماذا لو جرّبنا شيئاء مثل سنجاب» أو أي من القوارض الأخرى؟" 

فكرت لبرهة ثم أمسكت إحدى الزحاجحات. "أو فأرة". 

تشكّلت لدينا طبقة رقيقة في الأنبوب بغضون أقل من أربع دقائق. ظهر اللون 
الأصفر قي أعلى الطبقة» بينما كانت الطبقة شفافة في الأسفل» وتشكلت طبقة 
بيضاء غائمة في الوسط. 

قالت فرانسواز: +4 ]ذا إفا تسا حيرانه وريد الك عير ان مار رن 
الثدييات» مثل أحد القوارض أو خحنزير الأرض» أو ما شابه ذلك. هذا هو كل 
ما أستطيع قوله الآن. لا أعرف ما إذا كانت هذه المعلومات ستساعدك". 


464 


f قلت:‎ 


أحل. تساعدن هذه المعلومات. هل أستطيع استخدام هاتفك؟" 

'بالتأكيد". 

طلبت قم داخلياً حارج القاعة. 

"لاكروا". 

عرفت عن نفسي وشرحت ما أردته. 

"بالتأكيد. أعطي عشرين دقيقة فقط. أنتظر الآن إحدى النتائج على جهاز 
الكميوتر”. 

وقعت بأن استلمت القفازين» وعدت إلى مكتي. أمضيت نصف الساعة 
التالية أدقق في التقارير وأوقعها. عدت بعد ذلك كي أسير في الرواق الذي تشغله 
دائرة البيولوجياء ثم دحلت 2 عليه نيران ومتفجرات. 

وقف رجحل يرتدي معطف عقتبر أمام ماكينة ضخمة. حملت هذه الماكينة اسم 
مطياف الأشعة السينية. لم يقل الرحل شيئاء وأنا لم أقل شيعا بدوري حن انتهى 
من نقل شريحة تحمل بقعة صغيرة بيضاء اللون» ووضعها على الصينية. نظر الرجل 
إلي بعد ذلك نظرة تحمل النعومة ذاتما الي يحملها ظبي من ظباء ديزي. تدلى 
حفناه» والتفت رموشه إلى الخلف مثل تويجات الأقحوان. 

ا عير لاك ا كين الك" 

"أنا بخير. أنا بخير. هل هما معك؟" 

"هيا نبدأ العمل". 

قادن إل خرف صغيرة مرودة ها حم :اله تصويرة وا وطابعة, 
شاهدت دولا و لاض حا على الخائط. 

وضع لاكروا الكيسين اللذين يحتويان الأدلة على طاولة» ثم ارتدى قفازين 
جراحيين في يديه. تناول» بحذر شديدء القفازين المشتبه مما الواحد بعد الآخر» ثم 
تف صهما. أعادجما لاكروا u‏ ال يحدداً. بدا القفازان الممطوطان على يديه 
مشامين لهذين القفازين الموضوعين على طاولة العمل. 

"فلنتفخص في البداية الميزات العامة» وتفاصيل الصنع. والوزن» والكثافة» 
واللون» وكيفية إفاء الحواف". لب كل قفاز من القفازين رأسأ على عقب أكثر 
465 


من مرة» وراح يتفحصهما متابعاً الحديث. "يبدو هذان الزوجان متشايمين تماماً. 
تتميّر الحواف بالتقنية ذاها. أترير؟" 
الخارج. 

"ألا تنتهي كل القفازات بالطريقة ذاقا؟" 

"لا. تنتهي بعض القفازات بلفة إلى الداخل» بينما تلتف قفازاتة أحرى إلى 
الخارج. يلتف هذان القفازان بلفة إلى الخارج. سننتقل الآن إلى تفحص 
محتوياقما". 

حمل الرجل قفاز غابي إلى الماكينةء ورفع الغطاءء ثم وضعه على صينية 
داحلها. 

أشار الرجل إلى صينية مليئة بالأنابيب الصغيرة: "أستخدم هذه الأنابيب مع 
العيّنات الصغيرة الحجم. أعمد عادة إلى وضع قطعة مربعة من شريط بولي بروبيلين 
اللاصقء الذي يستخدم على زجاج النوافذ» فوق الأنبوب» ثم أعمد إلى الضغط 
كي أجعل البقعة الدبقة تمسك بالشظية. لكن هذه العملية ليست ضرورية مع ما 
لدينا هنا. سنكتفي بوضع القفاز بكامله في الداحل". 

ضغط لاكروا على زر فدبّت الحياة في الجهاز. أضاء صندوق صغير يرتكز 
على عمود في إحدى زوايا الجهاز. ظهرت كلمة أشعة × باللون الأبيض على 
خلفية حمراء. ومضت لوحة من المفاتيح الي تشير إلى حالة الماكينة. يشير الزر 
الأحمر إلى أشعة > والزر الأبيض إلى التشغيل» أما الزر البرتقالي اللون فيشير إلى 
انفتاح المصاريع. 

انشغل لاكروا بتعديل المفاتيح برهة من الزمن, ثم أغلق الغطاء» وتوجه إلى 
كرسي موجود أمام الشاشتين. 

أشار إلى الكرسي الآخر: "اجلسي من فضلك". 

ظهر أحد المناظر الصحراوية على الشاشة الأولى. بدت خلفية المنظر 
حبيبية» مظهرةً تشكيلات منوعة من الصخور. تنائرت الظلال والصخور هنا 
وهناك على الشاشة. تداحلت مع هذا المنظر سلسلة من الدوائر ذات المركز 
الواحد» فيما أحذت أصغر دائرتين وأقرهما إلى المركز شكل كرة القدم. تقاطع 


466 


انی اریت غاموفية ورسما بذلك شكلاً متصالباً فوق الدائرتين اللتين 
تتو سطان الشاشة. 

عل لاكروا الصورة عن طريق تخريك عصا قيادة. تمركت الصخعور إلى 
داحل الدوائر وخارحها. 

"ننظر الآن إلى القفاز بعد أن قمنا بتكبيره ثمانين مرة. إن أبحث عن موقع 
حدد. OCS‏ ود 
المساحة ال تمائل تقريباً الدائرة المنقطة. وهكذا تتمكنين من توجيه الأشعة السينية 
إلى معظم العيّنة". 

نقل المخطوط المتصالبة قليلاًه تم استقر على رقعة خالية من الحصى. 

"هناك. لا بد أن ذلك هو المكان المناسب". 

ضغط على زر فبدأت الماكينة با همهمة. 

"سيستغرق ذلك عدة دقائق. تأ عملية المسح بعد ذلك. إا عملية سريعة 
جدا". 

"وهل ستحدّد هذه العملية الأشياء الموحودة داحل القفاز؟" 

"نعم. إنه نوعٌ من من أنواع التحليل بالأشعة الستيلية: تستطيع الأشعة السينية النايحة 
عن موجات متفلورة متناهية القصر أن تحدد طبيعة العناصر الموحودة في نموذج معيّن". 

توقفت الحمهمة وبدأ أ مط معيّن بالتشكل على الشاشة الموحودة إلى اليمين. 
انتششرت سلسلة من التلال على طول الجهة السفلى من الشاشة» وازدادت عدوا 
على خلفية زرقاء لامعة» بينما ظهر شريط رفيع أصفر وسط كل واحدة من هذه 
التلال. ظهرت عند الزاوية السفلى واليسرى صورة لوحة مفاتيح. حمل كل مفتاح 
رمزا مختصراً لعنصر من العناصر الموجودة في الطبيعة. 

لقن لاكووا و ی ع و 
التلال الصغيرة» بينما ظهرت تلال أخرى بشكل قمم عالية» تمائل شكل هذه 
الول يع لقلا الى a‏ وال سبق لي أن رأيتها في أستراليا. 

"هذه هي". أشار لاكروا إلى عمود إلى أقصى اليمين. ارتفع هذا العمود من 
الأسفل إلى أعلى الشاشة حيث يظهر مبتوراً هناك. ظهرت قمة أصغر إلى اليمين 
وال ارتفعت نحو ثلث ارتفاع القمة النجاورة. وظهر الرمز 21. 

467 


"'زنك. لا أستغرب وجوده لأن هذا العنصر يتواحد في كل القفازات". 

أشار إلى قمتين موجودتين إلى أقصى اليسار. بدت إحدامهما منحفضة» بينما 
ارتفعت الأحرى إلى مسافة ثلاثة أرباع الشاشة. "تمثل القمة المنخفضة عنصر 
ا لمغنيزيوم أو ع1/. أما القمة الي تحمل إشارة 51 فهي عنصر السيليكون". 
شاهدت في اتحاه اليمين قمة مزدوجة تحمل الحرف 5. 

"إنه عنصر الكبريت". 

برزت قمة وصلت إلى منتصف الشاشة تحمل رمز 08. 

"هناك القليل جداً من الكالسيوم". 

شاهدت ثغرة وراء الكالسيوم برزت بعدها سلسلة من التلال تقارب القمة 
الي تمثل الزنك. تألفت هذه التلال من عنصر 56. 

"هناك القليل من الحديد". 

استرخى في حلستهء وراح يلخّص النتائج في: "إنه كوكتيل مألوف جدا. 
هناك الكثير من الزنك المترافق مع مكوّنين رئيسيين آخحرين هما السيليكون 
والكالسيوم. سأطبع هذه النتيجةء وسنعمد بعد ذلك إلى احتبار بقعة أحرى". 

أحرينا عشرة احتبارات أحرى. أظهرت كل هذه النتائج التشكيلة ذاتَا من 
العناصر . 

ی إذا. لننتقل الآن إلى القفاز الآخر". 

كررنا هذا الإجراء مع القفاز الذي وحدناه قي مطبخ تانغواي. 

بدت القمتان اللتان تمئلان الزنك والكبريت متشاقتين, لكننا لاحظنا أهما 
تحتويان كمية كالسيوم أكثرء في حين يخلو هذا القفاز من الحديد, والسيليكون؛ 
والمغنيزيوم. لاحظنا وجود قمة صغيرة تدل على وجود البوتاسيوم. بقيت كمية 
هنا افر تاينامع كل نة م ّْ 

سألته, علما بأنئي كنت متأكدة من الجواب: "وماذا يعن هذا؟" 

"يستخدم كل صانع وصفة مختلفة قليلاً لصنع المطاط. يُلاحظ أيضاً وجود 
احتلافات بين القفازات المصنوعة في الشركة ذاتهاء لكنها تبقى في حدود معقولة". 

"نستنتج إذا أن هذين الارن ليما زوجا واا" 

"تستطيعين القول إنهما لم يصنعا في الشركة ذاتها". 

468 


نض الرجل كي يخر ج القفاز من الجهاز. شعرت بالارتباك للمعلومات الي 


اكتشفناها. 
"مل مضل غل معلومات أكثر إذا أبدرينا اعارا باتخزاقب"الأشعة 
1 ينية؟" 


"تعطينا التجربة الي أجريناهاء أي عملية فلورة الأشعة السينية القصيرة جدأء 
فكرءةً عن العناصر الموجودة في منتج معين. بينما تستطيع عملية انحراف الأشعة 
السينية تحديد الخليط الحقيقي للعناصرء أي الت ركيب الكيميائي. وتمكننا عملية 
الأشعة المتفلورة من معرفة أن شيئأ ما يحتوي الصوديوم والكلوريد. في حين تمكننا 
عملية الانحراف من التأكد ما إذا كان شيء ما يتألف من الصوديوم والكلوريد. 
نستطيع التأكد ما إذا كان شيء ما مصنوعا من بلورات كلوريد الصوديوم عن 
طريق انحراف الأشعة. أستطيع أن أبسّط الأمور أكثر من ذلك. توضع العيّنة في 
جهاز انحراف الأشعة السينية المتفلورة ودار ثم تُعرّض إلى الأشعة السينية. تدفع 
الأشعة السينية البلورات للتقافز. يظهر لنا نمط الانحراف طبيعة تركيب تلك 
البلورات. 

نستطيع القول» تبعاً لذلك إن إحدى معوقات انحراف الأشعة تكمن في أا 
ُجحرى فقط على المواد ذات التركيبة البلورية. تشكل هذه المواد ما نسبته ثمانين 
باد هي يا من كل ااا الي كردن إن المطاطء مع الأسف» ليس متبلورا 
بطبيعته» لذلك لا تفيدنا عملية انحراف الأشعة بالشيء الكثير. أجزم أن هذين 
القفازين من صنع صانعين مختلفين". : 

"ماذا لو كانا من صندوقين مختلفين؟ أنا متأكدة من أن دفعات التصنيع تتنوع 

حافظ الرجل على صمته لبرهة من الزمن» عاد بعدها للكلام. 

"انتظري. دعي أريك شيئا". 

افوخ على اقرز رل ار زیي شيك کت ن سا وهو ونت 
مع أحد التقنيين. عاود الظهور مع رزمة من أوراق نتائج الاحتبارات المطبوعة» الي 
تتألف كل واحدة من سبع أو ثماني صفحات تُظهر الأنغاط المألوفة للقمم والأبراج. 
ققح الرجل كل بجموعة. ورحنا تنظر في تنويعات الأنماط. 
469 


"تُظهر كل واحدة من هذه الأنماط سلسلة من الاختبارات اليّ أحريك 

على افا اش صانع واحد» مع العلم أن العيّنات أخذت من صناديق 
مختلفة. وجدنا فروقات فيه لكت اسه كي وعلى أي حال فإِمًا 
ليست كبيرة بدرحة تصل إلى الفروقات الموحودة في القفازين اللذين حللناهما 
للتو". 

تفحصت بحموعات عديدة. تفاوت حجم القمم» لكن طبيعة المكوّنات 
أظهرت ثباتا ملفتا. 

"والآن» انظري إلى هذه". 

قش أمامي بجموعة أخرى من الأوراق المطبوعة. لاحظت» ددا وجود 
بعض الفروقات» لكن طبيعة الخليط كانت ذاتها بالإجمال. 

أمسكتٌ أنفاسي فجأةٌ. بدت ترتيبات التراكيب مألوفة لدي. نظرت إلى 
رموز العناصر الي تشكلت من الزنك» الحديد, الكالسيوم» الكبريت» 
السيليكون» والكالسيوم. تواجدت آثار بعض العناصر الأخرى معها. وضعت 
التقرير المطبوع عن قفاز غاي فوق باقي الجموعة. لاحظت أن الدمط متمائل 
تقريبا. 

"مسيو لاكرواء هل أتى القفازان من صانع واحد؟" 

"أحل» أحل. هذا ما أريد أن أقوله. يحتمل أهما أتيا من الصندوق ذاته. 
تذكرت هذه للتو". 

تسارعت نبضات قلبي: "إلى أي قضية تعود هذه؟" 

"أتت منذ أسابيع قليلة فقط". قب الصفحات حي وصل إلى الصفحة الأولى 
في الجموعة. رقم القضية: 327468. "أستطيع أن أظهّرها على شاشة الكمبيوتر إن 
أردت". 

"افعل» من فضلك". 

ظهرت المعطيات على الشاشة في غضون ثوان قليلة. رحت أتفحصها. 

رقم القضية: 327468. رقم ختبرات قیال القضائية: 29427. اسم 
المكتب طالب الاحتبار: شرطة مونتريال. الحققون: ل. كلوديل» وم. شاربونيو. 
مكان الاسترداد: 1422 شارع بيرغر. تاريخ الاسترداد: 24 حزيران 1994. 


470 


إنجله قفار a‏ هل قلق الرحل على أظافره؟ وكلوديل! ظننت أنه 
كان يتحدث عن قفا مخصص لتنظيف الأدوات المنزلية! هل اقتن سان جاك 
قفازاً ا اف ققارة هذا مع القفاز الذي وحد في قبر غابي! 

شكرت المسيو لاكرواء وجمعت النتائج المطبوعة ثم غادرت المكتب. 
أرجعت القفازين إلى قسم الموجودات» وراح عقلي يسابق الزمن في تحليل الأمور 
الت اكتشفتها للتو. لم يتوافق القفاز الذي وحد في مطبخ تانغواي مع القفاز الذ 
كان مدفونا مع حئة غابي. وُحدت بصمات تانغواي على هذا القفاز» بينما كانت 
او ا الخارج تدوة اماد ا لک الفا ف اللا وجد مع غابي 
AE‏ م يحتو جور ادها کو فيا امتلك سان جاك قفازاً حراحياً توافق مع 
ذلك الذي وُحد في قبر غابي. هل كان برتران على حق؟ هل إن تانغواي وسات 
جاك هما الشخص ذاته؟ 

وحدت على طاولي قصاصة زهرية اللون. اتصل بي قسم تحديد الموية في 
شرطة مونتريال. أبلغون أن الصور الي التّقطت للشقة في شارع بيرغر قد تمت 
أرشفتها على أسطوانة مدبحة» وأني أستطيع تفحصها هناك أو أن آخذها إن 
أردت. اتصلت بالمكتب كي أبلغهم أن أريد أحذهاء وأني سأحضر إلى مكتبهم 
بعد وقت قصير. 

شققت طريقي بصعوبة نحو مر كز شرطة مونتريال» ولعنت ساعة الازدحام 
هذه والسواح الذين بملأون منطقة المرفأ القديم. ت ركت سياري مركونة بطريقة 
تأحذ مكان سيارتين» ثم أسرعت إلى الدّرّجء وتوجهت مباشرة إلى المسؤول في 
الطابق الثالث. دهشت لأن الأسطوانة المديحة كانت بحوزته. وقعت على استلامهاء 
وأسرعت عائدة إلى سيارق» حيث وضعت الأسطوانة في حقيبق. 

حافظت طيلة الطريق على حذري» ورحت أتطلع من وراء كتفي» بحثاً عن 
تانغواي» وبحثا عن سان جاك. لم أستطع منع نفسي من الاحتراس 


471 


جلت إن النكد عت لالناعة التافيتة بوكس نيا E‏ مهت 
شقن ورحست أستعرض الأمور الي يمكنين القيام ها. لم أعثر على شيء. كان 
رايات على حقء لأن تانغواي قد يكون في مكان ما متربصا بي» ومتحيّنا فرصته 
المؤاتية للانقضاض على. صمّمت ألا أسهل الأمر عليه. 

شعرت بالدوع وبضرورة الخروج» بالإضافة إلى البقاء متشغلة على الدوام. 

ما إن خرجت من الباب الرئيسي حي تفحصّت حالة الشارع. كانا هناك 
وبالتحديد في الممر الذي يقع إلى يسار مطعم البيتزا. أومأنت باتحاه الشرطيين» ثم 
أشرت نحو سانت كاثرين. شاهدئهما يتشاوران» ثم ما لبث أحدهما أن ترك 
مكانه. 

يتقاطع الشارع الذي أسكن فيه مع شارع سانت كائرين في مكان لا يبعد 
كفيراً عن لا فابورغ. سرت نحو السوق وما لبشت أن أحسست بانزعاج 
الشرطي الذي يتبعين. كان النهار رائعا على أي حال. لم أنتبه إلى درجة الحرارة 
عندما كنت في المختبرات. تدّنت درحة الحرارة قليلاء وتشكلت غيوم بيضاء هائلة 
في السماء الزرقاء الرائعة» ونشرت جزراً من الظلال فوق المدينة وكل المنشغلين 
فيها. شعرت بالسرور لأني خرحت إلى صحب الشارع. 

انطلقت كي أشتري بعض المواد الغذائية. عاينت في متجر لا بلانعايشن بعض 
فواكه الأفوكادو. ونظرت إلى ألوان نمار اموز واخترت بعض البروكولي (القتبيط 
الأعضر)» والكرنب المسوّق» والبطاطاء وفعلت كل ذلك بالعناية ذاتَا الى بمارسها 

472 


جراح الأعصاب. حصلت على بعض الخبز الفرنسي من الفرن. واشتريت بعض 
موسيّة الشوكولاته من متجر الحلويات. انتقيت بعض قطع اللحم» وقليلاً من 
اللحم المطحونء وفطيرة لحم من متجر بيع اللحم. 

"هل هذا كل ما تريدينه؟" 

"لاء وم العجلة؟ أعطن قطعة من عظمة 1» على أن تكون سميكة فعلاً". 
رافك اماس سناع « اياف االسجافة وخ في 

رأيتّه اول ا فأحسستٌ محدداً بتلك الرعشة الي سبق أن 
شعرت بّا. حاولت أن أطوّر ما أحس به إلى فكرة كاملة عن الأحداث» لكن من 
دون أن أخسرز انحا أكبر من ذلك الذي لافيته في المرة الماضية::ماذا يعن هذا 
النشار؟ أليس الأمر بديهياً حدا؟ ألا يستطيع أي شاحص شراء منشار الطهاة؟ 
تتبعت أمسن كيبيك هذا الدليل» وأقدموا على الاتصال بكل محلات البيع في 
المقاطعة. تبيّن أن آلاف المناشير قد بيعت. 

ماذا إذا؟ تعلمتُ أن محاولة التمعن بفكرة ما نابعة من اللاوعي تتسبب في 
تعميق هذه الفكرة. وإذا ما سمحت لحذه الفكرة بالانسياب» فإهُا تطوف على 
السطح. دفعت تمن ما اشتريته من اللحم وتوحهت إلى مزليء لكن بعد أن 
عرّحت قليلاً على مطعم بيرغر كينغ الذي يقع في شارع سانت كائرين. 

استقبلتئ مفاجأة كانت آخر ما توقعته وأردته. اتصل بي أحدهم. حلست 
على حافة الأريكة لدقائق عديدة متمسكة عشترياتي» ريت ادق اع 
ا تلقيت اتا و عل كان من تانغواي؟ هل يريد أن يتحدث 
معي» أم أ ني سأسمع كيف سيصغي إلي قليلاً قبل سماع نغمة الخط الحاتفي؟ 

'لماذا أنت عصبية هكذا يا بريئان؟ يحتمل أن يكون رايان". 
E‏ يدي» مددثهاء ثم ضغطت على الزر. لم يكن الاتصال من 
تانغواي» بل من مصدرٍ أسوأ بكثير. 

"مرحباً أمي . هل تستمتعين في الخارج؟ هل أنت في المنزل؟ سألتقي بك بك 
قري" '. سمعست ما بدا أنه صوت السيارات» أي أفها كانت تتكلم من هاتف 
خا حي. "لا أعتقد ذلك. حسنا لا أستطيع التحدث على أي حال. إني على 
الطريق. إني على الطريق محدداً..." قلّدت ويلي نيلسون. "هذا رائم» أليس 

473 


كذلك؟ على أي حال. سأزورك يا أمي. هل نت بخير؟ تبن لي أن ماكس رجل 
تافه أستطيع الاستغناء عنه" ت صوتا ق الط ف الاي اك ا 
أعطي دقيقة واحدة فقط". قالت ذلك لشخص ما. "اسمعييئ» لدي فرصة لزيارة 
رو ريات التفاحة الكبيرة. ضمنت لنفسي رحلة يحانية» وها أنا هنا. 
أستطيع السفر إلى مونتريال على أي حالء لذلك أنا آتية. أراك قريا!" 

”معت القرقعة ال تدل على إقفال الخط. 

"لا! لا تأي إلى هنا يا كاي. لا!" وحدت نفسي أتكلم مع الفراغ. 

معت صوت شريط آلة التسجيل وهو يعود إلى بدايته. يا إلهي» ما هذا 
الكابوس! ماتت غابي» كما أن أحد المعتوهين أقدم على وضع صورة تجمعئ مع 
كان في قبرها. إها في طريقها إلى هنا. شعرت بنبض عروق جبهيّ» وتسارعت 
أفكاري. يتعيّن علي إيقافها. لكن كيف؟ لا أعرف أين تكون. 

عي 5 

ومضت في ذهيئ فكرة عندما رن هاتفه. رأيت كاي في المتنزه وهي قي عمر 
الثالثة. كنت أتحدث وقتها مع إحدى الأمهات الأعريات» لكن غيرة يفيعا تزافئان 
كان أثناء لهوها بملء أوعية بلاستيكية بالرمل. تركت كاي رفشها الصغير فجأة» 
ور ER‏ ت فا عون رأت أرجوحة حصان حديدي 
تتأرحح إلى الوراء. aN AE,‏ بد أن Ae E‏ 
الربيع» ورأت منظر العرف الملوّن للحصان ولحامه يتحر كان في الحواء. عرفت أنهما 
سيصدمافاء لكنين لم أستطع أن أفعل شيعا لمنع ذلك. هل سيتكرر الأمر ثانية الآن. 

اع هات يق الاش 

حرّبت الاتصال .عوظفة الهاتف في شركته. أبلغتئي ا ا لبيك 
کر یو اا اا و تر کت» بالطبع» رسالة له. 

حدق بالآلة انحيبة. أغلقت عيييٌ وأحذت أنفاساً طويلة وعميقةء وعَنيتُ أن 
يُبطئ قلبي من دقاته. شعرت أن رقب مشدودة ,علزمة» بالإضافة إلى سخونتها 
الشديدة. 

ا 

فتحت عي لأكتشف أن بيردي يحدّق بي عبر الغرفة. 


474 


كيرت له: "هذا لن يحدث أبدا". 

حدق بي» وبدت عيناه مسمّرتين. 

"أستطيع القيام بأمر معين". 

قوس ظهره» ووضع خالبه الأربعة كلها في مربع ضيق» ثم حلس من دون أن 
تبرح عيناه وحهي. 

"سأفعل شيئا. لن أكتفي بالحلوس هناء وانتظار الشيطان كي ينقض. لن أدعه 
ينزل الأذى بابني". 

نقلت الأغراض الي اشتريتها إلى المطبخ» ثم وضعئّها في الثلاحة. أحضرت 
حاسوي المحمولء وشغلته» ثم أظهرت الجدول الذي سبق لي أن بدأته. منذ مى 
بدأت هذا الحدول؟ تمعنت في التواريخ الي أدحلتها. وُحدت جثة إيزابيل غاغنون 
في 2 حزيران. مرّت سبعة أسابيع. بدت سبعة أعوام بالنسبة إلي. 

شرعت بدراسة القضايا بعد أن أحضرت الملفات. تمنيت أن لا يكون الوقت 
الذي أمضييّه في تصوير الأوراق قد ضاع هباء. 

تفحصت على مدى الساعتين التاليتين كل صورة» وكل اسمء وكل تاريخ» 
وحن كل كلمة وردت قي المقابلات الى أجرقا الشرطة» وقي تقاريرها. أعدت 
الكرّة بعد ذلك وتمنيت أن أحد شيعا كنت قد غفلت عنه في السابق. فعلتٌ ذلك 
للمرة الثالثة. 

بدأت بقراءة مقابلة رايان مع والد غرايس داماس» وفجأة لاحظتها. 
انفجرت الفقاعة أخيرا في عقلي الواعي مثل عطسة كانت تتهيأ وتزداد قوة» بعد 
أن استمرت بإزعاجها رافضة أن تنتهي. ١‏ 

الملحمة (ممل جزارة). عملت غرايس داماس في ملحمة. استخدم القاتل 
منشار طهاة» ولا بد أنه يعرف شيئاً حول التشريح. أعرف أن تانغواي سبق له أن 
شرّح حيوانات من قبل. ألا يُحتمل وجود رابط بين الأمرين. بحثت عن اسم تلك 
الملحمة لكني 5 أستطع إيجاده. 

طلبت رقماً كان موجودا في الملف. أجابي رجل. 

"السيد داماس؟" 

أجابي بلهجة إنكليزية ثقيلة: "أحل". 

475 


"أنا الدكتورة برينان. إنئى أعمل في التحقيقات المتعلقة .مقتل زوجتك. هل 
أستطيع أن أطرح عليك بعض الأسئلة". 

"أجل". 

"هل كانت زوجتك تعمل حارج المنزل عندما احتفت؟" 

مرّت فترة صمت قال بعدها: "أجل". 

معت صوت ا و فنك الاقف الآخر من الخط. 

"هل بمكنن أن أسأل أين كانت تعمل» من فضلك؟" 

"عملت في فرن في ایر مولت يدعى لو بون كرواسان. کا بدوام 
جزئي لأنها ۾ تعمل بدوا م كاملٍ اا وعرة لذ لامر ا 

فكرت ملياً في ما قاله لي» وما يعنيه ذلك بالنسبة إلى الرابط الذي أبحث عنه. 

أخفيت حيبة أملي: "كم من الوقت عملت هناك يا سيّد داماس؟" 

"عملت هناك أشهرا قليلة فقط» على ما أعتقد. لم تتعوّد غرايس على البقاء 
فترة طويلة في وظيفة واحدة". 

تابعت الموضوع: "وأين عملت قبل ذلك؟" 

أمسكت أنفاسي: "في أي ملحمة عملت؟" 

"تدعى ملحمة سان دوهينيك» وعلكها رجل ينتمي إلى رعيّتنا. إا ني سان 
دومينيك الواقعة قرب سان لوران, أتعرفينها؟" 

Ss أحل.‎ 

حاولت إبقاء صو هادثاً: "مي عملت هناك؟" 

"منذ عام تقريياً غلى ما أعتقد: يبدو اّما عملت معظم عام 199[1. أستطيع 
التحقق من ذلك. أتعتقدين أن للأمر أهمية؟ لم يسبق لهم أن سألون عن التواريخ 
من قبل" . 

"لست متأكدة من ذلك يا سيد داماس» هل حدتتك زوجتك عن شخص 
يُدعى تانغواي؟" ١‏ 

قال بصوت قاس: م" 

"تانغواي". 


476 


معت صوت مدع عند الطرقي الآخر يعد بالعودة بعد استراحة الإعلانات. 
بدأ رأسي يؤلئ» وكذلك حنجحري. 

أ 

أدهشتي القسوة في صوته. 

"شكراً لك» لقد ساعدتئ كثيرا. سأعلمك إذا حدثت تطورات حديدة". 

أمميت المكالمة» واتصلت برايان على الفور. أبلغون أنه غادر بعد أن أنى 
عمله هذا اليوم. حاولت الاتصال برقم منزله ولكنني لم أتلقَ جوابا. أدركت ما 

يتعيّن على فعله. أحريت مكالمة أحرى» وتناولت مفتاحاء وتوحهت إلى الخارج. 

وحدت الملحمة أكثر انشغالاً ما كانت عليه في اليوم الذي انتبهت فيه إليها. 
احتلت الإعلانات ذاتها نوافذهاء لكني لاحظت أن المتجر كان مضاء ومفتوحاً 
للعمل. لم ألاحظ وجود الكثير من الزبائن. رأيت امرأة مسنّة تتحرك ببطء على 
محاذاة الواجهة الزجاجية» وبدا وجهها مترهلاً في وهج الفلوريسنت. شاهدثها 
تلتفت وتعود كي تشير إلى أرنب. ذكرن هيكله الصغير والحامد بمجموعة تانغواي 
الكتيبة» وكذلك بإلسا. 

اتنظرت حن غادرت المرأة» ثم اقتربت من الرجل الواقف وراء الواجهة 
الزجاحية. بداوجهه شا بعظامه الكبيرة» وملامحه الخشنة. أما ذراعاه 
المتدليتان من كنزته فبدتا نحيلتين بشكل مدهش. وتنائرت لطخات داكنة على 
منزره الأبيض» فظهرت مثل تويحات بحففة تناثرت على غطاء طاولة كتاني. 


هل البيع بطيء هذه الليلة؟" 
"يتباطاً البيع في كل ليلة". قالما بإنكليزية ثقيلة تشبه لمحة داماس. 
یت حصا ها کت أصواتاً بأدوات مطبخية في إحدى الغرف الخلفية. 
"إني أشارك في التحقيقات الخارية بخان جرعة قتل غرايس داماس". تناولت 
بطاقي وأبرزتها. "أريد أن أطرح عليك أسملة قليلة". 
حدّق الرحل بي. معت في الخلف صوت حنفية تُفتح وُغلق. 
"هل أنت مالك المتجر؟" 


477 


أوماً. 

"أنت السيد؟" 

"سيد بليفريتيس؛ عملت غرايس داماس في متجرك لفترة قصيرة» أليس 
كذلك؟" 

1 "م" 

"غرايس داماس. أعتقد أا عضوة في أبرشية سان دبميتريوس". 

وضع الرجل ذراعيه النحيلين في وضع متصالب فوق صدره وأوماً. 

"وم عملت عندك؟" 

"منذ ثلاثة أعوام» أو أربعة. لا أعرف بالضبط. إنهم يأتون ويرحلون كثير". 

"هل تركت العمل؟" 

نون اروس 

"ولماذا؟" 

"لا أعلم إطلاقاً. فعل آخرون ذلك حينها". 

"هل بدت غير سعيدة» أو متوترة» أو عصبية؟" 

"هل أبدو لك مثل سيغموند فرويد؟" 

"هل كانت على صداقة مع أشخاص معيّنين هناء أو هل كانت مقربة حدا 
من أي شخحص؟" 

شعت عيناه با تجاهي» وبدا شبح ابتسامة على زاويتي فمه. "مقربة؟" سألئي 
بصوت زلق مثل مادة الفالفولين. صوّبت باتحاهه نظرة ماثلة» لكن من دون أن 
م 

تلاشت ابتسامته» وحوّل نظره عي كي يجول بعينيه في أنحاء الغرفة. 

"لا يوجد هنا غيري وغير شقيقي» لذلك ما من أحد هنا كي ترب إليه". لفظ 
تلك الكلمة بالأسلوب ذاته الذي يستخدمه المراهقون عندما يروون نكتة بذيئة. 

"هل كان يزورها أشخاص معيّنون» أو أي شخص كي يضايقها؟" 

"سمعيء أعطيتها وظيفة» ثم أبلغتها ماذا يتعيّن عليها أن تقوم به» وهذا ما 
فعلته. م أتتبع بحريات حياهًا الاجتماعية'". 


478 


"اعتقدت أنك لرعا لاحظت..." 
"كانت غرايس موظفة رائعة. فوجحفت كثيراً عندما غادرت العمل. ترك 
الجميع العمل في الوقت ذاته» وت ركون في ورطة. أعترف بذلك» لكني لا أحمل 
ضغينة تحاه أحد. معت بعدهاء عندما كنت ف دار العبادة» بأكما احتفت. ظننت 
في البداية بأنها هربت. لا أظن أن هذا من طباعهاء لكن والدها كان يقسو عليها 
أحياناً. أشعر باش فا كلت لكنينٍ بالكاد أتذكرها". 
"ماذا تعن بأنه كان يقسو عليها؟" 
لهو الشروة علي ويخ الزجل على عو داعي عض الرضل عه e‏ 
باقر إقامه سا موضوعاً على الواحهة. "يتعيّن عليك التحدث مع نيكوس هذا 
الشأن. إِها أمور عائلية". 
أدركت مغزى ما قاله رايان. والآن ماذا؟ المساعدات البصرية. فتشت في 
حقيبى» وتناولت منها صورة سان جاك. ّْ 
"هل سبق لك أن رأيت هذا الرحل؟" 
مال بليفريتيس إلى الأمام كي يتناولما: "من هو هذا الشخص؟" 
"إنه أحد جيرانك". 
تفخّص وجهه ملياً: "لا أستطيع القول إا صورة تستحق جائزة". 
ات اوو راا فد 
"وكذلك الحال مع فيلم زابرودرء eT‏ لارؤية سيا 
رحت أتساءل عن الفيلم الذي أشار إليه» لكني م أقل شيئاً. أفضّل أن ينب 
دخان مؤامرة أخرى. رأيت بعد قليل شيئاً يعبر ملامح وجهه» شيئاً يشبه نظرة 
رقيقة غضّنت جفنيه» في البداية» قبل أن يعودا إلى طبيعتهما. 
"ماذا؟" 
"حسناً..." راح حدق بالصورة: 
الى 
"يبحمل هذا الرجل شبهاً قليلاً مع رجل تافه آخر حذلئ. يحتمل أن ي أقول 
ذلك بسيب الأسعلة الي طرحتها بشأنه. اللعنة! لا أعرف". ناولئي ا 
الواجهة الزجاجية. "لدي صورة أوضح له". 
479 


"من هو؟ من كان ذلك الرجل؟" 

و إها صورة رديئة» ويبدو فيها مثل الكثيرين من الشبان الذين يتميزون 
بشعر سيئ. . هم لا يساوون شينا". 

"ناذا تقضه رلك إن سخا خر مدل وم ف" 

"تضايقت من غرايس هذا السبب. ترك الرجحل الذي وظفته قبلها العمل حي 
محن دون كلمة وداع: ترركت غرايس عملها يغد دل وبعد وقت فصر تر كي 
هذا الرجل بالطريقة ذاقا. عمل هو وغرايس بدوام عوني» لكيه كان ال و 
اللذين يساعدانئ في العمل. كان شقيقي في الولايات المتحدة في ذلك الوقت» 
وعملت ف إدارة هذا المكان .عفردي في ذلك العام". 

"من كان ذلك الرجل؟" 

"فورتييه. دعي أتذكر. ليو. ليو فورتييه. تذكرت اسمه لأن قرييي كان 
يحمل اسم ليو". 

"هل عمل الرجل هنا في الوقت ذاته مع غرايس داماس؟" 

"أحل. وظفته كي يحل مكان الرحل الذي ترك العمل قبل أن تبدأ غرايس 
العمل. وظفت عاملين بدوام حزئي كي أقسّم الساعات بينهماء أعتي في وقت عدم 
حضور أحدهما. كان هناك نقصٌ في الموظفين لنصف يوم فقط. ثم ترك كلاهما 
العمل. اللعنة/ ترك غياما حالة فوضى في العمل. أعتقد أن فورتييه عمل قرابة 
العام, أو رعا عاماً ونصف» ثم توقف عن الحضور فجأة. لم يكلف نفسه حين عناء 
تسليم مفاتيحه. اضطررت إلى البدء من الصفر. لا أريد متابعة الحديث عن هذا 
الموضوع جحددا". 

'ماذا بوسعك أن تخبرن عنه؟" 

اة سوال سهل. لا'شيء. رأى لافتة المتجرء ودخل قائلا إنه يريد العمل 
بدوام جزئي. عمل الرحل في الوقت الذي احتجته فيه» أي في الصباح الباكر وقت 
فتح المتجره وف المساء لإقفال وتنظيف المتجر» كما أظهر خيرته في تقطيع اللحم. 
وين قدا لوبت نحطو ونس عي أي EE‏ ادي رن رظي 
ارق ف كان فا خلال اهار هذا الر جل اسا كان هاده بالفعل» واعناد 
العام ا رد أن يفتح فمه. اللعنة! لم أعرف أبداً مكان سکنه". 





480 


"وكيف كانت علاقته مع غرايس؟" 

"لا أعرف مطلقاً. اعتاد الرجل على مغادرة العمل عندما تحضر ثم العودة 
بعد مغادرقا. لست متأكداً ما إذا كانا سوقاف عدييا ا 

"أتعتقد أن الرجل الذي يظهر في هذه الصورة يشبه فورتيبه؟" 

"إنه يشبهه» ويشبه كل شخص آخر أشعث الشعرء ويميل إلى إبقائه كذلك". 

"أتعرف أين يتواحد فورتبيه الآن؟" 

هر رأسه. 

"أتعرف شخصاً يُدعى سان جاك؟" 

0 e" 

"أو تانغواي؟" 

"يبدو اسم مادة للسمرة يستخدمها الشاذون". 

بدأ رأسي يولي» وشعرت رق في حنجري. ت ركت بطاقي وانصرفت. 


481 





36 








استقبلي رايان عند وصولي إلى مدحل شقي بحالة من الحيجان. لم يتأخر في 
طر ح أسكلته. ٍ 

"لا أستطيع الاتصال بكء أليس هذا صحيحا؟ لا أحد يقدر على ذلك 
وكأنك إحدى الراقصات المنديات. تضعين أثوابا فوق أثوابك» ولا تنتهين من 
الرقص» كما أن الرصاص لا يستطيع اختراقك". 

تورّد وجههه. واستطعت رؤية شريان ينبض في جبهته. افترضت أنه من 
الأفضل لي ألا أعلّق على الفور. ْ 

"لمن السيارة الى استخدمتها؟" 

"إا لحارقي". 

"هل تحدين تسلية في هذه الأمور يا بريئان؟” 

م أقل شيئاً. تتفل الألم من منطقة حلف رقب حن غطى كل أنحاء مجمي. 
استنتحت من عطسي الحافة أن جهازي المناعي بدأ يتعرض للغزو. 

"هل يستطيع أحد ما في هذا الكوكب أن يسبر أغوارك؟" 

"هل تود الدحول لشرب فنجان قهوة؟" 

"ماالذي يجعلك تظنين أنك تستطيعين الخروج هكذاء وبكل بساطة 
وتتركين المميع يقلقون عليك؟ هل لق هؤلاء الشبان لحمايتك فقطء يا برينان؟ 
لماذاء بحق الححيم» لم تتصلي 5 أو تناديئ عبر الجهاز؟" 1 

'فعلت ذلك". 


482 





"ألم تستطيعي الانتظار عشر دقائق؟" 

"لم أعرف مكان تواحدكء أو طول مدة غيابك» كما أن لم أتصوّر بأنئي 
سأتغيّب كل هذا الوقت". اللعنة! لم أتأخر إلا قليلاً. 

"كان بإمكانك ترك رسالة". 

“كان من الأفضل لى ترك كناب ارب والسلام» لو كنت أعلم أنك ستبالغ 
في رد فعلك هكذا" . أدركت أن كلامي هذا ليس صحيحاً تماما. 

"مل بالغت في رد فعلي؟' E‏ "دعيئ أذكرك ببعض 
الأمور. تعرضت حمس نسای أو سبع» للقتل والتشويه ال و 
وقعت أحدث هذه الجرائم منذ أربعة أسابيع". بدأ يعد على أصابعه. "ظهر حزء 
من إحدى النساء في حديقة منزلكء كما أن أحد المعتوهين احتفظ بصورتك في 
مجموعته المتنوعة» وما لبث أن ا اتصل بك في الشقة أحد المنعزلين الذين 
لديهم هواية جمع السكاكين والصور الحنسيةء والذين يترددون على بئات الهوى» 
ويحبون تقطيع الحيوانات الصغيرة. لاحق الرجل أعرّ صديقاتك الي أصبحت ميتة 
الآن. ذفنت وهي ممسكة بصورة تجمعك مع ابنتك. احتفى هذا المنعزل بدوره". 

مر شاب وفتاة من أمامنا على الرصيفء لكنهما غضا الطرف» وأسرعا 
بخطواهما. بدا أهما أحسًا ببعض الإحراج لأهما شهدا شجار أحبّة 

"رايان. دعنا ندحل إلى الشقة. سأحضّر القهوة". حرج صوت خشنا بعض 
الشيء لأني بدأت ؛ أتضايق من حديثنا هذا. 

رفع اد على غضبه» ومد أصابعه» ثم أسبل يده على جانبه. أعدت 
الممتاح إلى حارتي» شكرثها لأا سمحت لي باستخدام سيارقاء ثم دحلت أنا 
ورايان إلى الشقة. 

"هل تفضلها منزوعة الكافيين» أم ثقيلة؟" 

ون فا اشا فا وافنيق: 

"أعتقد أنى سأشرب قهون من دون كافيين. تعرفين مكان جهاز الهاتف". 

أصغيت مسكة بكوبي القهوةء لكني تظاهرت أنني لا أعرف. 

"رايان". صمت لبرهة. "أحل". صمت مرة أخرى. مرت فترة صمت طويلة. 
'مى؟" صمت لبرهة أخرى. "حسناً. شكراً لك. سأكون هناك". 


483 


رأيتّه وافنا قرب باب المطبخ. بدا وجهه ورا بدأت حرارت» وضغط دمي» 
ونبضات قلي» بالتصاعد. اهدئي يا برينان! سكبت كوبين من القهوةء وأحبرت 
يدي على عدم الارتعاش. تريّفتُ حى يبدأ الكلام. 

"نالوا منه". 

جمدت يدي في مكافاء وتوقف وعاء القهوة في المواء. 

"تعن تانغواي؟" 

أوما. أعدت» بعناية» وعاء القهوة إلى سختانه. أحضرت الحليب ثم وضعت القليل 
منهفي كوبي. قدّمت بعض الحليب إلى رايان, بالعناية ذاتما. هر رأسه. أعدت علية 
الحليب إلى الثلاحة» بعناية أيضاً. ارتشفت القليل من القهوة. حسناً. تكلم يا رجل. 

١ "أخبرني".‎ 

"دعينا نجلس". 

انتقلنا إلى غرفة المعيشة. 

"قبضوا عليه قبل ساعتين تقريباً. كان ي الطريق 417 ويتجه شرقاً. انتبهت 
فرقة من أمن كيبيك إلى لوحة سيارته» فأوقفوه على الفور". 

"وهل كان تانغواي؟" 

"كان تانغواي. تطابقت البصمات". 

"هل كان متجهاً إلى مونتريال؟" 

"يبدو الأمر كذلك". 

"وما هي التهم الي وجَهت إليه؟" 

"وجّهوا إليه» في الوقت الحالي» همة حيازة زحاحة شراب مفتوحة قي عربة 
متحركة. أقدم ذلك المغفل على فتح زجاجة من جيم بيم. وتركها على المقعد 
الخلفي. صادروا من سيارته بعض المحلات الجنسية. يعتقد الرحل الآن أن هذه هي 
كل التهم الموجهة إليه. تر كه الرجال كي يقلق من أحل هذه التهم". 

"وأين كان؟" 

"يدتعي الرجل أنه بمتلك حجرة في غاتيناو. قال إنه ورثها عن والده. أصغي 
000 كان الرجل يتصيد. أرسل فريق مسرح الجربمة عدة رجال ليفتشوا المكان 


484 


"أين هو الآن؟" 
"إنه في بارثينياس". 
"هل ستتوجه إلى هناك؟" 
"أحل". أذ نفساً عميقاء وتوقع شجاراً في ما يبدو. لم أرغب برؤية تانغواي 
انق مرت يجفاف في حلقي» وبإعياء ينتشر في أنحاء جسدي. هل أشعر 
بالهدوء؟ لم أشعر يمذا الإحساس منذ وقت طويل. 
"ستأني كان لزيارتي". قلت ذلك مع ضحكة عصبية. "هذا هو سبب... 
سبب خرو جي هذه الليلة". 
"أتقولين ابنتك؟" 
أومأت. 
"يا للتوقيت السيية!" 
"ظننت أن بإمكان إيجاد أمر ما. أنا... لا عليك". 
م يتكلم أحدنا في الللحظات القليلة التالية. 
"آنا مسرور لأن الأمر قد انتهى". تلاشى غضب رايان كلياً. خض وقال: 
"ريدي أ آم ك ك أن أخدانك: بعه؟ ترك ن الو قف هاخا عدا 
شعرت بأنه لا يمكنئ الاستسلام للنوم قبل أن أعرف النتيجة» مهما كانت 
سيئة. من هو تانغواي هذا؟ ماذا سيجدون في حجرته؟ وهل ماتت غابي هناك؟ 
وهل لقيت إيزابيل غاغنون مصرعها هناك أيضاً؟ وغرايس داماس؟ أو هل تقلت 
الضحايا إلى هناك بعد القتل من أجل ذبحهنّ وتقطيع جنثهن» ووضعها في أكياس؟ 
"نعم تعال رجاء". 
تذكرت بعد مغادرته أني لم ابره عن القفازين. حاولت الإتصال ببيتي 
بحدداً. لم يفارقئي الشعور بالقلق» رغم القبض على تانغواي. بقيت على موقفي من 
عدم الرغبة .عمجيء كاي إلى أي مكان قي منطقة مونتريال. لذلك لعله يجدر بي أن 
اتو جه جنوبا بنفسي . 
تممكنتُ من التحدّث إليه هذه المرة. قال لي إن كاي قد غادرت منذ أيام 
عديدة. أخبرت والدها أنئي أنا الى اقترحت عليها القيام يمذه الحولة. هذا صحيحء 


485 


لأنه سبق لي أن وافقت على حططهاء لكن ليس بالكامل. قال إنه غير متأكد من 
امحطات الى ستتوقف فيها كالي. لم يجد بيتي شيئاً غريباً في برنابجهاء لأفها ستسافر 
مع أصدقائها في الجامعة. سيذهبون بالسيارة إلى مقاطعة كولومبياء حيث ستمكث 
مع إحدى العائلات. ستكمل جولتها إلى نيويورك بعد ذلك حيث ستزور عائلة 
صديقة أخرى. تعتزم كان أن تتو حه بعد ذلك إلى مونتريال. قال لي إنه ليس قلقا. 
أضاف أنه متأكد من أنها ستتصل بي. 

بدأت بإخباره عن غابي, والتطورات الي حدثت في حياتي» لكنبي لم أستطع 
أن أكيل. لم من الوقت بعد وعلى أي خال'فإن الأمر اتهى. قال كعادتة إنه 
مضطر للإسراع لاستقبال وديعة حديدة في وقت مبكر من الصباح» وتأسف لعدم 
تمكنه من التحدث معي لوقت أطول. هل من جديد في هذا؟ 

شعرت بأنئ غير در على أخذ حمام بسبب التعب والإرهاق الذي أشعر 
به. حلست في الساعات القليلة التالية وتغطيت بلحاف. أحذ جسدي بالارتعاش» 
ينما رح أحدّق في الموقد الفارغ» وتمنيت لو أن شخصاً ما يعيش معي كي 
يساعدن على تناول الحساء» ويأحذ بتمسيد حبهي» ثم يخبرني بأني سأتحسّن بعد 
قليل. غفوت قليلاً ثم استيقظت؛ وانجرفت مع أجزاء من حلم فيما تكاثرت 
كائنات مجهرية في بخرى دمي. 

دق رايان جرس الباب عند الساعة الواحدة وحخمس عشرة دقيقة. 

"يا لمي! تبدين مريعة يا برينان!" 

اشكر لاعنتنائك؟: عدن كي اتغطى باللحاف. "اعتقد نن مضابة 
برشح". 

"لماذا لا نؤجل حديشنا إلى الغد؟" 

نظر إلي بغرابة ثم تبعت إلى الداحل. ألقى سترته على الأريكة» ثم حلس. 

"يدعى الرجل جان بيار تانغواي. يبلغ الثامنة والعشرين من العمر» ومن 
السكان القدماء في المنطقة. نشأ في شاوينيغان. لم يتزوج مطلقاء ولا أولاد لديه. 
تعيش شقيقته في أركنساس. توفيت أمه عندما كان في التاسعة من عمره. عان 
مهال كير اك عمل والدمور اها رط درا والسقوف الداعلية) ري 

486 


الوالد ولديه بصعوبة. توفي العجوز بحادث سيارة عندما كان تانغواي في الجامعة. 
و 0 ادرف ال من الزن م 
اه 1 mT‏ يبدو 0 
يعتقدوا أن شخصيته تتناسب مع رغبته هذه. ظهر ظهر الرحل في كيبيك جحدداً في العام 
8 ل د يقة ما أن د استطاع أن ينال درجته في 

"إذاء هل تواجد الرحل في المنطقة منذ العام 1988؟" 

"أحل". 

"تتوافق هذه الفترة من الزمن مع الفترة الي تم فيها قتل بيتري وغوتييه'. 

أومأ رايان: "وبقي هنا منذ ذلك الوقت". 

تعين علي أن أبلع ريقي قبل أن أب تمكن من الكلام. 

EE E "وك‎ 

"يدعي ا مادة علوم الأحياء (البيولوحيا). دققنا في هذه المعلومة. 
كول إه لشي رعا رچ كن ره إليها طلاب صفوفه. إنه يزيل الرطوبة 
من اللحشث» ويجمع المياكل العظمية". 

"يحتمل أن يقدّم ذلك تفسيراً لوجود كتب التشريح في منزله". 

"يحتمل ذلك". 

"ومن أين يحصل على الحشث؟" 

"يحصل عليها من الحيوانات الي تُقتل على الطرقات" 

"أو يا إههي! كان برتوان على حق إذاً". تصورئه متسللاً في الطرقات ليلا 
وملتقطاً المثث قبل أن يجرّها إلى البيت بأكياس بلاستيكية. 

"هل سبق له أن عمل في ملحمة؟" 

"لم يقل ذلك. لماذا؟" 

"ماذا استنتج كلوديل من الأشخاص الذين يعمل معهم؟" 

"لم يستنتج شيئا لا نعرفه. يُعرف الرحل بأنه منغلقٌ على نفسه» ويقوم بتدريس 
طلابه. لا أحد يعرفه حق المعرفة. يقولون فم لا يدهشون لزياراته المسائية". 

487 


"يتوافق هذا مع ما قالته الجدة لنا". 

"تقول شقيقته إن شقيقها لم يكن احتماعياً أبداً في حياته. لا تستطيع أن 
تتذكر أي صديق له. تكبره شقيقته بتسعة أعوام وهذا فهي لا تتذكر الكثير عنه 
في فترة صباه. تا المرأة معلومة مهمة عنه". 

"وما هي". سن 

ابتسم رايان: "يعاني تانغواي من العجز في رجولته". 

"هل نطقت كذه المعلومة من تلقاء نفسها؟" 

"تت أن هذه ال قد تمل وا للزعاته غير الاجتماعية. تعتقد 
الشقيقة بأنه غير مؤذ أبداً لكنه يعاني من تدنّي في مستوى تقديره لذاته. تمتك 
المرأة معلومات واسعة عن 'وستائل تقيض الذات: وتعرف كيفية التحدث عن هذه 
المعلومات" . 

م ارد عليه. انشغلت ر أسطر وردت في تقارير التشريح. 

ادو ت الكلام منطقياً. أظهرت الاختبارات ال أحريت على موريسيت 
شاو هة سلبية اة للحيوانات المنوية". 


"كيف أصبح عاجزا؟" 

"ساعدت الوراثة وبعض الصدمات على هذا. ولد الرحل بخصية واحدة ثم 
مالبث أن أعطبها نتيجة حادث تعرّض له أثناء ممارسته للعبة كرة القدم. 5 
أن اللاعب الآخر كان يحمل قلماً. اصطدم اللاعب الآحر به في تلك المنطقة. 
توقفت بسبب ذلك عملية حيوية مهمة عند الرحل". 

"هل ١‏ دفعه هذا الواقع إلى الانغلاق على تفسه؟" 

"مهلا لعل الشقيقة على حق". 

تذكرت تعليقات جويل» وكذلك تعليقات جولي: "يحتمل أن يفسّر هذا 
عدم حماسة الرحل تحاه الفتيات". 

"بلست هذا عد اة بالنسية إلى الأحريل أيضا". 

أكمل رايان بالقول: "أليس من الغريب أن يختار مهنة التدريس؟ ولماذا يعمل 
في بيعة يضطر فيها إلى التفاعل مع أشخاص كثيرين؟ وإذا كان الرحل يشعر بأنه 

488 


عاج فلماذا لا يختار عملاً أقل حطورة بالنسبة إليه» والذي يضمن له حصوصية 
أكبر؟ مثل الكمبيوترات؟ أو المختيرات؟" 

"لست محللة نفسيةٌ لكني أعتقد أن التعليم أكثر مثالية بالنسبة إليه. لا يتفاعل 
الإنسان مع أنداده» كما تعرف. يتفاعل الكبار مع الأولاد. يختار الرحل أن بمتلك 
السلطة ويهذا يصبح الصف مملكته الصغيرة» حيث يضطر الطلاب إلى تنفيذ ما 
يطلبه منهم. لا يستطيع هؤلاء أن يسخروا منه» أو يتوقعوا ما يمكن أن يفعله". 

"لن يفعلوا ذلك أمامه مباشرة» على الأقل". 

"يحتمل أن يؤمّن له ذلك التوازن الذي يبحث عنه. تلبّي له هذه الوظيفة 
حاجته إلى السلطة والتحكم أثناء النهارء وتلبّي تخيلاته الجنسية المثيرة في الليل". 

قلت له: "أعتقد أن هذا هو السيناريو الأفضل. فكّر في فرص التلصّص الي 
لديه» أو حي فرص الاحتكاك مع الفتيات". 

"أجل". 

جلسنا وسط صمت لبرهة من الزمن» فيما راحت عينا رايان تحولان في 
الغرفة بالطريقة ذاتها الي لاحظّها عندما كان في شقة تانغواي. بدا مرهقاً. 

قلت: " أعتقد أن لم أعد بحاجة إلى وحدة المراقبة". 

نمض واقفاً: "أجل". 

"ما رأيك به يا رايان؟" 

م يحبني على الفور. تكلم بعدهاء لكن بحذر شديد. 

"يدعي الرجل أنه بريء مثل آي اليتيمة الصغيرة. إنه يخفي شيعا ما. سنعلم 
في الغد ماذا يدور في ذلك الوكر. سنستخدم ما نكتشفه فيه ونواجهه به. أعتقد أن 
الرجل سينهار". 

أحذت بعد مغادرته جرعة كبيرة من دواء الرشح» واستسلمت لنوم عميق للمرة 
الأولى منذ أسابيع. م أتذكر شيعاً من أحلامي» هذا إذا كنت قد حلمت فعلً. 

تسن مزاحيى كيرا ف في اليوم التالي» لكن ليس إلى الدرحة الي تسمح لي 
بالتوجه إلى المختبرات. تحنبت الخروج ومقابلة الناس من قبيل الحذر» لذلك بقيت 
في المنزل. 

489 


شغلت نفسي بقراءة أطروحة لأحد الطلاب» والرد على الرسائل الى جحاهلتها 
لأسابيع عديدة. اتصل بي زَايان عند الراحدة قرا "أي عندذما كنت اممشغلة 
بإحراج ثيابي المفشولةامن آلة العحفي: امتعسة م رة ضوتة أن الأمور ال 
تسير على ما يرام. 

افش فريق مسرح الحرعة الحجرة رأساً على عقب لكنه اددهم لم يجد 
ا لال ل ل لم يجدوا أي 

تر للسكاكين» أو المسسدسات أو البنادق» أو الأفلام الجنسية» أو تذكارات 
ا الحو Ss‏ 
جماجمء أو ار من حثث. وجدوا نابا ميا قي الثلاجة. هذا كل ما وجدو 
ولم يجدوا شيئاً غير ذلك. 

"هل وجدوا أدوات حفر؟" 

"لا شيء". 

"اقل فلك الل كرا أو تح :قله ديت كه الفط اكير أو 
بأنصال قديكة؟" 

"أو بأمشاطهء أو معزقة, أو بصناديق حشبية» ومنشار قددم» وعربة يد ار 
صالحة. إفها أدوات الحدائق المعتادة» وما يكفي من العناكب الي تمل کو کا 
صغيرا. يبدو أن جيلبير يحتاج إلى تحليل نفسي". 

"هل توجد مساحة تتسع للح" 

"أنت لا تصغين إل يا برينان". 

کا صرت عد كله "لوول 

"لا شيع". ١‏ 

"هل وجدوا قصاصات صحفى؟" 

"لا 

"هل وحدوا أي شيء يربط ذلك المكان مع الغرفة الي قمنا بتفتيشها في 
بیرغر؟' 

ر 

"أو مع سان جاك؟" 


490 


"لاك 

"أو مع غابي؟" 

"ل 

اأزدية اي اة ای 

1 يرد على سؤالي هذا. 

"وماذا تعتقد أنه يفعل هناك؟" 

"إنه بمارس هواية الصيد» ويفكر في حصيته المفقودة". 

"وما العمل الآن؟" 

"سأجري. أنا وبرتران حديناً مطولاً مع المسيو تانغواي. حان الوقت كي 
نواجهه ببعض الأسماءء وكي نقوم بزيادة الضغط عليه. أعتقد أنه سينهار في 
النهاية". 

"وهل يعن هذا شيئاً بالنسبة إليك؟" 

"يحتمل ذلك» وأعتقد أن فكرة برتران ليست سيئة بهذا القدر. يُحتمل أن 
يكون تانغواي شخصية من إحدى شخصياته المتعددةء ولعل إحدى جوانب 
مقضك انعا ایو اف يعيش اة فط ا رين مراد هة ا 
والذي يجمع العيّنات لصالح طلابه. يتميّز الجانب الآخر من شخصيته بحقد لا 
محدود بحاه النساءء وبشعور بالعجز يحمله على ملاحقة النساء وضريمن حن الموت. 
يُحتمل أنه يفصل ما بين جزأي شخصيته» حن إلى الحد الذي عله يحتفظ بمكان 
منفصل كي ارس فيه تخيلاته»ء ويستمتع بتذكاراته. اللعنة» لعل تانغواي ذاته لا 


يعرف أنه معتوه!" 
"رائع! يبدو الأمر مثل السيد بيبرز والسيد كريبرز". 
م" 


"لا عليك. إهما شخصيتان من مسر حية هزلية قدعة" . أخبرته ما علمته من 
لاكروا. 
"لماذا لم تخبريئ من قبل؟" 
"يصعب على المرء أن يحدد مكانك يا رايان". 
"إذاً فأنت تظنين أن شارع بيرغر له علاقة بالجرائم". 
491 


"ما الذي يجعلك تظن أن لا وجود للبصمات هناك؟" 

"اللعنة يا برينان! لا أعرف. أعتقد أن تانغواي بارد مثل الثلج الأسود. أدان 
كلوديل هذا الرحل. يمكنك أن ترتاحي لسماع هذا الخبر". 

"لماذا؟" 

"سأطلب منه أن يخبرك بنفسه. اسمعي» علي التوجّه إلى هناك". 

"ابق على اتصال معي". 

أفيت الرد على الرسائل وقررت أحذها إلى مكتب البريد. فتحت الثلاجحة. 
لن تأكل كان قطع اللحم المفروم. ابتسمت» وتذكرت ذلك اليوم الذي أعلنت فيه 
أمامي أا ستتوقف عن أكل اللحم. إا ابن المتحمسة النباتية الي تبلغ الرابعة 
عشرة من عمرها. ظَنتتُ عندها أن الأمر لن يستمر أكثر من ثلاثة أشهرء لكنه 
استمر ما يزيد عن الخمسة أعوام. 

حضّرت قائمة في ذهيئ. حمّصء تبولة» حبن» عصائر الفواكه. لا تتناول كا 
الصودا. كيف أنحبت هذه الفتاة! 

شعرت با في حنجري؛ وأحسست بالحرارة مجدداء ولذلك قررت أن أتوقف 
قليلاً فى النادي. قزرت أن أحارب تلك الكائنات المجهرية عن طريق التمارين 
والبخار. وسيخرج أحدنا منتصراً في النهاية. 

تبيّن لي في ما بعد أن فكرة التمارين غير موفقة أبدا. بدأت رجلاي بالارتعاش 
بعدما أمضيت عشر دقائق على ستاير ماستر» وتصبّب العرق من وحهي. 
اضطررت إلى التوقف عن التمارين. 

أعطى البخار نتائج متناقضة. شعرت بارتياح في حنجرتي» وأراح تلك 
الأربطة الي كانت تضغط على حبهى وعظام وجهي. حلست وسط البخار الذي 
غمرن؛ لکن عقلي بحث عن شيء يفكر به. وقع خياره على تانغواي. رحت أفكر 
تماقاله رايان لي عن نظرية برتران» وعن توقعات جاي. أس. بالإضافة إلى 
المعطيات الى أعرفها . أقلقئ أمرٌ ما يتعلق بتانغواي. تسارعت أفكاري فشعرت 
بتوتر أكبر. القفازان. لماذا أحفيت أمر القفازين؟ 

هل أن إعاقة تانغواي الحسدية قادته إلى تخيلاته الجنسية» وال انتهت 
بالعنف؟ هل كان فعلاً رجلاً يتميز بحاجة ملحة لفرض سيطرته؟ هل كان القتل هو 

492 


أقصى فعل بعكنه من فرض هذه السيطرة؟ أستطيع الاكتفاء بمراقبتك» وإلا 
سانزل الأذى بك» أو حت سأقلك/ هل بمارس تخيلاته ا مثيرة هذه مع 
الحيوانات؟ هل ف فعل ذلك مع جولي؟ إذاً لماذا القتل؟ هل يستطيع منع نفسه من 
ممارسة العنف لفترة معينة» ثم يستسلم فجأة أمام حاجته؟ هل أن نزعات تانغواي 
ما هي إلا نتيجة منطقية للإهمال الذي تعرّض له من والدته؟ أم أا نتيجة عاهته؟ 
وهل نتجت هذه العاهة عن كروموسوم سيى؟ أم من أمر آخر؟ 

لماذا غابي بالذات؟ إها لا تتناسب مع الصورة العامة . عرفها الرجل» وكانت 
من الناس القلائل الذين كانوا يتحدثون معه. كرت ریخد الكرب 

أحا. إفا تتناسب مع الصورة العامة» هذه الصورة العامة الي تشملي أنا. 
وبحدت غرايس داماس بنفسي » وحدّدت هوية إيزابيل غاغنون. هل أقوم 
بالتدحل في شؤونه» وبالتالي أتحدى سلطته» ورحولته. هل نفست عملية قتل غابي 
غضبه الذي يشعر به تجاهي» وبالتالي أعادت إليه شعوره بالسيطرة والتحكم. ماذا 
سيحدث بعد ذلك؟ هل تتم الصورة العامة عليه أن ينصرف لمطاردة ابني؟ 

إنه م وقاتل والرجل | E‏ إنه ار لمعم 
مقيدة تماما تراقصت ا عييّ ألوان زاهية. غابت EE‏ دل الا 
الزينة في أحواضها. 

المدرّس. أستاذ علوم الأحياء. 

عاودني الشعور بالضيق. لجسي بشعور معين. هيا. هيا. ماذا. مدرس. 
مدرس. هذا ما كنت أبحث عنه. إنه مدرّس» ويعمل بالتدريس منذ العام 1991. 
سان إيزادور. نعم. نعم. نعرف ذلك. وماذا يعي الأمر؟ شعرت بثقل في رأسي 
بحيث عجزت عن التفكير. والآن ماذا: 

القرض.المامج: نسيئه كلياً. كناولت متشفى ومضيت في طريقي. حنمل أن 
يحتوي ذلك القرص على شيء ما. 


493 








تصيّب العرق من بشدة» وشعرت بالضعف في أنحاء حسمي» لكني تمكنت 
من قيادة سيارق. افا معامرة غير موفقة يا برينان. رحت الميكرويات هذه الحولة. 
أحفضي من سرعتك» لأن آخر شيء ترغبين به هو أن توقفك الشرطة. توجحهي 
إلى منزلك. اعثري عليهاء لا بد أن تحدي شيئاً. 

أسرعت عبر شيربروك» واستدرت على طول المجحمع السكيء ثم انطلقت في 
الشارع نايدا صدر صوت طنين من باب المرآب بحددا. اللعنة! لماذا لم يقدم 
وينستون على إصلاحه بعد؟ ركنت السيارة وأسرعت نحو شقي. توحهت كي 
أتأكد من التواريخ. 

رأيت حقيبة على الأرض أمام باب شقي. 

"اللعنة! ماذا يع وجود هذه الحقيبة؟" 

نظرت إلى الحقيية. إنما من الجلد الأسود» ومن صنع كاوش. إا غالية الثمن. 
كتب عليها بأنما هدية من ماكس فيرانتي قُدّمت إلى كاني. ربضت المدية حارج بابي. 

جمد قلبي في صدري. 

كان! 

Eg N زم‎ NA E تتم اناف‎ 
. صمت‎ 

ركضت من غرفة إلى غرفة» وبحشت على علامات وجود ابني» لكنئي كنت 
على ثقة بأني لن أحد اة . هل تذكرت أن تحلب مفتاحها معها؟ لو أن المفتاح 

494 





معهالماتركت حقيبتها في الرواق. حضرت كان إلى هناء لكنها لم تجحدي في 
الملنزلء فتركت حقيبتها وتوجهت إلى مكان ما. 

وقفت» مرتعشة في غرفة الوم ]د ركنت أنى :وفعت ضح النمروسات 
والمنوف. فكري يا بريئان. فكري! حاولت» لکن الأمر لم يكن سهلا. 

وصلت ابنيّ إلى الشقة, لكنها لم تستطع دخحوها. يُحتمل أن تكون قد 
جر ت ا ھا حدم القهره ارد تر ا ی الاح ار 
حي كي تبحث عن هاتف. لا بد أن تتصل بي في غضون دقائق قليلة. 

لا تمتلك كاين مفتاحا للشقةء إذا كيف دخلت من الباب الخارحي إلى 
الرواق» وإلى الباب الذي يؤدي إلى الشقة؟ المرآب. لا بد من أا دحلت من باب 
المشاة إلى المرآب» أي من الباب الذي لا ينغلق جيداً بعد إغلاقه. 

الهاتف! 

ركضت باتجاه غرفة المعيشة. لم أحد أي رسائل آتية. هل يحتمل أن يكون 
تانغواي هو السبب؟ هل نال منها؟ 

يستحيل هذاء لأنه في السجن. 

يقبع المدرّس في السجن. لكنه ليس الشخص المسؤول. المدرّس ليس 
الشخخص المسؤول. أو هل يُحتمل أن يكون هو؟ هل ما زال يحتفظ بالغرفة في 
شارع بيرغر؟ هل هو الشخص الذي دفن القفاز مع صورة كان في القبر الذي 
أعده لغابي؟ 


5 


تسبّب الخوف الذي شعرت به عوجة من الغثيان تتصاعد داحل صدري. 
بلعت ريقي فشعرت بألم شديد في حنجرت. 

راحعي الحقائق يا برينات. تحققي ما إذا كانت الأيام أيام عطللات. 

قتلت فرانسين موريسيت - شامبو في شهر كانون الثاني. ماتت ما بين 
العاشرة صباحا وظهيرة يوم الخميس. 

احتفت إيزابيل غاغنون في شهر نيسان ما بين الواحدة والرابعة من بعد ظهر 


يوم جعة. 


495 


احتفت شانتال تروتييه في ظهيرة يوم من أيام تشرين الأول. شوهدت 
آحر مرة في مدرستها الي تقع في وسط المدينة» أي على بعد أميال من الجزيرة 
الغربية. 

احتفت الضحايا خلال أيام الأسبوع, وأثناء النهار» وقي أيام الدراسة. يحتمل 
أن تكون تروتييه قد خطفت بعد ساعات الدراسة» بعكس ما حصل مع الضحيتين 
الأخريين. 

أمسكت سماعة الحاتف. 

لم يرد رايان علي. 

أرجعت السماعة إلى مكاها. شعرت بثقلٍ شديد قي رأسي» لكن أفكاري 
كانت تتحرك ببطء. 

ربت رقماً آخر. 

"کلودیل'. 

"مسيو كلوديل» أنا الدكتورة برينان". 

ليرة. 

"أين تقع سان إيزادور؟" 

تردد قليلاً» ظننت أنه لن يحيبي. 

"بايكونزفيلد". 

"هل تبعد هذه مسافة ثلاثين دقيقة عن وسط المدينة؟" 

"نعم» لکن من دون وجود زحمة سير". 

"هل تعرف مواعيد ساعات الدراسة هناك؟" 

"ولماذا تريدين معرفتها؟” 

"هل أستطيع الحصول على جواب من دون تقديم شرح؟" كنت أدفع بالأمور 
إلى حافة الانفجارء ولا بد أنه استنتج ذلك من صوي. 

"أستطيع أن أسأل". 

"أريد أن أعرف ما إذا كان تانغواي قد اعتاد التغيّب عن صفوفه» وإذا كان 
قد اعتاد أن يتصل كي يبلغ بأنه مريض» أو ما إذا كان قد أحذ يوم إحازة 
شخصية؛ وعلى الأحص ف الأيام الي قتلت فيها موريسيت - شامبو وغاغنون. 

496 


أعتقد أهم يحتفظون بسجلات قي المدرسة»ء الي كانت تضطر إلى إيجاد بديل عنهء 
إلا إذا كانت مقفلة لسبب ما". 

اة غذا إلى هناك ** 

"الآن. أريد هذه المعلومات الآن!" أحسست أن على وشك أن أصاب 
بالمستيرياء وتمسكت أصابعي بحافة السرير. تمنيت أن لا أضطر للقفز. 

شعرت أن أسمع أصوات عضلات وجهه أثناء توترها. هيا يا كلوديل. أقفل 
الخطء سأنال منك. 

"ساأتضل يلف اقا" 

جلست على حافة السرير» ورحت أحدّق بشرود في الغبار أثناء تراقصه في 
ذلك الحيز من ضوء الشمس. 

هيا تح رکي. 

توجهت إلى الحمَّام وغسلت وجهي بالمياه الباردة. استخرجت مربعا 
بلاستيكيا من حقيبي» ثم عدت إلى الحاسوب. حملت الحقيبة عنوان شارع بيرغر› 
بالإضافة إلى تاريخ 94/06/24. رفعت الغطاءء وتناولت القرص المدمج منهاء ثم 
وضعدّه في محرّك الأقراص. 

فیح برتاعا ها اة الصو قهرت غل الساعة اة من 
الأيقونات. نقرت على آلبوم ثم افتح. برز اسم البوم واحد في المساحة 
الملخصصة. بيرغر أي. بي . أم. .Berger.bm‏ نقرت مرتين» فامتلأت الشاشة 
عدت مجعرف ين الصرر عرطك كل راعذ مبيا سك عور جاده تل 
شقة سان جاك. طهر نظن واا ج أن الآلبوم يحتوي مئة وعشرين 
صورة. 

ترت کی اک الصو الأول الي تمثل شارع بيرغر. أظهرت الصورتان 
الثانية والثالثة الشارع من زوايا مختلفة. مثلت الصورة الثانية بناية للشقق المفروشة 
من الواحهة والخلف. ظهر بعد ذلك الرواق الذي يؤدي إلى شقة سان جاك. 
بدأت مناظر الشقة الداحلية بالظهور بدءا من الصورة الثانية عشرة. 

شاهدتُ الصور واحدةٌ بعد أخرىء وتأملتُ كل التفاصيل الي أظهرتها. 
بدأت الدماء تضج في رأسي. وتوترت عضلات كتفي وظهري وكأفا أسلاك طاقة 

497 


ذات توتر عال. وحدت نفسي في تلك الشقة محدداً وسط الحرارة الخانقة» 
والخوف» وروائح القذارة والعفونة. 

فتشت صورة إثر صورة. أفتش عن ماذا؟ لم أكن واثقة. شاهدت كل شيء. 
صور هسلو والصحف» وخريطة المدينة» ومبئى الدرج» والحمام القذر» وسطح 
الطاولة اللي اليرت وكرت برغ كع والإناء الى بقطع السباغيق 
المستديرة. 

توقفت كي أتامل مناظر الياة الخامدة. إنه املف رقم 102+ رأيت إناه 
لاسكا وا ,قات وة يخا معدت فق رمات هرا رايت ذبا 
وقد ضمت يديها وكأنها تؤدي صلاة. لاحظت كتلة برتقالية اللون ترتفع من 
الصلصة وقطع المعكرونة. 

حدقت حيدأء وانحنيت إلى الأمام. هل يُعقل أنئ أرى ما اعتقدت أن أراه؟ 
إنه هناك» ويعبر فوق تلك الكتلة البرتقالية اللون. تسارعت ضربات قلي. لا يمكن 
أن نكر هذا ما تمكو أن كر عطر عن كناد 

نقرت مرتين فظهر أمامي خط متقطع. د 
تحؤل إلى مستطيل تشكلت حدوده من سلسلة من النقاط الدوارة. وضعت 
الستطيل فرق تلك الك ا فكي ی نهر ةا ا 
أحرى. كرت الصورة ضعفين» ثم ثلاثة أضعاف. وصلت بالتكبير إلى ثمانية 
أضعاف الحجم الطبيعي للصورة. واظبت على مراقبة ذلك القوس الشاحب الذي 
لاحظته في البداية حي أصبح خخطأ من النقاط والأشرطة. أعدت تصغير الصورة 
حي وصلت إلى حجمها الطبيعي» ثم تفحصت القوس بكا 

"أوه» يا إلهي!" 

استخدمت عار حص امد سطوع الصورة وتباينهاء تم عدّلت 
الشكل والإشباع فيها. . جرت أن أعكس الألوان» واستبدلت كل نقطة على 
الشاشة مما يكمّلها. استخدمت ارا للتركيز على الأطراف» فأصبح ولك نشل 
الدقيق أكثر بروزاً على الخلفية البرتقالية اللون. 

تراجعت قليلاً وبدأت بالتحديق. تنقست بعمق. يا إلهي القدير! إنه هو بالذات. 

أسرعت نحو الهاتف بيد مرتعشة. 


498 


علمت من الرسالة المسجلة الي ردّت علي أن بيرغيرون ما زال في إحازة. 
يتعيّن عل إذأ أن أعمل عفردي. 

بحثت عن رقم آخر وطلبته. 

"مر كز احتجاز بارئينياس". 

"آنا تقب برينان. هل آندرو رايان موجود؟ يفترض أن يكون الآن مع سجين 
يدعى تانغواي". 

"لحظة واحدة من فضلك. ابقي على الخط". 

سمعت أصواتا عند الطرف الآخر. هيًا. هيًا. 

"إنه غير موجود هنا". 

اللعنة! نظرت في ساعي. "هل جان برتران موحود؟" 

"أحل. لحظة واحدة". 

معت المزيد من الأصوات» والمزيد من الثرثرة. 

"برتران". 

عرفت عن نفسي» وشرحت له ما اكتشفته لتوي. 

"اللعنة! لا. وماذا قال بيرغيرون؟" 

"إنه في إحازة حي الإثنين المقبل". 

"رائع؛ رائع جداً! أعتقد أن أصبحت أميل إلى الترحيب بما تكتشفينه. ماذا 
تريدنئٍ أن أفعل؟" 

"ابحث عن قطعة ستايروفوم عادية» ودعه يعض عليها. لا تدخلها بعيداً حدا 
في فمه. أريد الحصول على أثار لأسنانه الست الأمامية. دعه يعض من الطرف إلى 
الطرف كي تحصل على آثار واضحة لأسنانه أريد الحصول على قوس من كل 
حهة من جهنّي القطعة. أريدك بعد ذلك أن تأحذ الستايروفوم إلى الطابق السفلي 
وتعطيها إلى مارك دالايرء الذي يعمل في قسم التصوير. يقع مكتب الرحل قي 
الخلف» أي وراء قسم الأسلحة. هل استوعبت هذا؟" 

"أحل. أحل» لكن كيف أقنع تانغواي أن يفعل ذلك؟" 

"نما مشكلتك أنت. عكنك التفكير بشيء ما. لن يمانع الرحل إذا كان يدّعي 
بأنه بريء". 


499 


"ومن أين أحصل على الستايروفوم عند الرابعة والأربعين دقيقة مساء؟" 

"اذهب واشتر لنفسك بيغ ماك يا برتراند. لا أعرف. احصل عليها بأي 
طريقة. يتعيّن علي أن أقابل دالاير قبل أن يغادر. هيا تحرك!" 

كان دالاير ينتظر المصعد عندما اتصلت به. رڌ على من مكتب الاستقبال. 


"ريك عليه ا 

نعم" 

"سيأ جان برتران إلى مكتبك في غضون ساعة» وسيعطيك نماذج من آثار 
عضة. أريد أن أنقل الصورة إلى ملف 111. أريد أن يُرسل هذا الملف إلي في أسرع 
وقت ممكن. هل تستطيع أن تفعل هذا من أحلي؟" 

مرّت فترة صمت طويلة. رأينّه في ذهئ وهو ينظر إلى ساعة المصعد. 

"هل يتعلق هذا بتانغواي؟" 

ع 

"إذا سأنتظرء بالتأكيد". 

"أريدك أن تسلّط الضوء بشكل مائل عبر الستايروفوم وابذل حهدك كي 
تكون متوازية قدر الإمكان» وظلك کی حاول أن دحل مقياساً 

الور يفال ب د أو أي شيء انحر حر أذ حك ناماس اقنور سا وي 
اق واجدا إل راغ من ا 

"لا مشكلة قي ذلك. أعتقد أن أمتلك مسطرة 48۴0ء في مكان ما في 
1 

EE, 0-6‏ ل بي هاتفياً 

e o‏ ببطء عائل بطء مسيرة حبل جليدي. لم 
يتصل بي أحد حن كاي. ومضت أرقام الساعة باللون الأحضر. سمعت الأرقام 
أثناء تغيّرها. كليك» كليك» كليك. 

اسك تجا امال ما ن ن: 

"دالاير". 

"نعم". بلعت ريقيء لكن الألم كان لا يطاق في حنجري. 

500 


"أرسلت الل منذ حمس دقائق تقريياً. أسميته تانغ.تيف. ؟نا.ع٣۵٠.‏ إنه ملف 
مضغوطهء وهكذا يتعين عليك إزالة التشفير. سأبقى هنا حى تنتهي من التحميل؛ 
وذلك كي أتأكد من عدم وجود مشاكل في قي البرنامج. إن أنتظر ردأ منك. مئ 
لط ا 

شكرئه وأفميت المكالمة. أسرعت نحو الحاسوب؛ ثم فتحت بريدي 
الإلكترون في ماك جيل. ومضت أمامي الكلمات التالية البريد في حالة 
الانستظار/// تجاهلت الرسائل الأحرى» وباشرت كي أحمّل الملف الذي أرسله 
دالاير لي» ثم أرحعته إلى صيغته الأصلية. ظهرت أمامي صورة أثار الأسنان على 
طول الشاشة» وبدا كل سن بوضوح إزاء خلفية بيضاء. بدت العلامات 
غامودية إل سار العناشة: وأسفلها وشكلت ق )اولض أرسلت را الى 
دالاير» ثم أقفلت البرنامج. 

عدت إلى برنامج الصورء وأظهرت برنامج تانخ. تيف. .187:8 على 
الشاشة ثم نقرت مرتين كي يفتح. ملأت علامات أسنان تانغواي الشاشة. 
استرجعت آثار العضة الي حدت على قطعة الحبن في شارع بيرغرء ثم وضعت 
الصورتين جنبا إلى جنب. 

حوّلت الصورتين بعد ذلك إلى مقياس أر. جي. بي. ۸68 وذلك من أجل 
الحصول على أكبر كمية ممكنة من المعلومات الواردة في الصور. عدّلت درحة 
اللونء والسطوع. والإشباع. استخدمت معدّل الصورة من أجل تحديد أكبر 
لأطراف العلامات على قطعة الستايروفوم» وفعلت الأمر ذاته بالنسبة إلى العلامات 
الموجودة على قطعة الحبن. 

وحدت أنه من الضروري تواجد الصورتين بنفس المقياس» هذا إذا أردت 
إحراء ذلك النوع من المقارنة. أبرزت مسماكاً وتفحصت المسطرة الموحودة في 
صورة تانغواي» فلاحظت أن المسافة الفاصلة ما بين علامتّي العض تبلغ ميليميترا 
اعد الف نينا "كرك ]0 لقان هو راد ل واد 

لم تظهر مسطرة في صورة بيرغر. ما العمل الآن؟ 

يتعيّن علي استخدام شيء آخرء مثل العودة إلى الصورة الكاملة» وذلك كي 
أحصل على معلومة معيّنة. 

501 


وحدت هذه المعلومة. لامس كوب بيرغر كينغ الوعاء اجاور للجبن» وبدا 
شعاره الملون بالأحمر والأصفر واضحا ومميزا. رائع. 

هرعت إلى المطبخ. تمنيت لو أنه ما زال هناك! فتحت أبواب الخزانة» ورحت 
أشّش في سلة المهملات الموحودة تحت حوض الأطباق. 

أحل! غسلت بقايا تفل القهوة»؛ ثم حملت الكوب إلى جانب الحاسوب. 
ارتعشت يداي عندما نشرت المقياس. تبيّن لي أن سماكة الذراع العامودية لحرف 
الباء 8 تبلغ أربعة ميليمترات بالضبط. 

احترت زر تعديل الحجم في تعديل الصورة» ونقرت على أحد طرفي حرف 
الباء 8 الموحود على كوب شارع بيرغر» وسحبت المؤشر حى الطرف (الحد) 
الأقصىء ثم نقرت بحدداً. أمرث البرنامج بتغيير حجم الصورة بكاملها بعدما 
فرغت من اختيار نقاط القياس. فعلت ذلك إلى أن أصبح قياس حرف الباء 8 في 
تلك الوضعية أربعة ميليمترات بالضبط. تغيّرت أبعاد الصورة على الفور. 

بحت التهوو تاق الآن لفيا واخ ال راع طت لا عضا إلى 
جنب في شاشة الحاسوب. أظهرت آثار عضة تانغواي قوس أسنان تاما يمتلك ثمانية 
أسنان على كل من جانبّي عط الوسط. 

تواجدت علامات مس أسنان فقط على قطعة الحبن. كان برتران محقاً. بدا 
الأمر وكأنه بداية زائفة. عضت الأسنان» ثم انزلقت» أو تراجعت» قبل أن تقضم 
قطعة حلف العلامة الى كنت انظر إليها. 

حدّقت في مسار العلامات. تأكدت من ما تعود إلى القوس الأعلى من 
الأسنان. تمكنت من رؤية منخفضين طويلين على كل جانب من جانبّي خط 
الوسطء ولعلهما يعودان إلى الأسنان القاطعة الوسطى. لاحظت وجحود 
اود تكسن و بعادي عليه امعط طون لطن إن کے کار 
القوس منخفض صغير ودائري» ولعله ناتج عن أحد الأنياب. لم أشاهد علامات 
لأسنان أخرى. 

مرّرت راحتّي يدي المتعرقتين إلى أسفل جهتّي قميصي» وقوست ظهري» ثم 
عفدت نفس ميقا 

00 أستطيع الآن أن أنتقل إلى الموقع. 

502 


احترت زر الفعول» ونقرت زر تدوير» ثم ناورت ببطء بين آثار أسئان 
تانفواي» وتمنيت أن أتوصل إلى التوجيه ذاته الذي حصلت عليه للعلامة ا موحودة 
على قطعة الجبن. درت القواطع الوسطى بأغاة عقارب الشاعة تقرة فهرة: قت 
الصورة د قليلة في كل مرة إلى الأمام» وإلى الوراء» ثم إلى الأمام مرة ثانية. 
ساهم القلق والشرود اللذان شعرت جما في إطالة هذه العملية. استغرق الأمر 
حلسة بأكملهاء لكن شعرت بالرضا في النهاية. تواحدت أسنان تانغواي الأمامية 
على الزاوية ذاتاء والموقع ذاته مثل مثيلاتما على قطعة الجين. 

يدت علدا إل قاتة ديل قرت على و روصا ارت وة ابن 
لتكون الصورة الحية إلى جانب علامات أسنان تانغواي» الصورة الحانبية. عدّلت 
مستوى الشفافية عند نسبة 30 بالمثة» وما ليشت عضّة تانغواي أن ظهرت معتمة 

نقرت على البقعة الموحودة مباشرة ما بين أسنان تانغواي الأمامية» ونقرت 
ددا غل الفخوة المقابلة في قوس قطعة الحبن» وهكذا حددت نقطة وصل في كل 
صورة. شعرت بالارتياح. شعَلتُْ زر ضع» وهكذا وضع زر تعديل الصورة 
علامات عضة تانغواي فوق تلك الموحودة في قطعة الجبن. بدت الصورة الناتحة 
خف دا وثلاش الان هوه ع ی اين كلا 

رفعت مستوى الشفافية إلى 75 بالمئة وراقبت نقاط الستايروفوم وأشرطته 
وهي تتلاشى إلى أن أصبحت شفافة كالأشباح. تكوّنت لدي الآن رؤية واضحة 
للمنخفضات والفحوات الموجودة في قطعة الجبن من خلال الآثار الى أحدثتها 
أسنان تانغواي. 

يا إلحي القدير! 

عرفت على الفور أن العضتين لا تعودان للشخص ذاته. : تقلح ترات 
التلاعب اليدوية» أو التعديل الدقيق» في تغبير هذا الانطباع» وتأكدت أن الفم الذي 
أحدث العضنّة على الستايروفوم ليس هو ذاته الذي ترك أثره على قطعة اللببن. 

فين ل أن فوس الأسحيان للق اغراي يق دا وآن ج الا سان 
الأمامية عنده أضيق بكثير من ذلك الذي حُفظ ف قطعة الحبن. أظهرت الصورة 
المركبة شكل حدوة حصان فوق شكل نصف دائرة. 

503 


لاحظت أمراً أكثر إدهاشاء وهو أن الشخص الذي كان يأكل الجبن في 
شارع بيرغر بمتلك انقطاعاً شاذاً إلى يمين فجوة خط الوسط الطبيعية» إلى حانب 
بروز السن اجاور بزاوية ثلاثين درحة» وهذا ما جعل صف الأسنان عنده يبدو 
مثل سياج من الأوتاد. تلك آكل الحين سناً قاطعة وسطية مكسورة بشدة» 
بالإضافة إلى سن حانبية مائلة. بدت أسنان تانغواي منتظمة وغير منقطعة. لم تظهر 
عضته أَيَا من هاتين الميزتين» لذلك فهو ل يقضم الحبن. إما أن يكون تانغواي 
استضاف ضيفاً في شارع بيرغر» أو أن شقة شارع بيرغر لا علاقة لها بتانغواي 
على الإطلاق. 


504 





أقدم الشخحص الذي استخدم شارع بيرغرء كائناً من كان على قتل غابي. 
تاكدت من تطابق القفازين» لكن ظهر احتمالٌ قوي بأنّ تانفواي لم يكن ذلك 
الشخص الذي ارتكب الجرعة. لم تقضم أسنان تانغواي قطعة الحبن» وهكذا 
تأكدت من أن سان جاك ليس تانغواي. 

سألت بصوت أجش وسط سكون منزل الفارغ: "من أنت بحق الجحيم؟" 
انطلقت مخاوقي على كاف بكل قوتًا. لماذا لم تتصل بعد؟ 

حاولت الاتصال برايان في المنزل. لم يرد علىّ. حاولت الاتصال ببرتوان. 
قالوا لي إنه غادر المكان. اتصلت بغرفة اللجنة الخاصة المكلفة بالبحث عن إمكانية 
وجود قاتل تسلسلي. لم يحب أحد. 

توحهت نحو الباحة» ونظرت من خلال السياج إلى مطعم البيتزا الذي يقع في 
الناحية الأخرى من الشارع والذي بدا خالياء حي من فريق المراقبة الذي سُحب. 
أصبحت لوحدي الآن. 5 

استعرضت الخيارات المتاحة أمامي. ماذا أفعل؟ ليس أمامي الكثير كي 
أقوم به. لا أستطيع ترك المكان لأن كان قد تعود في أي لحظة» في أي 

نويع و اا هارت ل 0 م يعد ا ات 
ينبغي أن أعود إليهاء وماذا أستطيع أن أفعل غير ذلك داحل هذه اللجدران؟ ها قد 
أصبح ملجئي .كثابة السجن لي. 


505 


غيّرتُ ملابسي وتوحهث نحو المطبخ. شعرت بألم شديد في رأسي» لكنئ م 
أتناول أي دواءء لأني شعرت بتبلد في ذه من دون تخدير إضاي. قررت أن أقهر 
الجرائيم بواسطة فيتامين سي. أحضرت علبة من عصير الليمون المتلّج من ٠‏ الشلاجةء 
ثم بحثت عن فتاحة العلب. اللعنة! أين هي؟ لم أحد في نفسي ما يكفي من 
كن افك طؤيية لذلك ر سكن تنطيم للحي ذا كس لدية اليلنا 
من علبة الكرتون من أجل إزالة غطائها المعدي. افتحي العلبة يا برينان» وقومي 
بإزالة الغطاء ثم أضيفي المياه. تستطيعين أن تفعلي ذلك؛ وبإمكانك أن تنظفي 
الكان في ما بعد. 

وحْدتُ تفسى يعد لنظات قليلة سستتلقية غلى الأريكة بعد أن تلفت يداً. 
وض عت المناديل الورقية وعلبة العصير على مسافة قريبة مي. وضعت يدي على 
جاح ن م 1 

داماس. فتحت للملف» وأعدت تفحّص الأسماء والأماكن» والتواريخ ال 
رأيتها من قبل. برزت أسماء موناستير سان برنار» ونيكوس داماس» ورجل الدين 
بوارييه. 

أحرى برتران دراسة عن بواريبه في جهاز الكمبيوتر. أعدت قراءقاء لكن 
عقلي رفض التركيز. تبيّن أن رحل الدين الطيب ذاك قد غادر. راحعت المقابلة 
الأساسية؛ وبحشت عن أسماء أحرى كي أتتبعهاء وأستخدمها مثل علامات الطريق 
في سباق المطاردة. راجعت التواريخ بعد ذلك. 

من كان حارس الموناستير؟ روي. إميل روي. رحت أفتش عن إفادته. 

لى أحدها. قشت كل شيء في المظروف. م اجا ا لابن أن ا 
تحدّث إليه. لا أتذكر رؤية ذلك التقرير» لكن م لا أحده هنا؟ 

حلست لبرهة من الزمن» و لم أسمع في عالمي سوى أصوات أنفاسي. عاودن 
اللإحساس بأفكار بديهية» مثل بان الذي ينذر بصداع الشقيقة (الصداع 
النصفي). ترايد الشعور بائ أفهد شيعا نا أكتر من أي وقت مضىء لكن الحقيقة 
رفضت أن تتبلور. 

عدت إلى تصريح بوارييه. يعتي روي بالبناء وبالأراضي. يقوم الرحل 
بإصلاح الفرن» ويجرف الثلوج. 

506 


يحرف الثلوج؟ هل يجرف الثلج رحل يبلغ الثمانين من العمر؟ ول لا؟ يستطيع 
جورج برنز أن يقوم بذلك. راح عقلي يستعرض صوراً من الماضي. فكّرت في 
ذلك الشبح الذي رأيته عندما كنت وحيدة في السيارة» ورأيت ت عظام غرايس 
داماس تقبع بحواري في تلك الغابة المبللة بعياه الأمطار. 

ركيت انكر حلم الآعر في تلك الليلة: الفئران» بيتي» رأس إيزابيل 
غاغنون» وقبرهاء ورحل الدين. ماذا قال لي؟ يُمنع الدحول إلا لمن يعمل لصاح 
دار العبادة. 

هل يُعقل هذا؟ هل تمكّن هذا الرجحل من دخول أرض الموناستير» ولا 
غراند سيميناير, هذه الطريقة؟ هل يعمل القاتل الذي نبحث عنه لصاح دار 
العبادة. 

روي! 

حسناً يا بوينان» هل توصلت إلى قاتلٍ تسلسلي يبلغ الشمانين من عمره. 

هل يجدر بي أن أنتظر اتضالاً من رايات. تناولت دفتر الهاتف بيد مرتعشة. إذا 
تمكنت من معرفة رقم هاتف الحارس فسوف أتصل. 

وحدت اسم ي. روي ضمن عنوان سان لامبرت. 

رد على صوت يتصف بالخشونة: "نعم 

كوي حذرة» وتحركي بهدوء. 

مسيو إميل روي؟” 

"نعم" . 72 

شرحت له من أكون وسبب اتصالي به. ها قد توصت أخيراً إلى إميل روي 
الذي أبحث عنه. سألته عن مهامه قي الموناستير. بقي فترة طويلة من دون أن يرد. 
معت صوت أنفاسه الي دخلت إلى رئتيه» وحرحت وكأفا هواء يدحل في قصبة 
نفخ. تكلم الرجل أخيرا: 

"لا أريد أن أخسر وظيفي. إن أعتئى بالمكان جيدا". 

"أجل. هل تقوم عهامك وحدك؟" 

ممعت صوت أنفاسه عند توقفها. بدا لي أن هذا الصوت يشبه صوت حصاة 
عند اصطدامها بقصبة نفخ. 

507 


قال لي بصوت يشبه الأنين ن: "أحتاج إلى قليل من المساعدة بين وقت وآخر. 
لا يكلفهم ذلك ميلغا إضافياً. إنني أدفع هذه الكلفة الإضافية بنفسي» ومن أحوري 
أنا". 

"ومن يساعدك يا مونسيور روي؟" 

"يساعدن ابن شقيقي. إنه في رائع» وغالباً ما أكلفه يحرف الثلج. كنت 
سأخبر المسؤول. لك" 

"ما هو اسم ابن شقيقك؟" 

"ليو. لم يتورط في أي مشكلة؛ أليس كذلك؟ إنه فى رائع". 

أحسست أن سماعة الماتف تنزلق في راحة يدي. 

"وما اسم عائلة ليو؟" 

"فورتييه. ليو فورتييه. إنه حفيد شقيقي". 1 

تلاشى صوته» بينما أحسست أن أتصبب عرقا. أهيت المكالمة بالكلمات 
المعتادة» بينما راح عقلي يضرب أحماساً بأسداس» وتسارعت ضربات قلبي. 

هدئي من روعك. أيُحتمل أن تكون هذه جرد مصادفة. إن كون المرء 
حارساً ومساعداً في ملحمة بدوام حزئي لا يجعل منه قاتلاً. فكّري قليلاً. 

نظرت إلى الساعة» ثم أسرعت نحو الحاتف. هياء كون هناك. 

رفعت السماعة بعد الرنة الرابعة 

"لوسي دومون". 

أحل! 

"لوسيء لا أصدق أنك لا تزالين في العمل". 

ان كن مشكلة م وات ات كن هلي وا او م 

"أحتاح شيا يا لوسي. إنه آم هام جدا. يحتمل أن تكو الوحيدة القادرة 
على تقدعه لي" . 

"وماهو؟" 

"أريدك أن تستقصي لي عن أحد الأشخاص على الحاسوب. افعلي ما 
بوسعك كي تحصلي على كل شيء يتعلق بهذا الرحل. هل تستطيعين القيام 


كذا؟" 


508 


"إنه وقت متأحر» كما أريد..." 

"إنه أمرٌ هام يا لوسي. يُحتمل أن تكون ابن في خطر. أحتاج هذا فعلاً!" 

لم أحاول أن أحفي درجة اليأس الذي شعرت به. 

"أستطيع أن أصل حاسوبي مع ملفات أمن كيبيك كي أتأكد من وحود 
معلومات عنه. أمتلك الإذن لذلك. ماذا تريدين أن تعرق؟" 

"أريد معرفة كل شيء عنه". 

"ماذا لديك من معطيات؟" 

"سأعطيك اسماً فقط". 

"أليس لديك شيء آخر". 

عه 

"ومن يكون هذا الشخص؟" 

"فورتييه. ليو فوونبية". 

"سأتصل بك لاحقا. أين أنت الآن؟" 

أعطينها رقم هاتفي وأقفلت ا 

رحتُ أذرع الشقة جيئة وذهاباًء وكاد حوفي على كان أن يصيبي بالجنون. 
هل هو فورتييه؟ هل رکز على غيظه المهووس لأني كدت أفشل عخططاته؟ هل قتل 
صديقيَ كي ينفس غيظه الذي يشعر به؟ وهل حطط الأمر ذاته لي؟ وكذلك 
لابني؟ وكيف عرف من تكون ابني؟ هل سرق الصورة الى تحمعي مع كاي من 
غابي؟ 

اخس أن رف البارف الذي نيعت على الد قد ول إلى أعماف 
روحي. سيطرت على أسوأ أنواع الأفكار ال عرفتها على الإطلاق. تَميّلتْ 
اللحظات الأحيرة في حياة غابي» كما تمخيّلت المشاعر الى لا بد أها شعرت ها. 
كسر رنين الحاتف سلسلة أفكاري. 

0 

"أنا لوسي دومون". 

"نعم". تسارعت دقات قلي بشدة. 

"هل تعرفين كم يبلغ ليو فورتييه من العمر؟" 

509 


"ادر لانن أو أربعن عاما”. 

"وحدت اسمين: ولد الأول في التاسع من شباط 1962ء ويكون بذلك في 
حولى الثانية والثلاثين من عمره. أما تاريخ ميلاد الشخص الآخر فهو الحادي 
والعشرين من شهر نيسان» 1916» وهكذا فهو يبلغ... الثامنة والسبعين من 
عمره . 

قلت: "إنه الشخص الذي يبلغ الثانية والثلاثين من العمر". 

"ظننت هذاء ولهذا طلبت كل المعلومات المتوافرة عنه. يمتلك الرحل ا 
کا يرحع به إلى محكمة الأحداث. لا يتحدث ملفه عن جرائم» لكنه 
مليء بسلسلة من المشاكل المتعلقة بجنح مختلفةء والإحالات على الطبيب 
النفسي". 

"ما نوع هذه المشاكل؟" 

اط لقم ملا با عونا كان بحس اة امك :"يل إل أن 
أصابعها تنقر على لوحة مفاتيح حاسوها. "التخريب» وبالتغيب من دون عذر. 
وقح حادث عندما كان في الخامسة عشرة من عمره. حطف فتاة لمدة ثمائية عشرة 
ساعة. لم توحه إليه أي قدمة. أتريدين الملف كله؟" 

"ماذا بشأن أحدث المخالفات؟" 

معت صوت قرقعة: كليك» كليكتي» كليك. تخيلتها منحنية على الشاشة 
وقد انعكس وميض الشاشة الأحضر على نظّاركا الزهرية اللون. 

"دعقت آخر إضافة في عام 1988ء حينما فش عليه بتهمة الاعتداء على 
شخص آخر. يفو أن الشعيه قرو ا متلق انم ا کک 
السجن» لكنه أمضى ستة أشهر ف البايئل". 

"وم خرج؟" 

"هل تريدين تاريخ الخروج بالضبط؟" 

"هل يتوفر لديك؟" 

"يبدو أنه حرج في الثاني عشر من شهر تشرين الثاني» 1988". 

ماتت كونستانس بيتري ني كانون الأول من العام 1988. شعرت أن غرفي 
حارة جداء بينما كان حسمي لزحا نتيجة العرق. 


510 


"هل يتضمن الملف اسم الطبيب النفسي الذي كان يعت به عندما كان في 
الباينل؟" 

"هناك إشارة إلى اسم الدكتور أم. سي. لابيرييه» لكن لا إشارة إلى 
هويته". 

"هل رقم هاتفه مدوّن ني الملف؟" 

أعطتي إياه على الفور. 

"أين يتواحد فورتيبه الآن؟" 

"ينتهي الملف في العام 1988. هل تريدين عنوان سكنه في ذلك العام؟" 

"أجل". 

شعرت بأن دموعي على وشك الانهمار عندما نقرت الرقم» واستمعت إلى 
صوت الماتف يرن في أقصى الطرف الشمالي من حزيرة مونتريال. حاولت أن 
أفكّر عا حدر بي قوله» وأن أحافظ على رباطة حأشي. 

رد على صوت أنئوي: "مؤسسة فيليب باينل. كيف يمكنئ مساعدتك؟" 

"أريد التحدث مع الدكتور لابيريبه من فضلك". يا إلحي! أريده أن يكون 
موحوداً في العمل. 

"لحظة من فضلك". 

رائع! إنه ما زال يعمل. انتظرت قليلاً على الماتف» قبل أن يقودني صو 
أنثوي آخر إلى ما ينبغي عمله. 

كا 

"أنا الدكتورة برينان". 

مرّت فترة لم يُسمع فيها سوى الواء. معت صوتاً بعد ذلك. 

أجابي صوت أنثوي» لكنه بدا متعبا ونافد الصبر: "دكتورة لابيرييه". 

"أنا الدكتورة تمبرنس برينان". حاولت إحفاء ارتعاش صوتي. "أنا عالمة 
الأنشروبولوجيا العدلية لدى مختبرات الطب القضائي. إن منشغلة في التحقيق في 
سلسلة من الحرائم التسلسلية ال حدئت على مدى أعوام عديدة في منطقة 
مونتريال. أمتلك أسباباً تدفعن إلى الاعتقاد أن أحد مرضاك السابقين قد يكون 
متورطا في هذه الرائم". 


511 


ردت بصوت متعب: "أجل". 

فرحكخ فا عو اة اة بالتحقيقات» وطلبت منها تزويدي يما تعرفه 
عن ليو فورتييه. 

“يا دكترة... برينان. اليس كذلك؟ تعرفين يا دكتورة برينان بان لا 
أستطيع أن أطلعك على ملف مريض» وخاصة بناء على مكالمة هاتفية. إذا فعلت 
ذلك من دون الحصول على تفويض من المحكمة فسيعتبر ذلك حرقا لقانون 


السريّة". 
ابقي هادئة يا بريئان. عرفت ماذا سيكون اواب سلفاً. 
"ستحصلين على تخويل ا محكمة في ما بعد بالطبع» لكننا الآن في وضع 


مستعجل يا دكتورة» ولا أستطيع التأحر في حديثي معك. أعتقد أن التخويل 
من المحكمة غير ضروري في هذه المرحلة. هناك نساء يلقين حتفهنٌ يا دكتورة 
لابرييه. أقدم ا حرم على قتلهنَ» وتشويههن بعد ذلك» بكل وحشية. تعوّد ذلك 
الرحل الذي أقدم على هذه الجرائم على ارتكاب أعمال عنف فظيعة. تعواد 
الحرم على تشويه ضحاياه. نعتقد أنه شخحص عتلك حقدا هائلا ضد النساءء 
كماأنه يتمع ما كفي :من الذكاء الذي يتم له بالتخطيط هذه الجرائم 
وتنفيذها. نعتقد أيضا أنه سيقدم على تنفيذ جرعة جديدة قريبا". بلعت ريقي» لكنئي 
شعرت بجفاف في حلقي نتيجة الخوف. "إن ليو فورتييه هو مشت به في الوقت 
الحاضر. نريد أن نعرف ما إذا كان الرحل يمتلك» برأيك» سجلاً يخرله القيام بجرائم 
كهذه. إن المستندات الضرورية الي تبرر الحصول على هذه المعلومات ستكون 
کا ت ا ا و ل عل ی ا بقن ا 
E E E a E‏ هذا و1 کی ا 
عن هذا المريض". ۰ 

أحضرت لحافاً آخر ووضعتّه حولي. أفادن هذا اللحاف بحيث أدحل المدوء 
على صوق. لا أريدها أن تعرف مدى الخوف الذي أشعر به. 

"أناء وببساطة» لا أستطيع..." 

زلق اللحاف من حولي. 

"لدي ابنة يا دكتورة لا بريبه. هل لديك أطفال؟" 


512 


جاء ردها مزيجاً من التحدّي الممزوج بالتعب: "ماذا؟" 

"كانت شانتال تروتييه في السادسة عشرة من عمرها. ضرقا ذلك الحرم حى 
الموت» وقطعها قبل أن يلقي بها في مكب للمهملات". 

"يا إلهي !" 

م التق بماري كلود لا بربيه من قبل» لكن صوتما رسم لي مشهداً حياً أوحى 
ل برسم مؤلف من ثلاثة أجراي وتيت ألوانه: الرمادي المائل إلى الرصاصي» 
والأعضر الشاحبء والقرميدي الداكن. 

منت من تخيّل تلك المرأة: إنها في منتصف عمرها بحيث نستطيع أن نتخيّل 
مدى الإحباط احفور بعمق في وجهها. عملت هذه المرأة ة لصالح نظام فقدت ثقتها 
به منذ زمن طويل» ذلك النظام الذي يعجز عن التفهم هذا إذا لم نقل يعجر عن 
الكبح» وهو النظام الذي يعكس فساوة ج وصل إلى أقصى حدود جنونه. 
تهئد الخ ابات ااا فة اقات رف الشارذة) واه 
الدامية» وتقوم بحرق حلود الأطفال وتشويهها بأعقاب السجائر. تلقي هذه 
العتهنانات الأعيه ق اأخراض المامات حت فر يدانا ر الكبان. فة 
للحوع» ويقيدون قرب الأقذار. وتتعرّض وجوه النساء إلى الضرب الشديد رغم 
عيوفن المتوسلة. ظنت تلك الدكتورة ذات مرة با تستطيع إحداث فرق» لكن 
التجربة أقنعتها بعكس هذه الفرضية 

لكنها أقسمت. أقسمت على ماذا؟ ولصالح مَن؟ أصبح المأزق مألوفاً لديهاء 
أي كما كانت مثاليّتها ذات مرة. سمعتّها تأحذ فسا عميقا. 

"حكم ليو فورتييه مدة ستة أشهر في العام 1988. بقيت طيلة هذه الفترة 
طبيبته النفسية المكلفة بعلاجه" . 

"هل تتذكرينه؟" 

ا 

انتظرتما كي تكمل» وتسارعت دقات قلي في هذه الفترة. معت قرقعة ولاعة 
اها دار حرما .م انوا ا 

"وصل ليو فورتييه إلى البايدل لأنه ضرب حدته يبمصباح". استخدمت المرأة 
ak‏ نمت aa‏ در E‏ المراة#الميقة إن ارين E‏ 


513 


المئة قطبة» لانن 
العلاج عندما انتهت المدة الإلزامية» لكنه رفض". 

توقفت قليلاً كي تختار الكلمات المناسبة بعناية. 

"وقف لسيو فورتييه يتفرج على جحدته أثناء احتضارها. ربّته تلك الجدة» 
وغرست فيه صورة ذاتية شديدة السلبية» وهو الأمر الذي أدّى إلى عجزه عن 
إنشاء علاقات اجحتماعية مناسبة له. 

اعتادت بحدة لين غل ا مقوطةة ا و ع ا د 
عواقب أعماله حارج المنزل. توحي نشاطات ليو عندما كان في سنوات المراهقة 
بأنه كان يعاني من اضطراب إدراكي (معرفي) شديد» والذي ترافق مع حاجة 
طاغسية عنده لفرض السيطرة» كما أظهرت هذه النشاطات غضباً نرجسياً فا 
ا كا كدري لدان 

إن حاعنة لسيو فض سيظركه» بالضاف إل به وحقده المكبرين جاه جحد 
وكحدلك عسرلع الأخماعة ال ايلم دفعته إلى تمضية أوقات متزايدة مع عالم تخيّلاته 
الذي نسجه بنفسه. طوّر الف اک آليّات الدفاع الكلاسيكية: الإنکاں والکبح» 
والإسقاط. يتميز الف بأنه غير ناضج إطلاقاً من الناحيتين العاطفية والاجتماعية . 

"أتظنين بأنه قادر على التصرّف بحسب السلوك الذي وصفته لك؟" هشت 
من درحة ثبات صوقء لكنيٰ كنت أغلي من الداحل نتيجة الرعب الذي شعرت 
به على ابن 

صمتت قليلاً بحيث استطعت سماع أنفاس عميقة أخرى. 

"أعتقد أن ليو فورتييه هو رجحل خطرٌ جدا". 

سألثها بصوت مرتعش هذه المرة: "أتعرفين أين يعيش الآن؟" 

"لا أعرف عنه شيعا منذ مغادرته مؤسستنا". 

كنت على وشك توديعها عندما فكّرت في طرح سؤال آخر عليها: "كيف 
00 ليو؟" 

جابت: "ماتت على يد أخصائي بالإحهاض" 

تسارعت e‏ في الوقت الذي eT‏ أصبح عندي 

الآن اسم كما أعرف أن ليو فورتييه سبق له أن عمل مع غرايس داماس. متّع 
514 


الرحل بحق الدخول إلى أملاك دار العبادة» بالإضافة إلى أنه كان خخطراً جداً. والآن 
ماذا؟ ّ 

معت حفيف أوراق ناعم لكنيٰ لاحظت أن الغرفة تحولّت إلى اللون 
الل :فك يراب الوجاحه ونظرت إلى الخارج. رأيت الغيوم الكثيفة 
مكدسة فوق سماء المدينة» فتحوّلت أضواء المساء إلى ظلمة قبل أواهًا. تغيّر اتجاه 
الريح» وفوا ت اة الل لحطف اد اماد السرو كانت تتمايل 
جيكة وذهاباء كما تراقصت أوراق الأشجار على الأرض. 

تذكرت إحدى أولى القضايا الي عملت عليها. كانت قضية نيللي آدامزء 
بلك الجاه الى ا كنت قد معت بأمرها في الأحبار. تذكرت 
أيضاً أن عاصفة رعدية عنيفة قد حدثت في يوم اختفائها. فكرتُ فيها تلك الليلة 
وأنا أتمتع بالأمان الذي توفره لي غرفة نومي. هل كانت وحيدة ومرتعبة وسط 
العاصفة؟ تمكنت من تحديد هويتها بعد ستة أسابيع عندما قمت بتحليل بقايا عظام 
جمحمتها وقفصها الصدري. 

أرحوك يا كايٍ! أرحوك عودي الآن! 

توقفي عن هذا يا برينان! اتصلي برايان. 

تراقصت أضواء البرق على جدران الغرفة. أحكمت إغلاق الأبواب» 
ومضيت كي أنير المصباح. لم يحدث شيء. تذكري وجود انه يا برينان. جهزته 
كي يرن عند الساعة الثامنة. ما زال الوقت مبكرا جدا. 

مددت يدي من وراء الأريكة» وضغطت على أله فته م يحدث شيء. 
حاولت الضغط على المفتاح الكهربائي الموجود في الجدار. لم يحدث شيء. 
تحسّّستُ طريقي على طول الجدار واستدرت نحو المطيخ. لم تستجب المصابيح 
الكهربائية. تزايد قلقي» لكنين أكملت باتحاه الردهة وغرفة النوم. بدت الساعة 
معتمة بسيب انقطاع الكهرباء. وقفت للحظة» لكن عقلي راح يبحث عن 
تفسيرات. هل حدثت صاعقة؟ أم أن الرياح قد أوقعت أغصان الأشجار على 
أسلاك الطاقة؟ 

أيقنت أن الشقة هادئة بشكل غير طبيعي» فأغلقت عييٌّ كي أستطيع 
اا ا TT ENE‏ 

2 


515 لل 


الكهربائية. تزايدت حدة العاصفة في الخارج. معت أصوات دقات قلي» 
بالإضافة إلى شيء آخر. هل “معت قرقعة حفيفة؟ هل هو صوت باب يُغلق؟ 
هل هو صوت بيردي؟ من أين أتى هذا الصوت يا ترى؟ هل أتى من غرفة النوم 
الأحرى؟ 

عبرت الغرفة باتحاه نافذة غرفة النوم. ومضت أضواء المصابيح الي شعت على 
طول الطريق» ومن الشقق المتواجدة في شارع دي مايزونيف. أسرعت عائدة إلى 
الأبواب المؤدية إلى الباحة عبر الردهة. تمكنت من رؤية أنوار منازل الحي المتسللة 
عبر مياه المطر. أيقنت أن الكهرباء مقطوعة عن منزلي» ومنزلي فقط! وفجاأة 
تذكرت: لم يرن جهاز الإنذار عندما فتحت الأبواب الزحاجية. إذأء جهاز الأمان 
معطل في شقي! 

هرعت نحو جهاز الهاتف. 

اكتشفت أن الخط الحاتفي معطّل هو الآخر. 


516 


41 


مميت المكالمة» وغرقت عيناي بالظلمة الدامسة الي تلفيْ. لم تلق عيناي أي 
شكل من أشكال التهديد» لكني استطعت أن أحس بشيء آخر. رحت أرتحف 
وشعرت بالتوتر. تراكضت الأفكار في رأسي» فاستعرضت الخيارات المتاحة أمامي 
وكافنا د راق للقن 

أمرت نفسي أن أحافظ على هدوئي» إذ يحب علي الخروج إلى الحديقة من 
خلال الأبواب الزجاجية. 

ا کرت أن ا ا مفتاحها في المطبخ. تخيلت السياج» 
لكن هل أستطيع تخيّل أبعاد الحديقة؟ وإذا لم أتمكن من ذلك فعلى الأقل سأكون 
حارج الشقة» ولعل أحدهم سيسمعي إذا ما صرحت. هل سيسمعي أحد» مع 
تلك العاصفة الشديدة؟ 

أصغيت كي أسمع كل الأصوات مهما كانت خافتة» وبدأ قلي يضج بين 
أضاعي مثل حشرة مسجونة لي حيز ضيّق. راح ذه يفكر في اتحاهات شق. 
أعذن تفكيري إل ارغریت آدكينز» وبيتري والأحريات. فكرنت براق 
المذبوحة» وبعيوفنٌ امحدّقة الي لم تر شيئاً. 

هيا تحركي يا برينان. تحركي! لا تنتظري حي تقعي فريسة له. صِعُب علي 
التفكير بطريقة يقة منطقية |بسبب خوفي على كاني. . ماذا سيحدث لو أن نحوت 
بنفسي» بينما يترئص e‏ كيد ص ال جاتو عسوا ع 
إلى أن يشعر بالسيطرة. أعتقد أنه سيختفي كي يخطط ريت الحديدة. 

517 


بلعت ريقي» وكدت أصرخ من شدة الأ م» وأحسسلت بالجفاف الشديد في 
حنجحري نتيجة المرض والخوف. قررت أن أ ركض. وأن أفتح الأبواب الزجاحية» 
تم أندفع وسط المطر وحرية الحركة. أحسست بالتصلب في حسمي» وتوترت كل 
عضلة ووتر فيه لكنني تمكنت من الوثوب باتحاه الباب. استدرت حول الأريكة. 
روت تقس جه أن مدقل حي رت وأنا أمسك بمقبض الباب بيد بينما 
أدرت مزلاج الباب باليد الثانية. شعرت بالمقبض النحاسي باردا بالنسبة لأصابعي 
ا محمومة. 

لطمت وجهي يد منتفخحة» وكأنها سوط صُنع من اللحم فاندفعت إلى الخلف 
وارتطم رأسي بحسم صلد كالصخر. أحسست بشفيّ تنسحقان» وبفکي يُلوى 
ويتحرّك من مكانه. غطت تلك الراحة القاسية فمي» فملأت أنفي رائحة مألوفة 
عندي. كانت تلك اليد ناعمة وزلقة بشكل غير طبيعي. لك وميضا ا من 
زاوية عيي» وأحسست بشيء بارد على صدغي الأعن. تعاظم حوفي وسيطر على 
ھی “كل شید قن ورای وا 

"حسناء يا دكتورة برينان. أعتقد أننا على موعد هذه الليلة". تكلم ليجل 
بلغة إنكليزية» لكن بلكنة فرنسية. بدا بصوتة التحفض والناعم و كانه يؤدي أغنية 
حب تمن على أنغامها جيداً. 1 

قاومنُه بحسدي الذي تمرك بمنة ويسر وبيدي الاثنتين» لكن قبضته كانت 
شديدةٌ كالملزمة. اندفعت ارا ورحت أعبٌ الهواء بيأس. 

"لا. لا. لا تقاومي. ستكونين معي هذه الليلة» حيث لن يتواجد أحدٌ في هذا 
العالم إلا أنا وأنت". شعرت بحرارته على رقبيَ عندما شدّن نحوه. أحسست 
ببحسده الذي تير بطراوة وتماسك غريبين» سبق لي أن أحسست جما في راحة يده. 
سيطر الرعب علي» وشعرت بالعجز التام. 

عجزت عن التفكير» ول أتمكن من الكلام. لم أعرف ما إذا كان يجدر بي أن 
أتوسّلء أو أن أقاوم أو أن أتحدث إليه .عنطق. أمسك الرحل برأسي وجمّده. 
وراحت يده تضغط شفيّ على أسناي. تذوقت طعم الدم في فمي. 

"ألا تة تقولين شيئا؟ عق موف ل ” أقدم على حركة غريبة بشفتيه 
عندما تكلم. 1 عه + سعبالمانل ثاية ون امتائة: 


518 


ع 
م 


"حلبت لك شيئاً". شرت سوه يدر عله ويسرة م شلب دعق 
فمي. "أحضرت لك هدية". 

ممعت صوتا معدنيا ثم جذب رأسي إلى الأمام. من ال تعدا او قوق 
وی م رول إل رقي تمركت ذراعه قبل أن أفكن من فعل آي شی 
جذبئ إلى مكان لا يستطيع فكري أن يتصوره. شعرت» وأنا مقيدة» بالاختناق ف 
مكان أعماني ضوؤه. لم أستطع فعل أي شيء حن هذه اللحظة غير تصنيف نوعية 
ألمي بحسب التح ر كات الى قام ما ٍ 

أرحى قبضته بعض الشيى ثم حذب السلسلة مجددا حي كاد يسحق 
حنجرق. راح فكي وعمودي الفقري يهتزان بشدةء لكن الألم كان لا يطاق. 

حركت أصابعي بجنون» ورحت ألحث طلبا للهواءء لكنه أدارنٍ بعد أن 
أمسكَ يدي ثم أحاط معصمي بسلسلة أحرى. حذب الرجل السلسلة بشدة 
وبحركة واحدة ثم ربطها بالسلسلة الي قيدت رقبي» ثم جذب السلسلتين 
الجندكيها فق ت احترقت رئيٌ نيران حارقة» بينما توسل دماغي الحصول 
على الهواء. حاهدت كي أبقى واعية» بينما همرت الدموع على وجهي. 

"أوهء هل آلمك ذلك؟ أنا آسف". 

رح مسجل اق اتانتكدت عرق E‏ 

"تبدين مثل سمكة كبيرة تعب الحواء عبا 

وقفس بعواجهته اله و م تبعد عيناه عن عي سوى ستتمتوات قليلة. ل 
أستطع أن أميّرَ ملامحه إلا قليلاًء بسبب الألم الذي كان يعميئ. كان وجهاً عاديا 
يصلح أن يكون وجه أي إنسان» أو وجه حيوان. ارتعشت زاويتي فمه» وكأنه 
سمع نكتة ما. أحاط الرجحل شف بطرف سكين حاد. 

E aA 
عندما حاولت الكلام. ب بلعت ريقي.‎ 

"أحب أن..." 

حرصي اللي ا ل لبر aS‏ . أعرف 
رأيكنُ بي جميعكن. تعتقدن بأنئ بحرد مهووس بالوراثة يب كن الفح د ا 
إنيي مثل أي شخص آخرء لكني أمتلك السيطرة هنا". 

519 


مسك بالسكين بقسوة جعلت يده ترتعش. بدت يده كيد شبح شاحبة 
تحت أضواء الممشى» يريف اا ق وعد بلوفا الأبيض. إفما 
قفازان جراحيان تمكنت من شم رائحتهما! أخنيست أن نصل السكين قد شق 
حي قليلء كما شعرت بحرارة تنساب نزولا فوق ذقي. شعرت بأنئٍ يائسة 
تماماً. 

"ستمزقين ثيابك الداحلية قبل أن أنتهي منك وسوقا ترغين ی عفرا لك 
هذا سيحدث في ما بعد» يا دكتورة برينان. أما الآن فلا تتكلمي إلا عندما أسمح 
لك". 

كان يتنفس بصعوبة جعلت أنفه أبيض اللون. عبشت يده اليسرى بالسلسلة 
المعدة لخنقي» وراح يلف حلقاتها حول راحة يده ثم يتركها. 

"الآن؛ أخير يئ". صمت بحددا. "بماذا تفكرين؟" بدت عيناه باردتين 
وقاسيتين» مثلما كانت دييات ما قبل التاريخ 

"هل تعتقدين بأنني جنون؟" 

م أرد. راح المطر يضرب زجاج النافذة وراءه. 

بجذب السلسلة مدد وقرّب بذلك وجهي من وحهه. مسحت أنفاسه 
العرق المتصبب على بشّري. 

"هل أنت قلقة على ابنتك؟" 

قلت بصوت مختنق: "ماذا تعرف عن ابنق؟" 

"إنيي أعرف كل شيء عنك يا دكتورة برينان" ول اشرو ضاف سانا 
يحدداً. كما بدت كلماته بذيئةً عندما خرقت أذن. بلعت ريقي رغم ألمي. شعرت 
أنين بحاجة إلى أن أتكلم» لكنئ ل أرغب أن أستفزه. تغيّر مزاحي مثل أرجوحة 
تتلاعب ها الأعاصير. 

"هل تعرف أين هي؟" 

"يحتمل أن أعرف". رفع السلسلة بحدداء لكن ببطء هذه المرة» وهكذا 
حذب ذقني إلى حدها الأقصى» ثم مرّر السكين فوق رقب بحركة ارتدادية 

ومض البرقء فخ ر كت يده بعيدا عون سال أعل :هى شذيدة نا يكف ؟" 

520 


كلت ابصورث ی "أرجوك... 

ا بلعت ريقي» وأحذت 
لفسا عميقاً. شعرت بنیران تحرق حنجري» وأحسست جروج e‏ 
رفعلت يدي كي امبسح مكآن ابر ر لكنه ما لبك أن دفعهنها إلى الأسفل 
مستخدماً السلسلة الى فيد معصمئ بها. وتحرّك فمهء مرة أحرى» عا يشبه ارتعاشة 
أحد القوارض. 

"أليس لديك ما ت تقولينه؟" راح حدق بي بحدقتي عي عينيه السوداوين. ارتحف 
جحفناه السفليان» مثلما فعلت شفتاه. 

مرتعبة» رحتُ أفكر .عا فعلته الأخريات. تساءلت عما فعلته غابي. 

رفع السلسلة إلى ما فوق مستوى رأسي وبدأ بزيادة الضغط. بدا المنظر مثل 
ولد يعذب كلباًء لكن الولد مولع بالإحرام. تذكرت إلساء كما فكرت بالعلامات 
الي لاحظُها على جثة غابي. ماذا قال جاي. أس. وكيف يمكنئ أن أستفيد من 
كلامه هذا؟ 

"أريد أن أتحدث إليكء أرحوك. لماذا لا نذهب إلى مكان ما حيث يمكننا أن 
نتناول شراباء وكذلك..." 

"أيتها الساقطة!" 

ارتفعت يداه» وما لبشت السلسلة أن ضاقت حول عنقي. اخترقت رأسي 
ورقبي سهام الألم. رفعت يدي تلقائياًء لكنهما كانتا باردتين» وغير قادرئين على 


فعل أي شيء. 
"أعرف أن الدكتورة الكبيرة لا تتناول الشراب» أليس كذلك؟ يعرف الجميع 
هذه الحقيقة". 


رأيت» من خلال دموعي» أجفانه تتقافز بجنون. وصل حنونه إلى حدّه 
الأقصى. ساعدن يا الله. ساعدن! 

"أنت مثل الأخريات جميعهن. تظنين بأنئي معتوه» أليس كذلك؟" 

طلب دماغي تنفيذ أمرين: الهرب, والعثور على كاني. 

أمسكي وسط أنين الرياح وضربات المطر على زجاج النوافذ. معت من 
بعيد صوت بوق. وتمازحت رائحة عرقه مع رائحة عرقي أنا. تسمّرت عيناه 


521 


اللستان جدهما االجنون حي أصبحتا كالزحاج» على وجهي. انطلق قلي ينبض 
بو حشية. 
كسر شيء ما جدارٌ الصمت في غرفة النوم» فتصلبت أجفانه لبرهة» وتوقف 
قليلاًء وأمسك عن فعل أي شيء. ظهر بيردي في مدخل الغرفة» وراح يُصدر 
ضجيجا تراوح ما بين العويل والأنين. تحولت عينا فورتييه نحو الظلال الفاتحة 
اللون الموحودة في الغرفة» فاغتنمت هذه الفرصة. 

حيرت ساقي» ودفعمُها إلى الأعلى ما بين ساقيه. ركزتُ كل الخوف 
والكراهية اللذين سيطرا علي في قوة هذه الضربة. واصطدمت ذقئي بقوة في منطقة 
الهمدف. صرخ» وتراجع إلى الوراء. حرّرت فاي السلسلة من يديه» واستدرت» ثم 
اندفعت راكضة في أنحاء الغرفة. شعرت أن المخوف والألم يدفعاني» لكنئ كنت 
عل شخص بسيو فر که بطق 

تعاق ذلك النذل من صدمته بسرعة» فتحولت صرحة أله إلى عويل ناتج عن 
الععي: 

"أيتها السافلة!" 

سرت من خلال الرواق الضيّقء وكدت أتعثر بالسلسلة الي تلاحقي. 

"سأقضي عليك أيتها السافلة/" 

ممعي يجري ورائي» وترئحت وسط الظلمة» ورحت أتنفس مثل حيوان 
يائس. أنت ملكي الآن! لن تستطيعي الإفلات مني " 

ترنحت حول زاوية الغرفة» ورحت أحرّك يدي في حاولة يائسة مني كي 
أتخلص من السلسلة الي تقيّد معصمي. تحرّلت في لحظة ورت رانسان آلي) 
حيث يتولى نظامي العصبي عصا القيادة. 

"أيتها الساقطة|" 

رأيئُه يقف ما بين وبين المدحل الأمامي» فاضطررت إلى اختصار طريقي» 
وتوجّهت نحو المطبخ! سيطرت علي فكرة واحدة: توحّهي نحو الأبواب 
الزحاحية! 

تحركت يدي اليمئ» وتحررت من السلسلة. 

"أيتها الساقطة! أنت ملكي الآن|” 


522 


وحدت نفسي في المطبخ بعد حطوتين» واحترقي ألم شديد محدداً اعتقدتٌ 

r,‏ رقب قد انخلعت. فلقد اندفعت ذراعي اليسرى إلى الأعلى بينما ارتدٌ 
سي إلى الوراء. إذ كان قد وضع يذه على السلسلة الي تقد ركني وجري 

و ل ا 

حاولت أن أحرّر عنقي بيدي غير المقيدة: لكن كلما جذبت السلسلة بعيدا 
عين» كلما جذب هو بقوة أكبر كي يخنقئ. تح ركت نة ويسرة لكن السلسلة 

بدأ ذب السلسلة ببطيء وهكذا وجحدت نفسي أقترب منه أكثر فأكثر. 
أحسست بار تحاف جسده وارتعاشاته مع تذبذب السلسلة. أحذ يقصّر قيدي حلقة 
فحلقة. بدأت أشعر بالدوحة» واعتقدت بأنئي على وشك أن يُغمى علي. 

جاء صوته كالفحيح: "سأحاسبك على ذلك أيتها العاهرة!" 

بدأت أشعر بالوحز في وجهي وأطراف أصابعي نتيجة افتقادي إلى 
الأ و كسجين» وأحذت أذناي بالطنين» مثل طبل فارغ. أحسست بالغرفة تدور من 
حولي. تناثرت بقع كثيرة في منتصف حقل الرؤية عندي» وما لبشت أن تحمعت» ثم 
اشرت خارجاً مثل الغيوم الركامية السوداء. رأيتُ من خلال الغيمة المتراكمة 
بلاطة ف تتجه صوبي ببطء. شاهدت يدي تمتدان اا أثناء اندفاعي إلى 
الأمام. حسبت نفسي مضيفاً عدم الحس يتعثر براكبه الطفيلي. 

اصطدم بطب بطاولة المطبخ أثناء تقدمنا البطيء وارتطم رأسي مخزانة معلقة. 
أرخى الرحل قبضته على السلسلةء لكنه ظل يتقدم من خحلفي. 

وقف الرحل خلفي تماماً بعد أن باعد ما بين رجليه» فدفعين هكذا نحو طاولة 
الطبخ. اصطدمت بغسالة الأطباق من الوسط فالمني كثيرأ» لكني تمكنتُ من 
التنفس. 

بدأ صدره يعلو ويهبط» وأحسست بتوتر كل عضلة من عضلاته؛ فبدا مثل 
وتر القوس الذي شد كي يطلق رمحه. استعاد فة عل السلسلة فر كة وائرية من 
معصمه» كما دفع برأسي إل كلت ركه ميحد E a‏ 
ذلك» ووضعهما حول رقبي واضعاً طرف السكين تحت زاوية فكّي. أصبح شرياني 
السباتي تحت رحمة الفولاذ البارد. شعرت بأنفاسه تضرب حدي الأيسر. 


523 


أمسكبي لفترة خلتها دهرأء بقي رأسي مشدوداً إلى الخلف» بينما تدلت يداي 
في حالة عجز عن القيام بأي شيء» وبدتا مثل جثة معلقة بخطّاف. حلت أنئ 
أراقسب نفسي من خليج واسع» أي أن كنت مثل متفرحة مرتعبة» لكنها عاجزة 
و 

وضعت يدي اليمئ على طاولة المطبخ» > وحاولت أن أدفع باتجاهها كي أرفع 
جسسمي» افق من وؤطأة اة لمست شيعا موضوعاً على سطح الطاولة. 
كانت علبة عصير البرتقال» بينما استلقى السكين إلى جانبها. 

بصمت» التفت أصابعي حول المقبض. حاولت أن أنشجء وتظاهرت بالأنين. 
أردت تحويل انتباهه. 

"اهدئي أيتها الساقطة! سنبداً بلعبتنا الآن. أنت تحبين الألعاب» أليس 
كذلك؟" 

أدرت السكين بعناية شديدة» ورحت أن بصوت عال كي أحفي أي حفيف 
E E‏ و : 

أرتعشت يدي فترددت قليلاً. 

فا ريت النساء من جديد» وتخيّلت ماذا فعل يمنّ. شعرت بالرعب الذي 
أحسسن به وعرفت ماذا ر يعن اليأس النهائي. 

افعليها! 

تدفق الأدرينالين» وانتشر في أنحاء صدري وأطراق» مثلما تتدفق الحمم فوق 
سفح الحبل. صمّمت ألا أموت كجرذ في حفرة إذا ما كتب الموت على باو 
وأنا أهاجم عدوي وسط دوي الينادق. عاد عقلي للتركيز» فأصبحت مشاركة 
فَعَالَة في صنع مصيري. تمسكت بالسكين بقوة شديدة» ووجهت ت النصل إلى 
الأعلى» ثم قدرت الزاوية. قفد بك وما ر لقا و ناا من فوق جسدي 
وكتفي اليسرى» وحمعت أشتات قوق من الخوف» واليأس» والرغبة بالثآر. 

اصطدم حد السكين بالعظم. انزلق قليلاًء ثم انغرز في طراوة هشة. لم تكن 
م ا يها دک اما قوت بالصرحة الي انطلقت من حنجرته الآن. 
اندفع إلى الخلف بينما نزلت يده اليسرى إلى الأسفل» وأحسست بيده اليمئ عر 
من فوق عنقي. وتساقطت فاية السلسلة على الأرض فأرحت قبضتها المميتة. 


524 


شعرت بأل في أنحاء عنقي» ثم أحسست بشيء رطب. لم أهتم لذلك» لأن الشيء 
الوحيد الى احتجته كان الحصول على المواء. حصلت بيأس على جرعات منه» 
ومددت يدي كي أتحرر من حلقات السلسلة وأحسست .ما تأكدت من أنه دمي أنا. 

ع ما كانت صرخة غريزية» مثل صرخة 
الوت الي تصدر عن حيوان مفترس. تشبشت بطاولة المطبخ» ETE‏ 
ثم التفت كي أنظر. 

رأيته مترغاً إلى الخلف عبر المطبخ واضعاً يده فوق وحهه» بينما مد يده 
الأحرى كي يحافظ على توازنه. انطلقت أصوات مريعة من فمه المفتوح أثناء 
ارتطامه بالجدارء وذلك قبل أن ينزلق ببطء نحو الأرض. تركت يده المدودة ثرا 
أسود اللسون على الجدار. ظل رأسه» لبرهة» يترنح إلى الخلف وإلى الأمام ثم 
تصاعدت أنة حافتة من حنجرته. انسدلت يداه إلى الأسفل» واستقر رأسه؛ بينما 
تدلت ذقنه نحو الأسفلء أما عيناه فتركزتا على الأرض 

وقفت جامدة في هذا السكون الذي حل فحأة: ولم أسمع سوى أصوات 
أنفاسي اللاهثة» وأنينه المتلاشي. بدأت بإدراك الأشياء المحيطة بي من حلال ألمي: 
حوض جلي الأطباقء الموقدء الثلاجة. كانت كلها غارقة في سكون مميت. شعرت 
یرن ای من فی 0 

حدقت في هذا الجسم الملقى بلا حراك على أرضية مطبخي» ورأيت ساقيه 
الممددتين إلى الأمام» بينما استقرت ذقنه على صدره» أما ظهره فكان مستنداً إلى 
ا و ا E‏ فل مید افيه اخ يده 
اليسرى. 

ومض البرق مثل مشعل التلحيم» فأنار كل شيء في المطبخ. 

بدا حسده آمل نكرل قل كل لرن الأزرق الذي غلفه. امتد غشاء 
باللونين الأزرق والأحمر فوق رأسه» فبدا شعره ملبداً فتحوّل رأسه بذلك إلى شكل 
بيضاوي عدم الملامح. 

برز مقبض سكين اللحم من عينه اليسرى» فظهرت السكين مثل عصا علم 
رفعهت على مساحة للعبة الغولف. انسابت الدماء من وجهه ورقبته» فجعلت 
كنزته قاتمة اللون. لاحظت أنه توقف عن الأنين. 

525 


أحسست بها يشبه الاختناق» وعادت تلك البقع الي لا حصر لها إلى جال 
بصري. شعرت بارتخاء في ركبيّ» لذلك حاولت الاستناد إلى طاولة المطبخ. 

حهدث كي أتنفس بعمق أكبر» ورفعت يدي إلى عنقي كي احص من 
السلسلة: احسست بازوجة حارة. أنزلت إحدى يدي وخدفت بيدا أوى 
نعم. أنا أنزف. 

تحركت باتحاه الباب» وشغلت تفكيري بكاي» وبالحصول على المساعدة 
ا تسمرت في مكاي عند سماعي صوتاً مفاحثاً. معت انزلاق الحلقات 
الفولاذية! وومضت الغرفة باللونين الأبيض والأسود. 

شعرت بالعجز عن الركض فالتفت خلفي. تحرك نحوي؛ بصمت» ظل داكن. 

معت صوي أناء ثم رأيت آلاف البقع» كبا لذت اة سردا كل ااا 
امحيطة بي. 

سمعت» من بعيد» عويل صفارات الإنذار» وتناهت أصوات مختلفة إلى معي. 

شعرت بضغط فوق حنجري. 

سباي بدي اشر طرق انح فوقي شكل ما. شعرت بيد تضغط 
على عنقي. 

من هو هذا الشخص؟ وأين أنا؟ هل أنا موحودة في غرفة معيشي؟ عادت إلي 
بعض الذكريات» وشعرت باهلع. بذلت مهرد كبيراً كي أجلس. 

”انتبهوا. انتبهوا. إها على قيد ا حياة" 

شعرت بأيد تضعْي على الأرض. 

یت ر ا لل م أتوقع سماع هذا الصوت لأنه كان من حارج 
دائرة صداقاني. 

"لا تتحركي. حسرت كمية كبيرة من الدماء» لكن سيارة الإسعاف في 
طريقها إلى هنا". 

إنه كلوديل. 

"أين؟ أنا..." 

"أنت بأمان بعد أن قبضنا عليه". 

فال شاريوتيو: "أو على ما تبقى منه". 

526 


"أين كاي؟" 

"استريحي الآن. هناك حرح في حنجرتك» وفي الجهة اليمى من رقبتك. 
ستنزفين إذا ما حرّكت رأسك. حسرت كمية كبيرة من الدماء. لا نريد أن 
نخسرك الآن". ١‏ ّْ 

'وماذا بشأن ابني؟" 

طافت وجوه الحاضرين من فوقي. ومض البرق في تلك اللحظة» فظهرت 
وجوههم باللون الأبيض. 

راح قلي ينبض بشدة» وشعرت بالاحتناق: "أين كاي؟" 

"إا بخير» وتتلهف كي تراك لكنها الآن برفقة أصدقائها". 

"اللعنة!" ترك كلوديل بعيداً عن الأريكة. أي ن أصبحت سيارة الإسعاف؟" 

مشى نحو الغرفة وتطلّع نحو شيء ملق على أرض المطبخ» ثم عاد ونظر إلي 
وقد ظهرت ملامح غريبة على وجهه. 

تصاعد صوت سيارة الإسعاف بحيث ملا الشارع الصغير. مرّت لحظة قبل أن 
أرى الوميض الأحمر والأزرق حارج الأبواب الفرنسية. 

قال شاربونيو: "استريحي الآن. إنهم هنا. سنتأكد من أن ابنتك بخير. انتهى 
الأمر". 


527 








مازلت أعاني من ثغرة في ملفات ذاكرتي الرسمية. بغي اليومان التاليان في 
مكاهماء لكنهما تميزا بالتشوّشء» لكنهما خارج موقعهما الزمئ. يحتفظ هذان 
اليومان حجموعة مفككة من الصور والمشاعر الي ترد على ذه ثم تتلاشى من 
دون رابط منطقي. 

تذكرت وجحود الساعة وأرقامها الي لا تبت على وضع واحده والألم» 
واليدين اللستين تحرّاني» والفحص» ورفع حفون» والأصوات» ونافذة مضاءة» 
وأخرى غير مضاءة. 

تذكرتٌ الوجوه: وحه كلوديل الصلب الذي بدا وسط الضوءء ووجه جويل 
تاميو الذي واحه أضواء الشمس اللاهبةء ووجه رايان الغارق في لون المصباح 
الأسفر أقام ا اله علبي الأوواق م دي كنا آن اوران جهار لن 
الزرقاء قد انعكست هي الأخرى على ملامح وجهه. 

دخلت حسمي كمية من الأدوية تكفي لتخدير جيش بكامله» وهكذا صعُب 
علي أن أفصل ما بين فترات النوم بتأثير المهدئات وبين حقائق اليقظة. تمازحت 
الأحلام والذكريات ودارت مثل إعصار يدور حول مركزه. لم تنفع محاولات المتكررةء 
التي هدفت إلى ترتيب تحر كات في ذلك الوقت» في تصنيف صور هذين اليومين. 

عاد الاتساق إلى ذاكرتي بحلول يوم الجمعة. 

فتحت عييّ على ضوء الشمس الساطع» ورأيت ممرضة تعدّل انسياب الحقنة 
الوريدية. عرفت على الفور مكان تواجدي. أصدر شخصٌ ما يقف إلى يي 

528 


أصوات قرقعة حافتة. أدرت رأسي فشعرت بأل شديد. استنتجت ستنتجت من الأ م المتقطع 
في عنقي أنه من الأفضل لي أن أمتنع عن الحركة. 

حلص راان على كرسي بلاستيكي» وانممك بإدخال معلومات إلى حاسوب 

جيب (منظم) يحمله في يده. 1 

"مل سأعيش؟" بدت كلماقٍ هذه توعا فين التمكمة: 

قال مبتسما: "يا إلهي!" 

بلحت :ريق و کررت سوال کشت أن شفية فتضلتان وو ران 

تناولت الممرضة معصمي» ووضعت أطراف أصابعها فوقه» ثم حدّقت بساعة 
يدها. 

"مكذا يقولون". وضع رايان حاسوبه الصغير في جيب قميصه ونمض»ء ثم 
اقترب من سريري. "تعانين من ارتحاجء وتمرّق في الحهة اليمن من الرقبة والعنق» 
بالإاضافة إلى حسارة كمية كبيرة من الدماء. سبع وثلاثون قطبة على يد أمهر 
الجراحين. توقعات ما بعد العلاج: اخنان > 

نظرت إليه الممرضة بنظرة توبيخ» وقالت قبل أن تغادر: "عشر دقائق". 

احترق جزء من ذاكرتي حاجز الأدوية. 

"أين كات؟" 

ستريحي الآن. ستكون هنا بعد قليل. سبق لما أن جاءت إلى هنا من قبل» 

لكنك لم تكون واعية". 

ت تجو اة 

"حضرت إلى الشقة مع صديق ها قبل مغادرتك بسيارة الإسعاف. قالت إنه فى 
تعرفه من ماك جيل. كان قد سبق لما أن حضرت إلى شقتك في ذلك المساء» لكن من 
دون أن تحضر المفتاح معها وتمكنت من الدحول من خلال الباب الخارجي. يبدو أن 
أحد جيرانك لا يهتم بإجراءات الأمن". شبك إهامه بحزام سرواله. "لكنها لم تتمكن 
من الدحول إلى شقتك. اتصلت بمكتبك من دون نتيجة» ولذلك تركت حقيبتها كي 
تعلمك بأها وصلت إلى المدينة» ثم انضمّت إلى صديقهاء أيتها السيدة الوالدة! 

أرادت أن تعود وقت الغداءء لكن هبوب العاصفة منعهاء وهكذا بقي 
الرفيقان في هيرلي» وتناولا بعض المشروب. حاولت أن تتصلء لكنها لم تفلح. 

529 


كادت تنهار عندما وصلت إلى الشقةء لكنئ استطعت أن أهدئها قليلاً. كلفتٌ 
أحد أفراد الشرطة المولحين بمساعدة الضحايا كي يظل على اتصال معهاء وكي 
يعلمها بالمستجدات. عرض عدة أشخاص استضافتهاء لكنها فضّلت البقاء برفقة 
صديقها. اعتادت الحضور إلى هنا كل يوم وتريد أن تراك بأي طريقة". 

ذرفت دموع الارتياح رغم حاولي منعها. حصلت على منديل ورقي» ونظرة 
تعاطف من رايان. بدت يدي غريبة بعض الشيء فوق غطاء السرير الأحضر 
اللونء فظهرت وكأنها يد شخص آخر. أحاط سوار بلاستيكي .معصمي. تمكنت 
من ملاحظة وجود بق ی اا يق اوی 

عادت إلي بعض شذرات من ذاكري. رأيتُ وميض البرق» ومقبض السكين. 

"ماذا حدث مع فورتييه؟" 

"سنتحدث عنه لاحقا". 

"بل الآن". ازداد الألم رق اد ركت أن لا مزاج لي لتبادل الحديث لمدة 
طويلة» كما أن فلورنس ناتينجايل ستعود بعد وقت قصير. 

"انحن لودل قوز کا 
نصل السكين جرح وقب العينء لكنه انزلق نحو العظم الغربالي؛ الذي يقع في 
مقدمة الدماغ» لكن من دون أن يخترق الجمجمة. سيفقد الرحل عينه» لكن جيوبه 
الجبهوية ستظل سليمة". 

"يا لك من مشاغب يا رايان!" 

"دحل الرجل إلى بنايتك من خلال باب المرآب الذي لا يقفلء ثم انتزع قفل 
باب شقتك. لم يتواجد أحد غيره في الشقة» وهكذا تمكن من تعطيل جهاز الأمان» 
وقطع الطاقة الكهربائية عن الشقة. لم تلاحظي ذلك لأن جهاز الحاسوب عندك 
يعمل على البطارية تلقائيا عند انقطاع الطاقة عنه» كما أن هاتف المنزل لا 
يرتبط بالكهرباءء ما عدا وحدة الحاتف النقالة. لا بد أنه قطع حط الماتف بعد أن 
أجريت مكالمتك الأخيرة. يُحتمل أن الرحل كان في الشقة عندما حاولت كان أن 
تفتح الباب من دون طائل» وهو الأمر الذي اضطرها إلى ترك حقيبتها". 

شعت بوحرة يارد ة من الوقن يذ كرك اليد الساحعة»وذلك الطوق الاق 

"أين هو الآن؟" 

530 


"'إنه هنا" . 

جهدت لأجلسء لكنئ شعرت بام في معدني. دفعني رايان برفق نحو 
الوسادة. 

'يخضع الرجل لحراسة مشددة» يا تمب. لن يتمكن من الذهاب إلى أي 
مكان". 

قلت بصوت مرتحف: "هل هو سان جاك بذاته؟" 

اهدي ا 7 هذا الموضوع". 

فَكَّرتُ بطر ح ألف سؤالء لكن الأوان فات لذلك إذ أحسست اني أعود 
إلى دائرة الفراغ ال أحاطت بي في اليومين الماضيين. 

عادت الممرضة ورمقت رايان بنظرة توبيخ. ل أشاهده وهو يغادر. 

رأيت؛ عندما استيقظت في المرة التالية» رايان وكلوديل قرب نافذة الغرفة 
يتحدثان بمدوء. سادت الظلمة في الخارج. كنت أحلم بجويل وجولي. 

"هل حضرت جويل تامبو إلى هنا؟" 

التفت الرحلان نحوي. 

أجاب رايان: "أتت يوم الخميس". 

"وماذا بشأن فورتييه؟" 

"نقلوه من هنا بحالة حرجة". 

"هل اعترف بشي ء؟" 

"أحل". 

"هل هو سان جاك بذاته؟" 

"أجل". 

قال أيه" 

"أعتقد أنه يمكننا تأحيل الحديث هذا إلى أن تتحسن صحتك". 

"أخبري". 

تبادل الرحلان النظرات» ثم اقتربا مي. تنحنح كلوديل. 

"يدعى الرجل ليو فورتييه» ويبلغ الثانية والثلاثين من عمره. يعيش في الجزيرة 
مع زوجته وولديه. يتنقل بين وظيفة وأحرى» لكنه لا يشغل وظيفة ثابتة. تورط 

531 


هو وغرايس داماس في علاقة غرامية في عام 1991 . التقيا أثناء عملهما في ملحمة 
(محل جزارة)". 

"تدعى لا بوشيري سان دومينيك". 

نظر كلوديل إل بغرابة: 'وي. ساءت الأمور بينهماء فهدّدته بإبلاغ الزوجة 
بالعلاقة» وبدأت في ابتزاز الأموال من عشيقها. وصل الرحل إلى نقطة لم يعد يقدر 
بعدها على احتمالها. عندها طلب منها أن تلاقيه في الملحمة بعد ساعات عديدة. 
قتلها هناك وقطع جثتها". ا 

"إها مخاطرة كبرى". 

"كان المالك حارج المدينة» لذلك أقفل الحل لعدة أسابيع. تتواحد كل العدّة 
الضرورية في الحل. قطع جنتها على أي حال نقلها إلى سان لامبرت, ثم دفنها في 
أرض الموناستير. يبدو أن حاله هو المكلّف بالإشراف على الموناستير وأراضيه. إما 
أن العجوز قد أعطاه المفتاح» أو أن فورتييه قد ذهب من تلقاء نفسه". 

"هل يدعى العجوز إميل روي؟" 

اوي : 

رمق بالنظرة ذاتها ججددا. 

قال رايان: "هذا ليس كل شيء. استخدم الموناستير من أجل الإيقاع بتروتييه 
وغاغنون. أحذها إلى هناك وقتلهماء ثم قطع حسديهما في الطابق السفلي. نظّف 
المكان بنفسه» وهكذا لم يشاك روي بشيء. لكن عندما قام جيلبير ورجاله هذا 
الصباح برش الطابق السفلي برذاذ اللومينول» اشتعل المكان مثلما يشتعل جمهور 
لعبة أورانج بال بالحماسة في وقت منتصف الباراة". 

قلت: "وهكذا استخدم الطريقة ذاتَا للدحول إلى لا غراند سيميناير". 

"أحل. يقول إن الفكرة خطرت على ذهنه عندما كان يلاحق شانتال 
تروتييه. يقع منزل والدها قرب المنعطف. يحتفظ روي بلوحة في الموناستور 
تحتوي على مختلف مفاتيح دار العبادة» وكلها مرتبة ومعلقة على خطافات. أخذ 
فورتييه المفتاح الذي يريده بكل بساطة". 

قال رايان: "أوه. قال جيلبير إنه يحتفظ منشار طهاة من أحلك. أضاف إنه 
يلمع". 


532 


لايد أنه راق كينا ف :وجهي: 

"أنا متسشوقة للخروج". بذلت أقصى جهديء لكن دماغي المتضرر شرع 
بالتراجع جحددا. 

دلت الممرضة إلى الغرفة. 

قال كلوديل: "إنه حديث رجال الشرطة". 

وضعت ذراعيها فوق صدرها بشكل متصالب» وهرّت رأسها. 

"ارجا من فضلكما". 

قادت الممرضة الرحلين إلى حارج الغرفة بسرعة, لكنها عادت بعد برهة. لم 
تعد وحدهاء لأا اصطحبت كان معها. عبرت ابن الغرفة من دون أن تقول أي 
كلمة» وشبكت يدي الاثنتين بيديها. ملأت الدموع عيئ. 

قالت بصوت خافت: "أحبك يا أمي". 

اكتفيت بالنظر إليها لبرهة ل م ا 
في أعماقي: لحب الامتنان» العجر. أحب هذه الفتاة كثيرا أكثر من كل شيء 
آحر في هذا العالم» وأتمئى ها السعادة من كل قلبي» كما أريد ها أن تكون بأمان. 
شعرت بأنني عاجزة تماماً عن تقلع أي من هذين الأمرين لها. أحسست بالدموع 
بحري على حدي. 

"وأنا أحبك يا عزيرتي". 

درف کی وجلست عحاذاة سريري» لكنها ل تترك يدي. عكس ضوء 
الفلوريسينت هالة من اللون الأشقر حول رأسها. 

تنحنحت وقالت: "أقيم الآن عند مونيكا. إها تقصد ماك جيل من أجل 
دراستها الصيفية» وتعيش في منزها. تعن أسرقا بي حيدا". سكتت قليلةٌ 
وترددت ف ما تقوله وما لا تقوله. "بمكث بيردي معنا". 

تطلعت نحو النافذة» ثم عادت بنظرها نحوي. 

"يتصل بي رجحل فر مرتين في اليوم» وهو مستعد لإحضاري إلى هنا مى 
أريد". انحنت إلى الأمام وأسندت ساعديها على السرير. "لم أحدك مستيقظة في 
أحيان كثيرة". 

533 


"أنوي أن أتحسّن". 

ابتسمت بعصبية: "يتصل بي والدي كل يوم كي يتأكد إن كنت أحتاج 
شیا وليسأل عنك". 

انضمت مشاعر الذنب والخسارة إلى المشاعر الأحرى الي عصفت بي: "أبلغيه 

عادت الممرضة هدوء ووقفت إلى حانب كان الي وقفت بدورها وهي 
تقول: "سأعود غدا". 

حصلت على الدفعة التالية من أخبار فورتييه في الصباح التالي. 

"أقدمالرجل منذ أعوام عدة على ممارسات جنسية غير مشروعة. يرجع 
سكل أعماله هذه إلى العام 1979. أقدم على احتجاز فتاة لمدة يوم ونصف اليوم 
يكيديا مساوق اا عع نج عدي لكل ف دون آنا کی نينا عر صيلية 
الخطف. لم ترفع الحدة الأمر إلى القضاء لذلك لم يتضمن سجله إلقاء القبض عليه 
في تلك الفترة. اعتاد الرحل أن يختار امرأة» ويلاحقهاء ثم يسجّل أنشطتها. قبض 
عليه أخيراً بتهمة تنفيذ اعتداء في العام 1988..." 

"الجدة" , 

تلقيت نظرةً أخرى من نظرات كلوديل المعتادة. لاحظت أن ربطة عنقه 
ا ا اما و ا فكع ي 

'وي. أمرت المحكمة بتعيين طبيب نفسي لمعاجحته في وقت وصفته فيه بأنه 
رجحل مذعورٌ ومولع بالإكراه". التفت نحو رايان وقال: "ماذا كتب ذلك 
الطبيب النفسي إضافة إلى ذلك؟ الغضب العارم» قابلية للعنف» وعلى الأخحص 
تحاه النساء؟" 

"هذا السبب حُكم عليه بالسجن ستة أشهر قبل أن يُطلق سراحه. إنه أمر غير 
تعر ت ٠‏ 

اكتفى كلوديل هذه المرة بالتحديق بي. فرك عينيه في منطقة أرنبة أنفه ثم 
تابع حديثه. 

"ني ما عدا أن الأمر يتعلق بفى وجدته. لم يفعل فورتييه» حي هذه المرحلة 
أشياء تتعدى أموراً تافهة. استعجل الرجل كثيراً في قتل غرايس داماسء وقرّر أن 

534 


ينتقل إلى أشياء أكثر أهمية. عمد الرجل إلى استئجار أول مخبأ له. أما ذلك المخبأ 
الموحود في شارع بيرغر فهو أحدث مركز له". 

علق رايان: "لم يرغب الرحل أن يتشارك هوايته مع تلك السيدة الصغيرة الي 
تشاركه منزله". 

"كيف استطاع تأمين قيمة الإيجار من وظيفة بدوام جزئي؟" 

اليد رجي فوطي يُحتمل أنه ينتزع قيمة الإيجار منهاء بعد أن يلقق ها 
کک نا بج أن تكرن لديهواية اجر يلها حشرت فال ار 
بالتأكيد". 

تابع كلوديل روايته تفاصيل القضية بشكل حيادي. 

"بدا ني العام التالي .علاحقة قة النساء جدياًء وبشكل منهجي. كنت على حق 
بشأن المتروء ويبدو أنه يحب الرقم ستة. يبدأ الرحل بتجاوز ست محطات» ثم 
يلاحق امرأة تتناسب مع المواصفات الي يضعها. كانت فرانسين موريسيت - 
شامبو ضحيته العشوائية الأولى. إذ كان يستقل عربة المترو في محطة بيري - جامعة 
ا E‏ ا ا لا 
منزها. يستمر الرحل في تتبع المرأة لأسابيع عديدة قبل أن يبدأ بالانقضاض 

فكرت في كلماته وشعرتُ بوجة من الغضب. ارات تلك الرأة. أن مشر 
بالأمان» وأن أحداً لا يستطيع إيذاءها و ِن هذا هو أقصى ما تحلم به 
الأنثى. أعادني صوت كلوديل إلى عالم الواقع. 

"حمل هذا النوع من الملاحقة قة اطرة كرى لأنه لا يستطيع التحكم به. 
خحطرت على ذهنه فكرة TS‏ العقارات عندما رأى وا ا 
معلقة أمام منزل موريسيت - شاميو. إنها العذر المثالي الذي يمكنه من الدحول 
إلى المنازل". 

شعرت بألم كبير في أعماقي: "وماذا عن تروتييه؟" 

"تروتييه. قرّر الرحل استخدام الخط الأحضر هذه المرة. عبر ست محطات» 
وترجّل في آتواتر. استمّر بالتجوال حي شاهد لافتة. كانت لافتة تعرض منرل 
والدها للبيع. واظب على المراقبة بصبر كبير» وراقب شانتال في ذهايها وإياجا. 

535 


يقول ذلك الحرم بأنه لاحظ وجود شعار مدرستها على الزيّ الذي ترتديه» ودفعه 
هذا إلى الذهاب إلى مدرستها لأيام عديدة. ونصب كمينه بعد ذلك". 

علق رايان: "وحد الرجل في هذا الوقت مكاناً أكثر أماناً يصلح لقتل 
ضحاياه". 

"الموناستير. إنه المكان المثالي لحذه الغاية. لكن» كيف استطاع إقناع شانتال 
بالذهاب معه؟" 

"تربّص ها في أحد الأيام حي تأكد أا وحدها. قرع الجرس» وطلب رؤية 
الشقة. قال إنه يرغب بشراء المنزل ويريد أن يراه من الداحل» لكنها رفضت أن 
تسمح له بالدحول. رآها بعد ذلك بأيام وهي تغادر المدرسة؛ وسار إلى جانبها. يا 
لما من صدفة! ادعى بأنه على موعد مع والدها الذي تخلف عن الحضور. تعرف 
شاتتال مدى تلهف والدها لبيع اللزل» وهكذا وافقت على مرافقته. نعرف ما 


تبقى من تفاصیل . 
أ مصباح الفلوريسينت فوق سريري» واستمر بإصدار صوت حافت. تابع 
كلوديل حديثه. 


"لم يرغب فورتيبه في دفن جثة أخرى في أراضي الموناستيرء وهكذا ساقها 
عسات جيروم. لم يعجبه ذلك المكان أيضا. فد أن قيادة الشيارة تة رهن 
طويلا > كما وضع في حسبانه أن يتم توقيفه من قيّل الشرطة. سبق له أن رأى 
مدرسة الموناستير» وتذكر المفتاح الذي يسمح له بدخوله. صمّم أن يرتب المسألة 
بطريقة أفضل قي المرة القادمة". 

أأتعى غاغنون؟" 

"تعلم الرحل بطريقة منهجية". 

"'هكذا إذا". 

فرت لر هة ق تلك اللحظة لكا بدت اضف سا :ر الط ا كانت 
عليه في الأيام السابقة. قرأت ملخص التقرير عن حالي» ووضعت يدها على 
جبهي» وقاست معدل نبضات قلي. لاحظت للمرة الأولى أن الحقنة الوريدية قد 
احتفت عن ذراعي. 

"هل أنت متعبة؟" 


536 


"أنا بخير". 

"تستطيعين الحصول على دواء آحر مضاد للام إذا أردت". 

قلت: "دعينا ف نت اانا ١‏ 

ابتسمت لي ثم غادرت. 

"وماذا حصل مع آدکینز؟" 

قال رايان: "إنه يشعر بإضطراب كبير عندما يتحدث عن آدکینز»› تيرم 
الصمت. يدر آنه تدر عا قله ا ریات الكن رر تحاهها يختلف كثيرً". 

رأيت عربة مليئة بالأدوية تعبر الممر» فيما دارت الدواليب المطاطية بصمت 
فوق بلاطه. ١‏ 

'لماذا كانت آدكينز حارج النمط المعتاد؟" 

حث صوت آلي أحد الأطباء كي يتصل بالرقم 237. 

لماذا كل هذا الاضطراب؟ 

فتحت أبواب المصعدء ثم تناهى إل أزيز إغلاقها. 

قلت: "لنفكر في هذا. يستخدم الرجل ذلك المكان في بيرغرء ويمتلك نظامه 
الخاص به والجاهز للعمل. يجد هذا المجرم ضحاياه في المترو» وإلى حانب لوحات 
للبيع. عو يدها ا حقة ضحاياه إلى أن تحين اللحظة المناسبة. إنه يمتلك مكاناً 
أا ند فيه راه کا تلك مكانا امنا يستخدمه لقاء جن ايا فيه. 
تسير الأمور على ما يرام في هكذا نظام» وهذا لم تعد هناك ضرورة للعجلةء 
وهكذا يندفع في مغامرات أكبر» ويقرّر أن يعود إلى منزل ضحيته» مثلما فعل مع 
E‏ شافيو, 

تذكرت الصور الفوتوغرافية» وبذلة التمارين الرياضية المجعّدة» وبركة الدماء , 
الداكنة حول الحثة. 

"أصبح الرجل مهملاً بعض الشيء. اكتشفنا أنه اتصل مسبقاً من أجل تحديد 
موعد مع مارغريت آدکینز. م يحسب حساب أن الزوج سيتصل أثناء زيارته 
هله. ترب عليه أن يقتلها بسرعة» كما كان عليه أن يقطّعها بسرعة أيضاًء وأن 
يستخدم أدوات قريبة من متناول يده لتنفيذ عملية التشويه. ا ا 
لکن بتسرّع؛ ومن دون أن يكون في حالة من يتحكم بالوضع". 

537 


تذكرت التمثال الصغيرء والثدي المقطوع. 

أومأ رايان. 

"يدو هذا منطقياً. ؛ يعتبر القتل آحر عمل يقوم به في سيناريو تخيلاته للسيطرة. 
يسمح له هذا او ا العا ويسمح له بإخفاء 
حثتها أو عرضهاء ويستطيع الحم ا اران ا ورا 
هديهاء أو تدمير مهبلها. يستطيع أب يضاً أن يجعلها عاجزة تماما عن طريق قطع 
يديها. لكن الروج يتصل فجأة» ويهدّد بتدمير كل هذه الصورة الخيالية المثيرة". 

قال رايان: "أفسدت السرعة الأمر برمته". 

"لم يستخدم الرجل أشياء مسروقة قبل آدكينز. أعتقد بأنه استخدم 
بطاقتها المصرفية بعد ذلك كي يؤكد سيطرته على الأمور". 

قال كلوديل: "أو يُحتمل أنه عاق من مشكلة سيولة؛ وأراد أن يبتاع شيعا 
من دون أن يمتلك قوة شرائية". 

علق رايان بالقول 8 "ريدو الا عرياء لا أستطيع إثبات جرائمه الأحرى» 
لكنه كان سريعاً حداً مع آدکیسز". 

م يقل أحدٌ شيئا لمدة من الزمن. 

حاولت تحنب ما علي معرفته» فسألت: "وماذا عن بيتري وغوتيبه؟" 

"يدعي الرحل بأنه لم يقتلهما". 

ا رایان وكلوديل بضع کلمات» لكني لم أسمعها. احتاحتيٰ قشعريرة 
ملأت صدريء وما لبث أن بدأ سوال يتشكل في ذهين. بدأ السؤال بالتشکل» 
وعلق في ذهين» ثم انساب قبل أن يفرض صياغته بكلمات. 

"وماذا عن غابي؟” 

غض كلوديل بصره. 

تنحنح رایان. 

E 

فاضت الدموع من عيئ؛ لکن كرّرت: "ماذا عن غابي؟" 

أومأ رايان. 

ا" 


538 


جحهدت كي أحافظ على هدوء صوي: "يتعلق الأمر بي» أليس كذلك؟" 

قال رايات: "هنا المعتوه مغفل ثماماً. يجن كي يفرض سيطرته. لم ييعطنا إلا 
وهات قلا عن :طفو ممه" لک يكن عضا هديدا تامجن يف يضعب علينا أن 
ننسى ما قاله عند مغادرتنا. إنه يحمّل هذه الجدة مسؤولية مشاكله كلهاء ولا يتوقتف 
عن القول إا حطّمته. علمنا إها امرأة تحب فرض سيطر نما على الدوام» بالإضافة إلى 
أا امرأة متعصبة. أعتقد أن مشاعره بالعجز تعود إلى ما جرى بينهما في الماضي". 

قال كلوديل: "نستنتج من ذلك أن الرجل فاشل مع النساءء ويحمّل مسؤولية 
هذا الفشل إلى تلك العجوز". 

"لكن ما علاقة كل هذا مع غابي؟" 

بدا وايان مترددا في متابعة الحديث. 

"'استمتع نع فورتيسيه يه بالتنصص في البداية. كان يراقب ضحايا ثم يتتبعهن 
ويلاحقهن» ويعرف كل شيء عنهن» لکن من دون أن كران E‏ لربل 
بدفاتر ملاحظات» وقصاصات الحرائد» ثم كان تتح عرص خيالي في ذهنه. کان 
يستمتع أكثر عندما لا تكون هناك مخاطرة بالرفض. ولم يعد هذا كافيا في النهاية. أقدم 
بعدها على قتل داماس» فاكتشف أنه استمتع بقتلهاء ثم قرّر التوسّع مهنياً. . مضى 
الرحل في حطف ضحاياه وقتلهن» كي يحصل على أقصى قدر ممكن من السيطرة. إا 
لعبة الحياة والموت: يحتفظ بالسيطرة» ولا يمكن منعه من ارتكاب أي جرعة". 

حدّقت في بحر الحدقتين الزرقاوين. 

"أتيت أنت وكشفت جئة إيزابيل غاغنون". 

توقعت ما سيقوله» لذلك أكملت عنه: "إذأ كنت أمثل تمديدا له". 

"أفشلت نظامه بالکامل» شعر بوجود حطر كامل يتهدده» وتبيّن له أن ۰ 
الدكتورة برينان هي السبب. تمكنت أنت من تدمير تُخيلاته بكاملهاء وهي 
التحيلات الى تجعله اللاعب الأقوى". 

NG lg‏ الل ري 

'نبشتُ جئة إيزابيل غاغنون» وحدّدت هويتهاء في وقت مبكر من شهر 
حزيران. أقام فورتييه بعد ذلك بثلاثة افا عل فين رغرب آدكينز. 

539 


ظهرنا نحن في اليوم التالي في شارع بيرغر. اكتشفت هيكل غرايس داهاس 
العظمي بعدها بثلاثة أيام". 

"إذاً فهمت كل شيء". 

"إنه غاضب جدا" 

"بالضبط. إن المطاردة هي طريقته في إظهار كراهيته إزاء النساء..." 

قال كلوديل معلقاً: "أو كراهيته لحدته". 

"يحتمل هذا. اعتبرك الرحل عائقاً أمامه على أي حال". 

"بالإضافة إلى كوي ا أة". 

بدأ رايان بتناول سيجارة» لكنه تذكر المكان الذي يتواحد فيه. 

یاج خط ان كانت ار فرصو يعدن لعي لك 
استخدامه بطاقتها المصرفية كاد يكلفه كدير" 

"لهذا السبب احتاج إلى شخص كي يحمّله المسؤولية". 

"لا يعقرف الرحل بأنه انتهى» وبالتأكيد فهو لا يستطيع تحمّل وحود امرأة 
تعمل في سبيل القبض عليه". 

"لكن لماذا احتار غابي» وليس أنا؟" 

"من يدري؟ لعلها الصدفة؟ أو التوقيت؟ أو لعلها ظهرت أمامه قبلك". 

قلت: "لا أظن ذلك فمن الواضح أنه كان يطاردن طيلة فترة من الزمن. 
فلقد وضع جمجمة في حديقي, أليس كذلك؟" 

أومأ ابلتميع. 

"كان يستطيع انتظاري ثم ينقض علي بعد ذلك أي كما فعل مع الأحريات". 

قال كلوديل: "إنه بحرد نذل مهووس". 

"ل تكن غابي كالأحريات بالنسبة إليه» ولم تكن محرد ضحية عشوائية محتملة. 
عرف فورتيبه مكان سكين» كما عرف بأها تسكن معي". 

لاحظت بأني أتكلم مع نفسي أكثر ما كنت أتكلم مع رايان وكلوديل. 
تكوّنت عندي ما يشبه الحلطة العاطفية على امتداد الأسابيع الستة الماضية» 
لكنئ تمكنت من السيطرة عليها عن طريق الإرادة» لكنها كانت قدد بالانفجار 
في أي وقت. 


540 


"فعَلها عمدا. أرادتي ذلك النذل أن أعرف. كانت رسالة لي» أي مثلما 
كانت الجمجمة". 

بدأ صون بالارتفا ع من دون أن أتمكن من السيطرة عليه. نيلت وحود 
مظروف أمام باب شقيي» ومجموعة بيضاوية من الأحجار. رأيتْ وجه غابي المتورم 
بكل زخارفه الفضية الصغيرة. تيت أخيراً صورة ابني. 

اتر اا بالوي العاطفي ذو الغلاف الرقيق» فتدفقت من حلال ثقبه مقدار 
أسابيع من الحزن والتوتر المكبوئين. 

شعرت بوجود وخزات لا تحصى من الألم في حنجرق» لكنني صرحت: "لا! 
لا! لا! أيها النذل اللعين!" 

معت رايان يتكلم بحدة مع كلوديل» وشعرت بيديه على ذراعي. رأيت 
الممرضة. وشعرت بوحز الحقنة. ولم أشعر بشيء بعد ذلك. 


541 


43 


زارني رايان في منزلي مار الأربعاء. أنمت الأرض سبع دورات لها حول 
نفسها منذ ليلة الجمحيم الب مرّت علي» وهكذا أتيح لي أن أقوم بصياغة رسمية لما 
حدث معي. بقيت» رغم ذلك» بعض التغرات الي أردت تسويتها. 

"هل وجّهت التهمة إلى فورتييه؟" 


"وْجّهت حمس تمم قتل من الدرجة الأولى إليه نهار الإثنين". 
"همس ہ؟" 


"يحتمل أن لا تكون له علاقة بقنل بيتري وغوتييه؟" 

"أحبرني شيئاً. كيف عرف كلوديل أن فورتييه سيحضر إلى منزلي؟" 

"لم يعرف في الواقع. أيقن من أسكلتك حول تانغواي أنه لا يمكن أن يكون 
الفاعل. تفخّص هذا الأمر فوجد أن الأولاد يحضرون عند الثامنة وينصرفون عند 
الثالثة ومس عشرة دقيقة. حاز تانغواي على شارة الحضور المثالي. لم يتغيّب 
الج رعا واحدا مد أن بدا الل :"تاكن أيضًا من عدم وجوف أعطلات رة 
في الأيام الي سألت عنها. عرف كذلك عن قضية القفازات. ١‏ 

عرف أنك مكشوفة ولهذا أسرع بالعودة إلى شقتك. وصل إلى هنا وحاول 
الأتتصال بك هاتفياء فو جد معطا قفر كلوديل فرق بوابة اللنديقة وو جد أن 
الأبواب الفرنسية غير مقفلة. لم تستطيعا سماعه بسبب انشغالكما بالعراك. كان 
يستطيع كسر الزجاجء لكنك فتحت المزلاج عندما حاولت الإفلات منه". 

كلوديل. تحرك الرجحل لإنقاذي جحددا. 

542 


"هل استجدٌ شيء؟ / / 
"وجحدوا حقيبة رياضية ف سيارة فورتييه. احتوت هذه أطواقا حانقة» وعدة 
سكاكين تصلح للصيدء وصندوقا من القفازات الجراحية) وبجموعة من الثياب 


العادية". 
انشغلت في إعداد ثيابي أثناء تحدثه معي» ثم حلست على طرف السرير. 
"إا عدة عمله". 


"أحل. أنا متأكد من عثورنا على رابط ما بين القفاز الذي وحدناه في شارع 
بيرغر, والقفاز الذي كان مع جثة غابيء مع الصندوق الذي وجدناه في سيارته". 
تصورته في تلك الليلة الى كان يتحرك فيها بخفة الرجل العنكبوت» وتَخيّلت 
يديه تحت القفازين» ذوي اللون الأبيض بلون العظام وسط الظلمة الحالكة. 
"اعتاد الرجل أن يرتدي البذلة المنحصصة لرياضة قيادة الدراحات اهوائية 
عندما يقوم بأعماله» وحن عندما يكون في بيرغر. يفسّر هذا سبب بقائه نظيفاً 
بعد تنفيذه لحرائمه» فلا وحود للشّعرء ولا للألياف» ولا لأشياء غير ظاهرة". 
"ألم يجدوا حيوانات منوية؟" 
"أوه. يمتلك الرحل علبة مليئة بالواقيات الذكرية". 
"رائع!" 
توحهت إلى لكزانة كي اضر حذائي الرياضي القدسم» ووضعتّه في الحقيبة. 
"ولماذا فعل هذا؟" 
"أشلك في أننا سنعرف ف يوم من الأيام. يبدو أن الجدة كانت و د" 
"ماذا تععن؟" 
"كانت متشددة» ومتعصبة". 
ا أل امور" 
"الجنس والدين» ولا أهمية في هذا الترتيب بالضرورة". 
"أمكنك أن تعطيئ مثالاً على هذا؟" 
"اعتادت أن تعطي ليو الصغير حقنة» قبل أن تحرّه إلى دار العبادة كل صباح» 
وذلك بو لكل أن قط سين وروي ش 
"أتعني إخضاعه للبروتوكول الخاص يومياً؟" 


543 


"تحدثنا إلى أحد الحيران الذي تذكر أن الصبي كان يتصارع مع كلب العائلة 
على الأرض. كاد الشراب المعتق أن يسيل على الأرض ق إحدى المرات» لأن 
ذلك الكلب الألماني أصيب بضربة في مكان حساس من جسمه. تبيّن بعد مرور 
وو ا 

"وهل يتذكر فورتييه هذه الأمور؟" 

"لم يتحدث عن هذا الموضوع» لكنه تحدّث عن تلك الفترة من عمره عندما 
كتانق اتساب ويقوم بض ر كات غير اة ريطت اة ممصي البو ادر 
ععصميها ذات مرة» وظلّت تحول به لمدة ثلاثة أيام. يجن الرحل عندما يفكّر بأمر 
يتعلق باليدين". 

توقفت بغتة اثناء قيامي بطي كنزة. 

"اليدان". 

ا 

"مذاليس کل شيء. علمنا أن خحالاً له والذي سبق له أن كان رجحل دين؛ 
قد جر عن التعاعك ن عر ميك اعا هذا ا أن يتحول فق السترل يا 
زب ام تقد أن هذا حال :قد امشكل الي مر ضرع عر ارم الت 
التام حياله» لكننا نقوم بالتحقق من هذا الموضوع". 

"أين هي الحدة الآن؟" 

"ماتت قبل أن يقتل داماس بوقت قصير". 

"وما هو سبب موها؟" ّ 

"لا أحد يعلم". 

بدأت بتفخّص بذلات السباحة عندي» لكني توقفت عن ذلك ودسسسّها في 
الخقينة. 

"وماذا بشأن تانغواي؟" 

هرّرايات رأسه وأخرج نفساً عميقاً. "يبدو أنه جرد مواطن آخر يمتلك 
کا ا تحاه الأمور المتعلقة باللجنس". 

توقفت عن ترتيب جواربي ونظرت إليه. 

"إنه رحل يي منتهى الغرابة» لكنئ أعتقد أنه غير مؤذ". 

544 


"ماذا يعن هذا؟" 

"عمل الرجل أستاذاً لمادة الأحياء» وجمع الحيوانات الي تقتل على الطريق» 
وقام بغلي جثثهاء وركب هياكلها العظمية. حضّر هذا الأستاذ معرضاً لطلاب 
ا 

"ماذا بشأن المخالب". 

"حففها من أجل الحصول على مجموعة من تخالب الفقاريات". 

"هل قتا إلسا؟" 

"يدعي بأنه وحدها مقتولة في الشارع قرب جامعة كيبيك ومونتريال» وأنه 
أحضر جثتها إلى المنزل كي يضمها إلى مجموعته. قال إنه قطّعها عندما قرأ المقالة 
الواردة في الغازيت. أضاف بأن المقالة أشعرته بالخوف» لذلك وضع الجثة في 
الكيس» وتركها قرب محطة الباصات. أعتقد بأننا لن نعرف أبدا كيف أخرجها من 
المختبر". 

"إن تانغواي هو زبون جولي. ان كذلك؟" 

"نعم بالتأكيد. لاك ا ب E‏ 
ويجعلها ترتدي ثياب نوم والدته. كما أن.. 

تردّد قليلاً هنا. 

"كما ان ماذا؟" 

"هل أنت مستعدة لما سأخبرك به؟ إِنْ تانغواي هو شبه رجل". 

"كلا. هل كان يتسلّل إلى غرف النوم؟” 

امت الآمر إذا. هذا هو السبت الذي عله عاف عندما فنا باستحوابه. 
طن اندها ميض عليه لهذا السبب. تررّع ذلك النذل المغفل الصغير بسرد أمور 
كثيرة بنفسه. يبدو أنه يستخدم خحطته البديلة عندما يفشل في العثور على مبتغاه في 
الشارع". 

تعن أنه يعسلل ويسرق تیاب نوم أي امرأة أخيرى ؟" 
"نعم» حزرت. اعتيرَ أن الك عر عمل أنضل ن القيام بأمور أخرى". 
بقي ١‏ هناك ام آحر يقلقئ. 
"وماذا بشأن المكالمات اهاتفية؟" 


545 


"إا الخطة الثالثة. يتصل هاتفياً بامرأة» ويقطع المكالمة» ويستمتع عندما تشعر 
المرأة بالحوف. إنه نوعٌ نموذجيّ من التلصّص. بمتلك الرجل لائحة طويلة مليئة 
بأرقام هاتفية". 

"هل هناك فرضية في كيفية حصوله على رقمي أنا؟" 

'"يحتمل أنه انتزعه من غابي, الى كان يتلصص عليها 

"هل فعل ذلك عن طريق الصورة الي وحدقا في سلة مهملاتي؟” 

"بحب تانغواي الفن الأصيل. كانت الصورة نسخة عما رآه في أحد الكتب. 

فعل ذلك كي يعطيها إلى غابي. أراد أن يطلب منها أن لا تستبعده عن مشروعها". 

نظرت إلى رايان: "اليش من مرو الالو أن« فته باو كيدها واعذا 
يطاردهاء في حين أن شخصين كانا يطاردافا". 

أحسست بالدموع تملا عييّ. بدأت تتكوّن عندي تلك الندبة العاطفية» لكنها 
كانت ما تزال في بدايتها. سيمّر بعض الوقت قبل أن أتمكّن من التفكير فيها. 

فض رايان وتمطى: "أين كان الآن؟" طرح علي هذا السؤال كي يغير 
الموضوع. 

"ذهبت لإحضار بعض المستحضرات الخاصة بالسمرة". سحبت الزمّام 
الخاص بالحقيبة إلى مايته» ثم ليها أرضاً. 

"وكيف تسير الأمور معها؟" 

"تبدو بخير. إها تعتي بي وكأنها ممرضة خخاصة منتدبة". 

حدشت» کو اظ الموجحودة ثي عنقي. 

يتعبها الواقع بأكثر نما تُظهر. كانت تعرف أن العنف موجود في هذا العالم» 

لكنه العنف الذي يظهر في نشرات الأأخحبار المسائية. كانت تشاهد مناظر العنف قي 
حنوب لوس آنجلوس, والقدس» وسراييفو. اعتبرت أن العنف هو شيء يحدث 
للأحرين. تقصّدت أنا رعق أن نبقيها بعيدة عن أخبار أعمالنا. تغيّر الأمر الآن» 
فالعنف أصبح متا ول وا ا لقد انقلب عالمهاء لكنها ستعتاد الواقع 
الجديد". 

"وأنت؟" 

اا حي فر 


546 


رقا سبيت و حدقا يعفا بعضا لبرعة من ا فت ارول رة يعن ذلك 
وطواها فوق ذراعه. 

"هل أنت ذاهبة إلى شاطئ البحر؟" م يقنع عدم اكتراثه الذي أظهره. 

"سنقصد شواطئ كثيرة في جولتنا هذه الي أطلقنا عليها اسم مغامرة البحث 
عن الرمال والأمواج العظمى. سنذهب أولاً إلى أوغونكويت» ثم ستعرّج نزولا 
إلى شواطئ كايب كود. ریهوبیث» كايب ماي» وشاطى فيرجينيا. نخطط أيضا 
أن نصل إلى ناغز هيد في الخامس عشر من هذا الشهر". 

رتب بيقي هذه الجولة» وهو يخطط للانضمام إلينا. 

وضع رايان إحدى يديه على كتفي. أوحت لي عيناه بشيء يتعدى اهتمام 
زملاء المهنة ببعضهم 57 

"هل ستعودين إلى هنا؟" 

طرحت هذا السؤال على نفسي طيلة هذا الأسبوع. هل سأعود؟ أعود إلى 
ماذا؟ هل أعود إلى عملي؟ هل أستطيع تحمّل جولة أخرى مما مررت به» ولريما 
على يد معتوه آخر؟ هل أعود إلى كيبيك؟ هل أستطيع أن أتحمل ملاحقة كلوديل 
لي عندما يضعي أمام لحنة تحقيق؟ ماذا سيحدث بقضية زواحي؟ تقع صلاحية هذه 
القضية خارج حدود كيبيك وماذا سأفعل مع بيتي؟ وعاذا سأشعر عندما أراه؟ 

اتخحذت قرارا واحدا: لن أفكر بكل هذا في الوقت الحاضر. أقسمت على 
وضع كل الشكوك المتعلقة بالغد القريب جانباً» وأن أترك الوقت الذي أمضيه مع 
کان من دون منغصات. 

أحبت: "سأعود طبعاً. أريد إفاء كل التقارير» ثم الإدلاء بشهادن". 

ا 

مرّت فترة صمت مليئة بالتوتر. عرف كلانا بأن هذا ليس بجواب. 

تنحنح» وه يذه إل شيب سار 

"طلب مين كلوديل أن أعطيك هذا". 

أحرج مظروفاً أسمر اللون يحمل شعار شرطة مونتريال في زاويته العليا إلى 
اليسار. 


"رائع! 1 


5247 


وضعتّه في حيبي ثم تبعت رايان إلى الباب. لاء ليس الآن. 

"رايان". 

التفت نحوي. 

"كيف تستطيع أن تقوم بعملك یوما بعد يوم وعاماً بعد عامى من دون أن 
تخسر إعانك باجنس البشري؟" 

م يقدم لي جواباً فورياً» وبدا أنه يركز على نقطة ما تتواجد ما بيننا. التقت 
ا 

يتح اللجنس البشري من وقت إلى آخر رجالا يفترسون من حوهم. لا ينتمي 

هؤلاء 0 هذا الجنس. إنهم جرد بوانت متحولة من هذا الجنس. أعتقد أن هؤلاء 
الأنذال لا يتمتعون بحق سحب الأوكسجين من جونا. إفهم هنا يجولون بينناء ولهذا 
أساعد في عملية القبض عليهم» ووضعهم في مكان لا يستطيعون فيه إنزال 
الأذى بالآحرين. إنئ أساهم في جعل الحياة أكثر أمانا بالنسبة إلى الذين ينهضون 
باكرأء ويذهبون إلى أعمالهم كل يوم ويعتنون بأولادهم أو بمزروعات البندورة في 
أراضيهم» أو بأسماكهم الاستوائية» أو أولئك الذين يحبون مشاهدة مباراة قي كرة 
القدم ني المساء. يمثل كل هؤلاء الجنس البشري على حقيقته". 

رأيئُه وهو يغادر» وأعجبت هندامه. فكّرتُ عندما أغلقتُ الباب كم أنا 
معجة بذكائه. امف بيئ وبين نفسي» بأنه في يوم من الأيام لرعا شاء 


35 


ل : 

توجهت أنا وكا لشراء بعض الثلحات في وقت لاحق من ذلك المساء. 
قدنا السيارة إلى الجبل بعد ذلك. e‏ 
وادي سان لوران بكامله» والذي يبدو من بعيد مثل خط فاصل أسود اللون. 
ظهرت مونتريال من هذا المكان منظراً ساحراً بأنوارها المتلألئة الي تنتشر حي 
أطرافها. 

نظرت من مكان إلى الأريكة؛ وأحسست أن أحد ركاب الرحلة الجنونية 
للسيد تود الفيت الرحلة أخيراء ولعلى أت إلى هذا للكان كي اقول وداعاً. 

أنميت تناول المثلجات ثم حشرت المنديل الورقي في حيبي. لمست بيدي 
المظروف الذي أرسله كلوديل لي. 


548 


اللعنة! ل لا؟ 
فتحته» وسحبت ا مكتوبة بخط اليد. يا للغرابة! ۾ تكن رسالة 
الشكوى الرسمية الي توقعتها. كانت رسالة مكتوبة باللغة الإنكليزية. 


دكتورة برينان 
أنت على حق. لا ينبغي لأح د أن يموت بجهولا . م يحدث هذا للنساء 
بفضلك أنت. اتنهت لحرا لم التي يقترفها ليو فورتييه» نفضل كأنتٍأيضًا. 
إنلنا خط الدفاع الأ حير ضدهم جع . القوادون» وا معتدون على النساءء 
والذين يقتلون بدماء باردة. 
سأتشرّف بالعمل معك حددا. 
لوك كلوديل 


ركنت الأنواز اللظيقة ا قمة ايل تاشر رسالئه فرق الوادي باك ناذا 
قال كوجاك؟ أحدهم يحبك يا عزيزي. 

أصاب رايان وكلوديل كبد الحقيقة. إننا فعلاً حط الدفاع الأخير. 

قلت مذه الليلة الصيفية: "ألقاك قريبا". 

سألتن كاي: "ماذا قلت؟" ش 

"قلت ألقاك قريبا". 

بدت ود على وجه ابني. 

ا 


549 


المؤلفة في سطور 

كان رايكس, هي عالمة أنثروبولوجيا عدلية محازة تعمل في مختبرات العلوم 
القضائية والطب الشرعي في مقاطعة كيبيك. أي أفما مثل الشخصية الخيالية الي 
ابتكرتها. وتشغل المؤلفة المنصب ذاته في مكتب الطب الشرعي في ولاية كارولاينا 
الشمالية. و تحتل المؤلفة أيضا منصب نائب رئيس الاتحاد الأميركي للعلوم 
العدلية» كما تشغل مقعداً في المجلس الاستشاري الكندي لخدمات الشرطة. 
تعمل رايكس بصفتها أستاذة لمادة الأنثروبولوجيا في جامعة كارولاينا الشمالية ف 
فار لر تہ د کے أن الذكتورة رايكين سملت غل دوج کو ر افا امن 
جامعة نورث ويسترن. تقسّم الكاتبة وقتها ما بين شارلوت ومونتريال. أوصلتها 
روايتها الأولى ديجا ديد إلى الشهرة» عندما وُضعت على قائمة الكتب الأفضل 
مبيعاً في حريدة فيويورك تايعزء وأفضل الكتب مبيعاً على الصعيد الدولي» كما 
حازت هذه الرواية على جائزة إيليس الي تُمنح لأفضل أول رواية لعام 1997. أما 
روايتها عظام ورماد, فهي الرواية العاشرة الى تحسد شخصية تمبرنس برينان. 
موقع المؤلفة على شبكة الإنترنت: www.kathyreichs.c0‏ 


551 


كاتى رايكس» هى عالة انثروبولوجيا عدلية تعمل في مختبرات العلوم القضائية والطب الشرعي في مقاطعة كيبيك: اي 


ی 


ل الشخصية الخيالية التى ابتكرتها. وتشغل المؤّلفة منصب نائب رئيس الاتحاد الاميركي للعلوم العدلية: كما 
شغل مقعداً في المجلس الاستشاري الكندي الوطني لخدمات الشرطة. وتعتبر كاثي رايكس واحدة من مجموعة قليلة لا 


فدى عددقنا تة وخصمين عانا من علماء الأتترويولوحيا الغدليين المكازين من الجلش (الآميركى ي للانثروبولوجيا 


ية. تعمل الكاتبة ايضا بصفتها استاذة لمادة الانثروبولوجيا في جامعة كارولاينا امال ق شارلوت: ىكن أن 
حدت مدتة» قد اوصلتها الى الشهرة: وذلك عندما اصبحت ضمن قائفة الكتب الاكثر مبيعا في صحيفة نيويورك 


ت هذه الرواية ايضا بجائزة «ايليس؛ لافضل اول رواية لعاح 1997. احتلت الروايات التي كتبتها المؤلفة 
لاكثر مبيعا في صحيفة نيويورك تايمزء ومنها رواية «الإتنيم الاسون» التى صدرت بالعربية عن 


Death du Jour: Deadly 066151055: Fatal Voyage« Grave لعربية للعلوم ناشرون: بالضاف إلى قاء5667‎ 





المألفة على شبكة الانترنت 018.0077 .XWW.K@†1¥1€|‏ 


ross Bonesو Bare Bones‏ . موقم المؤلفة على شبك 


SBN 978-9953-8749 


ص. ب. 13-5574 شوران 1102-2050 
بيروت - لبنان 


الدار العربية للعلوم ناشرولن] مف:8567/8: (961-1+) 
Arab Scientific Publishers, Inc.‏ فاكس: 786230 (961-1+) 


0015.0 111/11/35 - com.|b.مwWw.asp‏ البريد الإلكتروني: 0011.15.م8250©م25 9 859953758